نقد منهجي

ملاحظات نقدية عامة

تمهيد

ظهرت مجلة المسلم المعاصر خلال فترة – أعتبرها – تمثل منعطفاً تاريخياً للأمة العربية والإسلامية ، فهي نهاية قرون التخلف التي هوت فيها إلي أقدام الحضارة الإنسانية وبداية الصعود إلي قامتها ، وكانت امتنا العربية أشبه بمن يندفع ويدفع إلي هوة الانتحار الحضاري إلي الدرجة التي صدقناها وأيست قلوبنا منها وكدنا ننساق إلي ما يقولون لولا رواسب من ايمان وقواعد راسخة من اسلام لم نفرط فيها ، ولن نفرط . . وأصبحنا وأمسينا في حيرة من أمرنا واعتزازنا بإيماننا وقيمنا وبين دهشتنا لتقدم مخالفينا مادياً ومعرفياً وهم يتقدمون ويسرعون ونحن نلهث محاولين ادراكهم ، ونتعثر ونتساءل دون اجابات قاطعة حاسمة ومفتقرين إلي رؤيا واضحة .

ومن ثم فان انتهاج اسلوب للحياة يهتدي به ( المسلمون المعاصرون ) في القرن الخامس عشر الهجري – والواحد والعشرين الميلادي في إطار تعاليم دينهم لن يحقق له النجاح الا بمعرفة الحاضر والاستبصار للمستقبل والاسترشاد بايجابيات ماضيهم أي بما أملاه التاريخ علينا من تجارب متباينة سواء عندما كانت الأمة متوحدة أو متفرقة وهذا لا يقلل من قيمة الجهود التي اسهم بها والتجديد في أقليته ، إلا أنه والحق يقال من قيمة الجهود التي اسهم بها الجهود المتناثرة في دائرة يمكن إدراك محيطها ، واعتقد وهذا رأي شخصي – أن مجلة المسلم المعاصر هي احدي المحاولات التي قد تسهم في تجميع وتصنيف وتحليل وتفسير الفكر الإسلامي القديم منه والحديث سواء منه ما يستنبط النظريات والأحكام من المسلمات التي نزل بها القرآن وأثبتها الحديث ، أو ما يستقرئ من الوقائع والتجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومختلف شئون الحياة الماضية والحاضر ، واتجاهات وحلولا للمشاكل التي تتحدي مسار الطريق نحو تحقيق أهداف المسلمين المعاصرين .

ومقياس نجاح هذه المجلة في أداء رسالتها ليس بالكم الذي يوزع منها بل بالكيف الذي يؤثر في النفوس والعقول ، التي قد تتفق أو تختلف على أبعاد القضايا التي تثار وقد يؤدي هذا غالباً إلي إرساء قواعد ومبادئ عامة من الفكر المشترك بين المسلمين المعاصرين وتبقي القضايا الخلافية علامة صحة على حيوية الفكر والقدرة على التجديد . . وبهذا ينمو التراث الحضاري لأي شعب من الشعوب .

والمجلة بهذا الوضع لا تعبر عن تيار حركة بذاتها بل هي بوتقة لصهر الفكر الإسلامي ، فهي بمخططها ترحب بالمستحدث من الأفكار والتقليدي منه ، فالأصل من الفكر لا غني عنه بتاتاً واستكشاف الحديد فرض ديني كما هو واجب دنيوي – اذ أن تحري الحق ليس بالحديد على العلماء من المسلمين القدامى والمحدثين . . ومحالفونا شهدوا لنا قبل أن نشهد لأنفسنا ونقلوا عن حضارتنا قبل أن ننقل عن حضارتهم . .

دور النقد الموضوعي :

والمجلة القت على نفسها مسئولية كبري ، هل تدرك أبعادها أم لا – واعتقد انها تدرك ، ولذلك فان انتهاج اسلوب النقد لا عمالها هو خير رقيب وأمين ، فالأعمال والأفكار بعد إذاعتها ونشرها ليست ملكاً لصاحبها بل لكل مفكر أو قارئ أن يناقش ويحاور هذه الأفكار ، فعندما اعبر عن افكاري بصوت مسموع فلصاحي كل الحق أن يتفق أو يعارض ، وعندما أخط بقلمي خاطرة أو فكرة فلقارئها كل الصواب أن يتقبل أو يرفض ، ان اتساع الصدور للنقد ورحابة الافق للمعارضة هو مؤشر على النمو والازدهار فكراً ووجداناً وسلوكاً ، والدليل من الأصل –القرآن ” وأمرهم شوري بينهم ” وفي السيرة معارضة الصحابي لموقع معسكر ( بدر ) قبل الالتحام ، ومراجعة امرأة مسلمة عمر بن الخطاب ” أصابت أمرأة وأخطأ عمر ” والأمثلة على ذلك كثيرة من التراث ، وعندما اخمدت جذوة النقد بين السلف كان ذلك علامة اندحار وتدهور تراكمت عبر عهود الحكام الوارثين والمستبدين ظهرت نتائجها في انزواء مؤقت للحضارة الإسلامية وأمثلة اخري من العصر الراهن عندما اجهضت الحريات وسلط سيف الإرهاب على المفكرين اتهزمت أمم وانتكست شعوب .

