مقدمة
في هذه المقدمة الموجزة لنوع جديد من الأعمال المصرفية التي تتجنب الفائدة، وجه اهتمام خاص للصيغ التي تأتي بمصدرها من الفقه الإسلامي، ولقد تجنبنا التفصيلات التي تستدعي مناقشات فنية، فهدفنا هو تزويد القارئ بموجز حول المؤسسات المصرفية،
وخاصة التجارية منها، عند وضعها في إطار إسلامي، متخذين نقطة البداية من تحريم الإسلام للفائدة، وتوجد الآن كتابات أدبية ضخمة متاحة لنا حول هذا الموضوع، فتجري مناقشات في الوقت ذاته حول الكثير من القضايا الجديدة المتضمنة. إن ما نعنيه بعرضنا هذا للمبادئ الأساسية هو تهيئة القارئ لتتبع هذه المناقشة بانتباه أكثر، ونحن نرحب للغاية بأي اشتراك واسع النطاق في ذلك التفكير المتروي. ويجدر أن نثني على المجلس الإسلامي في أوروبا لاتخاذ الخطوة الأولى في هذا الصدد.
الأعمال المصرفية الغير خاضعة للفائدة- مقدمة:
إن المسوغ لاقتراحنا هو تحريم القرآن المطلق للربا، الذي فسره الفقهاء المسلمون دائماً بأنه يشمل جميع أنواع الفائدة، سواء كانت خاصة بالربا أو بأي شيء آخر، بصرف النظر عن طبيعة القرض أو الغرض منه. وقد رفض المفسرون المعاصرون للفكر الإسلامي جميع التبريرات للفائدة، مثلهم مثل أسلافهم، إن الفائدة تعد شيئاً غير عادل لأنها تضمن للمقرض حصة ثابتة من الأرباح، في حين أن عوائد المشروع التجاري الذي تم استثمار رأس المال به تظل غير أكيدة، إذ المال المكرس للمشروع يكون عرضة للفقدان، ويجب أن يوضع ذلك في اعتبار الشخص الذي يخصص أرباح المشروع لغرض معين. والنظام الحالي الذي يجعل متعهد الأعمال مسئولاً عن جميع الخسائر ويعفي الرأسماليين من تلك المسئولية يجب استبداله بنظام يرتبط فيه حق مطالبة رأس المال في الأرباح بالمسئولية في تحمل الخسائر، ومن الممكن أن يتم تقديم مثل ذلك البديل من خلال المبدأ الإسلامي المضاربة (mudharibah) الذي يشترك بمقتضاه كل من رأس المال والنشاط التنظيمي في أرباح المشروع ويكون كل منهما عرضة للخسائر كما سوف يأتي في الشرح. والنظام الحالي يعد متحيزاً للغاية إلى جانب الرأسماليين على حساب متعهدي الأعمال. ويؤدي وجود النسب الثابتة من الفائدة إلى إعاقة الأنشطة التنظيمية وينتج عن ذلك ارتفاع التكاليف بالنسبة للمستهلكين، ويترتب على هذا النظام حدوث توزيع للدخل والثروة في المجتمع بأسلوب يفتقر إلى الإنصاف لأنه يأخذ الثروة بطيئاً ولكن بطريقة مطردة من الطبقات الأخرى في المجتمع ليعطيها إلى الطبقات التي تقوم بإقراض الأموال.
ومع ذلك، فإننا لن نقوم هنا بإجراء مناقشة تفصيلية ونحن بصدد معارضتنا للفائدة، بل سوف نتناول تحريم الفائدة كقضية مسلم بها، ثم نعمل على وضع نظام للأعمال المصرفية غير خاضع للفائدة، وسوف نفترض وجود اقتصاد مغلق ونستبعد العلاقات المالية الدولية من تلك الدراسة التمهيدية بغرض التبسيط. والنظام المقترح يستعيض عن الفائدة بمبدأ المضاربة (المشاركة في الأرباح) كأساس لكل من الودائع والقروض، ويتم تنظيم أنشطة البنوك التجارية عن طريق البنك المركزي الذي يتحكم في الودائع ويشرف على النظام النقدي، بالرغم من عدم وجود سعر الخصم كأداة في متناوله، وإلى جانب القروض التي تقوم على أساس المشاركة في الربح، فإنه يتم أيضاً إتاحة الفرصة لرجال الأعمال للحصول على القروض قصيرة الأجل المعفاة من الفائدة، وتعتبر ودائع الطلب الخاصة بعامة الناس مصدر تلك الاعتمادات المالية القابلة للقرض. وتعتبر ودائع الطلب بمثابة قروض يتم سدادها عند الطلب، ولا يتم توزيع أية أرباح على هؤلاء المودعين. ويأتي تمويل الحكومة بصفة رئيسية من عامة الناس على أساس المشاركة في الربح ويأتي بصفة جزئية من القروض المعفاة من الفائدة، وتقوم الأوراق المالية المتضمنة في تلك العملية بتزويد البنك المركزي بوسائل تنظيم العرض بالنسبة للنقد في إطار ذلك النظام. وفيما يتعلق بالتمويل بالنسبة للمستهلك، فإن للبنوك دوراً محدداً في هذا الشأن.
