كنت أود أن أتابع الحديث فيما بدأته في العدد الافتتاحي باسطاً البحث في مختلف ميادين وآفاق العمل الإسلامي الفكري والإصلاحي والسياسي، لولا أن ردود فعل العدد الأول لدى القراء والكتاب على السواء يدعوني إلى المعاصرة بتسجيل بعض الملاحظات مرجئا إلى عدد قادم بإذن الله استئناف ما بدأت في العدد الماضي.
أولى هذه الملاحظات تتعلق بالتجاوب الكريم الذي لمناه لدى القوام والكتاب تجاوبا أكده لنا أهمية الدور الذي تحاول المجلة الاضطلاع به وخطورة المسئولية التي تقع على عاتق من يعرض نفسه لعمل ما، خاصة في الميدان الفكري، والفكري الإسلامي بالذات.
غير أني أحب أن أوضح بهذا الخصوص ان شعور القائمين على تحرير المجلة بالمسئولية لا ينبغي أن يتعدى حدود طرح القضايا واختيار الأبحاث التي تعالجها، فإن تعدى ذلك إلى درجة منع نشر الرأي لخالته وجهة نظر القائمين على التحرير فهذا ما يتعارض مع مبدأ الحوار الحر الذي تلتزم به المجلة ومع رغبتها المصادقة في الوصول إلى ثمرة ناضجة لهذا الحوار الحر.
لقد كان المسلمون وما زالوا بحاجة إلى التنبيه إلى أن الخلاف في الرأي أمر طبيعي، وان الموقف الواجب بين المختلفين في الرأي هو الحوار لا الخصام.
وان نتعاون فيما اتفقنا عليه ويحذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وان الحوار أصوله وآدابه من تحري الموضوعية وعدم التجريح وافتراض خطأ النفس وصواب الغير إلى غير ذلك من الأصول والآداب التي دعا إليها الإسلام : ” ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب “، ” وإنا وإياكم لعلى مدى أو في ضلال مبين”….
وكلمة الأستاذ زين العابدين الركابي في العدد الماضي وكلمة الأستاذ عمر الأميري في هذا العدد مما يدخل في هذا الفن : فن الخلاف ” أو “كيف تختلف “، وما زلنا بحاجة إلى المزيد من تعميق البحث في هذا الين ومن ممارسته عمليا في مناقشاتنا وكتاباتنا بل وفي شعورنا ووجداننا.
وإنما يدعوني إلى هذا الاستطراد حرصي على توضيح منهج المجلة في الحوار الذي نحاول مراعاته قدر الإمكان، ولنا من تجاوب الأساتذة الكتاب خير معين ان شاء الله.
كما يدعوني إلى هذه الملاحظة حرصي على تأكيد ما أشرت إليه في العدد الافتتاحي من ان المجلة لا تمثل انتماء معينا داخل الخط الإسلامي العام ولا يعني نشرها رأياً معينة في مسألة خلافية، إنها تنتمي إلى هذا الراي أو حتى تتبناه، فالمجلة منبر إسلام عام لكل الآراء ولكل الاتجاهات.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أحب أن أوضح أن دور المجلة في بعض أبوابها كباب المؤتمرات أو الأخبار أو الوثائق أو التقارير لا يعدو أن يكون دورة إخبارية أو تسجيلا لوقائع دون أن يعتبر النشر تقويما إيجابيا لم ينشر أو تينياً له، وقد يتطلب منا البعض ان نعلق على ما ننشره من أخبار أو نسجله من وقائع، وهو منهج يتطلب جهداً إضافية لا تستطيع إدارة التحرير تقديمه في هذه المرحلة، كما أن بعض الأخبار يصعب تقويمها قبل مضي وقت معين وتبين تفاصيلها ومختلف جوانبها.
كنت أعتزم معالجة موضوع الاجتهاد في أصول الفقه، ولكن كفاني مؤونة ذلك كلمتا الدكتورين مصطفى كمال وصفي ويوسف القرضاوي، خاصة وان الدكتور القرضاوي قد دفع الموضوع دفعة أخرى إلى الأمام تعدت مجرد بحث إمكانية الاجتهاد في أصول الفقه إلى محاولة رسم معالم ومناهج الاجتهاد المعاصر وهو الأفقي الذي يدعو الكُتاب المختصين إلى متابعة البحث فيه بمزيد من التوسع والتعميق سعياً إلى تحقيق رسالة المجلة في هذا المجال.
حاولنا في العدد الذي بين أيديكم – ونرجو أن يكون ذلك سياسة دائمة في مقبل الأعداد – أن نوزع الاهتمام بين عرض الجديد من الأبحاث وبين إجراء الحوار فيما أثارته أبحاث العدد الماضي، وإن كان رأي بعض الفضلاء ان يختص كل عدد بتناول موضوع معين بالبحث من وجهات النظر المختلفة والانتهاء فيه إلى نتيجة واضحة قبل الانتقال إلى غيره من الموضوعات، ومع تقديرنا لهذا الرأي إلا أن الأخذ به سابق لأوانه في هذه الرحلة من حياة المجلة لأنه يتطلب تجاوبا سريعة من الكُتاب المختصين الذين يدعون إلى الإسهام في بحث موضوع معين في عدد معين، وهو ما يتعارض غالبا مع مشغولياتهم وارتباطاتهم الأخرى، لذلك آثرنا -مضطرين- المنهج الذي نسير عليه إلى حين.
وقد أضفنا في هذا العدد باباً جديداً للأخبار العلمية والفكرية، وفي النية أن نضيف – بالتدريج – أبوابا أخرى في المستقبل ان شاء الله للتقارير والاقتراحات ودليل القارئ… الخ.
ولا يفوتنا في نهاية هذه الكلمة أن نتوجه بالشكر إلى الزميلات التي رحبت بالمسلم المعاصر، وفي مقدمتها مجلة الثقافة (المصرية) بقلم رئيس تحريرها الأستاذ عبد العزيز الدسوقي وجريدة الجمهورية (المصرية) بقلم الأستاذ صلاح عزام ومجلة الطليعة (المصرية) بقلم الأستاذ السيد ياسين، وان كنا نخالفه فيما أسماه “حقيقة أنه لا تعارض بين أن تكون ماركسيا ومسلما في نفس الوقت” فالتعارض جذري أصيل ولكنه لا يمنع الحوار المخلص بغية الوصول إلى أرض مشتركة.
ولا يفوتنا كذلك أن نتوجه بالشكر إلى جميع من تفضلوا بأبداء ملاحظاتهم القيمة سواء من ناحية الشكل أو المضمون وقد أجرينا بعض التحسينات في هذا العدد ونرجو أن نتابع ذلك نحو الأفضل دائماً بإذن الله.