- الخصائص الثابتة اللازمة والخصائص المكتسبة للحركة الإسلامية
للأستاذ توفيق الطيب
المقال جهد، مشهور بذل فيه الكاتب بحثاً ملموساً وحقق به نتائج لا بأس بها.
إلا أن الحقيقة أني توقفت كثيرآ قبل أن أكتب وهممت أن ألقي القلم دون ابداء رأي لأني لم أستطع أن أغوص إلى الأبعاد الفكرية للكاتب ولا أن أرى بوشنه ودرز امينة الفكرية فقد صيغت بعض العبارات بطريقة تجعلها معقدة، فالتعريف الحركة الإسلامية، (إنها الفئة الاجتماعية التي تحمل الدعوة الإسلامية أو التيار الاجتماعي الذي يحمل الإسلام كدين ويريد إقامة هذا الدين والدعوة إذن هي رسالة الحركة والحركة هي التجسيد الاجتماعي للدعوة، المحرك هو الدعوة والمتحرك هو المجتمع، والحركة هي الجزء من المجتمع الذي يحمل الدعوة)، فهل هذا تعريف بسيط ؟، أصبح عندنا دعوة وحركة ثم بعد ذلك تنظيم ومجتمع ودولة، وفهمت بصعوبة الفرق ولكني لم أستطع أن أحدد الفرق بين المثال والواقع من جهة الأحكام الشرعية ؟ مرة أجد هذه التعريفات تقترب بشدة من رأي الخوارج ومرة أجدها تنتسب إلى أهل السنة والجماعة، ولا أعلم ما الذي يقصده من أهل السنة والجماعة أهم العلماء والقضاة فحسب أم الأمة مجتمعة بكامل أفرادها وهيئاتها وإن كان عليها انحراف جزئي في طريق اختيار الأمير منذ معاوية.
دليل ذلك أنه بينما يبدأ تحليله عن الحركة بتبني رأي “كتاب وجهة العالم الإسلامي ” عن صفين مما يؤدي بالتالي إلى تداعي فكرة مؤلف الكتاب بأكملها إلى ذهني، هذه الفكرة التي تفسر الحضارة على أنها تمر في ثلاث مراحل :
مرحلة الفطرة وهي النهضة، والثانية مرحلة العقل وبه تتلاشي دفعة التقدم التسلم الحضارة للمرحلة الثالثة وهي النكسة الممثلة في الغريزة، يقول: (ولا شك في أن المرحلة الأول من مراحل الحضارة الإسلامية التي ابتدأت من غار حراء إلى أن وصلت إلى القمة الروحية للحضارة الإسلامية وهو يوافق واقعة صفين عام ۳۸ ه، ولست أدري لمإذا لم يتنبه المؤرخون إلى هذه الواقعة التي حولت مجرى التاريخ الإنساني إذ خرجت الحضارة الإسلامية إلى طور العقيدة الذي يسوده العقل وتزيين الأبهة والعظمة في الوقت الذي بدأت تظهر فيه بوادر الفتور الدالة على أفول الحضارة)([i]). وهو لذلك يعتبر حركة الخوارج تعبيرا عن روح الإسلام الصافية وأن العقل يؤدي إلى فتور الحضارة ومن ثم يرفض التراث الإسلامي الفقهي والعلمي بعد صفين كزاد للنهضة لأن أي محاولة (لإعادة بناء حضارة الإسلام يجب أن تقوم أولا وقبل كل شيء على أساس سيادة “الفقه الخالص” على “الواقع السائد” والذي نشأ عن صفين، ولا شك أن هذا يقتضي رجوعاً إلى الإسلام الخالص أعني تنقية النصوص القرآنية من غواشيها الكلامية والفقهية والفلسفية) ([ii]). ويرى أن رجال النهضة رجال لا يزالون على بداوتهم وليس يعوزهم إلا التراب والوقت لتحقيق هدفهم ثم نصح نصيحته الغريبة بالبعثات إلى الهنادك حيث (يشهد المسلم الحياة الدينية العجيبة التي يحياها هؤلاء الناس كل يوم، والذين يعدون من أشداء المتمايمين في العالم حيث يعيش في جو صوفي يلتهب)([iii]).
…(وهنا ي أعماقه انقلاب أصاب من قبله “أقبال” حين كان يشهده تقاليدهم)([iv]).
ورغم ذلك نجد كاتب المقال يقول (وفي اعتقادنا أن هذا لا ينبغي أن يقتصر على فئة معينة على سبيل الإطلاق لأن بالإمكان التماس بعض المواقع الصحيحة لدى مختلف الفئات، وإذا كان لا بد من ترجيح فئة فهي فئة أهل العلم والقضاء، وإذا ما أريد ترشيح تيار فهو بلا شك تيار ” أهل السنة والجماعة”).
وبينما نجده يقول : (يجب أن نفرق بين الهدف البعيد والهدف القريب : 1-هدف بعيد : تجاوز أزمة التحدي للغرب الحديث وحل المشكلات التي يواجهها المجتمع الإسلامي اليوم حلا يتفق مع الإسلام عقيدة وشريعة، 2- هدف قريب: إقامة الحكم السياسي في الإسلام بإقامة دولة إسلامية وتحقيق هذا الهدف هو الشرط الضروري لتحقيق الهدف الأبعد).
ويقول : (إنه لإقامة دولة لا بد من توفير جميع الشروط وأهمها هو أن تنطلق إلى السياسية من الدعوة إلى الدولة من الوعي الإسلامي لا العكم، بعبارة أخرى من الحتمية الملكية إلى المدنية، من العمر المكي إلى العمر المدني، إذا استعملنا ذلك على طريق التغليب فحسب).
وتداعى إلى ذهني مع هذا الكلام أيضاً النظرية التي تقوم على فكرة المرحلية من المكية إلى المدنية، وهذه النظرية تموم ابتداء على أن الكفر نعيم الحلق جميعا وأن الجاهلية دارت دورتها الأول بتنحية حكم الله عن الحياة، ولا ينجو من ذلك إلا من انتظم في الجماعة صاحبة هذا الفهم، وترتب على هذا الفهم نتائج الحركة المرحلية من مكة إلى المدينة فلا انفتاح إلا على أصحاب النظرية فكريا باسم قصر التلقي، ولا عبث في دراسات اجتهادية للمجتمع لم يتم فعلاً، ولا جهاد إلا حين تقوم الدولة التي تحكم بحكم الله، ونبذ بذلك رأي أهل السنة في أحكام الكفر والأيمان ودعي إلى التعامل المباشر مع القرآن وارتبط ذلك باعتبار الأنحراف بدأ من صفين وجرح النتهاء من أهل السنة واتهموا بمماتهم للسلاطين وأسقطت الفترة منذ صفين من التاريخ الإسلامي لتبقى النهضة محصورة في عدد من السنين… الخ.
إلا أننا نجد الكاتب يسرع بالابتعاد عن كل هذا بحديثه عن الانفتاح وأن الحركات تنمو بالحوار والممارسة والتجارب والنقد، ويقول أنه بالدراسة تثبت أن نظام الإسلام الاجتماعي هو ومتاده الذي يكفل لها العدالة والكرامة، ويتحدث في مكان آخر عن الجماهير المسلمة حديثا عذبا نديا مبينا أنها مظلومة مضطهدة باثة محرومة ويقرر أنها الرصيده الحقيقي في أي حركة اجتماعية تود ان يكون المستقبلي لها، فيها الفطرة الصافية وفيها القوة الأخلاقية وفي أعينها بريق التطلع إلى عالم جاهيله.
هذا هو السبب في أني قلت في أول الأمر أني ما استطعت أن أتبين منهج الكاتب من المقال.
وأعتقد أن الكتابة في هذا الموضوع الخطير في هذه المرحلة الدقيقة نحتاج إلى مراعاة بعض الملاحظات التي ترتبط بفقه الحركة :
1- الفهم :
بالطبع أن الذي يكتب عن خصائص الحركة الإسلامية لا بد أن يكون على المام كاف بالتيارات المعاصرة بحيث أن تبي رأي كاتب أو إطلاق تعبير لا بد أن تتداعى معه إلى الذهن ما علق بالرأي واللفظ من أفكار وما يتصل بها من نظريات أو خطط خصوصا وأنه إذا إتجه إلى تجميع الحركة الإسلامية فلا بد أن يبين نقط اللقاء والافتراق وما يجوز الخلاف عليه وما لا يجوز.
وأنا لا أنكر الأثر المتبادل بين الأفكار والاستفادة من كل خير في كل التيارات الإسلامية، ولكن ما أرفضه هو أن يترك كلميم في واديه ونكتب في عموم وغموض ليفهم كل منه ما تهواه حسب فكرته أو موقعه وكأن الناس من از اون وكأن في إمكاننا أن نبقيهم في عزلتهم.
2- الصراحة :
ويتساءل الكاتب عن سبب عدم صدور دراسات عن الحركة الإسلامية ومن رجال الحركة الإسلامية نفسها وأن هذا أمر يدعو إلى دهشته، وليس ذلك يدعو إلى دمشي لأن الحركة الإسلامية قد اختارت لنفسها في شكلها الرئيسي لا المظهري ستار السرية، وذلك إن كان مبررا للحركة فلم يكن هناك داع على الإطلاق أن يمتد ذلك الفكر حتى يصبح في طي الكتمان، إن مميزة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تؤكد بإلحاح أنه ما كتم دعوته عن الناس بل كان ينذرهم في كل مجتمع ويناديهم إليه من أعلى مكان، حتى يعلم كل الحق ويحدد موقبره منه ويتميز بذاك الناس، ولن يفيد اخفاء الفكر إلا في انحرافه ولن يستفيد بذلك إلا دكتاتور مستبد، أو صاحب هوى يريد أن يصل إلى مأربه.
وضرورة أخرى تدعو إلى وضوح الفكرة – إن الفكرة الصالحة المؤصلة على أسس راسخة قادرة على أن تحدد المسار وتصعد به وإن بعدت الصلة بين القاعدة والقيادة، وغموض الفكرة لا يعطي لأي أحد ضمان بصواب الحركة أو منع استغلالها مهما كانت الصلة بين الناس أو الثقة بينهم فما بالك إن كان حتى لا يعرفهم، وتصبح الصلة كما قال الشاعر :
إنما أنا ابن غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : من قاتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهليته.
(رواه مسلم)
۳- سعة الخلاف :
لابد أن يضاف بحث هام إلى عناصر الحركة إذا ما كان في النية السعي إلى جمع التيار الإسلامي في حركة واحدة، ذلك الأمر هو ما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز، فقد أراد الإسلام من الإنسان أن يبذل جهده فكرياً وعملياً، ولما كان الإنسان متباينا في قدراته فلا بد أن يختلف في تقديراته، وقد توفر كثير من أساتذتنا الفقهاء خصوصا ابن تيمية ليحدد هذه المعالم، والقصد في النهاية أن يتعاون المسلمون فيما اتفقوا عليه من رأي يلزمهم وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا عليه، ما داموا يلتزمون في حركتهم برأي الإمام أو نائبه.
هذه الدراسة لها مكان رئيسي في بحث فقه الحركة وهي ضرورية لجمع شتات الجهد الإسلامي في كل مكان والذي لا يفصله سوى فرعيات وتجمعه أصول واحدة ومبادىء واحدة وآمال واحدة، أما الزام الجميع برأي واحد في عقولهم فهذا أمر مستحيل ورحم الله الإمام مالك حين رفض أن يعلق الموطأ على الكعبة وأن يفرض على الناس وعرف لإخوانهم الفقهاء قدرهم.
4- سعة الأفق :
أقصد هنا بسعة الأفق التمكن العلمي من أحكام الشرع مع النظرة العميقة الواقع المسلمين من جهة والظروف العالمية من جهة أخرى.
وأبدأ بسؤال صاحب المقال لمإذا قصر الحركة الإسلامية على التنظيمات وأهمل بالتالي دور الجماهير المسلمة بل ودور حكام البلاد الإسلامية كعناصر مؤثرة على هذه الحركة، لا بد من أخذ كل المتغيرات التي تواجه الحركة الجماهيرية كعناصر سلب أو إيجاب بل حتى حكام البلاد الإسلامية في مدى الاستفادة من عواطفهم وجه ودهم حسب الأحوال في هذا المجال.
وبالطبع فإننا إذا عممنا الجاهلية والكفر فلا مجال هنا لهذا الأن وراءه البراء والمفاصلة ولا شيء غير ذلك لأنها تكون قضية كفر أو إيمان لا انصاف حلول ولا يستهان فيها بمشرك على مشرك، أما إذا أخذنا بفقه أهل السنة فإن ذلك يمد الحركة الإسلامية بوعي عميق وحركة متسعة نشطة تختصر المسافات في حنكة ودراية وصبر وحكمة أحوج ما تكون إليها الحركة الإسلامية بعد هذه الحرب الضروس من اليهود والصليبيين ومخططاتهم الطويلة في الغزو الفكري والعسكري المستمرة على الإسلام، وتخرج الحركة الإسلامية من هذا الحجر الفريق الذي حول المعارك إلى صدور المسلمين ويجحد إمكانياتهم العقلية والمادية ويعزلهم من تاريخهم الطويل من ناحية الزمان وقاعاتهم العريضة من جماهير المسلمين من ناحية المكان، وذلك مع إبقائه الحركة الإسلامية في مكان الريادة والنقاء دون الاعتماد على أداء أو التقي بظروف الواقع وقيوده، وتضيف إلى أفقها أفق الإصلاح والتغيير لا الثورة والمفاصلة فحسبا – وهكذا يمكن جميع الشتات وتتركز القرية وتسريع الحركة إلى الهدف وتتسع إمكانيات العمل.
والكاتب يرى أنه لا يمكن تحقيق الإسلام من القمة إلى القاعدة عن طريق الحكومات وذلك رأيه أملاه عليه فقه المكية، ولكني أرى أنه يمكن أن يتم ذلك ما دمنا نسلم بإسلام الناس بناء على فقه أهل السنة أنه لا يكفر بمعصية إلا من جحد معلوماً من الدين بالضرورة أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً إلا الكفر وشم واسماء لله لا زالوا قلة بناهم الاستعمار واتخذهم أعواناً.
وهذا وحده الضمان لأن يجعل الأحكام مر تبطة بأصول لأهوى، ولا ظن، فلا يرمي بعضنا بعضا بالردة أو العمالة لمجرد الخلاف في الرأي ولا فسرع في الاتهام والتجري خصوصا وأن الحديث عن العمالة والمخططات سلاح ذو حدين إذا عرفناه وفنا أعداءنا فاستقامت حركتنا ولكن إذا ما أصابنا ذلك بنوبة تشنجية متوجسة أكان طعنة إلى صدورنا نتهم به أبرياء ونكبل به بالأغلال أيدي يمكن أن يستفيد منها دين الله.
والأجدر بنا حين نتحدث عن المسلمين إذا أردنا لومهم على قعودهم عن التغيير إلا يتخطى قولنا أهم آثمون، وإذا أردنا أن نحكم على مجتمعاتهم بمعني جماع الأفراد فلا يتجاوز قولنا مصطلح القرآن في نقص الايمان والإسلام، أما إذا تحدثنا عن النظم والقوانين والمؤسسات فلا ينكر أحد أنها جاهلية وكفر وبهتان لأنها لا تستمد مقوماتها من حكم الله.
وعتاب رفيق لصاحب المقال في قوله (ربط مصير الفرد بمصير الحركة الإسلامية وبمستقبلها رباطا نهائيا لا يفصمه إلا الموت)، فهل يقصد النية ؟ ذلك أمر غيبي، وهل هو وعظ منه ؟ لا أظن ذلك والكاتب في مجال تحديد المنهاج، ونحب أن نؤكد أن هذا الأسلوب يقتل في نفوس الأفراد أي روح للنقد والتصحيح ويحولهم إلى شخصيات عصبية لا يحركهم الاقتناع وإنما التعصب أو الخوف وهذا يعرفه الكثيرون ممن مارسوا الحركة الإسلامية، وأخطر ما تواجهه الحركة الإسلامية هو أن تحكم الضرورات الحركية على النصوص لأن ما شرعه الله هو أعظم ضمان لنجاح الجهد وإذا أدرج الله أمرا مدرج الحرام فلا يجب أن نزيد فيه أو أن ننقص، وضمير الإنسان المسلم يعتبر الحرام أعظم جرم والذي لا يخاف الله لا يخاف الناس.
وأحيي في الكاتب تذكيره أن الحركة الإسلامية لم تعرف النقد ودعوته إلى معرفة الرجال بالحق لا الحق بالرجال وإن كانت القيود التي وضعها له رغم آنها جديرة بالنظر والتفكير إلا أنها قد ترجعنا مرة أخرى إلى العوائق السابقة التي حرمت الحركة الإسلامية من حق النقد فما استطاعت أن تدرك الخطأ إلا بعد وقوعه وما أحست بأنها بذلك كانت تجفف منابعها وتجمد فاعليتها وتخلق العوائق والمشاكل.
5- الأصالة :
وأحب أن أنبه إلى أن أي دراسة عن منهج الحركة لا بد أن تعتمد إبتداء على مصادر ثابتة إذا أردنا التجميع والوحدة، ذلك أنه بإمكان العقل الإنساني صنع الكثير من نماذج التفكير ويمكن وضع مباديء ثابتة وأخرى مكتسبة على كثير من الأنماط بل يمكن حتى التنويع في التقسيم إلى أكثر من العنصرين ثابت ومكتسبه.
والاعتماد على مصادر ثابتة متفق عليها لكتابة منهج الحركة يجعل نقط اللقاء أكثر من نقط الخلاف، وأمور الخلاف لا يمكن أن تنتهي ولكن يمكن أن تضيق الشقة بتقدير الأمور التي يمكن الخلاف عليها فيصبح الخلاف الشاذ غير الملتزم مفضوحا مرذولا لبعده عن النص وبعده عن المنطق – وأحب أن أذكر بعض المصادر الثابتة لما أحب أن أسميه فقه الحركة :
- سيرة المرسلين في القرآن الكريم (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).
- سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ع (لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة).
- في أوصاف القرآن عن الناس وتقييمه للأعداء وتطبيق ذلك على العصر.
- في دراسة واقع المسلمين وسبب تخلفهم وسبيل النهوض بهم من منهج القرآن.
- نهج الحركة الجهادية وأهدافها – وهي تعتبر حديث القرآن الأول، وقاعدة التحليل السياسي السليم والتفسير التاريخي الحق لا بد من الخروج بها من دائرة العموميات والشعارات إلى علم الأصول والفقه إذا دخلنا في قضايا الولاء والبراء والنبذ والصلح والكفر والايمان، حيث أن الكتابة العامة البليغة لا يفهمها بعض الناس على أنها مجرد مشاعر وحماس وإنما يتخطونها إلى اعتبار انها أصول للمناهج وأحكام واجبة التطبيق، ولا بد أن نعبر عن منهج الحركة هذا مصطلحات القرآن.
إذا تحقق ذلك فإننا سنحقق وحدة الحركة الإسلامية ونتجة في الطريق الصحيح مستحقين لمدد الله في النصر وأكبر من ذلك وأهم أننا سنقترب من القرآن ونحس به ونتدبر آياته في أعظم موضوعاته وهذا وحده يستحق كل ما يبذل من جهد في هذا السبيل.
۲) أتوقع أن تكون هذه المجلة :
للأستاذ فتحي عثمان
يقول الأستاذ فتحي عثمان (ان الإسلام مظلوم حين يوضع دائما مع (اليمين) لمجرد أنه دين، وحقا أن القرآن يثني على أصحاب اليمين، ولكن اليمين والشمال في تعبير القرآن على جزاء الآخرة، غير اليمين واليسار في تقويم السياسة الحديثة للعمل لأجل الإنسان، ومنهج القرآن لتوجيه الإنسان في هذا المجال يجعل المسلم في (قلب) اليسار.
وإني لأعجب – وقد شقي العصر بألفاظ اليمين واليسار وتخبط بين الاستغلال اليميني والتخريب اليساري – كيف لم يستوقف كاتب المقال وصف الأمة المسلمة في القرآن الكريم، (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم عليكم شهيدا)، وكنت أرجو أن يبهره اعجاز القرآن ليقوم به أفكار السياسة الحديثة لا أن تبهره السياسة الحديثة فيجعل المسلم في قلب اليسار.
وأريد أن أذكر أن علينا أن نميز بين أمرين : العلوم الطبيعية، والحق أن الغرب تفوق فيها، والعلوم الإنسانية والواضح أنها فشلت فشلا معترفا به على ألسنة مفكريهم حين بحثت عن الغاية والمنهج، حقا أن منها جزء قريب من العلم التجريبي، وهي تشخيص التفاعل والتأثير كدراسة الغرائز في علم النفس والدراسات التحليلية في علوم الاجتماع وان كان التجريد قد بدأ يصطدم بآفاق أخرى صعبة حين تحول من دراسة السكون static إلى دراسة الحركة dynamic ومن الدراسة الجزئية micro إلى الدراسة الكلية macro فتسكين الظاهرة وتجزئتها يبعد المدارس من الدقة ودراستها في حالة حركة وفي تفاعلها مع غيرها من الظواهر أمر بالغ الصعوبة، خصوصا وأن الإنسان غير الظواهر المادية الأخرى التي تحكمها الحتمية في السلوك.
هذا عن الدراسة التحليلية أما دراسة الغاية وما يتلوها من منهاج التحقيق
هذه الغاية فما تقدم فيها الغرب شيئا يذكر، وأصبح من المسلم به على ألسنة كتابهم أنهم أصبحوا أغنياء في الأشياء فقراء في الأغراض وأنهم عرفوا الكثير عن المادة ولكنهم ما زالوا في جهل كبير بالنفس الإنسانية.
ولنوضح هذا بضرب أمثلة…
هناك فعلاً مجال للتقدم في معرفة كيفية تفاعل الجهاز الاقتصادي كنظرية العمالة الكينز، إلا أننا رغم أننا نجا هم يصلون إلى الأضرار التي يسببها الربا في الجهاز الاقتصادي من بطالة وضياع وأزمات لا نجد أي جهله أول ولوبي التقييده والقضاء عليه، وفي الأنظمة الاشتراكية نجد تقدما في دراسة التخطيط ورياضيات توزيع الموارد على الاستعمالات المختلفة، ورغم أنها وصلت إلى ضرورة وجود حافز الربح والتمييز لضمان م ن استعمال الموارد وأو بها مع المستهلكين إلا أنها لم تستطع أن تغير أيديولوجيا جوهر الماركسية القائم على أن كل دخل لغير العامل استقلال.
ثم لقد وجدنا في هذه المجتمعات أناس بهم انضباط الآلة ونظامها والتزامها ولكن الإنسان في أعماقهم قد تضاءل فانعدم فيهم شعور الايثار والتراحم.
هذا الفقر في الغابات الذي يتلوه ضرورة ضعف المناهج الاتصال العضوي بين الغاية والنهج هو الذي دعى الغرب أن تطغى عليه فلسفة الذرائم (براجماتزم) وهي التي لا ترى الحق إلا فيما يثبت نجاحه في الحياة العملية.
إن الركام المتزايد من مؤلفات الفلسفة أو علم النفس أو الأخلاق أو السياسة تتعدد مذاهبه تمددا من العسير حصره صعوبة حصر المدارس الكلامية المتأثرة
فلسفة اليونان قديماً، وما استطاعت أن تقدم علاجا لداء العصر المتصارع الذي يسعي نحو تدمير نفسه.
هذه الحقيقة تتبين للدارس المتمكن من هذه الكتابات أما الذين يقتربون منها دون دراسة عميقة متأنية وتضغط على مشاعرهم في ألم حال المسلمين اليوم، فانهم ينبهرون بانتفاخها ولا يدركون ما بداخلها من أوجاع.
وأذكر أن هذا القصور فيما كتبه الغرب يغطيه عادة بألفاظ طنانة وشعارات براقة ويؤكد ويكرر ليؤثر بذلك على الجماهير التي لا تحركها إلا الغرائز.
والعصر الحديث يبين لنا الأثر الهدام لهذه الشعارات الفارغة والألفاظ الحاوية فكم أجريت بها مجازر التطهير ومهند بها الدكتاتوريات وكم دمرت شعوبا وأثارت حروبا وأتعست مجتمعات، علينا لكل ذلك أن نقرن الدعوة للتحرر من عبودية التقليد للسلف بالدعوة للتحرر من عبودية التقليد للغرب تحت ضغوط أضواء المظاهر الترفية الفارغة التي حققها الغرب في الشكل لا في الجوهر.
وسؤال أخير أحب أن أسأله للأستاذ فتحي عثمان : ما هو تصوره عن الاجتهاد ؟ إنه يقول : (واليسار المسلم يتمسك بالديموقراطية، إذ هي حكم الله في المصالح والعلاقات الإنسانية، حيث لا يكون النص الافي الملزم القاطع في وروده ودلالته ؟، وما أكثر حاجات الناس إلى نرجع بها شريعة الإسلام إلى الإباحة الأصلية والمصلحة المرسلة والاستحسان وتوفي عموم البلوي وتقدير الضرر والضرورة واعتبار العرف – وما إلى هذه القواعد والأصول التي أحال فيها الإسلام الحكم إلى اجتهاد العقل وأعمال الشورى “أنتم أعلم بشؤون دنيا كم ” بعد أن عرض عقائده أصلا على العقول بالحجة والبرهان، وطلب من معارضيه الحجة والبرهان!).
فأين مكان النصوص ظنية الدلالة وظنية الورود، وهل سكت النص عن العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بحيث يمكننا أن ندخلها تحت قاعدة ” أنتم أعلم بشؤون دنيا كم ” كتابير النخل تماما، ولا يكون لنا مصدر في ذلك إلا العقل يحدد المصلحة فتجعل المسلمين ببساطة مثلا في قلب اليسار!
ولا زلت أسأله عن نوع الفقه الإسلامي الحديد الذي يريده ؟ متفق معه أننا لا نقنن ولكن هل قصارى ما تريده دراسات إسلامية نحو الشمولية واليسار والديموقراطية، في التربية والتعليم والأسرة والمعاملات وحقوق الإنسان، إن هذه الفلسفة أقرب إلى الفلسفة منها إلى الأصول.
ولا زلت أسأله عن المجتهد الخطي في نظره ؟ وما الفرق بينه وبين من يقول في القرآن برأيه دون علم والذي أنذره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ” من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده في النار ” (أخرجه الترمذي والنسائي):
والطريف هنا في موقف كاتب المقال الذي كان في أقصى اليمين مشين بھي على إنسان (ليس ابداعه فقطہ نفي تكنولوجيا المسدسات والمدافع السريعة والقنابل الزمنية وغير الزمنية وتدابير الاغتيالات والانقلابات!!) وهي صفة اليسار، لينتقل فجأة إلى أقصى اليسار حين يدعو (إلى التميز والتمييز لا إلى الخلطه والتمييع، فما أكثر من مجتمع على (الإسلام) في تعميم، وما أقل من يتضح في ذهنه من بين الجمع الحاشدي أبعاد ما يؤمن به)، فأعطى للمتسرعين أداة حادة من التطرف اليساري الذي يخرج من الدائرة كل خلاف في الرأي.
إن الأمور أعمق من كل هذه العموميات، وما أرجوه من الأستاذ فتحي أن يبدأ في إزالة هذه الشهبات التي قد يكون أسيء بها فهم مقالته، وأن يبين لنا نجلاء ما يريده بالاجتهاد الجديد ليضع بذلك لبنة في الجهد المبذول.