ان ارساء قيم النقد الموضوعي ، دون هوي أو غرض أو استعلاء أو شهرة مفتعلة لكفيل بالنجاح والتقدم وتحقيق الهدف ، فلو نتج عن محاولة هذه المجلة تدعيم قيم الحق – في الفكر على أقل تقدير – وذلك بين المفكرين والقراء فاعتقد أن المجلة قد حققت أهم أهدافها بل وأثقلها وزنا .

نوعية القراء :

وبهذه المناسبة قد يثار تساؤل عن نوعية القراء لأنه من العسير أن تمتلك مثل هذه المجلة قدرة التفاهم مع جميع فئات الجمهور من القراء وذلك لاختلاف المشارب والفروق الشاسعة بين المستويات التعليمية والثقافية فيما بينهم وذلك واقع لا يسعنا الا أن نقره ونعترف به ، ومن أجل ذلك يصبح المجلة مكملة والإرشاد لفئات عريضة من المسلمين تضيق صدرها بقراءات خصائصها النقد والتحليل والتفسير القائم على افتراض خلفية من المعلومات الدينية والحياتية الاساسية ، إلا أنه لا يسعنا إلا أن نطلب من هذه المجلة التي هي أقرب إلي التخصص أن تفرد باباً من أبوابها مهمته تعريف المفاهيم والمصطلحات وتبسيطها حتى يتسنى للراغبين في الترقي ومجاراة تيارات الفكر المعاصر أن يتدرج فيها ويصبح من قرائها الدائمين .

نوعية الكتاب :

كما لا يفوتنا أن ننوه إلي نوعية الكتاب واسلوبهم في الكتابة ، فيلاحظ أن البعض قد يستغرق في اسلوبه التخصصي والأخر يسهب في عبارات مطاطة ومترادفات أشبه بالإطناب الكائن في خطب الحماس استعداداً لتكوين جمل اخري ، وقارئ السبعينات غير قارئ الاربعينات أو الخمسينات ، اذ أن بعض الكتاب يغفل عن النماء الذي يحدث في شخصية قارئيه وعقلياتهم ، فقد كان أسلوب الوعظ المغلف بالمعاطفة واستثارتها ملائماً لفترة زمنية سابقة بينما اتضح أن مخاطبة العقول بالحق والمنطق والادلة والبراهين هي السمة الغالبة في هذه الأيام وذلك امر يتماشي مع طبيعة التطور الفكري والوعي الاجتماعي والسياسي ، فمعالجة القضية والفكرة بأسلوب مباشر وأقصر طريق أجدي من وضع الحواشي والزخارف من القول .

ملاحظات نقدية نوعية :

وهناك بعض الملاحظات النقدية التي تتصل بالعددين الاول والثاني وذلك من حيث الشكل ومناهج البحوث التي عرضت فضلاً عن مناقشة بعض القضايا في المضمون .

أما من حيث الشكل فان تصنيف المحتويات بالوضع الحالي علي درجة من الجودة لا غبار عليها ( كلمة التحرير – الابحاث – الحوار – نقد كتب – خدمات مكتبية – مؤتمرات وندوات واخبار . . ) ونقتصر في ملاحظاتنا النقدية على بابي ( حوار وأبحاث ) باعتبارهما المحور الرئيسي لعمل المجلة ، أما باقي الأبواب فهي أبواب مساعدة ولا غني عنها .

الحوار :

الحوار هو الأسلوب الحيوي الذي يمكن الكتاب والقراء من إعمال الفكر والالتقاء والافتراق حتى يتوصلوا إلي اطار عام متسق بين عقولهم ومنهج تفكيرهم وخاصة في القضايا المعاصرة ، إذ أنه بالفعل يوجد أحد أدني مشترك من القواعد ، الأساسية للعقيدة والإيمان وذلك من فضل الله . .

وحبذا لو كان ثمة إعداد مسبق من هيئة تحرير المجلة لطرح فكرة لموضوع مثل ” امكان الاجتهاد في أصول الفقه ” الذي عرض في أكثر من موضع في العددين السابقين ، وتوجيه الدعوة إلي الكتابة الموجزة فيه ثم تجمع الآراء وتصنف وتعرض عرضاً اقرب إلي الحوار الحي ينتهي منها مصنفا الحوار إلي استخلاص الآراء المتوافقة والأخرى المعارضة – اعتقد – ان ذلك يكون اكثر فعالية من مجرد بسط وجهات نظر مختلفة العرض والشكل والاسلوب . . وقد تكون عبئاً جديداً على هيئة تحرير المجلة ، أرجو أن تضعه موضع الاعتبار حسب امكاناتها .

أما الأسلوب الثاني الأكثر حيوية فهو اللقاء المباشر بين المتهمين والمختصين في شكل ندوة أو أكثر حول موضوع ما يستخلص منه المناقشة وتعرض على صفحات المجلة في باب حوار وان كان هذا فيه كلفة في المال والوقت والجهد ، إلا أنه أكثر فعالية ولا يشترط أن تحدث في كل عدد بل يكفي ندوتان كل عام على الأقل .

البحوث :

أما باب الابحاث الذي يتناول المقالات الرئيسية في العدد ، التي تعالج المسائل والمشاكل والظواهر والنظم المعاصرة فمن الأخرى أن يكون هذا الباب تحت عنوان ( بحوث ودراسات ) ، حيث أن أغلب ما عرض من مقالات يندرج تحت بند الدراسات التي تعالج الموضوع معالجة مكتبية يغلب عليها التنظير واستخلاص ما انتهت اليه كتابات أخري ودراسات سابقة عليها وذلك بالمقارنة والتحليل ، وهذا في حد ذاته ينطوي تماماً تحت مفهوم الدراسة العلمية اذا خلت من الانطباعات الذاتية والتأملية دون الارتباط بأسدنيد صادقة .

وينبغي بالنسبة للبحوث أن يشار بان البحث العلمي في مجالنا هو بحث في نطاق الانسان وعلاقاته مع الغير والنظم التي يخضع لها والعادات والتقاليد والقيم والثقافات التي يعيش في مناخها – أي إن البحث التي يحتاج اليها تتصل بالمجتمع قبل أي شئ ، والمجتمعات المسلمين التي بادر بها كثير من المستشرقين وامسي المفكرون من المسلمين يسعون وراء مؤلفاتهم وبحوثهم للتعرف على ما توصلوا إليه وما استوثقوه منه وما حرفوه ، هذا بالإضافة إلي الأوضاع الراهنة لبعض المجتمعات العربية والإسلامية ووصف المجتمعات والمؤسسات الدينية وتحليل المعتقدات السائدة سواء الصحيح منها والمحرف ، ومنهم من يعتبر أن دراسات المجتمعات الإسلامية مهما كانت أنمطها وعقائدها المذهبية تدخل في نطاق علم الاجتماع الاسلامي وان قصدوا دراسات متنوعة عن المجتمعات الاسلامية وهذا لا غبار عليه ان فصلوا الواقع المتغير لهذه المجتمعات بأنماطها المتباينة عن النسق الايدولوجيا الأساسي المعتمد من القرآن والسنة .

والمتوقع من البحوث التي تنشر في مجلة المسلم المعاصر – وغيرها – ان تفتح الأبواب للباحثين في العلوم الإنسانية ، وان يطوعوا جهودهم لدراسة المستحدث من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتغير ورده إلي الاصول الثابتة التي لا خلاف عليها الإطار النظري الفكري والتشريعي والاجتماعي ، حتي يجيبوا على التساؤلات التي لا يجد المعاصرون لها إجابة حتي الأن ، واعتقد أن جهود الباحثين المسلمين ومن يرغب من غير المسلمين لو نظمت في نطاق مؤسسات علمية – أهلية كانت أو حكومية – لقدمت الكثير من الاجابات والنظريات العلمية التي تنقذ السائلين من حيرتهم خاصة من بيدهم مقدرات الامور ومتخذي القرارات . وإذا كان ( ابن خلدون ) أول مؤسس لعلم الاجتماع – علم العمران حسبما اطلقه عليه في ذلك الوقت – قد افاد غيرنا اكثر مما استفاد منه الباحثون من المسلمين ، فكراً ومنهجاً وتحليلاً ، فلا ينبغي ان ننتظر ابن خلدون أخر يقدم لنا انجازات على نفس العمق والمستوي بالنسبة إلي عصره ، بل ان البحث العلمي في عصرنا هذا لا يحقق أغراضه إلا بتكاتف الجهود وتكوين فرق البحث وتنظيم وتخطيط برامج بحوث علمية تخطينها مراحل التخلف في ميادين البحث العلمي .

وقد يكون انتشار معاهد أو مراكز اجتماعية متخصصة في الدراسات والبحوث الإسلامية سواء منها ما يحقق التراث الإسلامي ويحلله أو يتناول واقع المسلمين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني أمل يراودنا جميعاً يحتاج إلي الايمان برسالته واهدافه ويدعو المفكرين المقتدرين من الحكومات الإسلامية والمؤسسات المالية والاقتصادية وكذلك الافراد . . إلي تمويل هذه المعاهد والمراكز والباحثين الجادين .

شكل ومحتويات المقال :

وإذا عدنا مرة أخري إلي المقالات العلمية في باب ( بحوث ودراسات ) فاته يجدر التنويه إلي أن المقالات العلمية لها هيكل خارجي متفق عليه تقريباً وحبذا لو استرشدنا به عند نشر كل بحث أو دراسة ، فيمكن الكاتب أن يبدأ بعرض موجز يمثل مقدمة البحث ثم المشكلة أو الظاهرة المراد دراستها وعرضها وتحليل ما ورد عنها من أراء ونظريات ودراسات سابقة – ثم يوضح المنهج الذي اتبع في دراسة أو بحث الموضوع والطرائق التي استخدمها لجمع المادة العلمية ، وبعد ذلك يتناول محور الموضوع الاساسي مناقشاً ما توصل اليه من نتائج قائمة على التحليل مبدياً وجهة نظره القائمة على إستدلالته الاستنباطية والاستقرائية وأخيرا يستحسن بلورة هذه النتائج في صورة استخلاصات أو ملاحظات ختامية . إن هذا الإطار يمكن القارئ من الهيمنة على أطراف الدراسة أو البحث من بدايتها إلي نهايتها وفي نفس الوقت يكون كاتب المقال قد أحاط نفسه بخطوط فكرية عامة تعصمه من الشطط والابتعاد عن الشتات من الأفكار إلي تتداعي بصورة غير منظمة حامياً نفسه من الاطناب والاسهاب الذي يغمر فكرته الاساسية بحواشي كثيرة تبعثر انتباه القارئ .

ويستحسن أن يتصدر كل مقال أو بحث أو دراسة ، تحت العنوان ، ملخص مستقل لا يتعدي ( من 7 – 10 سطور ) وبالبنط الصغير يوضح المحور الاساسي الذي يدور حوله الافكار والمناقشات والنهج الذي استخدم للتوصل لاهم النتائج  . . وهذا الشكل ليس بمستحدث ولكنه متبع في الدوريات العلمية .

مثال تطبيقي :

وعلى هدي التمييز السابق بين الدراسة والبحث فان الاعمال الرئيسية للمجلة في العددين السابقين تحت ( باب ابحاث ) لا ينطبق مفهوم ( بحث ) عليها إلا في مقال واحد ظلم صاحبه نفسه وغيره عندما وضع عنوان مقالته ” خواطر حول ازمة الخلق المسلم المعاصر ” اذ أنه من خلال اطار نظري واضح المعالم ، عن مضمون اخلاق الفكر ووحدة البناء الخلقي وتأثر ذلك بنمط الاتجاه الفكري ( علمياً ) كان أو ( غيبياً خرافياً ) ، وخطورة الانحراف الفكري وتأثيره على اسلوب الحياة والتنظيم الاجتماعي والشخصية ، قام صاحب المقال بتطبيق الاسلوب التاريخي في البحث عندما حلل صورتين عن المقيم الخلقية الرفيعة – التسامح ( مع أهل الذمة ) – العفة ( عند المرأة ) ، كما حاول تحليل ظاهرة تفشي السلبية وما يترتب على ذلك من ركون إلي الضعف في الشخصية والمجتمع وذلك كأثر من أثار عصور الانحطاط التي مر بها المسلمون خلال حقيات تاريخية عريضة .

ومن أهم الامور التي تعطي هذه المحاولة وزناً أكبر ، القسم الثاني من البحث عن التجمعات الإسلامية المعاصرة وأزمتها الخلقية ، ولنا هنا ملاحظة أن الباحث استطاع استقراء بعض النتائج من خلال تجارب هذه التجمعات في الحركة الاسلامية وهذا نوع من البحث الاستطلاعي الذي يطرح فيه بعض النتائج التي استخلصها من معايشته لبعض هذه الجماعات وملاحظاته لها وجمع المعلومات عن بعض الجماعات الأخرى من خلال نشراتها ومناقشة اعضائها . .

ومن الأمور الشائعة في أيامنا هذه أن البحث لا تتوافر شروطه إلا إذا استند صاحبه إلي بيانات رقمية وإحصائيات عن طريق أدوات بحث –كاستعماره بحث مثلا – يجمع من خلالها المعلومات والبيانات ، أو عن طريق تحليل مضمون أفكار هذه الجماعات من خلال كتبها ونشراتها المختلفة ، الواقع أن هذا مطلوب ولا خلاف عليه كأساليب بحث وطرائق متعارف عليها . . إلا أن الاساس الاول للبحث هو الملاحظة والمعايشة خاصة بالنسبة للجماعات والتجمعات الصغيرة أو التي يمكن بإطراف أبنيتها و نظمها وتقاليدها واغراضها . . وما دام هذا ممكناً فان الشروط المنهجية للبحث متوافرة ، والباحث هنا يعرض بياناته وتحليلاتها ولغيره الحق في مراجعتها والتحقق من مدي صدقها وثبوتها . . أو هو نفسه يستطيع فيما بعد إجراء بحوث أكثر شمولاً ومقارنة وتعمقاً لهذه التجمعات الإسلامية .

خلاصة القول أن الباحث قام باستعراض وتحليل ملاحظاته المنظمة من مجتمع البحث أو عينة منه وهذا ببعده بالضرورة عن ما تواضع عليه لنفسه بالنسبة لعنوان المقال بانها ( خواطر ) فالمحاولة بحث علمي – وان كان محدود الامكانات – ويطربنا ان نقول أن شيوع هذا المنهج لغير المحترفين لهذه البحوث العلمية أمل يراودنا جميعاً لتحري واقعنا والتخطيط لمستقبلنا ، ان ايجابية هذه المحاولة تعفينا من التعرض في هذا المجال الضيق إلي تناول بعض الجوانب في الشكل والمضمون اذا انها اعتراضات فرعية اكثر منها رئيسية .

التكامل بين الدراسة والبحث :

ولا يعني عدم توفر مقومات البحث بالنسبة للمقالات الأخرى في العددين الأول والثاني واعتبارها دراسات انها اقل مقاماً بل ان الحاجة اليها ماسة جداً وتعتبر جانباً أساسياً في العطاء الفكري الذي يحتاج إليه المسلم المعاصر ، فالدراسات هذه تبدو قيمتها في مسح التراث وتصنيفه وتحليله وتفسيره – كذلك التقدم بحلول للمشاكل الفكرية التي تتحدي الواقع المعاصر بجميع أبعاده التشريعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، فإسهام هذه الدراسات لا يقل شأناً عن القيام بالبحوث بل يقتضي إن توازنه أو تواكبه إن لم تكن في المقام الاول ، اذ أن هذه الدراسات من شأنها أن تغذي البحث عن الواقع بأطر نظرية يستبصر بها الباحثون عن الواقع وتطويع نتائجه لخدمة الأهداف الإنسانية كما أوضحها الدين الإسلامي في خطوطه العريضة . .

ملاحظة ختامية :

ان مجلة المسلم المعاصر دعوة جديدة إلي تجديد شباب الفكر الاسلامي وإعداده لمواجهة تحديات العصر والتناقضات الكائنة في المجتمع الدولي عامة والمجتمعات الاقليمية والمحلية بصفة خاصة ومنها المجتمعات الاسلامية التي تشترك في خطوط رئيسية في النسق الايدولوجي ، متفارقة في الخيوط المذهبية المتعارضة ؟، نتيجة لظروف تاريخية سياسية واقتصادية دعمها الخصوم ونفشوا فيها سموماً سرت في كياننا وافكارنا وأوقعتنا في حالات من الضياع واللاتوازن على مدار عصور متعاقبة ، ولا سبيل للخلاص إلا بالوعي ووضوح الرؤيا بالإيمان الراسخ بإسلامنا والتحرر من الاسار المزمن للجمود الفكري . . .وذلك بإطلاق عنان فكر المسلم المعاصر واتاحة الفرصة للتمرس على التفكير الموضوعي الذي يعتبر من قيم تراثنا الاسلامي قبل أن يكون من تراث غيرنا .