أبحاث

التحيز في الأنظمة الغربية لتصنيف المكتبات

العدد 71- 72

قبل الخوض في الحديث عن التحيز في تصنيف العلوم في أنظمة المكتبات الغربية يجب علينا أن نضع بعض المعايير للعامل مع فهوم كلمة التحيز، إذ أن مدلول كلة التحيز منفرداً يعطى انطباعا خاطئاً بكونه يعنى ” عدم الإنصاف”، أو أنه شيء ضد الموضوعية في التعبير عن الرأي أو الفعل، والأمر ليس كذلك إن كلمة التحيز في حد ذاتها ليست واقعة في فراغ ، ولا يمكن التعامل معها بدون التعرض للمفاهيم التي نشأت عنها الأفكار، والى منها جاء الرأي أو الفعل ،

أي : أن الفكرة و التي هي أساس التعبير عن الرأي أو الفعل ما هي إلا نتاج مجموعة من الفلسفات قوامها العقيدة ، العادات، والتقاليد الاجتماعية، والتاريخية – تبلورت في إطار معين .

وحيث إننا لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الفكرة عن الأسباب المكونة لها، -أيضاً – لا يمكن التحدث عن الرأي أو الفعل الناتج عن الفكرة خارجاً عن هذا الإطار، فإذا ما اتهمت فكرة ا بالتحيز فإن هذا الاتهام في حد ذاته تحيزاً لفكرة مضادة تؤمن بوجهة نظر أخرى وليدة فلسفات مختلفة أياً كان منبعها.

فإذا ما أخذنا على سبيل المثال الفلسفة الغربية ونظرتها للعلوم، فسنجد أنه من جملة الأسئلة الستة المعهودة ماذا؟ كيف؟ أين؟ من؟ ولماذا؟ لا تعرف العلوم الغربية نها إلا الأربعة الأولى فقط أو بالأصح لا تجيب إلا على الأسئلة الأربعة الأولى منها، فالعلوم الغربية تتعرض للأشياء من منظور ماذا يحدث؟ وكيف تحدث؟ ومتى تحدث؟ وأين تحدث؟ ولكنها لا تحاول التعرض بأي حال من الأحوال إلى من محدثها؟ ولماذا تحدث؟ في هذا تختلف مع الفلسفة الإسلامية تماماً في نظرتها للعلوم إذ أن السؤالين من؟ ولماذا؟ يمثلان حجر أساس في الفكر الإسلامي، فالإجابة على السؤال من محدثها؟ يكون التوحيد لله، وبالإجابة على لماذا تحدث؟ تكون خلافة الإنسان في الأرض، وكلاهما يمثل نقطة انطلاق لأي رأى أو فعل يقوم به السلم.

وفلسفة تصنيف العلوم في هذا لا تختلف عن تلك الخاصة بفلسفة العلوم، إذ أن أي محاولة لتصنيف العلوم إنا هي محاولة لتصنيف الأفكار المتولدة من الفلسفات التي نشأت فيها تلك العلوم، فكما أن فلسفة العلوم هي نتاج الخلفية العقائدية، والاجتماعية، والتاريخية، والعلمية، فكذلك تكون فلسفة تصنيف العلوم، وتقول سارى فان Sarah Vann: ” إن أي نظام تصنيف يعكس التقاليد التي تولدت في المجتمع” (1). الأمر الذي يجعل التحيز وارداً في تركيبة أي نظام تصنيف، وهو ما يؤكده ضياء الدين ساردار Ziauddin Saradar بقوله: ” إن أي تصنيف للمعرفة يخضع للفلسفة السياسية والاجتماعية للأفراد الذين قاموا بدءاً بتصميم النظام” (2)، وهو ما يجزم بعدم ” وجود أي نظام تصنيف في أي مجال يمكن له أن يخلو من القيم ” كما يقول إيرك دى جيرولير Eric de Grolier(3).

وعليه فإن عند الحكم على أي نظام لتصنيف العلوم مهما كان لا يصح أن يقاس بمعيار التحيز أو الموضوعية فقط، وإنما يجب أن يقاس – أيضا – بمعيار القيم التي يتحملها النظام.

فلسفة تصنيف العلوم في أنظمة المكتبات الغربية:

عند الحديث عن التحيز في تصنيف العلوم في أنظمة المكتبات الغربية يجب بدءاً أن نتعرف على الفلسفة والبنية التركيبية لهذه التصانيف، وحيث إن المقال هنا لا يتسع للحديث عن كل أنظمة التصنيف (4)، فسنخص بالذكر فقط أنظمة التصنيف العالمية والأكثر شيوعاً وتداولاً في مكتبات العالم الإسلامي، ألا وهما: تصنيف ديوي العشري:

Dewey decimal classification(5)

وتصنيف مكتبة الكونجرس Library of Congress Classification(6)

أولا: تصنيف ديوي العشري (DDC)

يعتبر تصنيف ديوي العشري من أكثر الأنظمة الغربية شهرةً وشيوعاً على مستوى العال الغربي والإسلامي على حد سواء، ويعتمد نظام ديوي العشري في بنيته على فلسفة بيكون Bacionian Philosophy  المقلوبة والتي تتضمن أن العقل له ثلاثة خصائص هي : الذاكرة Memory،Imagination ، والمنطق Reason ، ومن هذا المبدأ تم اشتقاق أفرع المعرفة الرئيسية في هذا النظام، ألا وهي : التاريخ ، والفنون والفلسفة، ولكن دبليو تي هاريس W.T.Harris  الذى صمم البنية الداخلية للنظام ومنه أخذ ديوي آثر أن يقدم الفلسفة، ويؤخر التاريخ إيماناً منه بأن العقل لا يمكن ان يبدأ بالحقائق مباشرةً، فجاء تصنيف ديوي العشري يحمل في طيته هذه الفلسفة مقسماً المعرفة بأكملها إلى عشر أقسام رئيسية : فخصص الرموز من 1 إلى 6 للعلوم، والرمزان 7 و 8   للفنون والآداب، والرمز 9 للتاريخ العام ( أماكن وأفراداً )، أما عن الرمز O: فقد خصه ديوي للمعارف العامة، وهو ما لم تتطلبه فلسفة بيكون، وإنما حكمت به الظروف على ديوي أن يخصص رمزاً قائماً بذاته، وذلك للأعمال التي لا تقتصر على مبحث واحد محدد، مثل : الموسوعات والصحف، والدوريات العامة، والأدلة، والكشافات….. إلخ، فجاء هذا الأصل للعلوم التي تعالج المعرفة والمعلومات بصورة عامة مثل: علم المعلومات، علم المكتبات، والصحافة، وعلم الكمبيوتر (7) كما أصبح التصنيف في شكله النهائي كما يلي:

000 المعارف العامة

100 الفلسفة وعلم النفس

200 الديانات

300 العلوم الاجتماعية

400 اللغات

500 العلوم الطبيعية والرياضيات

600 التكنولوجيا (العلوم التطبيقية)

700 الفنون

800 الآداب

900 الجغرافيا والتاريخ

ويعتمد نظام ديوي في بنيته على إمكانيات التفريع لكل مبحث، أو موضوع – مهما كان مجاله إلى عشرة فروع أخرى حتى ولو لم تستخدم هذه الفروع في كل حالة، أو زاد فرع العلم عنها. كما خص النظام بثلاثة مستويات رئيسية كما يظهر من المز الثلاثي المستعمل. فالرمز الذي يدل على المستوى الأول هو الرمز الأول من اليسار في الأرقام الثلاثة، والرمز الذي يدل على المستوى الثاني هو الثاني فيها، والذي يدل على المستوى الثالث، وبالرغم من أن القائمة أعلاه تمثل المستوى الأول فقط، إلا أن التعبير يتم بثلاثة أرقام ولكن الرقم الذي يدل على الرمز المعنى هو واحد فقط، أما مستوى التخصيص التي تزيد عن ثلاثة: فقد رمز لها ديوي بأرقام عشرية تلي الرمز الثلاثي، ومنها استقى النظام اسمه.

أما عن التحيز في نظام ديوي فيظهر بوضوح في كل المستويين الثاني والثالث، وإن كان هناك من يدافع عن أسباب هذا التحيز ويعزوها إلى ظروف تاريخية، ومن هؤلاء المدافعين نستشهد بما يسرده كومارومى وساتيجا Compromise and Satijaفي قولهما:

” إن نظام ديوي العشري هو نظام مكتبي واقعي تم تصميمه في عام 1873 كنظام عملي؛ ليحل مشاكل فورية واجهتها المكتبات الامريكية بصفة عامة في تلك الأيام، وبصفة خاصة فقد ت تصميمه لوضع نظام دائم يقوم بتنظيم مكتبة كلية أمهرست Amherst College اقتصادياً ومنهجياً. ولقد اعتمد النظام في اغلبه على الإنتاج الفكري المتاح في كلية أمهرست ومكتبات كل من منطقتي نيويورك New Yorkونيوانجلند New England.

 ولقد قدر لهذا النظام العالمي أن يحظى بمؤيدين له في وقت قصير، وأن يجد له مستخدمين في شتى أنحاء العالم، كما صاحب شهرته واستعماله الدولي نقد متزايد مرجعه أن الموضوعات الأمريكية قد حظيت باهتمام كبير مقارنة مع مثيلاتها من الموضوعات الأخرى، وقد أطلق على هذا التحيز اختصار لفظ (WASPish

Whit Anglo – Saxon Protestant.

إن هذا واقع فعلاً ولكنه لم يحدث بسبب أي تحيز مقصود، وإنما منشأه طبيعي، وبعض هذه الأسباب مرجعه تاريخي إذا ما أخذنا في الاعتبار أن تصنيف ديوي العشري قد أسس أصلاً معتمداً على الإنتاج الفكري المتاح في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فلا عجب إذاً ألا تجد الموضوعات غير الأمريكية تمثيل ملائم لها في النظام ….” (8).

وعلى الرغم من أن الأسباب التي يسردها كومارومي وساتيجا تبدو منطقية، إلا أن التحيز المقصود والذي يجهلانه أو يتجاهلاه هو ذلك النابع من الفكر الغربي ونظرته للعلوم، بحيث أصبح لا يرى أن أي شيء إلا بمنظاره وهذا ما سنتعرض له بالحديث في مكانه إن شاء الله.

ثانياً: تصنيف مكتبة الكونجرس (LCC):

تصنيف مكتبة الكونجرس هو ثاني التصانيف شهرةً وشيوعاً بعد ديوي ولقد ت تصميمه أساساً كنظام شرائعي لسد حاجة مكتبة الكونجرس فقط دون الأخذ في الاعتبار حتى حاجات المكتبات الأمريكية ، ولقد روعي عند تصميم النظام أن يغطى كلا من  : التوسع  المحتمل في حجم المحتوى الفكري للمكتبة، وتفاعل النظام مع موظفي المكتبة ، وخدمة طبيعة وعادات مرتادي المكتبة ، ومنح حرية التحرك بين أرفق الكتب للباحثين الجادين(9).

وانطلاقاً من هذا التخصيص في الهدف لم يكن لتصنيف مكتبة الكونجرس أي فلسفة حقيقية لتصنيف المعرفة، وإنما هو بالأخص محاولة لتصنيف المكتبة من الداخل، وتلبية احتياجاتها المستقبلية.

ويذكر على الرغم من أن تصنيف مكتبة الكونجرس لا يقابل المستلزمات التي ترقى به لتحفيف أي من نظرية تصنيف، او مكونات نظام تصنيف، إلا ان لديه بعض المبادئ النظرية المقبولة، والتي ترمى إلى مواجهة المستقبل (لتطور المكتبة)، وفى هذا الصدد تعتبر هذه المبادئ أفضل بكثير من تلك الموجودة في تصنيف ديوي العشري ….”(10).

ولقد مرت المكتبة بعدة محاولات للتنظيم تم خلالها التعامل مع أنظمة متعددة، حتى انتقلت المكتبة إلى مبناها الجديد، الأمر الذي ترتب بموجبه العمل على إيجاد نظام يتيح للمكتبة الاكتفاء والثبات. وقد تقرر تشكيل لجنة تقوم بدراسة الأنظمة الأخرى المستخدمة قبل الشروع في إنشاء أي نظام جديد. وفى إطار هذه الدراسة كان هناك ثلاثة اختيارات رئيسية: تصنيف ديوي العشري، والتصنيف التوسعي لشارلز إيمى كتر- Charles Ammi Cutter Expansive Classification  ونظام أوتوه ارتوج   Hartwing Otto الألماني المسمى Halle Schema، وبعد دراسة كل من هذه الأنظمة ، تم استبعاد تصنيف ديوي؛ وذلك لرفضه أن تجرى مكتبة الكونجرس أي تعديلات رئيسية في نظامه، كما أن النظام انتقد بأنه مقيد برموزه، والتي وضعت كأساس للنظام وليس لخدمته، وقد استبعد – أيضاً – نظام أوتو باعتباره متحيزاً للفكر الفلسفي الألماني ، وعليه  فلم يبق إلا تصنيف كتر التوسعي الذى اعطى الاهتمام المباشر ، ولاسيما أن كتر كان متعاوناً جداً في إجراء أيه تعديلات على تصنيفه(11).

أما عن فلسفة كتر في تصنيف العلوم فهي: تنطلق من مبدأ تقسيم المعرفة إلى علوم اجتماعية إنسانية، وعلوم طبيعية، تكنولوجية، ثم قدم فئه الأعمال الشاملة التي تخدم العلوم بأكملها، شأنه شأن ديوي في تصنيفه، إلا أنه فصل الببلوجرافيات وعلم المكتبات عن الاعمال الشاملة، وخصه في فرع وحده وضعه في آخر التصنيف، كما أنه استعمل الحروف الإنجليزية كرموز بدلاً من الأرقام، وخص كل علم بحرف، فجاء التصنيف في شكله العام كما يلي:

Aالأعمال الشاملة

B-Pالعلوم الاجتماعية والإنسانية

Q-Vالعلوم الطبيعية والتكنولوجيا

Zالببليوجرافيا وعلم المكتبات

ومنطلق فلسفة كتر أن يخص لكل علم حرفياً، حتى يسمح لهذا العلم بالتوسع دون قيود، ومنه أخذ النظام اسمه، ولقد ناسب هذا النظام مكتبة الكونجرس، حيث إن أساس عملية التصنيف في المكتبة كانت ستتم بإسناد الأمر إلى المكتبيين المتخصصين في كل فرع حسب ما يتواجد لديهم من إنتاج فكرى، وقد قدر أن أقساماً مثل: التاريخ، العلوم السياسية، والاجتماعية قد يكون لها محتوى فكري أكثر من مثيلاتها. إلا انه عند الشروع في التصنيف وجد جيمس هانسون James Hanson– رئيس قسم الفهرسة في المكتبة – أن عملية التصنيف لا يمكن أن تتم بالاعتماد على الحروف فقط، بل بمزيج من الحروف والأرقام معاً، وهو ما آل إليه تصنيف كتبة الكونجرس الحالي، مع تغيير في بعض مواضع العلوم، كما تركت كل من الأحرف خالية I O W X Y لاستخدامها مستقبلا(12).

اما عن التحيز في تصنيف مكتبة الكونجرس: فقد يكون من الصعب لمسه بشكل مباشر، ولا سيما ان التصنيف ليس له أي فلسفة حقيقية أكثر من ترتيب مكتبة الكونجرس، ولكن الحقيقة ليست بتلك البراءة الظاهرة، بل تكمن في أبعد من هذا، وهو ما يرويه لنا ديفيد كايزرDavid Kaser عن الخلفية الحقيقية التي صاحبت مهنة المكتبات في الولايات المتحدة فيقول:

” إن مهنة المكتبات جاءت إلى الوجود مصحوبة أو مرتبطة بحركة التبشير للكنائس المسيحية في الولايات المتحدة، فلقد أسست المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية من قبل باحثين متحمسين للحرية الدينية… وخاصة في الفترة المسماة ” بالصحوة الجديدة New Awaking” في أوائل القرن التاسع عشر ، وبانتقال الحركة الرومانسية إلى البلاد (أمريكا) من بريطانيا وفرنسا في مطلع القرن التاسع عشر أضيف إلى اهتمامات التبشير – والى كانت تهدف إلى بث فهوم احترام راحة الآخرين الموجودة في تقاليد المسيحية الاصلية ، اهتمام آخر يرمى إلى بث روح الإثار، وهو الأمر الذى أعطى – حافزاً أكثر ؛ لتكثيف الجهود التبشيرية في كل من داخل وخارج الكنائس، ( من هنا) نشأت كل من جمعية الكتاب المقدس الأمريكية :

The American Bible Society

في عام 1926، وجمعية الرسائل الأمريكية:  

The American Trace Society

وفي عام 1871، واتحاد مدارس الأحد الأمريكية:

The American Sunday school Union

في عام 1925. وكان قد نشأ ذاك الوقت عدد من الفرق التبشيرية في الخارج، أولها: كان التبلغيون المسيحيون Congregationalists في عام 1810، ثم البابتسيون Baptists في عام 1814، وآخرون جاءوا من بعدهم، كان هدفهم نشر عقيدتهم، وحمل الإنجيل المسيحي ليس فقط عبر الولايات المتحدة بل عبر العالم كله.

في الواقع لقد كان كل ” الآباء المؤسسينFounding Father”  ”  لهنة المكتبات الامريكية من الناشئين في هذه التقاليد ، فريوبن جيلدReuben Guild  – على سبيل المثال – كان قد فكر جدياً في الانضمام لخدمة العقيدة اليابتسوية قبل ان يصبح مكتبيا، وآخرون ممن أصبحوا مكتبيين ، كانوا قد تلقوا تعليماً دينياً لكى يشغلوا مناصب دينية ، بل إن بعضه قد وصل منصب القسيس ، فالمكتبيون القدامى مثل شارلز جيوت Charles Coffin Jewett، وجون لانجدون سبيلى John Langdon Sibley  وصموئيل سويت جرين Samuel Swett Green  وشارلز أيمى كتر  Charles Ammi Cutter ، وأخيراً أرنست كوشنج ريتشاردسون Ernest Cushing Richardson  – جميعاً قد ترنوا في المدارس اللاهوتية قبل أن يهبوا حياتهم للعمل في مهنة المكتبات. في الحقيقة لقد كانت مهنة المكتبات في نظر الكثير منهم هي نوع من ” المهن الدينية “Religious Vocation، وبالتالي تصلح أن تكون لهم بديلاً عن الالتزام بالعمل الكنسي، ولقد استمر مثل هذا الشعور بقوة هذه التأثيرات مع اكتمال ” تطور” هنة المكتبات، وذلك حتى تم إنشاء الاتحاد الأمريكي للمكتبات American Library Association عام 1876.

وقد تحدث كثير من المكتبيين خلال العقود التي تلت تأسيس الاتحاد عن ” احضار مكتلة الإنجيل Burning the Library Gospel إلى البلدان والقرى الأمريكية التي لم تسمع عنه من قبل” (13).

ومن هذا نستخلص أن عملية تصنيف العلوم ليست ذاك العمل المتواضع الذي يكمن في ترتيب الكتب على أرفق المكتبة، بل هو فلسفة عميقة قوامها العقيدة، العادات، والتقاليد.

وحيث أن هذه الأشياء أصيلة فلا يمكن إذن أن نتوقع في أي نظام تصنيف يعبر بصدق عن فكر مجتمعه أن يخلو من التحيز ، ومثل هذا التحيز طبيعي ولا يمكن أن يلام عليه أحد؛ لأنه تحيز نابع من الأصول العقائدية، والتاريخية، والاجتماعية للمجتمع الذى أسس التصنيف أساساً لمقابلة إنتاجه الفكري، ولعل هذا ما كلن يشير إليه كومارومى وساتيجا ويعزوان وجوده إلى الظروف التاريخية المحيطة بنشأة تصنيف ديوي،  وهو نفس الامر الذى جعل كتبة الكونجرس أن ترفض نظام أوتو باعتباره نظاماً متحيزاً في بنيته للفكر الألماني بينما لم يتم نفس التعقيب على نظام ديوي الذى يحمل في طيته تحيزاً واضحاً للفكر الفلسفي الأمريكي . ولنفس السبب فقد رفض جيمس دف براون James Duff Brownمن قبل تصنيف ديوي العشري؛ لأنه أعد من وجهة نظر أنجلو سكسونية، ولا يرضى البريطانيين، وعليه قام براون بإعداد تصنيفه الموضوعي Classification Subject؛ ليمثل بصدق الفكر البريطاني.

فغذا كان لكل هذه الأنظمة وهي تشترك في العقيدة الواحدة ألا وهي المسيحية ومع هذا فقد اتهمت كل منها الأخرى بالتحيز، فكيف يمكن لعقيدة أخرى مخالفة أن تجد بغيتها في أي من هذه الأنظمة؟

إن التحيز واقه لا مجال للشك فيه في أنظمة التصنيف الغريبة وذلك باعتراف المكتبيين الغربيين أنفسهم، ولكن التحيز الذي نقصه في هذا المقال هو ذاك التحيز ذو الصبغة التبشيرية والتي أشار إليها ديفيد كايزر في توضيحه للخلفية العقائدية للمكتبيين الأمريكيين، والتي صاحبتهم حتى تأسيس اتحاد المكتبات الأمريكي، ولا يمكن بالطبع أن نتصور أن يكون هناك أفراداً ينظرون إلى مهنة المكتبات على أنها مهمة دينية دون أن يتركوا بصمات في تصنيفاتهم المحلية والعالمية على حد سواء.

التحيز التبشيري في تصنيفي ديوي ومكتبة الكونجرس:

يأخذ التحيز التبشيري في تصنيف ديوي ومكتبة الكونجرس ثلاثة أشكال رئيسية – يمكن التعبير عنها بالتحيز الديني وسيتم التعرض فيا يلي بالتفصيل لكل ن هذه الأنواع:

أولاً: التحيز المنهجي:

يقصد بالتحيز المنهجي تلك المغالطات المعتمدة في الكيفية التي تم بها تناول الموضوعات داخل التصنيف، وسنأخذ على سبيل المثال لا الحصر نماذج من فروع المعرفة المختلفة، وهي الفلسفة، والديانات، والأدب – لتمثل هذا الشكل من التحيز.

الفلسفة:

خصص ديوي في تصنيفه الرمز 180 للفلسفة الشرقية والفلسفة اليونانية والفلسفة الغربية في العصور الوسطى، وقد قام تحت الرمز 181 بحشر فلسفات الديانات كلها (باستثناء المسيحية) بين الرمز 181.1، بينما احتلت الفلسفة اليونانية والمسيحية مساحات واسعة شغلت ما بين الرمز 182 إلى الرمز 189 من التخصيص في النظام، كما جاءت الفلسفة الغربية الحديثة منفردة بالرموز 190 -199.

فجاءت بالشكل التالي:

180 الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى والفلسفة الشرقية.

181 الفلسفة الشرقية.

182 الفلسفة اليونانية قبل سقراط.

183 الفلسفة السفسطائية والسقراطية.

184 الفلسفة الأفلاطونية.

185 الفلسفة الأرسطيه.

186 الفلسفة الشكية والافلاطونية المحدثة.

187 الفلسفة الأبيقورية.

188 الفلسفة الرواقية.

189 فلسفة العصور الوسطى الغربية.

190 الفلسفة المعاصرة الحديثة.

191 الفلسفة العاصرة في الولايات المتحدة وكندا.

192 الفلسفة المعاصرة في الجزر البريطانية.

193 الفلسفة المعاصرة في ألمانيا والنمسا.

194 الفلسفة المعاصرة في فرنسا.

195 الفلسفة المعاصرة في إيطاليا.

196 الفلسفة المعاصرة في أسبانيا والبرتغال.

197 الفلسفة المعاصرة في روسيا وفنلندا.

198 الفلسفة المعاصرة في اسكندنافيا.

199 الفلسفة المعاصرة في مناطق أخرى.

وكما يرى هنا مقدار التحيز المخل بالمنهجية في توزيع أفرع العرفة أن تأخذ الفلسفة اليونانية كل هذه العناية بينما تتخم كل من الفلسفة الهندية، والفلسفة الصينية، والفلسفة الإسلامية، وغيرها – في حيز ضيق: أما الفلسفة الحديثة فلا ذكر لأي من هذه الفلسفات على الاطلاق، وإنا اكتفى بكلمة أخرى.

أما في تصنيف كتبة الكونجرس فقد جاءت الفلسفة تحت الرمز B، وأخذت فلسفة العصر الحديث الرمز B7090-5793، حيث قسمت الفلسفات على حسب التوزيع الجغرافي للقارات، فكلن نصيب كل منها ما يلى: B879.5-101982  أمريكا الشمالية .

B1025-1029أمريكا الوسطى.

B1030-1084 أمريكا الجنوبية.

B1111-4871 أوروبا الغربية.

B4670-4871 أوروبا الشمالية.

B5000-5289 آسيا.

B5300-5679 إفريقيا.

B5700-5704استراليا

وبمقارنة كل من المساحة التي احتلتها الفلسفة الغربية في ديوي والكونجرس مع تلك المساحة التي أعطت لفلسفات دول العالم الأخرى يمكن التعرف على مدى التحيز الوارد في كلا النظامين.

الديانات:

جاءت الديانات في تصنيف ديوي العشري تحت الرمز 200-290 احتلت فيها المسيحية الرموز من 200-280، بينما جاءت ديانات العالم الأخرى والمقارنة تحت الرمز 290 ، وقد كان التوقع كالتالي:

200 الديانات.

210 الديانات المسيحية.

220 الكتاب المقدس.

230 الديانة المسيحية.

240 الاخلاق المسيحية والعبادة.

250 الكنيسة المحلية.

260 اللاهوت الاجتماعي والديني.

270 تاريخ الكنيسة وجغرافيتها.

280 الطوائف والفرق المسيحية.

290 الديانات الأخرى والديانات المقارنة.

ولا يختلف تصنيف مكتبة الكونجرس عن ديوي في شيء عن هذا إذ أنه من جملة ثلاثة مجلدات خصصت للديانات في التصنيف شغلت المسيحية مجلدين بينما جاءت ديانات العالم الأخرى كلها في المجلد الثالث كان فيها حجم التفريعات المتخصصة ما يلى:

        990-1BMاليهودية.

        610-1BPالإسلام.

        9800-1BQالبوذية.

     1725-1BR المسيحية.

     12970-1 BR الكتاب المقدس والتفاسير.

     1480 – 1BR العقيدة اللاهوتية ورد طاعن.

5099 – 1BR اللاهوتية العلمية.

999-1 BRالطوائف الدينية والفرق المسيحية.

وكما يلحظ هنا مدى التحيز الوارد للديانة المسيحية والتي شغلت 90% من التفريعات، بينما وضعت ديانات أعرق من المسيحية في 10% فقط في تصنيف ديوي، وبمقارنة الأرقام الواردة في تصنيف الكونجرس يمكن ببساطة – أيضاً – أن نتعرف على مدى المساحة التي شغلتها المسيحية مقارنة ع الديانات الأخرى، فمن إجمالي 570 صفحة شغلتها السيحية كان نصيب البوذية 101 صفحة، واليهودية 43 صفحة، والإسلام 35 صفحة.

اللغات والأدب:

خصص ديوي في تصنيفه للغات الرمز 400 كما خصص للآداب الرمز 800. وقد جاءت التعريفات تحت كل منهما كما يلي:

400 اللغة.

410 علم اللغة.

420 اللغة (الإنجليزية القديمة والحديثة).

430 اللغات الألمانية.

440 اللغات الرومانسية (الفرنسية).

450 اللغات الإيطالية والرومانية.

460 اللغات الأسبانية والبرتغالية.

470 اللغات اللاتينية.

480 اللغات اليونانية.

490 اللغات الأخرى.

800 الأدب.

810 الأدب الإنجليزي والأمريكي.

820 الأدب الإنجليزي القديم والحديث.

830 أدب اللغات الألمانية.

840 أدب اللغات الرومانسية.

850 أدب اللغات الإيطالية والرومانية.

860 أدب اللغات الأسبانية والبرتغالية.

870 أدب اللغات اللاتينية.

880 أدب اللغات اليونانية.

890 أدب اللغات الأخرى.

ولا يحتاج المرء من الوقت الكثير لكي يرى الكيفية التي تعامل بها ديوي مع اللغات والادب الأوروبي، وتلك الى تعامل بها مع لغات وآداب الشعوب الأخرى، وللمرء أن يتخيل كيف يمكن أن يتم تصنيف أدب للغات عريقة مثل الأدب الصيني، والادب الروسي، والادب الفارسي، والادب العربي بشتى مراحله الجاهلي والإسلامي والحديث في مثل هذا التحيز الضيق.

وتصنيف مكتبة الكونجرس وإن كان لا يظهر فيه هذا التحيز الواضح إلا أنه أزال لا يخلو من ملاحظات، ويكفي فقط أن نشير إلى حجم التفريعات تحت كل الروز المخصصة لأنواع اللغة والأدب. فتحت الرمز BPحيث وردت اللغات الحديثة يظهر ما يلي:

5498-1BC اللغات الرومانسية.

5929-1001 EDاللغات الألمانية الشمالية.

5999-1BF اللغات الألمانية الغربية.

3729-1 BEاللغة الإنجليزية.

9665 – 1BG اللغات الألبانية.

54900-1 BH اللغات.

9293-1 BJاللغات الشرقية.

69 – 1BKاللغات الهند وإيرانية.

-1BL لغات شرق آسيا وإفريقيا.

وبحساب كل ما شغلته كل من اللغات وآدابها في كل من التفريعات نجد أنه لا يوجد وجه للمقارنة بين ما شغلته كل من اللغات الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية منفردة مع ا جاء في التفريعات للغات الشرقية والهندوإيرانية، ولاسيما ذلك الإهمال الذي تم به التعامل مع ما يزيد عن نحو سبعين لغة من شرق آسيا وإفريقيا.

وبالطبع لا يمكن أن نعزو أمثلة هذا التحيز إلى الظروف التاريخية وان كان يوجد في انتاج فكري والمكتبات الامريكية في ذلك الوقت؛ لأن التحيز هنا تحيز منهجي في تقسيمات المعرفة وليس حجم الإنتاج فقط.

إن أي منهج لتصنيف المعرفة لابد وأن يكون مبنياً على التفاهم أساسية تأخذ في اعتبارها الاختلاف والتماثل بين أفرع المعرفة المختلفة، وهو ما يمنع أن يتم التعامل مع اديان أو لغات أو آداب أو فلسفات ما بكل تفصيلاتها، بينا يتم الحديث عن لغات مختلفةلا تقل أهمية بمجرد الإشارة إليها بكلمة أخرى.

ثانياً: التحيز اللفظي.  

يقصد بالتحيز اللفظي هو تلك المصطلحات والألفاظ التي تمثل طبيعة التكوين الفكري لمصممي أنظمة التصنيف، ويظهر التحيز اللفظي في كثير من المواضع على جميع مستويات التصنيف وحيث إننا هنا لسنا بصدد حصر تلك اللفاظ فسيتم الاكتفاء فقط بنماذج تحض منها ألفاظاً وردت في كل من تصنيفي ديوي والكونجرس تحت موضوع الإسلام ، مما يوحى بأنها اصطلاحات إسلامية ، وما هي إلا الفاظ ذات مفاهيم مسيحية كان يمكن الاستعانة بها وبأخرى تمثل تلك المفاهيم الإسلامية، وتمثل بصدق طبيعة الفكر الإسلامي طالما أنها أدرجت تحت الإسلام، وفيا يلى نذكر نموذجاً من هذه الألفاظ مع شرح قام به الكاتب؛ لتوضيح المفهوم المسيحي للفظ، فمن أمثلة ما ورد في تصنيف ديوي جاء ما يلي:

297.216 Devils

وتعني: الأرواح الشريرة، وهو مفهوم مسيحي يشير إلى الروح الشريرة المتجسدة في شكل الشيطان، ويمثل في العقيدة المسيحية كملك الجحيم، واللفظ المعبر الصحيح للفكر الإسلامي هو الشيطان Stan.

Divination 297.

وتعني: الكهانة وهو لفظ يدل على الممارسة لأفعال يقصد بها معرفة أو رؤية حوادث المستقبل أو اكتشاف أسرار خفية عن طريق الاستعانة بقوى خارج الادراك البشري، واللفظ المعبر الصحيح للفكر الإسلامي وهو السحر Magic.

أما أمثلة ما جاء من التحيز اللفظي في تصنيف مكتبة الكونجرس فهو:

BP133.7.M35 Saint

وتعني: القديس وهو اصطلاح يطلق في المسيحية على الافراد الذين يعيشون حياة خيرة، ويكونون على اتصال وجودي بالرب، واللفظ المعبر الصحيح للفكر الإسلامي هو الصديق.

BP166.76 Salvation

ويعنى: الخلاص، وهو مفهوم مسيحي مؤداه أن المسيح سيخلص يوم القيامة من يوم القيامة من يؤمن به كابن للإله، ومضح في سبيل رذائل البشرية، وثل هذا المفهوم لا يوجد في الإسلام، وقد ورد في التصنيف بعد لفظ الشفاعة.

BP167.3 Blasphemy

ويعني: التأله، وهو لفظ قد يستعمل في المسيحية للدلالة على ادعاء المرء حقوق الإله وصفاته، أو التهكم الفاضح ضد العادات والقيم المقدسة، واللفظ المعبر في الإسلام هو الكفر.

BP167.5 Heresy

ويعنى: الهرطقة، وهو لفظ يطلق على التحدث ضد الكنيسة، واللفظ المعبر الصحيح في الإسلام هو البدعة.

إن خطورة مثل هذه الألفاظ واستمرار تداولها هي ان تصبح مفاهيم يصعب إخراجها من عقولنا بعد ان يصبح وجودها حقيقياً، ويذكر مالك بن نبي في كتابه – مشكلة الثقافة: ” إن الشيء لا يعد موجوداً بالنسبة لشعورنا إلا عندا يلد فكرة تصبح برهاناً على وجوده في عقولنا فكل ما ينضوي داخلياً أو خارجياً في منطقة الضوء التي تحوط جزيرتنا يصبح (فكرة) تدخل إلى مجال معرفتنا، أي: إلى شعورنا، ولكنه عندما يتم دخوله في هذه المنطقة في الضوء يصبح حضوره وجوداً حقيقياً، وحينئذ تنكشف شخصيته، ويوضع بالتالي اس يطلق عليه.

تلك هي عملية الادراك عندما نريد أن نفهم الأشياء في الوجهة النفسية، أعنى: ن وجهة نظر الفرد. اما إذا أردنا ان نتناولها من وجهة اجتماعية فسيكون علينا أن نحدث تفرقة بين الواقع الاجتماعي الذي لم يعدد أو يصنف وبين الواقع الاجتماعي الدرك المتحقق، أي: الواقع والمترجم إلى مفهوم المدرك على انه موضع للدراسة والمعرفة، عن لكلتا العليتين وجوهاً متماثلة، فتحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك الشعوري ثم يترجم إلى (اسم).

وتحقيق الواقع الاجتماعي يتم بواسطة التصنيف ثم يترجم الى (مفهوم). والاسم بهذا الموضع يعد إذاً أول درجة من درجات المعرفة، وأول خطوة تخطوها نحو العلم، فإذا سميت (شيئاً) فمعنى ذلك أن تستخرج منه فكرة معينة، أي: أنك تدي اول عمل من أعمال المعرفة بالنسبة لذلك الشيء” (14).

ويتبين هنا أن المخطط التبشيري مخطط لا يقل في خطورته عن الغزو الثقافي الإعلامي والتعليمي الذي يعتمد على اهداف طويلة الأمد، فأنظمة التصنيف العربية الغربية تحل في طياتها ألفاظاً تعتمد بمرور الزمن على تغيير مفاهيم راسخة في العقول بمفاهيم راسخة في العقول بمفاهيم أخرى تأتى في صورة مصطلحات تظهر على بطاقات المكتبة كرؤوس موضوعات وتقسيمات للموضوعات على الارفف، فالقضية إذن ليست مجرد ترتيب لكتب بل تحريف للعقيدة، وتبديل للثقافة التي نشأ عليها المجتمع.

ثالثا: التحيز الديني:

يعتبر التحيز الديني أخطر اشكال التحيز على الاطلاق ، لأن منشأة تعمد مغلوطة لتشوية صور الشعوب الأخرى بعمومها، والديانات بخصوصها، وحتى نكون اقرب للتمثيل سنأخذ نموذج الإسلام في تصنيف ديوي العشري في طباعته القديمة حيث أشير للإسلام بالمصطلح Mohamadian  وهو محاولة مغرضة لسلخ صفة العالمية من الإسلام ، وصبغه بصفة الفردية ، وذلك بان يسمى المسلمون بالمحمديين، أي: اتباع محد شانهم في ذلك الشأن الزرادشتية نسبة إلى زراشت، والبوذية نسبة إلى بوذا ، واليهودية نسبة على يهودا، والمسيحية نسبة إلى المسيح، ولم يتم تعديل هذا الاسم إلى الإسلام إلا في الطبعة السادسة عشرة العدلة لديوي ، وذلك بعد ان تم إدخال  التعديلات التي قام بها المكتبيون المسلون بها.

وبغض النظر عن هذا التحيز الديني في تصنيف ديوي والكونجرس يتلمس في أشياء أخرى لا تقل خطورة عن سابقة الذكر، ولعل اهم ما يمكن الإشارة إليه في نظام ديوي هو استعماله تحت الرمز 297 صيغة (الإسلام والديانات المشتقة منه)، وهو بلا شك صياغة خطيرة ومغرضة تهدف إلى إعطاء انطباع ان الإسلام ليس ديناً واحداً بل اديان شتى، كما أدرج تحت التفريعات 297.87 او 297.9 ما يلي:

297.8 الفرق الإسلامية وحركات الإصلاح.

81. السنة.

811. الحنفية.

812. الشافعية .

813. المالكية.

814. الحنبلية والوهابية.

8.2 الشيعة.

8.2 الاثنا عشرية.

8.2 الزيدية.

821. فرق أخرى.

8. المرجئة.

85. الدروز.

86. الحركة الأحمدية.

78. حركة المسلمون السود.

297.9 الديانات الناشئة في الإسلام.

92. البابية.

93. العقيدة البهائية.

وكما يلحظ هذا الخلط الكبير الذي قام به ديوي، والمزج بين حركات إصلاح ومذاهب، وبين فرق وعقائد، وإهماله فرقاً اسلامية كثيرة وهامة، مثل المعتزلة، والخوارج، وتركيزه على عقائد ليست من الإسلام في شيء مثل البهائية.

ولا يختلف تصنيف الكونجرس في معاملته للفرق الإسلامية عن ديوي باستثناء تناوله للفرق الإسلامية بشكل أكثر تخصيصاً، ولكن خطورته الحقيقية تكمن في تناوله لبعض المفاهيم ن والتي تخالف تماماً شريعة الإسلام قلباً وقالباً، وإنا هي وليدة الكيان الأمريكي المبني على التمييز العنصري، ومن امثلة هذا نجد تحت الرمز 62 حيث يذكر:

  62 يتم التفريع حسب العرف Race، الأقليات Ethnic group، القبيلة Tribe

B56، السود     Back ، الإفروأمريكية Afro- Americans

انظر المسلمون السود + BP221

ولا يمكن بالبع ان يمر مثل هذا الأمر على أي مسلم ويرى هذه الجاهلية التي قد جبها الإسلام حال وصوله قد الحقت به، أما اخطر اشكال التحيز الديني في تصنيف الكونجرس فهو الذى تصاحبه الماهية التبشيرية المنبعثه من الروح السيحية، ونظرتها للديانات الأخرى ، وغاية ما يظهر هذا بجلاء فيما يلي:

BP190.5 العرب في الإسلام Arabs in Islam

الإسلام كدين للعرب:

Islam as an Arab Religion

ويلاحظ هنا صيغة (الإسلام كدين للعرب) وهي بلا شك صياغة مغرضة؛ لنفى مفهوم العالمية عن الإسلام وقصره على العرب فقط.

ولا يسع المرء هنا أمام هذا التحريف للعقيدة إلا أن يتساءل: كيف تسنى للكتبيين المسلمين أن يتجاهلوا التحيز التبشيري الواضح بشتى معاييره المنهجية واللفظية والبينية، وبدلاً من أن يوجهوا جهودهم لتصميم نظام تصنيف يخدم الفكر الإسلامي أصالة وفكراً ومنهجاً، آثرون أن يطوروا هذه التصانيف، أو أن يترجموها، وبالتالي ساهوا في أن تصبح عالمية بالفعل ن فتخدم أغراضها التبشيرية في عقر ديار المسلمين؟

بين التحيز والتبعية:

مما سبق بالدليل الدامغ أن أنظمة التصنيف الغربية لا تخلو من التحيز ولكن المهم في الأمر هو أن المكتبيين العرب والمسلمين على حد سواء (باستثناء قلة منهم) قد تغالوا مثل هذا التحيز، وركنوا إلى التعبئة المفرطة، فتبنوا هذه الأنظمة دون اعتبار ما إذا كانت تصلح لتمثيل الموضوعات الإسلامية أو حتى المحلية أم لا؟ بل ان الحقيقة الواقعة هي أن كلاً من تصنيفي ديوي العشري ومكتبة الكونجرس لم يأخذا صفة العالمية إلا بعد أن تم تطويرهما من قبل المكتبيين المسلمين، وغيره في شتى أنحاء العالم لمواجهة القصور والإهمال المتواجد في بنية هذين التصنيفين، ولاسيما تصنيف ديوي والذي هو أكثر تحيزاً قد لاقى قبولاً واسعاً في مكتبات العالم الإسلامي.

فعلى مستوى العالم العربي قام محمود الشنيطى في مصر ضن رسالته لنيل درجة الدكتوراه بتغيير في الرمز 200 للديانات فوضع الإسلام بين الرمز 210، 269، كما وضع السيحية تحت رمز 270 و289 وأبقى الديانات الأخرى والمقارنة في الرمز 290 و299 (15)، وفى السعودية قامت جامعة اللك عبد العزيز بترجمة الطبعة الثامنة عشر من تصنيف ديوي إلى العربية مع تغيرات في الرموز الخاصة بالإسلام، والفلسفة الإسلامية، واللغة العربية، وآدابها، والتاريخ الإسلامي، وتاريخ المملكة العرية السعودية (16). ومثلها تمت محاولات أخرى كثيرة في كل من الكويت والعراق وعلى المستوى الفردي (17) أما على مستوى العالم الإسلامي قام مركز طهران لتجهيز الكتب:

Tehran Book Processing center

بتعديل في كل الرموز 297 الإسلام، و431.491 اللغة الفارسية، 431. 891 الأدب الفارسين و431. 991 تاريخ إيران (18). وفى باكستان قام اتحاد المكتبات الهندية India Library Association بالتعاون مع جامعة كراتشي University of Karachiبتوسعه الرموز 297 الإسلام، و294.439 اللغة الأردنية واللغات المحلية، و439. 891 الأدب الأردني (19). وبالمثل تمت محاولات مشابهة في كل من تركيا وبنجلاديش والهند وماليزيا وإندونيسيا. علاوة على العديد من المحاولات الفردية التي قام بها مكتبيون آخرون (20). ولقد استمرت محاولات التعديل في التصانيف الغربية وترجمتها في العالم الإسلامي قرابة خمسين عاماً كاملة نالت خلالها اهتمام اللجنة الخاصة بتصنيف ديوي العشري، وعلى أثره قامت اللجنة بعل مسح شامل لهذه المحاولات ودراستها وتبنيها في الطبعات المعدلة للنظام.

إن التبعية التي عانى منها المسلون فترة طويلة من الاستعارة الفكري ، والتي اصبح بها استخدام العقل جريمة، وأصبحت الحلول المستوردة منتهى الامل أضحت هي المحرك الأساسي لحياتهم، فلم ينتبه أي من هؤلاء المكتبيين إلى أن رسالة الإسلام عالمياً  ، والحضارة الإسلامية عريقة، ولا يكن لمثل هذه الرسالة وتلك الحضارة أن تحشر في تفريع ضيق من أي تصنيف، حتى ولو تم توسعة هذا التفريغ إلى أي درجة، فالمسالة ليست إيجاد مكان للموضوعات الإسلامية ضمن تصنيف عالمي ، وإنا هي قضية عقيدة وفلسفة فكر تحدد ملامحها من خلال عقيدة الامة أولاً ، ثم تراثها ثانياً.

وأمثلة محاولات التعديل والترجمة التي تمت هذه ليست فقط نموذجاً للتبعية المخلصة العمياء، بل هي – أيضاً – تفتقر إلى أبسط المفاهيم التي يجب أن تتوفر في أي تصنيف يعبر عن الأيدلوجية الإسلامية في التفكير، وحتى تصحيح هذه المفاهيم فلا يكن أن نتصور البدء في وضع أي خطة لنظرية إسلامية للتصنيف وبدون هذه الخطة لا يمكن الشروع في عمل أي تصنيف إسلامي.

النظرية الإسلامية للتصنيف في مفترق الطرق: 

إن ما ذكرناه سابقاً يؤكد حقيقتين: الأولى: هو أن أي محاولة لتعديل أو ترجمة نظام تصنيف غربي تتم للتعامل مع الإنتاج الفكري الإسلامي في كاتبات العالم الإسلامي هي محاولة فاشلة، لأنها نقل لصورة حياة عقلية لأمة من الأمم تختلف فكراً وثقافة ومنهجاً عن الأمة الإسلامية. والحقيقة الثانية: هو أنه لا يمكن أن تكون هناك خطة تستطيع أن تحقق العالمية مع أخذها في الاعتبار عقيدة كل شعب وحضارية وفكره، وبالتالي فإن كل المحاولات التي تنهج إلى إيجاد البديل ستكون ذات منظور محدد متحيز لواقعه الفكري والحضاري.   

ولقد حدث في منتصف السبعينيات صحوة فكرية لا تنكر لدى المسلمين نتج عنها تمرد كامل على التبعية المفرطة، كما كان من ثمارها إنتاج فكرى أضخم كان محوره إسلامية العلوم في شتى المجالات، كما نشأت من خلال عملية الأسلمة هذه علوم جديدة مثل: الاقتصاد الإسلامي، وعلم الانسان الإسلامي، وإن كان لها جذور من قبل أي أن: الإنتاج أكبر من أن تستوعبه أي أنظمة التصنيف الغربية المتبناة في المكتبات العربية والإسلامية، ولاسيما أن حركات إحياء التراث، وتحقيق المخطوطات كانت هي الأخرى محوراً موازياً لعملية الأسلمة.

أمام هذا الوضع نادى المكتبيون المسلمون في مؤتمرات عديدة بوضع خطة يمكن بها التحكم الوراقى ( الببليوجرافيا ) في الإنتاج الفكري المتزايد (21) وإنشاء تصنيف أساسه العقيدة الإسلامية، ويأخذ في اعتباره العادات والتقاليد الاجتماعية والتاريخية للامة (22)، فكانت هناك اقتراحات قصدت على إنشاء مركز تحكم وراقي دولي للإنتاج الفكري الإسلامي 23 وأخرى قصدت إلى نظام تصنيف إسلامي عالمي (24)، إلا انه للأسف الشديد لم ترق أي من هذه المحاولات إلى المستوى الدولي ، أما على المستوى الفردي: فقد كانت هناك محاولات أخرى تخص بالذكر نها محاولة عبد الوهاب أبو النور الذى قام في دراسته للماجستير والدكتوراه بوضع تصنيف لعلوم الدين الإسلامي كجزء من الخطة العربية للتصنيف (25)، وكذلك محاولة ضياء الدين ساردار الذى نشر مخططاً لنظام تصنيف إسلامي (26)، ولقد أشار كل من أبى النور وساردار في خطتهما إلى التحيز الواضح في أنظمة التصنيف الغربية وعد ملاءمتها لمكتبات العالم الإسلامي ؛ لاختلاف المنطق العقائدي والفكري، وفى هذا اختلف كل من ابى النور وساردار عن سابقيهم من قاموا بتعديلات في تصنيف ديوي حيث كان منطق سابقيهم هو ان إهمال الموضوعات العربية و الإسلامية في التصانيف العربية مرجعه قصور وليس تحيزاً.

وبهذا تعتبر محاولتا أبى النور وساردار خطوة طيبة في سبيل تصنيف عربي وإسلامي، وإن كانا يحتاجان إلى دعم مؤسسي حتى يمكن أن يختبرا أنظمتها عملياً.

إن المشكلة الحقيقة التي تواجه المكتبيين المسلمين الآن هي أن الإنتاج الفكري الإسلامي يتزايد زيادة مطردة يصعب بها التعامل مع أنظمة التصنيف الغربية المستخدمة في مكتبات العالم الإسلامي، ومن ناحية أخرى: فإنه بزيادة حجم المحتوى الفكري المطبوع في هذه المكتبات واستمرار هذه الزيادة صعب على أي مكتبة أن تقوم بتغيير نظامها كلياً؛ لما يستلزمه هذا الامر ن نفقات ومجهود بشرى ضخم، ولاسيما أن خطط التصنيف المقترحة التي تتم في هذا المجال هي مجهودات أفراد وليست مؤسسات.

إن مثل هذه المشكلة تضع أي خطة لتصنيف إسلامي امام مفترق الطرق، إما الاستمرار في الخطأ او التغيير المكلف، ولكن الامر أعمق من هذا وأخطر، بل يستحق من المكتبيين السلمين على أن ينظروا إليه كهمة دينية لا تقل عن تلك الهمة التي يقوم بها المكتبيون الأمريكيون.

الهوامش

(*) أستاذ مساعد بقسم المكتبات وعلم المعلومات – كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية – الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا.

(1) Sarah K. Vann, Dewey Abroad The Field Survey of 1964:Library Research & Technical Services 11,(Winter 1967), P.67.

(2)  Ziaudden sardar.Islam: Outline of Classification Scheme,London: Clive Bingley, 1979, P.16.

(3) Eric de Grolier,Classifications One Hundred Year after Dewey,Unesco Bulletin Library, 30 (6), 1976,pp.326-327.

(4) لمعلومات أكثر تتعلق بالتصانيف الأخرى يكن للقارئ الرجوع لكتاب ناصر محمد السويدان في المكتبات العربية: دراسة مقارنة لأنظمة التصنيف العالمية، ومدى صلاحيتها لتصنيف العلوم العربية والإسلامية، الرياض: دار المريخ.

 (5) Malvil Dewey, Dewey Decimal Classification and Ralative Index, Albany New York: Forest Press, 1989.

(6) Library of Congress,Library of Congress Classification Scheme, Washington: Subject Cataloging Division Processing Services, 1984-1990.

(7) John P. Comaromi and M.P. Satija,Dewey Dacimal Classification: History and Current status, New York: Envoy Press, 1988.

(8) ibid. p.41.

(9) Lois Mai Chan,Immorths Guide to the library of Congress Classification, Littleton Colo: Library Unlimited, Inc. 3rd ed.1980.

(10) Authur Maltby, Ed,Classification in the 1970s: a second look, rev. ed: London. Bingley, 1976, p. 89.

(11) op. cit. Lois Mai Chan, P. 20.

(12) ibid. pp-38-39.

(13) David Kaser, Asa Don Dickson: A Librarian of his Times,in: Library Education in Pakistan,past, present and future, edited by Sajjed ur Rahman, Abdus Satter Chaudhry and Afzal Haq Qarshi. pp.4-5.

(14) مالك بن نبى، مشكلة الثقافة، ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق: دار الفكر، الطبعة الرابعة، 1984، ص ص 21-22.

(15) طبعت هذه الرسالة في كتاب محمود الشنيطى، موجز التصنيف العشري، القاهرة، د.ت 16.

(16) جامعة الملك عبد العزيز، التصنيف العشري، جدة: الجامعة – عمادة شئون المكتبات، 1977.

(17) عبد الوهاب أبو النور، التصنيف البيليوجرافي لعلوم الدين الإسلامي، القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1973.

(18) TEBROC. Cataloging Department, Dewey Decimal Classification and relative Index. Tehran: Institute for Research & planning in Science and Education, 1971.

(19) Hajj Muhammad Shafi. Intezam e- Kutub Khana, Karachi: Abbas Litho Pree, n. d.

(20) Sayed Riazuddin, Problem of Classification of books on Islam in planning information Strategy for the Muslim World. 3rd Congress of Muslim librarians and Information Scientists. Malaysia. 1986, pp. 338-373.

(21) Sayed AII Hashimi. Universal Bibliographic Control of Islamic Literature. 3rd Congress of Muslim librarians and Information Scientists. Malaysia, 1980, pp. 373-381.

(22) Ghulam A. Sabzwari, Universal Islamic Classification Pakistan Library Bulletin, 13(2). p. 19.

(23) Mumtaz A. Anwar. Towards a universal Bibliographic System for Islamic Literature, International Library Review, 15 (3). 1983, pp. 257-261.

(24) Ghulam A. Sabzwarl, System for Islamic Countries: problem and proposal. 3rd Congress of Muslim librarians and Information Scientists. Malaysia. 1986, pp.310-325< .

(25) راجع، عبد الوهاب أبو النور.

(26) Op. cit Ziauddin Sardar.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر