أبحاث

حساب مع الجامعيين

العدد 31

يعيش المسلمون في هذا العصر في أزمات عديدة متشابكة تذهل صعوبتها كل من ينظر اليها بقصد حلها. فالمجابهة العسكرية مع إسرائيل ع من يدعمها من الشرق والغرب تستنزف طاقة إسلامية كبرى. ثم انقسامات الدولة الإسلامية على نفسها من الداخل ونزاعاتها مع بعضها البعض تستنفذ طاقة أخرى. ثم استغلال الأجانب للثروات الطبيعية في الوطن الإسلامي الكبير يسيطر على مقدرات المسلمين الاقتصادية. فهم في كل بقعة من بقاعها يستهلكون ما لا ينتجون. وإذا صنعوا بلادهم، حجزوا الصناعة ضمن حدودهم بدل أن يفتحوا الأبواب على مصراعيها لتنقل الأموال والايدي العاملة واتساع الأسواق الضرورية لقيام الصناعة. وكذلك، لهوا أنفسهم عن الصناعات الازمة البناءة للاقتصاد بالصناعات التجميلية أو تلك التي تعتمد على عناصر مكونة يستوردونها من الشرق أو الغرب مما يخضع مصي صناعتهم لرحمة غيرهم.

ولم تقو أيه دول إسلامية على صهر سكانها ببعضهم البعض ليكونوا لحمة متراصة تدين بنفس المنظور وتعمل يداً واحدة في سبيل الامة. وكأن العدو يتربص الدوائر في كل دولة، في داخلها وخارجها، لما سارت اليه علاقتها بجيرانها. ولم تنجح حتى الآن ايه محاولة لتوحيد أي قطرين من اقطار الامة الإسلامية بل هي تزداد تفتيتاً سنة بعد أخرى. ترى حكامها تستنزف طاقاتهم في المحافظة على كراسيهم بدل الانصراف الى ما يصلح حال الامة ويحقق ازدهارها.

ولقد تعودنا تفسير مشكلاتنا بنسبتها الي الغير، وكأن الغير مسؤول عن مصائبنا، عن وقوعها وعن استمرارها، بل حتى عن تقاعسنا عن القيام بحلها. تعودنا نسبتها الى العدو المستعمر، أو الى القيادات السياسية المتعاملة معه، أو الى قيادتنا المحلية في جميع المجالات، أو الى رؤسائنا في ميادين عملنا بالذات. كل ذلك تجنباً للمسؤولية التي تقع علينا حقاً. وقد ذكرنا مالك بن نبي رحمة الله أن ” لا استعمار دون قابلية للاستعمار” وان المصائب قلما تحل في من يمنع نفسه منها ويعدها للصمود ضدها إذا وقعت.  كما تعونا على التطلع الى من ينزل علينا من السماء فيخلصنا من مآسينا دفعة واحدة، وذلك أمعاناً منا في السقم والكسل والمرض.

ولم نع حق الوعي ان حكام أي شعب لن يكونوا خيراً من شعوبهم، وأن الشعوب إذا فسدت قيادتها أيضاً. وقديماً قيل ” مثلما تكونوا يول عليكم”. كما وأن حمة الله وحجته البالغة قضت بأنه سبحانه وتعالى “لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

فاذا أردنا دفع المصيبة وحل المشاكل المستعصية، لزم علينا أن نبدأ بأنفسنا. ولن يكون لنا سبيل على اعدائنا الا بانتصار لأنفسنا أولاً وآخراً، أي بمحاسبتنا لأنفسنا.

يجوز لنا التساؤل: لماذا يقال هذا الكلام في الجامعة؟ وهل الجامعيون هم المسؤولون والمطالبون بالمبادرة؟ اذ كانت مشاكلنا مستعصية لهذه الدرجة، وشكلت حلة مفرغة أطبقا علينا من جميع الجهات، فلماذا يترتب كسرها على الجامعيين؟ وعليهم فقط دون غيرهم من القيادات؟

حقاً، لا ينتظر ان يكسر الطوق وننجو من الحلقة المفرغة إلا إذا تحمل الجامعيون مسؤوليتهم. وذلك لأسباب ثلاثة:أولاً –أن الوعي بالمشكلة الام وتصور الحل الفعال وترجمته الى رية جلية واضحة هو بالذات عمل الجامعيين وصنعتهم. ويجب ان يكون ذلك شغلهم الشاغل. فإن قاموا بواجبهم هذا وهم بها مكلفون، أي مكلفون بأثبات الرؤية، بتعميقها وتوضيحها ونشرها، بتفهيمها وإرساخها في عقول الطلبة. فإن لم يفعلوا فهم أما غير أهل لمناصبهم الجامعية، أو مخلون بواجبهم الذي هو جوه صنعتهم.

ثانيا: وما العمل إذا كان جامعيونا من غير هذا الوصف، او كان معظمهم ممن ينظر الي مهنته كوظيفة للارتزاق منها؟ أو رأوا أنفسهم كرعاع الامة غي مكلفين وغير قادرين على حمل هذه المسؤولية الضخمة؟ أو لم يأنسوا في أنفسهم العدد والعدة الازمين للقيام بها؟ الجواب انهم أنفسهم المعنيون بأمر تربية وإعداد خلفائهم في العلم وإكثارهم عدداً وعدة. أوليست الجامعة مصنع الرجال، معهد القادة؟ أليس الجامعي المناط الوحيد بالأمر؟ لا يلام إذا قام به ويلام إذاأخفق؟ أليست الجامعة المؤسسة الوحيدة في الامة التي إن أعوزها الرجال الكفء لا يجوز لها أن تنظر إلا لنفسها؟

ثالثا:وإذا رأى الجامعيون انفسهم معلمي تدريب، هدفهم تخريج الطبيب والمهندس والمحامي والمربي المتقنين لصنعهم دون الاهتمام بما يدينون به من فلسفة حياة أو ولاء او أسلوب معيشة او تحزب سياسي؟ تاركين ذلك للتربية البيتية والبيئة والذوق الشخصي؟ فالجواب هو أن على الجامعيين ان يصلحوا أنفسهم. فهم صانعوا الولاء للمستقبلالأفضل. هم المكلفون بحاثة نفوس الطلبة وإعدادها لغرس المستقبل. هم المكلفون بري ايمان الامة بنفسها وبمستقبلها، برعاية عقيدتها. فالجامعة حرم الأمة، والايمان قدس اقداس ذلك الحرم.

لهذه الأسباب لابد ن توجيه الحساب الي الجامعيين. وإن تساءلنا لماذا للجامعيين في هذه الجامعة بالذات، فلأننا، على عكس ما قاله المثل العامي، ” إذ نخاطب الكنة نود أن لو تسمع الجارة. فالكلام موجه لجميع الجامعيين في جامعة اليرموك في هذا الحديث فمن حقهم أن يفخروا بأنهم طليعة الواعين ورواد المبادرين. هم أصحاب الخطوط الامامية، لهم وحدهم شرف شن الغارة الأولى.

والكلام موجه بصورة خاصة الي الجامعات الجديدة. وجامعة اليرموك إحداها. وذلك لأنه يجدر بها الاستفادة من خبرات اخواتها. فالظاهر ان الجامعات الجديدة بالرغم من حداثتها وتحررها من البيروقراطية والمصالح المترأسة لم تستفد وابتدأت من حيث ما وصلت اليه الجامعات القديمة.

فلنحاسب الجامعيين ولنحاسبهم في ما قدموه لحل مشاكل أربع. هي ام تأخر المسلمين وانحطاطهم.

1-                الاستغراب:

وهل الاستغراب مشكلة؟ ألا يجدر بنا أن ننفتح على الحضارات الأخرى ونأخذ النافع منها؟ وهل في العلم والحقيقة شرق وغرب أو اسلام وكفر؟ ام العلم علم يستخدمه الفاضل للطيب ويستخدمه الفاسق للخبيث؟ ألا يعود تأخرنا الى نقصنا في العلوم بقسط كبير؟ وإن امتنعنا عن أخذ العلم عن الغرب، فمن أين نحصل عليه؟ هكذا يقول المستغربون منا. لكن الإسلاميين يوقنون أن حضارتنا الإسلامية مفتوحة، غير مغلقة. ولا شك أننا مكلفون بتحصيل العلم انى وجد الاستفادة منه في تعزيز الامة وتنمية مواردها وازدهارها. فقد حثنا الله تعالى على العلم وتلقيه وفضل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، وفرض رسول الله صلى عليه وسلم طلب العلم على كل مسلم ومسلمة، من المهد الى اللحد، ودل على ان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها. وما من دين ولا ثقافة في الدنيا رفعت شأن العلم والتعليم وحثت الناس على طلبه كما فعل الإسلام.

إلا ان لطلب العلم آداب لابد من مراعاتها، ولنقل العلوم عن الأعداء شروط لابد من تحقيقها. أولها إتقان العلم والهيمنة عليه، أي الالمام التام والتفهم الكامل لكل ناحية من نواحيه. فالتعرف السطحي بالعلم لا يكفي ولا يغني والاكتفاء به جرم. على المسلم الذي يطلب العلم عند الغرب أن ينفذ الي كافة الحقول والمكامن، ويحيط بتاريخ العلم ومنجزاته، ويدرك منهجه النظرية ومسالكه العملية، ويعرف مشاكله وآماله حتى يقف على نشأته وحاجاته وإمكانياته. وعليه أن يعي أنه، من حيث طلبه لذلك العلم عند الغرب، مبعوث الامة بأسرها الى أمة أخرى لنيل ما حصلت عليه من علم وحكمة، وأن بعثته لن تحقق هدفها إلا باستيلائه على كافة نواحي العلم والتمكن منه والهيمنة المطلقة عليه. لذلك وجب عليه أن يعرف كل مل توفر لدى اساتذته في ذاك العلم، ويقف على آر تطوراته ويدرك منهجه تمام الادراك بل يجب عليه ان يعي كل ما حققه ذلك العلم في الغرب وما سيحققه لينقله الى أبناء الامة ويعمل على إنمائه وتطويره بحيث يخطو به الي الامام متفوقاً على الغرب واساتذته الذين نهل العلم عنهم. فيكون الطالب او الجيل المبعوث آخر من تحتاج الامة الي ابتعاثه لهذا الغرض اذ يكفيها بعلمه وبتعليمه لأبنائها ويعدهم للتفوق على اعدائها واصدقائها فلا يجوز للمسلم المبتعث الحصو الجزئي او عدم الهيمنة على العلم المنبعث لأجله ككل. ذلك ان التحصيل الجزئي يؤدى الي اعتماد الامة على العدو وعدم الاستغناء عنه. فكلما احتاجت الامة الى ذلك العلم اضطرت ال ابتعاث أبنائها من جديد او استيراد الكفاءات الأجنبية. وهذه هي التبعية البغيضة التي يجب على الامة التخلص منها. فإذا كانت الامة ضعيفة متأخرة جاهلة بذلك العلم وانبعثت ابناءها لتحصيله كان واجباً ضرورياً عليهم أن لا يحولوا ضعفها وجهلها الى تبعية. بل ان ينهضوا بها ويشيدوا صرح ذلك العلم فيها. وهذا لا يتم إلا بالتحصيل الكلي والهيمنة على العلم بكامله.

ولكي يقوم بهذا المعنى من الابتعاث في طلب العلم يبدو ان يكون الطالب ذا رسالة يكرس لها الجهد والحياة في مثل هذا الطلب الكلي للعلم. يجب عليه أن يعي دوره تماماً كآخر المبتعثين، كناقل الشعلة التي يؤجج نادراً لا تطفأ ولا تحتاج لشعلة أخرى بعدها ابداً. لذلك فانه لن يكتفي بأخذ الدروس اللزمة للتخرج فحسب بل يتعدى متطلبات التخرج ويأخذ كل ما في جامعته بل والجامعات الأخرى من دروس في ذلك العلم. وإذا اخذ درساً فليس قصده الحصول على العلامة الناجحة فحسب، بل الإحاطة بك ما في تلك المسافات من مواد وعلم، مما يقدمه الأساتذة ومما لا يقدمون للطلبة بل يعملون على تثبيته وتنميته في مختبراتهم ومكاتبهم الخاصة.

إلا أن مبعوثينا لا يستحقون الابتعاث فهم اولاً ليسوا أصحاب رسالة ولا يعون انهم في ابتعاثهم يمثلون امة تطلب العلم وتلح على التمكن منه والابداع فيه. وإذا وعوا فهم غير مستعدين لاستيعاب كل ما في ذلك العلم والهيمنة عليه. نحن نبعث من لا يطلب العلم لوجه الله بل لمنفعة شخصية مادية مؤقته. فلا حافز لدية لاستيعاب العلم كله ولا وازع عنده إذ تبين له انه يمكنه التخرج ونيل الشهاد وتحقيق منفعته التي جاء من اجلها دون ذلك الاستيعاب. هذا كله على فرض اننا لا نبتعث إلا الاذكياء العباقرة.

وإذا تخرج هذا المنبعث وعاد الى الوطن ووظف في هيئة تدريس جامعية، خرج الطلبة على شاكلته. إن فاقد الشيء لا يعطيه. وهو بالطبع لا يقرأ بعد تخرجه إلا ما رأى قبله، لأنه لم ين يجاري العلم في تقدمه. لذلك يتخرج طلاب ذلك الأستاذ لا يعرفون.

فلا يجوز للمسلم المنبعث الحصول الجزئي او عدم الهيمنة على العلم المنبعث لأجله ككل. ذلك ان التحصيل الجزئي يؤدي الى اعتماد الامة على العدو وعدم الاستغناء عنه. فكلما احتاجت الامة الى ذلك العلم اضطرت الى ابتعاث أبنائها من جديد او استيراد الكفاءات الأجنبية. وهذه هي التبعية البغيضة التي يجب على الامة التخلص منها. فاذا كانت الامة ضعيفة متأخرة جاهلة بذلك العلم وابتعثت ابناءها لتحصيله كان واجباً ضرورياً عليهم ان لا يحولوا ضعفا وجهلها الي تبعية. بل ان ينهضوا بها ويشيدوا صرح ذلك العلم فيها. وهذا لا يتم الا بالتحصيل الكلي والهيمنة على العلم بكامله.

العلم إلا قليلاً، ولا ينشدون الهيمنة عليه. بل شأنهم كشأن استاذهم يأخذون عنه عدم اخلاصه للعلم وعدم إخلاصه للامة التي ابتعثته. وهؤلاء، إذ يبتعثون لطلب العلم في الخارج قاموا بما قاموا بما قام به استاذهم او اقل درجة وهكذا دواليك وتعجز الامة عن تثبيت العلم في ربوعها وعن الاستغناء عن الغرب. والاعتماد عليه، وتبقى تابعة له، مقلدة لعلمه تقليداً ناقصاً لا يغني.

والغريب في الامر ان العرب باشروا في ابتعاث أبنائهم للدراسة في الغرب منذ أوائل القرن التاسع عشر وبعد حملة نابليون بالذات. وقد مضت عليهم سنين طويلة وهم يقذفون بأبنائهم الي الغرب جيلاً بعد جيل دون الاكتفاء بما نقلوه عن الغرب، ودون فلاحهم في زرع العلم في ربوعهم او تنميته بشكل يثبت أي تفوق لهم فيه. فان دلت جامعاتهم وكلياتهم ومكتباتهم على شيء فهي تدل اليوم على انحطاط المستوى العلمي عندهم وافتقارهم الى الكتب والمراجع. اين هي الجامعة الإسلامية التي انشات أي قسم او برنامج دراسات يعادل او يقارب ما هو متوفر أي ألف جامعة وجامعة في الغرب في ما يخص العلوم الطبيعية؟ او غيرها من العلوم الحديثة؟

ألم يسمع المسلمون بان روسيا واليابان والصين كانت الى أواسط القن التاسع عشر توصف بما توصف به امتنا من جهل وتأخر؟ وان كلاً منها أرسلت أبنائها الى الغرب لتحصيل العلوم؟ وأن كلاً منها اكتفى بعد جيل من المبتعثين عادوا الى بلادهم وزرعوا العلم الجديد واتقنوه؟ بل انهم تفوقوا فيه على الغرب وجامعاته؟ فاذا استطاعت روسيا القيصرية التي كانت تعيش في قرون مظلمة حقاً،وإذا استطاعت اليابان التي كانت تعيش عيشة بدائية وتعتبر من حيث الحضارة والثقافة عيلة على الصين.وإذا استطاعت الصين التي كانت مستعمرة الى عهد قريب جداً، وبها من السكان بليون من البشر بكل ما يحيط بهم من مشاكل ولها ابجدية فيها اربعون ألف حرف، إذا استطاعت روسيا واليابان والصين ان تقيم فيها العلوم الحديثة مستغنية عن الغرب، فلم لا يستطيع المسلمون؟ ألا يستحى الجامعيون ان يتقدم العالم وتتقدم الأمم المتخلفة وهم لا يتقدمون؟ وهل يجوز للجامعيين اتهام حكامهم ورؤسائهم وتحويل اللون إليهم بدل أنفسهم؟

2-                الازدواجية:

منذ ان باشر الاستعمار ادارته لبلادنا، وضع نظاماً جديداً لتعليم أبنائنا منقولاً عما عرفه في وطنه ومتطوراً ليلائم مقاصده الهادفة لثقافة الامة، والمقسمة لوحداتها والمفسدة لعروتها الوثقى. وأغدق الاستعمار واذنابه العطاء على هذا النظام المستورد والعناية به وجعلوه منافساً للنظام الإسلامي التربوي الذي حرموه من العطاء والنمو وأقصوه عن الحياة العامة. وجاء الاستقلال بعد الاستعمار فتبعت قياداتنا الاستعمار بعد زواله ومنحت كل التبشيرات والتوسع للنظام الغربي. فكاد يصبح نظام الامة الوحيد. تقلص النظام الإسلامي وبقي على تأخره وعدم فاعليته وكاد اهمال الامة له ان يقضى عليه.

تخرجت أجيال من كلا النظامين، لكن كلا الفريقين ممسوخان: أناس متخصصون في العلوم الحديثة لا يعون هويتهم ويجهلون تراثهم ولا رؤية حضارية له فهم ضياع. واناس متخصصون في اللوم الإسلامية المقتصرة على الدراسات الفقهية لا يعرفون من العلوم الحديثة شيئاً، ويجهلون العالم الحديث ومشاكله رغم معيشتهم فيه ومعاناتهم لمشاكله. ويشبه الفريق الثاني الكهنة الذين لا يعرفون الا طقوس الدين وممارساته بأضيق معانيها. ويشبه الفريق الأول الكاريكاتور والمماسخ الذين لا هم عرب ولا عجم، لا إسلاميون ولا غربيون.

بل تغير مفهومنا للإصلاح التربوي الى الأسوأ. وقمنا بإصلاح الازهر بإضافة الكليات الجديدة ومسافات العلوم الحديثة اليه، لا بتنمية او اصلاح الدراسات الإسلامية فيه. فأدخلنا الازدواجية الي كلياته وبرامجه وذلك أسوأ شراً من ازدواجية تواجد الازهر والجامعات الغربية في ربوعها. ولم نفلح بهذه ولا بتلك بل اضعنا التربية الإسلامية وذلك بتضييق مكانتها في برامج الدراسة. ووحدنا المدارس الازهرية بالمدارس العامة فقضينا على تفوق الأولى باللغة العربية والدراسة القرآنية ولم نقو الثانية.

أوجدت الازدواجية تبايناً بل هوة بين رجال الامة، بين ن اضطلع بالرية والتراث الإسلاميين ومن المستغرب رؤية أو فكراً أو طباعاً. والمستغربون لا يقوون على مخاطبة الامة فهم بعيدون كل البعد عن ضميرها واحساسها وتطلعاتها. لا ثقة لها بهم. وهذا مما يجعلهم يمعنون في استغلالها والتعامل معها على أساس من الانتهازية والمنفعية مما يزيد ينتهم بلة. اما الإسلاميون فلديهم الايمان وثقة الامة لكنهم يعوزهم الالمام بالعالم الحديث، بمشاكل الامة والعالم من حوها. وهم، اذ لا تنسيق لفكرهم، يتخبطون كل ما تكلموا في هذه الأمور. والأمة حيرى تدرك نقص الفريقين ولا تولى قيادتها لأي منهما وذلك مع ميلها الطبيعي الى الإسلاميين.

ولا حل للازدواجية إلا في الجامعة. فالجامعة فقط هي المحافظة والمربية والمعلمة. هي وحدها الى تستطيع إزالة الازدواجية في الامة بإزالتها من التعليم. والتعليم اختصاصها. فما عليها إلا أن تحسن تعليمها للناس وذلك بتعليمهم التراث الإسلامي وتوعيتهم حضارياً وتمكينهم من العلوم الحديثة ومشاكل الامة من منظور الإسلام. فيتخرجون موحدي الشخصية، متواصلين مع سلفهم، موالين لدينهم ومتفاعلين مع عصرهم. والأمة جاهزة للتجاوب مع مثل هؤلاء الخريجين، بل هي تتطلع إليهم لتوجيهها في محنتها الحاضرة.

لكن أين الجامعة التي نجحت في إزالة الازدواجية؟ والتي وضعت خطة لإزالتها؟ أو التي تعي المشكلة بجميع ابعادها؟ نحن ننشئ جامعات دون أن نقيم فيها الدراسات الإسلامية؟ وندرس فيها العلوم الحديثة كما تلقيناها من مصادر الغربية، دون إتقان وإكمال، ودون صهر لها في ثقافتنا الإسلامية، بل دون محاكاتها لمشاكلنا ومجتمعنا. نحن ننقلها الى الطلبة بعلاتها وخصوصياتها الغربية جاهلين او متجاهلين أنها أقيمت واستندت على وقائع غربية، وعنيت بمسائل غربية ووضعت حلولا متلائمة مع الثقافة والمجتمعات الغربية. وكذلك ان توسعنا في مدارسنا الإسلامية او كليات الشريعة في جامعاتنا، أوغلنا في الدراسات والمقارنات الفقهية وأمعنا في تناولنا للقرآن الكريم دون أن نتدبره، وفي الحديث الشريف دون إدخاله في معالجة قضايانا الحديثة. فلذلك اتهمنا، وفي اتهامنا شيء من الصحة، بأننا لا نحاول التفقه بالدين من اجل الحياة كالمسيحية والبوذية.

يزيد الازدواجية سقماً ما تعانيه أمتنا من انقسام في تبعيتها للاتحاد السوفيتي والدول الغربية. ترى أبناء الامة يتتلمذون على أيدي الامريكان والانجليز والطليان والفرنسيين والالمان وغيرهم من دول الغرب، كما يتتلمذون على أيدي الروس والالمان الشيوعيين والصينيين وغيرهم من الأمم الأعضاء في المعسكر الشرقي. وتراهم أيضاً آخذين في التتلمذ على أيدي الهنود والباكستانيين والأستراليين والمالويين مما يفتت قيادة هذه الامة شر تفتيت. فالمسلمون يرجعون الى اوطانهم يحملون وجهات النظر وعادات الأمم التي درسوا فيها ويدافعون عنها بولاء يفوق ولاء تلك الأمم.

هذه الازدواجية المقيتة التي نعيشها اليوم ميعت شخصياتنا وأودت بصحتها وسلامتها وتماسكها كشخصية حية صانعة للتاريخ. وقد أصبحنا موضع سخرية للأمم كافة. ألا يستحي جامعيونا من استمرار هذا الوضع السقيم؟

3-                التقطيب

من آفات الاستغراب والازدواجية أننا ابتلينا بما ابتلى به الغرب الذي نقلنا عنه. وإن ورثنا عن اسلافنا شيئاً من هذا من جراء ممارستهم للتصوف الغالي، فاستغربنا عمق التقطيب واوسع رقعته الى ان شكل في جامعاتنا أمراضاً تفسد علينا مساعينا.

أ‌-                   تقطيب الدين والحياة

ذكرنا ان الاستغراب والازدواجية أبعدا الفكر الإسلامي عن محاكاة العصر الحديث، كما أبعدا الفكر الحديث كما أبعدا الفكر الحديث عن الانتفاع بالفكر الإسلامي وإثرائه وتمكينه من الهيمنة على المكونات الرئيسية لمصير الامة وكينونتها. لكن حياتنا الجامعية اليوم لا تعرف شيئاً من الممارسة الدينية. وهي تميل عنه كل الميل الى علمانية شاملة لكل شيء. فبالإضافة الى تباين الفكرين الغربي والإسلامي، استحكم التقطيب في جامعاتنا. فأصبحت الممارسة الدينية قليلة ممتهنة لا تعطي حقها لا في المكان، فقلما تجد مسجداً يقع من أي حرم جامعي موقع القلب، ولا في الزمان، إذ لا تجد جامعة واحدة في العالم الإسلامي كله اقامت برامجها على جدول الإسلام الزمني. فالدراسة تبدأ في الثامنة بدل الفجر الذي تعد صلاته بداية المبتدي. ولا تتوقف تماماً عند صلوات الظهر والعصر، كما أمر الله تعالى، ولا تنظم أيام الأسبوع السبعة ولا أشهر السنة الاثني عشر. لقد اقتبسنا جدول الغرب وتبعناه كالخراف دون وعى مع ما فيه من هدر لطاقات شباب الامة. وليست السبتية من الإسلام بشيء، وليست العطلة الصيفية من الإسلام بشيء وليس النوم بعد الفخر من الإسلام بشيء.

نسمع في جامعاتنا كثيراً عن العلم والتعلم وعن العمل والرقي على السلم الاقتصادي والسلم الاجتماعي. وقلما نسمع عن مطلب مرضاة الله في ما نطلبه من نصيب الدنيا، عن مطالبة الضمير الإسلامي بالتيقظ والتكلم في كل ما نحن فيه. فالإسلام دين شامل لجميع أمور الحياة. لكن اين الجامعة التي تضعه فعلا في مقدمة فكر الأستاذ والطالب، وتجعله محور حياتهما الجامعية. فإذا تقطب الدين عن الحياة، هل من غرابة إذا تقطب عن الحياة خارجها؟

ب – تقطيب الاخلاق والتعليم

نقلنا عن الغرب فكرة أن العلم والتعليم شيء والأخلاق شيء آخر. يدافع الغرب عن تخصص الجامعة بالعلم والتعليم وابعاده للأخلاق عنها بأن عملية اكتشاف الحقيقة وتثبيتها عملية مجردة عن الاخلاق وأنها تفسد إن دخلتها الاخلاق كعنصر بحث. فالذي يدور في المختبر الدراسي فكري، نظري محض، لا يتغير بانحطاط المختبر الأخلاقي أو سموه. كما أن غاية الجامعة وأستاذها التعليم، أي بث هذه الحقائق المجردة، لا إصلاح الناس. فالتعليم والإصلاح عمليتان تخصصيتان منفصلتان عن بعضهما البعض تمام الانفصال. للتعليم رجاله وهو الأساتذة الجامعيون، وللإصلاح رجاله وهو الاولياء ورجال الدين.

نشأت فكرة التقطيب بين الاخلاق والعلم في الغرب في القرن الماضي، إن كانت جذورها تمتد إلى عصر الإصلاح الديني. وكان قصدها تحرير الجامعة والتعليم كله من نفوذ الكنيسة. وكان هذا النفوذ المتنطع، الجاهل، الذي فرض على العلماء ما احتوته تعاليم الكنيسة والكتاب المقدس من خرافات واساطير، سبباً في قيام الثورة الإصلاحية التي حطمت سلطة الكنيسة وفرضت عليها التزام الجانب الطقسي من الحياة وتسليم قيادات ميادين الحياة الآخر الى أهلها. واعقبت ثورة الإصلاح الديني الثورة الفرنسية فأكملت ما أنجزته الأولى في الحقول السياسية والاقتصادية.

وفي القرن الماضي، سارت الثورة على الكنيسة خطوة أخرى فأبعدت نفوذها عن العلوم الإنسانية والاجتماعية فضلا عن العلوم الطبيعية المتحررة من قبل.

فالكنيسة كانت تضع الرجال موضع الله وتدعي أنهم يتكلمون باسمه ونيابة عنه، تعالي عما يصفون. وبالإضافة الى الافتراء على الله تعالى، كان للكنيسة أجهزة لتطبيق تعاليمها المزعومة وكانت لها سلطات سياسية واقتصادية واجتماعية تمكنها من هذا التطبيق. أفإن كانت تعاليمها تمزج الطيب بالخبيث، فإنه من حق الناس الثورة عليها. أما نحن المسلمون، فليس عندنا كنيسة ولا حاجة لنا في مشاركتهم في ثورتهم.

وقال الغربيون أن العلوم كلها – ماعدا الانسانيات وهي لم تحظ منهم بلقب علم – موضوعية لا علاقة لها بالإدارة الإنسانية وأنها تعتمد البرهان الحسي والدليل القاطع فقط. اما الأخلاق، ففي نظرهم انها لا تعتمد على حقائق بل على الإرادة والايمان الديني وكلاهما عرفيان، لا يقومان على دليل. وادعى الغربيون أن بين التعليم والدعوة فجوة لا يمكن سدها. وكان هذا موقف الغرب حتى الحرب العالمية الأولى.

وقد اكتشف الغرب خطأه هذا بعد الحرب اذ أثبتت الفلسفة ان ليس هنالك أدراك نظري وإدراك عملي او أخلاقي منفصل عنه بل الإدراكان متصلان واقعان في نفس الوقت وبخصوص المدرك الواحد نفسه. بل ليس هناك ادراكان بل إدراك واحد له ناحيتان نتبينهما بعملية تحريرية يقوم بها العقل. واستخلص من هذا أن كل تعليم دعوة سواء كان في العلوم الطبيعية او الرياضيات او الانسانيات. إلا ان الدعوة والإرادة مكشوفتان في الأخيرة ومكنونتان في الأولى والثانية. لكن ميل الغرب الى التشكك وامعانه فيه كمبدأ مطلق، أدى الى إهمال الانسانيات واغفال الناحية القبيحة أو الأخلاقية في العلوم الأخرى مكتفياً بتعريف الطالب واعلامه عنها. لكنه أوغل في بحث النظرية الجديدة ووضع لها علماً جديداً سماه علم الاجتماع العلم أو Sociology of Knowledge.

وعلى فرض ان هذا الذي يدعيه الغرب صحيح، أليست حاجتنا شديدة لتقويم الاخلاق بيننا، الى إيقاف التدهور الأخلاقي المتفشي في مجتمعنا؟ أليست همنا الأكبر بناء الامة من جديد؟ فهل يجوز للجامعيين أن يتعاطوا العلم دون التعرض للأخلاق سواء كانوا أساتذة أم طلاباً؟

ومن ناحية نظرية، نحن لا ندين بالتشكك المطلق بل نرى ان الاخلاق وان لازمت كل ألوان المعرفة فهي خاضعة للبرهان القطعي والتعقل والتثبت تماماً كالحقائق والنظريات الطبيعية. ولا يمكن لنا اعتبارها ارادية محضة، او عرفية كما يدعي الغرب. فهو اعتبرها كذلك لأنها جاءته عن طريق الكنيسة ذات السلطة العرفية. أما نحن، فقد جاءتنا الأخلاق عن ديننا وهو دين العقلانية والبرهان والدليل والحكمة.

لكن أين جامعاتنا التي وضعت التنشئة الأخلاقية جنباً إلى جنب التعليم النظري؟ أين هي برامجها التي تثبت ذلك؟ وأين أخلاق الأساتذة والطالب من سلم أولوياتها؟

ج-تقطيب الفكر والعمل:

وآفة أخرى من آفات الاستغراب والازدواجية أن العلم المنقول عن الأجانب ن وهو نابع من صميم مجتمعهم لمعالجة مشاكله، لا ينطبق على مجتمعنا وعينا ذلك أولا. وطالما اننا لا نعى هذه الحقيقة في معظم الأحيان ظناً منا انه موضوعي ينطبق على من في الأرض ومن في السماء كما ادعى الغربيون في غلوهم وضلالهم، نتعلم العلم المنقول دون ما نحاول تطبيقه على واقعنا. نتعلمه كالببغاء. وسبق اننا أمعنا في التأملوغلونا فيه تحت تأثير التصوف. فأسرفتا في وصف المثال والخير المطلق في كل باب دون الاهتمام بالواقع المخالف. ولعل عدم اهتمامنا فيما مضى بالواقع المخالف – لاسيما في عالم السياسة وعالم الطبيعة، حيث أهملنا طغيان السلاطين وحيث تهربنا من نواميس الطبيعة الى خيال الكيمياء السحرية – كان هرباً منه وضعفاً في شخصيتنا. فجاء الاستغراب بعلومه المنقولة يعزز الضعف ويرسخه ويزيده ضعفاً.

وإذا كانت هذه الظاهرة موجودة في جامعاتنا فهي بحكم اللازمة بين طلابنا اللذين يدرسون في الخارج. فبحكم تتلمذهم على الأساتذة الأجانب وفي الجامعات الأجنبية، يتناولون بحث مشاكل الغرب في اطروحاتهم، وذلك لتوفر وسائل البحث وتشجيع الأساتذة من جهة أخرى. وإذا تناولوا موضوعاً لأبحاثهم مسائل العالم الإسلامي كان ذلك أسوأ لخضوعهم لتوجيهات أساتذتهم الأجانب ولاقتناعهم وتمسكهم بهذه التوجهات. وعلى كل حال فالعالم الإسلامي دائماً هو الخاسر.

د. تقطيبات اخرى

غالب ما تشاهد في جامعاتنا فصلا يكاد يكون تاما بين الجامعة والمجتمع. فالجامعة عندنا مركز للتعالي على المجتمع، اذ ينظر الجامعيون – أساتذة وطلبة – الى المجتمع من على ظنا منهم انهم أفضل منه وأجدر. برغد العيش وأقرب منه الى التفرنج. وما من جامعة في بلادنا تعتبر نفسها امتداداً للمجتمع قائمة لخدمته. فالجامعات عندنا لا تفتح أبوابها للمجتمع، ولا تقيم البرامج التي يستطيع أعضاؤه المشاركة فيها. وطبعا هي لا تريد أن تعف حاجات المجتمع فالأبواب بينها وبينه مقفلة.

كما أن الأستاذ مفصول كل الفصل عن الطلبة. فالأستاذ والطالب قطبان لا يجتمعان إلا في قاعة المحاضرة ولا يتفاعلان. الأستاذ يحاضر أو يملي والالب يستقبل المادة ليتقيأها يوم الامتحان. لا يعرف الأستاذ طلبته شخصيا فهو لا يقوى على ذلك لكثرتهم الهائلة وهو ان استطاع تقاعس تعظيما لنفسه عليهم. أين الأستاذ الذي يدعو طلبته الى بيته، ويزورهم الي بيته، ويزورهم في بيوتهم، ويهتم بأمورهم التربوية وغيرها؟ وأين الأستاذ الذي لا يفرح بالانتهاء من القاء محاضراته عليهم؟ وأين الأستاذ الذي يرضى بأن يلبس تلميذه عته الاكاديمية ويتحدث بلسانه كما كان يفعل الطلبة المسلمون المجازون من قبل شيوخهم في العصور السالفة، حيث توثقت صلة الطالب بشيخه واقتنع الشيخ بأن عقلة وعقل طالبه يعملان على شاكلة واحدة؟ كم من اساتذتنا يرضون اليوم بتحمل المسؤولية إذا تحدث تلاميذهم في أي موضوع؟ بل في موضوع تخصصهم؟ وكم منهم يرضون اليوم بتحمل المسؤولية إذا ظهر تلاميذتهم وسلكوا مسلكهم في المجتمع؟ الا يحاسب الجامعيون على هذه التقطيبات التي تفسد الجامعة، وتفسد المجتمع، وتفسد التعليم نفسه؟

4 – الرسالة:

وأخيراً وليس آخراً، تعاني جامعاتنا نقصا مريعا في الوعي الرسالي. وهو نقص يعاب الجامعيون عليه لأنه من صنعهم، أنية واستمراراً. فالجامعة عندنا ليست جامعة تربوية بل معهد تدريب بداخله الطالب سعيا وراء مهنة يتعاطاها ويرتزق منها. والانكى من ذلك أن الجامعة عندنا ليست معهدا لتدريب ما تحتاجه الأمة من مهارات وكفاءات، بل هي تدريب وتخرج العقول لتتسرب الى الخارج وتعمل في خدمة الغير. وكأنها مكرمة لقطع الأبناء عن الامة والحيلولة دون انخراطهم فيها.

يناقض هذا النقض حقيقتنا التاريخية وهي أننا أمة رسالة سماوية. فنحن نؤمن باننا على عهد مع الله سبحانه وتعالى، مكلفون بأمره للقيام بدور محوري في التاريخ استخلفنا الله في الأرض كي نقيم دينه ونعمرها بذلك ونزيدها خيرا على خير وجمالا على جمال. فنحن لا نعيش لأنفسنا بل لله قائمين بما عقدناه مع رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعة واحسان وعمل. رسالتنا هي تحقيق الحق وبيان سنن الله في خلقه التي لا تبديل لها، وعجن العالم وهندسته حسب ما تمليه سنن الله الخلقية. همنا اعمار الأرض وازدهارها وذلك بمثلها عمرانا وثقافة وحضارة. كما نؤمن بمسؤوليتنا وحتمية حسابنا يوم القيامة. وقد سلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم الرسالة بعد أن بينها ووضحها وحققها في سيرته الكريمة واستأمننا عليها. فكيف لا نرعاها؟

أفإن كار للرسالة معبد هي قدس اقداسه، فذلك المعبد هو الجامعة، لكن أين هم من القيان بأعبائه؟ أوليست الرسالة مجرد كلام ان لم يضطلع بأعبائها الجامعيون؟ أوليست الرسالة أضغاث كلام ان لم يعبئ الجامعيون قوى بشرية قادرة على تنفيذها؟ الا تكون السالة اسورة الاولين ان لم يقم الجامعيون بمحاكاة العصر الحديث من خلالها، وتفتيح اقاتها على العطا الحضاري في كل آن؟ أليس ولاؤهم المزعوم لها حشوا سقيما إن لم يبينوا للناس صلتها بكل واقع وحديث؟ ان لم بضرموا نارها في القلوب ويقيموا تحقيقها على التعبئة العامة والتنظيم؟ فاين جامعونا من الرسالة المحمدية؟ كم منهم أعد نفسه لتحمل عبثها بأبعاده الحضارية والعالمية؟ وان لم تكن الرسالة هم حياتهم ومماتهم، وفحوى عملهم وغاية تعليمهم، فهل هم جديرون في ذلك كله الحساب العسير الذي يستحقونه؟

اللهم هيء لنا من أمرنا رشدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر