وسائل الإنجاب الاصطناعية_ نحو توجيه البحث العلمي بالنظر المقاصدي
Ways of Artificial Insemination - العدد 105
مقدمة:
يناقش هذا البحث أهم المسائل الطبية المتعلقة بموضوع إيجاد النسل ، هذه القضايا التي ظهرت حديثًا بموجب التجارب العلمية التي يقوم بها أطباء متخصصون بغية الوصول إلى إيجاد حلول لمشكلة العقم عند الإنسان ، حيث ابتكر العلماء طريقة الإنجاب غير الطبيعي خارج نطاق الاتصال الجنسي المعروف والذي ينتج النسل عادة، فالتلقيح الاصطناعي مثلاً أصبح إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها استيلاد أطفال، سواء في رحم الأم نفسها أو خارجه؛ إضافة إلى ظهور الاستنساخ الذي ينتج النسل في غياب العنصر الذكري. كما لا يخفى ما لزرع الأعضاء التناسلية من فائدة في التلقيح، ومن ثمة الإنجاب طبيعيًّا، فإن الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن الأذهان أن الباحثين في هذا المجال كان مقصدهم من ذلك البحث العلمي ذاته مساعدة غير القادرين علي الإنجاب؛ ومثلهم من الباحثين في المقابل، توسعوا في مجال وسائل منع الحمل، وفي نطاق استعمال التعقيم الجراحي، والإجهاض، وبين أولئك وهؤلاء تنافسٌ كبير. ومن المجال الطبي أخذت البحوث منعطفًا آخر بمساعدة علماء الاجتماع والنفس الذين يروجون لها، باستحسانها ومباركتها ، فهي لا تخالف المبادئ والقيم التي يقوم عليها المجتمع الغربي، حيث لا يولون أهمية كبرى ((للزواج الشرعي)) ، كما أن مفاهيم ((الأسرة)) و((العائلة)) قد فقدت معانيها الحقيقية. فكل اتصال جنسي خارج إطار الزواج مشروع عندهم، حتي مع المثليين، فلا مشكلة في الزواج المثلي ما دام التلقيح الصناعي يمد بالأطفال ، وفي المقابل فإن حدث حمل من الاتصالات الجنسية فلا مشكلة أيضًا، حيث إن الإجهاض مباح عندهم. فــلا زواج معتبر، ولا أسرة، ما دام المجال مفتوحًا للأبوة الزائفة، من مثل أبوة التلقيح الصناعي في صوره المحرمة، أو أبوة التبني، أو السفاح.
ولا يمكننا بحال دراسة هذه القضايا بمعزل عن الظروف التي تحيط بها، فالأحكام جزء من فهم الواقعة، وكما يقول علماء المنطق فإن ((الحكم على الشئ فرع من تصوره)) ومن ثم إضفاء الشرعية عليها أو إبطالها ؛ فالذي يهمنا في البحث هو الانطلاق من التصور الإسلامي بمبادئه وقيمه، فليست القضية مجرد إنجازات علمية، وإيجاد حلول لحالات عقم محدودة، ولكنها في الإسلام قضية إيجاد الانسجام والتناسق بين متطلبات البحث العلمي، وبين المبادئ والقيم الثابتة التي يقوم عليها التشريع الإسلامي .
فمن مقاصد الشريعة ((حفظ النسل))، الذي لأجله شرع الله النكاح، وحرّم السفاح، وأقر الولد ثمرة الزواج الصحيح[1]؛ فالنكاح هو الوسيلة التي توجد النسل، والأسرة هي التي تحفظ النسل وتتعهده بالتربية كما سيأتي .
ومن مقاصد الشارع كذلك قوله تعالي : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى :49،50) . فقد شاءت إرادة العلي القدير أن يكون البعض عقيمًا ، فهل محاولة علاج العقم مخالفة لإرادة الشارع ومقاصده؟
هذا السؤال وغيره من الأسئلة سيتم معالجتها ضمن فقرات هذا البحث بإذن الله تعالى .
المبحث الأول
وسائل إنجاب النسل المستمدة من الهندسة التناسلية
المطلب الأول: التلقيح الاصطناعي؛ ماهيته وطرقه.
أولا: ماهية التلقيح الاصطناعي:
التلقيح الاصطناعي هو التلقيح داخل وخارج الرحم، بغير الطريق الطبيعي، حيث أريد بتعبير التلقيح الاصطناعي ((كل طريقة أو صورة يتم فيها التلقيح والإنجاب بغير الاتصال الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة، أي بغير عملية الجماع))[2].
والإنجاب قد يقع داخله أو خارجه حسب أنواع التلقيح، فمنه الداخلي، ومنه الخارجي، ولمجمل النوعين سبع صور بحثها الفقهاء في المجامع الفقهية، وفي الأبحاث الفردية، بعد أن ثبتت صلاحيتها لإنجاب نسل منها؛ حيث بينوا الصور الجائزة منها، والصورة المحرمة تحريما أبديًّا، والصور المختلف فيها. وهي ما سيتم تفصيلها.
ثانيًا: طرق التلقيح الاصطناعي الداخلي:
– الأسلوب الأول: ويتمثل في حقن النطفة الذكرية من رجل متزوج في مهبل أو رحم زوجته ، لتلتقي بالبويضة، فتتلقح، ويلجأ لهذه الطريقة عندما يعجز الزوج عن إيصال مائه للزوجة.
– الأسلوب الثاني: أما الأسلوب الثاني فهو أن تؤخذ النطفة من رجل غريب وتحقن في الموقع المناسب لزوجة رجل آخر ، لتلقح البويضة، ويلجأ لهذه الطريقة عندما يكون الزوج عقيمًا لا ماء له.
ثالثًا: طرق التلقيح الاصطناعي الخارجي:
– الأسلوب الثالث: تؤخذ فيه نطفة من زوج وبويضة من مبيض الزوجة، وتلقحا في وعاء الاختبار، وبعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر، تنقل في الوقت المناسب إلى رحم الزوجة لتنمو طبيعيًّا مدة الحمل، وهذا هو ((طفل الأنبوب))؛ حيث يلجأ إلى هذا الأسلوب عندما تكون الزوجة عقيمًا بسبب انسدد قناة فالوب التي تصل بين المبيض والرحم.
– الأسلوب الرابع: وفيه يتم تلقيح بويضة امرأة غير متزوجة بنطفة رجل أجنبي عنها في وعاء اختبار ؛ لتزرع في رحم زوجة الرجل، حيث يلجأ لهذه الطريقة عندما يكون مبيض الزوجة معطلاً غير قادر علي إنتاج البويضات.
– الأسلوب الخامس: يتم فيه تلقيح نطفة رجل، وبويضة امرأة (أجنبيان عن بعضهما) ، لا تربطهما صلة زواج، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة ، بغية حصولها علي ولد؛ ويتم اللجوء إلى هذه الطريقة لأن المرأة وزوجها عقيمان.
– الأسلوب السادس: يتم فيه إجراء تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها، ويلجأ لهذه الطريقة عندما يكون رحم المرأة مريضًا؛ لكن مبيضها سليم.
– الأسلوب السابع: وهو الأسلوب السادس نفسه، غير أن المتطوعة بالحمل تكون زوجة ثانية للزوج . وهذا من اقتراح الدكتور مصطفى الزرقا[3] عليه رحمة الله.
وهذه الأساليب هي آخر ما توصل إليه البحث العلمي في معالجة العقم[4] ، حيث كافح الأطباء العقم الذي سببه انسداد قناة ((فالوب)) باللجوء إلي طريقة ((طفل الأنبوب)) ، ثم جاءت فكرة أخرى نتيجة للأولى، وهي وضع البويضة الملقحة في رحم امرأة متبرعة بدل الأنبوب، حيث المناخ أفضل، والشروط متوفرة، والولادة تكون أيسر.
ملاحظات وتعقيب:
مما جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة (23 – 30 ربيع الآخر 1400هـ) الدورة الثالثة، القرار الخامس ((حول التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب)) :
– إن حاجة المرأة المتزوجة التى لا تحمل وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضًا مشروعًا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الصناعي .
– إن الأسلوب الأول هو أسلوب جائز شرعًا بالشروط العامة[5]، وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل .
– إن الأسلوب الثالث هو أسلوب مقبول مبدئيًّا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تمامًا من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات، فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى[6].. وكذلك الأمر بالنسبة للأسلوب السابع.
– وأما الأساليب الأخرى من أساليب التلقيح الصناعي في الطريقين الداخلي والخارجي مما سبق بيانه فجميعها محرمة في الشرع الإسلامي، فإن منها ما يدخل في معنى نكاح الاستبضاع، كما في الأسلوبين الرابع والسادس، ومنها ما هو شبيه بالتبني، كما في الأسلوبين الثاني والخامس؛ لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين. وهكذا أقر مجمع الفقه الإسلامي إباحة ثلاثة أساليب من الناحية العملية؛ مع تأكيده على الاحتياط؛ لئلا تختلط الأنساب.
ولقد تعددت مؤتمرات مجمع الفقه الإسلامي لمناقشة مسائل التلقيح الاصطناعي (بين 1400هـ / 1407هـ)، غير أنه في كل مرة لا توضح ماهية (الضرورة القصوي) فالضرورة تقدر بقدرها!
وهل تعتبر الضرورة القصوى في مقابل التكاليف الباهظة لإنجاب طفل واحد بهذه الطرق؟ فكما تثبت أبحاث الأطباء في هذا الشأن، فإن تكاليف استيلاد طفل واحد بطرق التلقيح الاصطناعي، رغم بساطتها، تصل إلى آلاف الدولارات، ونسب النجاح مترددة بين 10% إلى 15%[7] ، لصعوبات تساير التجربة، ناهيك عما يمر به الزوجان خلال فترة التجارب من حالة نفسية صعبة تصل في النهاية إلى توقيف هذه التجربة، والرضا بقضاء الله وقدره لقوله تعالى: { وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}[8] . فهذا الدكتور (Di Gregoruo) – مدير المركز الجـــــــــراحي المختص بطريقة [9] ICSI)) لمساعدة الزوجين اللذين عجزا عن الإنجاب بسبب ضعف المكونات المنوية للرجل، في مدينة Torino بإيطاليا – يقول واصفا ما يصاحب هذه العملية: ((من الناحية الطبية لا تنتج عنها أدنى مشكلة.. لكن الأكثر تعقيدًا هو الحالة النفسية التى تواكب المرأة طيلة فترة الإعداد والتى تدوم أسبوعين نراقب خلالها يوميًّا دم المرأة ونفحصه .. وتزداد هذه الحالة تعقدا لأننا نحشر أنفسنا في خفايا المياه السرية للأشخاص))[10] .
المطلب الثاني: نتائج التلقيح الاصطناعي:
يصاحب الإجراء العملي لتجارب التلقيح الاصطناعي مجموعة من التبعات الغامضة حينًا، والسيئة حينًا آخر ، حيث ينتج عن كل تجربة ما يأتي:
أولاً: غموض في مصير البويضات الملقحة الفائضة (الأجنة):
في حال إجراء تجارب أطفال الأنابيب (الأسلوب الثالث) ، فإن الطبيب يلجأ إلى إعطاء المرأة أدوية وعقارات مثل ((الكلوميد Clomide)) ، لتزيد من إفراز البويضات فيأخذ الطبيب عدة بويضات ويلقحها، ويزرع عددًا منها في اليوم الثالث إلى الخامس في رحم المرأة. ولذا كثرت ولادة التوائم في أطفال الأنابيب، وتحسبًا للفشل فإن الطبيب يحتفظ بمجموعة من البويضات الملقحة مثلجة ومجمدة فإذا فشلت المحاولة الأولى أعاد الكرة، وإذا نجحت المحاولة فما مصير الأجنة المجمدة؟[11].
هل يُتبرع بها للعقيمين؟ أم يجب التأكد من إتلافها إثر كل تجربة حال نجاح الحمل أمام ناظري الزوجين؛ لئلا تعطى لآخرين ، أو تكون حقلا للتجارب في حال رفض الزوجين لذلك؟
1- التبرع بها:
وهو الذي يحدث في الواقع الآن، حيث أكد أطباء مسلمون ممن اشتغلوا في مراكز غربية أن الاستفادة منها تكون لأزواج آخرين . فهذا الدكتور نجم عبد الله عبد الواحد يؤكد ذلك بقوله: ((بدأت بعض الفرق العلمية الطبية وخاصة الفريق الذي كنت أعمل فيه في لندن إلى نقل البويضات الزائدة إلى نساء أخريات هن بطبيعتهن عقيمات ولا يمكن لهن الإنجاب بسبب عجز المبايض عندهن))[12] ، وحتى بداية سنة 1985م كان ما لا يقل عن ربع مليون طفل ولدوا نتيجة التلقيح الصناعي بغير ماء آبائهم[13] . وهذا مما لا يختلف عن نكاح الاستبضاع المحرم في الإسلام.
