أبحاث

الدور الحكومي في الاقتصاد من منظور إسلامي

العدد 87

مقدمــة  :

لقد شهدت السنوات الأخيرة تغيرات جوهرية في الدور الذي تقوم به الحكومات في الاقتصاد . فمع انهزام الاشتراكية، وانتشار نزعة الفردية والخصخصة (Privatization) علي المستوى العالمي، انبعثت جدلية جديدة، انكمش فيها الدور المباشر للحكومة، بينما ازداد دورها غير المباشر في الاقتصاد.

ومن بين الموضوعات التي كانت موضوع نقاش أن الخصخصة لا تعني بالضرورة «إلغاء الحكومة»؛ ونتيجة لذلك انبثقت القضايا التالية :

* ما طبيعة وحدود التنظيمات الحكومية للاقتصاد ؟

* ما التغيرات البنيوية اللازمة لحماية الصالح العام ؟

* كيف يمكن للحكومة نفسها أن تنضبط ؟

* كيف يمكننا منع الحكومة من أن تتحول إلي أداة للظلم و الاستبداد ؟

إن هذا المقال يحاول تناول هذه القضايا من منظور إسلامي.

الحاجة إلي الحكـومـة :

إننا نحتاج إلي الحكومة لتوفير الإطار القانوني والاجتماعي لاقتصاد السوق الحر. هذا الإطار يتضمن القوانين اللازمة لتعريف وتحديد الملكية وغيرها من الحقوق، ولتنفيذ العقود، ولبيان الأنواع المختلفة لمؤسسات الأعمال، وأوضاعها القانونية. إننا نحتاج إلي الحكومة لتحديد قواعد المباراة في هذا الميدان. فمن خلال التشريعات تقوم الحكومة بدور الحكم الذي يمنع الخروج على قواعد اللعب، إنها تمنع الغش، وتمنع بيع الأطعمة والمشروبات المغشوشة، وتحدد المواصفات القياسية، وتحدد المواصفات القياسية، وتحدد المتطلبات الواجب توافرها لدى من يقدمون الخدمات المهنية كالمحامين والأطباء. إننا نحتاج إلي الحكومة لخلق الظروف التي تؤمن المنافسة الحرة. ففي غياب سلطة مركزية تمتلك قوة الإلزام، تميل الأسواق الخاصة إلي العمل بأسلوب مختلف، قد يتصف بالقسوة في بعض الأحيان. فمؤسسات الأعمال يطيب لها أن تتواطأ ـ إن استطاعت ـ لمصلحتها الخاصة، ضد مصالح المستهلكين، والفقراء، والضعفاء. كما أن العكس يمكن أن يحدث. فإن كان عدد المشترين محدوداً بينما كان عدد البائعين كبيراً، قد يتواطأ المشترون لإلزام البائعين بما لا يريدون، وكلا الوضعين مرفوض.

مقتضيات التدخل الحكومى :

إن التدخل الحكومي في الاقتصاد له آثار ونتائج بعيدة المدى؛ ولذلك يصبح لزاماً على الحكومة ـ قبل أن تتخذ قراراً بالتدخل ـ أن تعي ما يعنيه هذا التدخل بالنسبة لمختلف عوامل الاقتصاد، ففي اقتصاديات السوق الحر، يتفاعل المشترون والبائعون، فعندما يتوجه المستهلك إلي السوق لشراء حاجة له، فإنه يعبر عن رغبته هذه من خلال قوته الشرائية، فالرغبة في شراء سلعة دون أخرى تعني أن المستهلك لديه سلة من البدائل القابلة للممارسة، هذه البدائل تترجم إلي عدد لا نهائي من مجموعات السلع التي يمكنه شراؤها، وتمثل هذه البدائل التي يعبر عنها بقوته الشرائية نمطاً معيناً لتوزيع الدخول والثروات في المجتمع، وهذا يصطحب معه منظومة من حقوق الملكية السائدة ومؤسساتها، فعندما تتدخل الحكومة في السوق بفرض الضرائب، أو بتنظيم قطاع الأعمال، أو بفرض قيود معينة على الإنتاج أو الاستهلاك، أو بتحويل الدخول أو السلع لفئات أو لأشخاص معينين، أو لمنح حقوق ملكية ما، فإن الحكومة بذلك تؤثر بفعالية كبيرة في حقوق التملك، تلك الحقوق التي تنعكس على توزيع الدخول، وبالتالي على سلة البدائل والخيارات التي يحملها كل فرد معه ف طريقه إلي السوق.

إنه موقف معقد، وقرار الحكومة بالتدخل أو بعدم التدخل، بالتنظيم أو بعدم التنظيم له آثار بعيدة المدى؛ إذ إنه يؤثر في علاقات القوى في المجتمع، بحيث تنتهي قضية التدخل الحكومي إلي إعادة توزيع الحقوق بين أفراد المجتمع.

إن السؤال المجرد في كل موقف من المواقف هو : حقوق من، ومصالح من، وأهداف من، واحتياجات من، تريد الحكومة أن تستجيب لها؟ وحيثما تتدخل الحكومة، فإنها تحد من حرية شخص ما، لتعطيها لشخص آخر.

ويتوقف الحكم بحسن التصرف أو بالفشل، علي الهيكل الاجتماعي الكلي، فالاقتصاد الراسمالي الحر ـ علي سبيل المثال ـ يجيب علي السؤال تبعاً للضغوط السياسية أو غير السياسية التي تمارسها فئة مصلحية معينة، بينما في المجتمع الاسلامي ـ علي المستوى المثالي ـ تجيب على هذا التساؤل نظرية المصلحة العامة.

نظرية المصلحة :

المصلحة تعني حرفياً الخير والمنفعة، وقد استعملها الفقهاء للتعبير عن الصالح العام أو النفع الإنساني العام، وكانت الواقعة الأولي ذات الأهمية البالغة في التاريخ الإسلامي التي استعملت فيها المصلحة كقاعدة للسياسة العامة، قرار الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخاص بإدارة أرض جنوب العراق، فقد قرر عمر رضي الله عنه ـ مراعاة للمصلحة العامة ـ ألا يوزع الأرض التي استولى عليها المسلمون في جنوب العراق بين المحاربين من الجيش الإسلامي، فقد رأى أنه إن فعل ذلك فسوف يخلق طبقة من الملاك الإقطاعيين يمتلكون مساحات واسعة من الأراضي؛ مما لا يدع مجالاً للأجيال التالية أن تمتلك شيئاً؛ لذلك قرر أن تصبح الأرض المستولى عليها ملكاً عاماً للأمة الإسلامية، وعلى ملاكها الأصليين أن يقوموا بزراعتها كما كانوا يفعلون قبل الفتح على أن يؤدوا عنها ضريبة سميت بالخراج. وقد اعتبر هذا القرار سابقة للفقهاء بعد ذلك يستشهدون بها على ضرورة مراعاة الصالح كأساس من أسس السياسات العامة.

واستمر مفهوم المصلحة مقترناً بهذه الصيغة الأولية، في كتابات الفقهاء الأوائل إلي أن طوره الإمام أبو حامد الغزالي (ت : 505 هـ – 1111 م) إلي مفهوم أكثر نضجاً . فقد نص الإمام الغزالي ـ ونال نصه هذا إجماعاً فيما بعد ـ على أن المقصد النهائي للشريعة هو تحقيق مصلحة الأمة. ثم تطور مفهوم المصلحة علي يد الإمام أبى إسحاق الشاطبي (ت : 790 هـ – 1388 م)[1]. وكلا الإمامين الغزالي والشاطبي، قسم المصالح إلي ثلاث فئات : ضرورية، وحاجية، وتحسينية.

وقد عنيا بالضرورية تلك المصالح التي تحفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وواجب الحكومة الأول أن تحمي هذه المصالح الضرورية بأى تكلفة كانت. أما المصالح الحاجية و التحسينية فهي تميل إلي الاختلاف والتنوع تبعاً للأحوال الاجتماعية والاقتصادية.

وتتولى الحكومة مسئولية حمايتها بعد أن تستوفي حماية المصالح الضرورية. وفي حالة التناوب، تتم رعاية الفئات الثلاث من المصالح بتسلسلها الهرمي، الضرورية فالحاجية فالتحسينية. وقد اتفق العلماء علي ضرورة أن تبذل الحكومة قصاراها لتحقيق المصالح بفئاتها الثلات؛ لأنها تمثل الحاجات البشرية، وكل ما يأتي بعدها فهو غلو وإسراف[2]. وهذه المصالح مترابطة ومتتامة؛ ولذلك وجبت رعايتها جميعاً. ولكي نرعى مصلحتنا في الآخرة علينا أن نأخذ مصالح الدنيا في الحسبان[3]

وقد ناقش الشاطبي مسألة ما إذا كانت مصلحة شخص ما تؤدي إلي الإضرار بآخرين. ودفاعاً عن المصلحة، حتى عندما يترتب عليها ضرر لبعض الأفراد، أباحها الشاطبي إذا كان عدد المستفيدين يربو علي عدد المتضررين[4]؛ إذ ليس هناك مكان للبحث عن مصلحة مطلقة. والسعي وراء مصلحة خاصة لا يعد منهياً عنه إلا إذا كان الضرر اللاحق بالآخرين محققاً، فلا يكفي أن يكون متوقعاً[5].والمعيار الجوهري في اعتبار المصلحة هو أنها توفر الخير لعدد من الناس يربو علي عدد من يصيبهم الضرر من جرائها[6]. أي أن هناك احتمال أن تؤدي إحدي السياسات الشرعية إلي صيغة من صيغ الضرر العام، وفي هذه الحالة يصرف النظر عن مثل هذه السياسة لصالح سياسة بديلة تكون أكثر فائدة للمجتمع؛ حيث إن الغاية النهائية للشريعة هي مصلحة المجتمع[7]

خلق مجتمع إسلامي :

كل المجتمعات المتحضرة لديها نظام تلقيني داخل بنائها لضمان سلوك أفرادها سلوكاً مقبولاً اجتماعياً[8]، والمجتمع الإسلامي ليس مستثنى من هذه القاعدة. إن الحكومة الإسلامية لا يمكنها أن تظل سلبية حيال سلوكيات الناس الأخلاقية معتمدة، إلي حد كبير، علي مسلكهم الأخلاقى الاختياري. إن القرآن الكريم يلزم الدولة الإسلامية بفرض السلوكيات اللائقة ويمنع الناس من إتيان سلوك غير لائق. والمجتمع الإسلامي مسئول عن إفراز المؤسسات التي تغرس في ذهن كل مواطن القيم الإسلامية. وعلي الناس أن يتعلموا كيف يضحون بمصالحهم الخاصة قصيرة المدى في سبيل المصلحة الأكبر للمجتمع الذي ينتمون إليه. إن الإيمان باليوم الاخر يجب أن يستقر في الأذهان حتى يلتزم كل إنسان بقواعد السلوك الاجتماعي. وعلي المجتمع، أيضاً، أن يخلق نظاماً تهديدياً لكل من تسول له نفسه انتهاك النمط الذي يسير عليه. بهذا فقط يستطيع المجتمع الإسلامي أن يؤمن استمراره، وأن يحمي نفسه من أى انقضاض خارجي.

الدور التنظيمي للدولة الإسلامية :

مؤسسة الحسبة

إن المؤسسة الإسلامية التي عرفت بإسم (الحسبة) تعد مؤشراً للدور التنظيمي للدولة الإسلامية. فعندما كانت الحضارة الإسلامية في أوجها، كانت الدولة تقوم بتنظيم السوق. وكانت الحسبة مؤسسة حكومية في المجتمعات الإسلامية كافة حتى الفترة الاستعمارية. وكانت تقوم بوظائف ثلاث، الأولي : فرض السلوك الأخلاقي القويم ومنع الناس من إتيان تصرفات يأباها الخلق الكريم. والوظيفة الثانية : مسئولية توفير بعض الخدمات المحلية كإضاءة الطرقات وتنظيفها، ومنع الانتهاكات والتجاوزات، وحماية البيئة. أما الوظيفة الثالثة : فهى تنظيم السوق بمراقبة الموازين والمكاييل، وتنفيذ الاتفاقيات، وفرض سداد الديون علي المتخلفين عن السداد، ومنع الممارسات التجارية غير المشروعة.

ومع تقدم الحضارة الغربية، قاست الحسبة، شأنها شأن الكثير من المؤسسات الإسلامية، من جراء التغييرات العنيفة التي لحقت بها وأودت إلي زوالها؛ فقد تمزقت إلي عدد من الأقسام، أو تحولت إلي مؤسسة هامشية غير فعالة داخل النظام الحكومي. وبحلول القرن التاسع عشر توزعت وظائف الحسبة علي عدد من الدوائر العلمانية، وفقدت مضمونها الديني الذي اعتبر غير ذي علاقة بها، حدث ذلك في كل من إيران وتركيا ومصر والهند.

لقد نظمت إدارة الحسبة الأسواق بكفاءة عالية في بلاد المسلمين. وأدت العديد من الوظائف التي أصبحت الأجهزة المعاصرة تؤديها في الوقت الحاضر. فعلي سبيل المثال، أمنت الحسبة تدفق الموارد لإنتاج السلع والخدمات المطلوبة. لقد كان المحتسب يراقب بدقة توفر السلع الضرورية؛ حتى لا يتعرض الجمهور للأزمات. وكان المحتسب يحمي المنافسة الحرة، ويتخذ الإجراء اللازم تجاة من يحاول من رجال الأعمال أن يتواطأ ضد مصلحة الجمهور. ولم يكن يلجأ إلي التدخل في الأسعار إلا إذا ارتفعت ارتفاعاً مصطنعاً بواسطة التجار. وكان يؤمن دخول السوق والخروج منه بحرية تامة.

وفي عصرنا هذا ـ حيث ازداد التدخل الحكومي في الأسواق والتفاعل معها، وأصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل ـ وأصبح اكثر تعقيداً من ذي قبل ـ حلت محل مؤسسة الحسبة إدارات ووكالات تنظيمية متعددة في الدول الديمقراطية الحديثة. فبدلاً من الحسبة الإسلامية التي اقتصر دورها علي تنظيم الأسواق، قامت مؤسسات جديدةتنظم الحكومة نفسها إلي جانب تنظيم الأسواق. وبذلك تصبح محاولة تطبيق صيغة الحسبة بشكلها التقليدي امراً مضللاً بلا جدال. بالإضافة إلي ذلك، كانت مؤسسة الحسبة القديمة تشير إلي أن الدولة الإسلامية يجب ألا تكون غافلة عن السلوك الأخلاقى لرعاياها. وفوق ذلك، فإن ساحات الأسواق والمكاتب الحكومية تتطلب أيضاً توافر السلوكيات الأخلاقية التي بدونها تصبح الحياة المتحضرة ضرباً من المستحيل.

