المسلم المعاصر – لماذا؟ وإلى أين؟
كتب رئيس التحرير في العدد الافتتاحي محددا خط سير مجلة ” المسلم المعاصر ” والمنهاج الذي ستنطق على هدية . وكان يفترض ان يكون ذلك التحديد كافيا وشافيا ، بحيث لا يحتاج معه وبعده الي طرح الموضوع من جديد . ولكن الامر لم يقف عند هذا الحد اذ ظلت وجهة المجلة ومنهاجها مادة للنقاش والاخذ والرد . . وحتي انه بدا لي – لكثرة ما كتب وقبل في الموضوع
- ان منهاج المجلة اعتراه التميمع وغشيه الضباب
من هنا اسميح اخي رئيس التحرير ، والاخوة القراء . العذر لتناولي الموضوع مجددا ، مبتغيا ان لا يبقي في الامر خفاء . ومهما يكن من امر فان هذا التصور الذي اطرحه لا يعدو كونه مجرد تصور شخصي ووجهة نظر خاصة ، وان كنت اعتقد ان الكثيرين من رعاة المجلة يشاركونني الرأي .
ما اخالني بحاجة الي مناقشة ما طرح من اراء . . ولن افعل ذلك بل سأحاول جلاء القضية في اطار العنوان الذي اثبته في رأس هذه المقالة .
لماذا ظهرت ” المسلم المعاصر ” ؟ ؟ اكان ذلك بسبب النقص في عدد المجلات الاسلامية ؟ الكي تنضم الي سابقاتها وتصبح صوتا مساندا جديدا ناطقا باسم التيار الاسلامي معبرا عنه واي تيار اسلامي ؟ لا مراء في ان قضية المنهاج على درجة كبيرة من الاهمية ، وهي تحتاج منا ان نعيها ونحددها بوضوح من اول الطريق .
لقد كان ظهور المجلة نتيجة لتفكير طويل من قبل مجموعة من الاصدقاء الذين اكثرهم اعضاء في احدي الجماعات الاسلامية ، لكنهم التقوا جميعا على القناعة بان جميع الحركات الاسلامية العاملة في البلاد العربية والاسلامية ليست بمستوي ما ترفعه من شعارات ، وليس بمقدورها التصدي لقيادة الامة وارساء قواعد النهضة المرجوة ، كما انها ليست بقادرة على اصلاح امراضها . كذلك ادرك اولئك الاصدقاء ان لديهم احساسا مشتركا بالفراغ في حقل التوجيه العام .
ومن هنا رجوت ان تصبح المجلة صوتا جديدا . . من خارج الجماعات والحركات الاسلامية كلها ، ويخاطب الاسلاميين . . كما يخاطب غير الاسلاميين ، وهذا الصوت ليس من شأنه ان يكون مكملا او مساندا لما سبقه ، كما انه ليس من شأن المجلة ان تكون مناوئة لتلك المجلات او لما سبقه ، كما انه ليس من شأن المجلة ان تكون مناوئة لتلك المجلات او الحركات الاسلامية . قد تقوم بدور الناقد والمقوم لكل الأوضاع الفكرية المعوجة في تاريخ امتنا وفي حياتها الحديثة والمعاصرة على السواء ، ولكن النقد لا يعني الخصومة او الكيد او دق طبول الحرب ، ولا ينفي الاحترام المتبادل والاعتراف بحق اصحاب الاجتهادات المخالفة في التعبير عنها وممارستها غلي انشاء خط جديد في التوجه الاسلامي والانساني ، وذلك ما أفهمه ، وذلك ما كنت ارجوه وما زلت الح عليه واوكد ضرورته .
ويبدو لي ان فكرة التميز والاستقلالية لم توضح بدرجة كافية ، على الرغم من اهميتها ، كما ان كا كتب من مقالات وتعليقات وملاحظات غمر فكرة التمييز والاستقلالية حتي كاد يطمسها تماما وهذا الغموض يأتي من ثلاث نواح .
اولها حقيقة انتماء ناشري المجلة ورعاتها وكتابها الدائمين .
ثانيها مضمون الابحاث والمقالات والتعليقات المنشورة والانطباع الذي يتركه هذا المضمون . ومن الواضح ان كل ما كتب يحمل روح الاطراء ثانيها مضمون الابحاث والمقالات والتعليقات المنشورة والانطباع الحذر الملفوف بالعبارات المخففة الملطفة المقيدة لمداه .
اما الناحية الثالثة فهي ان التعريف بمنهاج المجلة صدر في عبارات مستحية . . وتتداري خشية من عتب العاتبين وثورة الغاضبين .
واري ان علاج هذا الغموض ضروري منذ البداية ، وان التساهل او الاهمال ستنتج عنه مشاكل خطيرة وكبيرة في المستقبل ، والعلاج المنشود يمكن ان يكون عن طريق تنفيذ الخطوات التالية
- توضيح استقلالية المجلة بشكل جلي لا يبقي غموضا ، وتأكيد ان اهدافها لا تنحصر في سد بعض الثغرات في عمل الجماعات الاسلامية والمجلات الاسلامية المعاصرة ، باعتبارها مكملة لها ، بل تهدف الي شق طريق لاتجاه فكري جديد . مع التأكيد في الوقت نفسه ان المجلة لا تسعي لإقامة تشكيل حربي جديد ولا تريد ان تغرق في مشاكل التنظيمات والانشطة الحزبية كما غرقت الجهود السابقة ، وكما لا زالت تغرق جهود كثيرة .
- ان يكون ما يكتب في المجلة من ابحاث ومقالات منسجما مع خطها الاساسي الذي نشأت من اجله . وان يكون ما يخرج عن هذا الخط مجرد تعليقات او مناقشات او افكار تطرح للحوار ( بناء على استكتاب ) يكتبها معارضو الاتجاه الجديد . ويأتي هذا التسامح من جانب ” المسلم المعاصر ” انسجاما مع مبدأ تبني اسلوب الحوار اما جعل المجلة منبرا مفتوحا لكل من يرفع شعارا اسلاميا فسيفقد المجلة هويتها . وينبغي ان يتضمن كل عدد نسبة معينة من البحاث التي تمثل اتجاه المجلة الاصيل ونسبة انطلاقة موحدة او متفهمة لخير العرب والمسلمين . ” متحررة من ” القيود المذهبية القديمة ” و ” من الالتزامات الحركية الحديثة ” .
وهكذا فان مجرد رسم الخطوط العريضة لمنهاج المجلة من خلال عبارات تخرج على استيحاء . وتختلط بالمجاملات ليس بكاف في حد ذاته لتأكيد التميز وجلائه . سيما اذا جاءت الممارسة العلمية التالية ، وعلى المدي الطويل ، بفيض من الشعارات التقليدية والمقالات الحماسية المعترضة. لدرجة تغرق العبارات التعريفية التي وردت في العدد الافتتاحي وتذوبها في بحر النسيان ، باعتبارها مجرد شعارات لم يصدقها التنفيذ العملي في مسيرة المجلة ، والحقيقة ان الانطباع العام الذي يتوصل اليه قارئ الاعداد التي صدرت – بالنسبة لهوية المجلة – هي انها مجلة مناصرة لاحدي الجماعات الاسلامية المعروفة ، فهل هذا هو ما اراده او يريده منشئو المجلة ؟ ؟ ؟ ؟
واذا كان للباحث الحالي ان يطرح تصوره لمنهاج المجلة فان هذا المنهاج يتلخص في كونه ينطلق من الايمان بالله . وبمبادئ الاسلام العامة وقيمه ، ويهدف ان يصبح هذا الايمان وتلك المبادئ والقيم مرتكز حياة الامة الاجتماعية والفكرية والسياسية على السواء ، ويستوحي من هذا المنطلق مبادئ الأخوة الإنسانية والتعاون والتفاهم بين الأفراد والجماعات ، وبين شعوب العالم ودوله ، في إطار مبادئ الحق والعدالة ، من خلال الحوار والعدالة من خلال الحوار وسيلة لذلك .
ومن أول اهتمامات هذا المنهاج وأهدافه إنهاض أمتنا من سباتها الطويل والبحث عن جراثيم أمراضها وأسباب عللها وتسليط الأضواء علي تلك الجراثيم ، ثم ارتياد الطرق الجديدة للنهضة ، وهي طرق لا تتعارض من المنطلق من المنطلق الأساسي للمنهاج لكنها قد تختلف عن تلك التي رسمها التراث وسار فيها السلف .
ولا بد أن يكون المنهاج وأن تكون مسيرة “المسلم المعاصر” ، معبرة عن استقلالية المجلة وعدم تبعيتها أو انتمائها أو مناصرتها لأي حزب أو جماعة أو حركة إسلامية ، وكذلك عدم التبعية لأية حكومة من الحكومات .
وإذا كان الحوار هو الوسيلة المفضلة في منهاج المجلة ، وإذا كانت المجلة تعتبر من أهدافها إقامة جسور التعاون بين المؤمنين بالإسلام وغير المؤمنين به “بغية الوصول إلي أرضية مشتركة تعين علي انطلاقة موحدة أو متعاونة متفهمة لغير العرب والمسلمين” “متحررة من القيود المذهبية القديمة” و “من الالتزامات الحركية الحديثة” فإن ذلك يقتضيها أن لا تنتظر حتى يبادر الآخرون بالحوار ، ولا يكفي أن تطرح المواضيع من خلال أبحاث كتابها ثم تنتظر التعليقات ، بل إن عليها أن تتصل بمفكرين يمثلون الاتجاهات الأخرى ممن يهتمون بالحوار لاستكتابهم في موضوعات محددة .
أما إذا اكتفت المجلة بالموقف السلبي فإنها بذلك تلغي مبرر صدورها .
ونأمل أن لا يكون الأمر كذلك .. وإنا لمنتظرون .
تعقيب التحرير :
لست من أنصار تكرار الكلام وإعادته حتى يرسخ في الأذهان ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق برسالة المجلة ومنهجها ، وأوافق الكاتب الكريم علي أن ترجمة ذلك في أبحاث المجلة هو خير تعبير وتأكيد … وأرجو أن تتمكن المجلة – بمعاونة الكتاب الكرام – من تحقيق ذلك وتأكيده عددا بعد عدد ….
والذي أدهشني حقاً في حديث الكاتب الكريم هو أن الانطباع العام الذي يتوصل إليها قارئ الأعداد التي صدرت – بالنسبة لهوية المجلة – هي أنها مجلة مناصرة لإحدى الجماعات الإسلامية المعروفة … وإن كل ما يكتب يحمل روح الإطراء والتأييد لهذه الجماعة …
أدهشني هذا لأني لم ألمس ذلك مطلقا من خلال التعليقات الشفهية والمكتوبة التي وصلتني كردود فعل للأعداد الماضية التي ، كما أني لا أوافق الكاتب الكريم علي أن كل ما يكتب يحمل روح الإطراء والتأييد لإحدى الجماعات الإسلامية ….
وكذلك لا أوافق الكاتب الكريم علي أن القائمين علي المجلة (ناشريها ورعاتها وكتابها الدائمين) ينبغي أن يؤكدوا موقفهم من قضية الانتماء السابق ويؤكدوا أنهم تخلوا عن ذلك الانتماء .
ذلك أن قضية الانتماء قضية شخصية ولا تقف منها المجلة موقف العداء ، فلكل مسلم أن يعمل للإسلام – بل عليه أن يعمل أما منفرداً أو في جماعة وإن كل العمل في جماعة فضل بكثير من العلوم الفردي – طبعا العمل الجماعي بمواصفاته التي شرحنا بعضها في افتتاحية هذا العدد … فالمجلة منبر عام ليست قاصرة علي المنتمين إلي جماعة معينة كما أنها ليست قاصرة علي المستقلين والأحرار ، فهي للطرفين معاً ، وطالما أن الانتماء سابقاً أو حالياً للقائمين علي المجلة – من ناشرين ورعاة وكتاب دائمين – لا يؤثر علي خط المجلة واستقلاليتها ، فتبقي قضية الانتماء قضية شخصية وليس بلازم أن يكون موقف الكاتب الكريم من انتمائه السابق قدوة للآخرين في هذا المجال ….