أبحاث

تلامذة الإمام محمد عبده في التجديد الفكري والثقافي

العدد 119/120

محمد عبده مربيًا :

دارت حياة محمد عبده (1)  كلها حول التربية والتعليم، والتوجيه والإرشاد، وتحرير العقل، ومحاربة الجهل والخرافة، وإصلاح المقررات والمناهج، وتكوين الطلبة والتلاميذ، والنهوض بالأمة من الضعف والانحلال، ولم تفارقه روح المعلم حتى وهو في مرحلة الطلب الأولى يخطو خطواته العلمية طالبًا في الجامع الأحمدي بطنطا،

فيذكر أن بعض الطلبة من أقرانه كانوا يلتفون حوله ليشرح لهم قبل الدرس ما سيتلقونه عن شيخهم، فكان يوضح لهم ما غمض، ويبيًن ما أبهم (2) .

ولما انتقل إلى الجامع الأزهر سنة (1282 هـ – 1866 م)، واتصل بجمال الدين الأفغاني، وتعلم على يديه وتأثر به، كان يعاون زملاءه الطلاب في دروسهم، وقرأ لهم طائفة من الكتب العالية في علم الكلام التي كانت لا تقرأ في الأزهر، مثل شرح التفتازاني المتوفي سنة (791 هـ – 1389 م) على العقائد النسفية.

وبعد تخرجه وحصوله على العالمية سنة (1294 هـ -1877 م) أقبل على التدريس، وألقى على تلاميذه دروسَا في موضوعات كثيرة في المنطق وعلم الكلام، وقرأ في بيته دروسًا في الأخلاق والسياسة لطائفة من الطلاب الذين أقبلوا عليه، فقرأ لهم كتاب تهذيب الأخلاق لابن مسكويه المتوفي سنة (422 هـ – 1030 م)، وحاضرهم في علم السياسة معتمدًا على كتاب “التحفة الأدبية في تاريخ الممالك الأوربية للوزير الفرنسي” فرانسو جيزو”(3) .

ثم لم يلبث عيًن في سنة (1295 هـ – 1878 م) مدرسًا للتاريخ بمدرسة “دار العلوم” التي أنشأها علي باشا مبارك في سنة (1290 هـ – 1873 م) عندما كان ناظرًا للمعارف في عهد الخديوي إسماعيل، وقرأ على تلاميذه لأول مرة مقدمة ابن خلدون، ولم يكن لهذا النوع من الدرس عهد في مصر، وكانت طريقة الشيخ جديدة ومبتكرة، فهو يبسط آراء ابن خلدون في أسباب نهوض الأمم وسقوطها وأصول الحضارة والعمران البشري، ثم يعقب على ذلك بآرائه الخاصة في الشؤون السياسية والاجتماعية التي كونها من خلال قراءاته في الكتب الحديثة، ثم يطبق هذا كله على شؤون أمته ويبين أسباب ضعفها، والوسائل التي تعيد إليها ما فقدت من عزها ومجدها، ولا يكتفي بذلك، بل يكلف تلاميذه كتابة المقالات والفصول(4) . “وكتب في هذه الفترة كتابًا حافلاً في علم الاجتماع وفلسفة التاريخ، انتقد فيه بعض ما قاله ابن خلدون واستدل عليه، وبيًن ما نسخته طبيعة الاجتماع في هذا العصر”، غير أن هذا الكتاب فقد وضاعت أصوله(5)، وفي الوقت نفسه عيًن محمد عبده مدرسًا  للعلوم العربية في مدرسة الألسن الخديوية، فجمع بذلك بين العمل فيها ودار العلوم والأزهر، متبعًا طرائق جديدة في الدرس والشرح، مستعينًا بكتب تربي العقل وتحرر الفكر، وتهذب الخلق، مبتغيًا “إيجاد نابتة من المصريين تحيي اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وتقو عوج الحكومة”(6) .

ولم يطل عمله بالتدريس الذي كان يعقد عليه آمالاً كبيرة في الإصلاح، فأقيل من دار العلوم ومدرسة الألسن بعد تولّي الخديوي توفيق حكم البلاد خلفّا لأبيه إسماعيل الذي تنازل له عن العرش في ( من جمادي الآخرة 1296 هـ – 25 من يونيه 1879 م)، وحدًدت إقامته في قريته “محلة نصر” وأمر ألاً يغادرها، وكان ذلك بسبب صلته الوثيقة بجمال الدين الأفغاني الذي نفاه الخديوي توفيق إلى خارج البلاد في سنة (1296  – 1880 م)(7).

ثم عمل بالصحافة، وأسند إليه “رياض باشا” ناظر النظار في سنة (1297 هـ – 1880 م) رئاسة تحرير جريدة الوقائع المصرية، وهي لسان الحكومة الرسمي، وخوًله أن يشرك معه بعض المحررين، وكان من بين من اختارهم صديقه عبد الكريم سلمان، والشيخ سعد زغلول الذي كان يومئد طالبًا في الأزهر في نحو الحادية والعشرين من عمره، والذي صار فيما بعد زعيم الحركة الوطنية في ثورة 1919 م (8)، وكان الإمام محمد عبده قبل أن يعهد إليه بتحرير الوقائع الصرية قد اتصل بالصحافة، وكتب مقالات كثيرة بجريدة الأهرام الأسبوعية، وهو لا يزال طالبًا في الأزهر، ونشرت أول مقالة في (14 من شعبان سنة 1293 هـ – 4 سبتمبر 1876 م)(9)، وتوالت بعد ذلك مقالاته، وكان أسلوبه في هذه الفترة متأثرًا بلغة عصره من الحرص على السجع والصور البيانية القديمة، ثم ما لبث أن تحررأسلوبه واتجه إلى البيان العربي المرسل المشرق الديباجة(10).

ولم تكن جريدة الوقائع في هذه الفترة سوى “إعلانات رسمية مع بعض أخبار إدارية ووقائع محلية” فبادر الشيخ الشاب إلى النهوض بها وتوسيع ميدان نفوذها، وتحولت الجريدة إلى منبر لنشر الدعوة وإعلان الشكوى، وإسماع الحكومة ما تريد أن تسمعه وما لا تريد أن تسمعه، وكتب على صفحاتها كل ما يمكن أن يقوله لو تكلم أو حاضر في حلقات الأزهر أو قاعات دار العلوم(11).

وكان من أهم إنجازاته في أثناء عمله بالوقائع العمل على رفع مستوى التحرير في التقارير الرسمية، حتى اضطر كثير من رؤساء الكتاب إلى تلقي دروس في اللغة العربية، وأنشئت لهذا الغرض مدارس ليلية لتعليم الكتاب ومحرري الصحف، وتطوع محمد عبده لإلقاء الدروس بها.

وبلغ من حرصه على ضرورة النهوض بالتحرير في الصحف العربية – وكانت له سلطة المراقبة على الجرائد الوطنية والأجنبية التي تصدر في مصر – أن أنذر مدير جريدة معروفة بتعطيل جريدته إذا لم يختر لها محررًا صحيح العبارة، وبهذا استثمر سلطته في الارتقاء بمستوى التحرير، ومهًد لتقدم النهضة الأدبية في مصر(12)، ولم يكتف بذلك، بل أنشأ قسمًا أدبيًا في الجريدة، ليتسنى له نشر مايعن له ولأعوانه من أفكار وآراء تتصل بالشأن العام(13).

وكانت مقالات محمد عبده تدور حول النهوض بالبلاد والرقي بأبنائها، ووضع أسس للإصلاح والخروج من النفق المظلم الذي تعيش فيه الأمة، وكان مجال التربية والتعليم من المجالات التي حظيت باهتمام الشيخ الشاب، وتعددت مقالاته حول التعليم وقضاياه “فالذين يرومون الخيرالحقيقي لوطنهم يجب أن يوجهوا اهتمامه إلى إتقان التربية ونشرالتعليم، إذ أن إصلاح نظم التربية والتعليم في البلاد يجعل وجوه الإصلاح الأخرى أكثر يسرًا”(14) .

وكان يرى أن النهوض بالأمة إلى مستوى أعلى من الثقافة والتربية ليس امرًا سهلاً كما يظنه بعض الناس، وأنه ليس مجرد تحصيل شتات من العلوم الأوربية أو محاكاة الأوربيين في أحوال معيشتهم ؛ لأن الغاية من التعليم إذا فهمت على هذا النحو فإن النتيجة ستكون البعد عن الطريق المستقيم الموصل إلى المجد الحقيقي والشرف الذاتي(15)، والوصول إلى حالة التمدن التي عليها “جيراننا في الممالك الغربية، ليس بنقل أفكارهم وعاداتهم وأطوارهم دون فحص ذلك”(16) .

وتناولت مقالاته الأخرى في جريدة الوقائع وموضوعات : الزواج باعتباره ضرورة اجتماعية(17)، وتعرض لمسألة تعدد الزوجات(18)، وكتب عن البدع الدينية الضارة والمنافية لروح الدين، وعن الإسراف وجنون الإنفاق(19)، وتعرض لحكومة الشورى(20)، وذكر أن كل تشريع يضعه ممثلو الأمة المختارون ينبغي أن يكون متفقًا مع روح الإسلام منذ نشأته، وأن من واجب الرعية مناصحة الحكام عن طريق مندوبيهم(21)، ولم تأت الشريعة بكيفية مخصوصة لمناصحة الحكام، ومن ثم فليس هناك ما يمنع من وضع نظام خاص يكفل تحقيق العدالة والمصلحة العامة(22) .

وهدف الشيخ محمد عبده ن وراء عمله في رئاسة تحرير الجريدة الذي استمر نحو ثمانية عشر شهرًا(23)  رفع مستوى الأمة وتقويم أخلاقها والنهوض بها نهضة ثقافية واجتماعية في تدرج وأناة ومن غير عنف ولا طفرة، وكان يعتقد أن ذلك يتم إذا سلك قادتها سبيل التربية والتثقيف، لا سبيل تقليد الغرب من غير فهم بصير ولا إدراك عميق، والتمسك بظواهر المدنية المادية مع إغفال صميم المدنية الروحية الصحيحة(24)، ويصور تلميذه الشيخ رشيد رضا عمل أستاذه محمد عبده تصويرًا دقيقًا يكشف عن شخصية الإمام وميادين توجهه، ورؤيته للأدواء التي تحتاج إلى إصلاح، وأوليات اهتماماته، فيقول : “كان يشرف من نافذة غرفة تحرير الجريدة الرسمية على نظارات الحكومة ومجالسها ومحاكمها ومصالحها، فيصلح لعمالها ما يكتبون ويرشدهم إلى إصلاح العمل فيما يعملون، ثم يشرف من نافذة  أخرى لها على الأمة فيقوم من أخلاقها، ويصلح ما فسد من عاداتها، ويطل من نافذة ثالثة فيها على الجرائد العربية فيعلمها حسن التحرير ويربيها على الصدق في القول(25) .

وقد ساهمت هذه الكتابات في إيقاظ الرأي العام، ونمو  الحركة الوطنية، وتهيئة الأمة للمطالبة بالتغيير والإصلاح، الأمر الذي أوجد إطارًا فكريًا انطلقت من رحمه الثورة العرابية، وكان من أسباب قيامها، ولم يكن محمد عبده مشايعًا لها في بادئ الأمر ؛ لأنه كان يرفض أسلوب الثورة خشية وقوع البلاد تحت الاحتلال الأجنبي، ويرى أو أول ما يجب أن يبدأ به هو التربية والتعليم، لتكوين رجال يقومون بأعمال الحكومة النيابية التي كان من أنصارها، وأن يكون ذلك على بصيرة، وحمل الحكومة على العدل والإصلاح، وتعويد الأهالي على المشاركة في المصالح العامة(26) .

ولما فشلت الثورة العرابية اتهم محمد عبده بالتآمر مع رجالها، وسيق إلى المحاكمة مع زعماء الثورة، وحكم عليه بالسجن، ثم بالنفي ثلاث سنوات، ومنع من العودة إلى البلاد حتى تأذن له الحكومة بذلك، فغادر مصر إلى بيروت في (13 من صفر سنة 1300 هـ – 24 من ديسمبر 1882 م)(27)، ولم تطل إقامته الأولى هناك، فبعد عام كتب إليه جمال الدين الأفغاني – وكان في باريس – يدعوه للحاق به والعمل معه في تأسيس جمعية وصحيفة أسبوعية باسم “العروة الوثقى” للدعوة إلى الجامعة الإسلامية ولمناهضة الاحتلال الأجنبي، وكانت “العروة الوثقى” أول صحيفة عربية ظهرت في أوربا، وقد صدرمنها ثمانية عشر عددًا، اولها في (15 من جمادى الأولى سنة 1302 هـ – 13 من مارس سنة 1884 م)، وآخرها في (26 من ذي القعدة سنة 1302 هـ – 17 من أكتوبر 1884 م)(28) .

وكان عمله في هذه الجريدة عمل المحرر الأول، ولما كان لهذه الجريدة من أثر في إيقاظ الوعى في العالم الإسلامي فقد خشيت بريطانيا من امتداد تأثيرها، فحالت دون وصولها إلى أيدى قرائها، وهو ما عجل بتوقفها، فاحتجت عن الظهور بعد العدد الثامن عشر، وافترق المصلحان الكبيران، فسافر جمال الدين الأفغاني إلى فارس، ورجع محمد عبده إلى بيروت.

وفي بيروت توقف محمد عبده عن العمل السياسي الصريح بعد أن ازداد إيماًنا بعقمه وضعف الأمل في الملوك والأمراء، وضرورة الاعتماد على الأمة  في النهوض واللإصلاح بالعلم  والتربية الاجتماعية الصالحة، وقد عبًر عن قناعته تلك بقوله لبعض تلاميذه : ” إن السيد جمال الدين الأفغاني كان صاحب اقتدار عجيب لو صرف ووجهه للتعليم و التربية لأفاد الإسلام أكبر فائدة، وقد عرضت عليه حين كنا في باريس أن نترك السياسة ونذهب إلى مكان  بعيد عن مراقبة الحكومات، ونعلم ونربي من نختار من التلاميذ على مشربنا، فلا تمضى عشر سنين إلاً ويكون عندنا من التلاميذ الذين يتبعوننا في ترك أوطانهم والسير في الأرض لنشر الإصلاح المطلوب، فينتشر أحسن الانتشار، فقال : إنما أنت مثبط”(29).

 وتفرغ  الإمام محمد عبده في بيروت للتعليم والتثقيف والتوجيه والإرشاد، فأخذ يلقى دروسًا في تفسير القرآن في ” الجامع الكبير” و “جامع الباشورة”، من مساجد بيروت، لا يلتزم بها فيه كتابًا، وإنما يقرأ الآية من القرآن ويفسرها  من عنده بما يختار من التفاسير وبما يفيض الله على قلبه، ويستطرد في شرح أحوال المسلمين ونقدهم حسبما تلهمه الآية (20).

وبلغ من شهرة الشيخ في تفسير آى القرىن ان جذب إليه بعض المستنيرين  من المسيحيين، فكانوا يحضرون هذه الدروس، فيذكر رشيد رضا ” أنهم استأذنوه في دخول المسجد والجلوس في ناحية من حلقات الدرس فأذن لهم” (31).

ثم دعى إلى المدرسة السلطانية ببيروت في سنة( 1303هـ = 1886م)، ولم يكن يدرس بها من العلوم العربية سوى مبادئ  النحو والصرف، فارتفع بها إلى ما يشبه المدارس العالية، بعد أن أصلح برامجها، ودرس فيها التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ الإسلامي، والفقه على مذهب أبى حنيفة، وجعل من بيته ندوة للحديث العلمى والأدبى، وشرح في أثناء إقامته هناك : نهج البلاغة، وديوان الحماسة، واتصل بالصحف  فكتب في جريدة ” ثمرات الفنون” مقالات شبيهة بمقالاته فى ” الوقائع المصرية” والتفت إلى المصالح العامة للدول الإسلامية، فانتهز فرصة صدور إدارة سنية من السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى بتشكيل لجنة تحت رياسة شيخ الإسلام لإصدار البرامج التعليمية في المدارس الإسلامية، فوضع لائحتين في إصلاح التعليم الديني، ورفع واحدة منهما إلى الآستانة مبينًا فيها أن ضعف المسلمين سببه سوء فهم العقيدة والجهل باصول الدين، وفساد الاخلاق، وأن العلاج الوحيد هو إصلاح التعليم الديني، وأما اللائحة الاخرى فقد رفعها إلى والي بيروت أرجع فيها سوء الحال إلى كثرة المدارس الأجنبية، واقترح تعميم المدارس الوطنية، وإصلاح برامج التعليم الديني والعناية به(32).

وبعد أن أقامت في بيروت نحو ثلاثة أعوام ونصف صدر عفو الخديوي توفيق باشا عنه بسعى بعض أصحاب النفوذ من تلاميذه، وكبار أصدقائه ومحبيه، فعاد إلى مصر سنة (1306 هـ = 1889م)، وكان يود لو عاد إلى التدري في دار العلوم، حتى يتسنى له تربية أجيال جديدة على أساس من فكره وآرائه، لكن الخديوي توفيق رفض ذلك خوفًا من تأثير الشيخ(33) ، وعينه قاضيًا في المحاكم الشرعية، وظل يرتقى حتى عين مستشاراً في محكمة الاستئناف بالقاهرة سنة (1312هــ = 1896م)، وكان على منصة القضاء يتحرى الحق، وإصابة العدل في القضايا، ويسعى لحل المشكلات بالتوفيق بين الخصوم، ويصلح بينهم إن وجد إلى ذلك سبيلًا، فإن أعانه القانون على ذلك تمسك به، وإن لم يجد لجأ إلى روح القانون، وصرف نظره عن حرفيته(34)، وكان يتوخى في أحكامه تربية الجمهور وإيقاظ ضميرهن وبخاصة فيما يتعلق بجرائم الفسق وشهادة الزور، وقد شهد له معاصروه من القضايا أنه كان معلمًا في أحكامه، وأنه كان من لوازمه التأمل والتدبر ومراجعة الفكر قبل أن ينتهى إلى حكم الذى يقرن النطق به بأداء واجبه في الأرشاد والتنوير والنصح والتوجيه، حتى ليبدو المحكوم عليه مقتنعًا با حكم ضده به(35).

 ثم اتصل الشيخ محمد عبده بالخديوي عباس حلمى الثانى، وأقنعه بضرورة إصلاح المؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية، ممثلة فى الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، ونجح فى استصدار قانون في (17 من رجب 1312 هـــ = 15 من يناير 1895م) شكل بمقتضاه مجلس محمد عبده وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمانف مجلس الإدارة ممثلين للحكومة، دون أن يكون لشيخ الأزهر أو لمجلس إدارته رأى في انتخابهما(36).

وكان الشيخ محمد عبده الروح المحركة للمجلس  فبدأ بإدخال اللوائح الإدارية المنظمة للأزهر- وكان يرى أن إصلاح الأزهر أعظم خدمة للإسلام، فإن إصلاحه غصلاح لجميع المسلمين وفساده فساد لهم- فعمل على زياة رواتب علماء الأزهر، وجعل ذلك وفق درجاتهمن ووجه عنايته إلى الأهتمام بمساكن الطلبة المجاورين، وتجديد أثاثها، وتحسين شروطها الصحية، وأوصل إليها المياه والكهرباء، وعين طبيبًا لمباشرة شؤون الطلبه الصحية، وشكل لجنة للنظر فى نظام التدريس من ثلاثين عالًما، وعهد إليها فحص العلوم التى تدرس بالفعل، واقتراح ما ترى إضافته من علوم، على أن ترفع اقتراحاتها إلى مجلس الإدارة، واهتدت اللجنة غلى مقترحات جديدة بشأن المواد الدراسية التى ضمت علومًا جديدة كالحساب ومبائ الهندسة، وتقويم البلدان ، وبشأن طرق التدريس، واوقات الإجازات الدراسية، ونظم الامتحانات، غير أن هذه المقترحات قابلتها عقبات فى سبيل تنفيذها، ووقفت فى وجهها عواصف هائجة، وبخاصة بعد أن ساءت العلاقة بين الخديوي والشيخ محمد عبده، ومعارضة المحافظين من علماء الأزهر في قبول هذه التجديدات(37).

 وفى (24 من محرم سنة 1317 هــ = 3 من يونيو 1899م) عين الشيخ محمد عبده مفتيًا للديار المصرية، فبث فى هذا المنصب روحًا جديدة، ووسع من دائرة نفوذه، فلم يعد صاحبه مقصورًا على الأفتاء فيما يحال إليه من مسائل، ولا يكتب  إلا فى القضايا التى تحال عليه من المصالح، بل فتح بابه لإفادة الأفراد(38) ، وتناولت فتاواه الأمور التي نشات عن اختلاط المسلمين بغيرهم، ممن يخالفونهم فى الجنسية والدين ، وأيضًا التى استحدثت بفعل المدنية الحديثة، ولم يتح لأحد من الفقهاء قبله أن يقف عليها أو يشهد حدوثها(39). .

وفى أثناء عمله بدار الأفتاء عهدت إليه الحكومة بالتفتيش على المحاكم الشرعية، وبحث حالها؛ فكتب تقريرًا ضافيًا عن أحوال المحاكم الشرعية في ثلاث وثمانين صفحة، بعد أن طاف الوجهين القبلى و البحرى في مصر، ولم يدع محكمة في مديرية أو مركز غلا وزارها، ووقف على أمرها، وتعرف حال موظفيها، وذكر فى تقريره مواضع الخلل وأسباب القصور فى تلك المحاكم، وبين طرق العلاج وما يراه مناسبًا للنهوض بأعمالها، وسبل الأرتقاء بمستوى القضاة، واقترح مشروع إنشاء مدرسة القضاء الشرعى لتمد المحاكم بالأكتفاء من القضاة الشرعيين(40).، وكان من رأى الأستاذ الإمام الذى بثه فى مقالاته أن يتلقى طلاب مدرسة القضاة الشرعى العلوم العصرية، فيتعلمون إلى جانب الفقه والأحكام والمعاملات، الحساب والتاريخ وتقويم البلدان(41).

كما بدأ الشيخ محمد عبده يلقى دروسه في تفسير القرآن الكريم بالجامع الأزهر فى الرواق العباسى، وذلك فى شهر (المحرم 1317 هـــ = يونيو 1899م)، واستمر فى إلقائها نحو ست سنوات(42)، وبلغ فى التفسير من أول القرآن الكريم وحتى الآية (125) من سورة النساء، وكان يحضر هذه الدروس عدد كبير من تلاميذه ممن صاروا بعد ذلك من أعيان الثقافة و الفكر والإصلاح فى عصره ن أمثال: محمد رشيد رضا، وعبد العزيز جاويش، وأحمد إبراهيم، وعبد الوهاب النجار، وأحمد تيمور باشا(43).

وإلى جانب عمله بالأفتاء تولى رئاسة الجمعية الخيرية الإسلامية سنة( 1318 هــ = 1900م)، وكان قد شارك فى تأسيسها من قبل بهدف نشر الثقافة بين الطبقات الفقيرة، ومد يد العون إليهم(44)، كما أسس ” جمعية إحياء الكتب العربية القديمة” للعناية بنشر روائع المؤلفات العربية، وذلك فى سنة(1318هــ = 1900م)(45)، وتولى الرد والدفاع عن الإسلام فى واجهة مطاعن جبريل هانوتو وزير خارجية فرنسا، وفرح أنطوان الذى نشر مقالة عن الفيلسوف ابن رشد، أكد فيها أن المسيحية كانت أرحب صدرًا فى مواجهة العلماء والفلاسفة(46).

وفى (7 من جمادى الأول سنة 1323 هــ = 11 من يوليو 1905م) توفى الشيخ محمد عبده، عن حياة فكرية خصبة، وجهود فى التربية والإصلاح، وآمال واسعة لم يتسع له الوقت لإنجازها، وإن أنجز كثير منها بعد وفاته، بفضل تلاميذه ومحبيه.

·                 مفهوم التجديد عند محمد عبده:

رأى الشيخ محمد عبده أن المسلمين بلغوا حالة من التخلف والتردى والضعف تدعو غلى الأسى والحزن، وأن المحاولات الإصلاحية التى سبته لإصلاح حال المسلمين لم يكتب لها النجاح الكامل، وأن الإصلاح السياسى لا يمكنه وحده القيام بعبء النهوض ، وكان لابد من تحديد الأدواء التى ألمت بالأمة، وتشخيص الأمراض التى أنهكت جسدها العليل، فأرجع ما حل بها إلى غلبة الجهل وتغييب العقل، وسوء فهم الدين، وظهور الفرق والشيع التى أدت إلى تمزيق وحدة الأمة بما أحدثته من اضطراب فى فهم أصول الإسلامية، يضاف إلى ذلك غلق باب الأجتهاد وجود الفقهاء عند ما وصل إليهم من الأسلاف دون تغيير أو تبديل وصار الخروج على ذلك مروقًا وخرقاً للدين.

وترتب على  غلق باب الاجتهاد أن ضعفت روح التجديد والابتكار، وتوقفت مسيرة الإبداع الفكرى عبر قرون عديدة، يضاف إلى أسباب التخلف والضعف اللذين حلاً بالمسلمين  أساليب  الحكم الاستبدادية التى اتبعها الحكام والخلفاء المسلمين(47).

وقد ركز الشيخ محمد عبده دعوته الإصلاحية فى أمرين ” الأول : تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعه الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه، وتقلل من خلطه وخطبه، لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنساني، وأنه على هذا الوجه يعد صديقًا للعلم، باعثًا على البحث فى أسرار الكون، داعيًا إلى أحترام الحقائق الثابتة، مطالبًا بالتعويل عليها فى أدب النفس وإصلاح العمل، كل هذا أعده أمرًا واحداً، وقد خالفت فى الدعوة غليه رأى الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منها جسم الأمة… طلاب علوم الدين ، ومن على شاكلتهمن وطلاب فنون هذا العصر ومن هو فى ناحيتهم”(48).

وهذا النص يكشف  عن مشروع الشيخ محمد عبده الإصلاحى الذى يجافى تيار الجمود والتقليد فى دوائر طلاب العلم الدينى، والنموذج الغربى الزاحف على العالم الإسلامى ، وهو النموذج الذى ينحاز إلى الدنيا فى مواجهة الدين، وإلى العقل فى مقابلة النقل، وقد أفاض الشيخ محمد عبده فى بيان منهج الوسطية الإسلامية التى انحاز إليها فى تفسير قوله تعالى: }وكذلك جعلناكم أمة وسطًا{(49)، ومما قاله فى هذا الشأن : ” والحياة فى الإسلام مقدمة على الدين، أوامر الحنيفية السمحة إن كانت تختطف العبد إلى ربه، وتملأ قلبه من رهبه، وتفعم أمله من رغبة، فهى مع ذلك لا تأخذه عن كسبه ولا تحرمه من التمتع به، ولا توجب عليه تقشف الزهادة، ولا تجشمه فى ترك الملذات، وما فوق العادة…..” (50).

أما الأمر الثانى الذى عنى به فى دعوته الإصلاحية فهو ” إصلاح أساليب اللغة العربية فى التحرير، سواء كان فى المخاطبات الرسمية بين دواوين الحكومة ومصالحها، أو فيما تنشره الجرائد على لكافة منشأ أو مترجمًا من لغات اخرى أو فى المراسلات بين الناس” (51).

وأولى الشيخ محمد عبده التربية الإسلامية الصحيحة وإصلاح التعليم عنايته الكبرى، وجعلهما فى تحقيق الإصلاح المنشود، وتحرير البلاد من ربقة الاستعمار الأجنبى، ونادى بالجمع بين العلوم الإسلامية الأصيلة التى ” أرضعت ثدى الإسلام وغذيت بلبانه، وتربت فى حجره وتقلدت فى إيوانه من زمن يزيد عن ألف سنة، وتناولتها أيدى الخلص منا وتناقلتها عنهم الألسنة” (52).، وبين العلوم العصرية التى تمكن المسلمين من امتلاك أسباب القوة والتقدم ومواجهة أطماع الدول الأوروبية ، وهو ما يدعو إلى النقل الواعى والاقتباس البصير من الغرب المتقدم ، فالوصول غلى حالة التمدن التي عند الغربيين لا يكون بنقل أفكارهم وعاداتهم وأطوارهم دون فحص أسباب ذلك”(53).

 وفى ضوء هذا يفهم دعوته لإصلاح الأزهر بناء على أنه ليس هناك تعارض فى الجع بين العلو الطبيعية والعلو العقلية من جهة، والعلو الإسلامية ن جهة أخرى، وليس فى هذ الأمر بدعة، فقد قامت الحضارة الإسلاية عتدة على هذين الأساسين وهي فى أزهى احوالها.

وهذا الاتجاه المحافظ المستنير جعله يدعو لإحياء التراث القدي، فشرح كتاب ” نهج البلاغة” للإمام على بن أبى طالب، وكتاب ” مقدمات بديع الزمان الهمذاني “، وقام بتدريسها فى اثناء إقامته فى بيروت، ونشر كتابى الجرجانى “أسرار البلاغة”، و”دلائل الإعجاز”، ودرسها لطلاب الأزهر والمحببين له ن طلاب العلم، وأسس جعية لإحياء التراث العربي قامت بنشر كتاب ” المخصص ” لابن سيده، وهو من أمهات كتب اللغة، وعهد بضبطه وتحقيقه إلى الشيخ الشنقيطى اللغوى العروف، وفى الوقت نفسه حث تلاميذه على الترجمة، باعتبارها من وسائل الاتصال بالحضارة الغربية، ولعل ا ترجه أحمد فتحى زغلول من عيون كتب الفكر الغربي كان بتوجيه ن أستاذه الشيخ محمد عبده ، وهو بذلك يكون قد حمل امانة الدعوة غلى الجمع بين الأصاله والعاصرة.

ولم يكتف   هو بالدعوة إلى ذلك، بل قرن القول بالعمل ، فإلى جانب قياه بتدريس الكتب العربية القديمة كان تاريخ المماليك الأوروبية وتعلم الفرنسية  حتى أتقنها بعد أن تجاوز الأربعين حين رأى أنه لابد من الرجوع إلى مصادر الفقه الفرنسي  فى لغته الأصلية ليكون عوناً له فى القضاءن وأقدر على خدمة أمته ومصالحها ، وأشار هو إلى ذلك بقوله : إن الذى زادنى  تعلقًا بتعليم لغة أجنبية هو أني وجدت أنه لا يكن لأحد أن يدعى أنه متمكن به من خدمة أمته، ويقدر على الدفاع عن مصالحها كما ينلغى إلا إذا كان يعرف لغة أوربية… كيف لا وقد أصبحت مصالح السلمين مشتبكة مع الأوربيين فى جميع أقطار الأرض” (54).

 وقد اتسعت لديه ميادين الإصلاح، فشملت ما هو دينى واجتماعى وسياسى وأدبى، وترك فى كل ميدان بصمة واضحة ظل أثرها ممتدًا، وتلاميذ مخلصين حملوا الراية بعده.

·                 مدرسة الإمام محمد عبده:

ماري الإمام محمد عبده العمل  الإصلاحى والريادة العلمية والتربوية ما يقرب من ثلاثين سنة، تقلب خلالها فى وظائف مختلفة، فكان معلمًا وصحفيًا وقاضيًا ومفتيًا، ولم يفارقه فى كل عمل قام به هاجس الإصلاح والتجديد، وتربية الأمةن والنهوض بها، والقدرة على تكوين تلاميذ يحملون فكره، ويؤازرونه فيما يذهب إليه، وقد تأثر به تلاميذ كثيرون  لم يجمعهم تيار فكرى واحد، أو عمل واحد، فكان فيهم المجدد والمحافظ والفقيه والأديب والقاضى والمؤرخ والفيلسوف والسياسى، تربطهم  الرغبة فى إصلاح الوطن كل على طريقته ومشربه ، والتأثر بقوة شخصية الإمام وكتاباته التى صارت مصدر وحى لرجال السياسة والاجتماع والدين والفلسفة فى مصر.

وإذا استعرضنا تلاميذه الذين تعلموا على يديه وتأثروا بأفكاره ونهجه نجد من بينهم من اختار الميدان الاجتماعى مجالًاً لعلمه، مثل قاسم أمين (1865 – 1908م) الذى تابع شيخه فاهتم بقضية المرأة وإصلاح أحوالها ورد اعتبارها فى ضوء أحكا الشريعة التى أنضفتها وأعطتها حقوقها كاملة، وإذا كانت المرأة قد عانت شيئاً ن المظالم فى المجتمع الإسلامى، فإن الإسلام ليس بمسؤول عن ذلك، وإنما المسؤول  عن ذلك العادات الجاهلة والأعراف الاجتماعية الظالمة.

وقد وجدت دعوة قاسم أمين مؤيدًا ونصيرًا من ملك حفني ناصف المعروفة بباحثة البادية، التي أخذت تكتب عن حق المرأة في التعليم والعمل، وكانت في كتاباتها أشد محافظة من قاسم أمين  وملك حفني ناصف الذي كان واحدًا من شيعة الإمام محمد عبده ومن أفضل رجاله(55).

ومن بين تلاميذ الإمام محمد عبده من كانوا جسورًا ثقافية أسهمت في بناء النهضة الفكرية والأدبية، ومرحلة انتقالية بين القديم بأسلوبه وأفكاره، وبين الحديث بطموحه وتجديده، وكان الشيخ نفسه في بعض نواحي تجديده داعية إلى تذليل الكتب المعقدة وإعادة تدوين العلوم الإسلامية والعربية بلغة العصر، وقد بدأ من ذلك برسالة التوحيد فحدد أعو مسائل علم الكلام بأسلوب واضح مبين، وقد جذب ذلك الدور الهام عددًا من تلامذة الشيخ.

ونستطيع أن نحدد نفرًا من تلاميذه قاموا بهذا الدور خير قيام، ففي مجال الأدب : يبرز اسم حفني ناصف الأديب الكبير الذي تلقى تعليمه في الأزهر وفي دار العلوم، وكان الإمام محمد عبده من بين أساتذته في هذين المعهدين، ثم استعان به في تحرير الوقائع المصرية مع إبراهيم اللقاني، ومحمد صالح، وسلطان محمد، وغيرهم(56)، وبعد تخرجه عمل في التدريس والقضاء وفي الجامعة المصرية الأهلية عند إنشائها، وهو من الكتاب الذين تأثروا بطريقة ابن العميد والقاضي الفاضل، شأنه في ذلك شأن كثير من كتاب عصره الذين تأثروا بإحياء التراث القديم، فسجع واقتبس وأزوج في رسائله، وأنشأ مقامات الحريري وبديع الزمان، وفي الوقت نفسه كتب  رسائل بليغة بأسلوب مرسل خالي من الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية(57) ، وقد أشار إلى ذلك أحمد الإسكندري بقوله : “وحفني بك ممن تم على أيديهم نقل الكتابة من الطريقة البديعة المسجوعة الكثيرة التورية التي سميناها طريقة القاضي الفاضل إلى طريقة الترسل الحالية.. . وله في كلتا الطريقتين رسائل بليغة”(58)  وهذه المرحلة كانت تمهيدًا للكتابة الفنية التي بلغت قمتها على يدي العقاد والرافعي والمازني  وطه حسين  والزيات.

على أن أهم عمل قام به حفني ناصف هو ضبط المصحف الشريف ورسمه بالصورة  التي هو عليها الآن، وكانت وزارة المعارف قد عهدت إليه بتصحيح الأغلاط الإملائية التي وقعت في رسم المصحف نتيجة تكرار طبعه، فقام بمراجعة المصحف وابتدع قواعد خاصة بالإملاء الذي كتب به في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه، وقد صحح وفقًا لهذه القواعد نحو مائتي خطأ إملائي، وطبع المصحف الجديد، فجاء خاليًا من الأخطاء، وقد وضع حفني ناصف كتابًا في قواعد رسم المصحف، ولكنه لم يطبع بعد”(59)، وكان حفني ناصف يرى أن المحافظة على الرسم العثماني أمر يجب اتباعه صيانة للقرآن الكريم من العبث، وقد استغرق هذا العمل منه زهاء سبع سنوات، وقد كان يساعده في هذا العمل العالمان الجليلان أحمد الإسكندراني ومصطفى العناني.

وكان حفني ناصف من المؤسسين لإنشاء الجامع الأهلية مع سبعة عشر رجلاً من أعلام السياسة والرأي في مصر، اجتمعوا في بيت سعد زغلول لهذا الغرض في سنة (1324 هـ – 1906 م)، وتولى حفني ناصف إعداد اللائحة لهذا المشروع بمساعدة عضوين آخرين هما مرقس حنا، وعلي فهمي، ولم تحل سنة (1326 هـ – 1908 م) حتى دخل المشروع في حيز التنفيذ، وتولى حفني ناصف رئاسة مجلس إدارة الجامعة في تلك السنة(60) .

وإلى جانب ذلك صنف عدة كتب في النحو والبلاغة والإنشاء كانت من الكتب المقررة في المدارس، وطبعت محاضرات له في تاريخ الأدب العربي التي ألقاها في الجامعة المصرية، وبهذا كان حفني ناصف ن باعثي النهضة الأدبية الحديثة(61).

وفي مجال التجديد في الكتابة الفقهية يبرز اسم الفقيه الكبير “أحمد إبراهيم بك” الذي تلقى تعليمه بالأزهر ودار العلوم، وحضر دروس الإمام محمد عبده التي كان يلقيها في الأزهر، وفي بيته(62)، وبعد تخرجه عمل بالتدريس في مدرسة الحقوق، ثم انتقل أستاذًا إلى مدرسة القضاء الشرعي حين أنشئت سنة (1325 هـ – 1907 م)، وظل بها سبعة عشر عامًا، تخصص فيها في تدريس الفقه، وعلى يديه تخرجت طائفة من كبار الفقهاء المجددين، يأتي في مقدمتهم الشيخ “علي الخفيف” ببحوثه المبتكرة، وفتاواه الجريئة، وكتبه الرصينة، والشيخ “محمد أبو زهرة” الفقيه المعروف، و”عبد الوهاب خلاف”، و”فرج السنهوري”، و”علي حسب الله”، وكلهم كان له دور بارز في التجديد الفقهي في العصر الحديث.

وترجع أهمية الشيخ أحمد إبراهيم إلى كونه ممن تحققت على أيديهم النقلة في التأليف بين الطريقة القديمة المتبعة  في الكتابة الفقهية، ووضع الحواشي والتعليقات والشروح الحرفية إلى كتابة الفقه بلغة عربية دقيقة العبارة، حسنة البيان، جميلة العرض، ولعل عمله في مدرسة الحقوق والقضاء الشرعي حيث زامل أساتذة القانون الوضعي جعلته يتأثر بطريقتهم في الكتابة وفي أسلوبهم في العرض والتناول.

وهو من أوائل من كتب البحوث الفقهية المقارنة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي حتى صار مرجعًا في الفقه المقارن وحجة في الموازنة بين المذاهب الفقهية، وللشيخ أكثر من ثلاثين كتابًا في الفقه الإسلامي تتناول : الأحوال الشخصية، أحكام المرأة،والنفقات، والوصية، والمعاملات(63).

وفي مجال التاريخ يبرز اسم الشيخ “محمد الخضري” (1872 – 1927 م)، وهو ممن تعلموا بالأزهر ودار العلوم، واتصل بالإمام محمد عبده، وحضر دروسه، وعمل بالتدريس في دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي والجامعة الأهلية(64)، وهو من المجددين في الكتابة التاريخية الذين أسهموا بدور فعال في تقديم مادة تاريخية في ثوب جديد يختلف في العرض والتحليل عن كتب القدماء، وهو يمثل النقلة المهمة بين الكتابة الحولية القديمة، الكتابة المنهجية المعروفة الآن، ولا تزال كتبه حتى الآن مراجع يعود إليها الباحثون في التاريخ الإسلامي، ولم يكن في كتاباته يميل إلى السرد التاريخي دون مناقشة أو تحليل والكشف عن الأسباب ودراسة النتائج، وما كتبه عن الدولة الأموية وإنصافها يعد الأساس الذي تأثرت به الدراسات التاريخية الحديثة حول هذا الشأن(65).

وللخضري مساجلات فكرية مع قاسم أمين حول كتاب تحرير المرأة، وطه حسين في الشعر الجاهلي، وجورجي زيدان عن قصته عذراء قريش، وله مساجلات مع الكاتبة “مي زيادة” حول قضايا المرأة، ويجدر بالذكر أن “مي زيادة” كانت من تلاميذ الشيخ الخضري حين كان يدرس بالجامعة(66).

وقد صاحب الخضري شيخه الأستاذ الإمام مصاحبة علمية فقرأ كثيرًا من الكتب بإشارته، وألف بعض البحوث بتوجيهه، ويتحدث الخضري عن هذه العلاقة في مقدمة كتابه “أصول الفقه” فيقول : “وفي سنة 1905 م كلفت أن أملي دروسًا في أصول الفقه على طلبة كلية غوردون الذين يربون ليكونوا قضاة بمحاكم السودان الشرعية، فبذلت الجهد في أن أجعل ما أمليه عليهم سهل العبارة، واضح المعنى، ورأيت أن لا فائدة من إكثار الموضوعات، مع استغلاق الألفاظ، فكنت أختار لهم المسائل معتمدًا على أصول البزودي وشروح ابن الحاجب … وصادف بعد ذلك أن زارنا الأستاذ الإمام محمد عبده، فأحببت أن أعرض عليه ما كتبته ليكون عندي شيئًا من الاطمئنان، فعرضته عليه، فقرأ كثيرًا منه، وناقش الطلاب في بعض مسائله، وأثنى على ما كتبته خيرًا، ولكنه أشار عليً أن أطالع كتاب الموافقات للشاطبي، وأمزج ما أملي بشئ منه ليكون في ذلك لفت نظر الطلاب هذا العلم إلى معرفة أسرار التشريع الإسلامي”.

وكان لكتاب الخضري في أصول الفقه فضل السبق، حيث تأثر به من كتب في علم الأصول من أساتذة كليتي الحقوق والشريعة الإسلامية بمصر، وللشيخ أيضًا تجربة رائدة أقدم عليها دون سابقة في هذا المجال، وهو تأليفه لكتاب يتناول تاريخ التشريع الإسلامي، قد رتب مباحثه على العصور، فتحدث عن التشريع في عصر النبوة، ثم في عصر الصحابي، حتى وصل إلى العصر الحديث.

ويقترن بالشيخ محمد الخضري في تجديد الكتابة التاريخية الشيخ عبد الوهاب النجار (1279 – 1360 هـ – 1862 – 1941 م)، وقد تلقى تعليمه الديني في الجامع الأحمدي بطنطا، ثم التحق بدار العلوم بالقاهرة، وكان زميلاً لعبد العزيز جاويش وأحمد إبراهيم، في هذه المدرسة العتيقة، وحضر دروس الإمام محمد عبده حين كان يقوم بشرح مقدمة ابن خلدون لتلاميذه، ويفسرمراميها، وقد تأثر عبد الوهاب النجار بالمقدمة وبطريقة شيخه، فورث عنه حرية الرأى وأصالة النقد وعمق التحليل وعدم التسليم بالروايات التاريخية حتى يضعها تحت  مجهر النقد والنظر العقلى حتى يصل إلى الحقيقة، وقد تحدث عن ذلك بقوله: ” كان أستانا حمد عبده قبل نفيه إلى بلدة حلة روح مدرسًا بدار العلوم، وكان يكلف الطلبة بدراسة المقدمة، وكان يكتب هو معهم، فتكون من كتابة أستاذنا جزء عظيم من الموضوعات التى تناولها ابن خلدون” . وبعد تخرجه عمل أستاذًا فى المدارس الأميرية، ثم فى الجامعة الأهلية مع زميله محد الخضرى، ثم عمل فى دار العلوم مدرسًا للمنطق ، ثم انتقل إلى كلية أصول الدين أستاذًا للدعوة الإسلامية(67) .

وقد غلب ثقافة عبد الوهاب النجارفى مجال التاريخ على مجالات أخرى من المعرفة كاللغة والتشريع، وكان فيها مبرزًا، وقدم للمكتبة العربية كتاب ” قصص الأنبياء”، وكان فتحًا جديدًا فى التأليف فى هذا الميدان، فكشف الزيف المختلط بسير الأنبياء، ونحى فى الكتابة منهجًا دقيقًا فى ضوء قواعد علمية حددت اتجاه بحثه، وقد سردها فى مقدمة كتابه، من تلك القواعد ما يلى:

1-             أن العقل ركن المعتقدات الأول، فما أوجبه كان واجبًا، وما أحاله كان محالًا، وما أجازه كان جائزًا.

2-             إن الخبر الوارد عن المعصوم إذا كان قطعى الثبوت والدلالة فهو حجة قاطعة على ما تضمنه، وذلك يشمل شيئين الكتاب الكريم والخير المتواتر.

3-             إذا عارض الخبر العقل، وجب تأويل الخبر بما يزيل هذا التعارض.

4-             الخبر غذا كان رواته آحادًا فلا يصلح أن يكون دليلًا على ثبوت الأمور الاعتقادية؛ لأن الأمور الاعتقادية الغرض منها القطع، والخبر الظنى الثبوت أو الدلالة لا يفيد القطع.

5-             ما نقل عن الأنبياء ما يشعر بكذب أو معصية مما كان منقولًا بطريق الآحاد، بلغ حد الشهرة أو لا فمردود لأن نسبة الخظأ للرواه أهون من نسبة المعاصى للأنبياء.

6-             ما نقل مما يشعر بكذب أحد الأنبياء أو معصيته ، وكان النقل متواترًا، فما يمكن صرفه عن ظاهره صرف إن أمكن، وإلا فيحتمل على أنه ترك الأولى أو قبل البعثة.

7-             المعجزات  لا تثبت بخيرالآحاد؛ لأن المطلوب فيها اليقين، وخبر الآحاد لا يقين فيه.

8-             الإسرائيليات لا حرج فى مخالفتها  ولا فى إنكارها جملة وتفصيلًا.

9-             أقوال المفسرين ليست حجة قاطعة فيما نصت عليه، بل هى أوجه، وكما يجوز حمل القرآن عليها  يجوز مخالفتها، وحمل عبارته على غيرها ، ولا مؤاخذة على من خالفها.

 وقد أثار الكتاب جدلًا واسعًا، وضجة كبيرة بين أروقة جامعة الأزهر التى كان الشيخ عبد الوهاب النجار يدرس بها ، ورفع الأمر إلى شيخ كلية أصول الدين الذى شكل لجنتين لقراءة الكتاب والتعليق عليه، وجاء التقريران يتضمان بعض المآخذ على الكتاب وكان جميلًا من عبد الوهاب النجار أن يثبت التقريرين فى كتابه، ثم يعلق على كل مأخذ بما يدحضه دحضًا لا شبهة فيه(68).

ومن تلاميذه من عنوا ببعث التراث العربي القديم، وجمعه وحفظه والتعليق عليه وكتابة البحوث المتصلة به، ومواصلة المسيرة التى بدأها الإمام محمد عبده فى بعث نفائس التراث العربي، وقد سبق أن أشرنا إلى جهوده في الميدان، وهى جهود تجعله رائدًا فى تحقيق التراث العربي، حيث التزم المنهج العلمى فى تقويم النصوص ونشرها من جمع مخطوطات الكتاب ومقابلتها.

ويبرز فى هذا المجال العالم المصرى ” أحمد تيمور باشا “، وهو ممن جذبتهم  دروس الإمام، حتى أصبح من تلاميذه المقربين. واستفاد على وجه خاص بما كان يلقيه الإمام من محاضرات فى البلاغة التى اعتمد فيها على كتابى ” أسرار البلاغة”، و”دلائل الإعجاز” للجرجاني، كما حضر الدروس الخاصة التى كان يلقيها الإمام فى داره حول مسائل الفلسفة مع صفوة من تلاميذه، وبلغ من حرص أحمد تيمور على مصاحبته أنه اشترى دارًا فى عين شمس مجاورة لدار الإمام ليعيش بالقرب منه (69).

وهو من أصل كردى ولد بالقاهرة سنة ( 1288هــ = 1871م)، ورعته أخته الشاعرة المعروفة عائشة التيمورية، تلقى العلم فى بيته واجاد الفرنسية والتركية والفارسية، وتعلم العربية وعلومها على عدد من شيوخ أدباء العصر حتى صار علمًا فى دنيا البحث ومؤرخًا واسع الإطلاع على الثقافة العربية(70).

ويتجلى دوره الثقافى بالغ الأهمية فى عنايته بجمع التراث العربي الذى أنفق فيه زهرة عمره وجل موارده، واستكمل ما كان بدأه شيخه محمد عبده فى ضرورة إحياء التراث العربي، وقد ضمت مكتبته الضخمة ما لا يقل عن عشريت ألف مجلد، جمع مخطوطاتها وما فيها من نفائس التراث من الآستانة والمغرب والحجاز واليمن والشام والعراق، وزاد من أهمية مكتبته ما أودعته على كثير منها من تحقيقات وتعليقات وتنبيهات، وجذاذات تكشف عما فيها من فنون ودراسات ، وقد أهديت المكتبة بعد وفاته إلى دار الكتب المصرية(71).

كما عنى ببحوث مبتكرة تكشف عن الجوانب الخصبة والغامضة فى تاريخنا العربي، مثل : ” لعب العرب” و” التصوير عند العرب”، و” اعلام المهندسين فى الإسلام”، و” قبر الإمام السيوطى وتحقيق موضعه”، و” الآثار النبوية”، و”خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب”.

ولما وجد أن دعوات التغريب قد أخذت طريقها فى الدعوة إلى العامة واستبدال الحروف الاتينية بالحروف العربية، قام بتأليف معجم ضخم للعامية، وكان هدفه من هذا العمل هو ” غحياء اللغة الصحيحة بذكر العامي وتفسيره ورده إلى نصابه من الصحة إن كان عربى الأصل أو بيان مرادفه إن لم يكن كذلك، ليحل محله، ويرجع إليه في الاستعمال، فإذا جهلناه اقتصرنا على تفسير المعنى وتوضيحه ليتسنى لمن وجده بعدنا أن يتم ما بدأنا به، ويوفى ما قصرنا فيه”. وله فى هذا الجانب: الأمثال العامية، والكتابات العامية، والبرقيات، وهى تمثل الكلمات التى اعتاد الناس التعبير عنها بألفاظ متعددة(72).

وقد نشر مقالات كثيرة فى كبريات مجلات عصره وجرائده، كالمؤيد والضياء والمقتبس و الأهرام والزهراء والهداية، ومجلة المجمع العلى العربى بدمشق، وهي فى مجموعها تدل على سعة الاطلاع والتعمق فى البحث وعزارة المادة وتجعل صاحبها من أكبر كتاب المقالة فى الثلث الأول من القرن العشرين(73).

وفى ميدان الاصلاح الدينى اهتدى بمنهج الإمام عدد من كبار العلماء المصلحين يأتى فى مقدمتهم الشيخ محمد رشيد رضان والشيخ محمد مصطفى المراغى، وهو أحد ثلاثة من كبار تلاميذ الإمام الذين أسندت غليهم مشيخة الأزهر فى النصف الأول من القرن العشرين، والآخران هما : الأحمدى الظواهرى ، ومصطفى عبد الرازق.

والشيخ المراغى ( 1298 – 1364 هـــ = 1881 – 1945 م) (74) من مواليد قرية المراغة من مديرية جرجا بصعيد مصر، تعلم بالأزهر، وحضر دروس الإمام محمد عبده فى البلاغة والتفسير ، وحصل على الشهادة العالمية منذ ( 1322 هــ = 1904 م)، ثم سافر إلى السودان وعمل هناك بالقضاء حتى تولى منصب قاضى القضاه بالسودان سنة (1326هــ = 1908م)، وبعد عودته غلى مصر تقلب فى عدة مناصب قضائية حتى تولى رئاسة المحكمة العليا الشرعية سنة( 1341هــ = 1923م)، وقبل توليه مشيخة الأزهر سنه ( 1347هـــ = 1928م) قام بعدة إصلاحات هامة، حيث أمر بتشكيل لجنة تحت رئاسته لتنظيم الأحوال لشخصية ووجه اللجنة إلى دعم التقيد بمذهب الإمام أبى حنيفة إذا وجدت فى غيره ما يناسب المصلحة العامة للمجتمع ، وكان القضاه قبل ذلك مقيدين بمذهب الإمام أبي حنيفة وكان يراعى فى آرائه وفتاويه التيسير فى الأمور ولهذا نادى بفتح باب الاحتهاد، وتوحيد المذاهب الفقهية بقدر الإمكان.

وقد تولى المراغى مشيخة الأزهر مرتين، الأولى قصيرة، ومدتها أربعة عشر شهرًا، وفيها وضع مشروعاً لتطوير الدراسة فى الأزهر، واقترح إنشاء ثلاث كليات عليا تتخصص الأولى فى دراسة العلوم العربية. والثانية فى علوم الشريعة ، والثالثة فى أصول الدين، مع إنشاء أقسام عديدة للتخصص.

وتضمنت المذكرة التى قدمها المراغي لتطوير الأزهر أفكاراً تجديدية واجتهادات مفيدة للنهوض برسالة الأزهر، فدعا إلى أن تتضمن المناهج الجديدة فى الأزهر دراسة القرآن والسنة دراسة جيدة، وأن يفهما على وفق ما تتطلبه اللغة العربية  فقهها وآدابها من المعانى، وأن تهذب العقائد والمعاملات وتنقى ما وجد فيها وابتدع، وأن تهذب العادات الإسلامية بحيث تتفق وقواعد الإسلام الصحيحة.

ودعا إلى وجوب دراسة الفقه الإسلامى دراسة حرة خالية من التعصب لمذهب، وأن تدرس قواعده مرتبطة بأصولها من الأدله. وأن تدرس الأديان ليقابل ما هو موجود فيها من عقائد وعبادات وأحكام بما هو موجود فى الدين الإسلامى ليظهر الناس يسره وقدسيته وامتيازه عن غيره فى مواطن الاختلاف، وأن يدرس تاريخ الأديان وفرقها وأسباب التفرق، وتاريخ الفرق الإسلامية على الخصوص  وأسباب حدوثها، وأن تدرس أصول المذاهب فى العالم قديمها وحديثها وكل المسائل العلمية فى النظام الشسى، مما يتوقف عليه فهم القرآن فى الآيات التى اشارت إلى ذلك، وأن تدرس  اللغة العربية دراسة جيدة كما درسها الأسلاف، فى جميع فروع العلوم الدينية واللغوية على طريقة التأليف الحديثة، وأن تكون الدراسة جامعة بين الطرق القديمة فى عصور الإسلام  الزاهرة والطرق الحديثة المعروفة عند علماء التربية(75).

لكن هذه المقترحات وقف فى طريق تنفيذها عقبات كثيرة، وهو ما عجل باستقالة المراغى من المشيخة فى(6 من جمادى الأولى 1348هــ = 10 من أكوبر 1929 )، وخلفه من منصبه الشيخ ” محمد الأحمدى الظواهرى” وكان مثله داعية إصلاح، فصدر فى عهده القانون الذى وضعه المراغى، وظهرت الكليات الأزهرية الثلاث إلى النور.

وفى المرة الثانية التى تولى خلالها الشيخ المراغي مشيخة الأزهر بعد استقالة الظواهرى (1354- 1364هــ = 1935- 1945م) تابع خطواته الإصلاحية بعد أن انتظمت الدراسة فى الكليات الأزهرية، وسعى إلى إرسال اول بعثة أزهرية غلى الجامعات الأوروبية، وأنشأ قسماً للوعظ والإرشاد، ولجنة للفتوى بالأزهر من كبار علماء الأزهر تجيب عن الأسئلة التى تتلقاها من الافراد والهيئات. وفى الوقت نفسه أخذ يقرأ كتاب ” التحرير” وهو من أمهات كتب الاصول لطلبة  كلية الشريعة بطريقة سهلة، ويلقى دروسًا فى تفسير القرآن الكريم متبعًاطريقة أستاذه الإمام محمد عبده فى التفسير الذى يعنى بتوضيح الفكرة العامة عن السورة التى تناولها، ويستعرض الموضوعات التى يعالجها والمبادئ والحقائق التى تسجلها، مع إعمال النظر والفكر فى فهم الآية واستنباط  الأحكام منها(76)، ويسعى المراغى إلى ترجة معانى القرآن الكريم ترجمة رسمية، تقوم عليها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة المعارف، وقد استجابت الدولة لطلبه، لكن المشروع تعثر تنفيذه ولم يخرج إلى النور حتى الآن(77).

اما الشيخ الثانى فهو الأحمدى الظواهري (1295 – 1363هــ = 1878 – 1944 م)، وهو من أسرة علمية، تلقى تعليمه بالأزهر، وحضر دروس الإمام محمد عبده، وكان معجبًا بأسلوبه فى الكتابة والبحث والتدريس، مؤمناً بأسلوبه فى إصلاح الأزهر، وحصل على العالمية سنة(1320 هــ = 1902 م)، وكان الإمام محمد عبده رئيس اللجنة التى امتحن أمامهان وبعد عامين من حصوله على الشهادة نشر كتابًا هامًا بعنوان ” العلم والعلماء” يدعو فيه إلى إصلاح الأزهر وتطوير الدراسة فيه، وإدخال العلوم العصرية فى مناهجه وفقًا لحاجات العصر وتقدم المعرفة، وإلى عقد مؤتمر إسلامى كل سنة فى إحدى عوام البلاد الإسلامية ليتشاور فيه مندوبو تلك الدول فى أحوال المسلمين، وما ينبغى عمله لجمع كلمتهم، وبث روح التعاون بينهم(78).

وقد تقلب الظواهرى فى عدة وظائف أزهرية قبل ان يتولى المشيخة خلفًا للشيخ المراغى فى (7 من جمادى الأولى سنه 1348 هــ = 10 من أكتوبر 1929 م)، وظل فى منصبه نحواً من خمس سنوات تعد من المراحل الحاسمة فى تاريخ الأزهر، حيث خطا به خطوات موفقة فى مجال الإصلاح الديني (بالقانون رقم 49 لسنة 1930 م) الذى صدر فى (24 من جمادى الأول سنة 1349 هــ = 15 من نوفمبر 1930م)، اى بعد عام من توليه المنصب الكبير، وبموجبه أشئت ثلاث كليات جامعي هى أصول الدين وكلية الشريعة وكلية اللغة العربية، ونظمت المعاهد الدينية كى تمد الكليات الثلاث بحاجتها من الطلاب، واستتبع هذا تطوير المناهج الدراسية، فأدخل تدريس اللغة الأجنية، وعلوم النفس والتربية والتربية البدنية، والاقتصاد السياسى والقانون الدولى، ومحاضرات فى الطب والفلك، وهى دراسات لم يكن للأزهريين عهد بها من قبل. وقد نقل هذا القانون الطلاب من الدراسة بالمساجد إلى مبانٍ مخصصة للتعليم وتحويل نظام الحلقات الدراسية التى كانت تعقد فى الأزهر إلى نظام الفصول والمحاضرات.

وفى سبيل نشر الدعوة الإسلامية أنشأ الظواهرى مجلة ” نور الإسلام” التى أطلق عليها فيما بعد اسم ” مجلة الأزهر”، وبدأ صدورها فى المحرم 1349هــ = يونيو 1930 م)، وأسند رئاسة تحريرها إلى الشيخ محد الخضر حسن الذى تولى المشيخة بعد ذلك، وقام على أعتاقها نشر آداب الإسلام وإظهار حقائقه نقية من كل لبس، وكشف ا لصق بالدين من بدع، والنبيه إلى ما دسَّ بين السنة من أحاديث موضوعية، ودفع الشبه التى تلصق بالشريعة، والعناية بسير عظماء رجال الإسلام(79).

أما ثالث تلاميذه الذين تولوا مشيخة الازهر فهومصطفى عبد الرازق ( 1302- 1366 هــ = 1885- 1947م)، وهو سليل أسرة عريقة اشتهر كثير من أبنائها بخدمة القضية الوطنية، وقد تلقى الشيخ مصطفى تعليمه بالأزهر ، ونال شهادة العاليمة سنة( 1326هــ = 1908 م)، ثم سافر إلى فرنسا والتحق بجامعاتها، وأعد رسالة لنيل درجة الدكتوراه عن الإمام الشافعى باعتباره مؤسس علم الأصول، وأخرج بالاشتراك مع المسيو برنارميشيل ترجمة دقيقة بالفرنسية لكتاب الشيخ محمد عبده رسالة التوحيد، وبعد عودته إلى مصر سنة( 1333هــ = 1915م) اختير سكرتيرًا عاماً للأزهر، ثم عمل بالمحاكم الشرعية، ثم انتقل إلى الجامعة المصرية سنة (1346 هـ = 1927م) استاذًا للفلسفة، واختير للوزارة عدة مرات، ثم عين شيخًا للجامع الأزهر فى (22 من المحرم 1365 هــ = 27 من ديسمبر 1945م)، ولم تطل مشيخته للأزهر فقد توفى فى (22 من المحرم 1365 هــ = 15 من فبراير 1947 م)(80).

اتصل مصطفى عبد الرازق بالشيخ محمد عبده وهو فى سن مبكرة، وتأثر به وبأفكاره الإصلاحية، وكان من خاصة تلاميذه وأقربهم إلية، على الرغم من قصر الوقت الذى اتصل فيه مصطفى عبد الرازق بشيخه. وظل الرجل وفياً لشيخه، ولم يترك الحديث عن جهاده تأليفًا ومحاضرة وتدريسًا فى الصحف عن سيرة الإمام وآثاره ووجهته فى الإصلاح، ونقل من أقواله ما يحدد هدفه الإصلاحى حين دعا إلى التوفيق بين العقل والشرع، وإلى تحرير الفكر من التقليد؛ لأن النظر العقلى هو أساس الإيمان الصحيح ” وإلى اعتبار الدين من موازين العقل، وعد صديقًا للعلم، وإلى فهم الدين على طريقة السلف قبل ظهور الخلاف والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى”(81).

ويعد الشيخ صطفى عبد الرازق رائد الدرس الفلسفى الإسلامى فى مصر المعاصرة وأول أستاذ جامعى يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية من وجهة نظر إسلامية خالصة من خلال كتابه” تمهيد لتاريخ الفاسفة الاسلامية”، وكانت الفلسفة الإسلامية تدرس من قبل فى الجامعة المصرية من خلال الدرس الاستشراقى الذى ربط الفلسفة الإسلامية بالتراث الفلسفى اليوناني (82)،وقدم الشيخ مصطفى عبد الرازق رؤية جديدة تلتمس نشأة التفكير السلامى الفلسفى فى كتابات المسلمين أنفسهم قبل أن يتصلوا بالفلسفة اليونانية، ويتدارسونها  دراسة وافية، فدعا إلى تدريس علم الكلام وعلم التصوف فى أقسام الفلسفة، وإلى البحث عن أوجه الأصالة والابتكار فى الفلسفة الإسلامية ، ورأى أن الاجتهاد بالرأى بداية النظر العقلى، ومن ثم فإن علم أصول الفقة يعد علمًا مصطبغًا بصبغة فلسفية، وأن علم الكلام والتصوف جزء من الفلسفة الإسلامية(83).

ويقول فى ذلك :” وعندى أنه إذا كان لعلم الكلام ولعلم التصوف من الصلة بالفلسفة ما يسوِّغ جهل اللفظ شاملًا لهما، فإن علم أصول الفقة ليس ضعيف الصلة بالفلسفة وماحث أصول الفقة تكاد تكون فى جملتها من جنس المباحث التى يتناولها علم أصول العقائد الذى هو علم الكلام…. وأظن أن التوسع فى دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية سينتهى إلى ضم هذا العلم إلى شعبها…”(84).

ومنذ أن أعلن مصطفى عبد الرازق دعوته التجديدية لى درس الفلسفة الإسلامية فى مظانها الحقيقية حتى سارع تلاميذه إلى إحياء الفكر الفلسفى الإسلامى ، من أمثال: محمود الخضيرى الذى كشف عن ملامح الفلسفة الإسلامية الحقيقية فى عصورها المحتلفة ومحمد مصطفى حلمى الذى كتب عن الحياه الروحية فى الإسلام وانبثاقها فى جوهرها عن الإسلام وحده وملأت كتاباته فى التصوف فجوة كبيرة فى تاريخ الفلسفة الإسلامية وقدم محمد عبد الهادى أبو ريده  دراسات عن المعتزلة متمثلة فى فكر إبراهيم بن سيار النظام الذى كتب عنه دراسة رائدة (85).، وعنى على سامى النشار بتتبع نشأة الفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامى، وقدم دراسة ضافية فى ثلاثة أجزاء حول هذا الموضوع .

 ويلحق بهؤلاء الثلاثة الشيخ محمد شاكر ( 1303 – 1358 هــ = 1886- 1939م)، الذى كان له دور بارز فى مسيرة الإصلاح والتجديد الثقافى والفكرى فى الأزهر، وفى ميدان العمل السياسى حيث كان من أقطاب ثورة 1919 م.

وقد بدأ الشيخ محمد شاكر حياته أميًنا للفتوى، فنائًبا لمحكمة محافظة القليوبية، ثم عين فى منصب قاضى القضاه فى السودان سنة (  1318 هـ =  1900م )، وهو أول من تولى هذا المنصب هناك بترشيح من شيخه  الإمام محمد عبده الذى كان يمكن بثاقب نظره لمن يجد فى تلاميذه القدرة على الإصلاح، وظل الشيخ محمد شاكر فى السودان أربع سنوات لم يقتصر فيها عمله على القضاء، ولكنه كانت فيه طبيعة المعلم وقدرة الواعظ ومزية الخطيب، فما ضن على أهل السودان بدرس علمى، ولا بخل عليهم بموعظة، وتوج ذلك كله بقراءة صحيح البخارى كله” .

ولما عاد إلى القاهرة سنة (1322 هــ = 1904 م) عين شيخًا لمعهد الإسكندرية الدينى الذى رئى أن يكون تابعًا للجامع الأزهر فى التدريس والامتحانات، كما قرر مجلس الأزهر ان يكون شيخاً لعلماء الأسكندريةن وكان وراء هذا الاختيار الإمام حمد عبده الذى وجده أهله لهذا المنصب الجديد، وكان الشيخ محمد شاكر عند حسن الظن، فنهض بالمعهد نهوضًا فائقًا، وادخل فى المناهج الثقافية الجديدة، وجعل تعليمها إجباريًا ن فازدهر معهد الأسكندرية بهذه العلوم إلى جانب علوم الدين واللغة. واستنن  الشيخ محمد شاكر فى معهده سُنة توزيع الجوائ العلمية على الطلاب الناجحين جميعًا، وكانت كتبًا قيمة تفيد الطالب وتنمى ثقافته العربية مثل ديوان الحماسة لأبى تمام، ومقدمة ابن خلدون، ونهج البلاغة ، والمثل السائر لابن الأثير، وديوان المتنبي.

ثم انتقل الشيخ محمد شاكر بعد ذلك وكيلاً للجامع الأزهر سنة (1327 هــ = 1909 م)، وفى عهد قوكالته صدر قانون النظام فى الأزهر سنة (1911م)، وبمقتضاه قسمت الدراسة إلى مراحل لكل منها نظام ومواد خاصة.

وبعد خروجه من العمل الوظيفى عين فى الجمعية  التشريعية التى أنشئت سنة (1331 هــ = 1913 م)، وفى هذه الفترة بدأ دفاع الرجل عن الإسلام، والدعوة إلى أن يكون المسلمون أمة واحدة مهاجمًا فكرة القوميات التى رآها بدعة لتفريق  الكلمة وتقطيع الأحكام.

وحين اشتعلت ثورة 1919 م كن واحدًا من خطبائها وكتابها المعروفين، مدفوعًا إليها بوطنية صادقة، وشارك فى كل الجدل الذى كان يدور حول إعداد مواد الدستور، ” ومن يتابع صحافة العشرينات يلحظ وجوده  شديد الفاعلية فى الساحة السياسية والفكرية الوطنية، فعندما وضع دستور 1923م، كان مقترحًا أن يتضمن نصًّا مؤداه ليس لمواطن مصرى أن يحتج بأحكام دينية للتخلص من أداء الواجبات المفروضة عليه كوطنى أو جندى، وانبرى الشيخ يدحض هذا الاقتراح الذى يفيد أن المسلم لا يحق له أن يحتج بأحكام الإسلام، كما هاجم يشدة اقترحًا آخر متعلقًا بحرية الاعتقاد الدينى، دون قيد؛ لأن النص لا يفيد ذوى الأديان غير السماوية، ولكنه يفيد الإلحاد والجهر به، واقترح وجوب أن يفيد النص برجوب حماية الأديان  المعترف بها فى مصر، واستطاع الشيخ بنفوذه الفكرى أن يرفع هذين من مشروع الدستور”(86).

وجدير بالذكر أن  الشيخ محمد شاكر والد العالمين الجليلين أحمد محمد شاكر المحدث المعروف، وكان من تلاميذ مدرسة الإمام محد عبده، والأديب الكبير محمود محمد شاكر.

وعلى نحو ما كان الإمام محمد عبده مصلحًا دينَّيا، وترك خلفه عددًا ممن تابع مسيرته فى إحياء الفكر الإسلامى وإصلاح المؤسسات الدينية فإن كان مصلحًا فى الأدب واللغة، ومحررًا للغة و الكتابة الصحفية من قيود السجع والبديع غلى أسلوب المرسل البليغ الذى يعبر عن الأفكار فى سهولة ويسر. وقد تجلى فى بيانه وبخاصة فى كتاباته المتأخرة نصاعة الفكرة، وصدق العاطفة، ومتانة الأسلوب، وقوة الحجة، وسلامة البرهان، وسهولة الألفاظن مثلما ظهر فى مساجلته مع “هانوتو” وللشيخ أيضًا رسائل إخوانية كتبها بأسلوب يحتفى فيه بالعبارة، ويصور مشاعره تصويرًا فنيًا، وكانت له وسائل فى التأثير على لغة الكتابة فى عصره ، واستغل منصبه فى الوقائع المصرية من الإشراف على لغة الجرائد الأخرى، وسلامتها من الخطأ والتحريف، وأفسح المجال لفريق من طليعة الكتاب لكتابة المقالات الأدبية والاجتماعية والسياسية بإشارة، وكان يرى أن اللغة العربية هى أساس الدين، وأن حياة المسلمين بدون حياة لغتهم من المحال(87).

واستعان بعدد من الوسائل لترقية اللغة العربية والارتفاع بمستواها الفنى عند الكتاب والمتطلعين للأدب، فشرح نهج البلاغة ومقامات بديع الزمان الهمذانى، ونشرها ن ليكون زادًا لطلاب الأدب ومن ينشدون قوة الأسلوب وسلامة التغيير، وقام بتدريس كتابى ” دلائل الإعجاز” وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجانى، وعهد غلى الشيخ ياسين بن على المرصفى تدريس كتب الأدب فى الأزهر، مثل: الكامل للمبرد، وديوان الحماسة، وقد تتلمذ على المرصفى عدد كبير من أدباء مصر البارزين من أمثال طه حسين والزيات(88).

وبهذه الوسائل قدم الإمام محمد عبده للنشر العربى خدمة جليلة ووجه الكتاب إلى العناية بما يكتبون فى لغة قوية مرسلة ، وعرف من تلاميذ الإمام محمد عبده الجددين فى عالم الأدب مصطفى لطفى المنفلوطي (1293 – 1342 هــ = 1876 –  1924 م)، وكان يحضر دروس الإمام محمد عبده فى البلاغة وتأثر به تأثرًا قويًا، وتظهر آثار صلات المنفلوطى بشيخه محمد عبده فى الحملة التى سنها على المفاسد التى دخلت الإسلام وفى دعوته غلى الإصلاح ، فدعا إلى تعليم المرأة وتثقيف الشباب ونظافة المجتمع ومهاجمة بيوت الدعارة وأخلاق السفلة والمرتشين والمقامرين(89)،وأودع الزيات يصور منزلته فى عالم الكتابة بقوله: ” أشرف أسلوب المنفلوطى على وجه المؤيد إشراف البشاشة، وسطع فى أندية الدب سطوع العبير، ورن فى أسماء الأدباء رنين النغم، ورأى القراء والأدباء فى هذا الفن الجديد ما لم ير فى فقرات الجاحظ وسجعات البديع، وما لا يرون فى غثائة الصحافة، وركاكة الترجمة فاقبلوا عليه إقبال الهيم على المورد العذب” (90).

ومن تلاميذ الإمام المجددين في ميدان النشر والبيان “عبد العزيز البشري” (1303 – 1362 هـ – 1886 – 193 م) وهو سليل أسرة كريمة، فوالده الأستاذ الكبير سليم البشري، شيخ الجامع الأزهر، وإمام الحديث النبوي، التحق بالأزهر، وحضر دروس الإمام مع غيره من صفوة التلاميذ، أمثال: المنفلوطي، وعبد الرحمن البرقوقي (91).

ويعد “عبد العزيز البشري” من أمتع الكتاب الذين كان لهم دور في تحليل الأمراض الاجتماعية وانتقاد التعاليم البالية التي يعيشها المجتمع، وقدم ذلك في أدب قوي، ولغة رصينة، وبيان آخذ وقدرة على السخرية، يذكر بأساليب البلغاء في أزهى عصور العربية.

وفي مقالاته البليغة كان يطالب بحقوق الفتاة في اختيار زوجها، وبحماية العامل والأجير ورعاية الفلاح.

واشتهر “عبد العزيز البشري” بقدرته الفذة على تصوير الشخصيات، فصور بقلمه تصويرًا ساخرًا كثيرًا من زعماء البلاد وأقطاب الفكر والأدب واللغة ونقدهم في طرافة وروعة دون ابتذال وتجريح، وهو لا يكتفي بتصوير الصورة الخارجية، بل يغوص في أغوار القلب وأعماق النفوس، وكان ينشر هذه المقالات تحت عنوان في “المرآة” في صحيفة السياسة الأسبوعية، وممن صورهم : الدكتور “علي إبراهيم” الجراح المعروف، و”حافظ إبراهيم” و”محجوب ثابت” (92)..

وكان الشاعر الكبير حافظ إبراهيم (1290 – 1351 هـ – 1873- 1932 م) من تلاميذ الإمام وأقربهم إليه صلة صلة، واشتهر باتجاهه الاجتماعي لعنايته بالبؤساء والمنكوبين. تخرج في المدارس المدنية، والتحق بالمدرسة الحربية، وعين بعد تخرجه ضابطًا في الجيش المصري في السودان، وظل هناك عدة سنوات، ثم عاد إلى مصر وخرج من الجيش، واتصل بالشيخ محمد عبده، وتوثقت بينهما الصلات، وصحبه في كثير من تنقلاته في الريف المصري للدعوة إلى فعل الخير أو للترويج للإصلاح (93).

وقد نظم “حافظ إبراهيم” في هذه الفترة عددًا من أجود قصائده وأكثرها صدقًا وإخلاصًا، فهاجم الإنجليز والخديوي ورجال القصر، ونقد بعض النظار والحكام، وكان شعره وطنيًا خالصًا، وكان يقترن به لون صارخ من الشعر الاجتماعي لم يسبق إليه، فهو فيه يحارب الفقر والجهل والعلل الاجتماعية والخلقية، ويدعو إلى البر بالفقراء وإنشاء الجمعيات والملاجئ، وإلى النهوض بالتعلي وإنشاء المعاهد ودور العلم والدرس وهو في هذا اللون من الشعر الاجتماعي سابق لشعراء العرب، فلم تعرف العربية شاعرًا اجتماعيًا من طرازه (94).

وقد عبر حافظ إبراهيم عن آرائه الإصلاحية في كتابه “ليالي سطيح”، وتقوم فكرته على حوار بين المؤلف وغيره من أبناء النيل والتلاميذ، وبين سطيح وهو فيلسوف ناسك كانوا يسمعونه مقاله دون أن يرونه، وقد تناول الحوار شؤون البلاد في مصر، مثل السخرية من مشايخ الطرق الصوفية، ومبالغة المصريين في جعل خدمة الحكومة أكبر غاية يرمون إليها من التعليم، ونقد الصحف لما فشا فيها من الاستبداد باسم الحرية ولفشلها في تعليم الناس والنهوض بهم لانحطاط لغتها (95).

وفي ميدان السياسة يبرز سعد زغلول (1274 – 136 هـ – 1857-1927 م)، وهو واحد من شيعة محمد عبده، وكان يروزه لافتًا له في الحياة السياسية الحديثة في مصر، وصلته بالإمام صلة قديمة فقد كان واحدًا من تلاميذه منذ أن التحق بالأزهر، وحضر بعض دروس الأفغاني، ولما تولى الإمام رئاسة تحرير الوقائع المصرية اختار سعدًا ليعاونه في  تحريرها على الرغم من صغر سنه، وتمرن تحت إشرافه على الكتابة في الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ثم اشتغل بالمحاماة بعد نفي الإمام محمد عبده، ثم اشتغل بالمحاماة بعد نفي الإمام، وطارت شهرته لكفاءته، ثم انتقل إلى القضاء وتدرج في مناصبه حتى صار مستشارًا في محكمة الاستئناف، ثم تولى وزارة المعارف المصرية سنة (1324 هـ – 1906 م)، فاهتم بشؤون التعليم والثقافة، وحرص على نشر اللغة العربية، وتعميمها في المدارس المصرية، ثم تولى وزارة الحقانية، ثم انتخب في الجمعية التشريعية سنة (1332 هـ – 1913 م)، فوكيلاً منتخبًا لها، ثم اضطلع بتأليف حزب الوفد وقيادة ثورة 1919 م، وعلى يديه ألفت أول وزارة برلمانية في (8 شعبان 1342 هـ – 15 من مارس 1924 م)، ثم انتخب رئيسًا لمجلس النواب سنة (1345 هـ – 1926 م)، وكانت وفاته سنة (1346 هـ – 1927 م).

أربعة أعلام وأربعة تيارات:

لعل الإمام محمد عبده هو أشبه الناس في تاريخنا بالحسن البصري الذي كان إمامًا من أئمة أهل السنة، وفقيهًا ومجتهدًا صاحب مذهب، مثل غيره من أصحاب المذاهب الفقهية، ورأسًا من رؤوس المتصوفة، وواحدًا من أئمة القراء الأربعة عشر، فهو صاحب قراءة في القرآن الكريم يعرفها أهل الاختصاص، ومن عباءته خرج مذهب الاعتزال الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وكذلك كان الإمام محمد عبده، فقد اشتغل بالتجديد الديني، والإصلاح الاجتماعي، وتحرير الفكر من أغلال الجمود والتعصب، وكان زعيمًا في دنيا الأدب، ورائدًا في الفكر، ومجددًا في الين، ومصلحًا في شؤون الدنيا، ومعلمًا يبحث عن الطاقات الكامنة في نفوس تلاميذه، ليوجههم إلى العمل في ميادين مختلفة، وتلاميذه لم يكونوا مثل أي تلاميذ يلتفون حول معلمهم وإنما كانوا أعلامًا أخذوا من نفسه روح الإصلاح، ومن قلبه نور البصيرة، ومن علمه مصابيح الهداية، ومن عزيمته الصبر والتحمل والمضي في الطريق ؛ ولذلك يعد رائد حركة التجديد والملهم لمعظم مدارس التنوير، والباعث لحركات الإصلاح، ونستطيع أن نرصد أربعة من تلاميذه كان لهم دور بارز في مسيرة البعث والتجديد، ويمكن تجاوزًا أن نطلق عليهم أنهم كانوا مدارس فكرية التف حولها التلاميذ وصارت لها قسمات خاصة بها، وهذه المدارس هي :

1-             أحمد فتحي زغلول ومدرسة الجريدة :

مدرسة الجريدة هي مجموعة من المثقفين الذين كانوا يكتبون في صحيفة “الجريدة” لسان حزب الأمة الذي أنشئ في (23 سعبان 1325 هـ – 21 من سبتمبر 1907 م)، وكان معظمهم من جماعة الإمام محمد عبده التي تحلقت حوله وتأثرت بأفكاره واتجاهاته ومواقفه السياسية، وفي الوقت نفسه اتصلوا من قريب بالفكر الأوربي، وكانت ثقافتهم في معظمها فرنسية، وكان يتزعم هذه المدرسة أحمد لطفي السيد، رئيس الجريدة، وواحد من تلاميذ الإمام محمد عبده.

وقد تضمن برنامج الحزب كثيرًا مما كان يدعو إليه الإمام محمد عبده من الدعوة إلى تعميم التعليم الأولي، وترقية التعليم العالي، ونشر مبادئ الحكم النيابي بالتدريج بواسطة المجالس النيابية والمجالس المحلية، لكنهم مضوا في الشوط بعيدًا عن أفكار الإمام فرفضوا سيادة الدولة العثمانية على مصر، وعملوا على تنمية مشاعر الوطنية المصرية كبديل للجامعة الإسلامية التي كانت سائدة في عصرهم، كما وجدت فكرة الدولة العلمانية التي ينفصل فيها الدين عن السياسة صداها على صفحات الجريدة، ولم يكن هذا من أفكار الإمام محمد عبده أو من أصول دعوته الإصلاحية.

وفتحت الجريدة صفحاتها لكبار الكتاب من مختلف التيارات الفكرية، مثل: الشيخ رشيد رضا، وعبد العزيز فهمي، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمد السباعي، وعزيز الخانكي، واحتضن لطفي السيد فريقًا من الشباب وشجعهم على الكتابة مثل محمد  حسين هيكل وعباس العقاد، ومصطفى عبد الرازق وغيرهم.

وضمت مدرسة الجريدة عددًا من الكتاب والمفكرين ممن كان لهم دور في النهضة الفكرية، ففي مجال الفكر السياسي برز : أحمد فتحي زغلول، وأحمد لطفي السيد، وفي ميدان الإصلاح الاجتماعي وقضية المرأة : قاسم أمين، وطلعت حرب، وباحثة البادية، وفي مجال الفكر الإقتصادي لمع : طلعت حرب وعلي أبو الفتوح الذي أسس جمعية لتعريب الكتب الاقتصادية، وظهر في ميدان الأدب : محد حسنين هيكل، وإبراهيم رمزي، ومصطفى عبد الرازق وكان أديبًا صاحب ذوق مرهف، إلى جانب تمكنه من الفلسفة.

وسنتعرض لواحد من أهم أعلام هذه المدرسة، وهو أحمد فتحي زغلول (4 من ربيع الأول 1279 هـ – 22 من فبراير 1863 م) بقرية إبيانة التابعة لمحافظة الغربية آنذاك، وتلقى تعليمه الأولي في كتًاب القرية . ثم انتقل إلى مدرسة رشيد، فالمدرسة التجهيزية، ثم تلقى تعليمه العالي في مدرسة الألسن سنة (1301 هـ – 1883 م)، ومكًنه نبوغه في الدراسة أن تبعثه الدولة لدراسة الحقوق بفرنسا، وهناك حصل على درجة الليسانس في القانون سنة (1304 هـ – 1887 م)، وبعد عودته تقلب في عدة وظائف في القضاء، وأنهى حياته الوظيفية وكيلاً لوزارة الحقانية (العدل) وتوفى في (11 من جمادى الأولى 1333 هـ – 27 من مارس 1914 م) .

وفتحي زغلول من الرعيل الأول من تلاميذ محمد عبده، ومن أقرب أنصاره إليه، وكان هو وأخوه سعد زغلول يرجعان للإمام في كل خطوبهما، ويتحاكمان إليه في تنازعهما . وبلغ من متانة علاقته بالإمام محمد عبده أنه كان ممن يصحبهم للاصطياف معه في سوريا.

وتتفق أغلب المصادر على أن أحمد فتحي زغلول كان رجل ارتقااء وإصلاح لا رجل ثورة فساهم في سن القوانين الحكومية، ووضع لائحة المحاكم الشرعية التي تنظم سير العمل بها، وامتدت جهوده إلى إصلاح التعليم بالأزهر، فكان رئيسًا للجنة التي شكلت لهذا الغرض (96)، وقد أصدرت تلك اللجنة القانون رقم (10) لسنة 1911 م، وهو يعد من أهم القوانين التي جاءت ملبية لآمال العلماء في أصلاح الأزهر، حيث نظم القانون الدراسة في المعهد العريق، وحدد اختصاصات شيخ الأزهر، وأوجد هيئة كبار العلماء . كما اشترك مع الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاس أمين في تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية (97)، وكان لتلك الجمعية فضل في إنشاء عدد ن المدارس في مدن مصر وإقامة المشروعات الخيرية والعناية باللغة العربية، وظل عضوًا في الجمعية حتى وفاته مشاركًا في أعمالها ومؤثرًا في أنشطتها.

ويعد أحمد ففتحي زغلول من رواد النهضة الأدبية والترجمة ومن دعاة الإصلاح، رأى أن خير ما يقدمه لوطنه هو أن يترجم له ما يعتبره أنه سر تقدم الغرب وتفوقه، فترجم ستة من الكتب إلى العربية (98)، هي أصول الشرائع لبنتام ونشر في مجلدين سنة (1310 هـ – 1892 م)، والإسلام خواطر وسوانح “للكونت هنري دي كاستري”، ونشر سنة (1315 هـ – 1897 م)، و “سر تقدم الإنجليز السكسونيين” لادمون ديمولاند، ونشر سنة (1317 هـ – 1899 م)، و “روح الاجتماع” (1327 هـ – 1909 م)، و”سر تطور الأمم” (1332 هـ – 113 م)، و “جوامع الكلم” (1333 هـ – 1914 م)، والكتب الثلاثة لجوستاف لوبون (99).

وكل هذه الكتب تدور تقريبًا حول معرفة سر تقدم الغرب الأوربي وتناقش فلسفة التطور على النمط الأوربي، كما تتناول الفكر السياسي والاجتماعي على المذهب الليبرالي.

وفي كل كتاب يقوم بترجمته يستهله بمقدمة ضافية، يشرح فيها سبب اختياره ترجمة هذا الكتاب، ويحاول تطبيق الأفكار التي يطرحها المؤلف على أوضاع مجتمعه، وكانت قضية تحديث مصر وتشخيص أدوائها والوقوف على أسباب تأخرها قد ملكت عليه نفسه، وشغلت تفكيره، فوجه لها كل اهتماماته ونشاطاته الفكرية؛ لأن تشخيص الداء يسهل معرفة الدواء (100).

ونادى أحمد فتحي زغلول بالحرية في كل صورها وآمن بدور الفرد وحريته في صنع الحضارة الإنسانية، وهاجم كافة أنواع القيود، ودعى إلى تقليص دور الحكومة وتدخلها، وإطلاق حرية التعبير للأفراد وكذلك حرية النشاط الاقتصادي والاجتماعي، لأن سبل التمدن والحضارة والرقي يتمثل في بعث الهمة الذاتية وإشعال روح المخاطرة، وإطلاق ملكات الأفراد للتنافس والتسابق.

وعنى أحمد فتحي زغلول بالتربية كثيرًا، وكانت قضية تربية الشعب وتثقيفه تمثل جانبًا كبيرًا من نشاطاته وإسهاماته النظرية، حتى إنه يوم احتفال أصدقائه ومحبيه في حفل أقيم له في الجامعة المصرية هتف من على منبرها في الحاضرين من قادة الفكر والأدب : “عل. علموا الأمة” (101).

وهو بذلك لا يبعد كثيرًا عن مدرسة محمد عبده الإصلاحية التي كانت ترى أن الوسيلة الفعالة للنهوض والخروج من المأزق الحضاري، إنما هي التربية، لكنهما يختلفان في أن التربية التي يطرحها محمد عبده، كان يشترط لها أن تكون معتمدة على الدين، على حين قد فتحي زغلول النموذج الإنجليزي للتربية، على أن ذلك لا يعني أن الأخير يقف من النموذج الغربي موقف الإعجاب الذي يلهيه عن النقد الواعي والرؤية البصيرة، فهو يدعو إلى الأخذ من تلك النماذج ما يتلائم مع طبيعة مجتمعه، ومن ثم لم يكن من دعاة التغريب على إطلاقه، وإنما كان داعية أن تستفبد مصر من العناصر في حضارة الغرب.

ويعد فتحي زغلول من أكثر أدباء النهضة في مصر ترجمة عن اللغات الأجنبية، وامتازت ترجماته وكتبه بالبيان المشرق والدقة في وضع الألفاظ بإزاء معانيها، وتعد آثاره في الترجمة نموذجًا رفيعًا للتعبير المحكم الدقيق في سلاسة وجمال . ويرتبط بمسألة التربية وقضية اللغة العربية وجعلها لغة العلم الحديث، فطالب بالتعريب حين لا يوجد للكلمة الأجنبية ما يقابل معناها في العربية، وإصلاح حروف الهجاء وأشكالها وصورها.

·                 محمد رشيد رضا ومدرسة المنار:

يقصد بمدرسة المنار مجموعة تلاميذ الإمام محمد عبده الذين تأثروا به، وانتهجوا نهجه في الإصلاح الديني والاجتماعي، وبيان أن الإسلام يتفق والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام.

و”المنار” هي المجلة التي أنشأها الشيخ “محمد رشيد رضا” أشهر تلاميذ الإمام والترجمان لأفكاره، والشارح لفلسفته في الإصلاح، والمسجًل لدروسه في التفسير، وقد صدر العدد الأول من مجلة المنار في (22 من شوال 1315 هـ – 16 من مارس 1898 م)، وعلى صفحات المجلة نشر الإمام محمد عبده تفسيره المعروف الذي استكمله بعد ذلك رشيد رضا، إلى جانب المقالات التي تعالج الإصلاح في ميادينه المختلفة، وأحوال العالم الإسلامي، والتعريف بأعلام الفكر والحكم السياسية في أنحاء العالم الإسلامي، ولم تمض خمس سنوات على صدور المجلة حتى أقبل عليها الناس، وانتشرت انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، واشتهر صاحبها باسم رشيد رضا صاحب المنار، وعرف الناس قدره وعلمه،وصارت مجلته هي المجلة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي.

ورشيد رضا (1282 – 1354 هـ – 1856-1935 م) أصله من لبنان، وتعلم في طرابلس، واتصل بالشيخ حسين الجسر، وكان عالمًا فذًا ومن دعاة الإصلاح في بلاد الشام، وتعلم على يديه، ثم اتخذ من قريته ميدانًا لدعوته الإصلاحية، وغشى الناس في تجمعاتهم يدعوهم إلى الإقبال على الله وإصلاح حالهم والالتزام بالشرع، وكان رشيد رضا محبًا للإمام محمد عبده ولمنهجه في الإصلاح، فغادر بلده إلى القاهرة سنة (1315 هـ – 1898 م) واتصل بالإمام محمد عبده، وصار من خاصة تلاميذه، ومن أقرب الناس إليه (102)، وقد أشار إلى ذلكك بقوله : “إن الله بعث إلي بهذا الشاب ليكون مددًا لحياتي ومزيدًا في عمري، إن في نفسي أمورًا كثيرًا أريد أن أقولها وأكتبها للأمة، وقد ابتليت بما شغلي عنها، وهو يقوم ببيانها الآن كما أعتقد وأريد .. ..” (103).

وسار محمد رشيد رضا في اتجاه التجديد الإسلامي الذي سلكه شيخه في العودة إلى الأصول الإسلامية الأولى البعيدة عن البدعوالخرافات، ورفض التقليد والجمود الفكري الذي عمل على إعاقة أصول الإسلام عن التأثير في الواقع؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق النهضة الإسلامية في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حلت بالمجتمع الإسلامي (104)، وتابع أستاذه في أنه ليس ثمة تناقض بين الإسلام والعلم، “فالإسلام دين الفطرة والعقل والفكر والعلم والبرهان والحجة والضمير والوجدان والحرية والاستقلال، والدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، وتحقيق التوازن بين النقل والعقل، والنص والعلم، واللجوء إلى التأويل باعتباره وسيلة لتحقيق هذا التوازن، وهو لا يقبل تيار الجمود والانكفاء على الماضي تمامًا، وتقليده والالتزام بالمذاهب أو التعصب لها، وفي الوقت نفسه يرفض دعاة الحضارة العصرية والنظم المدنية والقوانين الوضعية الذين يقولون إن هذه الشريعة المدونة لا تصلح لهذا الزمان، ولا يمكن أن تصلح بها حكومة ولا تستقيم بها مصالح أمة (105)، ويرفض رشيد رضا مثل شيخه النزعة الليبرالية العلمانية التي تعتمد على الفصل بين الدين والسياسة على النحو الذي يعرفه الغرب الأوربي، ويسوق في ذلك مبررات كثيرة ودفوع قوية (106).

وكانرشيد رضا من أشد المنادين بأن يكون الإصلاح عن طريق التربية والتعليم، وهو في ذلك يتفق مع شيخه الإمام محمد عبده في أهمية هذا الميدان، “فسعادة الأمم بأعمالها وكمال أعمالها منوط بانتشار العلوم والمعارف فيها”.

ولرشيد رضا فضل حث شيخه على تفسير القرآن وفق منهجه وطريقته، حتى قبل تفسير القرآن في الرواق العباسي بالأزهر، واستمر في تفسيره نحو ست سنوات، وبدأ في (1317 – 1323 هـ – 189-1905 م)، شرح خلالها خمسة أجزاء، وتوقف عند قوله تعالى : “وكان الله بكل شئ محيطًا]  الآية : 26 من سورة النساء[، ثم قام الشيخ رشيد رضا باستكمال التفسير على هدى من طريقة الإمام ونهجه.

وكانت مجلة المنار هي الصحيفة التي هيأت لآراء الإمام محمد عبده الحظ الأوفى من الذيوع والانتشار، وكانت الأداة التي انتظمت حولها جهود العاكفين على حركة الإصلاح (107)، وله الفضل أيضًا في كونه حفظ جانبًا غير قليل من حياة الإمام محمد عبده، ولولاه لضاع الكثير منها ولنسى الكثير من آثاره.

وكان لمدرسة المنار وفكرها تأثير كبير، فكانت الخلفية الثقافية والدينية لجماعة الإخوان المسلمين، ويعدٌ مؤسس الجماعة حسن البنا واحدًا من تلاميذ هذه المدرسة، وصلته بها متعددة الأطراف، فأبوه “أحمد عبد الرحمن البنا” كان ممن يحضرون دروس الإمام محمد عبده، وكان لحسن البنا صلة وثيقة بالشيخ “محمد مصطفى المراغي” وهو واحد من أكبر تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده، وكذلك صلته بالشيخ “رشيد رضا” معروفة، وكان به معجبًا، وله محبًا” (108).

وتأثىيرات الإمام محمد عبده وتلميذه “رشيد رضا” واضحة في فكر البنا وطرائقه في الإصلاح والتجديد، وهي تحتاج إلى دراسة عميقة لبيان تلك الخطوط والقسمات، وبلغ من تقدير البنا لمجلة المنار، وهي التي تعبر عن فكر الرجلين أنه حاول استكمال المنار بعد أن توقفت بعد وفاة الشيخ رشيد رضا، فصدر الجزء الخامس من المجلد الثاني والثلاثين في غرة (جمادى الثاني 1358 هـ – 18 من يوليو 1939 م)، لكن هذا الإصدار توقف بعد أربعة عشر شهرًا، كما أنه حاول استكمال تفسير المنار من حيث توقف الشيخ رشيد رضا حين أصدر صحيفة الشهاب، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح (109).

وتمتد تأثيرات الإمام محمد عبده وتلميذه “رشيد رضا” إلى كثير من كبارالمفكرين الإسلاميين، ولعلها واضحة تمامًا في فكر الشيخ “محمد الغزالي” في دعوته الإصلاحية ووقوفه ضد الاستبداد السياسي، واحترامه للعقل، وتقديره للمرأة في كل ما يكتب، وكراهيته للتعصب والجمود، وهو عندي الحلقة الثالثة التي يجب الوقوف عندها بعد الإمام محمد عبده وتلميذه “رشيد رضا”، وحسن البنا وتأثيره في حركة الإحياء، ويجمع هذه الحلقات خطوط مشتركة تحتاج إلى مقالة وبيان.

·                 محمد فريد وجدي ومدرسة الدستور:

يعد “محمد فريد وجدي” واحدًا من شيعة الإمام محمد عبده، وإن لم يذكر أحد ممن تناولوا حياته أنه تتلمذ على الإمام وحضر دروسه في الأزهر أو في منزله، لكنه على أي حال يعد من تلامذة الإمام محمد عبده، وهو يذكر أنه تأثر به إلى حد كبير وبكتابه رسالة التوحيد .

وهو من مواليد الإسكندرية، وتنقل بين عدة مدن بسبب عل أبيه، واستقر في السويس، حيث كان يعمل أبوه وكيلاً للمحافظة، ولا يعرف على وجه الدقة واليقين أنه تلقى تعليمًا نظاميًا في المدارس المدنية، وكل ما يذكر عنه في هذه الفترة أنه “أكمل تعليمه في مكتبة والده متفوقًا في اللغة الفرنسية، مازجًا ذلك بثقافة عربية إسلامية أصيلة قوامها الأدب واللغة والفقه والتاريخ وعلوم القرآن” (110).

و قد بدأ التأليف ولفت النظار إليه وهو فى الخامسة والعشرين من عمره بكتابه” المدنية والإسلام” الذى ألفه بالفرنسية فى بادئ الأمر، ثم عربه، وصدر فى سنه (1316 هــ = 1899 م) بغرض نصرة الدين والدفاع عنه، وتبرئة الإسلام من الاباطيل التي ينسبها إليه بعض الكتاب، وتفهيم الأوروبيين حقيقة الدين الإسلامى، وماهيته، وإثبات أنه ضامن للإنسان نيل السعادتين. أما وجه كونه ضروريًا لا مناص منه، فهو أن الغربيين أصبحوا بجده ونشاطهم أصحاب السلطان والنفوذ على معظم العالم الإسلامى، وما داموا جاهلين بحقيقة الإسلام ومعتقدين ما يهذى به بعض كتابهم ضده، فإنهم لا يستطيعون أن يروا فى ديانة محكوميهم إلا عبئًا ثقيلًا على عقولهم، وحملًا مضنًيا لمداركهم، فلا يقرونهم عليه إلا احترامًا لعواطفهم فقط ، راجين من العلوم العصرية والمعارف الطبيعية القيام بتهذيبه فى المستقبل”، ثم يقول: ” إن الأوروبين معذورون فى تصديق التهم ضد الإسلام والمسلميم، ولهم الحق فى العمل ضدها ما داموا لا يرون أمام أعينهم من مظاهر الدين  إلا البدع التى اخترعها صغار العقول، وقبلها منهم العامة، وزادوا عليها أشكالًا من الأوهام  والأضاليلن تنفر منها الطبائع البشرية، وتنافى أصول المدنية، كيف نرجو أن يفهم الأوربيون حقيقة ديننا وأنه المانح  الوحيد للسعادات كلها حالة كونهم لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما يرونه أمام أعينهم  كل يوم: مثل الصياح فى الطرقات خلف الطبول وتحت الرايات، ومثل اقتراف أشد المنكرات المنافية للأدب والعقل فى الموالد التى تقام فى كثير من نقط القطر المصرى ، ومثل الإجتماع إلى حلقات كبيرة على مرأى ومسمع من ألوف المتفرجين والصياح الشديد بالذكر مع التمايل يمينًا ويسارًابه شائنات التهم”(111).

وقد أثار هذا الكتاب إعجاب كثير من النقاد والمفكرين، منهم الشيخ رشيد رضا الذى قرنه بكتاب رسالة التوحيد للإمام محمد عبده الذى صدر فى الوقت نفسه، وقال : ” كفى الكتاب شرفًا أننا جعلناه ثانى كتاب رسالة التوحيد التى لم يؤلف مثلها فى الإسلام قط، وأن مؤلفه جرى على آثار الاستاذ فى الرسالة أسلوبًا وبحثًا”(112).

ولما رأى حاجة الأمة إلى ذخيرة وافية من المعارف الإنسانية فى شتى العلوم والفنون والفلسفات قدم عمله الضخم ” دائرة معارف الفن العشرين” فى عشرة مجلدات ، استغرق فى إعدادها تسع سنوات (1328 – 1336 هــ = 1910 – 1918م)، وجاءت فى نحو ثمانية آلاف وخسمائة صفحة، واشترى لها مطبعة خاصة لإنجازها، وقام بهذا العمل الضخم بمفرده، وكانت تصدر فى هيئة أجزاء شهرية، وهذا العمل الضخم يأتى بعد عمل بطرس البستانى ” فى دائرة المعارف العربية” التى لم تستكمل وتوقفعت عند حرف العين، لكن عمل وجدى جاء كاملًا ومرتبًا مواده على الترتيب الألفبائى، وقدمها بهذه العبارة ” قاموس عام مطول للغة العربية والعلوم النقلية والكونية، والنحو والصرف والبلاغة، والمسائل الدينية وتاريخ الفرق والمذاهب والتفسير والحديث والأصول والتاريخ العام والخاص، وتراجم مشهورى الشرق والغرب والجغرافيا الطبيعية والسياسية والكيميائية والفلك والفلسفة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والروحية والطب والعلاج وقانون الصحة والفوائد المنزلية وخصائص العقاقير والإحصاءاتن وسائر ما يهم الإنسان”.

وقد اعتمد فى عمله ها سبع دوائر معارف أجنبية ، يراجعها ويترجم منها، فضلًا عن مئات الكتب فى الثقافة العربية والإسلامية، وهو جهد ضخم جبار قا به فرد واحد، لا تقف خلفه جهة رسمية بالمال والعون، وعلى الرغم من ضخامة العمل وقيمته التى أشاد بها الدكتور هيكل ، وداود بركات، وأحمد تيمور باشا ، فإنه لم يجد صدى طيباً فى دوائر العلم والثقافة الرسمية(113)، ويكشف هذا العمل عن روح جبارة، وعزيمة صادقة، فى تقريب المعرفة للناس، فلا نهوض إلا بها.

واستعان محمد فريد وجدى بالصحافة فى نشر أفكاره الإصلاحية، وتوجيه أمته إلى ما يفيد، وله فى هذا تجارب ناجحة، فأصدر مجلة” الحياة” الشهرية سنة ( 1317 هــ = 1899 م)، ثم أنشأ جريدة الدستورن وكانت يومية وصدر العدد الأول منها فى(10 من شوال 1325 هــ = 16 من نوفمبر 1907 م)، وعلى الرغم من تأييد صاحبها للحزب الوطنى فإنها لم تكن لسان حاله، بل كانت صحيفة ثقافة وعلم، لها طابع يمزج بين الدين والسياسة، وتولى عناية كبيرة ببناء المة، عقليًا و اجتماعيًا، على نحو يجمع بين الوطنية والدين، وبالحركة العلمية الأوربية، وتقديم خلاصات عن الحضارة وتطوير العلم والمذاهب والأفكار الجديدة فى الغرب، بأسلوب سها يفهمه القارئ . وقد عنى محمد فريد وجدى بالمرأة ونشاطها، وكانت زوجته تلى أمر جمعي ” ترقية المرأة” فأفرد لها بابًا يوميَّا فى الجريدة بعنون ” منبر الأوانس”، حفل بكثير من الدراسات.

 واستمر الدستور ثلاث سنوات توقفت بعدها بعد خلافه مع الحزب الوطنى الذى ينتمى إليه وتركه له، ويذكر العقاد أسباب التوقف وكان ن تلاميذه محمد فريد وجدى وممن يعاونونه فى إصدار الجريدة : ” إن أزمته فى مجال الصحافة غنما كانت أثرًا من آثار المبدأ الذى لا ينحرف عنه الرجل قيد شعره، وهو الجهر بالرأى ولو خالف القوة والكثرة، وخالف أحب الناس إليه”، وأدى خلافه مع الحزب الوطنى إلى كساد الصحيفة، فعجز عن النهوض بها، ولم يقبل أن يعوض الخسارة بمعونة تفرض عليه من جهات لا تتفق مع عقيدته(114) .

ثم تولى محمد فريد وجدى رئاسة تحرير مجلة الأزهر سنة (1352 هــ = 1933 م)، وظل فى منصبه حتى سنة (1371 هــ = 1953م)، وكتب خللها مئات المقالات والأبحاث، يعنى كثير منها بما يكتب عن الثقافة العربية والإسلام فى صحف الغرب (115).

وقد تابع محمد فريد وجدى شيخه الإمام  محمد عبده فى دفاعه عن الإسلام وتفرقته بين الإسلام نفسه باعتباره دينًا ونظامًا اجتماعيًا، وبين ما عليذه المسلمون فى العصر الحاضر من تخلف وفقر، وقد دخل فى سبيل تبرئة الإسلام مما يلصقه به خصومه من تهم وشبهات، معارك ومساجلات مع ” هانوتو” الذى سبق أن رد عليه محمد عبده، وكرومر وغيرهما.

وهذا المنهج تابعه فيه تلميذه ” عباس محمود العقاد” فى كتبه التى خصصها للدفاع عن الإسلام معتمدًا على الحقائق التاريخية والحجج المنطقية والارتكاز على العقل.

ولمحمد فريد وجدي اجتهادات فى موضوع المرأة، فقد أصدر عنها كتابًا بعنوان ” المرأة المسلمة” سنة (1319 هــ = 1902 م)، قال فيه : إن الدراسات الإسلامية فرضت ” التعليم على المرأة كما فرضته على الرجل ، وإنها سمحت لها بما لم تسمح به الأمم الراقية إلا فى القرن العشرين، وهى أن تكون مفتية وقاضية، وأن تحضر الصلوات بالمساجد ، وأن تشهد المور العامة، وتبدي رأيها فيها، وقد استنتجت من ذلك أن دينها يسمح لها بأن تكون ناخبة ونائبة”(116).

وللرجل دراسات موسعة حول الإلحاد والفلسفة المادية، والتوفيق بين العلم والدين ، والدراسات الإسلامية، تحتاج إلى دراسة وتقصى لبيان دور الرجل الحقيقى فى النهضة الفكرية والأدبية، فله نحو عشرين كتابًا، فضلاً عن موسوعته الكبيرة، ومئات المقالات التى كتبها فى الصحف والمجلات فى مختلف ميادين الفكر والثقافة والأدب، فقد كان الرجل مشاركًا فى معظم المساجلات الفكرية ومؤثرًا فيها، كمساجلاته مع طه حسين وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وشكيب أرسلان وغيرهم.

·                 عبد العزيز جاويش وصحيفة الهداية:

هو واحد من تلاميذه محمد عبده، قدمه إليه الشيخ رشيد رضا، وبدأ فى حضور دروسه فى منزله فى عين شمس، وارتبط به ارتباطًا وثيقًا (117)، وتأثر به وبأفكارة الإصلاحية، على الرغم من كونه من أتباع الحزب الوطنى الذى كان ينتهج نهجًا مغايرًا عن سياسة الإمام الهادئة، فإنه كان يلتقى معه فى عنايته بالتعليم والإصلاح الاجتماعى على أساس عقلاني.

 ولد عبد العزيز جاويش بالإسكندرية فى (12 من شوال 1293 هــ = 31 من أكتوبر 1876 م)، ونشأ في أسرة كريمة تعمل بالتجارة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالأزهر سنة ( 1310 هــ = 1892 م)، وهو فى السادسة عشر من عمره، لكنه لم يمكث به سوى عامين، انتقل بعدها إلى مدرسة دار العلوم بعد أن اجتاز اختبارًا صعبًا في دقائق الفقه والتفسير والنحو والبيان والبديع والإنشاء والتاريخ.

وفي المدرسة تفتحت مواهبه ؛ فتفوق في الطبيعة والفلك، ونبغ فى علوم العربية، وعرف خطيبًا مفوهًا وشاعرًا نبيهًا، حتى أتم دراسته في المدرسة وحصل على شهادتها سنة (1315 هــ = 1897 ) وهو في الحادية والعشرين من عمره(118).

 وبعد التخرج عمل مدرسًا في مدرسة الزراعة، ثم لم يلبث ان اختير للسفر غلى إنجلترا والتحق هناك بجامعة برورود، وتلقى هناك علو الربية والطرق الحيثة في التدريس، وظل هناك ثلاث سنوات عاد بعدها إلى القاهرة سنة( 1319 هــ = 1901 م) ليعمل مفتشًا في وزارة المعارف، غير أنه لم يمكث في هذه الوظيفة سوى عام ونص رجع بعدها إلى إنجلترا ليعمل أستاذًا للغة العربية في جامعة أكسفورد، وظل هناك في وظيفته خمس سنوات أتيح له خلالها التمكن من الثقافة الإنجليزية، وفهم طبيعة الإنجليز، وتعرف طرائق حياتهمن وفي أثناء إقامته بإنجلترا اختير عضوا في مؤتمر المستشرقين الذي عقد بالجزائر سنة ( 1323 هــ = 1905 م)، وفي هذا المؤتمر رد على محاولات بعض المستشرقين فى الطعن في القرآن (119).

وبعد عودته من إنجلترا سنة (1324 هــ = 1906 م) عمل مفتشًا عاماً في وزارة المعارف ثم ترك منصبه سنة (1326 هــ = 1908 م ) ليتولى رئاسة تحرير جريدة “اللواء” التي كان يصدرها الخزب الوطني، وكانت مبادئ الحزب تلقى استجابة عنده، وتجد هوى وقبولا فى نفسه ؛ فلم يتردد حين عرض عليه الزعيم الوطني الكبير محمد فريد رئيس الحزب رئاسة تحرير الجريدة، ولم تفلح محاولات سعد زغلول وزير المعارف آنذاك في إثنائه عن استقالته من الوزارة.

وبتوليه رئاسة تحرير جريدة ” اللواء” بدأت مقالاته تتوالى دفاعًا عن الامة وصيانة لحقوقهان وهجوما على الاستعمار وأذنابه والقصر ورجاله، ولم تشغله القضية الوطنية عن قضايا العالم الإسلامي، فإذا كان يرى حق الأمة المصرية في الحرية والجلاء والدستور، فإنه يراه ايضا حقا للعالم الإسلامي، وكان يؤمن بوحدته تحت راية الدولة العثمانية التي يرى في تمزيقها ضياعا للوطن وتمكينا للعدو؛ ولذلك هاجد أحمد لطفي السيد وشن عليه حملة عنيفة حين عارض معاونة مصر لطرابلس التي تعرضت للغزو الإيطالي(120).

وفي هذه الفترة أنشأ مجلة الهداية سنة (1328 هــ = 1910 م) وعنى فيها بنشر تفسير للقرآن على طريقة الإمام محمد عبده، وربطه بالأحوال القائمة بالأمة، مستعينًا فى ذلك بالتاريخ والأدب والاجتماع والسياسة، وبتقريب الإسلام من قيم العصر وثقافته، ومحاولة التوفيق بين الدين وحضارة الغرب، ونادى بوجوب  مراعاة  أحوال الزمان والمكان في تطبيق الشريعة الإسلامية، التى سنت ” أن نأخذ بالأصلح الملائم للأزمنة والأمكنة حتى لا يكون على الناس حرج ولا ضرر، بل رخصت أن يعدل عن النص إذا ثبت ثبوتًا قطعيًا أن الضرورة توجب هذا العدول وكانت المصلحة التى كانت تنتج من اتباع النص، أقل مما ينتجه هذا العدول ” (121).

وفتحت الجريدة أبوابها لمقالات وأبحاث الشيخ طنطاوى جوهرى  ( 1279 – 1358 هــ = 1860 – 1940 م)، وهو أيضًا من مدرسة الإمام محمد عبده، واشتهر باجتهاداته بين التقريب بين الدين والعلم، وله تفسير معروف باسم ” الجواهر فى تفسير القرآن” حاول فيه تطبيق القرآن على النظريات الحديثة، واستخراج  النظريات العلمية من الآيات القرآنية، وهو يقدم منهجًا فى التفسير يقوم على المشاهدة والتجربة، والنظر والتفكير، واتخذ من هذا المنهج وسيلة لنهضة الأمة ودعوة غلى مزج علوم الحياة بالدين.

وقد جلبت عليه حملاته العنيفة ضد الاحتلال متاعب كثيرة ، وعرضته للسجن الأمر الذى أجبره على مغادرة مصر في جمادى الأولى (1330 هــ = مارس 1912 م) والهجرة إلى  تركيا، وفي أثناء إقامته بها تزعم مع أنصار الحزب الوطني الذين غادروا مصر إلى تركيا حملة لجمع التبرعات، وإرسال المؤن والذخائر إلى المجاهدين في طرابلس لمقاومة الغزو الإيطالي، وسافر إلى المدينة المنورة سنة (1333 هــ = 1914 م) لإنشاء الجامعة الإسلامية ، وأعاد إصلاح كلية ” صلاح الدين” بالقدس ، وتولى إدارتها، واشترك سنة (1334 هــ = 1915 م) مع الحملة العثمانية المتجهة إلى مصر لتخليصها من الاحتلال الإنجليزي (122)، ثم اتجه إلى ألمانيا بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وأقام بها.

وبعد إعلان استقلال مصر في ( 17 من رجب 1340 هـــ = 16 من مارس 1922 م)، عاد إليها، أسند إليه منصب مدير التعليم الأولي سنة ( 1344 هــ = 1925م)، فاستكمل ما كان قد بدأه من طرق الإصلاح في التربية والتعليم، وانكب على عمله المضني يجوب البلاد وينشئ المدارس ويضع الخطط للنهوض بالتعليم، ويؤلف الكتب في مفاهيم  التربية، وله كتاب بعنوان ” غنية المؤدبين” ألفه سنه (1320 هــ = 1902 م) يدعو فيه إلى ضرورة العناية بتربية الأطفال قبل تعليمهم، وفرَّق فيه بين مفهومي التربية  والتعليم(123)  ، وأنشأ المدرسة الإعدادية كنواة ينسج عليها التعليم الثانوي، وقام بجمع التبرعات وعمل الاكتتابات لفتح المدارس الأولية لتعليم أبناء الأمة وفكمال النقص في عدد المدارس الحكومية التي كان الاحتلال حريصا على ان تكون بمصروفات؛ حتى لا يقبل عليها إلا ابناء الأثرياء ، ودعا إلى إنشاء مدارس رياض الأطفال، وقال بأنها هي التي تبني التعليم في مصر (124) .

ودعا جاويش إلى إصلاح مناهج التعليم والعناية بالتربية كأساس التعليم، ورفع مستوى القائمين على العملية التعليمية والأخذ بالأساليب الحديثة في التربية، وهاجم مناهج التعليم القائمة ؛ لأن الاحتلال هو الذي وضعها وأشرف على تنفيذها، ودعا إلى التوسع في التعليم الزراعي والصناعي، وعمل على إكمال النقص في برامج مدارس  الحكومة، وحماية الطلاب من مناهج التعليم الأجنبي بإنشاء عدد من المدارس تكون تحت رعايته، وامتدت دعوته إلى إصلاح التعليم بالأزهر، وإدخال العلوم العصرية ضمن مناهجه، وفتح أبواب المدرسة الإعدادية التي انشأها لطلاب الأزهر، وكان من بين من تعلم فيها طه حسين، وقد توثقت العلاقة بينهما، وفتح له باب مجلته الهداية ليكتب فيها، وقدمه للناس.

وتطلع إلى اختيار عدد من الطلاب الأزهريين النابهين الذين يقصدون مدرسته وإرسالهم في بعثات إلى أوروبا، ونجح في جمع التبرعات الازمة لنفقات أول بعثة أزهرية على نفقة الأمة إلى فرنسا، وتكونت من ثلاثة طلاب سافروا إلى فرنسا في (26 من صفر 1329 هــ = 26 ن فبراير 1911 م)، زكان معهم جاويش، وكان الهدف ن هذه البعثة الوقوف على أساليب التعليم الحديثة ليطبقها هؤلاء المبعوثين في الجامعة الأزهرية حتى تصبح  عصرية، غير أن هذا المشروع توقف بعد سفر جاويش إلى تركيا بعد التضييق عليه ومحاربته.

وامتدت جهوده غلى ميادين أخرى، فدعا إلى ترابط رؤوس الأموال الصغيرة ، وإنشاء مصرف وطني ، وحارب الخمر ومضار المسكرات، وأَّلف في ذلك كتابا بعنوان ” أذى الخمر ومضاره”، وارتفع صوته بضرورة العناية بالمرأة وتعليمها وإصلاح أحوالها ورفع شأنها، وعارض زواج المصريين من الأجنبيات، وكان له جهود مشكورة في بنيان مفاهيم الإسلام والكشف عن حقائقه في كتابه المعروف ” الإسلام دين الفطرة”.

وخلاصة القول أن مدرسة الإمام محمد عبده رحيبة الجنباب، ضمت كثيرَا من التلاميذ من ذوى الاتجاهات المختلفة والتيارات المتباينة، كل منها  وجد فيها ما يشده ويسير على نهجه، فضمت المجددين  والمحافظين بأطيافهم وألوانهم.

   ولم تقتصر مدرسته على الذين التقوا به وتتلمذوا عليه، بل صارت أفكاره تيارًا عارمًا، دخل فيه كثير من العلماء والمفكرين والأدباء من أمثال عباس محمود العقاد، والمازني، ومحمد حسين هيكل، ومحمود شلتوت، ومحمد البهي وغيرهم.

هوامش البحث

(*) بحث مقدم في احتفالية مكتبة الأسكندرية بمئوية الإمام محد عبده 4-5/ 12/ 2005 .

(**) ماجستير تاريخ إسلامي من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

1-             ولد الإمام محمد عبده فى قرية ” شنرا” التابعة لمركز السنطة بمحافظة الغربية سنة (1266 هــ = 1849م) حسبما جاء فى ملف الإمام محمد عبده الموجود فى دار المحفوظات العمومية المصرية، وقد نشر مجاهد توفيق الجندى صورة من بعض ملفات الإمام فى دراسة منشورة له بمجلة الأزهر فى العدد التاسع (رمضان 1426 هــ = أكتوبر 2005م) ضمن دراسات احتفالية الأزهر بمرور مائة عام على وفاة الإمام محمد عبده، وتثبت الصورة المنشورة أن القرية ” شنرا” هى محل ميلاد الشيخ محمد عبده، وليست قرية محلة نصر التابعة لمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة التى يتفق كثير من الباحثين  الذين ترجموا لمحمد عبده أنها محل مولده، وتجدر الإشارة إلى أن العقاد يذكر أن محمد عبده ولد بقرية ” حصة شبشير” من قرى محافظة الغربية، وهى لا تبعد كثرًا عن قرية شنرا، ويذكر رشيد  رضا فى مجلة النار فى المجلد الثامن، ص : 38، فى معرض ترجمته لمحمد عبده أن أباه ” تزوج من قرية تسمى ” حصة شبشير” القريبة من مدينة طنطا، وأقام معها فى قرية تسمى ” شتر” إلى أواخر مدة عباس باشا الأول والى مصر ، ولعلها اسم القرية التى جاء ذكرها فى ملف الإمام.

2-             محمد عمارة: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده (2/ 324).

3-             هذا الكتاب ترجمة عن الفرنسية نعمة الله خورى، وكان الفغانى ومحمد عبده قد تنبَّها إلى أهمية الكتاب فقرَّظاه فى صحيفة الأهرام ن ويذكر الشيخ رشيد رضا أنه لا يدرى إن كان الإمام قد أتم قراءة هذا الكتاب على تلاميذه أم لا.

       ]تاريخ الأستاذ محد عبده : (1 / 135)، ومجلة النار ( 8 / 404).

4-             محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (1 / 136)، تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد فى مصر : ص 43

5-             يقول رشيد رضا : فقد هذا الكتاب عندما عزله توفيق باشا من المدرسة، ونفى السيد جمال وأخذت أوراقه، وكان طيب الله ثراه يقول : أتمنى لو يحفظ هذا الكتاب من وقع فى يده ، ويدعمه لنفسه ولو بعد موتى لينتفع به الناس، وقد سألت عنه محمد باشا صالح المستشار فى محكمة الاستئناف إذ كان ممن حضره عليه، فقال لى إننى كنت ما يمليه الأستاذ في تلك الدروس ، فطلبها منه فقال : إنها بين أوراقه القديمة فى البلد، وعسى أن أبحث عنها وأجدها عند زيارتي للبلد فى الأجازة ، ولكنه توفى ولم يفعل رحمة الله. محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (1/ 778).

6-             مجلة المنار : 8 / 404، محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (136/ 1).

7-             محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (76 / 1).

8-             انظر تفاصيل تعيين محمد عبده محررًا لجريدة الوقائع المصرية ما كتبه تلميذه محمد رشيد رضا فى كتابه : تاريخ الأستاذ الإمام ( 137/1).

9-             عبد اللطيف حمزة : أدب المقالة الصحفية فى مصر : (2/77).

10-       كان الشيخ محمد عبده يمد جريدة الأهرام بمقالاته من العدد الخامس حتى العدد الواحد والأربعين .المصدر السابق 2/79).

11-       عباس محمود العقاد  : عبقرى الإصلاح والتعليم : ص 180.

12-       انظر تفاصيل ذلك فى تاريخ الاستاذ الإمام (1/138-140).

13-       كتب الأستاذ الإمام فى جريدة الوقائع المصرية أكثر من ثلاثين مقالة فى التربية والسياسة والاجتماع وكانت أول مقالة له بعنوان ” حكومتنا والجمعيات الخيرية” بتاريخ (14 من ذى القعدة سنة 1297 هــ = 19 من أكتوبر 1880م). عبد اللطيف حمزة : أدب المقالة الصحفية فى مصر : ( 2/81).

14-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (2/ 122).

15-       تشارلز آدس : الإسلام والتجديد فى مصر، ص 47.

16-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (2/123).

17-       نشر مقاله بخصوص هذا الشأن بعنوان حاجة الإنسان إلى الزواج فى الوقائع المصرية، العدد 1055 فى ( 7 من ربيع الأول 1298 هــ = 7 من مارس 1881م). الأعمال الكاملة لمحمد عبده : 2/ 166.

18-       نشر مقالة بعنوان “حكم الشريعة فى تعدد الزوجات” فى الوقائع المصرية، فى العدد (1056).

19-       انظر هذه الموضوعات فى الأعمال الكاملة لمحمد عبده: 2/8 – 165.

20-       انظر ما كتبه فى هذا الشأن مقالاته الثلاث : فى الشورى والاستبداد، فى الشورى، الشورى والقانون. الأعمال الكاملة لمحمد عبده : 1/ 381-399  .

21-       تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد فى مصر، ص 48.

22-       انتهت صلته بجريدة الوقائع المصرية فى (مايو 1882م).

23-       عثمان أمين :رائد الفكر المصرى الإمام محمد عبده، ص 31.

24-       محمد رشيد رضا :تاريخ الأستاذ الإمام (1/139).

25-       انظر في تفاصيل موقف الشيخ  محمد عبده من الثورات العرابية، ثم انخراطه فى أعمالها وما كتبه الشيخ محمد رشيد رضا: تاريخ الأستاذ الإمام ( 1/145)، وما بعدها، عبد العاطى محمد أحمد فى الفكر السياسى للإمام محمد عبده (88 – 91)، عباس محمود العقاد فى” عبقرى الإصلاح والتعليم”، ص 161 – 162، زكريا سليمان بيومى فى ” التيارات السياسية والاجتماعية بين المجددين والحافظين” دراسة تاريخية فى فكر الشيخ محمد عبده : ص 71 – 73، تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد فى مصر، ص 50-53.

26-       محمد رشيد رضا :تاريخ الأستاذ للإمام (1/ 274).

27-       محمد عمارة : الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: 1/29.

28-       محمد رشيد رضا: تاريخ الأستاذ الإمام (1/894).

29-       المصدر السابق: 1/391.

30-       المصدر السابق: 1/391.

31-       اقرأ فى هذا الشأن ما كتبه تلميذاه ” شكيب أرسلان” و”عبد الباسط فتح الله” وهما ممن حضروا دروسه فى بيروت، محمد عمارة: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: 1/393 – 415، وانظر : أحمد أمين :زعماء الإصلاح فى العالم الإسلامى،ص 208، 20، تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد فى مصر، ص63.

32-       محمد عمارة : الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده : 1/32.

33-       تشارلز آدمس :الإسلام والتجديد فى مصر، ص 67.

34-       انظر فى ذلك ما كتبه عبد الحليم الجندى فى كتابه : الإمام محمد عبده، ص 51-55.

35-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام (1/427).

36-       المصدر السابق: 1/427 – 429.

37-       انظر ما كتبه أحمد أبو خطوة حول توسيع السيخ محمد عبده لنفوذ منصب المفتى فى كتاب تاريخ الأستاذ الإمام : 1/618 – 619.

38-       انظر فى هذا الشأن ما كتبه عبد الله مبروك فى بحثه عن ملامح  التجديد فى فتاوى الإمام محمد عبده فىمجلة الأزهر، العدد التاسع ، السنة 78 (رمضان 1426 هــ = أكتوبر 2005م) .

39-       محمد  رشيد رضا :تاريخ الاستاذ الإمام (1/620 – 622).

40-        محمد رجائى عطية : الأستاذ محمد عبده عبقرية الإصلاح فى رحاب القضاء، بحث منشور فى مجلة الأزهر، العدد التاسع، السنة 78، ص 6، 16 .

41-       محمد عمارة :الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: 1/34-35 .

42-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام : (1/773).

43-       المصدر السابق : 1/726.

44-       المصدر السابق : 1/753.

45-       تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد فى مصر: ص 81-86

46-       عبد العاى محمد أحمد : الفكر السياسى للإمام محمد عبده: ص 99.

47-       طاهر الطناحى :مذكرات الإمام محمد عبده: 26 – 27.

48-       سورة البقرة : 143.

49-       محمد عمارة : الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده : 3/294.

50-       طاهر الطناحى : مذكرات الإمام محمد عبده: 27.

51-       محمد عمارة: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: 3/17.

52-       أحمد زكريا الشلق : حزب الأمة ودوره فى السياسة المصرية: ص 279.

53-       هذا النص نقلًا عن بحث رجائى عطية بعنوان الأستاذ الإمام محمد عبده عبقرى الإصلاح فى رحاب القضاءك العدد التاسع ، السنة 78، ص 1، 16.

54-       تشارلز آدمس: الإسلام والتجديد فى مصر: ص 227.

55-       محمود غنيم : حفنى ناصف بطولته فى مختلف الميادين : ص 38.

56-       المصدر السابق : ص6.

57-       أحمد الإسكندرى:الوسيط فى الأدب العربي وتاريخه : ص 325.

58-       محود غنيم: حفنى ناصف بطولته فى مختلف الميادين: ص 73.

59-       المصدر السابق : 63.

60-       تشارلز آدمس: الإسلام والتجديد فى مصر: ص 204.

61-        محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 775.

62-       انظر فى ذلك ما كتبه عبد الوهاب خلاف فى مجلة القانون والاقتصاد – العددان السادس والسابع- السنة 15، 1945م.

63-       محمد الخضرى :أصول الفقه : ص 10.

64-       تضم  قائمة مؤلفات الخضرى كتبًا فى التاريخ والفقة والأصول واللغة ، منها نور اليقين فى سيرة سيد المرسلين ، وإتمام الوفاء فى سيرة الخلفاء، وتاريخ التشريع الإسلامى، ومهذب الأغانى فى ثمانية مجلدات، ومحاضرات فى تاريخ الأمم الإسلامية، وحاضرات فى بيان الأخطاء العلمية التى اشتمل عليها كتاب الشعر الجاهلى للدكتور طه حسين . مصادر الدراسة الأدبية: 2/ 235- 236 .

65-       أنور الجندى: أعلام وأصحاب أقلام: ص 19.

66-       انظر فى ترجمة النجار وآرائه وآثاره ما كتبه أنور الجندى فى أعلام وأصحاب اقلام : ص 262- 276، وما كتبه محمد رجب البيومى فى كتابه ” النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين “، 1 / 317-338.

67-       محمد رجب البيومى : النهضة الإسلامية : 1 / 333.

68-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 774.

69-       يوسف أسعد داغر :مصادر الدراسة الأدبية: 2/ 228.

70-       أنور الجندى:أعلام وأصحاب أقلام: ص 19.

71-       انظر مؤلفات أحمد تيمور فى مصادر الدراسة الأدبية:  2 / 229-232.

72-       المصدر السابق: 2/ 229.

73-       انظر فى المراغى وحياته: أبو الوفا المراغى : الشيخ المراغى باقلام الكتاب، ومحمد رجب البيومى: النهضة الإسلامية ( 1/ 413 – 430)، على عبد المنعم: مشيخة الأزهر( 2/ 11-43).

74-       نشر أبو الوفا المراغى نص المذكرة التى كتبها الشيخ المراغى لإصلاح الأزهر فى كتابه (26-40)، وكان الشيخ المراغى قد نشرها بجريدة الأهرام  بتاريخ 7،5 أغسطس 1928م.

75-       عبد الله محمود شحاتة : الإمام محمد عبده بين المنهج الدينى والمنهج الاجتماعى :ص 62-63.

76-       على عبد العظيم :مشيخة الأزهر (2 /35 ).

77-       المصدر السابق: ص 53

78-       المصدر السابق: ص 63 – 67.

79-       انظر فى ترجمته: على عبد الرازق : من آثار مصطفى عبد الرازق: ص5-77، على عبد العظيم: مشيخة الأزهر ( 2 / 79- 92)، حمد بن صادق الحمال: اتجاهات الفكر الإسلامى المعاصر فى مصر( 2/ 812- 816)، محمد رجب بيومى ” النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين“، 2/ 49 – 66، عثمان أمين: رائد الفكر المصرى محمد عبده: 214- 218، تشارلز آدمس : الاسلام والتجديد فى مصر: ص 245-246 .

80-       محمد رجب البيومى: النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين“، 2/ 54.

81-       أحمد محمد جاد: فلسفة المشروع الحضارى بين الإحياء الإسلامى والتحديث الغربى :    1/ 145 .

82-       على سامى النشار: نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام: 1/ 46.

83-       مصطفى عبد الرازق :تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية: ص 27.

84-       على سامى النشار: نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام: 1 / 24 . (85) محمد عبد الغنى حسن :تراجم عربية: 179 – 180.

85-       طارق البشرى : من حمل مصر والعرب فى القرن العشرين، مجلة وجهات نظر ، العدد الثانى عشر يناير 2000م.

86-       عمر الدسوقى : فى الأدب الحديث : 1 / 306.

87-       المصدر السابق : 1 / 306.

88-       تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد : ص 206.

89-       أحمد حسن الزيات : افتتاحية مجلة الرسالة : العدد 1 ، 1937 م نقلًا عن كتاب النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين: 2 / 168.

90-       محمد رجب البيومى ” النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين “، 2 / 333.

91-       جمال الدين الرمادى : من أعلام الأدب المعاصر : ص 71.

92-       محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام : 1 / 604.

93-       شوقى ضيف : فصول فى الشعر ونقده : ص 357.

94-       تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد : ص 206.

95-       أحمد زكريا الشلق: أحمد فتحى زغلول وقضية التعريب : ص 15.

96-       المصدر السابق : ص 14.

97-       المصدر السابق : ص 33.

98-       يوسف أسعد داغر :مصادر الدراسة الأدبية: 2 / 399- 400.

99-       أحمد زكريا الشلق : أحمد فتحى زغلول وقضية التعريب : ص 34.

100-  المصدر السابق: ص 49.

101-  انظر فى ترجمته يوسف أسعد داغر : مصادر الدراسة الأدبية: 2 / 383 – 387، أنور الجندى : أعلام وأصحاب أقلام: ص 153 – 160، وأفراده بالتأليف إبراهيم العدوى فى كتابه: رشيد رضا الإمام المجاهد، وأحمد الشرباصى فى كتاب ” رشيد رضا صاحب المنار“.

102-  محمد عمارة: الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: 3 / 135.

103-  أحمد محمد جاد : فلسفة المشروع الإسلام : 2 / 406.

104-  مجلة المنار: 1 / 29.

105-  أحمد محمد جاد : فلسفة المشروع الإسلام : 2 / 406.

106-  تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد : ص 196.

107-  عبد العاطى محمد أحمد :الفكر السياسى لمحمد عبده، ص 270.

108-  محمد الغزالى : مقالة بعنوان: هل كان الأفغانى ومحمد عبده خارجين على الإسلام، مجلة الدوحة، العدد 97، يناير 1984م، قطر.

109-  أنور الجندى: محمد فريد وجدى رائد التوفيق بين العلم والدين، ص 4.

110-  نقلًا عن تشارلز آدمس : الإسلام والتجديد: ص 226 – 227.

111-  محمد رشيد رضا: مجلة المنار، الجلد الثانى : 110 – 111.

112-  أنور الجندى: محمد فريد وجدى رائد التوفيق بين العلم والدين، ص 65 – 66.

113-  المصدر السابق: ص 60.

114-  أنور الجندى :أعلام القرن الرابع عشر الهجرى: ص 232.

115-  أنور الجندى: محمد فريد وجدى رائد التوفيق بين العلم والدين، ص 124.

116-  محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام 1 / 773.

117-  انظر فى حياة عبد العزيز جاويش ما كتبه أنور الجندى فى كتابه: ” عبد العزيز جاويش من رواد التربية والصحافة والاجتماع“، ص 36 – 57.

118-  أنور الجندى: “عبد العزيز جاويش من رواد التربية والصحافة والاجتماع” ص 55.

119-  المصدر السابق : ص 89.

120-  محمد محمد حسين: الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر : 1/ 339 – 340.

121-  أنور الجندى :أعلام القرن الرابع عشر الهجرى: ص 249.

122-  أنور الجندى: “عبد العزيز جاويش من رواد التربية والصحافة والاجتماع” ص 166.

123-  المصدر السابق: ص 168.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر