أبحاث

النساء المسلمات وتغير البيئات

العدد 36

كانت المرأة المسلمة في أفريقيا وآسيا، وكذلك في أوروبا ونصف الكرة الغربي، تعاني من التغيرات السريعة في مجتماعتها خلال العقود الأخيرة. مما تطلب إعادة تقييم حياتها ودورها في المجتمع. وفي هذا الصدد تتشابه المرأة المسلمة مع غيرها من نساء العالمين.

ولكنني إذا اقتصرت على هذا القول، فمن الممكن أن يقال أنني قد شردت بكم بعيداً، لأن ما قلته يمكن أن يدعونا إلى التفكير بأن وضع المرأة المسلمة متماثل مع وضع المرأة في الثقافات الأخرى، وأن استجابتها متشابهة لاستجابة المرأة في أجزاء أخرى من العالم وهذا غير صحيح. لأن محاولات عضوات الحركات النسائية في أوربا وأمريكا لحشد وتعبئة النساء المسلمات ضمن منظماتهن قد أثبتت خطأ هذا الظن.

وبالإضافة إلى ذلك فإننا إذا اقترنا على قول أن المرأة المسلمة فقط تعاني من بيئة متغيرة فإن هذا سوف يحرمنا من فائدة الاستماع إلى آراء جديدة حول مشاكل المرأة بصفة عامة.

إن استجابة المسلمات وآراؤهن غير متاحة في أي زاوية من زوايا مجتمعنا الدولي، حيث أن هذه الاستجابة محددة سلفا من وجهة النظر الإسلامية الخاصة والعقدية والثقافية، وكذلك هي محددة طبقا للأحوال التاريخية الخاصة التي تركت أثرا في الشعوب المسلمة في العقود الأخيرة. وعلى ذلك فإنه من المهم جدا محاولة النظر الأخرى عندما نبحث في العقود القادمة عن حلول جديدة لمشاكل هيكلنا الاجتماعي ومشاكل العلاقات بين الرجال والنساء.

إنه لمن المستحيل أن أتعرض لكل ما تهتم به النساء المسلمات والمجتمعات المسلمة في كلمة مختصرة. ولذلك فإنه يبدو من الحكمة أن أركز على مسألتين تستدعيان الإجابة من أخواتنا المسلمات، وهما تختلفان على المسائل التي تطرحها عادة صاحبات الأقلام والمحاميات المعاصرات. إننا بسبر مثل هذه الأغوار قد نتمكن من إذارة أفكار جديدة ربما تفتح لنا طرقا جديدة للتعاون في صراعنا نحو أهداف مجتمعنا الذي سوف تتحرر فيه المرأة – والإنسانية كلها – من الخوف – وتتحرر من التعرض للخطر، وتتحرر من ربقة الاضطهاد.

  • أولى هاتين المسألتين تتعلق بالدور الذي يلعبه الدين في تقييم وضع المرأة في المجتمع. لقد كان الاتجاه السائد لدى الحركات النسائية – عبر تاريخها – سواء في الدول الغربية أو في اجزاء أخرى كثيرة من العالم، هو أن الدين معوق للتقدم وللسعادة. فالدين مثلا هو الذي علمنا أن حواء – أم البشر – هي التي أغرت البشرية وأغوتها، وأن السلطات الدينية كانت دومًا خالية من الروح ومجردة من إمكانية الوصول إلى الخلاص. فلا غرابة إذا أن تكون المرأة قد شعرت بأنها مدعوة لمقاومة هذا الدين الذي صورته التقاليد عقبة كأداء تقف في سبيلها.

ولكن نساء العالم الإسلامي ينظرن إلى وضعهن نظرة مختلفة تماما. لذلك إذا استثنينا أقلية صغيرة من النساء اللاتي يعتبرن امتداد للحركة النسائية في العالم الغربي. فالمرأة المسلمة ترى أن تعاليم الإسلام التي أمدها بها القرآن الكريم، وأن النموذج النبوي المتمثل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هما أفضل الأصدقاء وأقوى الدعائم التي تركن إليها، تلك التعاليم التي تنادي بمجتمع تكون فيه النساء شقائق الرجال، هي تعاليم مثالية في نظر المرأة المعاصرة، وهي النموذج الذي تسعى جاهدة لكي تعود إليه.

ولذلك فإن مصدر الصعوبات التي تعانيها المرأة المسلمة اليوم ليس هو الإسلام، ولكن ذلك الاقتحام الدخيل على مجتمعها، أو ذلك التجاهل والتشويه الذي يلصق بحقيقة الإسلام الناصعة.

ولعل عدم إدراك هذه الحقائق هو الذي أدى إلى الالتباس والشك لدى مندوبات إحدى الحركات النسائية الغربية عند زيارتهن لإيران قبل وبعد الثورة الإيرانية.

  • المسألة الثانية التي أريد أن أتعرض لها هي دور كل من الرجل والمرأة في المجتمع.إن المرأة المسلمة ترى الحركة المعاصرة نحو مجتمع الجنس الموحد حركة مضللة وخطيرة. وأقصد بمجتمع الجنس الموحد تلك النظرة المعاصرة التي تعتبر أن الفروق الحيوية بين الرجل والمرأة لا تسوغ أن يكون تقسيم العمل في مجتمعاتنا مبنيا على اختلاف الجنسين، حيث أن مثل هذا التقسيم يعتبر سبباً رئيسيًا في الوضع المتضرر للمرأة.

وفي الحقيقة، برغم الدليل الحالي على وجود فروق بيوكيميائية ووظيفية بين عقلي الرجل والمرأة، إلا أن الجنس الموحد يحاول في حدوث فروق ثقافية بين نزعات كل من الرجل والمرأة وميولها.

لقد قمنا في الغرب لمدة من الزمن بتجربة مثل هذه الأفكار، وصدرناها إلى أجزاء كثيرة من العالم برغم النتائج المأساوية التي أصابت المجتمع الغربي. فبدلاً من حصولنا على مساواة بين الجنسين أو على جنس محايد على سبيل المثال، فإن تجارب الجنس الموحد أصبحت عمليا تمثل تعصبا للذكورة. إنها ليست مقولة أن الرجل والمرأة يلعبان دوراً متعادلا ويقومان بوظيفة متساوية للدرجة التي يجل ويحترم أعضاء كل جنس منهما الجنس الآخر؛ بل على العكس من ذلك، لقد أدت ثقافة الجنس الموحد في العقود الحالية إلى أن يقتصر الاحترام على دور الرجل، وأن العائد النقدي وأن الإسهام في الحياة العامة – دون الخاصة – هو الذي يستحق وحده التقدير. وفي مقابل ذلك أصبحت مهام المرأة المنزلية وقيامها بتنشئة الأطفال، كل ذلك يلقي الاستهانة والتحقير من المجتمع، لدرجة أن الشابات أصبحن ممزقات بين رغبتهن في الاستجابة لتوقعات المجتمع، وبين فطرتهن البيولوجية واهتماماتهن الاجتماعية بالأسرة والأمومة.

ونتيجة لذلك، تجنبن تلك الفرص التي تتاح لهن لتلبية مثل هذه الاهتمامات الفطرية باعتبارهن شابات في مقتبل العمر، وأفقن أخيراً على حقيقة أن النجاح في العمل أو المهنة – وهو هدف فردي – لم يكن كافيا للإشباع والإرضاء. وقد دفع بعدد لا يحصى من النساء إلى القوة العاملة في السنوات الأخيرة، لا لحاجة اقتصادية تدعو إلى تشغيلهن كما يُذكر دائما، ولكن لأن المجتمع يملأ آذانهن بموقولة أن وجودهن لن يتحقق ما لم يقمن بدور نشيط في القطاع العام، وما يقبضن عائداً يمكن احتسابه بالدولارات أو بالفرنكات أو بالروبيات.

والنتيجة النهائية هي أن النساء الآن يحاولن رغم صعوبات نفسية لا يمكن تحملها أحيانا، ورغم صعوبات عاطفية وجسمانية – أن يلبين متطلبات الحياة مع مسئوليات المنزل والآباء والمهنة في نفس الوقت. وليس غريبا أن المستشارين وخبراء المشاكل الأسرية لا يمكنهم أن يكونوا على مستوى المشاكل الناتجة، وبالتالي فإن 50% من الزيجات في الولايات المتحدة تنتهي بالطلاق. والرجال ليسوا مستثنين من التعرض للمتاعب التي خلقتها ثقافة الجنس الموحد، تلك الثقافة التي وضعتهم في موقف المنافسة، وأحيانا في موقف الحرب المكشوفة.

لقدر هرب بعض الرجال إلى موقع المقاومة السلبية، بينما لجأ آخرون إلى العدوان والقتال. وكانت نتيجة الزيجات المتقلبة التي ترتبت على هذه الأوضاع أن كانت المرأة هي الطرف المتضرر. أين إذاً الاحترام والأمن اللذين عملت المرأة على تحقيقهما، في مجتمعنا المعاصر؛ مجتمع الجنس الموحد؟.

إن النساء المسلمات قلقات من سلوك نفس المسار الذي سلكته المرأة الغربية. فهن – بدلا من ذلك – يرين أن رفاهية المرأة والمجتمع ككل في المستقبل، تستلزم اختلافا وتباينا بين دور الرجل ودور المرأة في هذه الحياة. إنهن يؤكدن أن محاولة تحسين وضع النساء، ومحاولة تطهير النظام القائم من الظلم الاجتماعي، قد دفعتنا حركة تحرير المرأة إلى إرتكاب خطيئة رئيسية هي إلقاء الطفل – بعد تنظيفه – مع ماء الحمّام.

إن النظام الذي أقر التفرقة بين أعمال الجنسين كإحدى مميزاته وخصائصه، هو نظام متميز. ولكن لسؤ الحظ، بدلا من تنظيم الحماية للنساء من خلال هذا النظام القائم، فإن رد الفعل كان متطرفاً بحيث أدين النظام بأكمله. ولم تكن الخبرة المتاحة كافية للتنبؤ بأثر مثل هذا العلاج المتطرف على قطاعات متنوعة من المجتمع؛ على الرجال والنساء والأطفال والمسنين، وعلى الأسرة في مجموعها.

وتؤكد النساء المسلمات على أن هذا القصور النتائج في المجتمع لا يمكن تجنبه، وأنه بدلا من نبذ التفرقة بين أعمال كل من الرجل والمرأة، فإنه يمكن تبني سياسة أكثر فاعلية، تتمثل في تأسيس وضع يكفل الحماية ضد سيطرة الرجال على النساء.

  • وأول خيط في نسيج هذه الحماية هو الحماية القانونية. تلك التي تيسر التأمين للنساء بسهولة لدى الجهات الحكومية والاجتماعية إذا ما عنين ظلما أو عنتا من الرجال، أفرادا كانوا أو مؤسسات من تلك التي يسيطر عليها الرجال.
  • والمطلب الثاني هو توفير فرص تعليمية للنساء تعادل فرص الرجال، ليس فقط لكي يعرفن حقوقهن في المجتمع، ولكن لكي يتمتعن بالاحترام، أيضا، باعتبارهن عضوات راشدات مساهمات في إنماء هذا المجتمع.
  • وهناك صيغة للارشاد الاجتماعي تنادي بها المرأة المسلمة ويجب أن تأخذ مكانها، وهي تأمين الاحترام لأعمال النساء ومساهمتهن في الحياة. فسوف تستمر معاناتهن طالما ينظر إلى أعمالهن على أنها من نوع أنثوي تافه. وإذا تتبعنا هذا التدرج الضروري، فسوف نصل إلى وضع لا تقتصر فيه مقاييس القوة والاحترام على العوائد المادية أو الممتلكات المالية وحدها.
  • يجب ضمان مكان للاستثناءات في هذا النظام، وذلك بدعٍم من المؤسسات المعنية. فطالما أن أغلبية النساء ينجزن أعمالاً أنثوية – تحظى بالاحترام – في مجتمع ناجح، ويؤدينها خلال شطر كبير من حياتهن الإنتاجية، فإن الاستثناءات من هذه القاعدة يجب ألا نعترض عليها أو أن نقابلها بالعقاب. إن المجتمع يجب ألا يحرم من الفائدة التي يمكن أن يجنيها من مساهمة جمهور كبير من النساء اللاتي تسمح ظروفهن الخاصة أو قدراتهن أو تحررهن من مسئوليات أخرى خلال فترات معينة من حياتهن، في أن ترسين القاعدة الأساسية لمثل هذا الإسهام.
  • هناك مجتمعات تقوم على قاعدة من العائلات الكبيرة الممتدة. إن النساء المسلمات يعتقدن أن كبر حجم العائلة يُعد عنصرا حاسما ومؤثرا في إنتاجية المجتمع. فالواحدات الأكبر، وليست الوحدات الأسرية المنكمشة لمجتمعنا المعاصر، هي مفتاح الرفاه والسعادة الجنسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والمادية. فمثل هذه الوحدات لا تحل فقط كثيرا من المشكلات التي تواجهها المرأة، والتي تفتح لها بابا من الاختيارات للمساهمة ولتحقيق ذاتها في المجتمع، ولكنها أيضا توفر الدعم للمسنين، وتخفف الضغط والتوتر بين الأزواج والزوجات، وكذلك بين الآباء والأبناء، وتضع قاعدة لأبناء الجيل القادم لكي يتكيفوا مع هذا النوع من المجتمعات ذات الأجيال المتعددة والتي تعتبر حقيقة لا مفر منها في وجودنا الإنساني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر