لهذه المجلة قصة ذات حلقات منها البعيد الذي يمتد في الماضي عشرات السنين، ومنها القريب الذي بدأ منذ عامين أو ثلاث…
وليس في نيتي أن أشغل وقت القارئ الكريم في هذا العدد الافتتاحي بسرد تاريخي قد يكون من الأنسب العودة إليه في مناسبة أخرى إن شاء الله….
ذلك أن الذي يهم القارئ – في تصوري – هو أن يضع هذه المجلة في مكانها بين زميلاتها من المجلات الأخرى الإسلامية وغير الإسلامية، وفي مكانها كذلك من العمل الإسلامي الذي يتساءل الناس عن مكانه واتجاهه وحجمه وأهدافه ومراحله، إلى غير ذلك من التساؤلات…
ولا تتسع هذه العجالة لرسم سمات العمل الإسلامي المعاصر وصوره المتطورة، فلذلك مجاله في بحوث هذا العدد وما يتلوه من أعداد… ولكن الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن ميادين العمل الإسلامي – فيما أرى – يمكن تصنيفها بوضوح إلى ثلاث مجموعات متميزة نرمز اليها بالفكر والإصلاح والسياسة:
أ- وأعني بالميدان الفكري أوجه النشاط العلمي والفكري سواء في ذلك البحوث النظرية أو التطبيقية…
ب- وأعني يالميدان الإصلاحي أوجه النشاط الإعلامي والتربوي والاجتماعي وغير ذلك مما يستهدف نقل الأفكار إلى حيز التطبيق في حدود النظم القانونية القائمة…
ت- أما العمل في الميدان السياسي فالمقصود منه هو تطوير النظم السياسية والقانونية من حين إلى آخر لتكون محققة لما تتبناه القاعدة الشعبية التى هى مصدر السلطات بالتعبير الديمقراطي أو الرقيبة على السلطات بالنظر الإسلامي…
ولا تكاد تخرج أوجه النشاط عن هذه الميادين الثلاثة.
ولنا عودة لتفصيل بحث هذه الميادين وبيان العلاقة بينها…
ونكتفي هنا بالتأكيد على أن رسالة هذه المجلة ليست أكثر من وجه من وجوه النشاط الفكري المتعددة التي ينبغي القيام بها في أول هذه الميادين وهو الميدان الفكري.
ونأمل أن يكون في هذا التوضيح غناء لمن يقول: وهل الإسلام اليوم بحاجه إلى مجلة جديدة؟.
نعم، إن الثغرات كثيرة ومنها هذه الثغرة، فإذا حاولنا المساهمة في القيام عليها، فلا يعني هذا أنها في نظرنا الثغرة الوحيدة، بل ولا يعني أننا ندعي الكمال في جهدنا في هذا الميدان…
ولنعد إلى حديثنا عن المجلة، نحاول رسم إطارها وتحديد خطوطها وسياستها.. أول سمات هذه المجلة أنها علمية.. فهي ليست مجلة إخبارية ولا إعلامية، ولكنها مجلة تحاول الوصول إلى الرأي الحق في المشكلات التى تعترض الإسلام فكرًا وتطبيقًا في عالمنا المعاصر… فهي لذلك تتسم بطابع البحث العلمي…
ثم إنها مجلة فكرية… لا تتسع لكل بحث علمي، ولا تهتم بكل مادة علمية، إنما تنتقي من هذا وذاك ما كان طابعه فكريًا يناقش الاتجاه والمنهج والأصول… فهي إذن مجلة “الريادة” الفكرية إن صح هذا التعبير…
وتهتم المجلة بعرض تراث الفقه الإسلامي عرضًا جديدًا، ومقارنة أفكاره ومبادئه بالأفكار والمبادئ القانونية المعاصرة، وتأصيل المبادئ القانونية الإسلامية “وتنظيرها”…
ولكنها لا تقف عند هذا الحد، ذلك أنها مجلة للاجتهاد…
الاجتهاد بمعناه المعروف في أصول الفقه… تنطلق من ضرورة الاجتهاد، وتتخذه طريقًا فكريًا، ولا تكتفي بالبحث في ضرورة فتح باب الاجتهاد في فروع الفقه بل تتعداه إلى بحوث الاجتهاد في أصول الفقه، وتنطلق في طريق الاجتهاد باحثة عن المنهج والآفاق الجديدة التى يستأنف منها الفكر الإسلامي سيره الذي تجمد في الوقت الذي أُطلِقت فيه حضارة الثورة الصناعية الأولى حتى وصلت بنا إلى عصر الذرة والفضاء… والثورة الصناعية الثانية….
وبذلك ترجو المجلة أن تسهم في إثراء الفكر الإسلامي بالدعوة إلى الاجتهاد الواعي للأصول والمنفتح على العصر…
والاجتهاد الذي تدعو المجلة إلى ممارسته يتجاوز التراث مرتين: يتجاوزه مرة تجاوز الواعى الدارس المستفيد من التراث إلى أصول الهدي الإلهي الذي أنـزله الله… ويستتبع ذلك أن يكون اعتماده على المنابع الأولى: الكتاب والسنة، يستلهمهما المقاصد والأهداف ويستوحيها المبادئ والأصول، ومن هنا كان الاهتمام بالكتاب والسنة وأصول الفقه والمبادئ العامة للشريعة مقدمًا على ما سواها من العلوم الإسلامية التقليدية…
ويتجاوز الاجتهاد – الذي تدعو المجلة إلى ممارسته – التراث مرة أخرى واعيًا دارسًا مستفيدًا أيضًا ليلتحم ب%A