2- إجراء التجارب عليها:
حيث يستعملها الأطباء في إجراء التجارب عليها، لأغراض علمية من مثل معرفة التكوينات المبكرة في النطفة الأمشاج وما بعدها من مراحل جنينية أولى، وفي بحثهم حول الإمكانات المستقبلية المتوقعة لثمرات هذا الإنجاز العلمي وفوائده لتحسين النسل في الأسر ليكون النسل أصح وأقوى بنية وصفات ومميزات[14] ، كما ((يستفاد بها للعلاج في نقل الأعضاء منها، فإن استخدام هذه الأجنة في زراعة الأعضاء يشكل فتحًا جديدًا في عالم الطب))[15] . فقد يستفاد بها مثلاً في حالة المواليد الذين يعانون نقصًا شديدًا في المناعة، فإذا ما زرعت في أجسامهم الأنسجة المأخوذة من أجنة عمرها شهران أو ثلاثة أشهر (من حالات الإجهاض التلقائي)، فإن هذا العمل يمدهم بفرصة للشفاء[16].
وفي حال السماح بذلك، سيطرح السؤال: إلى أي وقت يسمح بهذه التجارب؟ هل إلى اليوم الرابع عشر؟ أين تكون البداية الأولى لتكون الجهاز العصبي، بظهور الميزان العصبي Neural Groove ؟ أم نرجئه إلى حدود الأربعين حيث تكون النطفة الأمشاج قد تخلقت كائنًا حيًّا؟ حيث يؤكد أحد الأطباء أنه بالإمكان رؤية قلب الجنين يخفق على جهاز السونار وهو ينبض وفيه حياة بين 40- 42 يومًا من الحمل[17] . أم يسمح بإجراء هذه التجارب لمدة أطول تنتهي ببداية نفخ الروح؟
ثانيًا: بنوك الحيوانات المنوية:
انتشرت هذه البنوك بصورة واسعة في المجتمعات الغربية، بغرض مساعدة النساء اللواتي يعاني أزواجهن من فقر في الحيوانات المنوية، حيث يتبرع بعض الرجال بحيواناتهم المنوية مقابل مبالغ مالية معينة، رجاء حصول بعض السيدات على نسل منهم؛ ولأن المسألة فيها دخول طرف ثالث في عمليات التلقيح الاصطناعي فهي محرمة في الشريعة الإسلامية ؛ ولذلك فإن فكرة وجود مثل هذه البنوك لا أساس لها في المجتمعات الإسلامية.
ثالثًا: استئجار الأرحام:
هذه المسألة مثل سابقتها (بنوك المني) لا مكان لها في المجتمع المسلم، كما سنرى لاحقًا. والغرب ناقش فكرة استئجار الأرحام، وبدا لهم أنها وسيلة لإيجاد أطفال ((من نوع جديد لا هم يتامي ولا هم لقطاء، وقد يعترف بهم الوالد ولا تعترف بهم الأم))[18]. فهذا الغرب نفسه يعترف أن النسل الذي وجد بهذه الطريقة مجهول الهوية.
رابعًا: إجهاض الأجنة الأنثوية:
بعد أن أمكن تلقيح البويضات خارج الرحم بماء الرجل، استطاع العلماء إلى حد ما فصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية في ماء الرجل، ليتسع المجال للتحكم في جنس الجنين، للذين يرغبون في ذلك. ومن نتائج هذه العملية بدأت تعود ظاهرة ((الوأد الخفي)) المتمثلة في قتل الأجنة الأنثوية، الأمر الذي حظي بتأييد بعض الحكومات الغربية؛ حيث صرحت وزيرة الصحة الهولندية (( ألن بورست)) بتأييدها رغبة الوالدين في إنجاب الأولاد واحتفاظهم على هذا الأساس بحق إسقاط الأجنة الأنثوية[19].
المطلب الثالث: القواعد الضابطة للتلقيح الاصطناعي ومحاذيره:
لما كان التلقيح الاصطناعي من الأمور المستجدة في واقعنا؛ فإننا سنحتكم إلى القواعد المقاصدية والأصولية والفقهية، في غياب نص صريح في المسألة ، وهذا حال النوازل والحوادث، فإن تأصيلها التشريعي يرجع في المقام الأول لمقاصد الشارع[20]. علي اعتبار أن التلقيح الاصطناعي وسيلة مستحدثة لإيجاد النسل، فإن الأساليب الثلاثة من التلقيح الاصطناعي التي أباحها الفقهاء تعد وسائل مرسلة لم يأت فيها نص، وتأتي إباحتها استنباطًا من النصوص التي تجيز التداوي والمعالجة عموما، بشرط عدم مناقضة أي مقصد من مقاصد الشارع الحكيم.
القاعدة الأولى: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة[21]:
الزواج واجب في حق العامة؛ مندوب في حق الفرد الواحد على الأرجح، والنسل يأتي تبعًا بعد الزواج، فمن حصل عنده نسل فهو المبتغي، ومن انعدم عنده فهذه إرادة الله تبارك وتعالى.
فالتداوي ومعالجة مشكلة العقم عند النساء أو الرجال ((تستدعي تيسيرًا أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود))[22] وهو الإنجاب، وهو وإن كان لا يرتفع إلى مرتبة الضروري في حق كافة الخلق، بأن لا تجبر كل النساء وكل الرجال على علاج العقم، إلا أنه في حق المرأة الواحدة أو الرجل الواحد ضرورة، فهذا نبي الله زكريا يدعو ربه أن يهبه ولدًا في قوله تعالى : {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِين} (الأنبياء: 89) . ((فالحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر))[23].
القاعدة الثانية: من الوسائل ما تكون الحاجة إليه حاجة ضرورية، ومنها ما تكون الحاجة إليه حاجة نافعة[24]:
يعد التلقيح الاصطناعي في صوره الجائزة من الحاجات النافعة، لا الضرورية، خلافًا للزواج فهو في حق العامة ضرورة ، وأصل لإيجاد النسل. أما التلقيح الاصطناعي فأمر تبعي حال العقم لا أصلي.
كما أن النسل لا ينقطع بعقم بضعة نسوة؛ بل يتوقف أكثر بالعنوسة المتفشية في المجتمع، ويتوقف باتساع نطاق استعمال الإجهاض، ((حينما نعلم أن الإحصاءات تشير إلى أنه يقتل يوميًا في بريطانيا (500) طفل من كاملي الأعضاء، بسبب الإجهاض بالمستشفيات أو العيادات الخاصة))[25] ، ويتوقف بالتعقيم الدائم الجبري الذي تقوم به حكومات بعض الدول مثل (الهند، ومصر )[26] . كـذا الأمر في الصين[27].
فالتلقيح الاصطناعي تبعًا لهذه القاعدة لا يصل إلى مرتبة الوسيلة الضرورية، بل هو وسيلة حاجية، فالعلاج في حق العقيمين حاجي نافع في تكثير سواد المسلمين، لتتحقق مباهاة الرسول j بهم الأمم. كما جاء في حديثه j: ((تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة))[28].
القاعدة الثالثة: حديث المصطفى j ((الولد للفراش))[29]:
والحديث يرجع معناه إلى اعتبار كل ولادة تحصل في ظل عقد الزواج بين امرأة ورجل يلحق نسب المولود بالزوج، إلا إذا لاعن فلا انتساب حينئذ، وفي حال وفاة الزوج فإن الولد ينسب للزوج المتوفى إذا ولد لأقصي مدة الحمل.
وظاهر الاستدلال على تجويز بعض صور التلقيح الاصطناعي راجع إلى هذا المعنى، كما في الأسلوبين الأول والثالث؛ أي يتم تلقيح بويضة الزوجة بماء الزوج، فالتلقيح وإن تم خارج الجسم وبغير الطريق الطبيعي المعروف عادة؛ فإنه تم في ظل عقد الزوجية .
القواعد الضابطة لمحاذير التلقيح الاصطناعي:
في الوقت الذي نؤصل للتلقيح الاصطناعي بالقواعد الثلاث الأولى، بعَدِّهِ وسيلة مرسلة مشروعة في إيجاد النسل، إلى جنب الوسيلة المباشرة والمتعينة نصًّا والمتمثلة في الزواج، فإن دراسة هذه الوسيلة في ضوء الخصائص والضوابط العامة للوسائل يكون مهمًّا في التأصيل التشريعي ((للتلقيح الاصطناعي))، وفي الاحتكام إليها، خوفًا من تغلب محاذيره على إيجابياته المرجوة، ومن هذه القواعد:
القاعدة الأولى : كل ما كان مكملاً ومقويًّا لمقصود شرعي فهو مقصود تبعا[30]:
مقصود الشارع من حفظ النسل إيجاد نسل لا شك في نسبه. كما تؤكده القاعدة الثالثة في قوله j : ((الولد للفراش)) ، حيث إن ((الإنجاب من الوقاع الطبيعي بين الزوجين أمر مضمون العاقبة وسليم النتيجة لصحة النسب، بخلاف التلقيح الاصطناعي، فمهما عمل له من الاحتياطات فإن الشكوك تكتنفه وتحوم حوله ))[31]، فالحقيقة ، أن العلماء والأطباء أنفسهم يشككون في مسألة التيقن من عدم اختلاط البويضات والنطف، ومن ثم اختلاط الأنساب، ((فكلنا يعلم ما يجري في معامل التحليل (دم وبول إلى آخره) من أخطاء شنيعة مهما بلغت شناعتها فإنها لا تبلغ شناعة اختلاط البويضات الملقحة))[32].
فهل مجرد الاحتمال يدعو لأخذ الحيطة والحذر في سلوك طريق التلقيح الاصطناعي؟ لأن حفظ النسب مقصد تبعي إلى جنب المقصد الأصلي؛ ((فحفظ النسل معرض للخطر إذا ضيع حفظ النسب ))[33]، والقاعدة المقاصدية تقول ((إنه ينبغي المحافظة على الحاجي وعلى التحسيني للضروري))[34]، حتى لا يضيع الولد، ويسقط حقه في الحضانة، ولا يُتعهد به على أحسن وجه؛ فإن ((الشك في انتساب النسل إلى أصله يزيل من الأصل الميل الجبلي الباعث عن الذب عنه والقيام عليه ))[35].
القاعدة الثانية: النظر في مآلات الأفعال معتبرٌ مقصودٌ شرعًا[36]:
تكثر محاذير التلقيح الاصطناعي في الغرب بخاصة، حيث تنتشر بنوك الحيوانات المنوية، ووكالات استئجار الأرحام، ناهيك عن المصير الغامض والمجهول للبويضات الملقحة والفائضة، وكذلك اتجاه بعض الأزواج لترجي الأطباء أن يخصبوا لهم جنينًا معين الجنس، حسب رغبتهما في الولد أو البنت، هذه المحاذير التي يمكن تجاوزها في مراكز التلقيح الإسلامية في وجود الوازع الديني عند العاملين، وفهم للمقاصد العامة للشريعة التى تحكم عمليات الإخصاب الخارجي كحفظ النسل بحفظ نسبه، وحفظ عرض الزوجين.
ففي وجود هذه الأخلاقيات إلى جنب الآداب العامة التي يلتزم بها كل طبيب يمكن تجاوز هذه المحاذير؛ حيث لا وجود لبنوك حيوانات منوية في إطار تحريم دخول طرف ثالث بين الزوجين، ولا وجود لوكالات استئجار الأرحام، ولا لإجهاض الأجنة غير المرغوب فيها.
غير أنه يبقى محذور واحد، هو مصير البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة، فعند التأكد من حمل المرأة يجب التأكد من إتلاف هذه البويضات الزائدة كما ينصح بذلك الأطباء المسلمون الذين عملوا في مراكز غربية ورأوا ما يُعمل بها. وألا يسمح للأطباء بإجراء التجارب الطبية عليها، في حال جواز إجراء التجارب علي الأجنة: فمن باب أولى أن تجري التجارب على بويضات مخصبة بدلاً من إجرائها على أجنة أجهضت تلقائيًّا وتعدت مرحلة نفخ الروح؛ أو أجهضت عمدًا لأجل إجراء التجارب عليها والاستفادة منها .
وفي حال استئجار رحم الضرة أو تبرعها بالحمل بدلاً عن الضرة العقيم، كما يحلو للبعض تسميتها من باب الملاطفة، في هذه المسألة رغم أنه لا تثار قضية نسب الولد، فهو منسوب للأب، لكن المشكلة في من التي تعد أمًّا حقيقية، والتي تعد أمًّا رضاعية. وما مآل هذه القضية في حال جوازها؟ لأن من الفقهاء من منعها وذهب للقول بحرمتها، ومن هؤلاء الدكتور هاشم جميل عبد الله[37]، والشيخ علي الطنطاوي[38] عليه رحمة الله ، والشيخ عبد العزيز بن باز [39]رحمه الله، والشيخ رجب التميمي[40] ، والدكتور يوسف القرضاوي[41] على الأرجح، والأستاذ محمد عطا السيد[42]، والشيخ الصديق الضرير[43].
