أبحاث

مظاهر التعاون بين البنوك الإسلامية في أوربا والبنوك الغربية

العدد 41

بعد مرور أقل من ساعتين على توقيع مرسوم إنشاء بنك دبي الإسلامي- أول بنك إسلامي- كانت الأذاعة البريطانية أول من طير الخبر في الآفاق.

ومنذ حوالي سنتين نشرت جريدة الجارديان مقالا عن البنوك الإسلامية ذكرت فيه أن أموال دول الاوبك في الغرب تبلغ حوالي 350 بليون دولار وأن دول الخليج وحدها لها 75% من هذا المبلغ. وأشارت إلى أن نسبة ضئيلة من هذه الأموال كفيلة باقإمة شبكة ضخمة من المؤسسات المالية.

ورغم هذا كانت التقديرات الواقعية أن من الصعوبة بمكان تصور أن تبلغ البنوك الإسلامية حجم المنافسة للبنوك الغربية. كما أشارت نفس الصحيفة إلى أن أموالا ضخمة مودعة في حسابات قصيرة الأجل في. بنوك الغرب لا يتقاضي أصحابها فوائد عنها لأسباب دينية.

والواضح من هذين المثالين أن ما يتبادر إلى الذهن هو أن العلاقة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية هي علاقة عدواة وتنافس وليست علاقة تعاون. كان هو التساؤل الذي يثيره دائما الحديث عن إقامة بنوك إسلامية في أوربا، وكان ردي دائما على هذا التساؤل هو النفي، إذ أننا حين قدمنا أوربا في نهاية 1978، وحين افتتحنا مصرف الدانمرك في أوائل 1983، وكان واضحا لنا أننا نتكامل ولا نتنافس- فضلا عن أن نتعادى مع البنوك الغربية.

ان العلاقات الاقتصادية عامة والمالية خاصة لا يمكن أن تتم بين فئات بعينها منعزلة عن باقي المجتمعات. فالمصالح المادية الكامنة وراء هذه العلاقات متشابكة مترابطة، والمنافع متبادلة بين مختلف الشعوب.

وليست الشعوب الإسلامية استثناء في هذا المجال.

وطالما أن حركة تصدير المواد الخام إلى الغرب واستيراد الانتاج الصناعي والزراعي والتقني من الغرب مستمرا فسيظل الأساس هو التعاون لا التنافس، إذ ليست الأنشطة المالية عموما والمصرفية خصوصا إلا انعكاسا لهذا التبادل.

قد يظن البعض أن الصحوة الإسلامية المعاصرة تعوق نمو هذا التعاون بين المسلمين وغير المسلمين، وهذا ظن غير صحيح، إذ أنه من الناحية الدينية لا يوجد في الإسلام أي مانع من التعامل بين المسلمين وغير المسلمين.

كما أن الواقع التاريخي في أشد عصور الازدهار للدولة الإسلامية شاهد على وجود هذا التعاون عبر العصور.

وقد يقال أن هدف إنشاء بنوك إسلامية في أوربا، المتمثل في خدمة الجاليات الإسلامية المقيمة في أوربا والقيام بدور المراسل للبنوك الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي، يبرر خشية البنوك الغربية من منافسة البنوك الإسلامية لها في هذين الميدانين.

وهذا القول صحيح في مجمله ولكنه ليس خطيرا في محتواه ولا نهائيا في نتيجته… هو صحيح في مجمله إذ أن طريقة عمل البنوك الإسلامية كانت غريبة على البنوك الغربية، ولذلك كان من الصعوبة بمكان ترتيب علاقات المراسلين وتبادل الخدمات المعتادة بين هذين النوعين من البنوك.

كما أن المسلمين المقيمين في الغرب يتحرجون من التعامل مع البنوك التقليدية أخذا أو عطاء لأسباب دينية معروفة.

لذلك كان ضروريا أن تحاول البنوك الإسلامية إيجاد مركز لها في الغرب تخاطب منه كلا من البنوك الغربية والجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب.

ولكن هذا الوجود رمزي إلى حد كبير، وهو لذلك لا يمثل خطرا على البنوك الغربية لأنه أقرب إلى مكتب تمثيل، أو إلى المشروع الرائد Project Pilote منه إلى المنافس الخطير، وهذا واضح من حجم رأس المال والميزانية إذا قورن بالأرقام الفلكية التي تمثل حجم البنوك الغربية منفردة ومن باب أولى مجتمعة.

ثم إن هذا الوضع ليس نهائيا بل هو مجرد البداية، ولا يتصور أن يكون اتجاه التطور في انشاء المزيد من البنوك الإسلامية بحيث تصبح منافسا خطيرا للبنوك الغربية. بل إن التطور الذي بدأت تلوح بشائرة في الأفق يتجه الى مزيد من تفهم البنوك الغربية لطريقة عمل البنوك الإسلامية، خاصة وأن المصرف الإسلامي في الغرب لا يحظى بأي امتيازات أو استثناءات من القوانين المصرفية الغربية، بل إن عليه أن يتعايش معها وأن يعمل في نفس الوقت وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

فإذا تبلور أساليب وصيغ العلم المصرفي الإسلامي تحت نظر وسمع السلطات المصرفية والبنوك القليدية الغربية، وأثبتت نجاحها، فلا نظن أن البنوك الغربية ستتوانى عن فتح فروع للمعاملات الإسلامية بها منفصلة في مواردها واستخداماتها عن بقية أنشطتها بما يطمئن العملاء المسلمين والبنوك الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي إلى التعامل معها، وقد بدأت بالفعل بعض البنوك الغربية الكبيرة في ترتيب اتفاقيات لاستثمار أموال البنوك الإسلامية بالطريقة المقبولة إسلاميا.

ولا نشك في مقدرة هذه البنوك على الجمع بين التقاليد المصرفية الأصلية والفرص الاستثمارية المتاحة أمامها من ناحية وبين الأساليب والصيغ الإسلامية في المعاملات بما يفتح أمامها مجال استثمار فوائض الأموال المتراكمة في بعض البنوك الإسلامية مما يعود بالخير على جميع الأطراف.

لقد سلكت البنوك التقليدية في مصر هذا المسلك منذ أكثر من ثلاث سنوات فأنشأت فروعا للمعاملات الإسلامية وأصبحت هذه الفروع تزيد في عددها عن البنوك الإسلامية الأخرى.

بل لقد كان هذا هو تعليق الدير الانجليزي لمجلس النقد في دولة الامارات         ( الذى كان يقوم بدور الرقابة على البنوك قبل إنشاء بنك دبي الإسلامي حيث استدعى المرحوم عيسى عبده مستشار البنك حينئذ الى مكتبه وبعد مناقشة طويلة حول طريقة عمل البنك الإسلامي قال له: إذا نجحتم فسنتحول إلى طريقتكم حتى لا نفقد عملاءنا…

قد يبدو غريبا أن تكون هذه هي النظرة المستقبلية للمصرف في الغرب، ولكن لا غرابة في الموضوع إذ أن هدف المصرف الإسلامي ليس احتكار العمل المصرفي الإسلامي وإنما نجاح الفكرة وانتشارها. لقد استحدثت البنوك الغربية في السنوات الأخيرة كثيرا من الأدوات والنظم التي لم تكن معروفة من قبل في الأوساط المصرفية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

Factoring

Floating rate notes

Index – related A/C

Convertible bonds

Ecu/ Sdr bonds

Current gold A/C

Financial Futures

Options

ونظن أن البنوك الغربية لو نظرت إلى الأساليب والأدوات الإسلامية في العمل المصرفي بنفس الروح التجديدية التي أوحت لها بهذه الأدوات المبتكرة، فسيكون بإمكانها تقبل الأساليب والأدوات بل والمعاونة على تطويرها واستخدام المزيد منها.

ونحن نأمل أن تنظر البنوك الإسلامية إلى البنوك الغربية على أنها عملاء جيدون وتعاملها على هذا الأساس.

ماهي مظاهر التعاون الممكنة التقليدية بين البنوك الإسلامية في الغرب والبنوك الغربية؟

بالاضافة إلى صور التعاون التقليدية بين البنوك، نركز على النقاط التالية:

1- ان أهم ما يشعل البنوك الاسلامية عامة- والبنوك الإسلامية في الغرب انعكاس لها- هو مشكلة الاستثمار القصير الأجل خاصة Over night  بصورة مقبولة إسلاميا بطبيعة الحال، وأظن أنه بإمكان البنوك الغربية المعاونة في ترتيب استخدام هذه الأموال في تمويل عمليات تجارية قصيرة الأجل وفقا لصيغة يتفق عليها بين البنكين.

2- هناك كذلك إمكانية ترتيب خطوط ائتمان متبادلة بعملات مختلفة دون فوائد حيث يجري السحب على المكشوف بعملة معينة بضمان وديعة أخرى وفقا لشروط يتفق عليها لبنكان بما يمكن معه من تحاشي تحمل أخطار تقلب العملات دون اللجوء إلى وسيلة المراجعة hedging  التي تثور حولها بعض الشبهات من الناحية الإسلامية.

3- هناك كذلك إمكانية التمويل المشترك الطويل الأجل لبعض المشروعات في العالم الإسلامي ( وكذلك الضمانات المشتركة ) بطريقة الكونسرتيوم المعروفة ولكن على أساس المشاركة في الربح.

4- كما أن هناك إمكانية الاشتراك في طرح شهادات استثمار متقاسمة الأرباح تستثمر حصيلتها في تمويل مشروعات بطريقة مقبولة إسلاميا، وتقوم البنوك الإسلامية والغربية بتسويق وتنظيم تداول هذه الشهادات، كما تتعاون في الاشراف على إدارة اسثماراتها بطريقة ال unit trust المعرفة في انجلترا وسويسرا.

وقائمة مجالات التعاون لا تننهي…

المهم أن نبدأ فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر