تموضعت المرأة تاريخيًا ولقرون طويلة في أغلب مناطق العالم داخل المجال الخاص ممثلاً في المنزل، بينما مثَّل خروجها – الجماعي- للمجال العام خاصة العمل والتعليم والنشاط السياسي… إلخ، وما ارتبط بذلك من حقوق أهمها حقوق المواطنة والأهلية السياسية والقانونية الكاملة مكتسبًا من نتاج الثورات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية التي هبت رياحها العاتية على العالم المعاصر منذ نحو ثلاثة قرون ولا تزال تعصف به.
يشير المجال العام كظاهرة قديمة/ حديثة، وكصك مفاهيمي مستحدث ببساطة إلى اجتماع أناس لا يعرف بعضهم بعضًا (ولا تربطهم صلات دم أو معرفة مسبقة) حول قضية أو موضوع اهتمام واحد([1])، وهذا الاجتماع قد يكون ماديًا أو اتصاليًا، لذلك يعرفه البعض بدرجة أكثر تبسيطًا بأنه الفضاء المجرد الذي يناقش فيه المواطنون ويتحاورون حول القضايا الملحة([2])، يميل اتجاه آخر في التعريف إلى التقليل من أهمية الغاية الواحدة والتركيز على قضية الوجود الجماعي ذاتها، فيُعرِفون المجال العام بأنه تلك الفضاءات المادية (الواقعية) والافتراضية التي يمكن للجميع الوصول إليها، مثل الشوارع ومواقع العمل أو أية مناطق مفتوحة يمكن للمرء فيها أن يُسمع ويُرى بواسطة آخرين لا يعرفهم([3])، وللمجال العام بهذا المعنى عدة تجليات منها ما هو تجمع مادي أو جسدي مثل الشارع، ومنها ما هو تمثيلي من خلال الاسم أو الصوت أو الصورة أو الكلمات مثل الجرائد والسجلات الحكومية والفضاءات الافتراضية والإلكترونية المعاصرة.
يقول هابرماس الذي يعد أول من أسهم في بلورة هذا المفهوم أنه يتكون من ثلاثة عناصر ضرورية؛ أولها شرط المدنية civicness، والثاني هو ارتباط المفهوم بفكرة المواطنة، والثالث هو المشاركة القائمة على فكرة المساواة([4])، ويعترض البعض على المؤشرات السابقة للمجال العام مؤكدين أن المجال العام قد عُرف كذلك في ظل النظم النخبوية والقائمة على التمييز مثل الرأسمالية والعنصرية والبطريركية، ولكن في صيغة نماذج حصرية/ استبعادية exclusionary للمجال العام تضم البعض وتستبعد فئات أخرى.