إن المضاربة في شكلها المبسط تعتبر عقداً بين طرفين، أحدهما يقوم بتقديم قيمة رأس المال ولكنه لا يقوم بدور إيجابي في المشروع الذي يقوم بإدارته الطرف الآخر، الذي لم يستثمر أي رأس مال، ويوافق الطرف الذي يساهم بالعمل على التخلي عن جزء معين من أرباح المشروع للطرف الذي يقوم بتزويد رأس المال والذي يأخذ على عاتقه جميع مسئولية التعرض لأية خسائر. وفي حالة حدوث أية خسائر، فإن الطرف الذي يساهم بالعمل يذهب بدون مكافأة عن خدماته التنظيمية، أما في حالة تحقيق الأرباح فإنه يحصل على نصيب منها كمكافأة له. إن سوء إدارة الاعتمادات المالية المخصصة للعمل أو انتهاك الخطط المتفق عليها لسير العمل يعرض الطرف الذي يساهم بالعمل إلى تحمل مسئولية الخسائر الناجمة. ويكون لكل من الطرفين الحرية في إنهاء العقد في أي وقت بشرط أن يكون في الإمكان تصفية العمل دون خسائر وتحويل الموجودات مرة أخرى إلى نقد، وتعتبر العقود التي تنص على فترة محدودة من الوقت شرعية وملزمة بالنسبة للأطراف المتعاقدة.
ومن الممكن أن يتكون أي من الطرفين من عدد من الأشخاص. ويستطيع الطرف الذي يساهم بالعمل أن يستثمر رأسماله أو رأس المال الذي اقترضه من الآخرين، أو رأس المال الذي حصل عليه من جهات أخرى، على أساس المضاربة. وتقع مسئولية الخسارة في جميع الأحوال على عاتق من يمتلك رأس المال، إلا في حالة القرض فإن المقترض يقع على عاتقه تلك المسئولية. ويتم توزيع الأرباح طبقاً للصيغة التي تتم الإتفاق عليها، بشرط عدم تأكيد الحصول على ربح معين بصرف النظر عن نتائج المشروع، وينطبق ذلك على الطرفين.
وفي حين تعتبر المضاربة، أساس العلاقة بين الصيرفي- والمودع، والصيرفي- ورجل الأعمال، فإن البنك ذاته يقوم على أساس الشركة، فيقوم عدد من الأشخاص بتزويد رأس مال الأسهم معلنين موافقتهم على المشاركة في جميع الأرباح والخسائر بنسبة رأس المال الذي قدموه.. وبالرغم من وجود مجلس يقوم بإدارة البنك بمعاونة الموظفين ذوي الرواتب، فإنه من المعتبر من الناحية النظرية أن جميع الأطراف قد شاركت في إتخاذ جميع القرارات المتعلقة بسياسته. ونظراً لأن القروض المصرفية تتضمن القروض من عامة الناس (ودائع الطلب) فإن مسئولية المساهمين فيها لا تقتصر على مدى إسهامهم، وعلى عكس ذلك، تقتصر مسئولية المودعين في (الحسابات الاستثمارية على حجم ودائعهم. وكنتيجة طبيعية لذلك النص، فإنه لا يسمح لرجال الأعمال الذين يحصلون على قروض من البنك على أساس المضاربة بالحصول على قروض طويلة الأجل باسم المشروع. ولكنهم يفعلون ذلك بصفتهم الشخصية كما ذكرنا فيما سبق.
الاستثمار:
تتمثل الأعمال الرئيسية للبنك في تزويد الأطراف المشتركة في العمل بالمال لتشغيله في التجارة، والصناعة والزراعة…الخ، وتتمثل إيراداته بصفة رئيسية في نصيبه من أرباح تلك المشروعات؛ وقد يتعامل البنك أيضاً بالأسهم والأسهم العامة التي تصدرها شركات خاصة أو الحكومة، وهو أيضاً يقوم بأداء خدمات مصرفية مقابل رسم أو عمولة، مثل الحفاظ على الودائع بأسلوب آمن، وتحويل مبالغ مالية من مكان إلى مكان، وإصدار الشيكات السياحية، والقيام بتسليم البضائع نيابة عن العملاء، وتقديم المدفوعات لهم والعمل كوصي أو مستشار مالي للعملاء الخ.
ورأس المال المقدم في شكل قرض على أساس المشاركة في الربح (ووقوع الخسارة على البنك) يكون ذا استمرار متوسط أو طويل الأجل. ولكن نظراً إلى التزامات البنك تجاه المودعين في (حساباته الاستثمارية) فإن من الضروري أن يكون بالإمكان تقييم أرباحهم بصفة دورية. وبغرض التبسيط، سوف نفترض أن البنوك تحصل على بيانات فصلية بالحسابات من عملائها التجاريين الذين قد يكونون ملزمين أيضاً بإعادة رأس مال البنك مع نصيبه من الأرباح (أو الخسائر)؛ ولكن إذا لم يكن هناك اتفاق على اتباع أسلوب آخر، فإن البنك يكون لديه الحرية بالنسبة لتجديد العقد، آخذاً فقط نصيبه من الأرباح الفصلية. (التي سوف نفترض أنها تكون نصف الأرباح الإجمالية المتراكمة بالنسبة لرأس المال المقدم) أو إنهاء العقد.
وسوف تضمن سياسة التنويع في استثمارات أرصدة البنك الحصول الدائم للبنك على بعض الأرباح من عملائه التجاريين ككل. ويتكون إيراد البنك من تلك الأرباح إلى جانب الأرباح التي حاز عليها من سوق الأسهم، والدخل الناتج عن الخدمات التي تم أداؤها. وبعد الإيفاء بنفقات الأعمال المصرفية سوف يتم توزيع صافي الأرباح على المساهمين والمودعين في (الحسابات الإستثمارية) طبقاً لأسلوب متفق عليه.
الودائع:
يقوم البنك بإدارة حسابات جارية و (حسابات استثمارية) ويتم استلام الودائع من الأشخاص ووضعها في الحساب الاستثماري على أساس المضاربة.
والبنك باعتباره كالطرف الذي يساهم بالعمل بالنسبة لهؤلاء المودعين، فإنه يعدهم بدفع جزء محدد، ولنقل ثلاثة أرباع الأرباح المتراكمة لديه على استثماراتهم. أما بالنسبة للربع الباقي من الأرباح الذي يتراكم على رأس مال المودع، فإن البنك يحتفظ به كنصيب له. وتقوم البنوك باستثمار رأس مال المودعين هذا مع رأس المال الخاص بها (نصيبها) بالأسلوب الذي ذكرناه هنا. وقد تكون نتيجة استثمارات البنك الإجمالية تناسبية في شكلها (مثلاً إذا كانت هناك 3 في المائة خسارة على إستثمارات البنك الإجمالية تكون هناك 3 في المائة خسارة للمودع أيضاً).
وتتم الإيداعات في الحسابات الاستثمارية على أساس الفصول ويتم تسديد الحسابات بصفة فصلية، ويكون لدى المودع الحرية في أن يقفل حسابه أو يجدده لفصل آخر بعد استلامه لأرباح (أو خسائر) بالنسبة لذلك الفصل، وليس من الممكن إخضاع تلك الحسابات لنظام الشيكات؛ والسحب قبل إتمام الفصل سوف يحرم المودعين من الأرباح عن الفصل بأكمله إلا إذا وافق البنك على تقديم بعض التنازل. ونظراً لأن البنوك الغير خاضعة للفائدة سوف تحصل على سيطرة تامة، فإنها تستطيع أن تسمح بالإيداع والسحب في أثناء الفصل، أو حتى تسمح بنظام الشيكات بالنسبة لتلك الودائع. ولكن من الصعب أن نتعهد بتلك النقطة مقدماً.
والودائع في الحسابات الجارية سوف تتم معاملتها كقروض مقدمة من العامة إلى البنوك، وستكون تلك القروض قابلة للسداد عند الطلب، وسوف يضمن البنك المركزي إتمام سدادها على أكمل وجه، بصرف النظر عن مصير البنك الفردي. وستكون تلك الودائع خاضعة لنظام الشيكات، ولن يتم فرض أي رسوم خدمات عليها: وباعتبار أنها تعد قروضاً، فإن البنك سوف تكون لديه الحرية في توظيفها في مشروعاته التجارية، وسوف يمكنه وجود احتياطي جزئي من الإيفاء بجميع الشيكات كما هو الآن.
القروض قصيرة الأجل:
بالنظر إلى حقيقة أن الاحتياطي الجزئي يكفي للإيفاء بطلبات المودعين من النقد مقابل ودائع الطلب. فإن البنك المركزي سوف يرغم البنوك التجارية على أن تخصص جزءاً من ودائع الطلب الباقية لتقديم قروض قصيرة الأجل ومعفاة من الفائدة. ومن الممكن استثمار الجزء الآخر مع رأس مال الأسهم وودائع الحسابات الاستثمارية في المشروعات المربحة.
ومما يجعل ذلك الأمر ضرورياً حقيقة أن القروض القائمة على أساس المشاركة في الربح لا تستطيع الإيفاء بحاجات المشروع من التمويل قصير الأجل، ونادراً ما يكون في الإمكان، إعداد حساب بالأرباح –والخسائر بالنسبة للمبالغ التي يتم الحصول عليها لأيام قليلة، أو حتى لأسابيع قليلة بغرض التغلب على الصعوبات المالية المؤقتة. وفوق ذلك، فإنه يكون من الممكن تقديم تلك القروض بسهولة من الاعتمادات المخصصة لذلك الغرض نظراً لأن معظمها ذو طبيعة تصفية ذاتية. وبالإضافة إلى القروض قصيرة الأجل التي تقدم للمشروعات التجارية، فمن الممكن أيضاً تقديم تسهيلات فرط السحب إلى المودعين وتسهيلات قصيرة الأجل إلى الحكومة من نفس المصدر، وسوف نفترض فقط على سبيل المثال أن البنوك تكون ملزمة بأن تخصص خمسين في المائة من ودائع الطلب لتقديم قروض معفاة من الفائدة. ولن يسمح للبنك الذي يرفض القيام بذلك بإدارة الحسابات الجارية لعامة الناس.
وسوف تقتنع البنوك بأن تفعل ذلك بإرادتها لعدد من الاعتبارات. أولاً: سوف يقوم البنك المركزي “بإعادة التمويل” استعداداً لمواجهة القروض المعفاة من الفائدة التي قدمتها البنوك التجارية كما سيأتي في الشرح. ثم سوف يكون هناك إغراء بإمكانية توظيف ودائع الطلب الباقية (الاحتياطات السلبية) في الاستثمارات المربحة، وأخيراً حقيقة أن ازدياد ربح المشروع الذي يستخدم قروضاً معفاة من الفائدة سوف يؤدي إلى تعزيز نصيب البنك ذاته من تلك الأرباح. وسوف يتضح أن ذلك يعد أحد الاعتبارات الهامة في النظام الاقتصادي الذي تمول فيه معظم المشروعات بواسطة رأس المال المحصل من البنوك على أساس المشاركة في الربح.
وفيما يتعلق بتوزيع تلك الاعتمادات المالية القابلة للقرض بين طالبيها، فقد يعتبر رأس المال طويل الأجل الذي تستثمره الشركة الطالبة كأساس للتوزيع؛ ويبدو أنه من المعقول أن نفترض أن احتياجات الشركة أو الصناعة من التمويل قصير الأجل تعد دلالة على استثمار رأس مال طويل الأجل بها، وسوف تختلف قيمة تلك الدلالة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ولكنها من الممكن استنباطها بسهولة. ثانياً: قد يسمح للبنوك بإعطاء الأولوية إلى عملائها، وسوف يعتبر أيضاً نوع الضمان المقدم والسمعة الحسنة للطرف المعني عاملاً حاسماً. وازدياد الطلب عن العرض بالنسبة للاعتمادات المالية القابلة للقرض سوف تتم إزالته عن طريق خفض (مدى) تلك التسهيلات وتطبيق مقاييس أكثر صرامة بالنسبة لتقييم الحاجات وقبول الإستثمارات. ووجود التفاوت المتواصل بين الطلب والعرض سوف يستدعي مراجعة الحصة المخصصة للسلفيات –أي نسبة الإعتمادات القابلة للقرض إلى ودائع الطلب الإجمالية- بواسطة البنك المركزي.
وفي حين أنه لن يتم فرض أية فائدة على تلك القروض، فإنه سوف يتم الحصول على تكاليف إتخاذ القرارات والحفاظ على الحسابات عن طريق فرض رسوم بالنسبة للقروض و/ أو التقييد في الدفاتر.
الاحتياطي:
سوف تحتفظ البنوك باحتياطي جزئي في مقابل إجمالي ودائعها –أي الودائع الإستثمارية وودائع الطلب-، فلنفترض أن ذلك الكسر يساوي عشر، حينئذ سوف تضطر البنوك لأن تحتفظ بجزء من احتياطيها، ولنقل النصف، لدى البنك المركزي، أما باقي الاحتياط بالإضافة إلى الودائع التي قدمت أخيراً، فإنه سوف يمكن البنوك من الإيفاء بجميع الشيكات بالنسبة للودائع المتدفقة، بأن تقوم بالدفع لهؤلاء المودعين في الحسابات الاستثمارية الذين توافق على السماح لهم بالسحب قبل إتمام الفصل. وفيما يتعلق بالسحب عند إتمام الفصل، فإنها لن تواجه أية مشكلة لأن تلك الودائع التي سحبت سيتم ملء فراغها بودائع جديدة. وفي حالة عدم حدوث ذلك، فإن البنوك سوف ترفض تجديد بعض القروض المقدمة إلى القائمين بالمشروعات التجارية حتى تستطيع الإيفاء بالتزاماتها بالنسبة للمودعين.
ونستطيع أن نتعرف على سير عمل البنوك التجارية بنظرة عاجلة، تقوم البنوك باستلام ودائع في الحسابات الجارية والحسابات الإستثمارية، وباحتفاظها بـ 10 في المائة كاحتياطي وتخصيصها 50 في المائة من ودائع الطلب لغرض تقديم القروض المعفاة من الفائدة، فإن البنوك تستغل الأرصدة الباقية إلى جانب رأس مال الأسهم المقدم بواسطة الشركاء في تقديم قروض على أساس المضاربة، وشراء الأسهم العامة وتنظيم الخدمات المسددة للإيراد.. وعند إعداد الحسابات الفصلية، يتم تجميع الأرباح التي تأتي من المصادر العديدة وتوزيعها على إجمالي رأس المال المستثمر، بما في ذلك الاحتياطي (ولكن باستثناء الأرصدة المخصصة لتقديم القروض المعفاة من الفائدة). ويتم تقييد ثلاثة أرباع حصة الأرباح الناتجة في الحسابات الإستثمارية، وتوزع باقي الأرباح فيما بين المساهمين، وإذا حدث وكان هناك صافي خسارة في المشروع التجاري الخاص بالبنك، فإن المساهمين يتحملون الخسائر بالنسبة لرأس المال الخاص بهم إلى جانب الخسائر بالنسبة لخمسين في المائة من ودائع الطلب التي كانوا يستغلونها. ويتحمل المودعون في الحسابات الإستثمارية الخسائر التي كانوا يستغلونها. ويتحمل المودعون في الحسابات الإستثمارية الخسائر التي تتراكم على الودائع الخاصة بهم؛ ويتم تقدير نسبة الخسائر بنفس الأسلوب الذي يتم به تقدير نسبة الأرباح. وبالرغم من حقيقة أن الودائع والسحب بالنسبة للحسابات الإستثمارية تقوم على أساس فصلي؛ فإنه يتم ضمان استمرار أعمال البنك بمقتضى حقيقة أنه يتم تجديد معظم الودائع وترد ودائع جديدة مكان تلك التي تم إغلاقها. ومن الممكن أن تسمح البنوك بالإيداع والسحب أثناء الفصل بعد أن تقوم بتدبير وسائل ملائمة لتسوية حسابات الربح- الخسارة بالنسبة للفصل الغير مستكمل، وبنفس الأسلوب، فإن البنوك قد لا تتبع دائماً جدولاً زمنياً صارماً في تعاملها مع الأطراف التي تقوم بالعمل، ومن ثم تقدم القروض وتسمح أيضاً بسدادها أثناء فصل الثلاثة شهور بشرط أن يكون من الممكن تقييم النتائج الواقعية للمشروع بطريقة مرضية للأطراف المعنية.
تقديم القروض:
سوف تقوم البنوك التجارية بتقديم قروض مثل نظيراتها في النظام الحالي عند اتباعها لذلك النظام، ويعتمد تقديم البنوك للقروض على عادات الناس بالاحتفاظ بإيراداتهم ومدخراتهم في شكل ودائع مصرفية وتأدية معظم مدفوعاتهم من خلال الشيكات؛ ويمكن ذلك البنوك من الإيفاء بطلبات الناس من النقد عن طريق الاحتفاظ باحتياطي جزئي مقابل ودائعهم. ولا يتصل ذلك على الإطلاق بالفائدة، ولا يوجد أي سبب لأن يكون لإلغاء الفائدة تأثير “شديد” على عادات الناس التي ذكرناها. وبما أن البنوك سوف تقدم قروضاً على أساس المضاربة. وتقدم قروضها قصيرة الأجل، فإن ودائعها سوف تزداد، وسيمكنها ذلك من تقديم قروض جديدة؛ وسوف تتسع القروض في نطاق الحدود التي يفرضها معدل الاحتياطي وفي نطاق طلب المشروع التجاري من التمويل؛ وسوف يؤدي الإيفاء بالديون إلى خفض الودائع لدى البنوك، ويؤدي إلى تزعزع مواقفها بالنسبة للاحتياطي وإلى ازدياد انكماش القروض نظراً لأن البنوك ستحاول تعويض احتياطيها عن طريق استعادة قروضها وبيعها الأسهم العامة التي في حيازتها. وكما هو الأمر في النظام الحالي، سوف يتعرض حجم القروض الإجمالي للتقلب نظراً لتغيير احتياطي البنوك من النقد نتيجة للتغيير في الطلب عليه أو نتيجة لتغيير سياسة البنك المركزي. وسوف تظل تلك العملية كما هي بمقتضى حقيقة أنه بدلاً من دفع الفائدة في الوقت المحدد فإن بنوك الإيداع سوف تشرك هؤلاء المودعين في أرباحها، أو أن القروض المقدمة للمشروعات التجارية سوف تقوم على أساس المشاركة في الأرباح بدلاً من دفع الفائدة الثابتة. أما بالنسبة لما إذا كان من المحتمل أن يؤدي ذلك التغيير إلى التأثير على إجمالي حجم الودائع المصرفية، فتلك قضية سوف نناقشها قرب نهاية دراستنا.
الاحتياطي المخصص لتعويض الخسارة:
إن نجاح البنوك في اجتذاب المدخرات إلى حساباتها الاستثمارية سوف يعتمد بصفة كبيرة على أسلوب تعاملها بالنسبة لتوزيع الأرباح على هؤلاء المودعين. وإنه لمن المستحسن تكوين أرصدة احتياطية، عن طريق الاحتفاظ بجزء من الأرباح حتى يتم تفادي إعلان الخسائر بالنسبة لأي فصل أو لتعويض الخسائر عند حدوثها، وأيضاً من أجل تجنب التقلبات الواسعة في معدل الأرباح. ومن الممكن فعل ذلك بالنسبة لكل من المودعين والمساهمين (أي الشركاء الذين يقدمون رأس المال الأولي)… ومن الممكن أن يستمر البنك في دفع أرباح الأسهم بسعر فصلي ثابت، بشرط أن يتم إدراج رصيد توازن جانبي الحساب (سواء كان إيجابياً أو سلبياً) في الحسابات الملائمة في حالة قف أحد المودعين لحسابه أو في حالة تخلي أحد المساهمين عن الشركة. ومن الممكن بلوغ تلك النسبة الثابتة في ضوء الخبرة السابقة ويكون من الممكن تعديلها عند تغيير الأحوال.
وتظهر قضايا جديدة فيما يتعلق بتأمين العدالة للمودعين والمساهمين الذين يظلون مع البنوك لفترات مختلفة من الوقت. ونأمل أن نجد حلاً لتلك القضايا بما يرضي جميع الأطراف المعنية وطبقاً للنصوص الملائمة في الفقه الإسلامي.
البنك المركزي:
سوف يكون البنك المركزي هو المرشد بالنسبة للبنوك التجارية وسوف يقوم بالإشراف على أنشطتها بغرض تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي. وسوف يقوم بالعمل طبقاً للقواعد التي تضعها الدولة، فيتولى إصدار وإدارة العملة في الدولة، ويتحكم في القروض المصرفية ويوجه الأرصدة القابلة للاستثمار إلى الأوجه المرغوبة؛ وهو يقوم بذلك عن طريق النصح، والإقناع، أو إصدار التعليمات إلى البنوك التجارية فيما يتعلق بالأمور الهامة الخاصة بسياستها، وسوف يقوم أيضاً بتوظيف عدد من الوسائل القوية، لتنظيم حجم قروض البنوك وتوزيعها.
وسوف تضطر جميع البنوك التجارية لأن تحتفظ بخمسة في المائة احتياطياً مقابل إجمالي ودائعها في شكل ودائع لدى البنك المركزي (وإن الخمسة في المائة الباقية من الاحتياطي سوف يتم الاحتفاظ بها بواسطة البنوك ذاتها). وسوف يستخدم التغيير في معدل الاحتياطي كأداة من أدوات السيطرة كما هو الأمر في النظام الحالي، وبالنظر إلى عدم إتاحة (سياسة سعر الخصم) للبنك، فإنه يمكن اللجوء إلى تلك الأداة في كثير من الأحوال. وحتى في النظام الحالي، تضطر بعض البنوك المركزية لفعل ذلك بالنظر إلى عدم الكفاءة النسبية لسياسة الخصم الخاصة بالبنوك.
وسوف يقدم البنك المركزي تسهيلات خاصة (بإعادة التمويل) مقابل القروض المعفاة من الفائدة التي تقدمها البنوك التجارية، إذا ما احتاجت تلك البنوك لنقد إضافي للحفاظ على السيولة، وتتحدد مدى التسهيلات المقدمة بواسطة البنك المركزي بالتناسب مع القروض التي تقدمها البنوك التجارية. مثلاً، إذا كانت (نسبة إعادة التمويل)، تلك بمقدار 25 في المائة، سوف تكون تلك القروض معفاة من الفائدة وستكون قصيرة الأجل وقابلة للتجديد. ويستطيع البنك المركزي عن طريق إحداث تغييرات ملائمة في (نسبة إعادة التمويل)، أن يقوم بمساعدة البنوك التجارية في الحفاظ على سيولتها في مواجهة التغيير في طلبات الناس من النقد. ومن الممكن استخدام نفس الأداة في مواجهة المواقف التضخمية للخفض من حجم القروض.
ويتم تزويد وسائل التحكم في القروض الاختيارية عن طريق تحديد نسب مختلفة (لإعادة التمويل) طبقاً للأنواع المختلفة من القروض وإذا تم منح نسبة عالية مقابل القروض الممنوحة لصناعة معينة فإن ذلك سوف يحث البنوك على تقديم قروض أكثر لتلك الصناعة والعكس بالعكس.
ومن الممكن أن يحل شراء وبيع الأسهم الصناعية محل (عمليات السوق المفتوحة) بالنسبة للاستثمارات بشرط توفر الأسهم ذات الأسعار المستقرة نسبياً بكميات كبيرة. وهذا تكون في شكل أسهم مصدرة بواسطة الحكومة لتمويل مشروعات القطاع العام، كما سوف نشرح. وسوف يتمكن البنك المركزي عن طريق تلك الأداة من تنظيم عرض النقد بغرض تنظيم القروض.
السلطات الواسعة التي يتمتع بها البنك المركزي والمعرفة السائدة بأنه يستطيع دائماً فرض قراراته، إلى حد وضع تشريعات جديدة بواسطة الدولة، إذا استلزم الأمر، تجعل (الإقناع الأخلاقي)، واحداً من أقوى أسلحة البنك المركزي حتى في النظام الحالي؛ والمجتمع الذي يكون لديه درجة عالية من الإدراك الإجتماعي والشعور بالتكريس لخير الأمة من الممكن أن يعتمد على تلك الأداة إلى حد كبير؛ وسوف تضمن الاستشارات المتبادلة والتعاون بين سلطات البنوك المركزية والبنوك التجارية سير عمل ذلك النظام بطريقة متسقة تهدف إلى صالح المجتمع.
تمويل الحكومة:
المالية العامة في النظام الاقتصادي الغير خاضع للفائدة سوف تطرح أمامنا مشكلة خاصة؛ فإنه سوف يتم فرض الضرائب للإيفاء بالنفقات الحكومية المعتادة؛ وعند توفر الثقة في الوضع الاقتصادي. قد تلجأ الدولة إلى زيادة مصروفاتها على دخلها إلى حد ما، ولكن ذلك لن يفي باحتياجات أنشطة التنمية الواسعة من التمويل في دول الرفاهية الحديثة. ونحن نقترح أن تقوم الدولة بإصدار ثلاثة أنواع من الأوراق المالية، وتبيعها للناس كوسيلة للحصول على الموارد المالية التي تسد احتياجاتها. وتقوم تلك الأوراق على أساس المشاركة، والمضاربة، والقروض المعفاة من الفائدة وتكون جميعها مصاحبة بالامتيازات الضريبية.
وسوف تتولى الدولة إدارة المشروعات العامة الملائمة بالاشتراك مع الأفراد؛ ويتم جمع رأس المال الخاص بتلك المشروعات من خلال بيع الحصة الكبرى من الأسهم؛ التي ستقوم الدولة بشرائها حتى تحوز على السيطرة الفعلية. وستعتبر الأسهم التي تقوم على أساس المشاركة حجج ملكية؛ وتكون قابلة للتحويل والتسويق، ويتم توزيع الأرباح سنوياً على هؤلاء الذين تكون الأسهم في حوزتهم في اليوم الأخير من العام؛ وسوف يتم تقييم الأرباح على أساس الزيادة في القيمة الإجمالية على مدى العام. ومن الممكن أن يتم توزيع الأرباح بطريقة تناسبية. وسيكون المساهمون مسئولين عن الخسائر المتراكمة بالنسبة لرأس مالهم ولكن سوف يكون من الممكن أو من الواجب استبعاد احتمال الخسارة بالنسبة للمشروعات العامة من خلال إيجاد الإدارة الكفؤة والسياسات التسعيرية الملائمة الخاصة بالمشروعات العامة.
وسوف تقوم الدولة أيضاً بالحصول على الموارد المالية القابلة للاستثمار على طريق بيع الأسهم القائمة على أساس المضاربة، التي تكون ذات فئة نقد أقل نسبياً وذات أجل أقصر؛ وسوف يتم استثمار تلك الموارد بطرق متنوعة في المشروعات العامة المناسبة. وتقدم الدولة جزءاً معيناً من الأرباح، ولنقل 60 في المائة إلى المساهمين. وسوف تكون الأسهم بمثابة حجج بالملكية، وهي ستنص فقط على أن المساهم قد استثمر قدراً معيناً في المشروعات التي تمتلكها الدولة، وأنه يكون من حقه الحصول على 60 في المائة من الأرباح المتجمعة بالنسبة لرأس ماله، وأنه سيتحمل الخسائر عند حدوثها. ولن تكون تلك الأسهم قابلة للتحويل. وسوف تقوم الدولة بدفع أرباح تلك الأسهم عند أو بعد حلول تاريخ معين. ومن الممكن أن يتم ذلك على أساس الفصول. ويستطيع المساهم أن يسحب رأس ماله مع الأرباح (أو الخسائر) عند إتمام الفترة المحدودة المدونة في صك الأسهم، ويكون من المستحسن حيازة أسهم مختلفة في قيمتها، أي بعضها ذو قيمة كبيرة وبعضها ذو قيمة صغيرة، وأن تكون أيضاً ذات مدد مختلفة. وسوف تقوم هيئات مثل البنوك التجارية، والخزائن العامة ومكاتب البريد بتولي بيع وصرف تلك الأسهم بغرض تسهيل تداولها بين الناس.
ويجب أن تكون الصناعات التي يتقرر تمويلها من خلال رأس المال القائم على أساس المضاربة مليئة بعمليات إنتاجية قصيرة الأجل حتى يكون من الممكن عمل تقييم دوري للأرباح؛ وإذا تعذر ذلك، فسوف يقوم إعلان أرباح الأسهم على أساس تقدير القيمة الصافية. وبالنسبة لرأس المال القائم على أساس المشاركة، فإنه يمكن استخدامه في المشروعات طويلة الأجل نسبياً. أما بالنسبة لتلك الاستثمارات طويلة الأجل مثل مشروعات الري الضخمة والقوى الذرية، فمن اللازم تدبير بعض الوسائل الأخرى الخاصة بها.
ويوجد لدينا من الأسباب ما يدعو للاعتقاد أنه في الاستطاعة تأكيد معدل الأرباح الذي لا يقبل المزاحمة للمستثمرين في مشروعات الدولة. وتقوم الدول الحديثة بتمويل تلك الصناعات برأس مال مقترض على أساس الفائدة، ومع ذلك فإنها تكون قادرة على إدارتها بطريقة مربحة.
ويتم الحصول على التمويل بالنسبة لمشروعات الإنعاش والصناعات الدفاعية الغير مسددة للأرباح من خلال الضرائب بصفة رئيسية، وقد يكون أيضاً للقروض المعفاة من الفائدة والمحصلة من العامة دور في تلك المساهمة. وتوجد الحاجة إلى القروض أيضاً للإيفاء بمثل تلك الاحتياجات قصيرة الأجل من التمويل لأن تلك الاحتياجات ليس من طبيعتها إمكانية الإيفاء بها عن طريق رأس المال القائم على أساس المشاركة في الأرباح. ومما يسبب تلك الحاجة أن معظم إيراد الدولة يأتي في خلال فترات جباية الضرائب في حين يكون إنفاقه موزعاً على مدى العام. ويتم الإيفاء بتلك الحاجة في الوقت الحالي عن طريق إصدار أذونات على الخزانة قصيرة الأجل. وفي النظام الاقتصادي الغير خاضع للفائدة، يكون من الممكن إصدار شهادات القروض ذات الفئات المختلفة وذات المدد المختلفة لهذا الغرض؛ وسوف تكون تلك الشهادات قابلة للدفع بالسعر الأصلي عند حلول أو بعد حلول تواريخها المستحقة في مكاتب البريد، والبنوك، والخزائن العامة، إلخ. ونظراً لاستبعاد جميع احتمالات التقصير، سوف يقوم هؤلاء الذين يهتمون فقط بالأسهم المضمونة القائمة على أساس المشاركة باستثمار جزء من أرصدتهم بها، وسوف يضطر البنك المركزي لأن يقوم بشراء الأسهم القائمة على أساس المشاركة بكميات كبيرة حتى يستخدمها في (عمليات السوق المفتوحة). وقد يجد أنه من الضروري أن يقوم بشراء وامتلاك كمية متزايدة من الأسهم القائمة على أساس المضاربة بغرض زيادة العرض بالنسبة للنقد في النظام الاقتصادي بمعدل متكافئ مع معدل النمو. وإلى جانب البنوك، فإن الوسطاء الماليين الآخرين مثل جمعيات البناء، والتنظيمات المالية المقتصدة، وشركات التمويل التأجيري تجد أن من المرغوب فيه استثمار مواردها في تلك الأسهم.
التمويل بالنسبة للمستهلك:
تزويد المستهلك بالموارد المالية ليس بواحد من الأدوار الرئيسية للبنوك، ومع ذلك، فإن من الملائم تقديم تسهيلات فرط السحب إلى المودعين في الحسابات الجارية بشرط وضع حد أقصى يقوم على أساس متوسط أرصدتهم الشهرية، ومن الممكن أن تعرض البنوك أيضاً (تقسيط دفع الصفقات) مثلما تفعل بالنسبة لكمبيالات التجار.
وسوف تتم معاملة جميع ذلك بنفس أسلوب معاملة القروض المعفاة من الفائدة، وسوف يقتصر ذلك على الحدود التي تتاح فيها إمكانية إقامة تلك القروض.
ويجب إيجاد الضمان التام لسداد القروض المصرفية في النظام الغير خاضع للفائدة وإلا فإن ذلك النظام لن يقدر له النجاح. وبالإضافة إلى جميع رقابة القانون والممارسات المصرفية في هذا الشأن، فإن ذلك الضمان في نهاية الأمر يجب أن يأتي من الدولة؛ فإننا لا يمكننا استبعاد احتمالات التوقف عن السداد نتيجة للإفلاس، أو نتيجة للوفاة بدون ترك أية موجودات، إلخ. فيكون من الواجب في تلك الأحوال أن تتولى الدولة عن رد تلك المبالغ المتضمنة، ومن الممكن أن يتم ذلك في المجتمع الإسلامي، عن طريق الاحتفاظ بجزء من إيراد الزكاة لهذا الغرض.
الملاءمة الاقتصادية:
نحن لا ندين بالاعتقاد أنه سوف تنتج عن إلغاء الفائدة أية صعوبات فيما يتعلق بالعرض بالنسبة للمدخرات وتوزيعها على القطاعات الاقتصادية المختلفة. وبالنسبة لتوزيع الاعتمادات المالية القابلة للاستثمار، فإن سعر الفائدة لا يعتبر شيئاً حاسماً، ولكن الشيء الحاسم هو أولويات الدولة الحديثة ومعدلات الأرباح في القطاعات المختلفة الخاصة بالشركات. وعلى الأكثر، فإن عدم وجود مدفوعات ثابتة من الفائدة قد يكون له أثر حدي على الميل للإدخار، الذي تقوم الفائدة بدور ضئيل بالنسبة لتقريره.
وسوف توجد إمكانيات لتوظيف المدخرات بطريقة مربحة. وسوف يكون هناك احتمال صغير جداً بالنسبة للمخاطر المتضمنة في (الحسابات الإستثمارية) الموضوعة في البنوك التجارية أو بالنسبة لصفقات الأسهم الصادرة بواسطة الدولة. وعلى الأكثر، فإنه قد ينشأ تحول لصالح ودائع الطلب و (شهادات القروض). ولكن ذلك التحول لن يكون ذا أهمية من وجهة نظر المجتمع لأن جميع تلك الاعتمادات المالية يمكن استخدامها في نهاية الأمر في المشروعات التجارية كما شرحنا فيما سبق.
وأخيراً، فإن دور سعر الفائدة كأداة من أدوات السياسة المالية يعد صغيراً جداً حتى أننا لسنا في حاجة إلى تناوله بالدراسة. وحين نقتنع أنه من الممكن إعادة تنظيم الأعمال المصرفية بدون الفائدة فإننا نستطيع حينئذ أن نستبعدها بلا أدنى خوف.