في حين يتجه علماء آخرون[44] لإباحة هذه الصورة، إلا أنهم – وفي الوقت نفسه – انقسموا إلى فريقين بسبب خلافهم في أي المرأتين تكون أمًّا حقيقية للوليد؛ فيتجه فريق إلى القول بأن الأم الحقيقية هي التي حملت استنادًا للآيات العديدة في هذا المجال من مثل قـوله تعالي: {لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} (البقرة : 233) ، وقوله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّــــهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } (الأحقاف: 15) ، وقوله تعالي أيضا : {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} (لقمان: 14) ، وغيرها، أخذًا بظاهر النص ، وعليه فالولد ابن التى حملته وولدته، ويأخذ كل أحكام الولد بالنسبة لأمه، والأم بالنسبة لولدها من حيث الميراث وأحكام المصاهرة.
وفي المقابل فإن الفريق الثاني يرجح كفة الأم صاحبة البويضة، حيث يثبت الطب أن المورثات تحتويها البويضة لا الرحم، والرحم ما هو إلا كالثدي، فحكم المرأة التى حملت كحكم الأم من الرضاع، والاتجاه إلى الأخذ بأحد هذين القولين يؤول إلى إثارة جدل دائم بين الزوجتين (صاحبة البويضة، والمتبرعة بالحمل) ، هذا الجدل الذي لن ينتهي بفتوى العلماء[45]، فالمسألة نفسها تثير كثيرًا من المصاعب عند محاولة تطبيقها واقعًا، فقد تشيع توترًا في حياة المولود قبل أن تُثار مسألة الميراث وغيرها من المسائل المفترضة . والقاعدة الأصولية تقول (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)[46].
أليس من باب أولى أن الزوجة العقيم ترضى بقضاء الله وقدره؟ وتتجه واقعًا لرعاية أولاد زوجها من ضرتها بدل أن تطلب منها أن تحمل بدلاً عنها، وفي النهاية لا تعتبر أمًّا حقيقية على رأي غالبية الفقهاء؛ رغم أن واقع الحال ينافي ذلك، في كون المورثات توجد في البويضة، إضافة إلى أن هذه الفتوى تناقض أصل المسألة في رغبة صاحبة البويضة أن يكون لها ابنًا، أما إذا أفتى غالبية الفقهاء بعدّها أمًّا رضاعية، فسيعتبر عملها كله من البداية إلى النهاية هدر لا فائدة من ورائه سوى عدّها من المحرمات من الرضاع، وهو ما لم تطلبه؛ بل طلبت ولدًا! .
فظاهر المسألة في الختام أنها لا توصل إلى نتيجة ؛ فهي بالرغم من الإمكان العلمي وتجويز الفقهاء لها، فإنها تعارض مقدماتها الأولى (رغبة صاحبة البويضة في إنجاب ولد ينسب إليها) ؟! فالمآل الذي تنتهي إليه مسألة استئجار الضرة لتكون ظئرا ينقض أصل المسألة، وإذا كان الحال كذلك فإن الوسيلة (استئجار رحم الضرة) تنقض مقصد (صاحبة البويضة) فإن الوسيلة تسقط ولا تعتبر.
هذه المسألة (استئجار الأرحام) من مستجدات التلقيح الصناعي في الغرب، أسلمها فقهاؤنا بإباحتها افتراضًا أن المتبرعة بالرحم هي ضرّة الراغبة في الولد؛ احــتياطًا لعــدم اخـتلاط الأنساب[47]، وحقيقة هذه المسألة أنه بعد إباحة الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية والمتمثل في قبولهم لزواج المثليين، وقبول المجتمع للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الذي أصبح تقليدًا قديمًا، لاينساب العصر الحالي بزعمهم؛ فإن غياب مفهومي الزواج والأسرة أمر غير طارئ على المجتمع الغربي، ومن ثم فإن قبول فكرة استئجار أرحام لا تثير أدني حرج إذا سبقه اتفاق بين الأطراف المشتركة في العملية، مقابل مبلغ مالي محدد؛ وهو ما يتنافى ومفهوم ((الأمومة)) ، والمقاييس التي يحتكم إليها، حيث أُريد بمفهوم ((الأمومة)) هنا، أي في الغرب، إحدى الوظائف والمهن التي تتقنها المرأة، فوظيفة ((الأم)) مثلها مثل وظيفة الإدارية، والمضيفة، والنادل في المطعم، والمدرسة وغيرها .
المطلب الرابع : موازنة بين القواعد:
بين القواعد التي تبيح عمليات التلقيح الاصطناعي في صور معينة، وبين القواعد التي يرجع أصلها لضوابط وخصائص الوسائل، والتي تتوقف عن إبداء الرأي، بين هذا وذاك تدافع بين الإباحة والتوقف ، فإلى أيهما المصير: التوقف أم الإباحة العامة؟ وأيهما يحقق مقاصد أكثر؟ أم نذهب إلى القول ختامًا كما ختم مجلس الفقه الإسلامي كل قراراته في هذه المسألة بقوله: ((هذا، ونظرًا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصور الجائزة شرعًا، ومن احتمال اختلاط النطف واللقائح في أوعية الاختبار .. فإن مجلس المجمع الفقهي ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجئوا إلى ممارسته إلا في الحالة القصوى ، وبمنتهى الاحتياط والحــذر من اخــتلاط النطف أو اللقائح))[48]. استنادًا للقاعدة المقاصدية (الاحتياط في جلب المصالح ودرء المفاسد)[49]. وكما يذكر الدكتور أحمد شوقي الفنجري فإن ((الفتوى بالتحريم والإباحة أمر خطير جدًّا))[50] .
كما تحكمنا في الموضوع القاعدة الفقهية (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)[51] ، حيث إن المعالجة والتداوي لغرض الإنجاب في حال عقم أحد الزوجين أو كليهما من الأمور المشروعة، وهو وسيلة أُريد بها إيجاد النسل، لكن إذا كان مآل هذا العلاج إيجاد نسل مشكوك في نسبه لأبويه (في الصور الجائزة للتلقيح الاصطناعي) ، وغموض يحوم حول مصير الأجنة المجمدة، وهو مما لا يمكن دفعه لغياب الالتزام الأدبي والأخلاقي في الأطباء أو مساعديهم بوجه عام، وفي هذا يكمن الضرر العام . فالأمر سيتعدى الزوجين ومشكلتهما المتمثلة في العقم، سيتعدي إلى مصير الذرية بعدهما. القول بالإباحة العامة قول يكتنفه كثير من الشبهات والشكوك. أليس من الأولى أن نتحمل ضررًا قليلاً ( عقم مجموعة من النسوة أو الرجال) مقابل عدم إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالنسل في صيانته من دخول الريبة في نسبه ، وجهل لمصير الأجنة الفائضة ، إلى الرضا بقضاء الله وقدره لقوله تعالى : {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} (الشورى:50).
المطلب الخامس : زرع الأعضاء التناسلية :
أفتى الفقهاء حديثًا[52] بجواز زرع ونقل الأعضاء من الإنسان لنفسه، أو من ميت لحي بإذنه قبل الوفاة أو إذن ورثته، أو من حي لحي، بقصد الاستفادة من العضو المزروع للمنقول إليه في معالجته ومداواته، غير أنه بقيت بعض الأسئلة مطروحة على الفقهاء للنظر في مدى جوازها ، ومن هذه الأسئلة :
1- هل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية؟ بالنسبة للمرأة التى تلفت مبايضها، هل يجوز لها أن تتبرع برحمها الذي لا فائدة منه، وتعطيه لامرأة أخرى مبايضها سليمة ورحمها تالف؟ بالنظر إلى أن الأعضاء التناسلية وسائل مباشرة لإيجاد النسل، فإذا انعدمت انعدم النسل. فهي الوسيلة في حفظ النسل إيجادًا .
2- وهل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية (القضيب) مثلا من الميِّت وزرعه في المجبوب؟
3- وهل يجوز نقل الخصيتين أو المبيضين من الميت أو من الحي وزرعه في شخص آخر؟[53]
إذا كانت عمليات نقل وزراعة الأعضاء من إنسان إلى آخر لا تثير أية مشاكل طبية أو شرعية إذا روعيت شروطها وضوابطها ؛ فإنها مع الأعضاء التناسلية تثير الكثير من القضايا الأخلاقية ناهيك عن الشرعية؛ فمن المعروف أن لكل عضو وظائفه الفسيولوجية، وأن وظائف المبيض والخصيتين مما يتعلق بإيجاد النسل، الذي ينتسب لصاحبة البويضة وصاحب الحيوان المنوي، فهل في نقل المبيض أو الخصية تعدٍ على حرمة النسب، في إيجاد ولد ينتسب لصاحبة البويضة أو صاحب الخصية اللذين أخذ منهما صفات التكوين الوراثي؟ وهل الحال كذلك مع غرس القضيب ؟
يذهب الدكتور محمد عبد الجواد محمد إلى أن ((هذا النوع من العمليات التعويضية التى تؤدي إلى تعويض عضو عما فقده من وظائفه، يعتبر علاجًا ناجحًا، وفيه مصالح واضحة، وقد يكون واجبًا إجراؤه وليس جائزًا فقط . ومنه عملية غرس القضيب إذا أدت إلى استعادته القدرة على أداء وظائفه، والتمكن من المباشرة الجنسية لزوجته؛ لأن في ذلك أكثر من فائدة .. فإنها تؤدي إلى الحمل والولادة، وهذا أمر دعا إليه الرسول j)[54]. فزرع هذا العضو في حقيقته لا يؤدى إلى خطر أو احتمال اختلاط الأنساب، بل إنه وسيلة قطعية ومباشرة في الإخصاب وإيجاد النسل، فإجراء مثل هذا الزرع من شأنه أن يؤدي إلى تلقيح بويضات المرأة ووقوع حمل، وإيجاد نسل وهو ما دعا إليه الشارع الحكيم .
غير أن الأمر مع غرس الخصية والمبيض يختلف جذريًّا ، إذ ((الخصيتان في الذكر والمبيضان في الأنثى هي الغدد التناسلية في الإنسان. وتعتبر كمصانع لإنتاج الخلايا التناسلية. فالخصية مصنع إنتاج الحيوانات المنوية إضافة إلى إفراز هرمونات الذكورة، كما أن المبيض مصنع لإنتاج البويضات، إضافة إلى إفراز هرمونات الأنوثة))[55].
وعمليات زرع المبايض من الأمور التى ظهرت في الغرب في محاولة لإيجاد طرق لمعالجة العقم عند النساء فاقدات المبايض، بسبب إجراء تعقيم جراحي، أو جفاف مبايض المرأة لكبر سنها. ((فيأتي الإغراء من قبل الأطباء المعالجين بأن ينقلوا لهذه المرأة بويضة من امرأة أخرى . أو يعرضوا عليها نقل مبايض بأكملها من امرأة أخرى بحجة أن المبايض سوف تحصل على غذائها من صلب المرأة العقيم، وطبعًا هذا باطل شرعًا وحرام ))[56]، لأن المبيض – كما يوضح الطبيب محمد وصفي – ((تنتشر فيه حويصلات صغيرة بأحجام مختلفة أصغرها يقع بجانب حافة المبيض، ويليها الأكبر في الحجم، ولكنها كلما كبرت اتجهت نحو الحافة ثانيًا. وهذه الحويصلات الصغيرة هي حويصلات ((جراف)) ولكل منها غلاف خارجي غني بالأوعية الدموية … وتحتوي كل حويصلة على بويضة أو بويضتين أو أكثر …))[57] ، كما أن مبيض المرأة عند ولادتها يحتوي على ((ما يقرب من 400000)) حويصلة أولية ((يتحول منها إلى حويصلات جراف ناضجة ما يقرب من 400 فقط خلال فترة الخصوبة الجنسية عند المرأة))[58].
وخلاصة الأمر أن الأطباء يؤكدون أن البويضات في المبيض توجد مع ولادة المرأة ، ويبقى أمر إخصابها هاجعًا حتي يحين وقت البلوغ، فالبويضات بويضات المرأة صاحبة المبيض .
كذا الأمر في زرع الخصية لرجل عقيم، فإن الحيوانات المنوية في الحقيقة ترجــع للمتبرع . وهنا تبدو الحرمة بيّنة لا شك في دخول طرف ثالث بين الزوجين، فالأمر سواء في التبرع ببويضة أو تبرع بمبيض، أو تبرع بحيوان منوي أو بخصية مصنع الحيوانات المنوية .
ويوضح الدكتور أيمن صافي أنه يمكن التعرف على الغدد التناسلية إن كانت خصية أو مبيضًا في الأسبوع الثامن من حياة الجنين . كما أن النطاف موجودة منذ بدء تطور الخصية، إلا أنها تكون موجودة (عالقة) بجدار القنيــات المنوية (الأقنية هي المسالك الناقلة للنطاف وتقابلها عند الإناث قنوات فالوب) بشكل خلايا أصلية ينشأ منها النطاف طوال العمر الجنسي، إلا أن الخصية تكون خامدة هاجعة حتى سن البلوغ حيث يصلها المنبه من الغدة النخامية ؛ لتنتبه الخـــلايا الأصلية وتبــدأ بالانقسام[59]… وفي الشهر الرابع من عمر الجنين تصبح الخصية قادرة على إفراز هرمون الذكورة، ومعنى هذا أنه يمكن الاستفادة من غرس الخصية لبالغ فاقد خصيته، وقد دلت الوقائع الطبية على صحة ذلك، حيث أفاد غرس خصية جنين في بالغ إفراز الهرمونات الذكرية دون إنتاج نطاف .
فالاستفادة من غرس الخصية لا يتأتى منها إلا استعادة الصفات الذكرية عن طريق إفراز الهرمونات الذكرية[60]، ولا يكون لها أي دور يذكر في معالجة حالات العقم التي يسببها العجز عن إنتاج الحيوانات المنوية. وإن حدث وأن نجح العلماء في زرع خصية بحبالها المنوية، فمن الأكيد أنها ستتلقي الأوامر من الغدة النخامية لأجل تنشيط النطاف المصنعة بها في السابق، بحيث تكون النطاف تابعة للمتبرع، الأمر الذي له تأثير في الأنساب والمورثات عمومًا .
أما نقل وزرع الرحم – وهو وإن لم يحدث بعد – فلا يبدو أنه يحمل نفس المحاذير مثل سابقيه[61]، لأنه لا ينتج أية مكونات وراثية، ومن ثم لا غبار يشاع حول نسب الولد الناشئ في الرحم المزروع والمتبرع به؛ لأن الرحم المزروع بمثابة الثدي يطعم ويغذي، ويحافظ على الجنين من المؤثرات الخارجية، فهو مستودع للحفظ والتغذية[62]، وهذا رأي غالبية الأطباء، وقد أجرى عام 1972 نقل رحم وملحقاته من أم إلى ابنتها ولم يحدث حمل، وظل الرحم سليمًا، ولم ترفضه أنسجة الابنة[63]. ومما جاء عن الفقهاء في هذه المسألة بحث د/ نعيم ياسين الذي اشترط عند زرع الرحم ((أن يكون المتبرع امرأة تلفت مبايضها بصورة نهائية، ولا فائدة ترجى لها من رحمها فتتبرع به. وأن يُطمأن إلى براءة الرحم من أية منويات أو بييضات قديمة ))[64].
وفي هذا المقام تطرح مجموعة من الأسئلة : إذا قيل أن الرحم بمثابة الثدي في التغذية على رأي الأطباء ، فهل للمرأة التى نزع منها الرحم الأحكام الفقهية نفسها التى للأم الرضاعية؟ أم أن الرحم المزروع لا يؤخذ إلا من ميتة وبالتالي لا مشاكل تثار؟ وغيرها من الأسئلة التى تثار وتبحث عن حكم شرعي في مدى جواز هذه المسألة من عدمه .
المبحث الثاني: وسائل إنجاب النسل المستمدة من الهندسة الوراثية :
المطلب الأول: ماهية الهندسة الوراثية.
من فروع البيولوجيا (علم الأحياء)؛ علم الأجنة ، والهندسة الوراثية . ففي علم الأجنة ظهر التلقيح الاصطناعي بنوعيه الداخلي الخارجي، والاستنساخ الحيوي، أي أن هذا الفرع يبحث في حياة الأجنة ومراحل تكوينها .
أما الهندسة الوراثية فهي مجموعة التجارب العلمية علي المورثات في الكائن الحي، مثل تجارب التحكم في المورثات، وإعادة تركيب الحمض النووي DNA [65]، مما يؤثر في الصفات الوراثية للجنين، وقبل ذلك فمثل هذه التجارب ستقع على الجنين . فهل يجوز هذا الفعل بإجراء التجارب على كائن حي؟ وهل تعتبر مثل هذه التجارب تدخلاً في إرادة الله وشئون الخلق؟ وما هي الأطر الشرعية التي يجب أن تسير عليها الأبحاث العلمية؟ وكيف توجه هذه الأبحاث حتى تخضع للمقاصد العامة للشريعة؟ فلا نواجه مآزق أخلاقية تعود بالضرر على المجتمع عمومًا، ومؤسسة ((الأسرة والزواج)) خصوصًا. هذه الأسئلة هي محور المناقشة في هذا المبحث في ضوء القواعد والضوابط الأصولية المقاصدية .
فمن المعطيات العلمية: في تقنيات التلقيح الاصطناعي الداخلي والخارجي، ومن نجاح تلقيح البويضة بالحيوان المنوي خارج الرحم ، أمكن ملاحظة ومتابعة التطورات التى تساير البويضة الملقحة في صيرورتها جنينًا؛ هذه التقنية أوحت للعلماء بما يلي:
1- فصل الحيوان المنوي المؤنث عن المذكر ، والتحكم في جنس الجنين .
2- ملاحظة تركيب الحمض النووي (DNA) عند التحام النواتين الأنثوية والذكرية، ومعرفة التركيبة الصحيحة الطبيعية له ؛ مما أمكن من معرفة مواطن الخلل والقصور التى تسبب بعضًا من الأمراض الوراثية، والتشوهات الجسدية، الأمر الذي جعل العلماء يحاولون إعادة التركيب الحمضي إلى طبيعته، بالاختبار الجيني؛ للحصول على جنين غير مشوه ولا مريض .
3- وبدل أن تبدأ النواة الأنثوية الذكرية في البويضة الملقحة بالانقسام، يتم نزع نواتها، واستبدالها بنواة خلية عادية بالغة متخصصة من الجسم نفسه، حيث تبدأ البويضة الملقحة بالانقسام العادي لتنتج في النهاية كائنًا شبيهًا بصاحب النواة المنقسمة، من دون تدخل حيوان مذكر في عملية التلقيح ومن ثمة الانقسام، وهذه العملية تعرف بـ ((الاستنساخ)) .
ومما ينبغي الإشارة إليه أن هذه التجارب تقام على الأجنة الحية . وهذا ما يقود إلى التساؤل عن مدى مشروعية هذا العمل؟
وفي سياق هذا البحث لا يهم كثيرًا الخوض في تفاصيل التجارب العلمية، بل إن مجال الدراسة يبحث في مآل الاستمرار فيها، بالموازنة بين فوائدها ومضارها ارتباطًا بمقاصد الشريعة عمومًا، ومقصد النسل خصوصًا؛ فالأمر يتعلق بإيجاد نسل من غير الطريق الطبيعي (الزواج) الذي شرع له في الشريعة الإسلامية أركان وشروط تحقق مقاصده على أتم وجه . ولذا فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه، فهذه التجارب ((التى حطمت المفهوم الراسخ عن العلاقات الجنسية كوسيلة وحيدة للإنجاب))[66]، هل يمكن أن تقوم مقام ((الزواج)) ، أم أنها مجرد وسائل مساعدة في تحقيق مقاصد الزواج الأصلية في إيجاد النسل الثابت النسب؟
المطلب الثاني : التحكم في جنس الجنين:
فتحت عمليات التلقيح الاصطناعي الخارجي الباب للأطباء سبيل اختيار جنس الجنين الذي يرغب فيه الآباء. فمن المعلوم أن الطب في السنوات الماضية أثبت أن النطفة الذكرية تحوي حيوانات مذكرة وأخرى أنثوية ، ومعنى هذا أن ماء الرجل هو الذي يحدد جنس الجنين ؛ لذلك يلجأ الأطباء في عمليات التلقيح الاصطناعي إلى فصل الحيوانات الذكرية عن الأنثوية، وذلك عند رغبة الزوجين في إنجاب جنس معين، وقد ((أمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة فصلاً غير تام، وذلك بناء على معرفة خصائص الحيوان المنوي المذكر التى تختلف عن الحيوان المنوي المؤنث.. في الكتلة والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة الرحم … والبقاء في سائل قاعدي .. ))[67] كما أوضح الدكتور البار أيضًا مجموعة من الطرق التى تؤدي إلى الفصل (غير التام) بين الحيوانات المنوية المذكرة والمؤنثة[68]. وهي وإن كانت عملية ناجحة في رفع نسبة الذكور إلى 70% بدلاً عن 53%؛ إلا أن نسبة النجاح في أحسن المعامل بلغت 55% ، ومعنى هذا أنهم لم يبلغوا مرحلة النجاح التام[69]؛ لأن الأمر ليس مجرد اختبار معملي، فلقد ثبت للأطباء بعد أن قاموا ((بفصل مني الرجل المؤنث وهو الذي يساعد على إنجاب الإناث، واستبقوا المذكر وهو الذي ينجب الذكور إذا اتحد مع البويضة فكانت أول المفاجأة وهي أنهم عندما قاموا بإعدام كل الحيوانات المنوية المنتجة للإناث واستبقاء المذكرة، لم يتم الإخصاب على الإطلاق ، فقاموا بتكرار العملية عن طريق إعدام الحيوانات المذكرة واستبقاء المؤنثة منها، فلم يتم الإخصاب أيضًا. واتضح أنه يجب أن تلقح بويضة المرأة بالحيوانات المنوية جميعها … لأن الاختبار أوضح أنه راجع إلى (مورثه) في التركيب الكروموزومي للخلية موجود في بويضة المرأة، وهذا المورث هـو الـــذي يجتذب النوع المتناسق معه))[70]. ومع كل جديد في الطب تبقي إرادة العلي القدير هي الحاكمة في التنوع الحيوي البشري بما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالي ، ناهيك لما لهذه العمليات من مفعول سيئ على الجنين في إصابته ببعض التشوهات والعيوب الخلقية، مما يؤدي إلى إجهاضه . ولذلك فإن الدكتور علي المحمدي – أستاذ الفقه وأصوله وعميد كلية الشريعة بقطر – اعتبر ((أن التحكم في جنس الجنين عن طريق التلقيح الصناعي حرام .. إذا كان يتخذ وسيلة للإبقاء على الجنين أو التخلص منه؛ فإن الأمر يعتبر حرامًا، وسدًّا للذريعة؛ فما يؤدي للحرام فهو حرام))[71]. أما أن يعتمد الأطباء هذه الطريقة لأجل اختبارهم أي جنس حامل للمرض الوراثي ، فهذه مسألة أخرى تأتي معالجتها في العنصر اللاحق بحول الله تعالى .
المطلب الثالث: الاستشارة الوراثية والاختبار الجيني:
تعرف الكثير من الأسر أمراضًا وراثية تنتشر بين ذريتها جيلاً بعد جيل، منها ما يصيب الذكور دون الإناث، ومنها ما يصيب الإناث فقط، وفي كلتا الحالتين يكون كل فرد في العائلة حاملاً لجين المرض سواء ظهر فيه مباشرة، أم سيظهر في أولاده مستقبلاً ؛ الأمر الذي يرجع على الأولاد بالسوء في رفض العائلات تزويج أبنائها وبناتها منهم خوفًا من إنجاب نسل حامل للمرض المدمر والقاتل، وهو ما يحكيه الواقع، وما عايشته بنفسي.
ومن أهم الأمراض الوراثية وأوسعها انتشارًا : ((مرض الكولسترول العائلي القاتل، مرض الخرف المبكر (الزهايمر) ، ومرض الشلل الرعاشي، والسكري، ومرض ((رقص هنتنكتون)) ، والضمور العقلي. أما التشوهات الخلقية الجسدية، فمنها العمي، والمنغولية))[72].
وفي العصر الحالي وبعدما اكتشف العلماء عام 1953م الصبغيات (الكروموسومات)، وهي التى تحمل المادة الوراثية على أجسام صغيرة تعرف بالجينات (المورثات)، حيث يحتوي تركيب كل صبغي على مادة أساسية هي الحمض النووي(DNA) ، هو المسئول عن نقل المادة الوراثية[73]، بعدما تم هذا الاكتشاف أمكن للعلماء دراسته وتحليل تركيبته؛ وأمكن التعرف على هوية كل مورثة فيه والوظيفة التى تؤديها في الصورة الطبيعية، وإذا حدث أن تحركت أي مورثة من مكانها، معنى هذا سيحدث خلل في وظيفتها المنوطة بها؛ ومن هنا تأتي دعوة العلماء الملحة للسماح لهم بإجراء اختبارات وراثية علي الأجنة في العائلات التى تنتشر عندها بعض الأمراض الوراثية، وذلك لملاحظة مواقع الشذوذ في الصبغيات ، وفي الحمض النووي، وتعديله على الصورة الصحيحة، لتصحيح العيب الحادث في تطور ((المورثة)) ؛ ومن ثم محاولة تخليص النسل من أي تشوه مستقبلي. فقد اكتشف العلماء الكثير من المورثات المسببة لبعض الأمراض ، مثلما ذكر باحثون بريطانيون بأنهم ((اكتشفوا وجود مورثة تسبب فقدان السمع الحاد الذي يصاب به واحد بين كل ألف طفل .. وقال الباحثان دافيد كيسلر وإيرين ليج بمستشفى سانت بارثولوميو في لندن : إنهما وجدا جينًا يتسبب بفقدان السمع الكامل ولا يؤدي لأي إصابات أخرى ))[74].
كما أن باحثين أمريكيين قد اخترعوا طريقة اختبارية جديدة لإيصال الأنسولين لمعالجة السكري، باستخدام مورثة أنسولين مزروعة[75]. أما الباحث المصري أحمد محمد جاب الله فقد تمكن من تحديد نسبة سرطان الثدي عن طريق تحليل الحامض النووي[76].
الموازنة بين مصالح ومفاسد الاستشارة الوراثية:
تظهر أهمية الاستشارة الوراثية في معرفة أسباب العديد من الأمراض، خاصة الوراثية منها، وعن طريق الاختبار يتمكن العلماء مستقبلا من التحكم في المورثات المريضة والمشوهة عند الأجنة خصوصًا، بدل أن تتجه الأم إلى إجراء تعقيم جراحي مؤقت أو دائم في محاولة منها لتوقيف إنجاب هذه الذرية المشوهة، أو تحاول إجهاضه متى علمت أنها حامل، أو تدع الجنين يكبر فتلده مشوهًا ثم تترجي الفقهاء والأطباء أن يسمحوا لها بقتل ابنها رأفة به، بما يسمى (قتل الرحمة)، أو ( حقنة الهواء المريحة)؟ فهذه مبررات تستباح لحفظ النسل أصالة ؛ من أجل عدم إنجاب نسل مشوه مريض ينقل مرضه من جيل إلى آخر ، فلا يندثر المرض إلا إذا اكتشف له علاج يقطع دابره. ولإصابة الغرض المنشود نحاول إجراء وعقد موازنة بين الاختيارات السابقة لنصل إلى أصلحها وأوفقها في جلب المصالح ودرء ما يُقدر على درئه من المفاسد. ففي الموازنة بين مصالح ومضار كل وسيلة يتضح أيها أسلم في إفضائها المباشر والقطعي لحفظ النسل، فأينما تترجح كفة المصالح وتندفع المضار فثم شرع الله .
فللموازنة بين التعقيم الدائم، والتعقيم المؤقت، وإجهاض الجنين، وقتل الرحمة، وأخيرًا الاستشارة الوراثية وإعادة تركيب الحمض النووي نجد:
1- فأما التعقيم الدائم فهو مما يدخل في محظور تحديد النسل، لأنه أحد أهم وسائل تحديد النسل . وهو ما نهي عنه الرسول j في نهيه عـن التبتل والإخصاء[77]، والبديل له هو التعقيم المؤقت الذي يمكن إزالته بزوال الضرر ؛ ((فإن تعقيم الإنسان محرم شرعًا إذا لم تدع إليه الضرورة، وذلك لما فيه من تعطيل الإنسال المؤدي إلى إهدار ضرورة المحافظة على النسل … أما إذا وجدت الضرورة ، كما إذا كان بالإنسان مرض عقلي أو جسدي أو نفسي، ينتقل إلى الذرية عن طريق الوراثة.. جاز أن يلجأ إلى التعقيم الموقوت الذي يمكن رفعه واستمرار الصلاحية للإنجاب متى زال المرض، عملاً بقاعدة (ما جاز لعذر بطل بزواله)[78].
وخلافًا لفتوى دار الإفتاء المصرية فإن الشيخ مصطفى السباعي أفتى بجواز التعقيم الدائم، إجابة على سؤال أحد الأطباء، وكان السؤال الذي وجه إليه كالآتي : ((ما رأيكم في جواز تعقيم الأشخاص المصابين بأمراض وراثية خطيرة ثبت انتقالها من السلف إلى الخلف، وذلك بإجراء عملية جراحية بسيطة؟))[79].
وكانت خلاصة رد الأستاذ بالجواز استنادًا إلى القواعد الشرعية التى تقضي بوجوب حصر الضرر مهما كان نوعه ومنع انتقاله والعمل على إزالته شريطة توفر الشروط الثلاثة الآتية : ((أن يكون انتقال هذه الأمراض إلى الورثة أمرًا محققًا أو غالبًا، وأن لا يكون هنالك أمل بشفاء المصاب بهذه الأمراض عن طريق المعالجة الطبية، وأن لا يكون هنالك وسيلة لمنع انتقال هذه الأمراض إلى الورثة إلا عن تعقيم الشخص المصاب))[80].
لكن الطبيب أحمد طه ناقل هذه الفتوى لا يرى صحة فتوى الأستاذ السباعي، ليس لخطأ فيما استند إليه، ولكن لأن السؤال أغفل كثيرًا من الجوانب الفنية في الأمراض الوراثية، وهي تخفى على من ليس له إلمام بعلم الوراثة، حيث إن ((الصفات الوراثية مرضية وغير مرضية، إما سائدة أو متنحية أو محمولة على أمشــاج الجنس (الذكورة أو الأنوثة)[81] … ويقرر الطبيب أخيرًا بطرح سؤال ((لم نعقمهم؟ والمعروف أن الذين يصابون بأمراض وراثية يموتون قبل أن يصلوا إلى سن الزواج، وإذا وصلوها قلما تساعدهم حالتهم الصحية على الإنجاب))[82].
مما سبق يتبين أنه بالموازنة بين التعقيم الدائم والمؤقت حال مرض أحد الزوجين بمرض ينتقل لأولادهما، وفي ظل حرمة الأول فإن التعقيم المؤقت هو الحل في هذه الحالة؛ لإمكانية إزالته جراحيًّا متى شاء الزوجان، واستطاع الأطباء الوصول لعلاج للأمراض الوراثية .
2- وأما إجهاض الجنين المشوه فإن المتفق عليه حرمة هذا الفعل بعد نفخ الروح في الجنين، وأما قبل نفخ الروح ففي المسألة تفصيلات بحسب نوع التشوه ودرجته مما يجب أن يحدده الأطباء ، ومنه يأتي تحديد نوع التشوه الذي يبيح الإجهاض. وفي هذا الأمر يؤكد الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق عليه رحمة الله أنه ((بهذا الاعتبار ومتى أخذ الجنين خصائص الإنسان وصار نفسًا من الأنفس التى حرم الله قتلها، حرم قتله بالإجهاض بأية وسيلة من الوسائل المؤدية إلى نزوله من بطن أمه ، .. فلم تكن العيوب التى تكتشف بالجنين مبررًا شرعيًّا لإجهاضه أيًا كانت درجة هذه العيوب ))[83] غير أن الأمر فيه تفصيل كما ذكرت ذلك سابقًا، حيث إن ((الإجهاض قبل استكمال الجنين مائة وعشرين يومًا رحميًّا يجوز عند الضرورة التى عبر عنها الفقهاء بالعذر .. والمعيار هنا أن يثبت علميًّا وواقعيًّا خطورة ما بالجنين من عيوب وراثية ، وأن هذه العيوب تدخل في النطاق المرضي الذي لا شفاء منه، وأنها تنتقل منه إلى الذرية .. أما العيوب الجسدية والتى من الممكن أن تتلاءم معها الحياة العادية ، فلا تعتبر عذرًا شرعيًّا مبيحًا للإجهاض))[84].
3- أما المسمى ((قتل الرحمة))[85] فمما استنكره الفقهاء المسلمون، فهو شبيه تمام الشبه بإجهاض الجنين مكتمل النمو، فبين المريض الميئوس من حياته، وبين الجنين حامل المرض القاتل شبه كبير، فكلاهما كائن حيّ ، له إنسانيته التى يجب أن تحترم، وليس للإنسان ((الحق في أن يموت متى شاء)) ، قياسًا على حقه الكامل في الحياة ، لأن الموت بيد الله ، يقضى به متى شاء . ولا يوجد فرق كذلك بين قتل الرحمة والقتل العمد فمن يقتل غيره رحمة به، وقد يدعى ذلك، يجب أن يعامل معاملة القاتل عمدًا))[86].
4- تبقى الموازنة بين الاستشارة الوراثية وما عداها .
تقدم أن المسمى ((قتل الرحمة )) مما استنكره الفقهاء، وأما التعقيم الدائم والإجهاض والتعقيم المؤقت ففيه تفصيلات ترجع لمبرر الفعل نفسه، ولدرجة الإعاقة أو التشوه في الجنين على وجه الأخص إذ أنه المبرر الذي لأجله أباح بعض الفقهاء المسائل الثلاثة الأخيرة في ((حالة الحمل بجنين مشوه لمرض وراثي))[87] ، فهل يمكن قياس جواز القيام بالاستشارة الوراثية على تجويز الفقهاء للتعقيم المؤقت لتنظيم النسل، للمبررات نفسها؟
فإذا كانت الإجابة نعم؛ فهل نسمح بإجراء هذا الاختبار على كل زوجين، أليس هذا من الترف الطبي؟ أم الأفضل أن يسمح بها للراغبين في الزواج، ليتنبأ لهم الأطباء مقدمًا بأن هناك احتمالاً كبيرًا لإصابة أولادهما مستقبلاً ببعض التشوهات أو الأمراض الوراثية؟
وكيف سنُعمل القاعـــدة المقاصدية (الاحتياط في جلب المصالح ودرء المفاسد)؟ ثم كيف يمكن للاستشارة الوراثية أن تعالج الأمراض الوراثية في حال اكتشاف أن بعض الأجنة مريضة؟ وهل لهذا الاختبار، وهذا النصح مفاسد من حيث تعريض المستشيرين وطالبي النصح للإحباط، حيث لا علاج سوى التنبؤ بمرض قادم؟
أليس من الأولى أن يسمح به في العائلات التى تنتشر بها أمراض وراثية فقط لما لهذه الاستشارة من فوائد جمة في العائلات حاملة المرض؛ لمعرفة أسبابه، ومحاولة الكشف عن الطرق الكفيلة بعلاجه في المقارنة بين تركيب الحمض النووي السليم، وتركيب الحمض النووي المريض، ((وتسهيل الزرع الانتقائي لمضغة أثبتت سلامتها من المرض))[88]، ولا يترك الأمر على إطلاقه احتياطًا، استنادًا للقاعدة المقاصدية (بحسب عظم المفسدة يكون الاتساع والتشدد في سدّ ذريعتها)[89].
ويذكر أن من الإيجابيات العامة للتجارب القائمة على الحمض النووي، ما يظهر في عمليات زرع ونقل الأعضاء الحيوانية للإنسان عن طريق حقن الحمض النووي (DNA) ومواد جينية بشرية داخل بويضات حيوانية، حيث يتم ارتباط المورثة البشرية بالحمض النووي للحيوان، لنضمن إنتاج جيل حيواني كامل لديه أعضاء تصلح زراعتها بالإنسان ، ولا يرفضها ، حيث يدعو الأطباء للاستعانة بالحيوانات في الوقت الذي يشكو فيه المرضى من قلة المتبرعين بأعضائهم.
وفي هذا المجال حاول البعض ((الخلط بين برنامج وراثي لإنسان وبرنامج لأنواع من البكتريا، لعلهم يصلون إلى اكتشاف أنواع من الدواء أو الإنزيمات التى يمكن أن تفيد البشرية))[90].
وفي المقابل ظهرت دعوات بعض الأطباء إلى عدم إباحة هذه الاستشارة وهذا الاختبار؛ لما له من سلبيات على الجنين نفسه حين الاختبار، مما يؤدي إلى إصابته ببعض التشوهات. كما يؤكد البعض الآخر من الأطباء أن الجنين إذا كان به شـــــذوذ صبـــــغي (كروموزومي) فإنه سيسقط من تلقاء نفسه، أي يحدث له إجهاض تلقائي، فلا فائدة ترجى من هذا الاختبار، إضافة إلى أنه ((سيسمح باختيار جنس الجنين، وهكذا يكون وسيلة مستحدثة في طب الرفاهية))[91].
كما أن ((نظرية المورثات)) أصبحت تحتل مكان ((نظريات فرويد)) في تفسير الظواهر الطبية والنفسية. وهنا سيطرح سؤال مهم : (( هل يستحق المدمن والمجرم الشفقة باعتبارهما ضحايا المورثات؟ بعد أن أشارت البحوث أن الإدمان مثلا مجرد نتيجة لتأثير أحد المورثات الموجودة في الحمض النووي، وليس نتيجة ضعف الإرادة البشرية كما هو سائد الآن ))[92].
وحقيقة الاستشارة الوراثية أنها تطرح مجموعة من التساؤلات الأخلاقية في مقابل مجموع المصالح المفترضة له، والتى لم تتحقق إلا جوانب منها .
المطلب الرابع: الاستنساخ الحيوي:
الاستنساخ الحيوي معناه محاولات العلماء للتوصل لإيجاد نسل للكائنات الحية، من دون حاجة لوجود الحيوان المنوي المذكر أو البويضة الأنثوية عند التلقيح ؛ أي أن يتم الإنجاب عن طريق ما يعرف عند بعض الكائنات ((التكاثر العذري))[93] ، أو((التكاثر اللاجنسي))[94] ، حيث يتم إلغاء دور الحيوان المنوي والبويضة . وأول ما ظهرت هذه التجارب ظهرت في النباتات، وبتمام نجاحها انتقلت التجارب إلى الحيوان، وتم تحقيق أول نجاح على مستوى الحيوان مع التجربة على النعجة ((دوللي)) في بريطانيا عام 1997م.
وخلاصة استنساخ النعجة ((دوللي)) أنه: ((أخذت خلية جسدية من ضرع نعجة حامل، ولمنع انقسام هذه الخلية قام العلماء بتجويعها ( أي تجويع الخلية) لمدة أسبوع ، واستجابة لمنع كافة المغذيات عنها، أصبحت بحالة خمول، وكانت بمثابة سبات عميق، وأخذت منها النواة التى تحـتوى على الصبغيات (الكروموزومات) الكاملة، ثم زرعوا هذه النواة الساكنة في بويضة غير مخصبة، وإبعاد نواتها، وباستعمال ذبذبات كهربائية مخفضة دفعت البويضة لتقبل النواة الجديدة، مع أنها لم تكن نواتها الأصلية … وأصبحت البويضة بمثابة بيئة لتنمية الجنين. وبذلك تقبلت البويضة النواة الجديدة بكل ما تحتويه من أحماض أمينية DNA ، وبدأ الجنين بالتكوين، حيث أتى مطابقًا تمامًا للنعجة التى أخذت الخلية الجسدية من ضرعها))[95] ، فتأتي النتيجة إنجاب جنين لا أب له، بتركيب وراثي مماثل للأم .
لكن ينبغي الإشارة إلى أن تجارب الاستنساخ ليست تجارب حديثة، فمن قبل تركزت جهود الباحثين على استنساخ الأحياء عن طريق استخدام الخلايا الأولية في المرحلة الجنينية قبل التخصص، وكانت النتيجة التى توصلوا إليها تكاثر المادة الوراثية للخلية الأولية المستنسخة مكونة جنينًا تخصصت خلاياه. فانحصرت تجارب الاستنساخ في المرحلة الجينية الأولى، ولحيوانات مختلفة، قبل أن تبدأ الخلايا العامة في التخصص . لكن مع النعجة ((دوللي)) كان الأمر مختلفًا جدًّا، حيث كان الجديد في البحث هو رجوع نواة خلية الضرع لمرحلتها الجنينية، وبدئها الانقسام بكامل مورثاتها، وكأنها لم تكن خلية متخصصة، فأصبحت تتصرف كخلية أولية، وإن كانت العملية تبدو سهلة بدائية، إلا أنها في الحقيقة كلّفت الفريق الاسكتلندي ملايين الدولارات (92 مليون دولار) ناهيك عن (277) محاولة في زرع الاجنة، والتى عاش منها (29) جنينا مدة ستة أيام فقط، فلم يكتمل نمو أي منهــا حتى الــولادة سوى ((دوللي))[96]!
وكما يبدو فإن التقنية الجديدة سهلة وغير مركبة، ويمكن اختصار محاولات النجاح إلى أقل عدد ممكن في المستقبل بعمل الباحثين الحثيث؛ لكن التجربة لن تبقى مجرد إنجاز علمي بحت، بل تتعدى ذلك إلى النذير بوجود خطر قادم يحوم حول الهندسة التناسلية في إلغاء دور الحيوان المذكر، ومن ثم إلغاء دور الرجل في المستقبل القريب ( في حال نجاح التجربة على الإنسان) ، فهي نذير شؤم على البناء الأسري ، وتهديد مؤسسة ((الزواج)) بسقوطها، وانهيار مفاهيم ((الزوج))، و ((الزوجة)) ، و((الأسرة)) و((الأمومة)) ، و((الأبوة)) إلى غير ذلك من المفاهيم الحيوية التى تعد اللبنات الأساس في بناء المجتمع .
فبإلغاء دور الرجل في إيجاد النسل، سوف يلغى دوره وتنعدم فائدة وجوده إلى جنب المرأة القادرة وحدها على إيجاد الأولاد. فلا فائدة من إقامة مؤسسة ((الزواج)) بعدما أمكن فصل مفهوم ((الجنس)) عن مفهوم ((الإنجاب)) وخاصة في ظل الإباحية، وإباحة ((الشذوذ الجنسي)) ، و((الزواج المثلى)) الذي سيكون أتباعه من أشهر مناصري فكرة ((الاستنساخ البشري)) . ناهيك عن إمكانية إنشاء مصانع خاصة لتوليد أطفال حسب الطلب وبمميزات خارقة للعادة، مما يؤدي إلى تكوين جيل يفتقد في الحقيقة كل معاني الإنسانية .
الإيجابيات المفترضة للاستنساخ:
الحديث عن إيجابيات أي إنجاز علمي دائمًا يكون في مقدمة الحديث عن الإنجاز نفسه ، ولذا فإن فوائد ((الاستنساخ)) التى يرجو العلماء الوصول إليها كثيرة – حسب رأيهم- ومن أهمها :
– إنهاء مشكلة العقم بلا رجعة لدى النساء والرجال، حيث هنالك بعض الرجال الذين لا توجد لديهم حيوانات منوية، فيمكن أخذ بويضة من الزوجة وإفراغها من النواة وتنشيطها، بعد ذلك تحقن بنواة مستخلصة من خلية جسدية من الزوج، وبهذه الطريقة سيكون الجنين ذكرًا وحاملاً للصفات الوراثية للأب فقط[97].
– فهم كثير من أساسيات الحياة، حيث يقدم الاستنساخ فهمًا عميقًا لمعضلات كثيرة مثل توقف انقسام خلايا المخ والنخاع الشوكي وعضلات القلب عند مرحلة بعينها من النمو .
ومن قبيل عودة الخلية السرطانية في أي عضو من الأعضاء إلى المرحلة الجنينة، وانخراطها في الانقسام العاصف على نحو غير منضبط .
– التخلص من الأمراض والعاهات الوراثية والعيوب الخلقية، بانتقاء الخلايا السليمة وإتاحة الفرصة لها بالتكاثر .
– حماية أنواع كثيرة من الحيوانات من الانقراض .
– إنتاج الأعضاء البديلة ، والأدوية التى يحتاجها الإنسان في أجساد الحيوانات[98]؛ حيث يتطلع الأطباء إلى إمكانية التحكم في بعض صفات الحيوانات ، بحيث يتم تخليق حيوانات فيها أعضاء لا يرفضها الجسم البشري عندما تنتقل إليه[99].
المطلب الخامس: آراء الفقهاء في الاستنساخ البشري:
لم يتردد العلماء والفقهاء المسلمون في الإدلاء برأيهم، وبيان موقفهم من قضية ((الاستنساخ البشري)) ، حيث تباينت آراؤهم بين محرم ، ومجيز بشروط، وبين متوقف عن إعطاء حكم على طريقة مدرسة الحديث؛ حتى تتبين صحة مزاعم الاستنساخ البشري.
فهذا الشيخ ابن باز رحمه الله في رده على سؤال لـ ((المسلمون)) ، حول موقف المسلم من مستجدات هذا العصر، كما هو الحال مع الاستنساخ، يقول: ((أما الاستنساخ فهو باطل لا أساس له ، بل باطل ولا يجوز استعماله))[100] ، مع العلم أن الشيخ رحمه الله وهو رئيس مجمع الفقه الإسلامي قد توقف عن إبداء رأيه في التلقيح الاصطناعي، في صوره الجائزة والتى أباحها العلماء للضرورة القصوى .
واعتبر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، رئيس لجنة البحث العلمي بجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، أن ((الاستنساخ ليس خلقًا جديدًا، وإنما هو تدخل في عمل الخالق سبحانه وتعالى، وهو نوع من الإفساد.. في إيجــاد بشر بلا هوية دون أب أو أم))[101].
أما الشيخ نصر فريد واصل – مفتى مصر – فقد قال عن حكم الاستنساخ البشري: ((نظرًا لأن الاستنساخ من الناحية العلمية لم يقع بعد، ولم يظهر إلى حيز الوجود فكان مقتضى الحال أن لا نبحث عن حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، ولأن الحكم الشرعي دائمًا يتعلق بأفعال المكلفين المحسوسة.. وهنا يجب أن ننتظر بيان الحكم الشرعي أو الفقهي حتى تخرج التجربة إلى حيز الوجود، ونتأكد من نجاحها.. وعن حكم استنساخ الإنسان بطريقة إدماج خلية بشرية عادية من جسمه مع بويضة لإعطاء جنين فمن الناحية الشرعية لا يصح أن يكون الإنسان محلاً للتجارب العلمية … فمن المخاطر الشرعية أهمها التغيير في منهج الخلق والتكوين الجيني الوراثي..[102].
بينما يتجه علماء آخرون إلى إجازته إذا كان وفق الضوابط الشرعية؛ فهذا القاضي برئاسة محاكم الأحساء بالسعودية – ناصر بن زيد داود يرى جواز الاستنساخ بشروط خمسة هي:
1- أن تكون البويضة من الزوجة.
2- أن تكون الخلية مأخوذة من الزوج، فلا يجوز التلقيح بخلية من غيره، ولو من الزوجة نفسها .
3- أن يكون التلقيح حال بقاء الزوجة في عصمة زوجها .
4- أن يكون التلقيح والحقن في رحم الزوجة حال حياة الزوج.
5- أن يكــــون الاستنساخ علاجا لا يمـــكن للـزوجين الإنجاب بغير طريقه[103].
أما د/ رأفت عثمان – أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر – فيرى أنه يمكن أن يتم الاستنساخ من زوج، إذا كان لا ينجب، وليس لديه أولاد، والضرورة تدعوه إلى ذلك، ولكن في هذه الحالة تظهر أمامنا قضيتان.. الأولى: أن الوليد في هذه الحالة لن يحمل صفات الوالدين، ولكن صفات الأب فقط، فهل يكون ذلك ممنوعًا في الشرع؟ … وهل هذا النوع من العمليات الجديدة يدخل تحت مجال تغيير خلق الله ، ومن ثم يأخذ حكم الحرمة؟[104].
تعقيب استفهامي:
إن تناول هذا الموضوع يهدف في الحقيقة في جانب منه إلى استثارة الأسئلة ليجيب عنها الباحثون وأهل العلم أكثر من الادعاء بأن الباحثة قادرة على الإجابة عنها . ولذا فإن السؤال الجوهري – بعد استعراض مختلف جوانب الموضوع – هو عن المبررات التى تسمح بإجراء التجارب على الإنسان. فما هي المبررات التى تسمح بإجراء التجارب على الإنسان، والمس بكرامته، وقبل ذلك بإنسانيته؟
إن الأسئلة المطروحة سابقًا مهمة بحيث تجدر الإجابة عليها؛ لتظهر الصفة الشرعية ((للاستنساخ البشري))، أضف إلى ذلك : أيه فائدة ترجى منه؟ هل مشكلة العقم عند الرجال والنساء؟ هذا غير معقول، وغير صحيح ، فهو مجانب للصواب ؛ لأن المستنسخ سيكون إما صورة طبق الأصل للأب أو الأم، وهو في كلتا الحالتين خروج عن طبيعة الإنجاب الحيوي بصفة عامة، ناهيك عن طبيعة الإخصاب البشري.وحتى لو لم يكن الاستنساخ خلقًا، فإنه تغيير لصورة الخلق الطبيعي، ففيه من المفاسد ما سيثار ويتسع القول فيه، سيتسع الحديث عن ((طبيعة الخلق)) ، وعدم جدوى الزواج، فالمرأة أو الرجل باستطاعتهما الحصول على الذرية بهذه الطريقة، خاصة في ظل ((الإباحية الجنسية)) ، وانتشار ((الأسر أحادية الأصل)) ، فيكون للولد أبوين، أو أمين ، أو الأسر التى تقوم على أحد الوالدين فقط، إما الأب أو الأم ، ناهيك عما للمسألة من أثر هدام في القضاء على القاعدة والسنة الإلهية في ((الزوجية والتزاوج))[105]. أليس ((الاستنساخ)) وسيلة هادمة ومناقضة تمامًا للمقصد الذي تنشده، فإذا ما أريد بالاستنساخ إيجاد النسل، فإنه في الوقت نفسه ينقض كلية ((النسل)) من جانب الإبقاء والاستدامة، من خلال القضاء على الأسرة محضن النسل. ألا تعادل المفاسد الناجمة عن مثل هذه القضايا المصالح المرجو تحقيقها؟ أم أن الموضوع يحكمه جانب البحث العلمي البحت دون النظر في المآلات؟
* دكتوراه في الفقه وأصوله قسم الفقه وأصوله ، كلية علوم الوحي والعلوم الإنسانية الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، (مارس 2002).
[1] جاد الحق، جاد الحق على: بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة ، الطبعة الأولى، (الأزهر الشريف : الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية، 1994م) ، ج2 / ملزمة 24 / ص369 .
[2] أورد هذا التعريف الدكتور عبد الرحمن البسام في بحثه المقدم للدورة الثانية لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد عام 1407هـ / 1986م. انظر: البسام، عبد الرحمن: ((أطفال الأنابيب)) ، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، عدد 2/ ج1/ ص 235- 368.
[3] انظر: القرار الخامس لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي (23 – 30 ربيع الآخر – 1400 هـ) ، ص 138 ؛ البار ، التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب ، ص 269 – 307 ، بحث مقدم لمؤتمر المجمع الفقهي الإسلامي، (28 ربيع الآخر 1405 / 1985)، وغيرها من قرارات تابعة للقرار الخامس السابق. انظر : مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، الدورة الثانية، عدد 2/ج1/ 1986.
[4] من أجل تفاصيل أكثر في طرق معالجة العقم انظر: زايد، فهيم (استشاري الأمراض النسائية والتوليد) : ((التلقيح الصناعي والمجهري كيف نفرق بينهما؟)) ، العالم الإسلامي، العدد 1651، 22 – 28 / مايو 2000، ص9.
[5] تتمثل الشروط العامة في : (((1) أن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحًا لهذا الانكشاف، (2) أن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها، أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها إزعاجًا ، يعتبر ذلك غرضًا مشروعًا يبيح لها الانكشاف علي غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة ، (3) كلما كان انكشاف المرأة علي غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحًا لغرض مشروع، يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب، ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى )) . انظر : مجلة المجمع الفقهي الإسلامي ، عدد 3، ج1، 1407هـ / 1986، ص 335 .
[6] رابطة العالم الإسلامي، قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي دورته الاولي لعام 1398هـ، ومن دورته الدورة الثامنة 1405هـ ، ط4، (مكة المكرمة : رابطة العالم الإسلامي، 1411هـ) ، ص 141 .
[7] ويرى الطبيب : فهيم زايد: ((أن نسبة النجاح في المرة الواحدة قد تصل إلى 15 – 20% وإذا تكررت هذه المحاولات تكون نسبة النجاح مجتمعة 50 – 60% حسب الحالة )) . انظر : زايد، التلقيح الصناعي والمجهري كيف نفرق بينهما؟،ص9.
[8] ما نطق به لسان حال سيدات عايشن فشل التجربة معهن، واتفاقهن في النهاية على عدم معايشة التجربة ثانية، حصة تلفزيونية من حلقتين أذاعتها قناة MBC في شهر 10/ 1997.
[9] والمقصود بها طريقة ((التلقيح المجهري)) أي يتم الإخصاب خارج الجسم مع تلقيح مجهري للبويضة، وهي عملية إدخال حيوان منوي واحد مباشر داخل سيتوبلازم البويضة، بخلاف الطريقة الاعتيادية آلاف الحيوانات المنوية حول البويضة، انظر: زايد، التلقيح الصناعي والمجهري كيف نفرق بينهما؟ ، ص 9.
[10] في حوار مع جريدة ((المسلمون)) . انظر : المضواحي، عمر: ((وكالات لتأجير الأرحام وشتل الأجنة)) المسلمون ، السنة 13، عدد 634 ، الجمعة 19 ذو القعدة 1417 هـ / 28 مارس 1997م ، ص 7.
[11] البار، ((التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب)) ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 2/ ج1/ص 269؛ أبو زيد بكر بن عبد الله: ((طرق الإنجاب في الطب الحديث وحكمها الشرعي)) ، بحث مقدم للدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي ، المنعقد بالأردن، 8/ 2/= =1407هـ، المجمع، عدد 3/ ج1/ 1408هـ – 1987م ، ص 429 – 458؛ العريان، عصام: ((ضوابط التلقيح خارج الرحم)) ، المجتمع، العدد 1142/ 21 – 3 – 1995، ص 59؛ البار، أخلاقيات التلقيح الاصطناعي نظرة إلى الجذور، الطبعة الأولي ، (جدة: الدار السعودية للنشر، 1987م) ، ص 97؛ عبد الله، هاشم جميل: ((زراعة الأجنة في ضوء الشريعة الإسلامية)) ، الرسالة الإسلامية، (العراق: وزارة الأوقاف والشئون الدينية)) ، العدد 232، السنة 22، ربيع الأول 1410هـ / تشرين الأول 1989، ص 91 – 112.
[12] عبد الواحد، نجم عبد الله : نظرة الإسلام حول طبيعة الجنس والتناسل، (الكويت: مطابع المنار) ، ص 84 .
[13] أورد هذا الدكتور علي البار منسوبا إلى مجلة (News Week) بتاريخ 17 / 2 / 1985م. أنظر: البار، أطفال الأنابيب، ص 271.
[14] نقل هذا القول عن الشيخ الزرقا . انظر: البسام، ((أطفال الأنابيب))، ص 249.
[15] البار، محمد علي: ((القضايا الأخلاقية الناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجاب)) ، بحث مقدم للدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي، المنعقد بالأردن ، 8/ 2/ 1407هـ ، مجلة المجتمع، عدد 3/ ج1 / 1408هـ – 1987م ، ص 461 – 468.
[16] السقا، السيد سلامة: ((زرع الأجنة إلي أين)) ، منار الإسلام، العدد 10/ السنة 9، يوليو 1984 ، ص 34- 43.
[17] الطبيب: عبد المالك أمين، انظر : جمعية العلوم الطبية الإسلامية : قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، ط1، (عمان: دار البشير، 1415هـ / 1995م) ، مج1/ ص 246.
[18] نقل هذا الدكتور عبد الرحمن البسام عن تقرير اللجنة الفرنسية حول موضوع أطفال الأنابيب. انظر : البسام، ((أطفال الأنابيب))، ص247.
[19] إسماعيل، فراج: ((عودة وأد البنات))، المسلمون ، العدد 629، السنة 13، شوال 1417هـ / 21 فبراير 1997م ص 11.
[20] يقول ابن عاشور في هذا المقام: ((غرضنا من علم مقاصد الشريعة أن نعرف كثيرًا من صور المصالح المختلفة الأنواع المعروف قصد الشريعة إياها، حتى يحصل لنا من تلك المعرفة يقين بصور كلية من أنواع هاته المصالح، فمتى حلت الحوادث التي لم يسبق حلولها في زمن الشارع ولا لها نظائر ذات أحكام متلقاه منه عرفنا كيف ندخلها تحت تلك الصور الكلية، فنثبت لها من الأحكام أمثال ما ثبت لكلياتها ، ونطمئن بأننا في ذلك مثبتون أحكاما شرعية إسلامية)) أ. هـ . انظر: ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، الطبعة الثالثة، (تونس: الدار التونسية للتوزيع والنشر، 1988م) ، ص 83 .
[21] القاعدة 31 من القواعد الفقهية . انظر :الزرقا، أحمد: شرح القواعد الفقهية، ط4، (دمشق: دار القلم، 1996) ، ص209.
[22] الزرقا، شرح القواعد الفقهية ، ص 209.
[23] الجويني، أبو المعالي، الغياثي، تحقيق: عبد العظيم الديب، الطبعة الأولي ، (قطر : وزارة الشئون الدينية) ، ص 478، عبدو، محمد: الفكر المقاصدي عند الإمام الغزالي، رسالة ماجستير غير منشورة ، (الرباط: حامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة الدراسات الإسلامية ، 1995 / 1996م)، القاعدة رقم 22، ص 207.
[24] عبدو، الفكر المقاصدي عند الإمام الغزالي، القاعدة رقم 51 ، ص 209 .
[25] الجمل، هاني : ((الجمعية الطبية الإسلامية في بريطانيا)) ، منار الإسلام ، السنة 21، العدد 9، 21- 1- 1996، ص 87- 92.
[26] القول بالتعقيم في هذه الدول للطبيب: محمد على البار. انظر: جمعية العلوم الطبية الإسلامية، قضايا طبية معاصرة، مج1/ص 31.
[27] أركين: توختر أخون: ((الصين.. سياسة تحديد النسل هدفها الحد من تعداد المسلمين)) ، المستقبل الإسلامي، العدد 77، رمضان 1418هـ / 1998م، ص 18- 19 .
[28] ابن العربي، أبو بكر : القبس في شرح موطأ مالك، الطبعة الأولي، (ييروت: دار الغرب الإسلامي، 1989م )، ج2/ ص 678.
[29] أخرجه البخاري، كتاب الفرائض ، باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة، رقم : 6749، انظر : ابن حجر، فتح الباري ، تصحيح : محب الدين الخطيب، (لاهور : دار نشر الكتب الإسلامية ، 1981م) ج12/ ص 32 .
[30] الشاطبي، أبو إسحاق: الموافقات ، (بيروت: دار المعرفة) ، ج2/ ص 397 ؛ الريسوني، أحمد : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الطبعة الثانية، (الرياض: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1412هـ/ 1992م) القاعدة رقم 52، ص 323. وقد ذكرها الريسوني منسوبة إلى الإمام الشاطبي عندما استخرج المقاصد التي ذكرها الإمام الشاطبي .
[31] البسام، ((أطفال الأنابيب))، ص 241 .
[32] عبد الباسط، بدر المتولي: ((طفل الأنابيب)) ، الوعي الإسلامي، عدد 238، شوال 1404هـ/ 1984، ص 62 – 65 .
[33] قادري، عبدالله أحمد : الإسلام وضرورات الحياة، الطبعة الثانية، ، (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1990) ، ص 90.
[34] الشاطبي، الموافقات ، ج 2/ ص 16 .
[35] ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية ، ص 81.
[36] الشاطبي، الموافقات ، ج4/ ص 194 .
[37] هاشم جميل عبد الله، ((زراعة الأجنة في ضوء الشريعة الإسلامية)) ، ص 81.
[38] الطنطاوي ، علي: فتاوي علي الطنطاوي ، جمع: مجاهد ديرانية ، الطبعة الأولي ، (جدة : دار المنارة للنشر، 1991م) ، ص102.
[39] مع ملاحظة أن الشيخ ابن باز – رحمه الله – كان رئيس مجلس المجمع الفقهي، وكان متوقفًا في جميع الأحوال الثلاث (أنواع التلقيح الصناعي التي أباحها المجمع الفقهي) ، أما الأحوال الأربع الأخرى التى حرمها المجمع الفقهي فلا شك عنده في تحريمها . وقد ورد هذا في القرار الخامس حول (التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب) من قرارات المجمع الفقهي. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 2/ ج1/ 1986، ص 337 .
[40] التميمي، رجب: (( أطفال الأنابيب)) مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، عدد 2/ ج1 / 1986، ص 309 – 356 .
[41] القرضاوي ، يوسف : ((قضايا علمية تنتظر أحكامها الشرعية)) ، العربي ، العدد 262، مارس 1978، ص 44- 49؛ انظر أيضًا/ البار، أخلاقيات التلقيح الاصطناعي ، ص 148.
[42] مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، عدد3/ 1987م ، ج1/ ص 490 .
[43] المصدر نفسه، ج1، ص 499 .
[44] وهم غالبية أعضاء مجمع الفقه الإسلامي، ومنهم الأستاذ الزرقا – رحمه الله – والأستاذ أحمد محمد جمال، والشيخ محمد علي تسخيري، وغيرهم من أعضاء مجلس المجمع عدا الشيخ ابن الباز – رحمه الله – انظر: مجلة المجمع، عدد 2/ ج1 / 1986، ص 361 – 378 ؛ أيضًا: العدد 3/ ج1/ 1987 ، ص 482 – 497 . يضاف لهم الدكتور زكريا البري، والشيخ محمود المكادي، والشيخ بدر المتولي عبد الباسط، انظر : جمعية العلوم الطبية الإسلامية، قضايا طبية معاصرة ، مج 1/ ص 17 – 24 .
[45] انظر مناقشة الموضوع عند : الخطيب، يحي عبد الرحمن: أحكام المرأة الحامل، ط1، (الأردن : دار النفائس، 1997م) ص 144 وما بعدها ؛ عارف، عارف علي: ((الأم البديلة أو الرحم المستأجر ؛ رؤية إسلامية)) ، إسلامية المعرفة، السنة 5، العدد 19، شتاء 1999، ص 85 – 118.
[46] القاعدة رقم 29 . انظر: الزرقا، شرح القواعد الفقهية ، ص 205 .
[47] مع ملاحظة أن مجلس المجمع الفقهي قرر في إحدى دوراته سحب حالة الجواز في هذه الحالة، لاحتمال حدوث حمل ثان للمتبرعة بالحمل. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، عدد 2/ ج1/ 1986، مرجع سابق، ص 324 .
[48] القرار الخامس للمجلس، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، عدد 2/ ج1/ 1986 ، ص 337.
[49] ابن عبد السلام، العز: قواعد الأحكام، ( مؤسسة الريان للطبعة والنشر والتوزيع، 1990م)، ج2/ ص 199 .
[50] الفنجري، أحمد شوقي : الطب الوقائي في الإسلام ، ط3، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991) ، ص 231 .
[51] القاعدة رقم 25 ، الزرقا، شرح القواعد الفقهية ، ص 197.
[52] قرار رقم (1) د 4/ 80/ 88، بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًّا أو ميتًا ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، الدورة الرابعة، 1408هـ / 1988م، ج1/ ص 507 ؛ انظر أيضا: فتوى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية رقم 132/ 79، والمتعلقة بإجازة نقل الأعضاء عامة. حسين ، علي : ((زراعة الأعضاء)) ، مجلة الكويت، العدد 164، ص 9؛ عبد الله، هاشم جميل: ((زراعة الأعضاء والتداوي بالمحرمات في ضوء الشريعة الإسلامية)) (2) ، الرسالة الإسلامية، السنة 21، العددان 207/ 208، أيلول 1987، ص 69 – 89 ؛ مربو، محمد نور الدين : آراء العلماء حول قضية نقل الأعضاء ، ط1 ، (دار الحقيقة للإعلام الدولي، 1995م) .
[53] انظر: الدورة الرابعة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، 11 – 2 – 1988، مجلة المجمع الفقهي، عدد 4/ ج1/ ، ص 116 .
[54] عبد الجواد، محمد : بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون في الطب الإسلامي ، (الإسكندرية : منشأة المعارف) ، ص 93.
[55] صافي ، محمد أيمن: ((انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًّا أو ميتًا)) ، بحث مقدم لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الرابعة، مجلة المجتمع ، عدد 4/ ج1، ص 119 – 145 .
[56] نجم عبد الله ، نظرة الإسلام حول طبيعة الجنس والتناسل، ص 85 .
[57] وصفى ، محمد : القرآن والطب، ط1، (بيروت : دار ابن حزم، 1995) ، ص 46 وما بعدها، انظر أيضًا: الفنجري، الطب الوقائي ، ص 232 .
[58] الطوبي، رشاد: خلق الإنسان من علق، (القاهرة : دار المعارف) ، ص 35.
[59] انظر تفصيلاً أكثر: وصفي (الطبيب) ، القرآن والطب، ص 33، 58 .
[60] صافي ، ((انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا)) ، ص 128 وما بعدها.
[61] البار، ((التلقيح الصناعي)) ، ص 296 وما بعدها ؛ البار، محمد علي : ((القضايا الأخلاقية الناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجاب)) ص 467، البار، محمد علي : ((زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية)) بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي ، 1990م ، العدد 6/ ج3/ ص 2023، الجميلي ، خالد رشيد: ((أحكام نقل الخصيتين والمبيضين)) ، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي 1990م، العدد 6/ ج3/ ص 1996.
[62] لتفصيل أكثر انظر: وصفي ، القرآن والطب، ص 43؛ عبد العزيز ، عبد الحميد محمد: الطب والإسلام ، عدد 97، مؤسسة أخبار اليوم ، أبريل 1990) ، ص 83.
[63] القصببي ، طلعت أحمد: ((إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأة)) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السادسة ، ع6/ج3/ 1410هـ – 1990م ، ص 1978 .
[64] ياسين، محمد نعيم، أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ، ط1، (الأردن : دار النفائس 1996م) ، ص 174.
[65] البقصمي ، ناهدة: الهندسة الوراثية والأخلاق، سلسلة عالم المعرفة، الكتاب رقم : 174، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1413هـ / 1993م) ، ص 83.
[66] عبد الجليل، عوض: ((الاستنساخ والهندسة الوراثية .. ثورة لها حدود)) المستقلة، السنة 5، العدد 174 ، الاثنين 7 جمادى الأول 1418هـ / 8 سبتمبر 1997 ، ص 11 .
[67] البار، التلقيح الصناعي، ص 293.
[68] نقل هذا الكلام الدكتور علي البار عن سعد حافظ في بحث بعنوان ((ذكر أم أنثي)) مقدم إلى المؤتمر الطبي السعودي الثامن المنعقد بالرياض، أكتوبر 1983، انظر : البار ، التلقيح الصناعي، ص 293.
[69] ذكرت هذا الأمر الدكتورة رجاء منصور مديرة مركز أطفال الأنابيب بالقاهرة في حوار معها. انظر : إسماعيل ، فراج: عودة وأد البنات، المسلمون العدد 629، السنة 13، الجمعة 14 شوال 1417هـ / 21 فبراير 1997م، ص 11؛ الطوبي، خلق الإنسان من علق، ص 49.
[70] أخصائي الأمراض النسائية والتوليد: زهير أبو فارس، في حوار معه. انظر : إسماعيل ، فراج: ((عودة وأد البنات)) ، ص 11.
[71] في حوار معه ضمن ملف ((عودة وأد البنات)) إسماعيل ، فراج: ((عودة وأد البنات)) ، ص 11.
[72] جلبي، خالص: (( هل يستنسخ البشر؟)) ، العربي ، العدد 463، يونيو 1997؛ عبد الجواد ، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون في الطب الإسلامي ، ص 49.
[73] الجميلي، السيد: الإعجاز الطبي في القرآن ، ( بيروت : دار ومكتبة الهلال، 1992م) ص 44.
[74] ((الملف الطبي))، المجلة، العدد 905، 21 – 6 – 1997 ، ص 7 وما بعدها .
[75] القبس، العدد 9691، 13 – 6 – 2000، ص 26 .
[76] ((الملف الطبي)) ، المجلة، العدد 905 ، 21 – 6 – 1997 ، ص 15 .
[77] عن سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول الله j علي عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. حديث رقم 5073 .
2- السابق نفسه . رقم 5074 .
3- عن قيس قال: ((قال عبد الله)) : كنا نغزو مع رسول الله j وليس لنا شيء ، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك … وقرأ علينا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . رقم : 5075. انظر : البخاري ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري ، ج9/ ص 117.
[78] الفتاوي الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، مج9 ، ص 3103 , وأما القاعدة التى استندت إليها الفتوي فهي قاعدة فقهية. انظر: الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص 189.القاعدة رقم 22.
[79] طه، أحمد: الطب الإسلامي ، (دار الاعتصام، 1986م) ، ص 159.
[80] طه، الطب الإسلامي ، ص 159.
[81] طه، الطب الإسلامي ، ص 160.
[82] طه، الطب الإسلامي ، ص 160.
[83] جاد الحق، الفتاوي الإسلامية ، مج 9/ص 3105 – 3107 .
[84] جاد الحق، الفتاوي الإسلامية ، مج 9/ص 3105 – 3107 ؛ جمعية العلوم الطبية الإسلامية، قضايا طبية معاصرة ، مج 1/ص 314؛ البار، محمد علي: الجنين المشوه والأمراض الوراثية، ط1، (جدة: دار المنارة / دمشق: دار القلم ، 1411هـ / 1991م) ، ص 372 وما بعدها – ص 432 وما بعدها ، عارف علي : (( الاختبار الجيني والوقاية من الأمراض الوراثية من منظور إسلامي)) ، التجديد، السنة 3، العدد 5، فبراير 1999 ، ص 121 – 138 .
[85] حول موقف الشريعة من ((قتل الرحمة)) انظر: عبد الجواد، بحوث في الشريعة الإسلامية، ص 133 وما بعدها ؛ العلمي، أمل: ((قتل الرحمة في منظور الشريعة الإسلامية)) ، الوعي الإسلامي ، السنة 36، العدد 412، مارس 2000 ، ص 37 – 39.
Shah, Sayed Sikander: “Mercy Killing in Islam: Moral and Legal Issues” Al – Nahdah, vol 17, No 3&4, 9/ 1997, pp. 20 – 22.
[86] عبد الجواد، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون في الطب الإسلامي، ص 159
[87] جاد الحق، الفتاوي الإسلامية، مج9/ ص 3103 ، شلتوت ، محمود : الفتاوي ، الطبعة الثالثة، (القاهرة : دار القلم، 1960م) ص 297.
[88] خياطي، مصطفى : ((الإسلام والأخلاقيات الحياتية ضرورة تفكير وتأمل)) ، مجلة المجلس الإسلامي الأعلي، العدد 2، (الجزائر : المجلس الإسلامي الأعلي، 1999) ، ص 139 – 152 .
[89] القاعدة رقم : 16 . انظر ، الريسوني ، نظرية المقاصد، ص 320 .
[90] البقصمي، الهندسة الوراثية والأخلاق ، ص 93.
[91] خياطي، الإسلام والأخلاقيات الحياتية، ص 143.
[92] الملف الطبي، ((الجينات : رؤية جديدة للعالم)) المجلة، العدد 905، 21 – 6 – 1997 ، ص 4.
[93] ومعناه: أن يتم التكاثر من خلال البويضة وحدها دون تدخل الحيوان المنوي، كما يحدث مع دودة القز، والنحل. انظر: حلمي، مصطفي محمود: (( آخر قنابل الهندسة التناسلية)) العربي، العدد 463، يونيو 1997.
[94] وفيه يتم التكاثر بطريقة الانتشار أو التبرعم أو التجدد، فلا وجود للحيوانات المنوية أو البويضات ، مثل التكاثر عند البرامسيوم. انظر: المرجع السابق نفسه .
[95] صباح المؤمن ، في حوار معها حول ((استنساخ الكائنات الحية)) ، الكويت ، العدد 164، ص 81. مع ملاحظة أن استنساخ ((دوللي)) تم فيه : أخذ البويضات من نعجة اسكتلندية، وخلية الضرع من نعجة فنلندية، وتم زرع البويضة بنواة خلية الضرع في رحم نعجة ثالثة، وسبب هذا النوع وعدم أداء كل التجارب في نعجة واحدة. هو تنصيص القانون البريطاني على عدم جواز إجراء أكثر من تجربة واحدة فقط علي أي حيوان . انظر : أبو الفتوح ، خالد: ((ماذا وراء الاستنساخ)) ؟ ، (1من2) ، البيان ، السنة 12، العدد 117، جمادى الأولى 1418هـ / سبتمبر 1997م، ص 86 – 93.
[96] أبو الفتوح ، ماذا وراء الاستنساخ؟ ، ص 88.
[97] الجدي، عواد: ((استنساخ الكائنات الحية بين الخيال العلمي والواقع الملموس)) ، مجلة الكويت، العدد 164، 25 محرم 1418هـ / 1 يونيو 1997م، ص 80 – 83 .
[98] فتحي، محمد: ((استنساخ دوللي يفتح آفاقًا باهرة وأخــرى مروعة … كيف؟)) ، المصور، العدد 3775 ، 14 مارس 1997، ص 46 – 49 .
[99] الجدي، ((استنساخ الكائنات الحية بين الخيال العلمي والواقع الملموس)) ، ص 82؛ الأنصاري ، عمر: ((الندوة الطبية الفقهية التاسعة بالمغرب)) ، المسلمون ، العدد 647، السنة 13، الجمعة 22 صفر 1418هـ / 27 يونيه 1997، ص 7؛ انظر أيضًا: أبو الفتوح، خالد: ((ماذا وراء الاستنساخ)) ؟ ، (2 من 2) ، البيان ، السنة 12، العدد 118، ص 54 – 65 .
[100] الأنصاري ، ((الندوة الطبية الفقهية التاسعة بالمغرب)) ، ص 1.
[101] الشمري، حبشي: ((محاضرون كويتيون لا يعتبرون الاستنساخ خلقًا جديدًا)) المسلمون ، الندوة الطبية الفقهية التاسعة بالمغرب، المسلمون، السنة 13 ، العدد 637 ، 18 – 4 – 1997 . ص 7 .
[102] الأنصاري ، ((الندوة الطبية الفقهية التاسعة بالمغرب)) ، ص 7 .
[103] الداود، ناصر بن زيد: ((الاستنساخ … بالشروط الخمسة ! ))، المسلمون ، السنة 13 ، العدد 644 ، 2 – 6 – 1997، ص 8.
[104] فتحي، محمد: استنساخ دوللي يفتح آفاقًا باهرة وأخرى مرورعة .. كيف؟!، ص 48 .
[105] عارف، عارف علي : ((رؤية إسلامية لعلم الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري)) ، إسلامية المعرفة، السنة 4، العدد 13، صيف 1419هـ / 1998م، ص 107 – 131 .