أبحاث

الدخيل الفكري وأثره على مباحث العقيدة الإسلامية

Intellectual Intrusion and Its Impact on the Discourses of Islamic Creed: Modernity as a Model

مقدمة:

تكشف حركة التاريخ، بين الفينة والأخرى، عن حضورٍ متجدد للثقافات الأجنبية بمختلف تياراتها ومكوناتها، يتم استحضارها غالباً كأدوات مرجعية تُستخدم في بناء مواقف نقدية تجاه الإسلام بوجه عام، وتجاه العلوم الإسلامية في مناهجها وبُناها ومضامينها على وجه الخصوص. ويُلاحظ أن هذا التوظيف لا يتم بمعزل عن غايات معرفية وأيديولوجية، بل عادة ما يُقصد منه الربط بين المعارف الإسلامية والمقولات الفكرية الوافدة، بغرض التشكيك في أصالة الأولى، أو تأويلها تأويلاً يُفضي إلى محاكمتها ضمن أطر غير نابعة من منطلقاتها الداخلية، مما يؤدي إلى إعادة تقييمها من منظور خارجي لا يراعي خصوصيتها المعرفية والمنهجية.

في القديم تمثل الدخيل الفكري في الفلسفة اليونانية، وفي العصر الحديث وفي زمن الصدمة الاستعمارية تمثل هذا الدخيل في الاستشراق، وفي التاريخ المعاصر تمثل في الحداثة الغربية التي تستفحل في الراهن وتنادي بتحديث العقل الإسلامي، انطلاقًا من إعادة قراءة النص الإسلامي في مستوياته المختلفة؛ بدءًا من النص القرآني إلى نصوص السنة النبوية إلى مختلف المعارف الإسلامية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن “علم العقيدة” كان من ضمن العلوم التي عملت الحداثة على زحزحة مباحثها، كما هي مقررة عند علماء الإسلام، كما عملت على تغييرها بناء على مقتضيات التحولات المعرفية حسب زعم الحداثيين.

تفترض هذه الدراسة أن القراءة الحداثية للمعارف الإسلامية تمثّل نمطًا تأويليًا دخيلاً، يفتقر إلى الانسجام مع المنظومة المعرفية الأصيلة التي تَشكّلت داخل الإسلام. إذ ينطلق الحداثيون في قراءتهم للنص القرآني من خارج أفقه المرجعي، بخلاف علماء الإسلام الذين اتخذوا من الوحي منطلقًا تأسيسيًا في بناء العلوم، سواء على مستوى التبويب أو معالجة المسائل أو نمط الاستدلال. ويظهر هذا البناء المنهجي بوضوح في علم العقيدة، الذي يبدأ بباب الألوهية، متناولًا قضايا الإيمان بالله تعالى، من حيث وجوده وصفاته، ثم باب النبوة، الذي يتناول التعاليم الإلهية التي أُوحي الله تعالى بها إلى الأنبياء، وأخيرًا باب السمعيات، الذي يشمل القضايا الأخروية المستندة إلى الوحي.

هذا الترتيب الذي درج عليه علماء العقيدة صار محل انتقاد الحداثيين؛ إذ عمل الموقف الحداثي على تغيير هذا الترتيب تماشيًا مع الرؤية الحداثية فبدل موضوع الألوهية وضع موضوع الإنسان، وبدل موضوع الوحي حل العقل، وبدل العبادة التي تترتب على الإيمان كالدعاء صار ينظر إلى الدنيا وإلى مصلحة الأمة، فما هي الحداثة وما مشروعية تعاطي الحداثيين مع مباحث العقيدة على النحو المبين أعلاه؟

أولا: دلالة الحداثة

  • الدلالة اللغوية:

من الناحية اللغوية تأتي كلمة “حداثة” في اللغة العربية بعدة معـان كلها بعيدة عن المعنى المتداول في الكتابات الغربية المعاصرة، من هذه المعاني:

  • الحداثة بمعنى الشباب؛ ورد في لسان العرب: حداثة السن كناية عن الشبـاب وأول العمر، ويقال: رجال أحداث السن وحدثانها وحدثاؤها، ويقال: هؤلاء قوم حدثان بمعنى جمع حدث، وهو الفتي السن([1]).
  • الحداثة بمعنى الجدة، ترد كلمة “حداثة” للدلالة على الشيء الجديد، ومنه الحديث نقيض القديم. وفي لـسان العرب: والحدوث نقيض القدمة، وحدث الشيء يحدث حدوثا وحداثة، وأحدثه هو فهو محدث ……………………….

 

([1]) ابن منظور: لسان العرب المحيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ج2، ص132.

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Secret Link