إذا فما الضرر في أن تشرف بعض الدوائر علي تلك السلوكيات الفردية والتنظيمية ؟ إننا سوف نكون ملزمين بالتأكد من أن هذه الأجهزة لن تتحول ـ هي نفسها ـإلي قوة وحشية مهددة، ولضمان ذلك يلزم إفراز نظام من الرقابة يوفر التوازن المناسب.

الاحتكارات :

إن أحد أحجار الزاوية في السياسة العامة للدولة الإسلامية، منع الاحتكارات، طالما أن الحكومة ملتزمة بالمساواة في توزيع الدخول والثروات.

ولكن كيف لنا أن نحدد وجود احتكار ما؟ كما أنه ليس من الإنصاف إلغاء كافة الاحتكارات. وإنما علينا أن نقف احتكارات بواسطة منح تراخيص مقصورة علي شخص أو مؤسسة واحدة، وإنما عليها أن تشجع دخول المنافسين للسوق، حتى ولو أدى ذلك إلي بعض الازدواج أو بعض التبديد. فإن السوق يقوم بتوليد كفاءته بنفسه. وحتى في القطاع العام، علي الحكومة الإسلامية ان تشجع المنافسة.

مراقبة الأسعار :

إن الحكومة الإسلامية لا تتدخل عادة في السوق، وإنما تسمح للأسعار بأن تتحدد بحرية. وذلك تأسيساً علي السياسة التي اتبعها النبى صلى الله عليه وسلم. فقد ارتفعت الأسعار في المدينة ذات مرة، في حياة الرسول صلى الله عليه و سلم، بشكل غير طبيعى، ولجأ الناس إليه يسألونه أن يأمر بتحديد الأسعار قد يكون مجحفاً بالبعض، ولكن بعض العلماء، ومن أبرزهم ابن تيمية، قالوا بوجوب تدخل الحكومة ـ في الظروف غير العادية ـ لتحقيق المصلحة. في الظروف غير العادية ـ لتحقيق المصلحة. ومن أمثلة الظروف غير العادية التواطؤ، والاكتناز، والتحديد المصطنع للإنتاج، وتعويق دخول مؤسسات جديدة إلي الأسواق.

وتتوقف طبيعة التدخل الحكومي على الوضع الخاص القائم في السوق، فبعض طرق التدخل يكون مباشراً، مثل تحديد الأسعار، والبعض الآخر منها يكون غير مباشر كالتهديد بسحب أوامر التوريد الحكومية، وكالاحتفاظ بأسهم حاجزة (Buffer Stocks)  ومنح تنازلات ضريبية لزيادة الإنتاج، والاستيراد الحكومي المباشر، ودفع الإنتاج في القطاع الخاص، ومراقبة الإغراق السلعى (Dumping) .

مراقبة الأجور :

إن الاهتمام الأول للدولة الإسلامية موجه إلي خير رعاياها وصالحهم. وفي ضوء هذا، رأى بعض العلماء انه لكي تمنع استغلال العمال، علي الدولة الإسلامية أن تسن قوانين لفرض الحد الأدنى للأجور. ورغم أن هذه الرؤية الإنسانية تبدو مقبولة ظاهرياً كوسيلة لمنع استغلال العمال، إلا أنها تتجاهل حقيقة أن الحكومة الإسلامية تتحمل مسئولية مساوية تجاة المحافظة علي حرية السوق. إن فرض حد أدنى للأجور فيه تجاهل لقضايا الإنتاجية والطلب علي العمل. ومثل هذه القوانين قد يحد من المنافسة، وقد يدفع بعض المنتجين إلي هجر أعمالهم؛ مما قد يؤدي إلي تفاقمالبطالة؛ لذلك فإن الحكومة الإسلامية، فيما نرى، عليها ألا تسن تشريعاً بفرض حدود دنيا للأجور. وإنما عوضاً عن ذلك عليها أن توفر دعماً لذوي الدخول المحدودة من مصادر أخرى، كالزكاة، وكالضرائب. وعلي السوق أن يحدد معدلات الأجور بنفسه.

التأميم :

هل من حق الحكومة الإسلامية أن تصادر الملكية الخاصة ؟ عادة، لا تملك الحكومة الإسلامية هذه السلطة. فالملكية الخاصة غير قابلة للمصادرة. وليس من حق أحد مصادرتها بالقوة، بما في ذلك الدولة ذاتها. ولكن رغم ذلك يمكن للحكومة الإسلامية ـ استثناء من القاعدة ـ أن تؤمم الممتلكات الخاصة إذا تطلبت ذلك مصلحة الأمة. وهذا إن حدث فبشرط تعويض الملاك تعويضاً عادلاً[9]، وبشرط أن يمر هذا الإجراء من خلال الشورى، ولكن السؤال الأكثر أهمية هو : هل للحكومة الإسلامية أن تؤمم الممتلكات الفردية، خاصة وأن تجارب التأميم الماضية لم تكن ناجحة؟ إن الإجابة العامة عن هذا السؤال هى أن الأمر يتوقف علي مصلحة الأمة.

فالدولة مضطرة لتأميم بعض أنواع الأعمال إذا كانت مقتنعة بأن الصالح العام أصابه الضرر منها، أو أنه ليس محمياً في مواجهة القطاع الخاص [10].

مراقبة النقد الأجنبى :

لا يوجد توجيه مباشر من المصادر الأولية للشريعة حول موضوع مراقبة العملة الأجنبية بواسطة السلطة الحكومية. لقد كانت مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرن السابع مركزين تجاريين دوليين يتعامل فيهما الناس بمختلف العملات بحرية تامة. ولم يضبط رسول الله صلى الله عليه وسلم معدلات تبادل العملات. لقد ترك التبادل خاضعاً للمعدل اليومي السائد في السوق. ومن هذا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر حرية سوق النقد. ولكنه ليس دليلاً حاسماً علي أن الحكومة الإسلامية ملزمة بتأييد حرية تعويم معدلات تبادل العملات. إن هذا الأمر يمكن إقراره من خلال السياق العام للأحكام التجارية الشرعية. فعلي سبيل المثال إن أحكام الشريعة لا تبيح عمليات المضاربة في العملات الأجنبية.

وفي الوقت الحاضر، يتحرك يومياً تريليون دولار أمريكي من العملات الأجنبية عابراً حدود الدول حول العالم، ومعظم هذه العمليات مضاربة لا تمت للتجارة بصلة[11]. إن الشريعة الإسلامية لا تبيح كسب الفوائد علي الأموال. وسوف يؤدي تطبيق أحكام الشريعة إلي الحد من المضاربات. وفي إطار هذا المخطط يمكن تقرير ما إذا كانت الحكومة الإسلامية عليها أن تتدخل أو لا تتدخل في سوق النقد الأجنبي. ولكن هناك نقطة واحدة لا جدال فيها : هي أن الشريعة لا تشجع الحكومة علي خلق فئات من المنتفعين عن طريق منحهم معاملة مميزة في حصص العملات الأجنبية. إن مثل هذه السياسة تشوه توزيع الدخول في المجتمع، وبالتالي تنتهك واحدة من القواعد الأولية للاقتصاد، والتي نص عليها القرآن الكريم (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر : 7).

التعرفة الجمركية :

هل تستطيع الحكومة الإسلامية أن تفرض قيوداً علي حركة التجارة، سواء تضمنت هذه القيود رسوماً جمركية أم كانت بغير رسوم؟ مرة أخرى، لم تعط المصادر الأولية للشريعة توجيهاً مباشراً في ذلك. لقد كانت التجارة حرة الحركة حتى عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعندما علم بأن التجار المسلمين يتعرضون لرسوم استيراد عند نقل بضاعتهم إلي دول أخرى، فرض رسوماً مماثلة علي تجار هذه البلدان عند إدخال بضائعهم إلي الدولة الإسلامية.وقد سميت هذه الرسوم بالعشور (لأن نسبتها كانت 10% من قيمة البضاعة).

وفي وقتنا الحاضر، حيث تفرض معظم الدول علي الاستيراد رسوماً وتحدد حصصاً مختلفة، يكون من السذاجة أن نقترح علي الدولة الإسلامية فتح أبواب اقتصادها لكل بضائع العالم وخدماته. ويمكن اتخاذ القرار المناسب تبعاً للموقف الدولي وبعد تحليل وتحديد احتياجات الأمة الإسلامية.

التلوث :

علي الحكومة الإسلامية أن تتعامل مع موضوع التلوث كضرر يحيق بالمجتمع لا جدال فيه. فالتلوث لا يصح التعامل معه كموضوع حقوق ملكية يمكن تسويتها بتعويض الطرف المتضرر منه. فالموقف الإسلامي هو أن المتسبب في الضرر يتحمل نتائجه؛ ولذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يمكنه تبني أحد حلين :

* إجبار المتسبب في التلوث علي استخدام تقنية متطورة لتقليل التلوث من المنبع. في هذه الحالة فإن المتسبب يتحمل التكلفة مباشرة.

* فرض ضريبة تلوث إذا تجاوز مستواه الحد الذي يمكن التسامح فيه.

مراقبة الإعلانات :

إن إحدي ملامح الاقتصاد الإسلامي المميزة هي أنه اقتصاد التكلفة المنخفضة؛ حيث تعتبر الحياة البسيطة فضيلة من الفضائل، بينما بينما يعتبر إنفاق الفرد أكثر من قدرته رذيلة مدانة. وهذا في غالب الأمر عكس ما عليه الحال في المجتمع الرأسمالي؛ حيث أصبح الإنفاق في حد ذاته فضيلة. ويرجع هذا جزئياً إلي قصر نظر المجتمع الذي لا تتجاوز رؤيته هذه الحياة الدنيا. كما يعود إلي الطلب الذي فرضته الشركات الحديثة علي الخلق، ففي المجتمعات الحديثة يخلق الطلب علي السلع والخدمات عن طريق الإعلان، وأحياناً يخلق الإعلان طلباً لدى المستهلك باستثارة غرائزه الدنيا، كالجنس، والمفاخرة، والمحاكاة، والتظاهر الكاذب. إنه يهدف إلي التأثير علي الجمهور الذي يسهل خداعه لشراء منتجات بأسعار مبالغ فيها. وكثيراً ما يبرر الإعلان بقول : إنه يمد المستهلك بمعلومات تمكنه مناتخاذ قرار رشيد عن الخيار الأكثر كفاءة بأقل تكلفة. وقد يكون ذلك صحيحاً إلي حد ما علي المستوى الجزئي. ولكن من وجهة نظر الاقتصاد الكلي، يخلق الإعلان طلباً كما يخلق إسرافاً وتبذيراً؛ مما يعد خروجاً علي النمط الإسلامي. إن ما يدعم الإعلان هو توافر الائتمان المستند إلي الفائدة علي هيئة بطاقات الائتمان المستند إلي الفائدة علي هيئة بطاقات الائتمان، حيث تشعر الشركات بأنها مضطرة لخلق الطلب حتى يكتب للنظام الاستمرار. ولكن الآلية الكلية لخلق طلب علي سلع غير ضرورية تعد أمراً مكروهاً في الإسلام. إنها تضيف تكلفة غير ضرورية لبنية الأسعار، وتنتهي إلي عبء ينوء به كاهل المجتمع. وعلى الحكومة الإسلامية أن تتبنى السياسات التالية بهدف مراقبة الإعلانات وتنظيمها:

* إنشاء هيئة إشراف ورقابة علي الإعلانات، مضموناً وشكلاً ووسائل آداء؛ للتأكد من أنها لا تتعارض مع القيم الإسلامية.

* تحديد  سقف الإنفاق علي الإعلانات بالنسبة لكل منتج، وذلك بتحديد نسبة ما ينفق علي الإعلان إلي تكلفة الإنتاج (لتحقيق فائدة مزدوجة هي الحفاظ علي الأسعار منخفضة، وكبح جماح الشركات القوية اقتصاديا من خلق حواجز تمنع الآخرين من دخول السوق).

* فرض ضريبة علي مصروفات الإعلان إذا تجاوزت حداً معيناً، وهناك بديل آخر هو عدم اعتبار الإنفاق علي الإعلان بعد حد معين، أمراً مقبولاً ضرائبياً.

براءات الاختراع :

إن نظام براءات الاختراع يُعنى بحماية حق إنتاج سلعة ما. والحكومات تمنح مثل هذه الحقوق عادة للمخترعين. ومع ذلك، فإن هذا النظام قد يعوق المنافسة. ما الموقف الإسلامي من هذا الأمر؟

إن موضوع براءات الاختراع يتصل اتصالاً مباشراً بحقوق الملكية الأدبية. ورغم أن هذا الموضوع لم تنتاوله بوضوح المصادر الإسلامية الأولية، إلا أن الفقه الإسلامي بوجه عام ينظر بعين الاعتبار إلي حقوق الملكية الأدبية ويعتبرها مقدسة كحقوق الملكية الخاصة. إن الشخص الذي يمتلك فكرة ثم يستثمر جهده وماله في تطويرها له الحق في أن يجني ثمارها. وإذا لم نقم بحماية حقه، فإننا بذلك نعوق حركة الاختراع في المجتمع علي المدى البعيد. ونتيجة لذلك، يصبح المجتمع متخلفاً فكرياً. كما أن عدم حماية حقوق براءات الاختراع يمكن أن يشجع المنتحلين أيضاً؛ لذلك يظهر جلياً أن منح حقوق براءات الاختراع أمر يتمشى مع الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فإن بعض حقوق براءات الاختراع يمكن إساءة استخدامها، ومثال ذلك أن صاحب الحق قد يستخدمه لإعاقة المنافسة، أو لخلق احتكار في سوق آخر أو غير ذلك من وسائل التآمر ضد المستهلك. فإذا أخذنا ذلك في الاعتبار، كيف يمكننا أن نقلل من الآثار السلبية لهذا التنظيم؟

وفيما يلي بعض المقترحات :

* عملية فحص أصالة براءة الاختراع المطلوب منحها يجب أن تكون صارمة لدرجة الاقتصار في منح هذه الحماية علي الاختراعات الأصلية التي تشكل إضافة حقيقة للعلم والتقنية.

* أن تكون فترة صلاحية هذا الحق قصيرة حتى ينتشر العلم ويستفيد من ثماره الآخرون.

* معاقبة المنتحلين والمقلدين حتى نشجع المخترعين الأصليين علي مواصلة الاختراع، وبذلك يزخر السوق بمخترعات جديدة بمعدل أسرع.

* تحصيل رسوم علي تجديد براءة الاختراع بمعدل متزايد لكل مرة من مرات التجديد حتى لا نشجع البراءات الخامدة.

* تحصيل رسوم علي تجديد براءة الاختراع بمعدل متزايد لكل مرة من مرات التجديد حتى لا نشجع البراءات الخامدة.

* أن تخصص الحكومة ميزانيات أكبر للبحوث والتنمية في القطاع العام وتخصص حوافز للمخترعين. ومثل هذه الاختراعات. ومثل هذه الاختراعات لا تحتاج إلي براءة اختراع.

تقييد الملكية الخاصة :

في المجتمع الإسلامي، لا يملك الأفراد حرية مطلقة في استعمال ممتلكاتهم أو في التلاعب بها، أو في تحويلها، أو إهلاكها. فحق التملك يأتي معه بالتزامات. من بين هذه الالتزامات ألا يضيع المالك ممتلكاته. لقد استشهد الفقهاء بالآية القرآنية : (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً)(النساء : 5) على أن السفيه الذي يبذر ممتلكاته يمنع من التصرف فيها. وقد عرف ذلك بحكم الحجر. فإذا تأكدت الحكومة من أن مالكاً ليس لديه الأهلية لاستعمال ممتلكاته بتدبر، أو أنه يبذر فيها بوعي وإدراك؛ فعليها ـ إذن ـ ان تحول بينه وبين استعمالها أو تحويلها للآخرين. فالحكومة الإسلامية تستطيع، علي سبيل المثال، فرض حدود علي مسحوباته من حساباته المصرفية، أو علي حقه في بيع بعض ممتلكاته. إن هذا النوع من التحفظ لا تعرفه الحكومات الرأسمالية؛ حيث حرية الفرد في التملك غير قابلة للانتهاك كلية[12].

الاستثمار العام المباشر :

إن إحدي السياسات العامة ذات المغزى هي أن تباشر الحكومة الإسلامية الاستثمار العام حيثما يكون هناك قصور في السوق. وهذا القصور قد يكون في مجال الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم، كما يكون أيضاً في المجال التجاري. ولا يوجد توجية خاص في الشريعة الإسلامية لتأييد مثل هذه السياسة أو للنهي عنها، إلا ما يتعلق بمبدأ المصلحة العامة الذي يعتبر موجهاً لكل السياسات أو للنهي عنها، إلا ما يتعلق بمبدأ المصلحة العامة الذي يعتبر موجهاً لكل السياسات العامة. قد يحدث أن يحجم القطاع الخاص عن الاستثمار في بعض المجالات رغم أن الناس يحتاجون الاستثمار فيها. هنا علي الحكومة الإسلامية أن تأخذ المبادرة بالاستثمار في هذا المجال. وعكس ذلك صحيح أيضاً، فهناك فرص للأعمال يكون الاستثمار المطلوب لها محدوداً؛ لأن المغامرة فيها تافهة بينما الأرباح مرتفعة، مثل إقامة مستودعات للمعادن علي سطح الأرض. هناك يمكن للحكومة أن تقرر عدم السماح لإتاحة هذا المورد للأفراد؛ لأنه يدر أرباحاً وفيرة يستمتع بها قلة من الناس، وبالتالي يؤدي إلي سوء توزيع للدخول.

الخصـخصة :

هناك حركة عالمية متجهة نحو الخصخصة، في مواجهة المشروعات العامة. ورغم أن سجل شركات القطاع العام ـ بطبيعة الحال ـ لا تحسد عليه، إلا أن الاندفاع الأعمى لتبني سياسة الخصخصة ليس له ما يبرره. فالقطاع العام قد يفتقر إلي الكفاءة، ولكن القطاع الخاص أيضاً قد يكون مقصراً. ولذلك فإن الخصخصة تتطلب، عند إقرارها، النظر إلي المصلحة الكلية للأمة. وفيما يلي بعض الاعتبارات في هذا الصدد :

* الخصخصة يجب ألا تؤدي إلي الاحتكار بواسطة القطاع الخاص.

* نقل الملكية يجب أن يتم بطريقة تشجع أكبر قاعدة من الملاك، ويفضل الاتجاة إلي العاملين في القطاع العام أنفسهم.

* إذا تطلبت مصلحة الأمة أن تتبنى الحكومة نظاماً للإنتاج والتسعير في القطاع الخاص عليها أن تقوم بذلك.

* بعد الخصخصة، يجب إقامة آلية لرصد أداء القطاع الخاص وتقويمه لضمان تحقيق الأهداف التي من أجلها تمت الخصخصة في الحدود المعقولة.

* علي القطاع الخاص أن يتعهد بتنمية الموارد البشرية بعد اضطلاعه بالعمل حتى لا يعاني المجتمع ككل من أزمات العمالة الفنية.

* علي الشركات الخاصة التي آلت إليها شركات القطاع العام أن تلزم نفسها بتنمية عمالها وتطويرهم علي المستوي الروحي والأخلاقي.

برنامج الدولة الإسلامية لإعادة توزيع الدخل :

ضمان الحد الأدنى للمعيشة :-

إن الحكومة الإسلامية تضمن الحد الأدنى للمعيشة بالنسبة لمواطنيها كافة، بغض النظر عن أعمارهم، أو جنسهم، أو أعراقهم، أو ألوانهم، أو أو لغاتهم، أو أديانهم، أو طوائفهم. فالمعيار الوحيد للانتفاع بالمساعدات هو الحاجة. ومع ذلك، فإن المسئولية الأولي عن تلبية الاحتياجات إنما تقع علي الشخص نفسه، ثم علي عائلته، ثم علي مجتمعه، ثم علي الحكومة. لذلك فإن الحكومة توفر الضمانات وتقوم بدور الإمداد كملاذ أخير. وقد أمدتنا المصادر الشرعية الأولية بدعم مركز لهذا الالتزام الحكومي[13]. ويرى بعض الفقهاء أن توفير الحاجات الأساسية للفقراء يعد التزاماً هاماً علي الحكومة، لدرجة أن الفقير يمكنه مقاضاة الحكومة في هذا الشأن حتى يحصل على حقه[14]. أما الاحتياجات المفروض تلبيتها فهي الغذاء، والكساء، والمأوى، والعلاج، ووسائل الانتقال بالنسبة للمدن الكبيرة. وقد اضاف بعض الفقهاء أيضاً تكاليف الزواج وسداد الديون الناتجة عن تلبية احتياجات مشروعة[15]. أما المستوى اللائق الذي تلبي به هذه الاحتياجات فيتعمد علي الأحوال الاقتصادية الخاصة بكل دولة وفي كل عصر.

الدعم الحكومي للسلع والخدمات:

لا نجد تأييداً من العلماء المسلمين لفكرة الدعم الحكومي للسلع والخدمات بصفة عامة؛ لاعتقادهم بأن مثل هذا الدعم يميل إلي تشوية عملية توزيع الدخل في المجتمع. فالدعم يفيد عادة الأغنياء، بينما يستمر الفقراء في معاناتهم من الحرمان. إن النظام الأفضل لدعم الفقراء هو مساعدتهم من مال الزكاة، حينذاك يصبح الفقير قادراً علي شراء ما يلزمه من سلع وخدمات من السوق تبعاً لحاجته[16]

مساعدة الفقراء :

تعد مساعدة الفقراء إحدي مهام الحكومة الإسلامية. ويمكنها أداء هذه المهمة إما عن طريق برامج إعادة توزيع الدخول، وإما عن طريق تقوية الفقراء اقتصادياً. وسوف نذكر فيما يلي بعض البرامج الممكن تنفيذها لمساعدة الفقراء عن طريق إعادة هيكلة اقتصاد الدولة.

الإصلاح الزراعي :

علي الحكومة الإسلامية أن تتعهد بالإصلاح الزراعى حتى تمكن العمال الزراعيين الذين لا أرض لهم في المناطق الريفية أن يمتلكوا بعض الأصول التي تمدهم بلوازم معيشتهم. من أجل ذلك يمكنها فرض حد أعلى لمساحة الأرض التي يمتلكها الفرد و أسرته. ويمكنها نزع ملكية المساحة الزائدة عن ذلك الحد بعد تعويض مالكها تعويضاً عادلاً. كما يمكن للحكومة أيضاً أن تقرر بيع اراضي الدولة لفقراء المزارعين بأسعار عادلة تحصل منهم علي مدى فترات معقولة. كما يمكن أن يصاحب هذا الإصلاح برامج معينة لإمدادهم بالآلآت، والبذور، والمبيدات الحشرية، والأسمدة، علي أساس البيع الآجل المبرأ من الفوائد[17].

شروط الاستئجار :

تقع المسئولية الأولي في تحقيق العدالة علي عاتق الحكومة الإسلامية. ولكن في معظم البلدان الإسلامية، مازالت تننظيمات استئجار الأراضي السارية قاصرة علي تحقيق المطلوب منها. وعلي الحكومة الإسلامية إعادة النظر في الممارسات الحالية الخاصة باستئجار الأراضي، وتطويرها وإصلاحها بما يتفق مع العدالة والإنصاف.

الإصلاحات العمالية :

إن أهم جوانب الإصلاح في هذا المجال هو التعليم، والتدريب، ورفع مستوى الطبقة العاملة. فعلي الحكومة تشجيع برامج التدريب علي المهارات في كلا القطاعين العام والخاص. كما تتضمن الإصلاحات أيضاً الهيكل القانوني للمشاركة العمالية في الأرباح، وتمكين العمال من امتلاك أسهم في الشركات التي يعملون فيها، بحيث تتحرك الطبقة العاملة تدريجياً من كونها مجرد عاملة إلي كونها مالكة أيضاً للمقدرات الصناعية والتجارية.

تشجيع المشروعات الصغيرة :

علي الحكومة أن تشجع إنشاء مشروعات خاصة صغيرة الحجم. ولتحقيق هذا الغرض عليها ان تستبعد كافة العوائق التي تمنع هذه المشروعات من دخول السوق، وأن توفر للسوق المعلومات والخدمات المعاونة بأسعار مدعمة.

ملكية أوسع للشركات :

علي الحكومة الإسلامية كسر الشركات الكبرى للاحتكار الذي تمارسه بضع عائلات قليلة. ويمكن التوصل إلي ذلك بتشجيع العمال علي تملك جزء من اسهم هذه الشركات، وأن تخفف من رأس المال المتحمل للفوائد، وأن تحد من عدد الشركات التي يديرها شخص واحد. كما يمكن للحكومة أن تستصدر تشريعاً بشراء نسبة معينة من الأسهم بأموال الزكاة تحت اسم المنتفعين من الزكاة. وهؤلاء الأفراد يمكنهم أن يصبحوا ملاكاً لهذه الأسهم من خلال المجلس الذي يتولي إدارة أموال الزكاة نيابة عن المستفيدين من الفقراء. وبالتدريج يبدأ هؤلاء المستفيدون في الحصول علي عوائد وكذلك في تكوين اصول بأسمائهم مباشرة. كما يمكن للحكومة أن تستصدر تشريعاً يقضي بأن نسبة معينة من أسهم شركات القطاع العام، تحجز مستقبلاً لذوي الدخول المحدودة، كالعمال أو موظفي الدولة.

إتاحة التعليم والتدريب للفقراء :

من مسئولية الحكومة ابتكار برامج تعليمية وتدريبية لصالح الفقراء، بخاصة هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الريفية البعيدة. ففي غياب مثل هذه السياسة، يظل التعليم يخدم الأغنياء ويزيدهم غنى علي غناهم.

تخصيص موارد لتلبية الحاجات :

من مسئولية الحكومة ضمان تدفق الموارد في العملية الإنتاجية ثم في توزيع السلع والخدمات لتلبية حاجات المجتمع. والحاجات هنا يقصد بها الفئات الثلاث التي أشرنا إليها آنفاً؛ الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.

وعلي الحكومة أن تحول دون إنتاج أو استيراد السلع والخدمات التي لا تمت بصلة لتلبية حاجات المجتمع، وبالإضافة إلي ذلك عليها أن تضبط هيكلها الضرائبي بحيث يقع العبء الأقل علي السلع الضرورية، والأكبر علي السلع الحاجية، وأعلى عبء تتحمله السلع التحسينية. وسوف يكون ضرورياً تحرير الموارد المرتبطة بإنتاج السلع الكمالية وسلع البذخ والافتخار. ومن الطبيعي ألا يتم ذلك بمجرد سن قانون، بل إن الحكومة تحتاج إلي رفع المستوى الأخلاقيي والروحي لرعاياها. وهذا يتطلب شن حملة دعائية لتشجيع طرق الحياة البسيطة، ولبيان اتجاة الدولة إلي نمط الحياة البسيطة، ولبيان اتجاة الدولة إلي نمط الحياة المتمشي مع قيم الإسلام الاجتماعية والثقافية، معززة ذلك بنماذج من حياة كبار القادة في الحكومة.

إعادة تشكيل القطاع التمويلي :

إن الإسلام يحرم الربا علي القروض بكل أشكاله. وطالما أن الربا محرم، فعلى الحكومة الإسلامية أن تأخذ على عاتقها إعادة تشكيل القطاع التمويلي بصورة كاملة. وليس هذا مجال مناقشة الأسس البديلة للصناعة المصرفية، ولكن يكفي :

إن نقول : إن الحكومة الإسلامية يمكنها اتخاذ الخطوات التالية في هذا الصدد :

* خلق آلية تمكن أرباب البيوت ورباتها من استغلال إنتاجيتهم على أسس غير ربوية. إن مثل هذه الآلية سوف تنقذ الإنتاجية المفقودة لأرباب البيوت ورباتها. ولا توجد حالياً أي اقتصاديات تقيس مثل هذه الخسارة.

* إنشاء إطار قانوني مناسب لمنع الربا في العمليات التمويلية.

* توفير أسس قانونية لخلق نظام بديل للنظام المصرفي و الانتمائي القائم.

* ضمان منع الربا عن طريق التشريعات والمؤسسات المناسبة.

* بيان رغبة الحكومة وعزمها على منع الربا بتنظيم عملياتها المحلية والعالمية على أسس غير ربوية.

* تحويل الديون القائمة إلي ديون غير ربوية.

* خلق إطار لتيسير تحويل الديون المعلقة في القطاع الخاص إلي ديون غير ربوية.

* حث المحاكم ومؤسسة الحسبة أو أى إدارة تقوم بوظائف مماثلة لها، على التدخل والاعتراض على أي عملية مشكوك في ربويتها.

* إنشاء هيئة دائمة ذات سلطة مناسبة، تضم اقتصاديين وعلماء وماليين لبناء قواعد لنظام تمويلي لا ربوي.

* توفير الدعم والمساندة لاقتصاديات أخرى كي تخلق لديها نظماً لا ربوية.

* شن حملة دعائية لإشاعة نمط التمويل الإسلامي وتوجيه الناس وإرشادهم إلي أضرار التمويل الربوي.

* دعوة الشركاء التجاريين في جميع أنحاء العالم للتعامل معها على قاعدة مبرأة من الربا.

خلق نصيب حكومي في الثروة القومية :

على الحكومة الإسلامية أن تحاول إيجاد نصيب لها في الثروة الاقتصادية القومية. إن هذا الأمر ميسر بالنسبة للدول التي يمكنها أن تتحمل فرض ضرائب وتكوين فائض في ميزانيتها. ولكن بالنسبة لدول أخرى، يمكن الوصول إلي النتيجة  ذاتها عن طريق بيعها للخامات المعدنية، أو تأجيرها للأراضي ذات الملكية العامة، أو بيعها بعض الأصول الثابتة . ويمكنها استثمار الأرصدة المتحصلة من هذه العمليات خلال سوق الأوراق المالية في القطاع الخاص بأي وسيلة تمويلية مشروعة. على الحكومة أن تحاول توليد الدخل عن طريق الأرباح، أو الإيجارات، أو بيع المعادن. هذا الدخل يمكن استخدامه لتسوية التفاوت القائم في الدخول وذلك بتحويله لصالح الفقراء والضعفاء. إن السمة المميزة لهذا الاقتراح أن الحكومة لن تقوم بإدارة ثروتها. وإنما هي فقط تمازج بين مواردها وبين مدخرات وثروة القطاع الخاص. وطالما أن القطاع الحاص له حصة، فسوف يناضل بقوة للحصول على أكبر عائد. إن الحكومة تنال حصة، فسوف يناضل بقوة للحصول على أكبر عائد إن الحكومة تنال حصة في الربح أو الخسارة. وهذه الفكرة ترتكز على سياسة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سمح بأن تبقى الأرض المستولى عليها في ايدي ملاكها الأصليين، ولكن يؤدون عنها جزءاً من عائدها إلي الحكومة. إنه التأميم المعكوس. ففي التأميم، تعد الحكومة بأن تدفع تعويضات للملاك، وبذلك تخلق خصوماً مالية على نفسها، فضلاً عن أنها تتعهد بإدارة الوحدات المؤممة. أما في هذه الحالة، فإن الحكومة تخلق أصولاً، وتتسلم نصيباً من الدخل والإنتاجية، كما أنها ليست مسئولة عن إدارة الأصول. وبذلك يمكن التغلب على كل نقاط النقد الموجهة إلي التأميم.

مـاذا لو فشلت الحكومة ؟

حتى الآن كنا نتكلم فقط عن فشل السوق. وأن الحكومة عليها أن تتدخل إذا فشل السوق. ولكن ماذا لو فشلت الحكومة في تحقيق مصلحة المجتمع؛ لذلك علينا أن نعلم أن المنظم قد يحتاج هو نفسه إلي تنظيم.

الحاجة إلي خدمة مدنية ذات دوافع أخلاقية :

على الحكومة الإسلامية خلق خدمة مدنية ذات دوافع أخلاقية. وهذا يتطلب تغييراً في إجراءات تجنيد الموظفين ومعايير اختيارهم. ويجب أن يتضمن تدريب موظفي الخدمة المدنية ـ على كافة المستويات ـ محتوى أخلاقياً نبثقاً من قواعد الشريعة. ويجب أن تكافئ الحكومة موظفيها بسخاء حتى تمكنهم من أن يعيشوا حياة كريمة. وسوف يقلل هذا من الفساد ومن سوء استخدام المال العام بواسطة الموظفين المدنيين. كما أنه سيقلل من نفقات الرقابة على سلوكياتهم. وحتى من وجهة النظر المادية الصرفية، نجد أن الأمانة أمر مطلوب، وأن اهتمام المجتمع الإسلامي في الدرجة الأولي خلق المناخ الذي يعمل فيه الموظف المدني بدافع من رغبته في خدمة الجمهور لوجه الله سبحانه وتعإلي. وفي مثل هذا المجتمع لا يكون السؤال المهم هو : ما دور السوق والحكومة في مجتمع قائم على الأخلاق و الأمانة والتعاون ؟

النقاء و المسئولية :

يعتبر النقاء مفهوماً مفتاحياً في الإدارة العامة. وتتحمل الحكومة مسئولية أخلاقية، وأحياناً قانونية، في جعل أدائها ظاهراً للعيان أمام الجمهور. ولهذا الغرض يجب أن يكون عمل الحكومة نظيفاً ونقياً. ورغم أن مفهوم النقاء في الإدارة العامة شاع مؤخراً، إلا أننا نجد له جذوراً في التاريخ الإسلامي المبكر. وأشهر مثال في ذلك الصدد إصرار الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تكون سيرة عماله في الأقاليم وكبار العاملين في الخدمة العامة ظاهرة للجمهور بحيث تكون قراراتهم قابلة للفحص والمراجعة من قبل عامة الناس. لقد اتخذ إجراءات صارمة تجاه من وجدهم قد أساءوا التصرف. وقد عاش الخلفاء الأولون أنفسهم حياة نقية، وجعلوها مفتوحة أمام النقد الجماهيري، كما ألزموا عمالهم بهذه المسئولية.

وفي أيامنا هذه، لكي نحمي الجمهور من تحكم القرار الحكومي وخداعه واستبداده، يمكن الأخذ بالسياسات التالية :

* وضع الثروات والأصول المملوكة لكبار موظفي الحكومة الذين يتولون مناصب قيادية تحت المجهر.

* إخضاع عملية اتخاذ القرار بواسطة موظفي الحكومة القياديين للعلانية؛ بحيث يضيق الخناق على القوانين السرية.

* عدم السماح للموظف العام باقتناء ممتلكات عامة إذا كان هناك تضارب في المصالح. فعلى سبيل المثال، لا يسمح لموظفي الحكومة المسئولين عن خصخصة شركات القطاع العام بشراء أصول هذه الشركات بأسمائهم أو بأسماء ذويهم.

* مراكز القوى الروتينية والدواوينية المتروك أمرها لتقدير أصحابها يجب أن يضيق عليها الخناق؛ بحيث تتقلص إلي الحد الأدنى.

* منح الجمهور في الشكوى ضد موظفي الحكومة، وكذلك الحق في حصوله على ردود على شكاواه. وبناء على ذلك، يتحتم على كل إدارة حكومية أن تنشئ آلية مناسبة للتعامل مع شكاوى الجمهور.

* المسئولية الحكومية يجب أن تأخذ شكلاً مؤسسياً المحاسبة والمراجعة العليا في الدولة وعلى تقويتها.

* وبعد كل ذلك، لاشئ يمكن أن يمنع الروتين من إساءة استخدام الموارد العامة إلا قيام المجتمع المدني الذي يحركه ضميره الأخلاقي كمصدر للقوة التعويضية الموازية.

تنظيم الريع :

في المجتمع الإسلامي، تعتبر السياسات الحكومية التي تخلق فئات نفعية، سياسات غير مرغوبة. وهذا يتضح من المثال التالي : لقد استرد النبي صلي الله عليه وسلم أرضاً كان قد أعطاها للصحابي أبيض بن حمال رضي الله عنه عندما علم أن الأرض بها منجم ملح وأن امتلاك شخص واحد لها قد يضر بالصالح العام. وبالمثل، نجد أن النبي صلي الله عليه وسلم منح أرضاً لأحد صحابته على أمل أنه يستطيع إصلاحها، ولكنه علم بعد ذلك أنه لم يفعل ما كان يأمله منه، فاستردها ثانية. ومن هذه الأمثلة يمكننا استنباط قواعد عامة.

أولها : أن المفهوم الإسلامي للحقوق يضع فيي مقابلها الواجبات، فلا وجود لحق لا يستتبعه واجب؛ لذلك فإن الحكومة يتحتم عليها ألا تنشئ حقا دون ان تنص بالتفصيل علي التزامات المستفيدين من هذا الحق.

وثانيها :أن المنح الحكومية يجب ألا تستهدف خلق احتكارات.

وثالثها :أن هذه المنح يجب ألا تسمح للأفراد بجني أرباح سريعة دون استثمار جهد أو مال. ففي المثال السابق، كان منجم الملح في الأرض المعطاة لأبيض بن حمال رضي الله عنه علي سطح الأرض بحيث لا يتطلب استخراجه جهداً يذكر.

ورابعها :أنه في المجتمع الإسلامي لا يمتلك أى شخص ـ وحده ـ حرية منح الممتلكات للأفراد، حتى ولو كان هذا القرار من حق المجتمع كله عن طريق مبدأ الشورى[18] . فحقوق الحكومة وقادتها، بما فيهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء، هي ذاتها حقوق المواطن العادي. ويعد رجال الحكومة، باعتبارهم جزءاً منها، مجرد أمناء على الموارد العامة[19].

وخامسها : القواعد التي بمكن استنباطها، أن الدولة قد تخلق ريعاً لتحقيق أهداف اجتماعية عليا، كالتصنيع أو التنمية التقنية. ويصبح تحري الريع أمراً مكروهاً إذا لم تكن الفوائد السريعة التي يدرها لها قاعدة إنتاجية عريضة[20].

وسادسها : أنه بالرغم مما سبق ذكره، سيظل الناس يميلون إلي الحصول على منافع من الحكومة. وعلي الحكومة أن تفرض قانوناً يضبط سلوك الموظفين العموميين، والسياسيين، ورجال الأعمال، ويمنعهم من التأثير علي الحكومة للحصول علي مثل تلك المنافع.

هل نستطيع أن نقول : إن المجتمع الإسلامي المعاصر سيكون خالياً من الفئات النفعية؟ إنه من التبسيط المفرط أن نفترض ذلك. فستظل هناك فئات نفعية خاصة في المجتمع. ولكن ليس من الضروري أن تتصرف هذه الفئات ضد الصالح العام في جميع الحالات. ففي بعض الأحوال، قد يلعبون دوراً إيجابياً، بواسطة توفير معلومات عن مشكلات معينة. ففي غياب هذه الفئات، يحتمل أن يكون العبء كبيراً جداً علي عاتق الحكومة. فعليها أن تعرف كل شئ عن كل شخص قبل اتخاذ أى قرار.

وهذا أمر لا يمكن توقعه ـ كما هو واضح ـ من حكومة تتكون من آدميين غير معصومين من الخطأ. وفئات المصالح يمكنها لعب دور إيجابي، حيث يتسع صدر الحكومة لهم استناداً لمبدأ المصلحة العامة. وبطبيعة الحال، سوف يكون بعض هذه الفئات قادراً علي اصطياد بعض المنافع لصالحه، بينما البعض الآخر سيعجز عن اللحاق بالركب. ففي عالم كعالمنا يتصف بالنقص وعدم الكمال، ليس ثمة إمكان للوصول إلي حلول مثالية. ولكن النقطة التي أحب توضيحها هنا هي أن الحكومة يجب أن تضع المصلحة في حسبانها بكل وضوح، وألا تكون موجهة بشكل كامل لتلبية مصالح فئات النفع الخاص.

إلي أى مدى يختلف هذا الاتجاه العام للسياسات الحكومية عما هو قائم في المجتمعات الرأسمالية؟ تعتمد الإجابة إلي حد كبير علي ضمير المجتمع، ومدى استجابة الحكومة للصالح العام، وكفاءتها في اتخاذ القرارات المناسبة، ونوعية المعلومات التي تبنى عليها هذه القرارات.

 


[1]Muhammad Khalid Masud, “Islamic Legal Philosophy” (Islamabad: Islamic Research Institute, 1984), P.225.

[2]M. Umer Chapra, “Islam and the Economic Challenge. (Leicester: The Islamic Foundation, 1992), P. 284.

[3]Masud, “Islamic Legal Philosophy”, P. 236.

[4]Ibid. P. 281.

[5]Ibid

[6]Ibid.,P.282

[7]Hashim Kamali, “Fundamental Rights of the Individual: An Analysis of Haqq (Right) In Islamic Law,” The American Journal of Islamic Social Science, 10 no. 3 (Fall 1993): P. 346.

[8]Hugh Stretton and Lionel Orchard. “Public Goods, Public Enterprise, And Public Choice: Theoretical Foundations of the Contemporary Attack on Government” (London: Macmillan Press, 1994), P. 30.

[9]M. N. Siddiqi, “Islamic Theory of Owership”, Vol. 2 (Lahore: Islamic Publications, 1968), P.240.

[10]Ibid., P. 242.

[11]James Tobin, “A Tax on International Currency Transactions”, Human Development Report (New Delhi: Oxford University Press, 1994), P.70.

[12]Siddiqi, “Islamic Theory of Ownership”, P, 166.

[13]Ibid, .P. 256.

[14]Ziauddin Ahmad, “Islam, Poverty and income Distribution”, (Leicester: The Islamic Foundation, 1991), P.82.

[15]Sidddiqi, “Islamic Theory of Ownership”, P. 261.

[16]Chapra, “Islam and the Economic Challenge”, P. 292.

[17]For a detailed blueprint, see my Rural Development through Islamic Banks, (Leicester. The Islamic Foundation, 1994).

[18]Siddiqi, “Islamic Theory of Ownership”, P. 86.

[19]Ibid, PP, 87-88.

[20]K., S Jomo, “Economics of Power: Changing Horeizons”, the Pakistan Banker (July 1994): 104.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر