ملخص:
الاجتهاد في علم أصول الفقه ضرورة واقعية عملية يُملِيها علينا عصرنا وظرفنا، والاجتهاد في الأصول – فضلاً عن الفروع- هو ما دعا إليه غالب علماء حركة الدعوة المعاصرة، وقد صدرت بذلك كثير من المساهمات والأطروحات، إلا أن الدكتور حسن الترابي ظل أكثرهم مقاربة لهذه الدعوة وأوسعهم شمولاً وتأصيلاً لموضوعاتها، وقد تجاوز في طرحه مجرد الدعوة إلى النظر في تراثنا الأصولي، والتناول الجزئي لبعض مفاهيم علم الأصول وقضاياه، مجتهداً في صياغة نظرية متكاملة للتديّن، وعمل لوضع أطروحة الاجتهاد في سياق التحولات الفكرية والحضارية والسياسية والاجتماعية والثقافية للأمة الإسلامية، تجديدا ونهوضا بالمجتمعات لمستوى العصر وتطوراته المتجددة.
يأتي هذا البحث المخصص للمداخل المختلفة للاجتهاد من داخل نسق التقليد الفقهي (تجديد علم الأصول، الاجتهاد الجماعي، المقاصد، النص والقيمة)، حيث سيناقش الأطروحة والدواعي والغايات لمسألة تجديد علم أصول الفقه، من خلال مشروع د. حسن الترابي لتجديد علم أصول الفقه، ومدى علاقته بالمشاريع الأخرى لذات السياق، مثل مشروع د. طه جابر العلواني، ومشروع د. علي جمعة، ومشروع د. محمد شحرور. ويسعى البحث وفق منهجية وصفية تحليلية لاستنتاج الأسس التي يرى الترابي أن الاجتهاد يقوم عليها، مثل تغليب المنحى العملي على المنحى التجريدي، وتطوير المناهج والقواعد الأصولية، وتوسيع أدوات الاجتهاد خصوصاً أداتي القياس والاستصحاب؛ حيث يُسمِّي ذلك القياس بـ”القياس الواسع” أو “القياس الفطري الحر”، بجانب تطويره للاستصحاب عن طريق وصله بالمصالح المرسلة. كما يناقش البحث عرضاً وتقويماً ونقداً لعطاء الترابي الاجتهاد التجديدي المعاصر في أصول الفقه، ودعوته لثورة جوهرية في مفاهيم الدين؛ كالاجتهاد وغيره، ويحاول فهم المقاربة التُرابية لقضية التجديد في أصول الفقه لتجديد عقل الأمة وبث الحيوية فيها، وإلى أي مدى تصلح أطروحة الترابي لتكون أرضية مؤسسة لانطلاقة حقيقية في مجال تجديد أصول الفقه.