Uncategorized

حوار الحضارات.. خبرة إيرانية رائدة

فى البداية لابد من الإشارة إلى أن هذه الورقة، ما هى إلا تطوير لبحث بعنوان  “حوار الحضارات من منظور إيرانى” وقدم بالفعل فى ندوة: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات؟ التى انعقدت فى دمشق فى الفترة من 19 إلى 21 يناير 2002.

وحاولت الباحثة مواكبة التطورات الحادثة فى الشهور التسع الأخيرة مع إضافة عرض مفصل لأنشطة مركز حوار الحضارات فى طهران، باعتباره الآلية المؤسسية الرئيسية فى برنامج حوار الحضارات الإيرانى، وهو من أوائل البرامج فى الدول الإسلامية، والذى جعل إيران بحق من أهم الرواد فى هذا المجال داخل المحيط الإسلامى بشكل خاص.

 

دعا الرئيس خاتمى فى مبادرة تاريخية إلى تحويل حوار الحضارات من مجرد فكرة يتداولها الفلاسفة والمؤرخون والعلماء الاجتماعيون إلى “سياسة ثقافية عالمية تتبناها الأمم المتحدة”، الأمر الذى مثل لحظة فاصلة فى مفهوم حوار الحضارات، ساعد على رواجها وتقبلها أنها توافقت مع مزاج عالمى سائد يستنكر الإرهاب والعنف فى العلاقات الدولية(1). ولكن هذا المزاج لاشك أنه قد تغير بعد أحداث 11 سبتمبر، وهو إن اهتم بمقاومة الإرهاب، ولكن فى ظل تباين شديد فى التعريفات، وتضاد واضح فى المصالح على الساحة الدولية، سيلقى ولاشك بآثاره على مشروع الحضارات فى معناه وتنفيذه؛ فمن المفارقات التاريخية الداعية للتأمل أن يكون عام حوار الحضارات، هو نفسه العام الذى شهد ما سمى بأولى حروب القرن.

يواجه مفهوم حوار الحضارات أزمة كبرى فى ظل الأحداث الدولية المتلاحقة، وهى الظروف نفسها التى تكسب هذا المفهوم أهمية قصوى باعتبارها الرؤية البديلة الرئيسية لمفهوم الصراع الحضارى، الذى يهيمن على كثير من الأدبيات السياسية، التى تتناول الأوضاع العالمية الراهنة، وهو الصدام الذى اكتسب بعداً حضارياً وظهر كبديل للصراع الأيديولوجى السائد طوال القرن العشرين. وفى سياق هذه الأزمة، كان لابد من وقفة متعمقة للرؤية الإيرانية لمفهوم حوار الحضارات كمدخل جديد طرحته القيادة السياسية الإيرانية للتعامل مع العالم الخارجى، وبمعنى أوسع للعلاقة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، كما لم يركز الطرح الإيرانى لحوار الحضارات على البعد الفكرى والمثالى والإيجابى لهذه الفكرة، وإنما وظفها كآلية جديدة هامة وفعالة من آليات السياسة الخارجية الإيرانية، مما أكسب الخبرة الإيرانية تفرداً فى هذا المجال، وقدمت نموذجاً جديراً للاهتمام بتوظيف أدوات ثقافية بالأساس لتحقيق مكاسب سياسية، وتدعيم مكانة دولية لدولة تواجه الكثير من التحديات، ومتهمة بكثير من الاتهامات من أبرزها رعاية الإرهاب ومن أحدثها كونها محوراً رئيسياً من محاور الشر فى عالمنا المعاصر كما أدعى الرئيس الأمريكى مؤخراً.

وستنقسم الدراسة إلى قسمين رئيسيين:

فى إطار بروز أهمية التحليل الثقافى لدراسة أوضاع العالم المتشابكة فى الوقت الراهن، فإن السياق الإيرانى يعطى أهمية كبرى للاقترابات الثقافية، التى عالجت إشكالية الأنا بالآخر، وما لهذا المدخل الثقافى من تأثير على تناول الظواهر السياسية، ومنها العلاقات بين الأطراف الدولية المختلفة، فكثيراً ما ربط المفكرون الإيرانيون المعاصرون مفهوم الذات بالآخر الغربى المهيمن، ولعل الجدل المرتبط بحوار الحضارات يعد المرحلة المعاصرة الجديدة لعلاقة إيران بالغرب، وهى العلاقة التى ظلت دوماً إشكالية رئيسية فى الوعى والفكر الإيرانى الحديث.

ولذا يتعرض القسم الأول إلى طرح الخطاب الإيرانى الرسمى لحوار الحضارات ممثلاً فى خطاب الرئيس خاتمى بالأساس، فى محاولة لرسم معالم الرؤية النظرية الإيرانية لهذا المفهوم: أدواته وأساليبه وأهدافه، وذلك فى محاولة من الورقة لأن تكشف عن المنطلقات التى صدر عنها الخطاب الإيرانى والاتجاهات الحاكمة له، والوظيفة المراد تحقيقها من تبنيه، ولا تتعامل هذه الجزئية مع الخطاب الإيرانى الرسمى والسياسى باعتباره وحدة واحدة تتفق على التفاصيل والمعالم، بل تسعى الباحثة لرصد درجة الاختلاف بين أفراد النخبة الإيرانية حول النظرة إلى مفهوم حوار الحضارات وطبيعته والمغزى منه، وتسعى لتبيان أبعاد ومدى هذا الاختلاف للوصول إلى المحور الرئيسى المتفق عليه، وعلى أهميته وجدواه؛ حيث لابد أن يؤثر ذلك على فعالية الأداء المؤسسى الذى سيرد ذكره فى القسم الأخير من الدراسة؛ إلا أن ندرة البيانات والمصادر المتعلقة بهذا الشأن، والتى أتيحت للباحثة فى الفترة السابقة حدت من انطلاق التحليل وعمقه فى هذه الجزئية.

فى حين يناقش الجزء الثانى ما تحقق على مستوى السياسات والمؤسسات وإلى أى مدى انعكس هذا المفهوم على تنفيذ السياسات، وأداء المؤسسات، باختصار الترجمة المؤسسية لحوار الحضارات، ودرجة النجاح الإيرانى فى تحقيق المستهدف من هذا المفهوم. وكان من المفيد التعرض لحجم الإنجاز الذى وصلت له الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى هذا المجال بعد أن انتقل مفهوم حوار الحضارات من مستوى الجدل الفكرى إلى مستوى السياسات وما يتبعها من آليات لتنفيذها. وستفرد الورقة فى هذه الجزئية مكاناً من أجل إلقاء الضوء على أنشطة وتوجهات مركز حوار الحضارات بطهران، الذى يحتل بؤرة التفاعل الإيرانى فى مجال حوار الحضارات، ليس كهيئة راعية للأبحاث وداعية للفكرة فقط، بل ومشاركة فى الحوار على مختلف المستويات وفى معظم الفرص المتاحة له.

أولاً: الخطاب الإيرانى وحوار الحضارات:

تمثل الثورة الإيرانية عودة الثورات الدينية خلال العصر الحديث، وهو السياق الذى لابد وأن يترك بصماته على الرؤية الإيرانية لكثير من القضايا المعاصرة. فإن إيران عقب الثورة الإسلامية – وفق خاتمى- “تمر بمرحلة جديدة من إعادة بناء الحضارة”(2).

مر الخطاب الإيرانى بتطورات واضحة، تجعل من السهل القول إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمر بمرحلة إعادة تعريف للذات، ومراجعة طريقة التعامل مع الغير. وامتد هذا التغيير ليشمل قضايا داخلية وخارجية، ومن ثم كان مشروع حوار الحضارات، والطرح الإيرانى القوى له أحد الدلائل والمؤشرات على التحول الحادث فى الاستراتيجية التى تتبعها فى تفاعلها مع السياق المحلى والدولى، وهو ذاته السياق الذى فرض حسابات جديدة على صانع القرار الإيرانى فى نفس الوقت الذى ظهرت قيادات إيرانية جديدة لها رؤاها الخاصة، فتلاقت بذلك التغييرات فى النسق العالمى والإيرانى مع بروز قيادات متميزة وعلاقات نخبوية مختلفة لتنتج خطابا إيرانياً متميزاً حول مشروع الحوار بين الحضارات.

مفهوم الآخر فى السياق الثقافى الإيرانى:

هناك خصوصية للسياق الذى يدور فيه الجدل الثقافى والفكرى الإيرانى؛ فلقد فرضت الثورة العديد من الأسئلة الهامة على المفكرين الإسلاميين، هل يستطيع الحكم الإسلامى مواجهة التحديات العلمية والاجتماعية المعاصرة؟ هل الديموقراطية البرلمانية ملائمة للإسلام؟ وكيف يمكن إيقاف أو قلب المسيرة المتقدمة للعلمانية، وكيف تكون مواجهة الغرب؟ وتمت إجابة هذه الأسئلة بطرق مختلفة فى مناخ بالرغم من تقييده سياسياً بشكل نسبى إلا أنه مزدهر فكرياً(3)، وساعد على التباين الفكرى إن الدين ليس المصدر الوحيد لأيديولوجية الثورة بل إن الشيعية أحد الروافد فقط، وبالتالى فإن التنوع والتعدد فى المصادر هو أحد السمات الرئيسية للخريطة الإدراكية الإيرانية.

يمكن تحليل التاريخ الفكرى الإيرانى المعاصر من خلال ما أسماه mehrzad Boroujerdi بالمثلث الثقافى المكون من تأثير الثقافة والحضارة الغربية، التراث الفارسى ما قبل الإسلام وبعده، وتقدير المفكرين للضلعين السابقين. وتنبع أهمية الأول من تأثير المنظور الفلسفى والعلمى والعسكرى والاقتصادى للغرب على الحياة اليومية وطريقة التفكير فى إيران المعاصرة، أما الثانى فنستخرج دلالته من كونه المصدر الأولى لهوية الإيرانيين الثقافية والفكرية، أما الثالث فتظهر أهميته بسبب قدرة المفكرين الإيرانيين كمبدعين ثقافيين على لعب دور حيوى فى الوساطة ما بين الثقافة الغربية والتراث الإيرانى. وداخل هذا المثلث الثقافى تظهر على السطح عدة إشكاليات: ما هو الغرب؟ وكيف يكون الاقتراب منه؟ وكيف يمكن تحليله؟ وهل هناك ما يمكن تعلمه منه وتقديمه له؟ وما هو المناسب مع الهوية الإيرانية؟ هل يجب النظر إلى الحداثة والعلمانية كمبادئ عالمية أم كأدوات غربية؟(4)

بالنسبة لهذه التساؤلات، اختلفت آراء المفكرين الإيرانيين وتباينت: فنصر دافارى إيرانى- يؤمن بأن المفكرين الإيرانيين يحتاجون إلى عملية رد فعل نقدى لمعنى وحقيقة التاريخ الغربى، وهو يرى الغرب ككل واحد، وليس ككيان سياسى فقط، بل هو كطريقة للتفكير، وهو بذلك يضع الغرب كآخر مطلق فى مواجهة الهوية الإسلامية(5). فى حين أن سوروش Sorush ينتقد النظرة الفلسفية لدافارى القائمة على كلية ووحدة الغرب، لأنها لا تترك مساحة لحوار بناء أو تبادل مكاسب متبادل.  كما رفض فكرته عن قبول الغرب ككل أو رفضه ككل. فالغرب عنده على العكس لا يمثل كياناً واحداً موحداً، كما يرفض استخدام المصطلحات الكبرى المطلقة مثل الفلسفة الغربية، والثقافة الغربية، وروح الغرب، فسوروش يؤكد أن الغرب لا يعبر عن شمولية متناسقة بحدود فكرية وثقافية معرفة تعريفاً محكماً. ولا تستطيع المجتمعات غير الغربية مواجهة الغرب، بل فقط الأفراد الغربيين، فلقد آمن بالتبادل الثقافى الذى يطور الاعتراف والتعاون المتبادل، ويرى أن هدف الجمهورية الإسلامية كحكومة دينية ألا تخضع وتحول العالم بأكمله للإسلام وإنما يجب أن تكون الخطوة الأولى هى تنمية واحترام الفكر الدينى أياً كان نوعه على مدار العالم. ويرى أيضاً أن الثقافة الإيرانية نتاج ثلاث ثقافات: ما قبل الإسلامية، والإسلامية، والغربية، وبدلاً من تفضيل إحداها، على الإيرانيين محاولة إعادة الجمع بين الثلاثة، فالعودة للذات عنده ليست حاسمة ومطلقة كما صورها شريعتى قبل الثورة، خاصة وأن الإيرانيين قد أصبحوا أكثر تسامحاً لاختلافاتهم(6)، مشيراً بذلك إلى أهمية الحوار الداخلى الذى سار خطوات إيجابية حتى الآن.

تتواجد بعض العناصر من الثقافة والفكر الغربى لدى عامة الشعب الإيرانى، وفى نفس الوقت فإن جميع الإيرانيين لهم توجهات دينية وأخلاقية وصوفية، ولا يجدون مشكلة فى التوفيق بينها، ولا تستطيع النظم السياسية والتوجهات الاقتصادية أن تغير بسهولة هذا الأساس الكائن، فلا العصر البهلوى استطاع أن يستأصل شأفة التوجهات الدينية لدى الإيرانيين، ولا استطاعت عهود ما بعد الثورة الإسلامية أن تقضى تماماً على جذور الميول العالمية والغربية لديهم(7).

وقد قدم مفكر أمريكى تفسيره لأسباب قبول النظريات الغربية فى المجتمع الإيرانى أهمها زيادة الغزو الثقافى الغربى لإيران، وأثرت ثلاثة عوامل على هذا الغزو: الأطروحات الجديدة عن الغرب، والتى يعرضها أفراد مثل سروش، أسلوب إدارة  وزارة الإرشاد الإسلامى وقت تولى السيد خاتمى لها، والفصل والتفرقة بين الحوزة العلمية والجامعة؛ حيث افتقد الطلاب قابلية التأثر بمرحلة الثورة عن طريق الفقهاء بنفس الدرجة، كما كان معظم أساتذة الجامعات من الذين تعلموا فى الغرب وينقلون المناهج الغربية فى محاضراتهم. وبالمثل كان لحكومة رافسنجانى مصالح فى نشر وتدعيم الجلاسنوست الثقافية؛ حيث قامت الحكومة بإرضاء واستقطاب بعض من طبقة مثقفى المجتمع الإيرانى الذين كانوا مستائين من القيود المفروضة على الحياة الثقافية. ورحب برومبرج بمقولة خاتمى إن الغرب قدم مساعدات كبرى لعملية نمو وتطور الفكر الدينى لأنه محا كثيراً من الخرافات والأفكار المتخلفة عن الدين. ولكن يجب ملاحظة أن هذا الكاتب وأمثاله ينظرون إلى حركة الإصلاح فى إيران باعتبارها إضعافاً للبنية التحتية للنظام الإيرانى، وما يتبعها من قواعد النظام الإسلامى، وأنه توجه نحو نظام علمانى تعددى. إن سوروش ممثل لأولئك المثقفين الدينيين الذين يقول عنهم خاتمى إنهم يجب أن يكون لهم دور قيادى فى تجديد وخلق حضارة إسلامية عقلانية، ويعتبر الكتاب الغربيون أن سوروش يدافع عن العلمانية لدرجة أنه شن هجوماً غير مستتر على سلطات ولاية الفقيه، كما يستخدم سوروش أفكار الحداثة للدفاع عن فصل الدين عن السياسة(8). “إذن بالرغم من اتفاق الإيرانيين مع منظرى الغرب على مساندة أفكار سوروش إلا أنهم اختلفوا فى السبب وراء هذا التأييد والهدف منه.

يهتم الجدل الحادث فى إيران اليوم بالمكانة الصحيحة للإسلام فى عالم ما بعد الحداثة، وتأثر بأدبيات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة، وافتراضات النسبية الثقافية ونهاية الأيديولوجية، والتى تناقش ليس فقط الوضعية الجديدة neo-positivism وإنما مشروع التنوير ذاتهenlightenment. ومن هنا تمثل الخلافات الإيرانية مثالب ومميزات العصر العاصف الذى يحياه الجميع(9). هناك نقاط خلاف واضحة بين أنصار كل حضارة تدور حول النظرة إلى المسار الحضارى ومآل كل منها، والمرحلة التى تمر بها، وقدرتها على الاستمرار، ومدى إمكانية زوالها؛ حيث توجد آراء كثيرة داخل الحضارات غير الإسلامية خاصة الإسلامية، ومنها الرؤية الإيرانية تعتقد أن الغرب يعيش أزمة حضارية وأن الحضارة الغربية تعيش حالياً شيخوختها، وذلك على عكس نظرة الغرب لحضارته التى يراها حضارة منتصرة.

يفهم المفكرون الإيرانيون الغرب من منطلق موضوعيتهم الخاصة بهم، وكان من الصعب عليهم دراسة قوانين المجتمع المدنى، ومبدأ العلمانية ومنظور الحداثة من وجهة نظرهم. خلال القرن العشرين قبل المفكرون الإيرانيون فى أغلبهم الحضارة الغربية كمرجعيتهم الثقافية خلال عملية تكوين الهوية. فطريقة تقدير الذات، اللغة، طرق التفكير، الأحكام القيمية والبدائل السياسية جميعها متأثرة بالغرب، بمعنى آخر يعلن هؤلاء المثقفين الحرب النفسية ضد الغرب بأسلحة مستعارة من نفس المناوئ، وهى فى معظمها رد فعل أكثر منها فعل، وهى العلامة التى ميزت خطاب الهوية للأنتلجستيا(10)، وهل يمكن أن يتم الفصل بين الغرب والحداثة؟ بمعنى آخر هل يمكن أن يستمر الإيرانيون فى التخلى عن الغرب بينما يستوعبون منظور الحداثة ؟ ربما(11).

 

السياق الداخلى والدولى للخطاب الإيرانى:

إن صعود مفهوم معين أو سقوطه يخضع لتفاعل متغيرات كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ولاشك أن التطورات الحادثة على الساحة الدولية وخصوصية السياق الإيرانى ما بعد الثورة أثرت على قوة الدفع المعطاة لتبنى مفهوم حوار الحضارات.

وللسياق الدولى المعاصر سمات جديدة أهمها انهيار القطبية الثنائية التى شهدت صراعاً أيديولوجياً ضارياً بين الرأسمالية والماركسية، وهو النظام الذى سقط معه مفهوم الأيديولوجية الذى كان محورياً، وصعد على أنقاضه مفهوم الحضارة بكل ما يرتبط به من مشكلات الهوية والبحث عن الجذور وإثبات التمايز الثقافى وصيحات التأكيد على الخصوصية الثقافية، ولذا هناك من يرى أن ظاهرة العولمة هى التى فتحت الطريق لضرورة قيام حوار بين  الحضارات(12).

وفق وزير الخارجية الإيرانى، فإن ظهور نظام اقتصادى دولى غير متوازن زاد من الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وزاد من هشاشة وحساسية الدول الفقيرة فى مواجهة الضغوط الأجنبية، والتدهور البيئى، إنكار الحقوق الثقافية للأمم، وعدم إعلاء القيم الثقافية، والجهود العاملة على خلق ثقافة واحدة “mono-culture” ، وهى من النتائج السلبية للعولمة، والتى تفرض تحديات جديدة على البشرية بأكملها. وهذه الدعوة للثقافة الواحدة تسير بشكل مضاد مع مثالية التعددية الثقافية. ولكن من إيجابيات العولمة من ناحية أخرى التوسع فى الاتصالات، مما يدعم من التعارف والاحتكاك بين الثقافات والحضارات، بالإضافة إلى الدور المتوقع والمحتمل للفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين فى تشكيل القرارات الدولية، وهنا يظهر دور اليونسكو، وستساعد هذه المشاركة على جعل النظام الدولى أكثر ديموقراطية(13)، وهو المطلب السياسى لحوار الحضارات عند الإيرانيين.

وتشعر كثير من الدوائر الحاكمة الإيرانية أن هناك حرباً ثقافياً تشن على إيران وقيمها الإسلامية الأصيلة، وكان المرشد خامنئى أكثر المتحدثين والمدركين لخطورة هذا الغزو حيث أشار فى كثير من خطبه إلى الهجوم الثقافى الذى تتعرض له الجمهورية الإسلامية وقيم   أمتها(14). وهذا سبب آخر يجعل من حوار الحضارات رداً ثقافياً ملائماً لهذا الهجوم الثقافى، فهو رد دفاعى ثقافى هو الآخر. فلقد أدركت إيران فى تجربة الحرب المفروضة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أرادت أم لم ترد يجب أن تقبل بوجود لاعبين دوليين أصدقاء وأعداء ممثلين فى مؤسسات دولية وشركات متعددة الجنسيات ووسائل إعلام وجميعها تؤثر على الرأى العام الإيرانى، ولذا وجب على السياسة الخارجية الإيرانية أن تكون دفاعية أمام ما يسمى بالغزو الثقافى، وإن اعتماد وتنفيذ سياسة مواجهة الغزو الثقافى لهو دلالة  واضحة من الناحية النظرية والعملية على تعارض إيران مع النظام الدولى بشكل أو بآخر، فالنظام الدولى أحادى القطبية يسيطر عليه تيار العولمة الاقتصادية والثقافية واللغوية بزعامة أمريكية تجتهد دائماً فى ردع إيران بوضعها فى أزمة مع النظام الدولى باستخدام كافة السبل. ومن ثم ظهرت مرحلة جديدة من سياسة نبذ التوتر، وحوار الحضارات خاصة بعد نجاح خاتمى فى الانتخابات الرئاسية فحاول بذلك الخروج بإيران من حالة الانزواء السياسى. وقد انتقلت بذلك الجمهورية الإسلامية بعد العبور من مرحلتى سياسة تصدير الثورة، ومواجهة الغزو الثقافى إلى مرحلة جديدة، واتخذت من حوار الحضارات ركيزة لتدعيم مكانتها الدولية جنباً إلى جنب مع أسلوب الدفاع الرادع على الساحة العسكرية والأمنية. وبهذا النهج الجديد تخلت إيران عن رغبتها فى الهجوم على جميع البنى الموجودة فى النظام الدولى واستخدمت استراتيجيات مبتكرة لإصلاح وتغيير النظام الدولى لصالحها، وهى الأسلحة ذاتها التى اعتمد عليها الغرب كآليات سياسية وثقافية وقضائية للحفاظ على نفوذه الفعلى فى النظام الراهن(15).

إن قيام إيران بتبنى مشروع لحوار الحضارات يدعم من بحثها عن مكانة مستقلة فى عالم ارتفعت فيه تكلفة الاستقلالية. وقد أشار خاتمى أيضاً إلى محورية مفهوم الاستقلالية فى السياق الفكرى الإيرانى، فإيران وإن كانت تدعو لحوار الحضارات، وعلى استعداد لإرساء علاقات مع أى دولة فى العالم فإن ذلك فى سياق المصلحة القومية الإيرانية، وتقف ضد أى قوة تسعى لفرض إرادتها عليها(16).

ومن ناحية أخرى مثل هذا المشروع رداً ملائماً على الحرب المعلنة على الإسلام وحضارته، وتحدث خاتمى عن أن هناك رسالة سائدة ترى أن الإسلام قد أعلن الحرب على الولايات المتحدة والغرب، خاصة أنه بعد انهيار الشيوعية حاولت بعض الدوائر تصوير الإسلام كعدو جديد وقاموا بالتركيز على ما أسماه خاتمى “الإسلام التقدمى progressive” أكثر من التفسيرات الرجعية regressive للإسلام(17). ومن هذا المنطلق لعل الهدف الرئيسى للخطاب الإيرانى هو دحض هذه المقولة والرد عليها رداً حضارياً مناسباً.

وبالنسبة إلى السياق الداخلى الإيرانى فإن الرؤية الإيرانية لحوار الحضارات تقوم على افتراض خصوصية واضحة لأهمية إيران على الساحة الدولية:

ترى إيران نفسها ذات تميز على المستوى الدولى، وفى داخل سياق الحضارات الشرقية أيضاً التى هى مهد الأنبياء وأصل الحضارات المبهرة، فهى حضارة قديمة لها إسهامها المميز فى تأسيس وازدهار الحضارة الإسلامية، كما أنها أمة رائدة فى الشرق، من حيث تأسيس المجتمع المدنى والحكومات الدستورية فى مسار التاريخ المعاصر، وتعد الجبهة الأمامية فى صراع الاستقلالية ضد الاستعمار من خلال حركتها القومية فى السابق وثورتها الشعبية، ومن خلال “قوة الكلمة والتنوير” حالياً(18). ومن ثم فهى تتمايز – وفق خاتمى- عن الحكومات التابعة والقهرية فى العالم النامى التى تنكر على شعوبها حقهم فى الديموقراطية، وهو بذلك يشير إلى متغير دولى هام فى تأثيره على نجاح حوار الحضارات، وهو التفاوت فى الرؤى والتطبيقات داخل دول الجنوب أو فى الدول المعبرة عن الحضارات غير الغربية التى عليها فى النهاية أن تتحاور مع الغرب فى ظل منظومة قيمية متفق على كثير من عناصرها أو على الأقل عدم تناقض هذه الرؤى بشكل فج يجعل من حوار الحضارات حواراً داخلياً داخل كل حضارة بالأساس.

أكد خاتمى على الموقع المتميز لإيران كهمزة وصل بين أقصى آسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشبه الجزيرة الهندية من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، مما جعل تذوق الثقافات خاصية إيرانية، وعكس قدرة المجتمع الإيرانى على دمج مختلف الروافد الحضارية داخل الثقافة الإيرانية، واقتباس وانتقاء العناصر الملائمة للموروث الثقافى الإيرانى، مع التأكيد على أن الإسلام هو المصدر الرئيسى للثقافة والفكر فى إيران(19). ولذا ترى إيران أن الحوار معها أكثر رأفة لأنها ملتقى لثقافات الغرب والشرق مثل رجل يجمع بين عقل ومنطق الغرب، وروح الشرق. ولهذا ترى إيران نفسها  المقترحة للحوار بين الحضارات(20).

إن هناك من يرى أن الدافع لتبنى شعار حوار الحضارات كان إقناع العالم بتحسن الحالة الأيديولوجية والسياسية، وحالة حقوق الإنسان، وإرهاصات تطوير مجتمع مدنى فى إيران، مما يؤدى بدوره إلى إنهاء العزلة السياسية وفتح باب التعاون الاقتصادى والتجارى والتكنولوجى مع العالم الخارجى، مع التأكيد على ريادة إيران الإسلامية، بالرغم من انتمائها الشيعى، وضمان دور لها عالمياً، خاصة فى مجال مناقشة المعايير الخاصة بأسس النظام الدولى، والسعى لعدم إضرارها بمكانة إيران واستقرارها الداخلى، وكان على خاتمى إقناع الداخل الإيرانى بقواه المختلفة بأن طرحه لحوار الحضارات لا يتناقض مع أهدافهم، وتطلعهم للحفاظ على الصيغة السياسية  التى  أنتجتها ثورة  1979(21). وكان خاتمى قد أثار مشكلة يواجهها النظام الإيرانى ما بعد الثورة، وهى التعارض الجوهرى الفكرى والقيمى، بين الثورة والنظام الفكرى والقيمى والسياسى الحاكم فى العالم من جهة، وانعدام التجربة العملية لتأسيس الحكومة الدينية الحقيقية طوال قرون من جهة أخرى، إذا لابد من صيانة الثورة من الخطر الذى يتهددها كما أكد خاتمى(22). هذا هو المناخ الداخلى والخارجى الذى يفرض على إيران تبنى نهج حوار الحضارات، ويجعله البديل الأكثر نفعاً وجدوى وتحقيقاً للمصلحة القومية الإيرانية.

أبعاد وأهداف حوار الحضارات فى الخطاب الإيرانى:

تبنى الخطاب الإيرانى المقولات النظرية التى تقوم عليها دعاوى حوار الحضارات؛ حيث تتأسس عملية حوار الحضارات فى كثير من الخطب الإيرانية الرسمية على افتراض التعددية الثقافية، وضرورة المشاركة المتساوية لجميع الأمم فى كافة المجالات الدولية؛ فإن ثراء التعدد الثقافى سوف يقوى من الثقافة الكونية، بينما أن إنكارها ستكون خسارة للبشرية. إن حوار الحضارات يرفض منظور “نحن” و”هم” الذى يشجع المواجهة، وعلى العكس يسعى للتقليل من الاختلافات بالتأكيد على التفاعل الإيجابى بين الثقافات والمدنيات، وستتمكن البشرية من مواجهة أفضل لتحديات مثل الفقر والتخلف والمرض وغيرها. وإذا قبلنا الحضارات والعولمة كاتجاهات تدعو للانفتاح ، إذا من الممكن أن يتمكن الاثنان من خلال الحوار فى تشكيل النظرة الكونية الجديدة كما أكد وزير الخارجية الإيرانى كمال الخرازى(23).

تعتبر إيران حوار الحضارات الوجه الإنسانى لظاهرة العولمة، مع التأكيد على أن الحوار ليس هدفاً فى حد ذاته، بل وسيلة لبناء نسق جديد للعلاقات الدولية يتأسس على القناعة بالترابط والمصير الإنسانى المشترك. وعملت على التحذير من مخاطر ما تسميه بطغيان عدم الاكتراث بالآخرين، معتبرة أن حوار الحضارات هو البديل لأسلحة الدمار الشامل، والمنافسة الاقتصادية المادية اللامحدودة، وتعتبره مدخلاً لفهم المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للآخرين واحتياجاتهم(24).

الهدف الرئيسى من مشروع حوار الحضارات كما جاء فى المذكرة التوضيحية الإيرانية المقدمة فى الأمم المتحدة هو تدعيم السلام والتفاهم وتأمين التقدم السياسى للجميع بغض النظر عن الخلفيات التاريخية والثقافية، خاصة وأن المسافات أصبحت أقل من ناحية الانفصال المادى، ولكن ليس بين الآراء ووجهات النظر. “وطالما أثرت الحضارات بعضها البعض مع الاحتفاظ بهويتها، فالإنجازات الحضارية المختلفة تبرز التعددية الثقافية، والتنوع الإنسانى الخلاق”. أما بالنسبة للأدوات والآليات فان المنظمات الدولية والتنظيمات غير الحكومية ستلعب وفق النهج الإيرانى دوراً رئيسياً فى التخطيط والتنفيذ فيما يخص البرامج الثقافية والتعليمية والاجتماعية، التى تساند وتطور من مفهوم حوار الحضارات من خلال تنظيم المؤتمرات والسيمينارات، وتوفير البيانات والمواد الدراسية وغيرها(25). فمن أهم آليات الحوار الحضارى من المنظور الإيرانى عقد المؤتمرات والندوات، وتشجيع المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية لتطوير البرامج التربوية والتعليمية، وهناك دوراً أيضاً للمطبوعات والمواد الإعلامية خاصة فى ظل تطور التكنولوجيا الاتصالية وتشجيع السياحة الثقافية والتاريخية(26).

وفى إعلان طهران لحوار الحضارات فى مايو 1999 أكدت إيران على دور منظمة المؤتمر الإسلامى، فى “النهوض بالحوار داخل العالم الإسلامى وعلى الصعيد العالمى من خلال اتخاذ المبادرات فى هذا الشأن”(27). كما ظهر اقتراح بإقامة حوار بين الجامعات التقليدية والجامعات العلمانية، وبين المؤسسات الدينية فى إيران وسائر المعاهد اللاهوتية فى العالم الغربى والعالم الشرقى(28). ومن الخطوات الإجرائية الأخرى للحوار ما يستلزمه من إعادة قراءة وتفسير الكتب الكبرى فى الحضارات المختلفة وترجمتها، مع وجود مصاعب بشأن الترجمة من لغات تتسم بالقداسة إلى أخرى ذات منشأ أرضى وعلمانى(29).

حقوق الإنسان والديموقراطية قضايا محورية للجدل:

من أكثر الموضوعات إثارة للجدل بين الثقافات والحضارات المختلفة قضايا الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وتتبنى إيران موقفاً واضحاً فى هذا الإطار، وهو موقف المدافع المستميت عن الخصوصية الثقافية على مستوى النظرية والتطبيق، فيما يخص هذه المسائل، وهو الأمر الذى يتفق فى النهاية مع منظورها العام لحوار الحضارات.

من الأسئلة الكبرى المطروحة فى سياق مشروع حوار الحضارات: إلى أى مدى تعتبر القيم المتضمنة فى البيان العالمى لحقوق الإنسان جزءاً من حضارة عالمية؟  وهناك مثل السيد يسين من يرى أن قيم حقوق الإنسان أصبحت بالفعل تعبيراً عن حضارة عالمية، وذلك بغض النظر عن المناظرات القائمة فى هذا المجال بين العالمية والخصوصية، ذلك أن هناك إجماعاً على أن غالبية القيم التى وردت فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والمعاهدات والمواثيق التى تلته، إنما تعبر فى الواقع عن ضمير عالمى سائد، وتبقى مجموعة من القيم التى يدور حولها النقاش(30). إلا أن إيران لها رؤية خاصة فى هذا المجال، وتعد من المدافعين عن الخصوصية الثقافية لهذه القيم.

وكان الدفاع عن مفهوم الديموقراطية الدينية أحد محاور برنامج حوار الحضارات الإيرانى، وفى حديث له أشار كمال خرازى أن حوار الحضارات مسألة هامة وأن الحديث عن الديموقراطية الدينية، والعمل على صعيد هذه المسائل الثقافية يزيد من الحصانة الإيرانية فى الخارج، ومن قبله أكد خامنئى فى اجتماع له مع السفراء الإيرانيين فى الخارج على ضرورة تقديم مفهوم الديموقراطية الدينية تقديماً جيداً(31).

ولم ينف الرئيس محمد خاتمى وجود بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان، سواء فى المحاكم غير العلنية، أو التكييف القانونى لبعض القضايا الثقافية والسياسية، أو فى التعامل مع المتهمين داخل السجون، وأبدى عدم رضائه عن الإجراءات التى اتخذت بحق الصحافة وحرية الكلمة(32). إذا هناك مبادئ عامة مشتركة وإنسانية، ولكن لا يمكن تعميمها على منظومة حقوق الإنسان الغربية بأكملها. وعلى سبيل المثال بالنسبة إلى حقوق المرأة، ترفض بعض الأدبيات اتجاهات تدعيم الخصوصية باعتبارها تضر بقضايا المرأة لأنها بإعلاء قيم التفرد والمحلية على كل حركة نسوية، تفرض بذلك انقسامات ما بين المرأة استنادا للدين، الإثنية، الجنس، القومية، الثقافة أو الموقع الجغرافى، وأنها تنفى بالطبع المكاسب العملية والنظرية التى أحرزتها الحركات النسائية فى الغرب. وأنه تحت قناع احترام الثقافات الأخرى يتم قهر مطالب المرأة بالحرية وإلحاقها بالمتغيرات الدينية، والإثنية والتقاليد القومية(33). ولكن قدمت إيران فى الحقيقة نموذجاً متفرداً من حيث تقديرها لدور المرأة المسلمة فى الحياة السياسية -خاصة بعد تطور آراء الإمام الخمينى، وإعلانه لأهمية تواجدها السياسى- ومن حيث إعلائه لقيم المشاركة السياسية لديها مما أعطى صورة إيجابية لمركز وحقوق المرأة فى المجتمع الإسلامى.

وبشكل عام أكد خاتمى على أن خطاب حقوق الإنسان الحالى خطاب علمانى، ولا يرتبط بالنظرة الدينية فى حين أن المعايير المادية لا تكفى كدعامة قوية لحقوق الإنسان، خاصة وأن جذور حقوق الإنسان كمفهوم من الناحية العملية والنظرية بل والتاريخية ترتبط بالفكر الدينى(34).

كما رفض المرشد خامنئى مناداة أوروبا لإيران باحترام حقوق الإنسان. حيث أشار إلى أن الأوروبيين أنفسهم كانوا وراء حربين عالميتين وعشرات المستعمرات، وهى أمثلة حية لانتهاكاتهم لحقوق الإنسان فى العقود السابقة، كما أشار إلى الجرائم الصهيونية الحالية(35).

ولقد تبنت إيران الرؤية القائمة على ثقافية حقوق الإنسان، ففى مواجهة الاتهامات الأمريكية والأوروبية المتعددة بانتهاك هذه الحقوق، كان دفاع إيران يقوم على أساس أن النظام القانونى والإسلامى، يغاير نظام حقوق الإنسان العالمية وأن ما يعتبره الغرب انتهاكاً لحقوق الإنسان هو العدل الإسلامى نفسه. وينجم الاختلاف الأساسى فى رؤية الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لمفهوم المساواة حيث إنه يساوى بين جميع الأفراد بغض النظر عن الجنس والانتماءات الدينية والمذهبية، على عكس نظام الشريعة الإسلامية التى ترى أن الناس تختلف حقوقهم على أساس نوع الجنس والدين(36).

ومن ناحية أخرى أصبحت الديموقراطية نظرية وممارسة أحد الموضوعات الهامة الداخلة فى صميم حوار الحضارات. وتقدم إيران فى نظامها السياسى محاولة جديدة لربط الإسلام بالديموقراطية وحقوق الإنسان وليس الفصل بينهم كما يرى كثير من مفكرى الغرب؛ أشار الدكتور حامد أحمدى إلى أنه لا مكان لأيديولوجيات أخرى سوى ديموقراطية الظروف الراهنة، وأن جميع من لا يتبنون خياراً ديموقراطياً يقفون عند مفترق الطرق، إما أن يفقدوا كل شئ أو أن يحافظوا على مكانتهم بتفهم التطورات على الساحة العالمية وانعكاساتها على الساحة المحلية، ومن ثم لا يمكن الجزم باستقلالية الثقافة، ولكن باستقلاليتها النسبية فقط(37).

وذكر الدكتور ناصر هديان أن العولمة تسير فى اتجاه مخالف لاتجاهات النظم التى تتبنى أيديولوجيات غير ديموقراطية، وأن هناك عوامل تتداخل مع عملية التحول الديمقراطى فى الشرق الأوسط، أهمها أن الثقافة والتاريخ التى ترتبط بشكل قوى بالفكر الإسلامى، وبعض القراءات السائدة للفكر الإسلامى لا تعتبر الإسلام دفعاً للتحول إلى الديموقراطية، وفى أحيان أخرى ترى الإسلام دافعاً للجهاد ضد صور القهر والعلمانية. ولكن القراءات الحديثة للفكر الإسلامى ترى أن الإسلام عنصر مكمل للديموقراطية، بل إنه يحمل فى طياته أيديولوجية ديموقراطية.

ومن الملاحظ أن هناك صحوة إسلامية معتدلة فى دول المنطقة وإن كانت تختلف من دولة لأخرى ولكن جميعها اتفقت على أن هناك صيغة متوازنة يمكن الجمع من خلالها بين الإسلام والديموقراطية وأن فكرة الجهاد السلمى ضد النظم الاستبدادية فى الإسلام تتوافق مع الديموقراطية، وهو ما يعنى ضرورة استبعاد فكرة الجهاد المسلح، أو اللجوء إلى العنف، وبناء على هذا التوجه الفكرى الجديد فى دول الشرق الأوسط، ظهرت حركات واتجاهات سياسية جديدة جميعها تتبنى المنهج الديمقراطى. فى حين أشار دكتور حامد أحمدى أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تحول من الهيمنة الأيديولوجية إلى حقبة اللاأيديولوجية، وحتى من يتبنون أيديولوجيات محددة مثل القوميين والإسلاميين يشهد فكرهم الأيديولوجى بعض التغييرات، ويثير فى هذا السياق التساؤل: هل التحول من مرحلة الهيمنة الأيديولوجية إلى مرحلة القراءات الأيديولوجية الجديدة تتضمن فى طياتها الاتجاه المعتدل كمطلب أساسى فى عملية تبنى الديموقراطية؟. وساعد على التفاؤل بخصوص الخط المعتدل فى المنطقة أن كل الحركات الإسلامية فى دول الشرق الأوسط تبنت بطريقة أو بأخرى القراءات الديموقراطية للدين، ويبدو هذا الاتجاه الديمقراطى الإسلامى متفقاً مع رؤية ليونارد بيندر فى كتابه التحرر الإسلامى الذى أكد فيه فى الثمانينيات أن إرساء الديموقراطية فى هذه المنطقة لن يتم إلا بتبنى الإسلاميين المنهج الديمقراطى، وبدون ما وصفه هذا المؤلف التحرر الإسلامى، لا يمكن بلوغ الديموقراطية التى يلعب فيها مجتمع مدنى قوى دوره الفعال. إذاً ساد اهتمام بعلاقة حركات الإصلاح الإسلامية بالديموقراطية؛ حيث اهتم هؤلاء الإصلاحيون كثيراً بإيجاد نوع من التناغم والتفاعل الإيجابى بين الحضارة الغربية والتكنولوجيا والعلوم الحديثة والدين(38).

وبالمثل ربط دكتور هادى سيمتى تجربة الديموقراطية فى إيران والشرق الأوسط بإحياء وتجديد الفكر الإسلامى، كما أن عملية إحياء الدين ارتبطت بالحاجة إلى الوفاء بمتطلبات العصر الحديث، والتى تم تقييمها على أساس التحليلات التى قام بها مفكرون غربيون إذن وفقاً له فإننا نعتمد على رؤى تحديثية غربية فى تحديد فكرنا الإسلامى. ومن ناحية أخرى أكد الدكتور على زيدة على أنه إذا لم يتوافق الفكر الدينى مع الديموقراطية فهذا يعنى انهيار كليهما. ومن هذا المنطلق يعتبر التجربة الإيرانية نموذجاً ناجحاً لتوافق الدين والسياسة فإيران استطاعت أن تقدم نموذجاً للدولة الإسلامية ذات منظور دينى حداثى اختلطت فيه السياسة بالفكر الدينى الإصلاحى، وتابع المحللون السياسيون باهتمام بالغ تطوراتها لمراقبة مدى النمو والتطور الديمقراطى الحادث بها. ولم تقف شيعية النموذج عائقاً كبيراً أمام تبنى نفس التوجه الديمقراطى، بل إن إيران ساهمت فى تدعيم الاتجاه الإصلاحى الدينى والسياسى فى المنطقة؛ حيث رأى  أنها أكثر النماذج جرأة وحرية وإصلاحاً. كما رأى الكاتب السورى صادق العظم أن تجربة إيران تجربة ذات أهمية خاصة فهى أعطت أمثلة رائدة فى الممارسات السياسية، وإقامة المؤسسات التشريعية، التى شجعت المرأة على المشاركة فى العملية السياسية.

وكثيراً ما أشاد المرشد خامنئى فى خطابه بمفهوم الديموقراطية الدينية، والحاجة إلى تطويره وتدعيمه، حيث إن فكرة فصل الدين عن نظام الحكم قد قادت إلى خلق الديكتاتورية فى إيران خلال المائة عام الأخيرة وأضاف أن الدين نجح فى تحريك الشعب ضده(39). فوفق المرشد استطاع الإيرانيون تكوين نظام حكم منتخب ديمقراطياً على أسس التصويت الجماهيرى ومتفق مع الخط الإسلامى(40).

 

 

خطاب خاتمى بين الفكر والسياسة:

يقدم خاتمى بحق مثالاً فريداً للزعماء السياسيين خاصة فى سياق دول الجنوب، ودول العالم الإسلامى أيضاً، فهو يقدم فى خطبه فكراً وتحليلات فلسفية ورؤى نفسية تعطى لمقولاته سمة التأملات الفلسفية أو النظريات المتماسكة سياسياً وثقافياً. كما تميز خطابه بثراء مفاهيمى واضح، حيث طرح مفاهيم إيجابية بناءة تمتلك القدرة على التعبير عن الصورة التى يريد توصيلها منها “الاستماع الحضارى”، “المجتمع المدنى الإسلامى”، “الأمن الثقافى” وغيرها.

بمتابعة بعض خطبه الرسمية وإصدارات كتبه يمكن ملاحظة فرقا بين الاثنين من حيث عمق التحليل الفكرى والجرأة فى التعبير عن الرؤية الحقيقية بوضوح، والتى قد تثير حرجاً سياسياً إذا ما ذكرت فى خطاب رسمى.

يحتل حوار الحضارات مكانة عظمى فى منظومة أفكار خاتمى، ويربطه بمصير البشرية أجمعها، حيث قال:”إذا ما انتصر الحوار فسوف ينتصر الإنسان وتنتصر الثقافة”(41). رأى خاتمى أن الحديث والاستماع جهد ذو بعدين أو أبعاد متعددة تهدف التقرب أكثر للحقيقة والوصول للتفاهم، وهذا هو الحوار، فالحوار بين الحضارات والثقافات يجب أن يفسر كعملية حديث واستماع بين الحضارات، والثقافات وتتأسس على مثله الحقيقة، فالاستماع فى هذا الحوار أهم أو على الأقل على نفس أهمية الحديث للحضارات الأخرى. وأن المخاطب الأساسى بهذا الحوار هو الإنسان بمعناه essence الحقيقى والتاريخى والموحد(42).

أشار خاتمى إلى أن اضطراب الصور والأنساق الحضارية فى العالم أمر لا يمكن علاجه بالتجاهل أو بفرض ثقافة عالمية واحدة تفقد الشعوب على إثرها هويتها الثقافية. فالشعوب تتعايش فى إطار أمنها الثقافى الخاص، لا فى الأفق المفتوح للثقافة العالمية. ومن إشكاليات الحوار بين الحضارات عند خاتمى تلك التى تنشأ عندما يرغب أحد طرفى الحوار “التحدث بلغة علمانية تماماً” ويعنى بالعلمانية إنكار الفكر الميتافيزيقى وفكر التجربة الروحية. وعلى العكس فإن الحوار مفيد فى دعم الذات لأن من شانه تعميق التعرف على الهوية الثقافية للأمة، وذلك من خلال تعرفنا على ثقافة الآخر وحضارته، لأن معرفة النفس لا يمكن كسبها إلا من خلال الغوص فى وجود الآخر (كلا الحضارتين تحتاج لمعرفة الآخر). وأصبح الحوار عنده واقعاً اجتماعياً غير قابل للإنكار بعد أن تغلغلت المعتقدات، والفلسفات الشرقية فى المجتمع الغربى، وبعد أن أثرت الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية التى تجرى فى الغرب، وبنفس القدر فى الشرق، وبدأت القواسم المشتركة بين الحضارات تتجلى بوضوح ينبئ عن اقتراب اليوم الذى يصل فيه المجتمع الإنسانى، إلى لغة مشتركة، وهى ضرورة للحوار على كل حال(43). فالهدف هنا اللغة المشتركة، وليس ثقافة عالمية واحدة.

إذا كان الحوار أصبح ضرورة وليس اختياراً لثقافتنا ولثقافة الغرب، يجب على الغرب الدخول فى حوار مع ممثلين للثقافة والفكر الإسلامى الأصيل، حيث إن إجراء الحوار بين الغرب، وأفراد ذوى توجه غربى westernized، والذين يمثلون صورة باهتة للغرب فإنه سيكون أشبه بالمونولوج أو الحديث من طرف واحد. ويمكن  أن ينتج حوار عميق بين الغرب والحضارات الإسلامية حلولاً عملية إنسانية لبعض مشاكل اليوم الملحة مثل: الأزمة فى الأسرة، الأزمة فى العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ويصبح الحوار أمراً مرغوباً فيه فقط، إذا تأسس على الحرية والاختيار، فالحوار الحقيقى لا يستطيع طرف أن يفرض رؤياه وأفكاره على الطرف الآخر فلابد من احترام الوجود المستقل والإسهامات الأيديولوجية والفكرية والثقافية للطرف الآخر، وفى هذه الشروط فقط يصبح الحوار داعماً للسلام والأمن والعدالة(44).

أكد خاتمى على الإسهامات الحضارية المتبادلة، فلقد أسهم المسلمون فى شرح العقلانية الإغريقية للغرب الذى لا يمكن إنكار إسهامه أيضاً، فما يتيه به الغرب فخراً من اعتماد على العقل ليس فى حقيقته إلا نتاجاً للتفاعل العميق البناء لحضارة الإسلام مع الحضارات الإغريقية. إن التاريخ الإسلامى نقطة انطلاق لغد أفضل لا مكان فيه للتقليد وإنما الاقتباس بمعنى الأخذ من الآخرين مع الحفاظ على الهوية(45). فالاستراتيجية الثقافية لمجتمع إسلامى حى لا يمكن أن تبنى على المنع، مرد ذلك استحالة المنع أصلاً، كما أن محور سياسة الإسلام هو الحصانة بأوسع معانيها(46). فالدين باق رغم اضمحلال الحضارة الإسلامية، وسيستمر وباستطاعته أن يوجد حضارة مرة أخرى. أما ما لا يمكن عودته، فهو الفهم الخاص للدين الذى كان منشأ الحضارة الإسلامية فى الماضى(47).

من ناحية أخرى أوضح خاتمى أن هناك عناصر مشتركة بين فكر الحداثة والإسلام؛ لم يسع فقط عصر النهضة إلى تجديد الثقافة اليونانية وإنما كان هدفه الرئيسى مناقشة الدين بلغة جديدة، ومن منظور عقلى جديد. فكما رآه هذا العصر، فإن الإنسان المتدين منفتح على العالم، ويلقاه العالم فى المقابل بأياد مفتوحة، ومثل الانفتاح المتبادل بين الإنسان والعالم السمة الرئيسية للنهضة، وهو حدث دينى بالأساس؛ وهو يرى بذلك أنه يقدم رؤية نقدية جديدة للحداثة. فالمرء عندما يبغى قطع جذع شجرة لا يجب قطع الجذع الذى يعتليه، وذاك هو النقد السائد للحداثة بين كثير من الفلاسفة المعاصرين. فبإفراغ الحداثة من كل الرشادة ومن أصولها فإننا إما أن  نحولها لسلاح قادر على تدمير كل شئ بما فيه أنفسنا أو اعتباره سلاح تاريخى مكانه المتحف. ولا يجب اعتبار ذلك عودة إلى الرشادة الأوروبية قبل “ما بعد الحداثة”، فأوروبا استطاعت بالنقد الموجه لهذه النوعية من الرشادة أن تتفادى تأثيرها التدميرى، وهى ذاتها التى كانت الضحية الأولى لاعتمادها اللامحدود على الرشادة وقامت بحرمان رشادتها الذاتية من المصداقية والنفوذ على يد مفكريها وفلاسفتها. ويستطيع الشرق توفير التوازن لأوروبا وأمريكا فى سياق من تفاهم وحوار تاريخى ومن ثم المساهمة فى تأسيس السلام والأمن والعدالة(48).

إن القرن القادم يجب أن يكون قرن العودة إلى نوع من الروحانية حيث اتسم الإنسان الشرقى ببحثه عنها لآلاف السنين، وإذا كانت الثقافة الأوروبية تدين فى بقائها إلى نظرتها النقدية لكل شئ بما فيه ذاتها، فلقد حان الوقت بأوروبا أن تتقدم خطوة أخرى للأمام، وتنظر لنفسها بعيون الآخر لتحظى بتجارب جديدة. ففى دراسات الاستشراق orientalism يكون الشرق موضوع الدراسة، وليس جزءاً من حوار. وللحصول على حوار حقيقى بين الحضارات يجب أن يتحول الشرق من موضوع للفهم، إلى حزب ضخم فى الحوار. وهذه أيضاً ليست دعوة من جانب واحد إيرانى أو مسلم أو آسيوى فنحن أيضاً مازال أمامنا الطريق طويل لفهم حقائق الغرب، وهو الفهم الذى سيساعدنا لتحسين وتنظيم حياتنا الاجتماعية والاقتصادية. ولا يجب على أى حضارة إنكار إنجازات الحضارات التى سبقتها ودورها التى لعبته فى تقدم الحضارة الإنسانية(49). لخص إذاً خاتمى العلاقة بين الحضارة الغربية والإسلامية على أساس أنها قائمة على الحاجة المتبادلة للآخر، فالغرب فى حاجة لحضاراتنا كما نحن فى حاجة إليه.

يبرز خاتمى أن الدعوة للحوار جاءت من العالم الإسلامى، مما يعكس ثقة بالنفس، ولكنه يقر بوجود مشكلات عديدة تواجه العالم الإسلامى أهمها؛ غياب وحدته لأسباب داخلية وخارجية، والتناقض المزعوم بين العقل والنقل، وسعى بعض المسلمين للعودة إلى الماضى، وهذا فى رأيه رجعية، ويؤكد خاتمى فى هذا الإطار تلازم الدين مع الحرية والتحرير، وإلا خرج الدين عن رسالته الإنسانية.وأشار إلى أهمية التقاء روحانية الشرق مع عقلانية الغرب، وجماعية الشرق، وفردية الغرب. وتحدث عن ضرورة إنهاء حالة الانبهار بالغرب؛ لكونها عائقاً أمام الحوار، وليست عاملاً مساعداً، ويقترح للتغلب على ذلك العودة إلى الذات والفهم العميق للوضع الحالى، لبعث حضارة إسلامية جديدة، تقوم على أساس”المجتمع الإسلامى المدنى” القائم على نموذج “يثرب مدينة النبى” والتى شكلت نقطة القطيعة بين أيام الجاهلية وأيام الله وهى ليست دعوة للردة، بل للهوية المشتركة ثقافياً ومعنوياً(50).

فلقد تحدث خاتمى فى أكثر من موضع عن أوجه القصور الداخلية، والمشاكل الكثيرة، التى تمر بها الحضارة الإسلامية، ودولها:”لابد لنا من الاعتراف بأننا نعانى فراغاً نظرياً” فى الجانب المتعلق بإقامة نظام يعمل على إدارة شئون الحياة وإيجاد علاقات مناسبة بين الأفراد، ذلك لأنه لم يتم السماح للإسلام بأن يتعهد شئون الحياة وتنظيم العلاقات الاجتماعية(51)، وفى المقابل، بالرغم من اعترافه أننا نعيش عصر سيادة حضارة الغرب ونفوذها، إلا أنه رأى أن الغرب المعاصر يواجه أزمة جدية فى الفكر، وجميع سبل الحياة، فهى على الأقل تمر بمرحلة الشيخوخة أما كونها وصلت لنهاية المطاف أمر يحتاج إلى تفحص دقيق(52).

يلاحظ إعلاء بارز  لقيمة الحرية فى خطابه، ومن أمثلة ذلك”إن تاريخ البشرية هو تاريخ الحرية”(53)، وغيرها من الإشارات الكثيرة، التى جعلت من هذه القيمة المعبر عنها بطرق مختلفة مثل “الخلاص” تعد من أهم الأهداف المعلنة لحوار الحضارات عند إيران، ومن القيم المحورية الأخرى العدالة، والتى يرجو أن يحققها هذا الحوار. وقد أشار خاتمى فى هذا الخطاب إلى أهمية ارتباط جهود القضاء على الإرهاب بالبحث الدولى عن العدالة، وهو لم يعن تبرير الإرهاب الذى يرفضه الإسلام بكافة أشكاله وإنما ترى إيران -حتى قبل 11 سبتمبر- أن أى جهود دولية للقضاء على هذه الظاهرة المرفوضة لابد وأن تقترن بهدف الوصول للعدالة  الدولية(54)، وهو ما تتفق عليه معها مصر، ومعظم الدول الإسلامية وكأننا بذلك أصبحنا –خاصة بعد 11 سبتمبر- أمام رؤيتين مختلفتين، فالشرق يربط الإرهاب بالعدالة، والغرب يربطه بالأمن، ومن ورائه القوة.

يرى خاتمى أن نقد الحرية بمفهومها الغربى، والنظرة الغربية إلى الكون والإنسان، وتحليلها تعد أهم مسؤولية تاريخية للحضارة الإسلامية؛ فهناك الكثير الذى من الممكن قوله للغرب بشأن الحرية فلا تعبيره عن الحرية تعبيراً كاملاً، ولا مفهوم الحرية الذى يأخذ به يحقق السعادة(55). وينتقد خاتمى مفهوم الحرية كما هو موجود فى الفكر الغربى باعتباره يتجاهل ما أسماه”بالحرية الداخلية” أى حرية الإنسان من سطوة غرائزه، كما ينتقد الافتراض التعسفى الغربى بحتمية العلاقة بين التغريب والحداثة والتنمية، ويرفض تعريف الغرب للتقاليد بشكل سلبى، ويركز على خصوصية العلاقة العدائية بين الدين والنهضة فى إطار التاريخ الغربى، وهو ما لا ينطبق بالضرورة على الشعوب الأخرى خاصة المسلمين. ولا يقبل بوجود وصفة موحدة للتنمية تسرى على جميع الأمم والشعوب، وبشير هنا إلى الأزمات الداخلية الحادة، التى تواجهها المجتمعات والاقتصاديات الغربية، مما يستدعى أن يقوم الغرب نفسه بإعادة النظر فى بعض الركائز الأساسية لحضارته، وإلا ستنهار ريادته الإنسانية. وفى المقابل يدعو خاتمى المسلمين لإعادة هيكلة تقاليدهم، وتغيير ما يحتاج منها إلى مواءمة مع الاحتياجات الراهنة، باعتبار التقاليد أيضاً ليست من المطلقات، ويجب نقدها باستمرار، مما سيمكن المسلمين من بناء حضارة إسلامية جديدة تنقذ العالم من أوجه قصور الحضارة الغربية السائدة(56).

وتحدث خاتمى عن حاجة المسلمين لمجابهة النزعات الأمريكية التوسعية، ولتعظيم مواردهم الداخلية، الأمر الذى يتطلب إنهاء النزعة نحو اختلاق بعض الأطراف الدولية لأعداء خارجيين استمراراً  لما كان سارياً خلال الحرب الباردة(57). فبعد انهيار القطبية الثنائية ركزت الرؤية الإيرانية ممثله أساساً فى خطاب خاتمى (خاصة أمام الجمعية العامة) على التحول نحو التنوع الذى تزامن مع التأكيد على الهوية من قبل الأمم المطالبة بالمساواة فى الساحة الدولية. وأن وجود عالم ذو قطب أوحد يحكمه “ما هو إلا وهم” وأن من يتمسك به سيواجه الفشل فى معركته مع التاريخ، وقد أشار خاتمى أن الأمم  القوية مثل الأمة الأمريكية لا تقبل أن تستغل كرامتها الوطنية فى تحقيق حلم عالم القطبية الواحدة، الذى يحركه السياسيون أصحاب المصالح المادية قصيرة المدى، والمصالح الفئوية للقلة بالأساس(58).

ومن الجهود التى تراها إيران نوعاً من “مأسسة الحوار”، هو إصلاح وتطوير هيكل الأمم المتحدة من خلال التبادل الرشيد للرؤى، وهو من الصعب تحقيقه فى ظل هيمنة أقلية قوية، والفرصة سانحة الآن أمام إعادة هيكلة المنظمة، خاصة مجلس الأمن كما أشار الزعيم خامنئى فى قمة منظمة المؤتمر الإسلامى مطالباً بعضوية دائمة للدول الإسلامية، ومن هنا فإن إيران ترى هذه الخطوة بمثابة الترجمة المؤسسية لمفهوم حوار الحضارات، كما نادت أيضاً بأن تكون القدس الشريف “بيت الحضارات”، حيث تعايشت الأديان المختلفة داخله، ولكنه الحكم الإسرائيلى هو الذى جعل هذا التعايش غير  ممكن(59). ومن هنا تظهر أحد محاور الاختلاف حول معانى وأدوات وفاعلية الحوار بين الطرفين خاصة فى البعد السياسى منه.

ولم ينف خاتمى الدلالات السياسية لمشروعه لحوار الحضارات؛ حيث رأى أن عليه معالجة حاجة هيكل المجتمع الدولى ومؤسساته وأطره التنظيمية بشكل يبعدها عن التوجهات التحكمية والسلطوية، ويدفعها تجاه مشاركة أكبر من كل دول العالم فى إعادة بناء النظام الدولى على أساس ثقافة الحوار، ومكافحة التمييز(60).

وفى إحدى كتبه ميز خاتمى بين الغرب سياسياً وفكرياً، ورأى أن له وجهين: أحدهما سياسى، وهو الوجه الظاهر للحضارة الغربية- طبعاً بما يوافق شمولية هذه الحضارة- والآخر فكرى يمثل قاعدة الحضارة. ولابد من الفصل بين هذين الجانبين، والتفريق بينهما بدقة وموضوعية لتحديد طريق المواجهة الفعالة مع الغرب بما يتناسب وطبيعة الموضوع، ومستلزمات كل واحد منهما، فبالرغم من أن الغرب قد هزم إلا أنه ما زال قويا فى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وبما يملك من وسائل الحياة علاوة على القدرة الإعلامية التى يتمتع بها وتمنحه قوة التأثير “والتضليل”. إن الغرب السياسى الذى يعمل لبسط سيطرته على العالم، وللتحكم فى إدارة شؤونه لا يتوانى فى مواجهتنا له بإمكاناته الهائلة عن ارتكاب أى عمل فى سبيل تأمين مصالحه، ومن هنا فإن صراعنا معه “هو صراع موت أو حياة”(61)، وفى الجهة المقابلة للسياسة نظام فكرى وقيمى لابد من معرفته أيضاً، واكتشاف أسلوب التعامل معه ودحضه.

وفى هذا المضمار تجد الحضارة الإسلامية نفسها تقف فى مواجهة ند فلسفى وفكرى وأخلاقى، وليس مناهضاً سياسياً، وفى هذا الميدان تظهر الحاجة إلى وسيلة مناسبة تتمثل فى المنطق والحوار(62). فالمواجهة الفكرية والثقافية لا تستخدم فيها الأدوات العسكرية والأمنية والقضائية، لأن القوة تزيد من اضطرام الفكر المخالف، فلابد من اللجوء إلى المنطق الواعى فى مواجهة الفكر المنافس يكون منطقاً أقوى وفكراً أشمل وأكثر جاذبية. وهو يعنى برفض الغرب رفض لسلطته السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية، وبوصفنا مسلمين هناك اختلافات جدية وجوهرية فى المبادئ، ومبانى الفكر والقيم أيضاً وليس أمامنا من سبيل لوعى مواطن الاختلاف الفكرى “ودحض سلطة العدو” إلا المعرفة الدقيقة الواعية والموضوعية للغرب(63). انطلاقا من هذه النظرة، فهو حوار يحاول كل طرف فيه أن يثبت أنه الحضارة الأفضل فكرياً وثقافياً خاصة وأن الغرب قد حسم مسألة تقدمه تكنولوجياً وسياسياً واقتصادياً.

وركز خاتمى على دور المثقفين حيث أشار إلى أن الحوار يجب أن يتركز حول المفكرين والمثقفين(64)، واعتبرهم الفاعلين الأساسيين لإثراء ودفع حوار الحضارات.

التعدد داخل الخطاب الإيرانى الرسمى:

هناك تباين واضح فى خطاب قطبى النظام الإيرانى؛ فعلى صعيد خطاب المرشد آية الله خامنئى نلاحظ قدراً أكبر من حدة اللغة، ورفضاً أوضح وأكثر شمولية للغرب. فلقد سادت فى رؤيته النظرة السلبية لكل الأيديولوجيات الغربية الليبرالية والاشتراكية التى رأى أنه قد تم اختبارها، وثبت ضعفها، وأن الإسلام وحده هو المداوى والمنقذ. ويدرك أنه رفض متبادل حيث أنه أيضاً لام على المؤرخين الغربيين إغفالهم لعظمة الحضارة الإسلامية وربطهم تاريخ العلم بالإغريق، وروما “وكأن العلم والحضارة قد ماتوا لآلاف السنين، وفجأة ولدوا من جديد خلال النهضة”(65). وجاء هذا الخطاب فى عام 1997؛ أى إبان انطلاق مشروع حوار الحضارات الإيرانى؛ مما يعبر عن وجود خطين متقابلين للخطاب الإيرانى الرسمى.

ورأى أن الغرب يسعى دوماً لتصدير ثقافته لبلاد المسلمين، وعدم توقير الدين والأخلاق، وهى ذاتها التى ستزيل الحضارة الغربية(66)، وكأنه أبرز بذلك نظرة صراعية بين الطرفين، ولكنه فى نفس الوقت وجه نقداً ذاتياً للمسلمين؛ لأن الغرب دوماً يمسك بزمام المبادرة فى حين “أننا فى الأغلب نشكو”، فى وقت يسود فيه الفقر والجهل والتخلف الأكاديمى والتبعية الثقافية والسياسية بلاد المسلمين(67). كما أشار إلى ضعف العلاقة ما بين المسلمين حيث لا تمثل على سبيل المثال التجارة ما بين الدول الإسلامية إلا نسبة ضئيلة من حجم تجارة المسلمين مع العالم كله(68). وأشار فى موضع آخر إلى “أن الأمة الإسلامية الضخمة بالرغم من تعدادها ومواردها، تفتقد القوة والهيبة على الساحة الدولية”(69). فهناك إدراك واضح فى خطبه لضعف ممثلى الحضارة الإسلامية وأنها تمثل حالياً الجانب الأضعف على الأقل مادياً من معادلة القوة الدولية.

حذر خامنئى من هجوم الثقافة المادية على القيم الأصيلة لدول العالم الثالث، التى تواجه الغزو الثقافى، باعتبارها مشكلة خطيرة تحاول من خلالها الدول المتقدمة فرض القيم المادية على غيرها(70).

ومن ناحية أشار مهاجرانى إلى نقد بعض الأحزاب السياسية وبعض الصحف للحكومة، حيث لم يرضوا عن المناقشات الدائرة عن حوار الحضارات؛ وأرجع ذلك إلى تخوف هذا التيار من أن الاهتمام بهذه المسألة واتباع سلوك إيجابى تجاهها، قد يزيد من قوة موقف الرئيس خاتمى، وهم الذين ظلوا على معارضته طوال ست سنوات. بل إن البعض رأى أن حوار الحضارات تعد سياسة استكبار وإمبريالية تدعو لها إيران. ورأى مهاجرانى أن هؤلاء المعارضين لحوار الحضارات يؤمنون بمنظور صدام الحضارات. وهم يتبعون أساليبها حتى يعلوا أسمائهم وينشروا آرائهم فى العالم. وأضاف أن حوار الحضارات يحتاج إلى مناخ واضح هادئ، ومعتدل، ومنطقى ولكن فى ظل مناخ التوتر داخل إيران حول هذا الموضوع فإنه يعيق أى نمط من أنماط الحوار فى إيران مشيراً إلى أن الحوار بين الحضارات والثقافات سوف يقتصر على مناطق محددة ومدى محدود(71).

كما اختلفوا حول النظرة إلى أوروبا أو بمعنى أوسع مدى التعامل مع الغرب ككيان واحد أم استغلال التعدد داخله، وبدأ المرشد أقل حرصاً على الأوروبيين من خاتمى لأنه أشار فى أحد خطبه “أننا لا نعبأ بالحوار مع أوروبا “وإننى منذ البداية أقول أن هذه المباحثات يجب أن تسمى بالنقد الثنائى”(72). وهى نظرة جديرة بالتحليل، حيث إن هناك فرقاً بين الحوار والنقد الذاتى والخطورة تكمن إذا ما صدق هذا التوصيف على حوار الحضارات بأكمله. كما رأى أن الأوروبيون قد انخدعوا بالصهيونيين والأمريكيين بالإضافة إلى الضغوط التى يمارسها الأخيرين على أوروبا(73). إذاً هذا متغير آخر لا يرى جدوى الحوار مع أوروبا انطلاقاً من ضعف تأثيرها ووقوعها هى ذاتها أسيرة للضغوط الأمريكية.

بخلافه فإن خاتمى يرى أن الإسلام هو الجار القريب لأوروبا، وبغض النظر عن الأسباب الإنسانية والأخلاقية والثقافية والضرورة التاريخية والجغرافية، ليس أمام الإسلام وأوروبا إلا العمل على الوصول لفهم متبادل أفضل، ومن ثم تحسين علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية(74).

وهناك حساسية بالغة من التعامل مع الولايات المتحدة، حتى أن خامنئى أعلن: “إننا ننظر للغرب كشركاء تجاريين بشرط ألا تعنى كلمة الغرب الولايات المتحدة الأمريكية”، حيث أشار إلى أن هدف الولايات المتحدة أن تجعل الغرب يعنى الولايات المتحدة، ولكن إذا رأت الدول الغربية، والدول الأوروبية أن الغرب دونها لا معنى له فإن إيران ستترك الغرب، حتى كشريك سياسى وتجارى(75). ومن ثم ما زالت العلاقة مع الغرب، والنظرة إليه إحدى إشكاليات الخطاب الإيرانى حتى على مستواه الرسمى.

ثانياً : حوار الحضارات ما بين السياسات والمؤسسات

واكبت دعوة الرئيس خاتمى دعوات أخرى للحوار بين الحضارات كدعوة الرئيس الألمانى هيرتزوج التى أعلنها عام 1998 بعنوان الحوار بين الإسلام والغرب، إلا أن دعوة خاتمى حظيت بمزيد من القبول باعتبارها شاملة لكافة الحضارات الإنسانية، ولأنها تتلقى من خاتمى نفسه وحكومته دعماً متواصلاً ودفعاً مستمراً لكى تستقر كواحدة من الأدبيات السياسية المسجلة باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى العلاقات الدولية، وأخذ الرئيس خاتمى بمثابرة واضحة هذا المبدأ، وتحدث عنه فى كافة المحافل الدولية، وكرر دعواه للتمسك بمشروع حوار الحضارات، كما دعا العالم الإسلامى إلى اعتباره خياراً إسلامياً أصيلاً يواجه الخيارات الأخرى الخطيرة على الساحة الدولية(76)، فمما لاشك فيه أن إيران تولى أهمية كبرى لهذا المفهوم وله صدى واسع فى الداخل الإيرانى حتى أن هناك شارع باسم حوار الحضارات، وتم فيه مؤخراً الاحتفال بمراسم عام حوار الحضارات بحضور ممثلى خمسين دولة فى ديسمبر الماضى(77).

حوار الحضارات وصورة إيران الخارجية:

واستغلت إيران تزايد حضورها وثقلها فى بعض المحافل الدولية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامى، ومجموعة الـ77 للترويج لمشروعها الخاص بحوار الحضارات. ففى القمة الثامنة لمنظمة المؤتمر الإسلامى، أكدت فى بيان طهران أهمية التفاعل الإيجابى والحوار والتفاهم ما بين الثقافات والأديان، ورفضت نظرية الصدام والصراع. وكذلك فى القمة الثانية عشرة لعدم الانحياز نادوا بتشجيع التفاعل والاختلاط ما بين الثقافات وتدعيم حوار الحضارات(78)، مع العلم بأن إيران قد تسلمت رئاسة هذه المنظمة فى عام 2001 المنصرم.

منذ منتصف 1998 بدأت وزارة الخارجية الإيرانية نشاطاً مكثفاً لإقرار مبدأ حوار الحضارات، باعتباره واحداً من أهم المبادئ  التى تشتمل عليها، وتدعو إليها السياسة الخارجية لإيران، ومن دلائل الإصرار الإيرانى على إنجاح هذا المشروع بقدر الإمكان أن إيران قد تخطت إيران مشاكلها المتفاقمة مع مصر، التى وصلت إلى حد القطيعة فى ذلك الوقت، ووجه كمال الخرازى دعوة مباشرة لعمرو موسى يقترح عليه إجراء حوار بين الدول صاحبة الحضارات القديمة: المصرية، الفارسية، اليونانية والرومانية، لكونها جميعاً تنطوى على كنوز بالغة القيمة من المعرفة والخبرة، من شأنها أن تسهم بنصيب وافر فى تطوير العلاقات الدولية، وتعزيز التعاون بين الدول، وتساهم فى علاج كثير من مشكلات البشرية الراهنة. وقوبل بالفعل الاقتراح الإيرانى بترحيب من جانب مصر واليونان وإيطاليا، وبدا من الواضح أن ثمة جبهة من الدول العريقة فى الحضارة توشك أن تتشكل لتعلن عن تبنيها نموذجاً فكرياً جديداً يرى أن الحضارة الحديثة ليست وليدة اليوم، بل هى نتاج للخبرات الإنسانية المتراكمة عبر العصور وأنها إنما تدين فى وجودها لمساهمة الحضارة الإسلامية ممثلة فى مصر وإيران، والحضارة الغربية، ممثلة فى الحضارة اليونانية والرومانية، بل ولسائر الحضارات، وحتى فبراير 2001 عقدت أربع ندوات علمية شارك فيها ممثلون من الدول الأربع(79). وتعددت اللقاءات على مستوى اجتماع الحضارات الأربع القديمة سواء كانت لجان وزارية أو برلمانية.

باستعراض سريع لكثير من أحاديث وخطب وزير الخارجية كمال الخرازى خلال العامين المنصرمين، نلاحظ أنه كثيراً ما كان يشير إلى مشروع حوار الحضارات، بل وأحياناً أخرى كان يلقى محاضرات مخصصة للموضوع ذاته، بحيث صار الحوار بين الحضارات بحق أداه هامة من أدوات السياسة الخارجية الإيرانية، من أمثلة هذه المحاضرات العديدة: فى اليونان فى مارس 2001 وأشار فيها إلى أن الحوار الحضارى بين إيران واليونان قد بدأ فى 1999 عقب مقابلات فى طهران وروما بمشاركة مصرية فى إطار الحوار الحضارى الرباعى بين الحضارات القديمة(80). كما تحدث فى محاضرة بجامعة عين شمس إلى ما يمكن أن تلعبه كل من مصر وإيران من دور نشط فى حوار الحضارات(81).

وخلال السيمنار البرلمانى الثانى فى طهران للحضارات الأربع، أشار مساعد وزير الخارجية الإيرانى صادق خرازى بأن الديموقراطية فى الغرب توجد على المستوى القومى، وفى ظل الظروف الدولية الراهنة يجب على الأمم والبرلمانات بالذات أن تساهم فى تدعيم الديموقراطية ما فوق المستوى القومى، وأكد على دور الحضارات القديمة فى بناء جسر بين الشرق والغرب(82). وقد قدمت إيران طرحاً داعياً إلى تحقيق الديموقراطية على المستوى الدولى واعتمدت فى خطابها على مفاهيم خادمة لهذا الهدف، مثل ضرورة تأسيس وتدعيم المجتمع المدنى الدولى، والعمل على تطوير الأمم المتحدة مؤسسيا، وهو توجه يسعى لتطوير وإصلاح هيكل النظام الدولى، بحيث يكون مطلباً لنجاح حوار الحضارات وهدفاً له فى ذات الوقت.

أشار كمال خرازى للأنشطة الإيرانية المتعددة بالتنسيق مع الأمم المتحدة للتحرك تجاه جميع دول العالم منها عدة مؤتمرات للحضارات الآسيوية ثم الأفريقية وأيضاً فى أمريكا اللاتينية، كما أكد على أن الاتصال مع كوفى أنان كان وثيقاً لمناقشة تخطيط، وتنفيذ برامج عديدة(83).

لخص مهاجرانى نجاح مشروع حوار الحضارات بفعالية واضحة فى قدرته على “إعادة بناء الصورة الدولية لإيران”(84). فلأنها صدرت عن دولة طالما اتهمت بالإرهاب، حققت هذه الدعوة لإيران إنجازات هائلة على صعيد العلاقات الدولية فى أقل مدة من الزمن، فخرجت من العزلة التى كانت قد فرضت عليها، وخطت خطوات واسعة فى سبيل إزالة ما علق بالأذهان من ربط بينها وبين الإرهاب، وحاول العديد من الدول كسب ودها لإنتاجها سياسة خارجية متوازنة، تتصف بقدر كبير من المرونة والواقعية، وتقوم على الاحترام المتبادل. ولكن جاء التنافس الداخلى بين المعتدلين والمتشددين، الذى بالغت فى الاهتمام به الدوائر الغربية، ليحد من إنجازات المجال الخارجى المتوقعة على يد تبنى هذا المفهوم حيث بدأت تتشكك الدوائر الدولية فى وحدة الحكومة الإيرانية وانتهاجها خطاً سياسياً ثابتاً ومستمراً مما قاد إلى تباطؤ النجاح الإيرانى الخارجى(85).

أصبحت توجهات السياسة الخارجية الإيرانية بمثابة ترجمة لمحورية هذا المفهوم كأداة وهدف، فقامت بكثير من المبادرات ونظمت كثيراً من المؤتمرات فى هذا السياق. ونجحت فى فرض موضوع حوار الحضارات كأولوية متقدمة فى جدول أعمال علاقاتها الثنائية، خاصة مع الدول الغربية والآسيوية، وتمكنت من تعزيز دورها فى مختلف المحافل الإقليمية والدولية، من منطلق ريادتها، لطرح موضوع حوار الحضارات، مما ساهم إلى حد كبير عبر السنوات الأربع الماضية فى تحسين صورة إيران لدى العالم الخارجى، خاصة فى الغرب، وأوجد أرضية مشتركة بين إيران والكثير من دول العالم، ودفع علاقاتها بكثير من الدول الأخرى، التى كانت تتصف بالتأزم من قبل إلى مراحل التطبيع أو التعاون. ويبقى تساؤل هام هو إلى أى مدى يرتبط هذا المشروع بشخص خاتمى أم أنه توجه أصيل للنخبة السياسية الإيرانية تفرضه معطيات سياسية، وثقافية داخلية وخارجية تتصل بظروف المرحلة التى نعيشها(86).

المركز الدولى لحوار الحضارات كمحور مؤسسى رئيسى:

أسست الحكومة الإيرانية المركز الدولى لحوار الحضارات فى فبراير 1999، وغايته العمل على تحقيق عدة أهداف تدعم الحوار، ليس فقط على المستوى الدولى، وإنما على المستوى الداخلى القومى، وتدعيم التعايش السلمى، ومنع انتهاكات حقوق الإنسان، وتأسيس وتوسيع المجتمع المدنى الدولى، وتقوية الثقافة الدينية والخلقية والروحية(87). وجمعيها أهداف عالمية مشتركة، ولكن هناك ولاشك تعريف إيرانى لها يعطى خصوصية لمعناه مثال:- حقوق الإنسان، والثقافة الروحية التى تعطيها إيران أهمية كبرى(88). وأمكن للباحثة استنباط صورة شاملة للمركز وأنشطته ورؤيته من خلال تتبع موقعه الضخم على الإنترنت.

ولقد أشار المركز إلى المفاهيم والحقول المعرفية القائم عليها أنشطته من خلال طرحه إجابات لعدة أسئلة رئيسية؛ فلقد حدد فى الإجابة عن تساؤل رئيسى حول تعريف الحوار بأن المركز يختص بنظريات الحوار والحضارات، والكائنة أساساً فى الفلسفة والاجتماع والأنثروبولوجيا. وعرف الحوار باعتباره أى جهد مقصود مؤسس على الأخلاق والعقل وعدم العنف لفهم الآخر فى المجالات الثقافية والحضارية. وأن من يملك قوة الفهم والإفهام هو القادر على تمثيل حضارته، والتى قد تضم عدة دول، وتعبر عن مناطق بأكملها. ويرتبط الحوار بين الحضارات بالسلام فى مراحل ثلاثة: المقدمة أو المدخل، والتحقيق، والمخرج. فلا يمكن تشجيع الحوار فى مناخ لا يسوده السلام، الذى يساعد على التفاهم. وعندما يبدأ الحوار يحتاج كل طرف ألا يتجاهل الآخر، ويفهمه، وهو الأمر الذى يتطلب مرة أخرى علاقات سلمية، وبالطبع سيكون ناتج الحوار سلمياً. وبالرغم من العلاقة الوثيقة مع السلام لا يمكن قصر الحوار بين الحضارات على السلام، وجاءت مبادرة حوار الحضارات ليس للرد على نظرية هانتنجتون حول صراع الحضارات فقط،  وإنما هى نظرية أشمل وقصرها على ذلك تنزيل من منزلتها. وكيف يمكن ممارسة الحوار بين الشعوب والفاعلين المحوريين؟ رأى المركز فى نشرته الإلكترونية الرسمية أن محاربة الاغتراب هى أفضل وسيلة للتقريب بين الشعوب وإبراز المشاعر والآمال المشتركة بينها.

ولقد أضحى هذا المركز بؤرة نشطة للترويج للفكرة والآلية المؤسسية الرئيسية التى تعتمد عليها إيران فى إبراز جديتها فى تبنى هذا المفهوم، ومن بين الأمثلة العديدة على كثافة أنشطتها أنها قد قامت بـ24 مؤتمراً حتى نوفمبر 2002، وفى 2001بـ 53 مؤتمراً. و50 مؤتمراً ودورة وندوة، بالإضافة إلى كثير من المحاضرات ومعرضان للكتب فى 2000، وتسع مؤتمرات وسيمنارات فى 1999 بالإضافة إلى عدة محاضرات، ومن ثم يمكن ملاحظة تصاعد كثافة الأنشطة من عام لآخر، مما يشير لتدعم مكانة هذه المؤسسة، ودورها فى بلورة الرؤية الإيرانية فى حوار الحضارات.

وتحتل أنشطة الترجمة والنشر مكانة كبري بين آليات المركز فى قيامه بوظيفته، وذلك فى إطار عام منتعش من الترجمة والنقل على مستوى إيران ككل؛ حيث تم إصدار(فى العام الماضى، وحده وفق رئيس المركز) حوالى 30 ألف كتاب، من بينهم الثلثين عناوين جديدة، ونصف هذه الكتب مترجمة من لغات أخرى للفارسية، وقد قام قطاع النشر بالمركز  بنشر وترجمة حوالى 67 كتاباً حتى الآن.

ويعد المركز الدولى لحوار الحضارات فى طهران من أنشط الهيئات المشاركة فى الحوار، بالإضافة إلى تبنيه للطرح الأكاديمى حول هذا الموضوع الحيوى، وعكس التنظيم الهيكلى المؤسسى الداخلى لهذا الدور ثنائى الأبعاد. وينقسم إلى تسع مجموعات علمية مختلفة تقوم بتغطية كافة أبعاد وجوانب حوار الحضارات كعملية وموضوع. ويعكس البناء المؤسسى للمركز شمولية الرؤية الإيرانية لحوار الحضارات كموضوع فكرى، وعملية إجرائية تشمل كثيراً من جوانب الحياة الإنسانية.

ومثلت الجماعة الفلسفية للمركز أحد أبعاد الشق الأكاديمى لأنشطة هذا المركز، وعملت على دراسة الأبعاد الفلسفية والنظرية للحوار بين الحضارات، وقد قاموا بحوالى خمسين مناسبة علمية، ما بين محاضرة وسيمنار وضمت العديد من الأجانب خاصة من الغرب (أوروبا وأمريكا).

فى حين اهتمت اللجنة العلمية للعلوم السياسية بأبعاد أخرى هامة تخص إيران، وإقليمها، والعالم بالإضافة إلى مناقشة أبعاد الفكر السياسى، والحقوق الدولية، وذلك بهدف عرض، وتقديم الحلول الدبلوماسية، ومداخل نظرية الخاصة بحوار الحضارات للدوائر العالمية، ولتحضير وتوفير خطة استراتيجية قائمة على الحوار بين الحضارات من أجل السياسة الخارجية الإيرانية، كما تعمل على دراسة المجالات الثقافية، والتفاعلات الإقليمية الثقافية لإيران ونتائجها. إذا هو برنامج يعمل للصالح الإيرانى فى المقام الأول، ويخدم الأهداف الخارجية لإيران وهو أمر مشروع حيث على كل دولة استخدام كافة الآليات، التى تراها ملائمة، وفعالة لتحقيق أهدافها.

كما اهتم المركز بالأبعاد الفنية لحوار الحضارات، وأنشأ لجنة علمية للفن اهتمت بفلسفة واجتماع الفن والسينما والموسيقى، وكافة أنواع الفنون. وذلك بهدف القيام بدراسات مقارنة، والبحث عن الأرضيات المشتركة بجانب نشر مراجع حول الفن فى إيران وأبحاث حوله للتعريف به، مع دعوة فنانين أجانب، والقيام بتجمعات لمناقشة الأعمال الفنية، إلى جانب إقامة المهرجانات، والتجمعات البحثية القومية والدولية للفن.

وبالطبع كان لتأسيس اللجنة العلمية للفقه والأديان أهمية، كبرى وتأسست فى مارس 2001، بهدف التأكيد على دور الدين فى حوار الحضارات؛ حيث أن الحوار بين اتباع الديانات المختلفة بهدف الفهم المتبادل يساعد على حل مشاكل هذا العالم، وتهدف هذه اللجنة إلى القيام بأبحاث عن المصادر الدينية الرئيسية والنصوص الموجودة وترجمتها إلى الفارسية، وتأسيس علاقات مع مفكرى الديانات الأخرى، وعرض التأثير المتبادل ما بين الأفكار الغربية والإسلامية، ووسائل كل طرف وآثارها على طرق دراسة الطرف الآخر، خاصة منذ العصر الحديث، بالإضافة إلى تفنيد نتائج الوسائل والمفاهيم، وقيم الفقه فى عالم اليوم، واختبار علاقاته بالتعاليم الإسلامية. ولقد انقسمت هذه اللجنة العلمية إلى أربعة أقسام تعبر عن رؤية المركز لدور الدين فى عملية حوار الحضارات، وهى أقسام: قواعد وأساسيات الحوار بين الأديان، والحوار بين الأديان، الإصلاحيون الدينيون والحركات الدينية الجديدة، والإسلام والحداثة مع مراجعة التفسيرات المختلفة للقرآن. وتولى هذه اللجنة أهمية كبرى للتفسيرات الإصلاحية داخل الأديان المختلفة؛ لأن هذه الفئة تقبل الحوار، وتحمل فى طياتها احتمالات التطور. كما تعمل على دراسة تأثير الحداثة على المفكرين المسلمين والتعاليم الإسلامية. ومن القضايا المدروسة فى هذا الإطار منطق الحداثة، وحقوق الإنترنت، والمرأة، وحرية الرأى، والأقليات الدينية، ومفهوم تنفيذ الشريعة الإسلامية والإسلام، والعلمانية (وجمعيها تعبر عن الأجندة الغربية بالأساس). ومن أنشطته منذ إنشائه: فى عامى 2001-2002: قيامه بـ19 تجمع دولى ما بين مؤتمرات، وسلسلة محاضرات، وتسعة مشاريع بحثية، وترجمات عديدة و14 مشروعا مقدماً للترجمة، ومجموعة من الببلوجرافيا حول الفقه والحركات الإصلاحية الدينية وحوار الحضارات، وستين مقالة ودعم رسائل دكتوراه عن الدين داخل وخارج إيران. كما كان هناك اهتمام بعمل أنشطة مشتركة مع دول عربية وأوروبية لتدعيم الحوار، إلى جانب الهند لتوسيع الحوار مع الحضارة الهندوسية أيضاً. كما لم تقتصر الاجتماعات على الخارج فقط، وإنما حدث أكثر من تجمع وطنى كبير فى الداخل.

وهناك لجنة تاريخ الحضارات، وفيها تركيز على الحضارة الإسلامية؛ حيث تنقسم اللجان الداخلية إلى لجنة الحضارة الإيرانية القديمة، ولجنة تاريخ الحضارة الإسلامية، وتاريخ ما بعد الحضارة الإسلامية الإيرانية. وتعمل هذه اللجنة على تمهيد الأرضية لحوار الحضارات، ودراسة تأثير الحضارة الإيرانية على العالم، خاصة فى مرحلتها الإسلامية. وبالمثل هناك تشجيع للمحاضرات، والقيام بالدورات والسيمنارات لعرض الصورة الحضارية الإيرانية فى مراحلها المختلفة، ومساعدة الباحثين فى الدراسات العليا. وأكثر من ذلك فقد دعمت تأسيس أقسام تاريخ الببلوجرافية فى كل من جامعات شيراز ومشهد وتبريز. ومن ثم نلاحظ وجود هناك أنشطة داخلية لخلق بنية مؤسسية داعمة لهذا الحوار.

وكذلك اهتم المركز بالحوار ما بين الثقافات، فيما يخص الهندسة المعمارية والتنمية المدنية. وبذلك امتدت الأنشطة إلى بعض الأبعاد ذات طابع علمى من العلاقات الحضارية؛ حيث إن الاتجاهات الجديدة فى تكنولوجيا المعلومات والعولمة لها آثارها الواضحة على الحياة المدنية، والطريقة المستقبلية التى تربط المجتمعات الإنسانية. وسعت لجنة العمارة والتخطيط المدنى فى سياق أنشطة المركز إلى تأسيس قاعدة للتعاون بين الشعوب والمنظمات لفهم أفضل لدور العمارة فى تجميع الشعوب وإغلاق الفجوة ما بين الحضارات خاصة وأن المدن تلعب دوراً رئيسياً فى العلاقات الثقافية بين الأمم. وتقوم اللجنة المختصة فى هذا السياق بتشجيع المهندسين ومخططى المدن والمصممين والمديرين من جميع أنحاء العالم للمشاركة فى برامجهم البحثية والسيمنارات والمؤتمرات وتقديم الكتب والمقالات المرتبطة بهذه الموضوعات. وقد قامت هذه الجماعة بعدة سيمنارات مشتركة، وثمانية معارض للعمارة وتخطيط المدن، و12 مشروعاً بحثياً، وكتابة وترجمة ستة كتب، وتقديم مشاريع للماجستير والدكتوراه، وتطوير بنك للمعلومات، بالإضافة إلى إجراء مؤتمرين.

أما عن لجنة العلوم الاجتماعية التى تعد من أنشط الجماعات العلمية فى المركز والتى بدأت عملها فى يونيو 1999، فإنها تعمل على تحليل عناصر ومعوقات حوار الحضارات وتوفير الحلول النظرية والعملية له. وتم تمثيل كثير من الفروع المعرفية فى اللجنة العلمية الرئيسية: الأنثروبولوجيا، علم النفس الاجتماعى، الديموجرافيا، علم الاجتماع، الاقتصاد، الاتصال الاجتماعى، علم الاجتماع المعاصر pedagogy، الشباب، المرأة، والإثنيات، بالإضافة إلى التعاون مع الأقسام الجامعية المختصة لتطوير منهاجية حوار الحضارات. وتقوم -مثل باقى اللجان- بعقد السيمنارات والمؤتمرات والمشاريع البحثية لوضع خطة تفاهمية للحوار بين الحضارات من منظور العلوم الاجتماعية من حيث الحضارات النظرية والمنهاجية والجدوى والحلول التنفيذية والعملية. ويتم الاهتمام فى المشاريع البحثية العديدة بإجراء حوارات واستطلاع آراء علماء الاجتماع فى إيران والعالم. بل وتضم المشاريع استطلاع رؤى الشباب فى المدارس والجامعات وتحليل الكتب الدراسية. كما تدرس علاقة حوار الحضارات بالتنمية السياسية والمعوقات الاقتصادية للحوار الحضارى. وتلخص نشاطها فى 10 سيمينارات و14 مائدة مستديرة، و28 محاضرة، وحوار مع ثمان من كبار علماء الاجتماع فى العالم، و11 مقالة، ورسالة دكتوراه، وثلاث ترجمات، وبنك كبير للمعلومات.

وهناك جماعة أخرى للجغرافيا تتكون من أربع لجان علمية: الجغرافيا السياسية، الجغرافيا الثقافية، الجغرافية التاريخية ولجنة البيئة والجغرافية. وتهدف هذه الجماعة إلى خلق خلفية لتعاون الجغرافيين مع المركز وتعريف مكانة الجغرافيا فى حوار الحضارات ولمبادرة الأفكار على أسس الجغرافيا فى حوار الحضارات من اجل فكر جغرافى جديد موازٍ فى الخط مع حوار الحضارات، ولتطوير نظرية حوار الحضارات من وجهة النظر الجغرافية من خلال الخبراء الإيرانيين والأجانب، وتطوير التبادل العلمى حول إبستمولوجيا المنهاجية الجغرافية للحوار بين الببلوجرافية محليا وإقليميا وعالميا، ومحاولة تأسيس اتحاد إسلامى جغرافى عالمى من خلال عضوية والتعاون مع منظمات دولية مثل الاتحاد الجغرافى الدولى ومكتب الكومنولث الجغرافى واتحاد الجغرافيين العرب والتعاون مع المؤسسات التعليمية المحلية، وتم نشر عدة مقالات فى دورية الأبحاث الجغرافية (8مقالات) ومجلة تقرير الحوار (7مقالات) بالإضافة إلى إجراء أربع مؤتمرات وسيمينارات حتى الآن، وثلاث حوارات مع كبار العلماء، وست محاضرات، وثلاثة مشاريع بحثية، وتقوم بتدعيم ثلاث رسائل ماجستير تهتم بالموضوعات المرتبطة بحوار الحضارات، وتم اختيار أربعة كتب للترجمة، بالإضافة إلى تواجد دولى واضح فى المحافل الدولية المختلفة.

أما عن جماعة الأدب فتنقسم إلى ست لجان: الشعر، أدب الدراما والخيال العلمى، أدب الأطفال، الأساطير والقصص الفولكلورية، النقد والترجمة. ويهدف إلى خلق أعمال أدبية جديدة وتشجيع نشر وترجمة الأعمال القيمة على المستوى المحلى والدولى وتأسيس علاقات دولية فى مجال الثقافة والأدب والقيام بالمؤتمرات والمهرجانات ومشاريع بحثية.

ولقد أنشئ فى أكتوبر 2001 مكتب لدعم وتنسيق التجمعات والمشاريع وأنشطة المنظمات غير الحكومية والطلابية المرتبطة بالحوار. وأصبح على جميع التنظيمات غير الحكومية المرخصة أن ترسل نسخة من مشاريعها المرتبطة بحوار الحضارات إلى المركز حتى تتم دراستها فى اللجان المتخصصة.

وفى نفس الوقت يقوم قسم الشئون الدولية بتنسيق الأنشطة الدولية وتأسيس علاقات منسقة بين المستوى القومى والدولى ومع التنظيمات الحكومية وغير الحكومية والمراكز العلمية الدولية وإقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة عن طريق وزارة الخارجية وغيرها بالدوائر الدولية مع تحضير تقارير خاصة حول المسائل الدولية والمحلية المرتبطة بحوار الحضارات لتقدم إلى مؤسسة الرئاسة. وتقوم بدعوى المتخصصين الدوليين للقيام بمحاضرات ودوائر مستديرة وتجمعات لتتواصل مع المتخصصين الإيرانيين.

أما مكتب العلاقات العامة فعليه مهمة إبقاء القنوات الجديدة مواكبة وعلى علم بآخر أنشطة ومشاريع المركز بالإضافة إلى الإشراف على دورة البيانات داخل المركز، ونقوم بنشر نشرة بعنوان “التقرير والحوار” ومعالجة البريد الروتينى للمركز. وتعد وحدة السمع والرؤية audio-visual unit جزءا من قسم العلاقات العامة. وألحقت مجلة إلكترونية بعنوان dialogue on line بموقع المركز على الشبكة بها مقالات منشورة بنصوصها كاملة تعالج موضوعات عدة حول حوار الحضارات.

من الملاحظ ضخامة الموارد المالية والمؤسسية الداعمة لأنشطة المركز وقوة الصلات الحكومية وتأسيسه لبنية تحتية مؤسسية تخدم ربطه بالسياق المحلى والإقليمى والدولى، وهو بهذا يعد بحق الآلية الرئيسية لحوار الببلوجرافية فى الخبرة الإيرانية.

إذا ما تم تتبع المنهج العام المتبع فى أداء الوظيفة والرؤية الكلية لتقسيم البنية المؤسسية الداخلية اتضحت شمولية النظرة الإيرانية إلى فكرة حوار الببلوجرافية، وأنها كموضع شامل كلى لا يقتصر على الأبعاد النظرية بل يمتد إلى المستوى الإجرائى العملياتى القائم على التحرك والمشاركة فى الحوار خاصة على مستوى الدوائر الثقافية. ولكن بالرغم من هذه الشمولية إلا أنه يمكن ملاحظة التركيز على ثنائية الشرق والغرب، وفى الشرق يحتل الإسلام مكانة محورية وفى الغرب تحتل الولايات المتحدة مكانة كبرى بجانب المبادئ. إلا أن الحوار فى داخل سياق الحضارة الإسلامية لم يحظ بنفس درجة الاهتمام التى تمتع بها الحوار مع الدوائر الغربية سواء لتصحيح صورة الإسلام أو إفهام العرب للمضامين الخاصة لمفاهيم محورية مثل الجهاد وفصله عن الإرهاب. كما يمكن استشعار العقلية الإصلاحية فى كثير من الأعمال المتبناة من قبل هذا المركز وتركيزه على الرؤى المعتدلة التى كثيرا ما يدافع عنها التيار الإصلاحى فى إيران، ويأتى الدعم الرسمى الرئيسى من مؤسسة الرئاسة وفى نفس الوقت لا تظهر معارضة أو مقاومة تذكر من المحافظين، مما يعنى موافقة ضمنية وتمتد فى بعض الأحيان إلى التشجيع المباشر.

الخطاب الإيرانى بعد 11 سبتمبر:

زاد اهتمام الخطاب الإيرانى بحوار الحضارات عقب أحداث نيويورك وواشنطن فى محاولة لإبراز وجاهة وجدوى تبنى هذا المفهوم فى هذا العالم المضطرب. وأشار وزير الثقافة الإيرانى أن نظرية حوار الحضارات ليست نظرية بل بإمكانها أن تكون أساساً لسلوك سياسى، وفى نفس الوقت هناك إدراك للمصاعب التى يضعها المناخ الدولى الحالى أمام مشروع حوار الحضارات حيث تضيع فرص الحوار بين أطراف تتجاهل ثقافة وحضارة الطرف الآخر(89).

التساؤلات التى تطرح نفسها على الساحة الآن كما قال عطاء الله مهاجرانى هى:  لماذا يقوم شخص بعملية انتحارية؟ هل هؤلاء الأشخاص لا يعتدون بحياتهم؟ هل هؤلاء مجانين أم يتلذذون بقتل الأبرياء؟ إن تجاهل مثل هذه الأسئلة يؤدى إلى عجزنا عن إيجاد طريق حل جذرى وفعال، فتداعيات الأحداث الأمريكية من الممكن أن تكون دليلا على أننا نواجه حربا بين الثقافات والحضارات وأننا لسنا بصدد إجراء حوار فيما بينها. وإذا أردنا عدم تكرار هذه الحوادث فنحن بحاجة إلى حوار الحضارات للخروج من الأزمة الحالية، فمرتكبى هذه الحوادث إما أنهم لا يؤمنون بالحوار ومنطقه، أو أنهم يشعرون أن الحوارات التى تتم مزيفة وبلا نتيجة وفى النهاية لن تفرز هذه الحوارات سلاما حقيقيا وعادلا. وتكمن المشكلة الأساسية التى على الحكومة الأمريكية مواجهتها -وفق الرؤية الإيرانية- هى أنها تملى سياساتها الخاصة على العالم وتقرر لدوله ماذا يصنعون، ولعل هذه الأحداث  تدفع المثقفين الأمريكيين والشعب الأمريكى بصورة عامة إلى التأمل وإعادة النظر، واعتقد أيضاً مهاجرانى أن أحداث نيويورك وواشنطن ستضع مفاهيم الأمن والأمن القومى فى مواجهة تحد جديد من الناحية النظرية(90). ولقد وصف خامنئى الموقف الأمريكى بأنه “متغطرس” معتبرا أن التعريف الأمريكى للإرهاب خاطئ وغير مقبول، بل واعتبر الولايات المتحدة “غير مؤهلة وغير صادقة لتزعم الحركة العالمية ضد الإرهاب”، كما رفض خامنئى المنطق الأمريكى القائل إن الذين لا يساندون أمريكا هم مع الإرهاب منبها إلى وجود حكومات إلى جانب أمريكا أخطر من جميع الإرهابيين. وتوافق موقف خاتمى مع المرشد فى رفضه التقسيم الأمريكى للعالم إلى قسمين مع أمريكا أو مع الإرهاب كما انتقد التسرع الأمريكى فى إدانة المسلمين والعرب(91).

“إننا لسنا معكم ولا مع الإرهابيين” بهذه العبارة الموجزة والموجهة للولايات المتحدة لخص خامنئى الموقف الإيرانى عقب 11 سبتمبر. ولكنه رفض الرؤية الأمريكية للإرهاب، بالرغم من أنه قد نادى بمحاربة الإرهاب كضرورة وكعمل من أعمال الجهاد، إلا أنه أكد على أهمية القيادة الفعالة لهذه الحركة لأن الولايات المتحدة ليست مؤهلة لقيادة الحركة الدولية ضد الإرهاب، والجمهورية الإسلامية لن تكون جزءا من حركة تقودها الولايات المتحدة. وأبرز أهمية أن تقوم منظمة المؤتمر الإسلامى بدور مستقل فى هذا المجال وإلى ملاءمة قيادة الأمم المتحدة لهذه الحركة(92)، حيث يجب أن تأتى المبادرة فى الصراع ضد الإرهاب من الأمم المتحدة وبدون تأثير من الولايات المتحدة والقوى الغربية(93).

وأعلن كمال خرازى أن الممارسات العنصرية وغياب ظاهرة العدل من الأسباب الرئيسية التى تساهم فى تنامى ظاهرة الإرهاب، مؤكدا أن الدين الإسلامى الحنيف يرفض الممارسات الإرهابية تحت أية ذريعة وفى ظل أى ظروف، وأن موضوع حوار الحضارات يعد من أفضل الظواهر الجديدة فى العلاقات الدولية للوقوف بوجه الإرهاب، ورفض استغلال الأحداث الأخيرة لتوجيه ضربة للحضارة الإسلامية، كما رفض النظرة إلى كفاح الشعوب التى تسعى لتحرير أراضيها ونيل استقلالها تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وأشار إلى أن العالم أدرك اليوم أن أوضاع فلسطين ساهمت فى خلق الكثير من بؤر التوتر والاضطرابات فى العالم(94). وكثيرا ما أشير فى الخطاب الإيرانى فى الشهور الماضية إلى الممارسات الإرهابية الإسرائيلية فى تلميح إلى عدم مصداقية التعريف الأمريكى للإرهاب.

إذاً عقب أحداث سبتمبر، استمر التأكيد الإيرانى على أهمية حوار الحضارات وأنه السبيل لحل الأزمة الراهنة، فالحاجة أصبحت ملحة للحوار لحل أزمة الإرهاب. وسعى الرئيس خاتمى إلى تكوين جبهة إسلامية مسيحية تعارض توسيع الصراع المسلح عقب 11 سبتمبر ومن أجل تأسيس السلام الحقيقى والعدل فى العالم، فكان البابا فى روما من أوائل الاتصالات الإيرانية التى أجريت عقب أحداث نيويورك وواشنطن(95).

وفى هذا الإطار تحدث خاتمى عن أهمية متغير الدين وفهمه الصحيح، وأنه لابد من الابتعاد بلغة العقيدة عن الذين أعدوا الأسلحة من الأديان، وأن المجتمعات الدينية لابد أن تلعب دورا محوريا فى الحوار بين الحضارات. فعلى حافة الفوضى الاجتماعية أكد خاتمى على دور الفقهاء وطلبة العلوم الدينية حيث أصبحت مسئوليتهم أكثر أهمية وذات دلالة، فالدين يتخطى الفلسفة، ويجب إدخال الدين ضمن الجهود السياسية لحل أزمة الشرق الأوسط والتهديد الإرهابى الحالى، بل إن المناقشات حول حقوق الإنسان يجب أن تأخذ فى اعتبارها خلفية العقيدةالدينية(96). وأكد خاتمى أيضاً أن الإسلام والمسيحية ما زالا ينظران لبعضهما بتوجس متبقٍ من الحروب الصليبية وأن حوار الحضارات يعمل على إزالة سوء التفاهم والأحكام المسبقة(97). وأكد فى موضع آخر على مخاطر عدم التسامح الدينى والحاجة الملحة لإدراك القيم المشتركة التى يمكن أن تربط الشعوب المختلفة فى العقيدة أكثر من تلك التى تفرقهم(98).

كما دعت إيران إلى تكوين حملة دولية ضد الإرهاب تحت قيادة الأمم المتحدة(99)، وهو بمثابة تحالف لتقوية السلام ويهدف إلى التسامح ليواجه تحالف الحرب الذى تأسس على القوة والعنف للقضاء على الإرهاب(100). وبذلك تكون إيران قد دعت إلى تكوين تحالف دولى لحماية السلام والاستقرار الدوليين فى مواجهة الجهود الأمريكية لتوحيد العالم لصالح الحرب ضد أفغانستان ثم دول أخرى. كما نادت بالاعتماد على سياسيين ذوى أفق أوسع للتفكير لصالح تعاون دولى يحركه الحوار وليس الحرب، وأنه قد حان وقت التخلى عن السياسيين الغضبى(101).

وأعلن خاتمى عقب أحداث نيويورك وواشنطن أن رفع فكرة حوار الحضارات كان المقصود منه تغيير المنظور السائد فى الشؤون الدولية والعلاقات الإنسانية. فالمنظور فى العلاقات الدولية خلال القرن الماضى وكذلك فى بداية القرن الحالى قاد إلى حروب وقهر وتمييز، وله متغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وليس من السهل تغيير كل هذا، فتغيير منظور ساد لعدة قرون يحتاج لوقت. ومن أجل تغيير هذه الرؤية ليحل الحوار محل العنف والصدام، لابد وفق خاتمى “أن نحرر أنفسنا من خلافاتنا التاريخية”، وهى الاختلافات ما بين الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية التى تعود إلى الحروب الصليبية. وفى المجال السياسى لم نستطع أن نحرر أنفسنا من هذه العقلية التاريخية، ولذا أكد خاتمى على ضرورة الانطلاق من الجهود التعليمية والثقافية حتى يمكن تعلم الاستماع والحوار(102). استمر الخطاب الإيرانى فى تكريسه لأهمية مشروع الحضارات وإن تم إدخال متغير الدين بقوة اكبر فى محاولة للاستجابة للتحديات التى فرضتها التطورات الدولية الأخيرة حتى استخدم فى أكثر من موضع مصطلح الحوار بين الأديان: “إذ نعيد تأكيد أن الحوار بين الأديان القائم على تبادل الاحترام والفهم أمر أساسى لتعزيز السلام والأمن الدوليين بما فى ذلك أبعادهما البيئية والاجتماعية”(103)، حتى إن إعلان طهران المؤرخ 10 أكتوبر 2001 قد خلا من لفظ حوار الحضارات ليسود الحديث عن الأديان واشتراكها فى قيم أساسية.

وما زالت المبادرة الإيرانية لحوار الحضارات تلقى دعما دوليا من جهات عديدة حتى بعد أحداث سبتمبر، مثال ذلك إعلان دول الاتحاد الأوروبى عن مساندتها لمشروع الحضارات لما يهدف له من سلام وأمن العالم(104). وبذلك تعلو نبرة المساندة على الساحة الأوروبية مشيرا بذلك إلى تباين فى درجة دعم حوار الحضارات داخل الغرب ذاته.

أوجز كمال خرازى وزير الخارجية الموقف الإيرانى عقب 11 سبتمبر من خلال تقييمه لأداء وزارة الخارجية عقب عام من هذه الأحداث المحورية، حيث أكد أن موقف الولايات المتحدة قام بالأساس على العنف والسعى لنشر الأفكار المعادية للإسلام. ولكن لا يجب أن تتم مقابلة هذا العنف و”العقلية الجامدة بنفس الشرور”. فلقد كان موقف إيران وفقا له مختلفا قائما على مواجهة جذور التوتر ومحاربتها وعلى المقاومة الدولية للإرهاب ونشر أفكار حوار الحضارات والتحالف من أجل السلام، بل وتعتبر أداة ثقافية لمواجهة تزايد النفوذ الأمريكى، لأن إيران تؤمن بأن حل المشاكل يكمن فى الحوار وتطوير الديموقراطية القائمة على الدين والتى خبرتها إيران، إلا أن الولايات المتحدة وفق المنظور الإيرانى هى الرافضة لهذه الأفكار(105).

ويعتبر برنامج حوار الحضارات الإيرانى أداة ثقافية لمواجهة النفوذ الأمريكى. فبالنظر إلى تزايد التواجد الأمريكى فى المنطقة على الحدود الإيرانية مباشرة، اعتبر كمال خرازى أن أحد مؤشرات نجاح إيران كدولة فاعلة ومؤثرة سياسيا وثقافيا فى المنطقة هو تبنيها ودعمها بفعالية لفكرة حوار الحضارات بالرغم من المقاطعة الأمريكية وضغوط الإدارة الأمريكية المتواصلة لتحجيم أى تعاون مع إيران من قبل الدول الأجنبية المختلفة(106).

وفى تقييم للأداء الإيرانى بعد مرور عام على أحداث 11 سبتمبر كان هناك تصريح لوزير الخارجية الإيرانية، برزت فيه المكانة الكبرى لبرنامج حوار الحضارات كأداة دبلوماسية فى المقام الأول وليس مجرد دعوة فكرية ثقافية. كما أشار فى مواقع أخرى إلى أهمية ما أسماه “بالدبلوماسية الثقافية” التى تعد أساسا لتوسيع الروابط مع الدول الأخرى وتزيد من المصداقية الإيرانية فى المحافل الدولية. وفى هذا السياق أشار إلى أهمية برنامج حوار الحضارات فى “التقليل من المخاطر الموجهة للجمهورية الإسلامية الإيرانية”. فلقد قادت سياسة إيران الداعية والدافعة للحوار الحضارى إلى “تخفيض واضح فى تكلفة الحفاظ على الأمن القومى”(107).

 

ملاحظات ختامية:

وإذا ما تم النظر إلى السياق الداخلى والدولى للموقف الإيرانى يتضح مدى ملاءمة خيار تبنى فكرة حوار الحضارات، حيث إنه يقدم نموذجا للارتباط الواضح بين الخطاب وسياقه، وبين الخطاب وقائله، وهنا يبرز دور “الرئيس المفكر” خاتمى ليس فقط كحاكم مثقف كما أطلق عليه البعض، بل كزعيم سياسى له رؤية فلسفية بعيدة النظر ويمتلك ثقة المبادرة وقدرة على طرح الأفكار بوضوح والعمل على نشرها بكافة السبل.

باستعراض الخطاب الإيرانى حول مشروع حوار الحضارات نلاحظ سعياً حثيثاً من قبل خاتمى لإحياء الحضارة الإسلامية، وإدراكا إيرانيا واضحا لخطورة التحديات الخارجية التى على هذه الحضارة مواجهتها، والأهم لمكامن الضعف الداخلية التى تحول دون تكوين جبهة إسلامية ثقافية موحدة تقدم طرحها الإسلامى لحلول كثير من المشكلات المعاصرة. فبدت الحاجة واضحة لحوار داخلى للحضارات خاصة داخل الحضارة الإسلامية بسبب التنوع والتعدد داخل كل حضارة. ومن أهم الإشكاليات التى يفرزها هذا التباين الداخلى –على سبيل المثال- ليس فقط غياب الديموقراطية فى كثير من الدول الإسلامية بل اختلاف النظرة إليها وإلى طبيعتها وإلى الهدف الحقيقى منها.

ومن أهم إشكاليات مشروع حوار الحضارات من منظور إيرانى هو مفهوم الحوار عند الغرب عامة وأمريكا خاصة، حيث تسود القناعة الإيرانية -وربما من ورائها القناعة الإسلامية عامة- بأن الخطوة القادمة متروكة للغرب، لأن العقبات الرئيسية أمام حوار بناء للحضارات تأتى من العقلية الغربية التى ترفض مفهوم التبادل فى الخبرات والرؤى وتنظر للحوار كآلية وأداة لنشر القيم الغربية “المنتصرة” والمعبرة عن حضارة قوية.

وهذا يقود إلى الحديث عن مدى تكافؤ الحوار، فإذا كان المتحدث من الغرب أو ممن يؤمنون بتفوق حضارته، فإن الحوار يبدو غير متكافئ لصالح الثقافة الغربية، أما على العكس فهناك من يرى مثل خاتمى أن الحضارة الغربية تحتضر، فإن الوضع يختلف ويبدو التكافؤ ممكنا ويزداد ما يمكن أن يعطيه الشرق ويستفيد منه الغرب.

وبتتبع تطور الجدل النظرى لحوار الحضارات وإطاره المفاهيمى، يمكن ملاحظة أنه ما زال يدور على مستوى إحلال شئ محل شئ آخر وليس تفاعلاً إيجابياً كما يفترض منظور حوار الحضارات، ويستوى فى ذلك أنصار الحضارة الإسلامية مع مؤيدى الحضارة الغربية.

بالرغم من وجود رؤية عامة غير تفصيلية وأهداف طموحة لمشروع حوار الحضارات وفق الرؤية الإيرانية، إلا أنه يفتقد أجندة محددة للموضوعات التى ينبغى أن يدور حولها الحوار وتناقشها الرؤى المتباينة بين الحضارات للوصول إلى ما أسماه خاتمى “لغة مشتركة”. فما زال الخطاب الإيرانى فى هذا المجال لا يقدم جديدا نظريا يخترق به الدائرة المفرغة التى يدور فيها الجدل حول حوار الحضارات، فما زال يعانى من نفس نقاط ضعف خطاب حوار الحضارات على مستوى العالم وإن اتسم بنفس الطموح الكبير والمنطق الواعى المقنع. ولعل ما قدمه مفهوم حوار الحضارات لإيران من مكاسب سياسية وثقافية يفوق ما طرحه الخطاب الإيرانى من شئ مبتكر لمنظور حوار الحضارات عامة.

وبدا بعض التطوير عقب الحادى عشر من سبتمبر فى مزيد من التركيز على طرح مفهوم الديموقراطية الدينية باعتباره ممثلا للخبرة الإيرانية السياسية عقب الثورة ويرسم الرؤية الإيرانية تجاه أحد أهم قضايا الحوار الحضارى، والجديد أن كلا من المعسكر الإصلاحى بالإضافة إلى المعسكر المحافظ اشتركا فى رغبة قوية فى إبراز التجربة السياسية الإيرانية وما تقدمه من خصوصية فى التطبيق الديمقراطى كإسهام إيرانى أساسى فى سياق حوار الحضارات.

يقوم التوجه الإيرانى على مراعاة وحماية الحقوق الحضارية والثقافية للدول، ولذا فهى ترى أن التعددية الثقافية هى البديل الطبيعى عن الثقافة الواحدة. ويجب أيضاً عدم إغفال البعد السياسى فى حوار الحضارات، فالمسألة ليست ثقافية فقط بل أيضاً سياسية، ربما يتم استخدام أدوات ثقافية لتحقيق بعض المكاسب السياسية الإيرانية وهو حق مشروع لدولة طالما عانت من العزلة والاتهام بالتطرف والإرهاب، وكان هذا هو الرد الملائم ثقافيا وسياسيا على هذه الاتهامات فى هذه الظروف الدولية الخاصة جدا، فلقد كان المشروع الإيرانى لحوار الحضارات بمثابة دفاع ثقافى.

ومن أهم ما يمكن استنباطه من الخطاب الإيرانى أهمية الأبعاد السياسية لحوار الحضارات، فهى المتغيرات المستقلة التى ستحدد مصير حوار الحضارات. فغياب مناخ سياسى ملائم وتزايد درجة التوتر السياسى يؤدى إلى تعاظم درجة الشك بين الأطراف الحضارية المختلفة، خاصة إذا ما شهد العالم أزمة كبرى ترجع الكثير من الدوائر تفاقمها إلى التفاوت الحضارى واختلاف الرؤى الحضارية. فقد يواجه النظام الدولى مشكلة كبرى تختلف الدول ذات الخلفيات الحضارية المتباينة فى نظرتها للأسباب والحلول الملائمة لهذه الإشكالية؛ وهو الحادث على الساحة الدولية الآن حيث تتبنى الحضارة الإسلامية ممثلة فى كثير من دولها –منها إيران- فرضية ارتباط جهود القضاء على الإرهاب بالبحث الدولى عن العدالة، فى حين أن الغرب لا ينظر إلا من خلال هجومه المندفع على الإسلام والمسلمين مؤمنا بالقوة والعنف للقضاء على ما أسماه الإرهاب الدولى. وبذلك فنحن أمام رؤيتين مختلفتين: فالشرق يربط الإرهاب بالعدالة والغرب يربطه بالأمن ومن ورائه القوة.

تبقى الإشارة إلى طغيان العلاقة المتوترة بين الحضارة الإسلامية من جانب والحضارة الغربية من جانب آخر فغطت على أى اهتمام بالعلاقة بين الحضارات غير الغربية مع بعضها البعض والتفاعل فيما بينها، وذلك بالرغم من أن هانتنجتون عندما أطلق مفهومه عن صدام الحضارات أشار للحضارات الأخرى غير الغربية مثل الحضارة الصينية والهندوسية وغيرها، ولقد انجرفنا وراء تيار الأحداث الجارف وأغفلنا أهمية الحوار مع هذه الحضارات خاصة وأن نقاط الالتقاء بينها وبين الحضارة الإسلامية كثيرة وقادرة على إثراء حوار الحضارات فى مجموعه وربما تعيد بعضا من التوازن فى العلاقة الحضارية بين الإسلام والغرب.

باختصار قدمت إيران خبرة تعد من أوائل الخبرات الإسلامية التى استخدمت حوار الحضارات كمدخل رئيسى لعلاقاتها الخارجية، وبذلك فقد اعتمدت على اقتراب ثقافى فى تدعيم صورتها وتطوير مسلكها السياسى الخارجى. وإذا ما تم تلخيص الخبرة الإيرانية فيمكن تقسيمها إلى بعدين رئيسيين الأول خاص بالبعد النظرى الذى تم فى إطاره معالجة عدة مستويات: الشروط والأهداف والآليات والمنطلقات، أما البعد التطبيقى فيشمل حجم المتحقق على مستوى السياسات والمؤسسات ودرجة النجاح الإيرانى فى تحقيق المستهدف من هذا المشروع.

بالنسبة للبعد الأول فإنه على مستوى الأهداف تقوم الرؤية الإيرانية على تكوين لغة مشتركة بين الحضارات وليس إلى تشكيل ثقافة عالمية، بالإضافة إلى تدعيم السلام والتفاهم الدولى وإعلاء قيم الحرية والعدالة وتكريس الديموقراطية على المستوى الدولى، وتردد كثيرا فى هذا المجال مفهوم المجتمع المدنى الدولى والديموقراطية الدينية داخل الخطاب الإيرانى خاصة الرسمى منه. وانطلق البرنامج الإيرانى من الإيمان بالتفاعل الإيجابى فيما بين التعدديات الثقافية فى محاولة لتدعيم الوجه الإنسانى للعولمة، خاصة وأن هناك أزمة حضارية فى الغرب وفق المنظور الإيرانى ويقابلها أيضاً فراغ نظرى فى الحضارة الإسلامية. وبالتالى هناك احتياج متبادل؛ فالغرب يحتاج لتدعيم الأبعاد الروحية والشرق يحتاج إلى تحرير الدين والاستفادة من التكنولوجيا. ويقوم الحوار على الاستماع والاقتباس. كما يعترف الخطاب الإيرانى بأهمية الحوار الداخلى فى سياق كل حضارة، ومشاكل المسلمين تشير إلى الحاجة الماسة داخل سياق الحضارة الإسلامية.

وفيما يخص آليات التنفيذ وأدواته فإن البرنامج الإيرانى لحوار الحضارات يؤمن بدور المثقفين وتنظيمات المجتمع المدنى من منظمات غير حكومية، كما يركز على دور بعض  المنظمات الإقليمية والدولية مثل منظمة المؤتمر الإسلامى والأمم المتحدة.

أما على مستوى القضايا فإن الطرح الإيرانى ركز على قضايا حقوق الإنسان والديموقراطية والتفرقة ما بين الإرهاب والمقاومة. وجميعها قضايا يتم ربطها بخصوصية المنظور الإسلامى. فقضية الديموقراطية إنما تعلى فيها الديموقراطية الدينية، حيث يتم ربط النظام السياسى بالإسلام وليس فصله عنه. أما عند الحديث عن مقاومة الإرهاب فإن محور الجدل ينحصر فى ضرورة معالجة أسباب الإرهاب، ومن ثم تقوم الرؤية الإيرانية على تكريس العدالة مع التفرقة المستمرة بين الإرهاب والمقاومة والتى تحتل فيها المقاومة الفلسطينية مكانة أولى، ولذا تدعو إيران باستمرار إلى ضرورة تعريف الإرهاب من خلال مؤتمر دولى مثلها مثل المطالب المصرية. وداخل الخطاب الإيرانى الرسمى وغير الرسمى هناك قضايا خلافية من أهمها الموقف من الحوار مع الولايات المتحدة فى حين اجتمعوا على حاجة المسلمين الماسة لإجراء حوار داخلى فعالا.

بعد الحادى عشر من سبتمبر، لم يحدث تغيير كبير فى اتجاه وطبيعة الخطاب الإيرانى حول حوار الحضارات، وإنما زادت درجة التأكيد وتم اختيار بعض القضايا التى تم التركيز عليها مثل الموقف الغربى عامة والأمريكى خاصة من حوار الحضارات باعتبارها من الأطراف الرئيسية التى تعوق الانطلاق فى حوار الحضارات، وانعكس ذلك فى الرفض الإيرانى للتقسيم الأمريكى الجديد للعالم . كما تم التركيز على أهمية متغير الدين ولذا زاد الاهتمام المعطى للحوار بين الأديان وظهرت الدعوة لجبهة إسلامية مسيحية فى إطار من دعوة أشمل إلى تأسيس حملة دولية تحت قيادة الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب. كما عملت إيران على استغلال التباين داخل المعسكر الغربى لتوطيد الحوار مع الجانب الأوروبى لأنه الطرف الأكثر تقبلا للحوار.

أما فيما يخص البعد الثانى الرئيسى الخاص بمستويات السياسات والمؤسسات، فإنه من الملاحظ أن مؤسسة الرئاسة هى الجهة الحكومية الرئيسية الداعمة لهذا البرنامج، حيث يقدم له خاتمى دعما متواصلا ويسعى لتدعيم الخيار الإسلامى فى إطاره بمساعدة وزير الخارجية. ويلعب المركز الدولى لحوار الحضارات بطهران دور الآلية المؤسسية الإيرانية الرئيسية العاكسة للنشاط الإيرانى فى هذا المجال، وهذه المؤسسة لا تعد ساحة للأبحاث الأكاديمية فقط ومسرحاً لإسهام المثقفين، بل الأهم تعد إحدى الهيئات المشاركة فى الحوار أيضاً خاصة على مستوى الدوائر الثقافية والسياسية. كما تولى وزارة الخارجية أهمية كبرى لهذا البرنامج الذى كثيرا ما يشير إليه وزير الخارجية كمال خرازى فى أحاديثه وخطبه واستخدمته الخارجية الإيرانية خاصة فى المحافل الإسلامية والدولية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامى ومجموعة الـ77 لتقديم إيران فى صورة جديدة داعمة للحوار ونابذة للعنف والإرهاب بكافة سبله.

وفى النهاية لابد من الإشارة إلى ما أسهم به برنامج حوار الحضارات من تدعيم الصورة الدولية لإيران كدولة تتغير بشكل يرحب به العالم خاصة الغربى منه. ومن ثم فإن النجاح الإيرانى فى برنامج حوار الحضارات كان أكبر كآلية ناجحة من آليات السياسة الخارجية الإيرانية، فى حين أن حجم الإنجاز كان متواضعا على مستوى تطوير حوار الحضارات بشكل فعلى يسهم فى التقريب بين الحضارات المختلفة خاصة الغربية والإسلامية ويخفف من التوتر الصاعد فى النظام الدولى الحالى. وهذا القصور لا يقتصر على البرنامج الإيرانى فقط بل يمتد لكافة الجهود الدولية الأخرى، ومرجع ذلك فى الأساس إلى عدم توافر الظروف السياسية التى تسمح بتطوير حوار حضارى فعال ويمكن توظيفه توظيفا حقيقيا فى مجال العلاقات الدولية، فحتى الآن انحصرت الجهود الإيرانية مثلها مثل جميع الدول الأخرى فى الحديث عن الحوار الحضارى وليس الترقى إلى مستوى إجراء الحوار بالفعل.

 

الهوامش

(1) السيد يسين، حوار الحضارات وتأثيره على العلاقات المصرية الإيرانية، الندوة الثانية للعلاقات المصرية الإيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 21-22 يوليو 2001، ص13.

(2) Transcript of CNN`s interview with President Khatami, www.persia.org/khatami/s_khatami06.html

(3) Mehrzad Boroujerdi, op.cit, p157.

(4) Ibid, p wivjxv.

(5) Ibid, p159.

(6) Ibid, p162.

(7) محمود سريع القلم، ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية، اطلاعات سياسى واقتصادى العدد 163-164، مختارات إيرانية، العدد 15، أكتوبر 2001، ص57.

(8) تقييم للتحولات السياسية-الثقافية فى إيران: وجهة نظر أمريكية، كيهان، 2/6/2001، مختارات إيرانية، العدد 14، سبتمبر 2001، ص11-12.

(9) Mehrzad Boroujerdi, op.cit, p171.

(10) Ibid, p177.

(11) Ibid, p179.

(12) السيد يسين، مرجع سابق ، ص21.

(13) Speech Delivered by H.E. Dr. Kamal Kharrazi Minister of Foreign Affairs of the Islamic Republic of Iran on “Globalization and Dialogue Among Civilizations” at the Seminar on “Globalization and Pluralism” Held in Italy, p11, www.mfa.gov.ir/English/Html-Files/Bullettin-Iran-Review/February-2001-No-51.htm

(14) Supreme Leader’s Viewpoints on Cultural Onslaught, p1, www.islam-pure.de/imam/fatwas/misce.htm

(15) سيد حسين أمين، النظام الدولى والجمهورية الإسلامية الإيرانية، نامة بزوهش، العدد 12،13، مختارات إيرانية، العدد 10، مايو 2001، ص40.

(16) Transcript of CNN`s interview with President Khatami, p4. www.persia.org/khatami/s_khatami06.html

(17) Ibid, p4-5

(18) President Khatami`s speech at The United Nations General Assembly, p2-3, www.gov.ir/year2001/khatamiun.htm

(19) وليد عبد الناصر، خاتمى وحوار الحضارات، مختارات إيرانية، العدد 10، مايو 2001، ص66.

(20) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p6, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(21) وليد عبد الناصر، مرجع سابق ، ص67.

(22) محمد خاتمى، المشهد الثقافى فى إيران: مخاوف وآمال، دار الجديد، 1997، ص123.

(23) Speech Delivered by H.E. Dr. Kamal Kharrazi Minister of Foreign Affairs of the Islamic Republic of Iran on “Globalization and Dialogue Among Civilizations”, op.cit, p12

(24) وليد عبد الناصر، مرجع السابق ، ص67.

(25) Dialogue among civilizations, Explanatory memorandum for additional item on the agenda of the fifty-third session, general assembly, United Nations, 8 October 1998, p1, gopher.un.org/00/ga/docs/53/plenary/a53–233.en

(26) إعلان طهران بشأن الحوار بين الحضارات الصادر عن الندوة الإسلامية للحوار بين الحضارات التى عقدت فى طهران فى الفترة من 2 إلى 5 مايو 1999، ص6.

(27) المرجع السابق ، ص6.

(28) الحوار بين الحضارات: نموذج جديد، المرجع السابق ، ص142.

(29) وليد عبد الناصر، مرجع سابق ، ص66.

(30) السيد يسين، مرجع سابق ، ص8.

(31) Dr, Karrazi interview with I.R.I.B Khabbar Newsnet, 26 August 2002, p2. www.mfa.gov.ir/news/index.htm

(32) محمد عبد العاطى، إيران الثورة والدولة، ص9،

www.aljazeera.net/in-depth/Iran_file/20001/4/4-30-1.htm

(33) Shahrzad Mojab, “Muslim” women and “western” feminists: the debate on particulars and universals, Monthly Review, December 1998, p1-2, www.findarticles.com/cf_0/m1132/7_50/53590414/print.jhtml

(34) Iranian president Khatami to religious Leaders at Episcopal Cathedral of St. John the divine: take back language of belief from “Decadent” terrorists, PR Newswire, November 14, 2001, p2, www.findarticles.com/cf_0/m4PRN/2001_Nov_14/80066963/print.jhtml

(35) Ayatollah Khamenei`s speech addressing a group of workers, 20th April 1997, p19, ,

www.islam-pure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(36) سيد حسين أمين، مرجع سابق ، ص39.

(37) قراءات ديموقراطية للإسلام فى إيران والشرق الأوسط (حلقة نقاش)، Discourse, Volume 2, No3, Winter 2001, Center for Scientific Research and Middle East Strategic Studies، مختارات إيرانية، العدد الثانى عشر، يوليو 2001، ص 42-43.

(38) المرجع السابق، ص40-41.

(39) Leader underlines need to promote religious democracy, (11.11.2001), p3,www.islampure.de/imam/news/news2001/nov2001.htm

(40) Leader receives students, elaborates on process of democracy. (3.11.2001),  www.islam-pure.de/imam/news/news2001/nov2001.htm

(41) محمد السعيد جمال الدين، حوار الحضارات فى الخطاب السياسى الإيرانى، مختارات إيرانية، العدد 10، ص63.

(42) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p1-2, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(43) محمد السعيد جمال الدين، حوار الحضارات فى الخطاب السياسى الإيرانى، مختارات إيرانية، العدد 10، ص63.

(44) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p6, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(45) المرجع السابق ، ص62.

(46) محمد خاتمى، المشهد الثقافى فى إيران: مخاوف وآمال، مرجع سابق ، ص126

(47) المرجع السابق ، ص154.

(48) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p3-4, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(49) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p5, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(50) وليد عبد الناصر، مرجع سابق، ص62.

(51) محمد خاتمى، مرجع سابق ، ص115.

(52) المرجع السابق ، ص150.

(53) President Khatami`s speech at The United Nations General Assembly, p4, www.gov.ir/year2001/khatamiun.htm

(54) Ibid, p6.

(55) محمد خاتمى، مرجع سابق ، ص159.

(56) وليد عبد الناصر، مرجع سابق ، ص65.

(57) المرجع السابق ، ص65.

(58) President Khatami`s speech at The United Nations General Assembly,, op.cit, p2.

(59) Ibid, p5-6.

(60) وليد عبد الناصر، مرجع سابق ، ص67.

(61) محمد خاتمى، مرجع سابق ، ص154-155.

(62) المرجع السابق ، ص157.

(63) المرجع السابق ، ص158.

(64) Transcript of CNN`s interview with President Khatami, op.cit, p8.

(65) Speech of the Eminent Leader Grand Ayatollah Seyyid Ali Khamene`I at the Opening Ceremony of the 8th Summit Meeting, Teheran, 9th December 1997, p3, www.islampure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(66) Ibid,, p5.

(67) Ibid, p5.

(68) Ibid, p7.

(69) Imam Khamenei`s message on the occasion of Hajj, 8/4/1997,  www.islam-pure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(70) All-out Efforts Needed to Thwart Cultural Invasion, Tehran times.com, Monday, January 26, 1998, p1, 213.166.26.12/Detailview.asp?Keywords=khamenei&Da=1/26/98&Cat=10&Num=2

(71)  Mohajerani, Dialogue among civilizations highly effective in rebuilding Iran’s global image, Tehran, January 4, 2002, p2,

www.dialoguecentre.org/news%20detail%206.htm

(72) Ayatollah Khamenei`s speech addressing a group of workers, 20th April 1997, p21, , www.islampure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(73) Ibid, p22.

(74) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p6, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(75) Ayatollah Khamenei`s speaking in Bander Abbas to the troops taking part in the exercises, 23/4/1997, p25,

www.islam-pure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(76) محمد السعيد جمال الدين، مرجع سابق ، ص62.

(77) www.news.irb.com/full_ar.asp?news_ld+141562

(78) Dialogue among civilizations, Explanatory memorandum for additional item on the agenda of the fifty-third session, general assembly, United Nations, 8 October 1998, p2, gopher.un.org/00/ga/docs/53/plenary/a53–233.en

(79) محمد السعيد جمال الدين، المرجع السابق ، ص61.

(80) Iranian Foreign Ministers Delivers a  Lecture in Gathering of Greek Thinkers, March 7, 2001, www.mfa.gov.ir/English/Htmml-Files/Viewpoints/International/Social…/Dialog-18.ht

(81) Dr. Khrarrazi Visits Ein Shams University in Cairo, February 25,2001, www.mfa.gov.ir/English/Html-Files/Viewpoints/Regional/Arab-Afri…/Egypt-14.ht

(82) Second Parliamentary Seminar Held in Tehran on Four Ancient Civilizations of Iran, Italy, Greece, and Egypt, p1-2,

www.dre-mfa.gov.ir/eng/01_news_09.html

(83) Dialogue among Civilizations Should be Turned into a Paradigm of the Century, p27, www.mfa.gov.ir/English/Html-Files/Bullettin-Iran-Review/February-2001-No-51.htm

(84) Mohajerani, Dialogue among civilizations highly effective in rebuilding Iran’s global image, op.cit, Tehran, January 4, 2002, p2.

(85)  محمد السعيد جمال الدين، المرجع السابق ، ص61.

(86) وليد عبد الناصر، المرجع السابق ، ص66.

(87) About ICDAC, p1, www.dialoguecenter.org/about.html

(88) www.dialoguecenter.org/.html

(89) وزير الثقافة/حوار الحضارات، 12/11/2001، . www.news.irib.com/Full_ar.asp?news_id=139444

(90) عطاء الله مهاجرانى، الأحداث الأمريكية الأخيرة نتيجة لغياب حوار الحضارات، همشرى 15/10/2001، مختارات إيرانية، نوفمبر 2001، ص37.

(91) محمد السعيد إدريس، حرب أمريكا ضد الإرهاب وصراع المصالح فى قلب آسيا، مختارات إيرانية، العدد 15، أكتوبر 2001، ص5

(92) Iran’s Supreme Leader called the fight against terrorism as necessary and an act of Jihad, (26.9.2001),

www.islam-pure.de/imam/news/news2001/sep2001.htm

(93) Leader calls for serious campaign against terrorism, (26.9.2001)),

www.islam-pure.de/imam/news/news2001/sep2001.htm

(94) خرازى/حوار الحضارات، 17/11/2001، www.news.irib.com/Full_ar.asp?news_id=139701

(95) Gill Donovan, Iranian leader phones pope on terrorism crisis, National Catholic Reporter, 19 October 2001, p1, www.findarticles.c../article.jhtml?term=iranian=dialogue=among=civilization

(96)  Iranian president Khatami to religious Leaders at Episcopal Cathedral of St. John the divine: take back language of belief from “Decadent” terrorists, PR Newswire, November 14, 2001, p1-2, www.findarticles.com/cf_0/m4PRN/2001_Nov_14/80066963/print.jhtml

(97) Khatami warns hasty actions may  lead to expansion of terrorism, United Nations, Nov 12, 2001, p13, www.dialoguecentre.org/news%20detail%206.htm

(98) Iranian President Khatami, Religious Leaders to explore role of religion in “Dialogue Among Civilizations”, PR Newswire, Nov 9, 2001, p1, www.findarticles.com/cf_0/m4PRN/2001_Nov_9/79904513/print.html

(99)  Khatami warns hasty actions may  lead to expansion of terrorism, op.cit, p13.

(100) Khatami urges world peace coalition based on justice, Seton Hall University, New York, Nov 10, 2001, p2, , www.dialoguecentre.org/news%20detail%205.htm

(101) “Time to disarm the angry politicians”, Khatami declares in United Nations, Nov 11, 2001, p3-4, www.dialoguecentre.org/news%20detail%205.htm

(102) Iranian president condemns September 11 attacks, CNN, November 12, 2001, p4, www.cnn.com/2001/WORLD/meast/11/12/khatami.interview.cnna/index.html

(103) إعلان طهران المتعلق بالبيئة والدين والثقافة، الجمعية العامة، الأمم المتحدة، 9 أكتوبر 2001، ملف وثائقى عن الحوار بين الحضارات (وثائق الأمم المتحدة)، ص193

(104) EU supports President Khatami`s initiative on dialogue, Brussels, Nov 14, 2001, p11,

www.dialoguecentre.org/news%20detail%206.htm

(105)  Dr. Kharazi press conference, September  2002, p1. www,mfa.gov.htm

(106) Dr, Kharazi`s interview with Persian daily Hamshari, August 24, 2002, p2, www.mfa.gov.ir/news/htm

(107)  Dr, Kharrazi: Cultural diplomacy paves the way for promotion of ties with other countries, August 20, 2002, p1, www.mfa.gov.ir/news.htm

,, p5.

(67) Ibid, p5.

(68) Ibid, p7.

(69) Imam Khamenei`s message on the occasion of Hajj, 8/4/1997,  www.islam-pure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(70) All-out Efforts Needed to Thwart Cultural Invasion, Tehran times.com, Monday, January 26, 1998, p1, 213.166.26.12/Detailview.asp?Keywords=khamenei&Da=1/26/98&Cat=10&Num=2

(71)  Mohajerani, Dialogue among civilizations highly effective in rebuilding Iran’s global image, Tehran, January 4, 2002, p2,

www.dialoguecentre.org/news%20detail%206.htm

(72) Ayatollah Khamenei`s speech addressing a group of workers, 20th April 1997, p21, , www.islampure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(73) Ibid, p22.

(74) Full text of President Khatami`s speech at Florence University, p6, www.persia.org/khatami/s_floruni.html

(75) Ayatollah Khamenei`s speaking in Bander Abbas to the troops taking part in the exercises, 23/4/1997, p25,

www.islam-pure.de/imam/speeches/speech1997.htm

(76) محمد السعيد جمال الدين، مرجع سابق ، ص62.

(77) www.news.irb.com/full_ar.asp?news_ld+141562

(78) Dialogue among civilizations, Explanatory memorandum for additional item on the agenda of the fifty-third session, general assembly, United Nations, 8 October 1998, p2, gopher.un.org/00/ga/docs/53/plenary/a53–233.en

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر