(1)
ثلاثة عناصر اقترنت وتلازمت في الدعوة الإسلامية منذ قيام النبي عليه الصلاة والسلام بها وهي:
1 – الفكر الذي يتم به الإقناع والذي كانت تنزل به الآيات لمخاطبة المشركين وإقناعهم والتأثير في نفوسهم
ابتداء من دعوتهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والتزام النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه وأصبحوا صحابته بتعاليم الإسلام التي نزلت في الظاهر والباطن أي بالعمل بها واستشعارها في نفوسهم المتصلة بالله التحرك في سبيل الدعوة ونشرها وما يستلزم ذلك من تدبير وتنظيم جماعي. وهذا شأن جميع الدعوات ونشرها وما يستلزم ذلك من تدبير وتنظيم جماعي. وهذا شأن جميع الدعوات إذ إن لها فكرة تقوم عليها وخطة عملية أو حالة نفسية تناسبها وتنظيما حركيا مناسبا لها.
وبناء على هذا يجب أن نتذكر منذ البداية أن الفكر الإسلامي هو جزء من الدعوة الإسلامية وليس هو الدعوة الإسلامية كاملة.
(2)
من الملاحظ أن هناك تحركا في العالم الإسلامي المعاصر ولا سيما في أوساط الدعوة الإسلامية ولدى جميع المهتمين بإحياء الإسلام نحو العودة إلى الإسلام الأصيل المتجلي في الكتاب والسنة. ذلك أن هناك عملة تحرر من البدع الدخيلة التي كونت مجموعة من التقاليد خلال القرون الماضية. إذ إن هذا (الإسلام الموروث) الذي هو مزيج من الصحيح الأصيل والخبل المبتدع في الدين والعادات هو الذي اصطدم بالحضارة الغربية غير الإسلامية التي غزت العالم الإسلامي بقوة تيارها الفكري والآلي فانطلق المسلمون يفتشون عن المخرج الصحيح من الأزمة ووجدوا أن البديل هو الإسلام الصحيح الأصيل. وهناك عملية أخرى وهي التحرر من تأثير الغزو الأجنبي غير الإسلامي ولا سيما الفكري والاجتماعي بدوافع كثيرة أهمها استشعار الذاتية الإسلامية فكان المخرج من ذلك العودة إلى مصادر الإسلام الأصيلة من الكتاب والسنة واستخرج ما فيهما مع الاستعانة بأعلى مستويات الاجتهاد في أزهي العصور ولدى أعظم المجتهدين.
فالنهضة الإسلامية المعاصرة إنما تتجه نحو الاستقاء والأخذ من الينابيع الأصيلة للإسلام ولا سيما من الكتاب والسنة.
ومع ذلك نلاحظ أن الصياغات التي تحاول الاعتماد على الكتاب والسنة في العصر الحديث لا تخلو من التأثر بإحدى النزعتين أو التيارين: تيار التقليد السائد في القرون الأخيرة أو تيار الفكر الغربي سواء أكان ذلك في المضمون الفكري أو في الطريقة والمنهج وذلك حسب التكوين الفكري لمن يكتب في الإسلام.
وفي رأينا أنه كلما برزت وترسخت المفاهيم المتخرجة من الكتاب والسنة مباشرة ضعف التأثيران السابقان من حيث المضمون. وواقع الحال أن العودة إلى الأصل تتسع عمقا وأبعادا.
(3)
إن في الكون الذي خلقه الله ظواهر درسها وما زال يدرسها الإنسان وهو يكشف باستمرار ما يختفي وراءها من اتصال وتناسق يجعل منها وحدة مركبة متناسقة متصلة، وكذلك القرآن الذي هو كلام الله والسنة التي هي بيان الرسول صلى الله عليه وسلم له بأمر من الله الذي أوحاه إليه، ففي القرآن والسنة أخبار عن حقائق وأحكام وهي كثيرة متنوعة وقد توالت عقول المجتهدين على التعمق في فهمها واكتشاف ما بينها من صلات وما وراءها من تناسق وتناسب واتصال، وكما أن الطبيعة التي خلقها الله لم تنفد عجائبها فإن القرآن كلام الله لن تنفد عجائبه ويستمر الفهم البشري – الذي يقوم به المؤمنون به خاصة – في اكتشافه ومعرفة كنهه.
إن هذه المحاولة لكشف ما في الإسلام قرآنا وسنة – من وحدة ترجع إليها الجزئيات تجلت في القرون الثمانية الأولى من تاريخ الإسلام لدى كبار المجتهدين من الفقهاء الذين استخرجوا تقاليد الشريعة وأهدافها، ولدى كبار المفكرين الذين استخرجوا عقائد الإسلام وأصول الدين وكثيرا في العقيدة الإسلامية من علماء التوحيد ولكن المتأخرين من الفقهاء وعلماء التوحيد (العقيدة) والمحدثين جنح أكثرهم إلى الجزئيات وإلى عرض الإسلام بهذه الطريقة الجزئية.
وقد اشتدت الحاجة في العصر الحاضر إلى العروة إلى طريق السلف من جمع جزئيات الإسلام في كليات وربط الأحكام بالمقاصد والأهداف وتصنيفها بعد جمعها في أبواب تجمع المتجانسات، وقد كان هذا النوع من الفهم الشامل الجامع للجزئيات المدرك للمقاصد والأهداف ظاهرا صراحة أو ضمنا لدى علماء الصحابة في أقوالهم وتصرفاتهم.
وإن من أسباب فتنة بعض المسلمين بالمذاهب الحديثة والعقائد الباطلة التي عزت الأمة الإسلامية أنها تعرض في صياغة جامعة مترابطة توهم الناظر إليها بصدق باطلها ذلك أن هذه النظرة الشاملة من جهة والمترابطة الأجزاء من جهة أخرى تكسب هذه المذاهب قوة في الإقناع والتأثير وإن كانت في جوهرها وحقيقتها باطلة.
والإسلام يمتاز من الأصل بهذه النظرة الشاملة وبالترابط والتناسق بين أجزائه مع صحة أسسه وسلامة أهدافه. هذه النظرة تنقذنا من الصور المعروضة المشوهة والمفككة والمذهبية.
(4)
إتمام بيان المبررات:
النظرة الشاملة ترينا موقع كل جزء ودرجته في الأولوية ونسبته إلى نظام كله ونسبته إلى غيره وقد ابتلى المسلمون إلى جانب الإبداع بتغير هذه النسب وبالتالي تغير الإسلام والاختلاف بينهم.
إن عملية (صياغة الإسلام) في عصرنا الحاضر في عقيدته الإيمانية بتصوراتها العامة ومشاعرها النفسية – التي نرمي إلى تكوينها – وتعاليمه الأخلاقية بقواعدها العملية وتوجيهاتها النفسية – وأحكامه التشريعية عملية دقيقة وخطيرة لما يترتب عليها من النتائج. إن ثمة مزالق وعقدات أمام هذه العملية من أبرزها:
(أ) التأثر بالمجتمع المعاصر في الفكر والعادات والانطلاق من أفكاره أو عاداته ومحاولة تأويل النصوص الإسلامية لتوافقها، أو تسلل بعض الأفكار من خلال التعابير الحديثة.
(ب) التأثر بالفكر التقليدي في المجتمع الإسلامي أي بأفكار أو أساليب القرن الماضي مما لا يلزمنا الإسلام به ولا سند له من كتاب أو سنة على سبيل الإلزام.
(ج) التسرع في الاستنباط من نص أو أكثر من غير استقصاء للنصوص الواردة في الموضوع أو عدم استيفاء العناصر اللازمة للقدرة على الاستنباط.
(5)
اعتبارات يجب مراعاتها في الصياغة:
(أ) اعتبار نصوص الكتاب والسنة من حيث مضمونها ودلالتها وتعبيرها وهذا اعتبار ثابت أصيل وهو الأول بين جميع الاعتبارات.
(ب) الاستئناس باجتهادات أئمة المسلمين ابتداء من فقهاء الصحابة وإعطاء ما حصل عليه إجماع في الاجتهاد اعتبارا كبيرا.
(ج) اعتبار الاتجاهات الإسلامية المختلفة إبراز ما في الإسلام من العناصر التي تشد كلا منها إليه بحيث يجد كل منها في هذه الصياغة ما هو موضع اهتمامه الأول فتكون الصياغة معيدا لالتقائها من جهة وطريقا لتصحيح موقف كل منها من جهة أخرى. وأن هذا الاعتبار عظيم الشأن خطير النتائج كثير الجدوى، ذلك أن هذه الاتجاهات المختلفة في كثير من مفاهيمها وأطرها تتصادم الآن في البلاد الإسلامية بل تتصارع صراعا يؤدي إلى إضعاف الإسلام والحركة الإسلامية كما يؤدي إلى تقوية الجهات المعادية للإسلام وإعطائها فرصة النيل من جميع الجماعات الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها وغزوها، والربح على حسابها.
ونذكر على سبيل المثال: إبراز العنصر الخلق النفسي من الإسلام أي جانب تزكية النفس كما عبر عنه القرآن، أو فقه الأعمال الباطنة كما سماه ابن تيمية، وهو الجانب الذي عني به أهل (التصوف) ولكن أضافوا إليه أمورا أخرى مختلفة المراتب في قربها أو بعدها عن الإسلام.
ومن ذلك أيضا إبراز طريقة السلف في العودة في كل أمر إلى الدليل من الكتاب والسنة سواء أكان ذلك في العقيدة أو في الأخلاق أو في الفقه والأحكام سواء أكان ذلك لتحديد الحكم أو القاعدة أو الحقيقة، أم كان ذلك لإثبات فسخ الإسلام المجال للاجتهاد في الرأي دون تحديد، أم كان لتحديد الاتجاه في الموضوع فحسب دون النص على الجزئيات والتفصيلات، فالنص أو الدليل النقلي قد يحيل الأمر على العقل أو على أهل الذكر والخبرة وقد تحدد المضمون تحديدا قاطعا.
ومن ذلك أبرز العنصر العقلي في كل ما وكله الإسلام في نصوصه صراحة أو ضمنا إلى العقل وفيما دل على حكمته المعقولة أو علته المقبولة.
فإبراز كل واحدة من هذه العناصر في حدود ما قرره أو قبله الإسلام سيشد إلى صياغة الإسلام هذه أصحاب الاتجاهات التي تعنى بها وتضعها في المرتبة الأولى وبذلك يلتقي السلفيون والصوفيون وأصحاب النزعة العقلية في فهم الإسلام دون أن يخل ذلك بأصل الفكرة الإسلامية مع تلقيح كل اتجاه بما يهمله أو ينقصه وتصحيح ما كان منها بحاجة إلى تصحيح.
(د) احتواء ما يمكن احتواؤه وقبول الإسلام له من الأفكار والحلول التي استغلتها المذاهب الحديثة المخالفة للإسلام منعا لاستغلالها والتذرع بها.
فعناية الإسلام بحل مشكلة الفقر ومعالجتها على أسس من العدالة والتكافل الإنساني أمر معلوم فمن الواجب أن تتضمن الصياغة العناية بهذه المشكلة في إطار ما أولاها الإسلام نفسه من مكانه وفي إطار أفكاره العقائدية وأحكامه التشريعية عامة.
وفي ذلك سد لطريق من يريد ربط هذه المشكلة بمذهب عقائدي آخر وجر الفئات المعنية بها إليه. وكذلك مشكلة القومية التي اتخذت ذريعة لإقصاء الإسلام باعتباره رابطة اجتماعية وهدفا، فالإسلام لم يتطلب إلغاء القوميات من الوجود ولكنه رسم لها هدفا وطريقا مشتركا وربطها جميعا بهذا الهدف فوحد عقيدتها وغايتها وتشريعاتها وأسس عاداتها وقيمها الأخلاقية. وتحقق بذلك في التاريخ اشتراك قوميات متعددة في تأسيس حضارات إسلامية مشتركة، ولا يزال الباب مفتوحا لتعاون الأقوام على صعيد الإسلام لتحقيق ألوان جديدة من الحضارات مستمدة من الإسلام. والشعار الذي رفعه الإسلام في هذا الباب هو قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) إن كثيرين من أبناء الشعوب الإسلامية من عرب وأتراك وأكراد وإيرانيين وألبانيين وغيرهم أساءوا فهم موقف الإسلام من القوميات من جهة وتطرفوا في شعورهم القومي من جهة أخرى، إذ أعطوا (القومية) المرئية الأولى بين قيم الوجود كلها بتأثر بعض الأفكار الغربية العارضة في التاريخ الأوروبي، فكونوا تيارات قومية معارضة للإسلام وأوهموا فئة من شعوبهم بصحة اتجاههم، واستغلوا ميل الإنسان الفطري إلى عشيرته وقوميته وعملوا على تقوية هذا الميل وتضخمه، والنضج فيه، فسارت فئة المسلمين في كل شعب – دون وعي ولا إدراك لمخالفة الإسلام – في ركاب الاتجاه القومي المتنكر للإسلام.
إن من الممكن والمفيد سد الطريق على هؤلاء في صياغة الإسلام الصياغة الحديثة.
(هـ) إن المرور بالحل الإسلامي للمشكلات الناشئة في المجتمعات الحديثة بوجه عام أمر مفيد وضروري لأننا بذلك نشعر الناس باشتمال الإسلام على حلولها وبعدهم عن الحلول غير الإسلامية وخاصة إذا علمنا أن تسلل المذاهب المخالفة كان باستغلال أوضاع نفسية ومراحل اجتماعية معينة.
(و) أما أسلوب العرض فيحسن أن يراعى فيه أن يكون مفهوما ومستساغا لدى أبناء العصر الحديث ولكن مع الحذر من تسرب المفاهيم الغربية عن الإسلام من خلال الأسلوب وخاصة من خلال المصطلحات والتعابير التي اتخذت في الأصل أوعية لمضامين فكرية للمذاهب الأخرى.
(ز) ومن الواجب مراعاة تقوى الله في استخراج الأحكام والأفكار من نصوص القرآن والسنة والتبرؤ من ميل الهوى إلى رأي سابق في النفس ومحاولة الدقة والاستقصاء في البحث.
(6) من أين ننطلق؟
المنطلق الأول والأساسي للسير في صياغة الإسلام إنما يكون من حيث انطلق بنا القرآن الكريم نفسه، وهو المنطلق الثابت الدائم الذي يأخذ بنا إلى الإيمان بالله وعبادته وحده دون سواه والطاعة لأمره، وترتب حسابه، وذلك عن طريق التفكر والإيمان بالغيب بتصديق رسله إلى الناس.
وهذا لا يمنع أن تكون هناك منطلقات ثانوية أخرى على الطريق وخاصة منطلق العالم الإسلامي المعاصر المكون من اهتماماته الحالية ومنطلق العالم الغربي الحديث باهتماماته النظرية والعملية.
إن العالم الإسلامي المعاصر مهتم بقضايا التحرر من الاستعمار والظلم وللعالم الغربي المعاصر كذلك مواطن اهتمامه، الإيجابية والسلبية، أعني القيم التي يشيد بها والنواقص التي يشعر بها، ويتطلع إلى تداركها، فهو يشيد بقيمة العقل وتقدم الفكر وبحقوق الإنسان وحرياته وبالإنتاج والتقدم المادي وبتوسيع دائرة الإنسانية والتعاون الإنساني، كما أنه يشكو من القلق ويشعر بتردي القيم الخلقية وتفكك الأسرة وإفلاس العقلانية والتقدم المادي، في توليد الاطمئنان النفسي والتحرر الإنساني ويشعر بإفلاس الكنيسة ورجال المدين المسيحي، ويشعر في الوقت نفسه بالحاجة إلى دين يشبع تطلعاته.
إن اهتمامات العالمين الإسلامي والغربي يمكن أن تكون منطلقات ثانوية ومعالم للوقوف عندها وإبراز موقف الإسلام بينها.
المنطلقات القرآنية:
إن المنطلقات القرآنية وإن تعددت تتجه كلها إلى هدف واحد هو توحيد الله أي عبادة الإنسان لله وحده، وطاعته وخضوعه لحكمه وحده، في سلوكه وعلاقته، وقد جعل المحرض الأكبر على ذلك النظرة المستقبلة لحياة أخرى هي حياة الحساب والجزاء، وبناء على هذا يمكن السير في خطين متوازيين أحدهما عقلي والآخر كاشف عن مضمون النصوص القرآنية المقابلة في الموضوع نفسه والتي تلتقي كل اللقاء مع الخط الأول.
عرض موجز لمراحل الصياغة
1 – إن النظرة العلمية إلى الكون مقتصرة – كما يقول أصحابها وكما يقررها فلاسفة العصر والمختصون بفلسفة المعرفة ومناهج العلوم – على استخراج الصورة الحقيقية للكون وقوانين حوادثه، ولا يستطيع العلم أن يحزم بما وراء ذلك ولا أن يجيب على تساؤلات الإنسان من خلق الكون، وإلى أين ينتهي وبالتالي لم يستطع أن يرقى بالإنسان ولا أن يسعده. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يستخرج من الحقائق العلمية عن الكون يستخدم لغايات وأهداف لا يحددها العلم وليس ذلك من وظيفته، فلا بد إذن من الأخذ بنظرية الأخلاق، ولا بد من الأخذ بتصور عام للوجود تكون هذه الحقائق جزءا منه ولكنه أوسع منها فمن أين يؤخذ هذا التصور وليس هذا من اختصاص العلم التجريبي.
2 – يتبع هذه الفكرة الوصول إلى عقيدة الإيمان بالله من التسلسل المنطقي الذي ينطلق من الحقائق العلمية من سنن الكون وتطوره إلى الله خالق الكون ومبدعه والخالق المقدر لسنته ونظامه النسبي.
3 – بيان أن ما انتهينا إليه من الصورة العلمية المعقولة عن الكون ومن انتهائها إلى خالق الكون هو ما جاء به القرآن في جملته أي: النظرة الواقعية المشتملة على النظام النسبي لحوادث الكون وعلى استعمال الحواس والعقل لكشف حقائقها.
4 – لم يتحرر الإنسان باعتباره إنسانا قديما وحديثا في ظل مختلف الأنظمة الديمقراطية والاشتراكية فهو عبد للآلة وللإنتاج وللمجتمع – كالحزب والمنظمات السياسة أو الاقتصادية وذلك يتجه لتأليه قيم لا تستحق التأليه.
فالإنتاج ورفاهية العيش هي الغايات العليا والحزب في النظام الاشتراكي هو المشروع العلي وإعلاء القومية هو هدف بعض الأنظمة إلى غير ذلك مما سبب الصراع بين البشر وتفشي الأثرة وتردي الأخلاق نتائج كثيرة سيئة آخذة في التزايد ولا سبيل إلى التخلص من هذه النتائج إلا بإرجاع كل من هذه القيم إلى مكانها كأجزاء من الحياة والكون وجعل المهيمن الأعلى عليها جميعا هو خالق الكون والمشرع الحقيقي للكون وللإنسان وهو الله.
إن ما كتب من قبل الغربيين أنفسهم ولا يزال يكتب في نقد الحضارة الغربية مفيد جديد في هذا المجال ويمكن أن يضاف إليه:
أن القرآن عني جدا بتحرير الإنسان من العبودية للبشر سواء أكانوا ملوكا كفرعون الذي يمثل السلطة السياسة، أو أغنياء كقارون الذي يمثل السلطة المالية، أو كانوا أنبياء كعيسى ابن مريم، أو أي قيمة من القيم التي ذكرتها آية (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره…) التوبة 24.
وقد خصص القرآن سورة خاصة للإشادة بالتحرير وجعل الطريق للتحرر السلبي إيجابيا يجعل الإنسان غير خاضع إلا لخالقه وخالق الكون وهذه السورة هي سورة القصص التي تنتهي بالحل النهائي المعبر عنه في آخر آية في السورة.
(ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون).
أفكار قرآنية أساسية لبناء الصياغة:
1 – الله خالق الكون مادة ونظاما أزلي الوجود.
2 – خلق الله الكون في البداية ثم جعل له طريقا أو أطوارا ذات سنة منتظمة لتكامل وجوده، وهذا ما تشير إليه عبارات “في ستة أيام” و”في يومين” و”أربعة أيام” “ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده” و”إلى السماء وهي دخان”…
3 – جعل الله الخالق لوجود الكون وحوادثه سننا (قوانين) يسير بموجبها.
4 – العقل مستعينا بالحواس أداة لكشف حقائق الكون وسننه وإشارات القرآن في ذلك صريحة وواضحة والسنة تؤيد ذلك وتبينه.