أبحاث

تقويم الربا

العدد 25

بعد استعراض وضع الربا داخل المراحل المتعاقبة للفكر اقتصادي, وبيان موقف الشريعة الاسلامية منه, يأتى الباحث الى مهمة تقويم الربا.

ومن المعلوم أن للربا آثارة في كافة نواحى الحياة, اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وخلقيا. على أنه يكون منطقيا أن يقتصر الباحث, على التقويم الاقتصادى للربا. أى دراسة الآثار الاقتصادية للربا.

ويرى الباحث أن التقويم الاقتصادى الأمثل للربا ينبغى أن يستخدم منهجين, هما:

–         منهج التحليل الساكن ( الاستاتيكى), حيث ينصب البحث على دراسة الآثار الاقتصادية للربا, مع افتراض ثبات الوضع الراهن للبنيان الاقتصادى. وهنا تتصرف الدراسة الى بيان آثار اربا على مختلف انواع القروض.

–         منهج التحليل الحركى (الدينامكى ), حيث ينصب البحث على دراسة آثار الربا على معدل النمو الاقتصادى.

وفى ظل الاقتصادات المعاصرة, تنقسم دول العالم الى دول متقدمة, وأخرى آخذة في النمو, ومن ثم يتجه الباحث الى دراسة آثار الربا على التقدم والنمو الاقتصاديين في كلتا الطائفتين من الدول.

على أن هناك كلمة لابد أن تتصدر أية مناقشة يراد بها تقويم الربا.

فالكارثة التى تمت في العصر الحديث هى أن المرابين, الذين كانوا يتمثلون في الماضى في صورة أشخاص الصيارفة والبيوتات المالية, كما يتمثلون في الحاضر, في صورة مؤسي المصارف العصرية, وقد استطاعوا, بسبب تركيز السلطة الحقيقة والنفوذ العملى باخل المجتمعات في أيديهم, وبسبب ما لديهم من سلطات هائلة داخل أجهزة الحكم القومية والعالمية, وبما يملكون من وسائل التوجية والاعلان في داخل الدول سواء في ذلك الصحف والكتب والجامعات والأساتذة ومحطات الارسال ودور السينما وغيرها, أن ينشئوا اقتناعا عاما بين كافة البشر, مؤداه أن الربا هو النظام الطبيعى المعقول. وبذلك تكونت لدى الأفراد, في كل المجتمعات, عقلية عامة خاضعة لهذا الايحاء الخبيث, حيث تسلم بأن الربا هو المحرك الصحيح, الذى لا محرك غيره للنمو الاقتصادى. وأنه بفضل الربا كان هذا التقدم الحضارى الذى حققته دول الغرب وأن الذين يريدون ابطال التعامل الربوى انما هم جماعة من الحالين الخياليين غير العمليين, حيث يتعمدون في نظريتهم هذه على مجرد مبادئ أخلاقية وآراء مثالية لا سند لها من الواقع. وهي كفيلة, لوطبقت, بافساد النظام الاقتصادى كله.

وأصبحت العادة المألوفة أن يتعرض الذين ينقدون النظام الربوى للسخرية والاستخفاف من جانب الافراد الذين هم, في حقيقة الأمر, ضحايا لهذا النظام ذاته.

كذلك فان البحث في تقويم الربا, انما يعتبر, عند علماء الغرب, اعتبارا من القرن التاسع عشر, والى الآن, ترفا تاريخيا, أو رفاهية فكرية, أو بقية من التعصب الأعمى(1).

الحق أنه ينبغى أن  يكون واضحا أن سيادة مثل هذا الاتجاه, والاعتقاد فيه بصورة تامة, هو مما يزيد مهمة الباحث, المقوم للربا, تعقيدا على تعقيد, وصعوبة فوق صعوبة.

المبحث الأول

تقويم الربا اقتصاديا باستخدام منهج التحليل الساكن

(آثار الربا على القروض)

يحدث غالب الربا في المجتمع المعاصر بمناسبة عقود الاقراض.

والقروض على أنواع, فمنها ما يأخذه المحتاجون لمواجهة حاجاتهم الاستهلاكية, ومنها ما يحصل عليه رجال الاعمال, لتوظيفة في المشروعات الاقتصادية. وأخيرا تاتى القروض العامة, وهى في جانبها الاختيارى دون الاجبارى, ذلك أن الجانب الأول هو المتصل بالربا, تنقسم بدورها اى قروض محلية تحصل عليها الحكومات من الأفراد المقيمين بأقليم الدولة, وقروض أجنبية تحصل عليها الحكوماتمن الأفراد والهيئات والحكومات في الخارج.

(1) القروض الاستهلاكية

(قروض ذوى الحاجات)

وهي الميدان الاصيل للربا. حيث تعتبر هذه القروض أساس مهنة المرابى

(Money Lending Business). والمراباة  في هذه القروض آفة عالمية لم تسلم من شرها اية دولة في العالم كله, حيث لم تهتم للآن, غالبية الحكومات بتهيئة الظروف التى ينال فيها الفقراء والمحتاجون القروض بسهولة عند الشدائد والطوارئ. في الوقت الذى تقوم فيه المصارف التجارية بالاقراض تحت شروط صعبة, واجراءت ومتطلبات معقدة, فتكون النتيجة أن يلجا المحتاجون الى المرابين بدافع الضرورة. وكل من وقع في شرك المرابى مرة لا يكاد يفلت منه طوال حياته, بل لا يزال الأبناء والأحفاد يتوارثون عنه هذا العبء, ولا يتخلصون منه حتى بعد ما يؤدون عليه من الربا ما هو أكثر من رأس المال بمرات عديدة.

وسعر الربا الرسمى المشروع والمقرر في بريطانيا للقرض الربوى 48% سنويا. حيث يجوز للدائن أن يتقاضاه المدين بالمحاكمة. وأما السعر العملى الذى يجرى به التعامل الربوى فعلا في السوق فانه يتراوح بين 250% – 400% سنويا. بل لقد تمت بعض المعاملات الربوية بسعر 1200% الى 1300% سنويا(1). كما أن سعر الربا الرسمى المسموح به للمرابى في الولايات المتحدة الامريكية يترواح بين 30% – 60% سنويا, ولكن المعاملات الربوية الفعلية انما تتم بأسعار أكبر من هذا يكثير. حيث تتراوح الأسعار الفعلية للقروض الربوية بين 100% – 260%سنويا. بل قد يرتفع هذا السعر أحيانا الى 480%سنويا.

وفى الهند, السعر الرسمى للأقراض الربوى هو كمثلية في بريطانيا 48%, ولكن المعاملات الربوية الفعلية تتم عملا بسعر ربوى مقداره 75% على الاقل, ويرتفع الى 150%سنويا, بل تتم بعض المعاملات الربوية فعلا بسعر يتراوح بين 300% – 350% في بعض الأحيان(2).

ومضار هذا النوع من الاقراض الربوى واضحة جلية. ذلك أن المرابى انما يستولى على الشطر الاكبر من كسب  ذوى الحاجه منخفضى الدخل, وهم غالبا من العمال , حتى أنهم لا يجدون بعد ذلك من النقود مايقيمون به أودهم هم وذويهم, بعد أن يكونوا قد انفقوا بياض نهارهم ووصلوه بسواده ليلهم في بذل عرق الجبين من أجل تحصيل الرزق الذى ينهبه المرابى بواسطة كسله وقعوده عن العمل. ويترتب على ذلك أن تصير أخلاق هؤلاء المساكين الى الفساد, وينحرفون الى ارتكاب الجرائم واقتراف الآثام, كما ينحط مستوى معيشتهم ومستوى تعليم وتربية أبنائهم, وبذلك تنتشر مخاطر الآحقاد الطبقية. كما يصاب العمال بسوء التغذية بما يترتب على ذلك من انخفاض انتاجيتهم, وبذلك يلحق الضرر بالانتاج القومى, وحيث يعجز العمال عن تعليم أبنائهم بسبب انخفاض دخولهم واستيلاء المرابيين على معظمها فان هذا يؤدى الى انتشار الجهل بكل اضراره الاجتماعية والاقتصادية المعروفة.

وبدلا من ان تبذل المجتمعات الانسانية المستحضرة الجهود من اجل مكافحة هؤلاء المرابين الذين يلحقون بالصالح العام أفدح الأصرار, وجدنا, وعلى العكس من ذلك, نظم البوليس والقضاء في الجماعات الراقية لا تنال الا المساكين من المدينين, حيث تعتصر المحاكم, باسم العدالة, من دمائهم ما يكون المرابى, مصاص الدماء, وقد عجز عن ان يعتصره بنفسه.

كذلك فمن أضرار هذا النوع من القروض الربوية, أن المرابى يسلب آخر ما يبقى عند الطبقات الفقيرة من القوة الشرائية, بما يعنيه ذلك من انخفاض الطلب الكلى الفعال, وخلق أزمات قصور الاستهلاك, وما ينجم عنها م توقف عجلات الانتاج وشيوع البطالة, بما يعرقل النمو الاقتصادى المتواصل للمجتمع.

(2) القروض الانتاجية

وهى القروض التى يعقدها الصناع والرزاع والتجار لاستخدامها في تمويل نشاطهم الاقتصادى, بسبب قصور مواردهم الذاتية عن توفير المبالغ الكافية للاستثمار المرغوب فيه.

ومضار هذه القروض الربوية بينه:

فاولا: معلوم أنه مما تقتضية مصلحة الأنشطة الاقتصادية المختلفة من زراعة وتجارة وصناعة, أن يكون المشتركون فيها لهم رغبات وأهداف ومصالح متالفة متحدة, تتجه الى ترقية هذه الانشطة وتقد مها.

ولايتحقق ذلك الا باشتراك جميع أطراف النشاط الواحد في اقتسام عائد هذا النشاط من الربح أوالخسارة, حتى يعمل الكل كفريق واحد في جلب الربح وتجنب الخسارة. ولكن النظام الربوى يتيح لأصحاب الأموال ان يستغلوا ثروتهم في هذه الأنشطة الاقتصادية لا كشركاء في الربح والخسارة, وانما من حيث هم دائنون لهذه الأنشطة, حيث يحصلون على الربا على قروضهم دوريا, وبصفة منتظمة, وبصورة ثابته مضمونه ويقينية. ومن ثم فان المرابى لا يهمه في كثير أو قليل هل ربح المشروع المدين أو خسر, ولا يهمه كذلك ترقية مستوى الانتاجية في المشروع أو تحسين أدائه, طالما أن رباه يقينى وأصل قرضه مضمون وهو لا يحرك ساكنا الا اذا شعر بأن المشروع انما اقترب من حد الافلاس. فلا نراه يسعى لانقاذ المشروع وتشجيعه على الصمود والاستمرار, بل عكس ذلك نراه!,اذ يسعى المرابى لاستراداد ماله من الفتات الباقى

 لصاحب المشروع المنكوب. وهذا الاسلوب الخاطئ لتثمير الأموال بواسطة الاقراض الربوى قد أقام العلاقة بين رأس المال والأنشطة الاقتصادية الحقيقة المنتجة للثروة على أساس العداوة والبغضاء والتناحربما يلحق بالغ الضرر بالرقي الاقتصادى للجماعه, ويؤدى الى تخلف الأنشطة الاقتصادية بها.

ثانيا: والضرر الثانى انما يتمثل في أن هذه القروض الربوية هي السبب في حدوث التقلبات الدورية ( الدورات الاقتصادية ). ذلك أن قيام النشاط الاقتصادى على الاساس الربوى, قد جعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين أرباب الأعمال علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة.

اذ أن المرابى, وهو يجتهد في الحصول على أكبر فائدة, يمسك المال حتى ينخفض عرض القروض, وتشتد حاجة الأنشطة الاقتصادية اليها, ومن ثم يرتفع سعر الفائدة, ويستمر فى الارتفاع حتى يجد أرباب الأعمال أنه لا نفع لهم من استخدام هذا المال, لأنه لا يعود عليهم بما يوفون منه فوائده الربوية, فضلا عن ان يتبقى لهم من الكسب شيئا مذكورا.

وعندئذ ينكمش حجم النشاط الاقتصادى, وتتوقف بعض المؤسسات الاقتصادية بينما تخفض المؤسسات المستمرة حجم انتاجها, وتتعطل بذلك أعداد ضخمة من العمال, ومن ثم تنخفض القوة الشرائية للسكان وعندما يصل الأمر الى هذا السوء, ويجد المرابون أن الطلب على الاقتراض قد نقص أو توقف, فانهم يعودون الى خفض سعر الفائدة اضطرار, فيندفع المستثمرون في الاقتراض, وتتسع دائرة النشاط الاقتصادى ويزداد عرض السلع فى الأسواق, وتعود دورة الحياة الى الرخاء. وهكذا دواليك. الظاهر من هذا أن النظام الربوى قد جعل سعر الفائدة يرتفع مرة, وينخفض مرة أخرى على نحو ما يحدث في القمار أو الميسر.

ثالثا: والضرر الثالث ينصرف الى أن كل أفراد الجماعه انما بؤدون ضربية غير مباشرة للمرابين, ذلك أن أرباب الأعمال لا يدفعون فائدة الأموال التى يقترضونها بالربا الا من جيوب المستهلكين. فهم ينقلون عبء الربا الى المستهلك عن طريق أثمان السلع الاستهلاكية(1), فيتوزع عبء الربا على كل أفراد الجماعه ليحصل عليه المرابون في النهاية, كثمن لتقاعسهم.

رابعا: والضرر الرابعللقروض الربوية الانتاجية يتمثل في أنها لا تتجه الى الأعمال بحسب منفعتها الاقتصادية الحقيقية بالنسبة للجماعه بأسرها, انما تسلك طريقا الى اكثر أوجه الاستثمار جلبا للربح, ولو علي حساب مصلحة الجماعه ذاتها. وهذا الواقع هو المسئول عن استثمار المال فى الافلام المبتذلة وعلب الليل, سائر المهن التى تحقق الربح الوفير الرخيص عن طريق تحطيم أخلاق البشرية باستثارة أحط الغرائز وأقذر الميول.

خامسا: والضرر الخامس يتمثل في أن اصحاب الأموال من المرابين يرفضون أن يقرضوا أرباب الأعمال لأجل طويل, لانهم, من ناحية, لا يريدون ان تخلو أيديهم أبدا من قدر كبير من الأموال ليستغلوه في المضاربة. كلما سنحت الفرصة. ثم انهم, من ناحية أخرى, يعلمون أنه اذا ارتفع سعر الربا في السوق, فيما بعد, فانهم سيخسرون لما يكونون قد اقرضوا من أموالهم لأجل طويل من قبل.

وخلاصة هذا كله أن يرغم أرباب الأعمال على سلوك طريق ضيق النظر, بسبب أن الأموال المقرضة لهم ذات طبيعة قصيرة الأجل. وبناء عليه. فانهم يكتفون بالقيام بأعمال مؤقتة ومحدودة النطاق وسريعة الربح, بدلا من أن يصرفوا جهودهم نحو الأعمال المفيدة للمصلحة العامة والتى تتطلب استثمارات عظيمة لآجال طويلة.

سادسا: والضرر السادس للربا في مجال القروض الانتاجية انما يظهر بصدد القروض الانتاجية الطويلة الأجل. ذلك أن هذه القروض يظهر بصدد القروض الانتاجية الطويلة الأجل. ذلك أن هذه القروض انما تمنح لآجال طويلة, قد تمتد الى عشرة او عشرين أو ثلاثين سنة, وهي تتم عادة بسعر الربا الجارى عند عقد القرض. وبما أن طرفى العقد لا يستطيعان التنبؤ مقدما بما سيكون عليه من الربح الناجم عن استثمار هذا القرض طول أجله, بما ليس هناك ما يضمن أن هذا الربح سوف يكون ثابتا طول مدة استخدام القرض, يترتب على هذا أنه اذا انخفض ربح المشروع المستثمر للقرض, في فترة من الفترات, عن  المعدل المتوقع بسبب انخفاض أثمان المنتجات أو قلة تصريفهما مثلا, فانه يتعين على هذا المشروع أن يسلك احدى سبيلين: أما الافلاس: او التوقف واما أن يلجا الىحيل غير مشروعه لجلب مزيد من الأرباح, وهو ما يضر بالمصلحة القومية للجماعه.

(3) القروض الحكومية الداخلية

وهى, كما تقدم, تنقسم الى قروض ذات أغراض مثمرة, وهى القروض التى تستخدمها الحكومة للقيام بالمشروعات المثمرة, كالسكك الحديدية وشق الترع ورصف الطرق وكهربة الريف والعناية بالصحة العامة…. وقروض ذات أغراض غير مثمرة, حيث يستخدم القرض للانفاق الاستهلاكى للحكومة, بسبب اتساع فرص الضياع الاقتصادى في الانفاق العام لسوء الادارة الحكومية.

أ- القروض العامة الاستهلاكية

وهى القروض التى تعقدها الحكومات مع المقيمين في اقليم الدولة بهدف مقابلة احتياجات الانفاق العام الجارى. ومضار الربا بالنسبة لهذا النوع من القروض هى نفس المضار التى وردت فيما تقدم متعلقة بالقروض الاستهلاكية لذوى الحاجات بل وزيادة. فمؤدى هذه القروض ان ثمة رجلا قد كفله المجتمع ورعاه حتى أصبح قادرا على الكسب, ثم دافع عنه وحماه بواسطة البوليس والقضاء, وقدمت له السلطات المدينة والسياسية جميع الخدمات التى تيسر له أن يكسب معاشه وهو آمن وادع, فتنكر الرجل للجميل, وقابل النعمة بالجحود, والجميل بالنكران, وأبى أن بقرض مجتمعه بالربا. وما أبشع هذا الموقف عندما تتعرض البلاد للحرب, حيث يقدم كافة أفراد المجتمع على بذل دمائهم والتضحية بأروحهم, فداء لوطنهم, الا هذا المرابى, فانه يرفضون أن يقدم ماله الابالربا. وبذل المال هو أقل ما يجب فعله في هذه الظروف.

ومؤدى الربا على هذه القروض أن رعايا الدولة هم الذين يتحملون بذلة للمرابى. ذلك أن الحكومات انما تضطر الى زيادة عبء الضرائب المختلفة, لتسدد منها القروض العامة ورباها, وبذلك يشترك كل فرد في دفع هذه الجزية للمرابين في نهاية المطاف.

ب- القروض العامة الانتاجية

وتعقد هذه القروض حيث تستخدم الحكومات حصيلة القرض المحلى في انشاء المشروعات العامة الانتاجية رعاية للصالح القومى.

ومثالب الربا في هذه القروض هى نفسها البادية في غيرها من القروض. واكثر منها. ذلك أن هذه القروض انما تكون في الغالب لآجال طويلة, ولما كانت الحكومات, عند عقد هذه القروض, لا تكون على علم بما سيطرا على أحوال البلاد الداخلية والشئون الدولية الخارجية من التطورات والأحداث, فان سداد هذه القروض يجعل الحكومة المدينة بها في وضع حرج اذ يعرضها للأزمات المالية, وهو ما يثقل كاهل الميزانية الحكومية, ويبدد حصيلة الضرائب لصالح حفنة قليلة من المرابين المتبطلبين.

ثم أن الحكومة, وهى تتقترض بالربا لاقامة المشروعات العامة, انما تضع في اعتبارها الا تنفق حصلية هذه القروض في انشاء مشروعات تعود عليها بربح دون مستوى الفوائد الربوية التى يتعين دفعها لأصحاب القروض(1). ومن ثم فاستصلاح الأراضى القاحلة, وبناء المدن ورصف الطرق وانشاء الكبارى وشق الترع ومد شبكات الكهرباء وأنابيب المياه العذبة واقامة المستشفيات العامة…. وكلها مشروعات ذات نفع اجتماعى بارز, لا تستطيع الحكومة أن تتصدى للقيام بها باستعمال أسلوب الاقتراض الربوى, طالما كانت هذه المشروعات قليلة أو منعدمة العائد, بما لا يكفى لتغطية أعباء القرض الربوى وفوائده.

ولا يخفى أنه حيث تقترض الحكومة بالربا لاقامة المشروعات العامة, فان عامة أهالى البلاد هم الذين يتحملون عبء القرض ورباه, وذلك بالتجاء الحكومة لزيادة عبء الاستقطاع الضريبى على كاهل الشعب لصالح مجموعة قليلة من المرابين. وينتهى هذا النظام الى تركيز السلطة الحقيقة والنفوذ الفعلى في المجتمع في أيدى هذه القلة التى تداين الناس أفراد كما تداين الحكومة كذلك.

ويضرب الباحث لذلك مثالا بحالة ما اذا قررت الحكومة اقامة مشروع كبير للرى, وتمويلة بالاقتراض الداخلى ربويا. لاشك أن الحكومة عند سداد اقساط أصل القرض الربوى وفوائده, سوف تلقى بهذا العبء على الفلاحين الذين ينتفعون بهذا المشروع. على أن الأمر لن يقف عند هذا الحد.ذلك أن الفلاحين  لن يتركوا عبء هذا الربا يقع على كواهلهم بل سوف يتخلصون منه بالقائه على اكتاف عامة أفراد الشعب المستهلكين للحاصلات الزراعية التى تنتجها أراضيهم. عن طريق رفع أثمان بيع هذه الحاصلات. ويتمكن الفلاحون من ذلك بسبب انخافض مرونة الطلب على السلع الغذائية عموما(1). وتنتهى الصورة في جملتها الى أن تجرى الثروة في الاقتصاد القومى من الفقراء الى الاغنياء, مع أن الذى يقتضيه صالح الجماعة هو أن يكون جريان الثروة من الأغنياء الى الفقراء.

(4) القروض الأجنبية

وهذه القروض تلجا اليها الحكومات عامة في الظروف الاستثنائية التى تجتاح بلادها كما في أحوال الأزمات الاقتصادية, وفى أعقاب الحروب الطاحنة, حيث تعجز موارد البلاد الذاتية عن مواجهة هذه الظروف, فتتجه الحكومات الي الاقتراض من الخارج, طمعا في التغلب على ظروف الأزمة أو ازالة ما ترتب على الحروب من تدمير وخراب, بمعدل أسرع مما استكفت بمواردها الذاتية في هذا المجال.

وتتخذ القروض الأجنبية أشكال انسياب رؤوس الأموال الخاصة في صورة الاستثمار المباشر وغير المباشر ثم المعاملات الثنائية الحكومية, وأخيرا قروض المنظمات الدولية.

وتتم القروض الأجنبية عموما بسعر ربوى يتراوح بين 6% و10% (2).

وهذا النوع من القروض الربوية يحمل في ذاته جميع مفاسد ومضار الربا في كافة أنواع القروض. بل أن القروض الربوية الدولية هى أشد خطرا وأكثر ضررا على الانسانية قاطبة, حيث لا يخفى ما يترتب على شيوع المعاملات الربوية في العلاقات الدولية من انتشار روح العدواة والبغضاء والمرارة بين شعوب العالم, بما يهئ السبيل لنشوب الحروب الطاحنة.

وأمامنا, بهذا الصدد, التجارب الدولية المستخلصة من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فهى وحدها كافية. فى أعقاب الحرب طلبت بريطانيا من الولايات المتحدة, أثناء المباحثات التى تضمنها مؤتمر (( بريتون – ووذر )), أن تقرضها قرضا طويل الأجل, بدون فوائد لاستعماله في بناء ما دمرته الحرب, واستعادة بناء الجهاز الانتاجى الانجليزى الذى تدمر معظمه في غمار الحرب. ولكن اولايات المتحدة ما رضيت بذلك, وأبت أن تقرض حليفتها الابالربا.

واضطرت بريطانيا بدافع المشكلات الطاحنة المختلفة عن الحرب أن ترضي كرها بأداء الربا. ولكن الموقف  الامريكي قد ترك كثيرا من الغضب والسخط فى نفوس الانجليز تجاه الأمريكان.

فهذا هو اللورد (( كينز )) وهو الممثل للجانب الانجليزى في مؤتمر(( بريتون – وودز)) يخطب في (( مجلس الشيوخ )) البريطانى, بعد عودته من أمريكا, قائلا (( لا أستطيع أن أنسى أبد الدهر, ذلك الحزن الشديد والألم المرير الذى لحق بي من معاملة الولايات المتحدة ايانا في هذه الاتفاقية. فانها أن تقرضنا شيئا الا بالربا)).

وكان مما قال مستر (( تشرشل)) وهو ممن لا يخفى حبهم لأمريكا وميلهم اليها, (( أنى لأتوجس خلال هذا السلوك العجيب المبنى على الأثرة وحب المال, والذى عاملتنا به الولايات المتحدة, ضروبا من الأخطار والحق أن هذه الاتفاقية تركت أثرا سيئا فيما بينا وبين أمريكا من العلاقة)).

وقال الدكتور (( دالتون)) وزير المالية في ذلك الوقت, وهو يعرض هذه الاتفاقية على البرلمان الانجليزى لنيل مصادقته عليها, (( أن هذا العبء الثقيل, والذى نخرج من الحرب وهو على ظهورنا, يعد جائزة عجيبة جدا, نلناها جزاء ما عانينا في الحرب من الشدائد والمشاق والتضحيات لأجل الغاية المشتركة. وندع للمؤرخين في المستقبل أن يروا رأيهم في هذه الجائزة الفذة فى نوعها. لقد التمسنا من أمريكا أن تقرضنا قرضا حسنا ولكنها قالت لنا جوابا على هذا: ما هذه بسياسة عملية)) (1).

المبحث الثانى

تقويم الربا اقتصاديا باستخدام منهج التحليل الحركى

(آثار الربا على النمو الاقتصادي)

المطلب الاول

آثار الربا على النمو الاقتصادى في الدول المتقدمة

يقصد بالبلاد المتقدمة اقتصاديا, مجموعة الدول التى يرتفع فيها متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقى وهى بلاد انتهت من مشكلات بناء الجهاز الانتاجى بها, خلال القرنين الماضيين وانما بقيت أمامها فقط مشكلات الجهاز الانتاجى بكل منها, وهو جهاز ضخم ومعقد وذو كفاية وانتاجية عالمية.

ولاشك أن مشكلات تشغيل الجهاز الانتاجى تزداد تعقيدا بتقدم الفن الانتاجى ولعدة أسباب مترابطة(1).

أولها:أن تقدم الفن الانتاجى يعنى توسيع الطاقة الانتاجية للجهاز الانتاجي, وهو ما يعقد مشكلة تصريف الانتاج الناجم عن التشغيل الكامل لهذا الجهاز. فكلما ارتقى الاقتصاد القومي, وتقدم الفن الانتاجي, اتسعت الفجوة بين (( الانتاج الممكن )) و ((الانتاج الحالى)).

أى اتسعت الفجوة بين مستوى التشغيل الكامل ومستوى التشغيل الحالى(2). ويفسر اتساع هذه الفجوة بسببين. أولهما أن ضخامة الجهاز الانتاجى تسمح بمستوى مرتفع من الانتاج وثانيها: أنه من الصعب ضمان الطلب الفعال الذى يكفى لتبرير التشغيل الكامل للجهاز الانتاجى المتقدم, وذلك لأمرين يعودان الى طبيعة التقدم الاقتصادى(3), وهما:

أولا: عدم زيادة الاستهلاك بكمية الزيادة في الدخل وهو ما يعنى الانخفاض الميل للاستهلاك.

وثانيا: انخفاض الحافز للاستثمار.

ويفسر انخفاض الميل للاستهلاك بطبيعة التقدم الاقتصادى. للاستمرار هذا التقدم وهو يتمثل في استمرار ارتفاع مستوى الدخل الفردى الحقيقي. انما يؤدى الى انخفاض الميل للاستهلاك, وبالتالى ارتفاع مكمله, وهو الميل للأدخار, أى أن الزيادات المتتالية المتساوية في الدخل الفردى الحقيقى يترتب عليها زيادات متناقصة في الاستهلاك وزيادات متزايدة فى الادخار. ويحدث هذا الاتجاه دون أى حفز أو اغراء من مستوى الفائدة السائد, بل أنه من المحتمل أن يحدث حتى في ظل معدل اللفائدة مساو للصفر. ذلك أنه  بتجاوز الدخل الحقيقى للفرد المستوى اللازم لاشباع حاجاته الأساسية يأخذ الفرد في الموازنه بين أشباع  كماليات اليوم أو الاحتياط لأحداث الغد. وكلما تزايد مستوى دخل الفرد, كلما حدث لدية تغليب احتياجات الغد. بسبب أنه يكون قد أشبع كل وأغلب حاجاته المحسوسة اليوم ولم يبق أمامه الا دخار, حتى وبدون الحصول على فائدة عنه, أى أنه بارتفاع الدخل القومى في دولة ما, يتناقص باستمرار النصيب النسبي للاستهلاك القومى من الزيادة في الدخل بينما يرتفع باستمرار النصيب النسبى للاخار من نفس هذه الزيادة في الدخل بينما يرتفع باستمرار النصيب النسبى للادخار من نفس هذه الزيادة. ولا شك أن استمرار التقدم انما يشترط امكانية تحويل هذا القدر المتزايد من المدخرات الى استثمارات محققة(1).

وثانيها: أن حقيقة التعادل الدائم بين الادخار والاستثمار كشرط لضمان مستوى معين للدخل أو الحفاظ عليه, انما تصطدام بعقبة ضعف الحافز للاستثمار بسبب ضيق فرص الاستثمارات الجديدة في البلاد المتقدمة, وهو ما يؤدى الى انخفاض الكفاية الحدية  المتوقعة للاستثمارات الجديدة. ولما كان شرط توازن الاستثمار هو تعادل الكفاية الحدية لرأس المال مع سعر الفائده, فان اتجاه معدل الكفاية الحدية  نحو الانخفاض, بتزايد الاستثمارات في البلاد المتقدمة, يتطلب سير معدل الفائدة في نفس الاتجاه التنازلى, وهو ما يوضح أن معدل الفائدة المرتفع انما يقف حجر عثرة في سبيل استمرار النمو والتقدم الاقتصاديين. فان استمرار التقدم انما يقتضى استمرار معدل الفائدة فى الانخفاض تشجيعا للاستثمارات الجديدة ذات الكفاية الحدية المنخفضة(2).

خلاصة كل ما تقدم أن الخطر الحقيقى الذى يحيط بالبلاد المتقدمة انما يتمثل في شبح أزمات

((قصور الاستهلاك)). والواقع أن جوهر أزمات ((قصور الاستهلاك)) انما يتمثل في وجود طائفتين اجتماعيتين متناقضتين في المقدرات والرغبات (1).

طائفة فقيرة معدمة لها ميل حدى للاستهلاك مرتفع, ومن ثم فهى تملك الرغبة في الاستهلاك, ولكنها من ناحية أخرى لا تملك القدرة عليه. وهذا تناقض.

وطائفة غنية متخمة لها ميل حدى للاستهلاك منخفض, ومن ثم فهى تملك المقدرة على الاستهلاك, ولكنها من ناحية أخرى تفتقد الرغبة فيه. وهذا تناقض آخر.

ومحصلة هذين التناقضين هى أن الذين يملكون لا يستهلكون, والذين يرغبون فى الاستهلاك لايجدون, وبذلك ينخفض الاستهلاك القومى للجماعه ككل, ويقصر عن أن يستوعب الانتاج الجارى للجهاز الانتاجى القائم. وتكون النتيجة النهائية لهذا كله هو حدوث الكساد والبوار وحلول البطالة, حيث يتم تشريد الاف, وربما ملايين, العمال. وايقاف جزء من الطاقة الانتاجية للجهاز الانتاجى.

وتتضح الخطورة الحقيقية لأزمات (( قصور الاستهلاك)) اذا ما أخذنا في الحسبان أن قصور الاستهلاك أنما يعنى في ذات الوقت تزايد المدخرات, وهو أمر يصطدام بعقبة صعوبة توظيف هذا القدر المتزايد من المدخرات, بسبب ضيق فرص الاستثمارات الجديدة في البلدان المتقدمة. ومن المعلوم أنه ما لم يتأت للمجتمع توظيف كل مدخراته في مختلف وجوه الاستثمار, فلابد للدخل القومى أن ينخفض, حتى يمكن للادخار القومى بالتالى أن ينخفض حتى يتعادل مع المقدرة الضعيفة للمجتمع في اسيتعاب الاستثمارات الجديدة(1).

ولا شك أن الربا انما يعد في مقدمة العوامل المسئولة عن ظهور هذا التركيب الاجتماعى المتناقض الذى تمخض في النهاية عن احتدام أزمات (( قصور الاستهلاك)) فبسبب الربا ثم تركيز الثورات الكبيرة في أيدى أفراد قلائل قالوا بحجة أن تركز رأس المال هو شرط أساسى لاستمرار النمو والتقدم الاقتصادين.

وبذلك تكون السياسة الواجبة الاتباع, في مواجهة أخطار قصور الاستهلاك, هى حفز الاستهلاك نحو التزايد عن طريق كافة الوسائل الممكنة, ومنها تخفيض سعر الفائدة, فتنخفض سعر الفائدة فضلا عن أنه سوف يحفز الاستهلاك الى حد ما, الا انه كذلك يمارس فعالية أكثر في حث التقدم عن طريق اتاحة الفرصة للاستثمارات الجديدة الممكنة, ذات الكفاية الحدية الآقل.

فالحق أن علاج المشاكل الاقتصادية للدول المتقدمة, انما يمكن في ازالة الآسباب التى تحدو بالناس الى التقتير والامساك والحرص على تكديس الثروة, ويتم تحقيق هذا عن طريق خلق الظروف التى يطمئن فيها الناس الى نيل العون والمساعدة عند حاجتهم وشد تهم, حتى لا يشعروا بالحاجة الى جمع المال أصلا. كما ينبغى كذلك محاربة الاكتناز عن طريق فرض الزكاة على الثروة المختزنه.

والواقع أن الربا انما يصيب المجتمع بالمضرة مرتين(2). مرة بأنه قد دفع الأفراد الى التقتير وامساك المال وعدم انفاقه على شراء المنتجات التى يعرضها المجتمع في الأسواق, مما يعرض الاقتصاد الاجتماعى لأزمات (( قصور الاستهلاك)) ومرة أخرى بأن توزيع الدخل القومى لا يتم على أساس من ((المشاركة)) أو (( المضاربة)) بل تم اقراض المجتمع مال بعض أفراده, وصار من حقهم أن يحصلوا بذلك على عائد ثابت يقينى مضمون, دون أن يقدموا عملا أو يبذلوا جهدا, وبصرف النظر عن نتائج استعمال قروض المرابين, بين الربح أو الخسارة.

وقد أصبح المجتمع المسكين حيرانا, ولا يزال يزداد حيرة فوق حيرته, حيث لا يدرى كيف يخلص نفسه من أداء هذا الدين من بالربا, لأن البضائع التى ينتجها بهذا المال, المستقرض بالربا, لا تستهلك في السوق الا بصعوبة شديدة تزداد يوم فيوم. وبذلك تكون من أفضال الربا على الانسانية أن أصبحت مصلحة المرابى ونفعه, وليس مصلحة الجماعه بأسرها, هى مؤشر وموجه استغلال المال, حيث لا يوظف الرأسمالى نقوده الا فى الوجوه التى تعود عليه بأكبر عائد ربوى ممكن, بصرف النظر عن مدى فائدة هذه الوجوه للمجتمع. فالراسمالى يفضل اقراض مشروع لانتاج الخمور على اقراض مشروع لبناء المساكن الشعبية لمحدودى الدخل طالما أن المشروع الأول يستطيع أن يقدم للرأسمالى معدلا أكبر للربا. ولتذهب, بعد ذلك, مصلحة المجتمع الى الجحيم.

فالعلاج اذن لمشاكل البلاد المتقدمة لا يمكن في رفع سعر الربا, لتشجيع المرابين. بل , وعلى العكس من ذلك وكنتيجة للتحليل المتقدم, ينحصر هذا العلاج في تخفيض سعر الفائدة ويكون العلاج كاملا وشاملا بالغاء الفائدة نهائيا, باعتبار ذلك محركا رئيسيا لحفز التقدم واستمراره. ولسوف يوضح الباحث, في مكان آخر من هذا البحث, كيف يمكن تحقيق ذلك الأمل المنشود في التخلص من أخطبوط الربا نهائيا.

المطلب الثانى

الربا والنمو الاقتصادى في البلاد الآخذة في النمو

والبلاد الآخذة في النمو هى بلاد ينخفض فيها متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقى مع التسليم بأمكان رفع مستوى الرخاء الاقتصادى لسكانها بوسائل معروفة وفعالة عن طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لواقع الحياة فيها. ومن ثم فان التنمية الاقتصادية انما تعتبر الشغل الشاغل للبشر في محيط هذه البلدان, وعلى مستوى الفكر والعمل معا. والتنمية الاقتصادية, في جوهرها, ليست سوى الارتفاع بالمعدل الفعلي لتراكم رأس المال الحقيقي. والسبيل الوحيد لذلك هو توفير الموارد المالية بأقصى مقادير ممكنه, وتوجيهها لتمويل مشروعات الاستثمار والتنمية.

والموارد المالية قد تكون محلية أو دولية

وفيما يتعلق بالموارد المحلية, فانها تتكون من مدخرات القطاع الحكومى وقطاع الأعمال وقطاع العائلات.

أما مدخرات القطاع الحكومى فهي الفرق الموجب بين الايراداتالعامة ( وأهمها الضرائب) والنفقات العامة. ويتم ظهور المدخرات الحكومية عندما تكون الميزانية الحكومية في حالة فائض, وهو ما يتوقف على سياسة الايرادات العامة, وبالذات السياسة الضربية,وعلى سياسة الأنفاق العام, وهذه تتوقف الى حد كبير على الفلسفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للحكومة, فيما يتعلق بنوع الخدمات والضمانات والتيسيرات التى ترى الحكومة أنه يقع على عاتقها توفيرها للمجتمع وللفرد.

ومن الجلى أن الانفاق الحكومى على الاستثنار انما يتنافس مع الانفاق الحكومى الجارى ( الاستهلاك الحكومى) فيما يستطيع أى منهما أن يستأثر به من حصيلة الضرائب. ومما يلاحظ هنا, سرعة تزايد الاستهلاك الحكومى في البلاد الآخذة  في النمو, حيث يشير تقرير الأمم المتحدة عن عام 1965 الى أن الاستهلاك الحكومى بهذه البلاد قد زاد بضعف سرعة تزايد الاستهلاك الخاص, وبش=سرعة تزيد كثيرا عن سرعة تزايد الاستثمار الكلى. ومكمن الخطورة هو أن هذا الاتجاه مازال واقعا للآن, بل وتتزايد درجته في السنوات الاخيرة(1) ويثير هذا الوضع, بطبيعة الحال, أهمية وضرورة ضغط الانفاق الجارى للحكومة حيث يسلم الباحث بوجود حدود واسعة لكبح جماح الاسراف الحكومى, حتى مع التسليم بما تقرضة النزعات الاشتراكية على عائق حكومات هذه البلدان من التوسع في تقديم الخدمات الاجتماعية لمواطنيها. كما يشير الباحث الى ضرورة الارتفاع بمستوى الكفاءة الحكومية فى الادارة العامة, وبالمثل مازال المجال واسعا للارتفاع بمستوى كفاءة الأجهزة الضربية في تحصيل الايرادات الضربية, بما يؤدى الى ارتفاع حصيلة الضرائب. وجدير بالذكر, في هذا المجال, أنه بالقياس الى البلاد المتقدمة, تتميز البلاد الآخذة في النمو, عموما بانخفاض نسبة الضرائب الى الدخل القومى, بما يسوغ معه القول بأن المجال مازال متسعا لتغزيز الادخار القومى عن طريق الضرائب.

أما فيما يتعلق بادخار قطاع الأعمال, فهناك قول شائع مؤداه أنه كلما ارتفع نصيب الأرباح من الدخل القومى, كلما ارتفع مستوى الادخار من هذا الدخل. ومع ذلك ففي مقام مناقشة هذا القول تنبغى التفرقة بين قطاع الأعمال الخاص وقطاع الأعمال العام.

فبالنسبة لقطاع الأعمال الخاص, فان مدخراته انما تتمثل في الأرباح غير الموزعة والتى لا تلبث أن تتزايد وتتراكم عاما بعد عاما.

فالمشروعات الاقتصادية انما تقوم بتكوين المدخرات عن طريق احتجاز جزء من الأرباح بلا توزيع, وبدافع عديد من البواعث مثل(1):

1- باعث تحسين المشروع وتدعيمه, بادخال انتاج سلع جديدة, أو استعمال آلات حديثه, أو افتتاح فروع اضافية جديدة للمشروع, أو تمويل خطه طموحه للدعاية والاعلان بهدف مد نطاق السوق أمام المشروع الى آفاق جديدة.

2- باعث التوسع, ويتمثل في تكوين أموال سائلة للقيام بمشروعات جديدة, دون الالتجاء الى الاقتراض.

3- باعث السيولة, ويتمثل فى الاحتفاظ برصيد نقدى لمواجهة الاحتمالات والصعوبات المالية والازمات.

4- باعث الحكمة المالية التى تقضى بتكوين احتياطى نقدى زيادة عما يستلزمة النشاط العادى للمشروع فضلا عن مواجهة الصعوبات المالية المتوقعة, حتى يستعمل هذا الاحتياطى في تسديد ديون المشروع, وفى استهلاك أصوله بمعدل أسرع من معدل الاستعمال ومعدل التقادم الفنى.

وهذه البواعث بالنسبة للمشروعات أكثر فاعلية, في تكوين المدخرات, من سعر الفائدة. حيث تستمر هذه البواعث قوية الفاعلية في احتجاز الأرباح, حتى مع أنخفاض سعر الفائدة السائد. فالغاء الربا نهائيا لن يؤثر اذن في مدخرات قطاع الأعمال الخاص ما دامت هذه البواعث لها فعاليتها في تركيم المدخرات, حتى مع التسليم بأن الغاء الربا على القروض قد يضعف فعالية بعض هذه البواعث نتيجة لأنه سوف يصير في مقدور المشروع الاقتصادى أن يحصل على المال بسهولة, وفى الوقت المناسب, وبدون أعباء.

انما ممكن الخطر الذى قد يشل فعالية هذه البواعث, ويضعف بالتالى من الاتجاه الى تركيم المدخرات واحتجاز الأرباح, فى نطاق المشروعات الخاصة, انما يتمثل فيما يجول بخاطر العديد من رجال الأعمال, حيث تمضى البلاد قدما في طريق التحول الاشتراكى, من أن توسع المشروع الخاص انما يقترب به من خطر التأميم, الأمر الذى ينحو برجال الأعمال الخاصة الى العزوف عن احتجاز الأرباح وتكوين المدخرات. وينعكس أثر ذلك فيما نلاحظه على طبقة أرباب المشروعات الخاصة, في محيط البلاد الآخذة في النمو في اطار من التحول الاشتراكى, من اتجاهها الى استيراد أنماط الاستهلاك الغريبة, فضلا عن ممارسة العديد من صور الاستهلاك التفاخرى والبذخ المرتبط بالطقوس الاجتماعية المختلفة.

 أما بالنسبة لمدخرات قطاع الأعمال العام, فانها أنما  تتمثل فيما يؤول للحكومة من أرباح المشروعات المملوكة لها. وتتوقف أرباح هذه المشروعات على عاملين(1).

 الأولهو الأثمان التى تباع بها المنتجات, والأثمان التى تستجلب بها المواد الخام, فضلا عن مستوى الأجور والمرتبات للعاملين.

أما الثانى فهو تطور مستوى الكفاءة الانتاجية في جملة هذه المشروعات.

ومن هنا فان رفع مدخرات قطاع الأعمال العام أمر لا يتسنى بلوغة عن طريق رفع سعر الفائدة, فهذا هراء لا مجال لنقاشه, ولا جدوى منه, انما سبيل رفع هذه المدخرات هو كبح جماح الاسراف ومكافحة الضياع الاقتصادى في مشروعات القطاع العام, والعمل باستمرار على رفع مستوى الكفاءة الانتاجية لوحدات هذا القطاع, فضلا عن الحفاظ على التناسب القائم بين تكاليف الانتاج والايرادات الناجمة عن تصربف هذا الانتاج, في أطار من الاستقرار النقدى المتمثل في الثبات النسبى للأثمان, ذلك أنه اذا ما ارتفعت تكاليف الانتاج, فما لم نسمح لهذا الارتفاع أن ينعكس في ارتفاع أثمان بيع المنتجات, فلا مناص نسمح لهذا الارتفاع أن ينعكس في ارتفاع أثمان بيع المنتجات, فلا مناص من أن يتمخض ارتفاع تكاليف الانتاج عن انكماش الأرباح التى يحققها القطاع العام, بل وربما عن تكبد خسائر. ولا شك أن حدوث إحدى النتيجتين السابيقتين انما يضر بحجم المدخرات التى يستطيع القطاع العام أن يوفرها لعملية التنمية. وأكثر من هذا سوءا أن نسمح للارتفاع في تكاليف الانتاج أن ينعكس في أثمان بيع المنتجات, حفاظا على التناسب بينهما, بهدف عدم الاضرار بأرباح القطاع العام ومدخراته, ذلك أن ارتفاع أثمان بيع منتجات القطاع العام, وهو يشكل جانبا كبيرا من جهاز الانتاج, انما ينزلق بالاقتصاد القومى كله الى هاوية التضخم. وليس هنا المجال للحديث عن مخاطر التضخم بالنسبة لعملية التنمية الاقتصادية, فأقل ما يقال عنها أن التضخم يلتهم ثمار التنمية ويرفع من تكاليفها, ويؤخر ظهور نتائجها, ويسئ الى صورة توزيع الدخل القومى.

أما إدخار القطاع العائلى, فانه عبارة عن الفرق بين دخول الأفراد الممكن التصرف فيها بواسطتهم, وبين الاستهلاك الخاص. وتتخذ مدخرات القطاع العائلى عدة صور, أهمها ثلاث, هى (1).

1- الاستثمار المباشر, ويستولى على جانب هام من الادخار في الريف, ومثاله ما يبذله الفلاحون في اصلاح وصيانة مزارعهم, واقتناء الآلات والتجهيزات الزراعية, فضلا عن بناء المساكن الريفية. ويتميز هذا النوع من الادخار بعدم وجود وسيط بين المدخر والمسثتمر, وبعدم امكان تحويله للاستخدام من قطاع آخر من قطاعات الاقتصاد القومى, فضلا عن عدم مرونته بالنسبة لمعدل الفائدة. فسعر الفائدة السائد لا يمارس على هذا الادخار أى تأثير ظاهرة يعتد به.

فرفع معدل الفائدة لا يعتبر محفزا لهذا النوع من الادخار, كما أن الغاء الربا نهائيا لن يترتب عليه التأثير بالنقص في هذه المدخرات, كما لأن بواعثها أنما تكمن في أسباب معيشية أقوى من مجرد اعتبارات الفائدة.

2- المدخرات التعاقدية, مثل عقود التامين, وقد تعددت اليوم أنواعها ووظائفها ومجالاتها, وكذلك نظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات. وتتميز الصورتان الأخيرتان بمالهما من صفة أجبارية, فهما لا يتوقفان على معدل الفائدة السائد ولا يحدثان باغراء منه بل بأمر اجبارى صادر بقانون. بل أنه حتى في ظل عقود التأمين, وحيث يستبقى للفرد الخيار بين أن يستمر أو يتوقف عن دفع الأقساط فان المدخرات التعاقدية تتميز بدرجة مرموقة من الثبات, لأن التوقف عن الدفع يحيق بالمتعاقد ثمة خسارة.

ولا يعتقد الباحث في وجود تأثير ظاهر لمعدل الفائدة على حجم المدخرات التعاقدية للأفراد, بسبب أن جانبا من هذه المدخرات يحدث بصفة اجبارية, بصرف النظر عن معدل الفائدة, والجانب الآخر يحدث بدافع من بواعث أقوى في الحاحها من مجرد جنى الفائدة, ومثالها ضمان مستقبل الورثه وحمايتهم بترك ثروة لهم, أو تمكينهم من اتمام تعليمهم, فضلا عن الاحتياط ضد الشيخوخة والعجز والحوادث والوفاة.

3- الزيادة في الاصوال السائلة حيازة الأفراد. سواء تمثلت في أرصدة نقدية أم في أصول مالية كالاسهم والسندات وشهادات الاستثمار. وها هنا المجال لظهور تأثيرات الفائدة على مدخرات الأفراد وعلى صورة توزيع هذه المدخرات بين أوعية الادخار المختلفة. ولكن لا ينبغى الظن بأن الفائدة هى العامل الوحيد المؤثر في تكوين هذه المدخرات, وفى شكل توزيعها, بل ربما ليست هى العامل الاول أو الأهم, اذ توجد معها عوامل أخرى كثيرة.

ويتوقف مستوى الادخار بالقطاع العائلى على عوامل شتى, لا شك أن أهمها, على الاطلاق, هو مقدار الدخل, وبنيان توزيعه, ومدى استقراره. ومع هذا لا يقول أحد اليوم أن هناك ارتباطا محكما بين التغيير في الدخل والتغيير في الادخار. اذ يدخل الاقتصاديون, اليوم, فى الاعتبار عوامل عديدة أخرى, من بينها حجم الأصوال السائلة وتوقعات الارتفاع أو الانخفاض فى الأثمان. يضاف الى هذا طبيعة مهنة المدخر, ونوع انتمائه الجغرافى الى الريف أو الحضر, فضلا عن التقيم والعادات الاجتماعية, ولا يقل عن هذا في الأهمية ما تمارسة العوامل السياسية من حيث الاستقرار السياسى, بما يشبع عنه الطمانينة في الحاضر والثقة في المستقبل, ومن حيث التقلبات السياسية, وما تثيره من انعدام الثقة في الحاضر والنظرة بعين الشك الى المستقبل, بما يترتب على الظرف الأول من حفز الأفراد على الادخار, وما ينجم عن الظرف الثانى من عزوف الأفراد عن الادخار, وبعبارة مجملة, فانه, في اية لحظة من الزمن, يتوقف الادخار على المفعول المشترك لمجموعة من العوامل التى من شانها أن تزيد أو تقلل من رغبة المجتمع فى الادخار ومقدراته عليه.

ويلاحظ أن مستوى الادخار في البلاد الآخذة في النمو شديد الانخفاض بالقياس الى الاحتياجات المالية اللازمة للتنمية(1). ويرجع هذا الانخفاض فى الادخار, بالدرجة الأولى, الى ظاهرة انخفاض الدخول, ولكون الادخار, على ما نعلم, دالة للدخل. والملاحظ, في محيط كثير من هذه الدول, أنها كثيرا ما تتبنى سياسات ادخارية خاطئة مؤادها الاعتماد على الاغراء بسعر الفائدة المرتفع كحافز لتنشيط الادخار. والحق أن ارتفاع سعر الفائدة لايفعل شيئا مذكورا في تعضيد المدخرات في وسط محيط من الفقر. ذلك أن انخفاض مستوى الدخل يؤدى الى ارتفاع الميل للأستهلاك, ويزيد الطين بلة ما نلاحظة من ارتفاع معدلات النمو السكانى بهذه البلدان, مما يضغط باستمرار على مستوى الدخل الفردى نحو الانخفاض, ويزيد من الاستهلاك بالتالى.

ومن هنا كانت الحلقة المفرغة التى يدور فيها جانب عرض رؤوس الأموال, فانخفاض الدخل يؤدى الى انخفاض الادخار وبما يرتب بدوره انخفاض الاستثمار, وما يتتبعه ذلك انخفاض الدخل الذى يقود من جديد الى انخفاض الادخار… وهكذا تستمر الحلقة المفرغة(1).

ومن هنا جاء القول بضرورة الدفعة القوية (Big Push)حتى يتسنى بفضلها الارتفاع, ارتفاعا مذكورا, بمستوى الدخل الفردى, وبالتالى بمستوى الادخار. ذلك أن من شأن ارتفاع الدخل أن يسير الارتفاع قدما بالادخار. بحيث يصبح اطراد زيادة الادخار ظاهرة آلية تلقائية لا تمارس ضغطا على الاقتصاد القومى. فما يخفي, بطبيعة الحال, ان من شأن ارتفاع الدخل الفردى, زيادة المقدار على الادخار دون أن تتمخض الزيادة في الادخار عن حرمان الفرد مما درج على استهلاكه من السلع والخدمات.

فعلاج ظاهرة انخفاض مستوى الادخار بالبلاد الآخذة في النمو سبيله هو (( الدفعة القوية)) متمثلة في ضرورة توافر قدر أدنى من الجهد الانمائي لعملية التنمية, حتى يتسنى للاقتصاد القومى أن يصل الى مرحلة الانطلاق الذاتى في معارج التقدم, وليس السبيل لرفع الادخار, بهذه البلدان, هو رفع سعر الفائدة لاغراء المدخرين. هذا فضلا عن أن رفع سعر الفائدة يضر التنمية, ويؤدى على المدى الطويل الى الاضرار بالمدخرات بالتبعية لعدة أسباب.

وأول هذه الاسباب هو أن سعر الفائدة المرتفع يعد مثبطا للاستثمارات الجديدة. على الأخص استثمارات القطاع الخاص. ويزيد من خطورة هذا الأمر, أن هذه الاستثمارات انما تعمل في ظل كفاية حدية منخفضة للاستثمار. اذ أنه على الرغم من اتساع فرص ومجالات الاستثمارات الجديدة بالبلاد الآخذة في النمو, ووجود ميادين بكر عديدة لتوظيف رأس المال, حيث تعانى هذه البلاد من ظاهرة الجدب في كثير من نواحى الاستثمار, قد يوحى بارتفاع الكفاية الحدية لرأس المال أمام مشروعات الاستثمار الجديدة, فان العكس هو الصحيح لانه حيث تزداد مخاطر الاستثمار في هذه البلدان, وحيث تنخفض, الى حد كبير, بل ومثير للرثاء, كفاءة مشروعات رأس المال الاقتصادي والاجتماعي المشترك وأهمها الهياكل الرئيسية للانتاج, وحيث يضيق نطاق السوق الداخلية, بسبب ضعف القوة الشرائية للسكان, حيث تسود مثل هذه الظروف, لا يستطيع المستثمرون الجدد أن ينظروا بعين التفاؤل الى أرباحهم المتوقعة. ان هذا الواقع هو ما يترجمه الاقتصاديون في قولهم بأنه (( على الرغم من ان البلاد الآخذة في النمو تتمتع بوجود فرص واسعة للاستثمار, فانها تعانى, في نفس الوقت من ظاهرة انخفاض الحافز للاستثمار))(1). وهو ما يعنى أنه في محيط جمهرة البلدان الآخذة في النمو, تلزم التفرقة بين اصطلاحى (( فرص الاستثمار)) وهى واسعة رحبة, و((الحافز على الاستثمار )) وهو منخفض(2).

والسبب الثانى هو أن ارتفاع معدل الفائدة انما يزيد من عبء الاقتراض على عاتق مشروعات التنمية وهو أمر لا بد له ان يتمخض عن أحدى نتيجتين: الأولى هى اضعاف الحافز على الاستثمار بسبب أن ارتفاع الفائدة يزيد من تكلفة الاستثمار, ويقلل بالتالى من الربح المتوقع له, وهو ما يخفض, بالتبعية, الكفاية الحدية لرأس المال. وتكون محصلة هذا كله هو عرقلة الاستثمارات بما يضر بعملية التنمية الاقتصادية وتترتب النتيجة الثانية في حالة ما اذا سمحنا لارتفاع سعر الفائدة, وهو يؤدى الى ارتفاع تكاليف الانتاج, أن ينعكس في ارتفتع أثمان بيع المنتجات, حتى تحفف من عبء ارتفاع سعر الفائدة, على عاتق مشروعات التنمية, بما لا يضعف الحافز على الاستثمار. فلا شك أن قبول ارتفاع الأثمان كثمن لحفز الميل للاستثمار. فلا شك أن قبول ارتفاع الأثمان كثمن لحفز الميل للاستثمار لن يلبث أن يصيب الاستثمار القومى فى مجموعة بعدوى التضخم.

وهناك من الدول المتخلفة من اراد أن يتلافى النتيجتين السالفتين, ويتجنب ويلاتهما, عن طريق اتباع سياسة نقدية مؤادها التمييز في معدل الفائدة على القروض والتسهيلات الانتمائية الأخرى, بالنظر الى الاغراض التى يقدم من أجلها القرض أو التسهيل. ومؤدى هذه السياسة أن تمنح القروض بتسهيلات كبيرة وبفائدة منخفضة للمشروعات التى تثبت الدراسات أهميتها الحيوية للتنمية الاقتصادية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية او الاستراتيجية وقد أثبتت هذه السياسة فعالية واضحة في حفز الاستثمار في المشروعات التى منحت لها هذه التسهيلات, وحيث لم يسأ استخدامها.

والواقع أن نجاح هذه السياسة في هذا النطاق المحدود, أنما ينبئ بما يمكن أن يلاقية تعميمها من فلاح. ولا يتم هذا التعميم الا بالغاء الفائدة على الاطلاق, حيث تستطيع المشروعات الناجحة أن تؤكد نجاحها وتدعمه أكثر بما يفيد المصلحة القومية, أما بلنسبة للمشروعات الأقل كفاءة ونجاحا ونفعا بالنسبة للاقتصاد القومى, فان الغاء الفائدة على قروضها انما يتيح لها الفرصة لتحسين ظروفها واثبات وجودها.

ومع ذلك فان تفاوت معدلات الربح يكون كفيلا بالتمييز بين النوعين من المشروعات, بما يضمن ترشيد استخدام الموارد القومية.

بقيت للباحث كلمة متعلقة بعدم فعالية السياسة النقدية, في محيط البلدان الآخذة فى النمو, وهو ما يعنى عدم ملاءمة هذه السياسة, ولعى الأخص سياسة سعر الفائدة, لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية اهذه البلدان(1).

ذلك أن السياسة النقدية الواجبة الاتباع في البلاد الآخذة في النمو انما تتمثل في ضرورة تحديد سعر الفائدة والاحتفاظ به عند المستوى الملائم لرفع الطلب على أموال الاستثمار. ومع هذا فان السياسة النقدية في البلاد المتخلفة لاتتمتع بالفاعلية اللازمة لتحقيق هذا الهدف, بسبب عدم نمو السوق النقدية والسوق المالية, وعدم مرونة تفضيل السيولة بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة, وعدم مرونة الاستثمار بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة. وهذه العوامل كلها تفقد تفضيل السيولة فاعليته في التأثير على سعر الفائدة, كما تقلل من أثر سعر الفائدة في في تفضيل السيولة وفي حجم الائتمان, وفي حجم الاستثمار. وتتضح هذه الحقائق بالنظر إلى ثلاثه أمور متكاملة.

الأمر الأول: هو ضعف سياسة تفضيل السيولة بغرض المضاربة, وقلة أهمية الآثار التى يمكن أن تنجم عن هذه السياسة في سعر الفائدة في البلدان الأخذة في النمو, بسبب ضيق السوق المالية وعدم انتظامها وهو يسلب تفضيل السيولة بدافع المضاربة فاعليته التى يتمتع بها في الأسواق المالية الكبيرة, ويشكل بالاضافة الى ذلك مصدر خطورة للسياسة المطلوبة, اذ أن أى تغيير محدود في طلب أو عرض السندات يؤدى, ونظرا لضيق السوق المالية, الى تغيرات واسعة وعزفة في قيم الأوراق المالية, وهو ما يخرج هذه السياسة عن أهدافها, ويؤدى الى زعزعة الثقة, ويضر بالتالى الاستثمار.

ثم ان العلاقة بين السوق المالية والسوق النقدية, اى بين أسعار الفائدة طويلة الأجل واسعار الفائدة قصيرة الأجل ليست وثيقة في هذه البلدان, نظرا لعدم نمو السوقين, وهو ما يضعف فاعلية سياسة سعر الفائدة في حفز الاستثمار.

والأمر الثانى:هو صعوبة التأثير على تفضيل السيولة بدافع الاحتياط في محيط البلدان الآخذة في النمو, وذلك لارتباط هذا النوع من أنواع التفضيل النقدى بظاهرة الاكتناز, وحيث تتميز هذه البلدان بارتفاع الميل للاكتناز, الذى يتمثل الجزء الاكبر منه في الذهب والاحجار الكريمة. وهو ما يعنى قلة رؤوس الأموال المتاحة للاستثمار, وكذلك عدم انخفاض سعر الفائدة الى المستوى الملائم للتنمية, بسبب عدم  مرونة الاكتناز بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة, حيث تتوقف ظاهرة الاكتناز على العادات الاجتماعية التى ليست لها فرصة التغيير في المدى القصير.

والأمر الثالث والاخير: هو انخفاض مرونة تفضيل السيولة بدافع المعاملا, حيث يعود هذا النوع من التفضيل النقدى, في جزء كبير منه, الى تمويل الحاصلات الاولية للتصدير. ويتوقف لذلك على كمية هذه المحاصيل, وعلى أثمانها, وعلى سرعة تداولها. كما أن هذا الباعث يكون عرضة للتقلبات الموسمية نظرا للطبيعة الموسمية للنشاط الاقتصادى في البلاد الآخذة في النمو, وهو ما يؤدى الى أحداث تغيرات موسمية لاسعار الفائدة القصيرة الاجل وبالتالى الى احداث تقلبات موسمية  حادة في أثمان الأوراق المالية, وهو يعنى صعوبة التنبوء في سوق الأوراق المالية, وما يزيد بالتالى من عدم استقرار هذه السوق, ويشكل بذلك عقبة بدون توسعها.

خلاصة ما تقدم, هى عدم ملائمة السياسة النقدية لتحقيق التنمية في البلاد الآخذة في النمو.

وينتقل الباحث لآن للحديث عن الأموال الأنمائية المناسبة من الدول المتقدمة الى البلدان الآخذة في النمو بهدف التعجيل بالتنمية الاقتصادية بها.

الواقع أن العبرة المستخلصة من تجارب ما بعد الحرب الثانية, تؤكد الأهمية الكمية للمدخرات الوطنية, والأهمية الاستراتيجية للمدخرات الأجنبية(1). ذلك أن المدخرات الأجنبية لا تتحصل أهميتها بالدرجة الأولى, في تعزيز المدخرات الوطنية, بقدر ما تتحصل في توفير العملات الصعبة اللازمة للحصول على واردات الآلات والأدوات والتجهيزات الانتاجية اللازمة للقيام ببرامج الاستثمار. وهكذا يقدر أن الادخار الوطنى قد تكفل بتمويل 85% من جملة الاستثمارات في البلاد الآخذة في النمو عموما, خلال عقد الستينيات, بينما تكلفت المدخرات الأجنبية بتمويل الباقى(1).

ويذهب تقرير الأمم المتحدة عن أنسياب رؤوس الأموال طويلة الأجل والمنح الحكومية من البلاد المتقدمة الى البلاد الآخذة في النمو خلال الفترة 1963 – 1967, الى أن هذه الانسياب  لم يقل في أية سنة من هذه السنوات عن نحو 25% من أجمالى تكوين راس المال بالبلاد الآخذة في النمو, أو عن 4% من الناتج القومى الاجمالى بها, أو عن 26% من جملة واردتها(2).

واذا كانت التنمية الاقتصادية لدول العالم الثالث, انما تعد اليوم مسئولية دولية ملقاة على عاتق الدول المتقدمة والدول الآخذة في النمو على السواء, فان أحدا لا يمارى اليوم في ان الدول المتقدمة قد أخفقت تماما في الارتفاع الى مستوى المسئولية املقاه على عاتقها في مجال تقديم القروض والتسهيلات  اللازمة للدول المتخلفة. يوضح هذا أن انسياب الأموال الأجنبية, خلال الفترة 1956 – 1959, من البلاد المتقدمة الى البلاد الآخذة في النمو, لم يتجاوز 0,6% من الناتج القومى الاجمالى بالبلاد المتقدمة, أو 3% من الادخار القومى الاجمالى بها. ويكفى في الدلالة على ضآلة هذا الانسياب بالقياس الى امكانيات البلاد المتقدمة, أنه على حين قدر متوسط الانسياب, خلال الفترة 1951- 1955 بنحو 4 مليون دولار سنويا, فقد قدر ما أنفق على التسليح, في ذلك الوقت, بنحو 120بليون دولار سنويا(3).

ومهما يكون الامر, فلا شك في ضآلة ما تبذله البلاد المتقدمة من جهد في هذا السبيل. ومن هنا فان ما تناشد به الأمم المتحدة البلاد المتقدمة من العمل على زيادة الانسياب السنوى لهذه الأموال الى 1% من جملة الناتج القومى الاجمالى لها, ولا يشكل, على أى وجه, تحديا اقتصاديا للدول المتقدمة, وانما يشكل, على حد قول السكرتير العام للأمم المتحدة, تحديا حضاريا وأخلاقيا لهذه الدول(1).

ولا يفوت الباحث في هذا المجال أن يلمح الى المشكلات التى تعتور انسياب الأموال الانمائية الأجنبية الى البلاد الآخذة في النمو. وأهمها(2).

1- عدم كفاية الانسياب للوفاء باحتياجات التنمية الاقتصادية للبلاد الآخذة في النمو.

2- تقلب حجم انسياب رؤوس الأموال من عالم الى آخر, وهو ما يعود الى الطبيعة الثنائية الغالبة لانسياب هذه الأموال.

3- التفاوت الكبير في النصيب النسبى لمختلف البلاد الآخذة فى النمو من رؤوس الاموال المنسابة, وهو ما يعود الى نوع العلاقات السياسية والاقتصادية التى تربط البلد الذى يمنح المعونة بالبلد الذى يتلقاها.

4- تقييد القروض, كما في اشتراط أن يخصص القرض لانشاء مشروعات معينة, أو تقييد استعمال القرض في سوق معينة, بأن يوقف القرض على الاستيراد من بلد معين, وهو ما يقيد من حرية البلد الآخذ في النمو فى الانتفاع برأس المال الأجنبى.

5- على أن من أهم مشكلة تعنينا بالنسبة لانسياب رؤوس الأموال الانمائية الأجنبية من الدول المتقدمة الى البلاد الآخذة في النمو, أنما تتمثل في تزايد أعباء المديونية الخارجية وهو ما يوضح الآثار الوبيلة للربا في مجال العلاقات الدولية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تزايدا سريعا في مديونية البلاد المتخلفة للبلدد المتقدمة, حيث قد تزايدت الديون التى تلتزم بها حكومات البلاد الآخذة في النمو, والديون المضمونة منها, بمعدل 14% سنويا خلال الستينيات, كما بلغت هذه الديون 47,5بليون دولار في منتصف عام 1968. وتبدو خطورة هذه الظاهرة اذا اخذنا في الاعتبار ما يلابس هذه الزيادة السريعة في المديونية من زيادة سريعة في أعباء خدمة القرض(أى أعباء سداد الأقساط والفوائد). وهكذا يقدر أن عبء خدمة الديون المشار اليها قد بلغ بمفرده 4,7 بليون دولار سنويا, وأن هذا العبء تزايد في السنوات العشر السابقة بمعدل 17% سنويا. وتزداد خطورة هذه الظاهرة وضوحا اذا لاحظنا أن أعباء خدمة القروض تمتص, في الوقت الحاضر ما يتراوح بين 10% – 15% من حصيلة الصادرات بالنسبة لعدد كبير من البلاد الآخذة في النمو. ويضاعف من خطورتها أيضا أنه يفرض بقاء الحجم الاجمالى لانسياب الموارد الخارجية من البلاد المتقدمة الى البلاد الآخذة في النمو على حاله, فان من شأن اطراد تزايد أعباء القروض أن ينخفض باستمرار صافى انسياب هذه الموارد. وهكذا يقدر تقرير لمؤتمر التجارة والتنمية أنه اذا استمر انسياب القروض بالحجم الاجمالى الذى بلغه هذا الانسياب عام 1967. وبنفس الشروط التى منحت هذه القروض بمقتضاها, فان من المتوقع أن يبلغ صافى الاقراض الصفر عام 1975, ثم ينقلب سالبا بعد ذلك(1). بما يترتب على هذا من وضع هذه البلاد في مركز عسير فيما يتعلق بالوفاء باحتياجات الاقتصاد القومى الأساسية من الواردات. ومن هنا لم يجد العديد من البلاد المتخلفة مفرا. منذ أواخر الخمسينيات, من ان يطلب من الدول الدائنة اعادة النظر فيما يقع على عاتقها من أعباء خدمة الديون, نظرا لعدم المقدرة على مجابهة الالتزام بسداد الفوائد والأقساط المستحقة(2).

وأكثر من هذا فان اللبلاد الآخذ في النمو تجارب مريرة مع القروض الأجنبية سجلت على صفحات التاريخ. حيث قد كانت القروض الأجنبية هى الوسيلة السهلة للاحتلال السياسي والعسكرى للدول المدنية التى ترتبك ماليتها وتعجز عن السداد, بما يؤدى اليه ذلك من تبعية اقتصادية. ثم أن أعباء هذه القروض ورباها سوف تستمر في ارهاق أهلى البلاد المغلوبة على أمرها بالأعباء الضربية الباهظة مما يضيق عليهم سبل العيش الكريم.

وفى أحوال أخرى كثيرا ما يلجا المرابون الأجانب الى التوسل بحكوماتهم للحصول, بمساعدتها, على أمتياز الاشراف على بعض المرافق الحيوية للدولة المدينه, كلسكك الحديدية مثلا, بما يمكن المرابين من اقتصاص رباهم الباهظ من ايرادات هذه المرافق وهو ما يعنى, فضلا عن التبعية الاقتصادية أن هناك شطرا كبيرا من الانتاج القومى يستنزف خارج البلاد, ودون أن يعود بالرفاهية على سكانه.

ومن أشق الأمثلة على الأنفس ما فعله المرابون مع مصر, في النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وهنالك وقائع لا يكاد العقل يصدقها لولا أن الوثائق التاريخية الدامغة تسجلها. فمثلا قيل أن الخديوى (( اسماعيل )) باع نصيب مصر في أسهم قناة السويس في عام 1875, الى انجليز بحوالى أربعة ملايين جنية تقريبا. وتقول وثائق بأن مصر لم تأخذ هذا الثمن بل استولى عليه بعض المرابين استيفاء لما استحق لهم من الفوائد على قروضهم لمصر.

ثم ان مصر كانت محرومة من أرباح هذه الأسهم حتى سنة 1894, بمقتضى اتفاقية جائرة أملاها (( ديلسبس)) سنة 1869, في أحدى التسويات الكثيرة الغاشمة التى أجراها على حساب مصر. فلما استقرت الأسهم فلا أيدى الانجليز سنة 1875, طالبوا الحكومة المصرية بتعويض عن الحرمان من الأرباح. وفرضوا على مصر فائدة مقدارها 5% سنوية مركبة لمدة 20 سنه (أى الى عام 1894), فدفعت مصر, على مدار عشرين سنة بكثر مما قبضت مقدما. وما نالها الا ضياع نصيبها من أسهم شركة القناة(1).

ومثال آخر. في عام 1880 كان قد بقى لمصر حصة تقدر ب 15% من ربح شركة القناة واضطرت مصر الى بيع حقها في الارباح بمبلغ 850 ألف جنية, ذهبت سدادا لبعض الفوائد الربوية, ولم تقبض منها مصر شيئا, حيث اشترى هذه الحصة بعض الدائنين وأقاموا, فيما بينهم, شركة أسموها (( الشركة المدينة, لقبض حصة الحكومة المصرية البالغة 15%!!!))

وكان عملها هو ان ترقب دورة الفلك ليمر العام, فتنال جزاء ما صبرت ربحا بلغ أخيرا مليونا كاملا من الجنيهات في العام. حتى أن جملة ما حصلته الشركة المذكورة نظير انتظارها الكريم المنتج قد تجاوز 50 مليونا من الجنيهات(2).

الهوامش:

(1) يستخدم الباحث كلمة ((تقويم)) بالمعنى الذى يقصده العامة عند استعمالهم لكلمة (( تقييم)), حيث أن الكلمة الاخيرة حوشية, ولا وجود لها في العربية .

(2) عيسى عبده (د.): وضع الربا في البناء الاقتصادى. دار البحوث العملية. الكويت 1973. ص65.

                          English Money Lenders Act. London1927. Article10.(3)

(4) كل الارقام الواردة في السياق مأخوذة عن:

Anwar Iqbal Qureshi: Islam and the Rate of Interest.

Ashraf, Lahore1961. Ch,p.199-216.

(5) من المعروف, في مبادئ النظرية الاقتصادية, أن مقدرة آرباب الأعمال على نقل عبء القروض الى المستهلكين, انما تتوقف على مرونة الطلب على السلع التى تساهم هذه القروض الربوية في أنتاجها.

6))Richard W. Lindholm (Advisory Editor): Public Finance.

A Collective Writing group of public Finance Proffessors( The committee of polio finance) pitman. Newyork. 1959. P.552-554.

(7) Ibid. p. 572-580

8United Nations: World Economic Survey 1966. New York.

1967. p.38

(9) كل الاقوال المنصوص عليها هنا مأخوذة عن:

أبو الأعلى المودودى: الربا – دار الفكر. بيروت, 1961ص 43-44.

(10)Keynes: General Theory. Op cit, p.31

(11) رفعت المحجوب(د.): الطلب الفعلى. مع دراسة خاصة بالبلاد الآخذة في النمو. الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والاحصاء والتشريع القاهرة, 1963, ص185.

(12) رفعت المحجوب(د.): الطلب الفعلى. مرجع سبق ذكره ص188.

(13)Keynes: General Theory. P.27

(14) ظهرت حديثا بعض الكتابات التى تهون من شأن الاتجاه التنازلى للكفاية الحدية للاستثمارات الجديدة, بالاستناد الى دور المنظم ووظيفة مدير الاعلان في البلاد المتقدمة. فالمنظم الكفء يستطيع بحرصه على الابتكار, بقيامة بتطبيق المكتشفات العلمية الجديدة في مجال الانتاج للسوق, وهو ما يعنى ظهور سلع جديدة في السوق أو اكتشاف استعمالات جديدة للسلع المعروفة, أو طرائق جديدة لانتاج هذه السلع أو اكتشاف مصادر جديدة للمادة الخام. يستطيع المنظم الكفء بهذه الوسائل خلق طلب متزايد على انتاجه من جهة وتخفيض تكاليف هذا الانتاج من جهة أخرى. وكلا الامرين يعنى امكان ارتفاع معدل الكفاية الحدية لرأس المال. كذلك فان مدير الاعلان باتقانه لفنون الاعلان الجيد والدعاية الناجحة يستطيع أن ينفذ الى ضمير المستهلك بل ويسيطر على تفكيرة ومحركات سلوكه, بحيث يكون سيدا آمرا مطاعا, بما يؤدى الى ازياد تصريف المنتجات, وبالتالى رفع الكفاية الحدية للاستثمار.

ومع تسليم الباحث بالجدوى الاقتصادية لمثل هذه الجهود, فانه لا يرى لها أثرا الا فى رفع الكفاية الحدية مؤقتا, ولفترة قصيرة, أو في الابطاء من معدل الاتجاه التنازلى للكفاية الحدية, دون أن تلغي هذه الجهود الاتجاه العام لمعدل الكفاية الحدية نحو الهبوط بتزايد الاستثمارات في البلدان المتقدمة.

Henderson (J.S.): op. cit, p. 128-129انظر:

(15) أبو الاعلى المودودى: الربا. مرجع سبق ذكره. ص 33- 34

(16) 29Keynes: General Theory. P.

(17) أبو الاعلى المودودى: الربا. مرجع سبق ذكره, ص35.

(18) محمد زكى شافعى(د.): التنمية الاقتصادية. الكتاب الثانى دار النهضة العربية القاهرة, 1970, ص45.

(19)Keynes: General Theory. P. 56.

(20)محمد زكى شافعى: التنمية الاقتصادية الكتاب الثانى. مرجع سبق ذكره, ص43.

(21)U.N.: Capital Development Needs of The Iess Developed Countries.1962.p.2-4

(22) Gunnar Myrdal: Asian Drama. An Iquiry into the Poverty of Nations. Vol. 11. 1968. p. 709-721.

(23) رفعت المحجوب (د.): السياسة المالية في البلاد المتخلفة. مجلة القانون والاقتصاد. القاهرة. سبتمبر – ديسمبر 1957. ص93.

(24) يخلط كثير من الاقتصاديين بين فرض الاستثمار والميل أو الحافز على الاستثمار. ومنهم مثلا

Leipenstein (H.):’Economic Beckwardness and Economic Growth’ London. 1966. P. 125

(25)رفعت المحجوب(ه.): الطلب الفعلى…. مرجع سبق ذكره. ص259-264.

(26) Oskar Lange: Economic Development, planning and International Cooperation.1961, p.10.

(27) Lester. B. Pearson et. Al. Partners in Development Report of the Commission on International Development. 4969. P.30.

(28) International Flow of Iong – term Capital and official donations. 1963 – 1967 – 1969. P.55.

(29) Mohamed Zaki Shafei : Three Lecture on Economic Development. Cairo. 1970. P. 53.

(30)R- gnar Nurkse: Internetional Investiment Today in the Light of Nineteonth Century Experience. Iquilibrum and Crowth in the world Economy. 1961. P.135

(31) Coran Ohin: Foreign Aid Policies Reconsidered. 1966. p.78-80.

(32) United Nations: Conference on Trade and Development. Review of International Trade and Development.1967, pt.11. TD/5/add I, Augest 1967. P. 50.

(33) U. N. C. T. A. D.: Towards a new Trade Policy for Development 1967. P.21-22.

(34) (2,1) عيسى عبده (د.) : الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب. دار البحوث العلمية. بيروت. الطبعة الأولى, 1969.ص26-28.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر