حوار

حول (اليسار الإسلامي)

العدد 3

  • رد على مجلة الحوادث (1)

قرأت عرض الأستاذ طلال رحمة لمجلة ” المسلم المعاصر ” ، الذي ناقش فيه اتجاه المجلة وموضوعاتها كما برز في عددها الافتتاحي .

وبصفي ممن أسهموا في الكتابة في ذلك العدد من المجلة تحت عنوان ” أتوقع أن تكون هذه المجلة ” ، وقد أشرت في صدر ما كتبت إلي توقعي أن تكون المجلة نسان ” اليسار الإسلامي ” أو ” اليسار المسلم ” ، فقد رأيت أن أشارك في المناقشة الخصبة التي أثارها الأستاذ رحمة تحت عنوان تسأوله المعبر الذي له دلالته ومغزاه ، وهو : هل هناك يسار المسلم ؟ ؟

وأحب أن أؤكد في صدر كلمتي أن تعبير ” اليسار المسلم ” لم يرد في المجلة قط إلا فيما كتبته أنا من باب الأمل والرجاء ، أو من باب التوقع والانتظار ، وأنا لست من المسئولين عن تحرير المجلة ، فرأبي رأي شخصي فردي بحث . . . . وليس فيما أقرره تبرؤا للمجلة ذاتها بشخصيتها المعنوية أو الاعتبارية مما حمله حديثي ، فالمجلة هي صاحبة الحق في أن تتبرأ من ذلك أو تتبناه أو تكون محايدة أزياءه ، وقد أكد المسئولون عن تحريرها أن ما تنشره يمثل وجهات النظر الشخصية للكتاب . . . . فأنا أقرر الحقيقة الواقعة وحدها ، دون مظنة تبرؤ أو تراجع أو استنكار .

ذلك أن عرض الأستاذ رحمة قد ركز على ” اليسار المسلم ” باعتباره اتجاه المجلة العام ، فعنوان المقال ” هل هناك يسار مسلم ” ؟ وفي صدره يرد التعريف بالمجلة على هذا النحو ” اسم المجلة : المسلم المعاصر ، وانتماؤها هو اليسار المسلم ” ثم تتوالي العبارات كل مجموعة من السطور ونقاط البحث ” . . . يتابع اليسار المسلم . . . . واليسار المسلم يدين . . . . ثمة موقف أخر تتخذه جماعة اليسار المسلم . . . صحيح أن اليسار المسلم . . . .يكفي أن تعلن عن نفسها بأنها ممثلة اليسار المسلم . . . ” وقد أحببت فقط أن أقرر الواقع إزاء هذا التعبير ، ومسئوليتي عنه ، حتي يرد الدليل علي اعتناق المجلة لهذا الاتجاه أو تأييده .

أما ما ورد في مقال أخر عن التخوف من ألا تري المجلة النور طويلاً ، وأن اضطر إلي أن تنتقل من مخبأ إلي مخبأ ، فهو ما أرجو أن تكون البلاد العربية جميعاً قد تحررت منه وأمنت الانتكاس إليه .وصاحب العرض الشامل المستوعب للمجلة : الأستاذ طلال ، يبرز دعوتنا إلي ” الحوار ” مع كل الأفكار والنظريات ، وإلي ” التعاون ” أيضاً ” ما دمنا نعيش في ” كوكب ” يضمنا مع غيرنا من سائر الشعوب ، وما دام ” تاريخ العالم ليس مجرد صراع بين حضارات ” ، وما دام واجب المسلمين أن يتجاوزوا الظن الساذج السطحي بأن واجبهم هو أن ” يصارعوا بحضارتهم الإسلامية العريقة الحضارة الغربية الحديثة ” . . . . والكاتب يقرر أن فضل المجلة الأكبر ” أنها تفتح باب الحوار ، بل سعي إلي هذلحوار ” !

ولكن بدت من الأستاذ الكاتب في عرضه نقاط وكلمات ، تلقي شكوكاً حول إيمانه هو بمثل هذا الحوار ، رسمية المقابل إليه . . . فالحوار المثمر بين اتجاهات إيديولوجية متعارضة بطبيعتها يحسن أن يتوقي الانطلاق من مسلمات عقيدية ” دجماتية ” تدين أفكار الغير ابتداء ، ويحسن أن يتجنب ” تقييم ” أي فكر أخر بمقياسه الخاص للقيم . . . . وإلا فإن أي حوار يبدأ في ظل مثل هذا المناخ ، ستنقطع أنفاسه سريعاً ، ويجهض من أولي مراحله !!

فإذا استهل المسلم مثلاً الحوار مع غيره ممن يعتبرون ” المصالح المادية ” للمجتمع هي الأساس ، ويعتبرون ” المنهج العلمي المادي ” هو أداة المعرفة الوحيدة الموثوق بها . . . فبادر هنا المسلم إلي إدانة هذا التفكير ووصمه بأنه كفر وزندقة ، وأنه لا حوار مع من لا يؤمن بالغيب ولم يرد إلا الحياة الدنيا ، فمعني ذلك توقف الحوار فوراً ، لا فتقاد أي أرض مشتركة بين المتحاورين ، رأي لغة مشتركة في الحوار . . . إنه حوار الصم الأبتر الأجدب العقيم !!

والأستاذ طلال في عرضه المستوعب للمجلة ، يبرز دعوتها للحوار ، وأهمية القضايا ” الجريئة جداً ” التي تطرحها ” من داخل الحركة الإسلامية ” نفسها . . . لكنه لا يفتأ يقيس كل هذه القضايا الجريئة والأفكار المخالفة وللاتجاهات الدينية السائدة ” بمقياسه الايديولوجي الذي اعتنقه وأمن بصلاحيته وعلميته ، وهو حر بالطبع في اختياره ، وفي احتجاجه بما يعتقد سلامته . . . ولكنه إذا كان مؤمناً حقاً بجدوي ” الحوار ” وثمرته ، فعليه أن يتريث شيئاً ما في اخذ الغير بمعاييره وأحكامه ، حتي لا ينقطع الحوار !!

إنه يعرض موقف ” المسلم المعاصر ” من التراث : ” التعليم لا الحفظ العقل لا الخرافة ، نقد التراث لا تقديسه ” . . .

ولا يغفل أن يعقب على ذلك ، قائلاً ” هذا الفهم للتراث قد يكون عصرياً ، لكنه ليس جذرياً . . .” !!

كذلك يثي الاستاذ طلال على أسماه ” موقفاً ليبرالياً تتخذه جماعة اليسار المسلم في النظرة إلي التاريخ ” . . . . لكن لا يفوته أيضاً أن يعقب ” صحيح أن اليسار المسلم لا يستخدم كلمة ( طبقة ) ، ولا يصل بنتائجه إلي حد تحليل التاريخ العربي وضمن الاتجاهات الفكرية والسياسية التي أنتجتها تلك الحقبة من تاريخنا ، لكنه يخطو خطوة متقدمة باتجاه دراسة الإسلام دراسة تاريخية . . . .”

تري هل لا بد من تطابق كامل ، مع نزعة إيديولوجية معينة في تقييم ( التراث ) تقييماً جذرياً ، وتفسير التاريخ تفسيراً طبيعياً ، حتي يكون المسلم ” معاصراً ” حقاً ، وحتي يستطيع الحوار مع الغير ، والتفاهم مع ثقافة العصر ومثقفيه ؟ ؟ وهل البدء من هذه ” اليقينية ” الصلبة أو المتصلبة ، ييسر الحوار وبالتالي اختلاف الآراء والنتائج ، وطالما دار فيها الحوار طويلاً داخل كل التجمعات الإيديولوجية ذاتها ، كما دار بينها وبين غيرها ، دون تفريط أي منها في مسلماته العقيدية ” الدجماتية “، ولكن يقترن ذلك بحرص شديد أخر على إتقان ” تكنيك ” الحوار ومنهجيته ليكون مثمراً . . . . والكاتب يعرف بالطبع الحوار الذي دار داخل ” رابطة الشيوعيين اليوغسلاف ” ، وحوار سارتر مع الشيوعيين الفرنسيين ، وقد أشار إلي ما ذكره ” روجيه جارودي ” ، ويعرف ما تناولته وصية الزعيم الشيوعي الإيطالي ” تولياتي ” ، وما أعلنه منذ قليل الزعيم الشيوعي الإيطالي الحالي برلنجر Berlinguer .

ولكن الأمر يختلف داخل بلادنا العربية . . . وأذكر أن الرئيس القذافي في ليبيا حين استهل ثورته وعهد حكمه بالحديث عن ” الحرية والاشتراكية والوحدة ” ، هلل له كثيرون في الأوساط السياسية العربية ، وأدرجوه في الزعامات ” التقدمية ” العربية دون جدال . . . فلما بدأ يعرج على ” الإسلام ” وما أسماه بـ ” النظرية الثالثة ” ، روجع التصنيف وأدرج القذافي فوراً بين ” الرجعيين ” !! . . ولست متحمساً لطريقة عرض ” النظرية الثالثة ” ، ولا أرضي كمؤمن بالديمقراطية عن تعطيل الدستور والمؤسسات السياسية لأمد طويل أو قصير في أي بلد ، ولا أحب كمسلم معاصر أن تقترن الدعوة للإسلام بالدكتاتورية في أي شكل من أشكالها . . . ولكني فقط أحبيت أن أشير إلي مدي الحاجة للموضوعية والمنهجية بين معتنقي سائر الايديولوجيات – ومنها الإسلام بالطبع ، حتي لا ينسف أي حوار منذ بدايته ، أو يفقد المرونة اللازمة للاستمرار ، مختنقاً في عنق الزجاجة ، أو معقداً بما لا تجدي فيه أية محاولة للحل .

وأخشي أن يكون الأستاذ طلال غير مؤمن أصلا بهذا الحوار مع المتدينين أياً كانوا ” معاصرين ” أو ” يساريين ” ، كما نتم عن ذلك ختام عرضه للعدد الافتتاحي من مجلة ” المسلم المعاصر ” : ” لكن السؤال الصعب هو : إلي أي مدي يكون الشد بهذا الاتجاه ، والحوار معه مفيداً وضرورياً ؟ وهل يستطيع هذا الاتجاه الديني الليبرالي تحقيق بعض مهمات التقدم الاجتماعي ” ؟ ؟ . . .

وأخشي أن يتضافر يأس الأستاذ الكاتب ، مع يأس أخر عند الكتاب الإسلاميين يبدو أن الكاتب يستنكره ويرحب بالتخلص منه ، وهكذا ينقطع الحوار . . . .

قبل أن يبدأ .

 

 

 

 

 

 

 

 

2 –  تعقيب على تعليق

ودفاع عن ” اليسار الاسلامي ”

 

قرأت في العدد الثاني تعليق الدكتور يوسف القرضاوي وكذلك تعليق الأستاذ عبد الحليم عويس وأشكر الأستاذين حسن ظنهما بالكاتب ، وأدعو الله أن يوفقنا جميعاً لصالح القول والعمل ، وأن يجبنا فتنة القول والعمل .

وأحمد الله على أن أثارت كلمتي البحث والنقاش . . . . فالإسلاميون في حاجة إلي أن ينتقلوا من ( المسلمات ) العامة إلي المعالم المفصلة المحددة التي تختلف عندها الآراء ووجهات النظر . . . الإسلاميون في حاجة إلي حيوية الاحتكاك والنقاش التي لا يحدها إلا الالتزام الموضوعي والمنهجي والخلقي بـ “الكلمة الطيبة ” و”الجدال بالتي هي أحسن ” .

***

ولعل الأستاذ عويس قد يستغرب مني أنني متفق مع غالب ما قرره . . . . واستغرابه هذا قد لا يقل عن استغرابه إن يصدر عني ما صدر بشأن ” اليسار الإسلامي ” .

ولو أردنا “تحرير النزاع ” كما كان يقول سلفنا الصالح من الباحثين ، لوجدناه يتمثل في مدلول “اليسار” . . . . فهو عند الأستاذ عويس مرادف ” للماركسية ” تقريباً إذ هو يري “أن حجم التفرقة المزعومة لا يزيد عن حجم التفرقة المزعومة لأغراض سياسية وإعلامية بين اليهودي والصهيوني ” .

وأعتقد ان ثمة تفرقة ايديولوجية واستراتيجيه حقيقية بين (اليهودي ) و ( الصهيوني ) ، لا يغض منها أن يكون الغالب على اليهودان يكونوا صهيونيين ، فما زال حكم (الأقلية) اليهودية التي ليست صهيونية يذكر بأن اليهودية – أياً كانت بذور العنصرية في تراثها المتداول – دين ، قد يري معتقوه لسبب أو لأخر إن ظهور “المسيا” المنتظر Messiah ليس هو قيام إسرائيل ، وان ظهور المسيا المنتظر يأتي بمنحة من الله لا يجهد بشري قاصر . . . وثمة يهود متدينون يرون في (إسرائيل) تحريفاً وتجديفاً وثمة متدينون قانعون لأسباب متعددة بالمعيشة في ظل الدول والجماعات التي يعيشون فيها . . . . وتجاهل هؤلاء مهما كان حجمهم – موقف غير سديد فيما أري من الوجهتين العقيدية والسياسية .

ومن وجهة النظر الفقهية ، أظن ان ( عقد الذمة ) مع اي يهودي يعيش في دولة إسلامية لا ينتقض لمجرد إن الصهيونية ظهرت في الأفق تهدد المسلمين وبلادهم ومصالحهم ، ولا ينتقض بمجرد (الشك ) في ان أي يهودي قد يتعاطف مع الصهيونية .

والإسلام يحرص على تضييق منافذ الشيطان ، وتوفي فتنة الناس وصدهم عن سبيل الله بإثارة عداوتهم وأحقادهم ، ويحرص على مداواة النفوس دون تراجع أو ممالاة على الأصول . . فهو يقرر مثلا “لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالثة ” لكنه يسلك بهم مسلكاً غير مسالك الكفار في معاملات الشريعة . .  وهو يناقش أفكار اليهود وأخلاقهم ولكن يوجلهم في “أهل الكتاب ” الذين تميزهم أيا كانت انحرافاتهم – الاتجاه إلي الله الواحد والاعتقاد في رسله وكتبه وجزائه ، ومن ثم يعطيهم مكاناً معيناً في التعامل والمعاشرة .

وهدي الإسلام في التعامل مع البشر ، وأحكامه في حقوق الإنسان المقررة ، والضمانات الشرعية لها ، لا ينبغي آن تضيع لمجرد الشكوك ، ولا تسلب من الأقلية تعللا بسلوك الأكثرية ” ليسوا سواء ” ، من أهل الكتاب أمة قائمة . . . .” ” كل امرئ بما كسب رهين ” “ولا تزر وازرة وزر أخري ” “منهم أمة مقتصدة ، وكثير منهم ساء ما كانوا يعملون ” “ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً “.

وقد تستدعي التورطات السياسية من بعض الأفراد احتياطاً إزاء غيرهم ممن لهم مثل ظروفهم ، ولكن هيهات إن ينال ( الشك الجماعي ) من الضمانات الشرعية المقررة للإفراد ، إذ لابد من التبين لا الجري وراء الظنون باتهام في الفكر أو السلوك . . . وهيهات أن يتورط القانون في التجني والنيل من الحقوق ، فخطأ الأفراد لا يبرر تعدي القانون الذي يلتمس في رحابه الأمن والضمان .

هذا استطراد لا ينبغي إن يتزايد حجمه . . . . ولنعد إلي (المشبه) بعد هذه الإشارة إلي (المشبه به ) . . إن كان القارئ الكريم لا يزال يذكر دروس علم المعاني من فروع البلاغة في مقررات التعليم الثانوي قديماً . . و(التشبيه) أمر يسير معروف حتى لمن عاصر مقررات ومناهج قد تكون أحدث بكثير .

***

الشيوعية فكرة أو (ايديولوجية) ، تتضمن أراء محددة ، بعضها يمثل أصولا فلسفية ومنهجية للفكرة ، وبعضها يمثل النتائج والتطبيقات المرتبة عليها في تنظيم الاقتصاد والدولة . . . . .

أما (اليسار) : فهو موقف عام ، لا يتضمن أية تفاضيل محددة غير المعارضة الجذرية لوضع قائم فاسد ، ولذلك فهو يتسع لكثير من الأفكار والاتجاهات المتباينة . . . و(اليسار الكاثوليكي ) مثلاً قد يعادي الشيوعية مثلما يعاديها أي كاثوليكي مخلص . . . ولكنه يرفض أن يقف ضد قضية شعبية يراها عادلة لمجرد أن الذي رفع لافتتها كان شيوعياً مثلاً ، ويري أن محاربة الشيوعية تكون اجدي بالتجاوب مع الجماهير والدفاع عن مطالبها العادلة وعدم ترك الميدان للشيوعية وحدها لتحتكر المرافعة عن القضايا الشعبية ، كما يري اليسار الكاثوليكي أن الدعوة لدينه قد تكون أكثر فعالية بهذا الالتحام والنضال من (التبشير ) الفردي أو الجماعي المحدود ، ومحاولة اصطياد الأفراد المعدودين لمؤسسات التبشير ومدارسها ومستشفياتها وكنائسها التي تكلف أموالاً باهظة .

وإذا كانت المسيحية لم تتناول مجال التشريع ، فليس معني ذلك إن ( اليسار الكاثوليكي ) وهو يتضمن قسساً ، على جهالة بأن الفلسفة المادية التي تقوم عليها الشيوعية تصادم العقيدة الدينية في الأصل والأساس . . . ولكن اليسار الكاثوليكي الذي قد يحتضن بعض قضايا التمرد الشعبي أو العمالي في اسبانيا ضد دكتاتورية فرانكو ، او يتعاطف مع أمال (الباسك) وأمانيهم كأقلية عنصرية هناك ، أو يشارك في التحركات الجماهيرية بأمريكا اللاتينية . . . هذا اليسار الكاثوليكي قد يساسر في موقفه الشيوعيين بالنسبة للعمل في هذه القضايا ، ولكنه لا يفكر مثلا في تسليم الدولة ( لدكتوتورية البروليتاريا ) والحزب الشيوعي . . . . . كما أنه يعلم تماما ً ما الذي يفصله عن الشيوعية عقيدة وقيماً وأخلاقاً وسلوكاً .

وأما اليسار ” اليهودي ” الذي قد يكون المعلق أو ما إلي أني قد تجاهلته فدراسته وتقويمه ما زالا يواجهان مصاعب جمة ، فاليسار الإسرائيلي يحجبه العدوان الصهيوني واليسار اليهودي خارج إسرائيل منبث في اليسار عموماً ولم يصر له ثقل ذاتي مثل اليسار المسيحي ، لان يهود أوربا يعملون داخل منظماتها السياسية والنقابية العامة وإذا كان ليهود الولايات المتحدة كيانهم ونشاطهم الذاتيان ، فان النشاط الجماعي لهؤلاء لا يتخذ مواقف إيديولوجية عامة ثابتة ( ولا ينفي هذا اتخاذ المواقف السياسية الجزئية ) ، ومن هؤلاء من يعلن انتماءه لليسار لكن مازال دورهم وثقلهم اقرب إلي التغيير الفردي منه إلي التعبير الجماعي .

و ( اليسار) قد يحتوي داخله جماعات ذات اتجاهات فكرية متباينة ، وليست بالضرورة كلها شيوعية أو حتى اشتراكية وإنما تشترك في المعارضة الجذرية ( الراديكالية ) للواقع القائم سياسياً أو اقتصادياً . . . .

والاشتراكية الديمقراطية في أوربا مثلاً ، معدودة من قوي اليسار بطبيعة موقفها ، ولكنها جرت في تقاليدها طويلاً على التصدي في ثبات لكل محاولات ( الالتفات ) و ( التطويق ) الشيوعية ، ومنعها من ركوب الموجة ولطالما شكي الشيوعيين من الاشتراكية الأوروبية ، مر الشكوى ، واعتبروها أنكي عليهم من الرأسمالية ، وقد يتحالفون مع أحزاب من هنا وهناك ويعز عليهم أن يتحالفوا مع حزب اشتراكي أوروبي .

وقد يغمز الشيوعيون بعض القوي اليسارية بأنها يسار ( خائن ) و ( زائف ) ولكن هذا لا يمنع احتسابها من قوي اليسار حسب الاصطلاح فالشيوعيين ليسوا الأوصياء على اليسار ولا على البشر .

فإيضاح الأستاذ توفيق الحكيم إذن يتفق مع المعروف في علم السياسة وواقعها على السواء وهو كاتب حذر بطبيعته ولا يتورط إيديولوجيا دون مقتض . . . . وله من شهرته ومكانته ما قد يحميه من ضغوط السياسة شأنه في ذلك شأن غيره من الأسماء اللامعة التي حماها بريق أسمائها إلي حد كبير من الضغوط ، وبخاصة اذا كانت مأمونة الجانب من ناحية ( الثقل ) السياسي و (التجمع ) الشعبي .

***

فإذا اقتنع المعلق بأن هناك تفرقة موضوعية إيديولوجية بين ( الشيوعية ) و (اليسار) ، مهما اختلطت مجاريمها في الاحتكاك اليومي والتحرك الجماهيري ، فانه يستطيع أن يحذر – وهو محق – من أن هذا الاختلاط قد يؤدي إلي اللبس والتخطيط ، عند دعاة الإسلام ، أو عند الجماهير التي تأخذ عنهم أفكارهم وسلوكهم . . . .

وهو خطر محتمل متوقع ، وبحثه واجب ،على أن نجعل في أذهاننا الخطر المقابل ، وهو خطر التقوقع والانعزال ، أو خطر الغموض والتأرجح في نظر الرأي العام ، أو خطر احتساب الإسلاميين بين قوي ( اليمين ) المكررة شعبياً دائماً حسب العرف الاصطلاحي السياسي المعاصر .

وإذا اقتنع المعلق بالتفرقة بين ( الشيوعية ) و ( اليسار ) واستثمارها لصالحهم ، فلا يعني هذا ان التفرقة تكون باطلة أو مرفوضة طالما نادي بها هؤلاء ، فالشيوعيون كثيراً ما يرفعون شعارات أو مبادئ من الحق ليريدوا من ورائها الباطل . . . . وقد يرون تأمين أنفسهم أو جر الناس إلي حبائلهم حين ينفردون في الميدان . . . واقتحام الإسلاميين المجال تأمين ( اليسار ) من أن ينفرد به هؤلاء .

وأذكر أن داعية الإسلام المجاهد في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله ، ما وجد من بأس أن يضمه العمل السياسي أحياناً مع الشيوعيين في صف واحد . . . . وسمعت عنه قال مرة : ربما كانت ( الشيوعية ) الخميرة التي تنضج الوعي الإنساني للتفتح على الإسلام . . . . والشيوعيون بالطبع يؤملون في نفس الكسب من وراء العمل مع ( اليسار ) المتدين . . . والأرض لله يرثها من عباده الصالحون ، والعاقبة للمتقين .

***

وأخيراً إذا اقتنع الأخ المعلق بالتفرقة ، بين ( اليسار ) و ( الشيوعية ) مهما اختلطت مسالك العمل وخطوات المسيرة ، فانه سيبرئ الكاتب من التناقض مع ما خطه في كتابه ” التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير فالكاتب مصر على كل حرف سطره في هذا الكتاب ، ويرجو أن يلقي الله عليه ، مؤملاً أن تكون هذا العمل أهلا للرضاء والقبول .

والكاتب يحمد الله على انه ما افلتت منه فيما كتب من مقالات وكتب عبارة مثل ( الاشتراكية الإسلامية ) أو ( اشتراكية الإسلام ) . . . لأنه يؤمن عقيدة وعلماً أن ( الاشتراكية ) شئ وان ( الإسلام ) شئ أخر . . . . وان الإسلام قد يلتقي أكثر من ذلك في بعض تفاصيلها ، لكن ليس معني هذا أن تعتبر الاشتراكية بأصولها ومناجها وتفاصيلها جزءاً من الإسلام أو توصف بأنها إسلامية . . . ولا تقبل الاشتراكية أن تتنازل عن شئ من مقوماتها لتلتقي بالإسلام ، كما أن الإسلام هيهات أن يتنازل عن عقيدته ليلتقي مع أي فلسفة مادية ، مهما التقي مع إطارها التنظيمي في أمور كثيرة أو قليلة .

والإسلام لا يقبل أن يتخلي أيضا عن مسلمين يعيشون في ظل نظام رأسمالي إذا كان مثمراً نافعاً لهم ، يتحري تكافؤ الفرص في المنافسة ، ويتدخل ضد الظلم الاحتكاري ويمنع أي حيف اجتماعي . . ذلك أن الرأسمالية ليست ( الشيطان الرجيم ) في كل معالم تنظيمها ، والرأسمالية لم تبق جامدة على صورة معينة فيما انتهي إليه تطورها ، ولم تتقوقع في الصورة ( الليبرالية المطلقة ) التي استهلت العصر الحديث ، وهي تنشد اليوم إقامة ” دولة الرفاهية العامة ”  Weifare State ، والإسلام لا يقرر اللعنة ( والحرمان ) بالنسبة لأي نظام إلا بقدر ما يثبت البحث في أصوله وواقعه مصادمته لمصالح الناس أو المبادئ الإسلام ذاته .

والإسلام يستفيد من نشاط الفكر الاشتراكي والفكر الرأسمالي والفكر الديمقراطي ، ومن كل فكر إنساني يحقق العدل الذي قامت به السموات والأرض ، وهو يوظف نتاج العقول جميعاً – بطريقته –  لتحقيق أصوله ومبادئه ، ” فأيما طريق استخراج بها الحق وعرف بها العدل فم شرع الله ودينه ” كما أبرز ذلك في اقتناع وإمتاع الإمام ابن القيم رضي الله عنه وأرضاه في عليين .

وأما ( اليمين ) بين المسلمين في عرف ( اليسار ) ، فأصحابه يلحون على الالتزام بأحكام الصلاة والصيام وسائر شعائر الإسلام ، وبالفضائل والآداب التي لا تمس الأوضاع الجائزة والفوارت المجحفة ، ويتعمدون في إصرار السكوت على مثل تلك الأوضاع ، ومهادنتها دون حجة مقنعة ، ويعتبرون الكلام فيها حراماً محظوراً . . . ومثل هؤلاء قائمون كثيرون بين المسلمين ولا يمكن الحكم بإخراجهم من الإسلام بحال من الأحوال ، وإنما يمكن ( التصنيف ) للتمييز بين القوي والاتجاهات في داخل المسلمين .

و ( اليسار المسلم ) شئ في ضوء ما أوضحت – غير ( الاشتراكية الإسلامية ) المقول بها و أري في هذا التعبير نفسه خطأ علمياً دينياً معاً . . . . ( فاليسار المسلم ) أو ( الإسلامي ) كما قلت : موقف عام لا تفاصيل وليست كذلك الاشتراكية .

أما ناكاري وصف ما حدث من اختلافات واعتراضات في عهد الخلفاء الراشدين بانه ( صراع بين اليمين واليسار ) ، فهو ما أصر عليه في ثبات حتى اليوم . . . . لان اليمين واليسار من الاصطلاحات المحدثة التي تعارف عليها الناس في عصر معين له أوضاعه ومقوماته ولهذه الاصطلاحات تاريخها ومفهومها ودلالتها ، وهي تفسر الإستراتيجية الإيديولوجية في القرن العشرين ، وقد تفسرها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر . . .  ولكنها إذا جرجرت إلي المجتمع الإسلامي في شبه جزيرة العرب في أوائل القرن الأول الهجري ( السابع الميلادي ) لتستخدم في عسف وقسر من اجل تصوير أوضاعه السياسية وتفسيرها كان ذلك قياسياً منقوصاً من أساسه ، وليس فقط قياساً مع الفار

***

كذلك قرأت ما يتعلق بي من مقال الأستاذ يوسف كمال محمد ، والذي قرأته يؤكد حاجتنا إلي تنمية ( عادة ) الحوار فينا ، والحرص على استمراره وإثماره ، وألفة الآراء المتعارضة أو المخالفة لما هو سائد ، ومجاهدة النفس بالعقل لتوقي الضيق بالرأي المخالف أو بصاحبه ، والحرص على ألا ينقطع الحوار بأي حال ما دام ليس لجاجاً مذموماً .

وحديث المعلق عن نتاج الحضارة الغربية في مجال الدراسات الإنسانية وإهداره ، والإقبال فقط على التكنولوجيا الغربية ، هذا الحديث يعكس فهماً سائداً عند البعض فيه تعميم كبير . وقد ناقش مثل هذه المفاهيم الأستاذ عبد الحليم محمد أحمد في مقاله بالعدد الافتتاحي وتحتاج هذه المفاهيم إلي تدقيق وتفصيل للخروج من التعميم ، ولبيان مواضع النجاح والفشل في هذه الدراسات .

المعلق لا يبصف المنجزات الموفقة المبرزة للفكر الغربي من ناحية المنهج ومن ناحية النتائج في مجالات الدراسات الاجتماعية والنفسية ، والاقتصادية والقانونية إلي جانب مجالات الدراسات الجمالية في الأدب والفن ، وغير ذلك من المجالات مع تسليم بما يكون من نقاط ضعف بحكم طبيعة البشر ، وقد فصل القول فيها الباحثون الغربيون أنفسهم ، وهذه فضيلة أخري تحسب لهم في مجال التزام المنهجية والأخلاقية .

والمعلق يعد ” اليسار ” و ” الشيوعية ” و ” النزوع إلي قلب نظام الحكم القائم بالقوة ” أشياء مترادفة فيما يبدو من تعليقه ، والواقع السياسي الغربي – حيث نشأ اصطلاح ” اليسار ” وتبلور ، لا يؤيد بذلك . وفي صدر هذا التعقيب أوضحت مدلول ” اليسار ” كاتجاه عام يضم كل من يؤمنون بوجوب التغيير الجذري للنظام القائم ، وفيهم من لا يؤمنون إلا برسائل التحول الديمقراطي  وينزعون إلي الاشتراكية لكن لا يتبنون كل الآراء الماكسية ويعدون الماركسية من روافد الفكر الاشتراكي لا مصدره الوحيد ، والتورط في حوادث العنف يأتي من قبل المنتسبين لليمين واليسار وبخاصة عندما يكون المناخ النفسي الاجتماعي السائد أميل إلي العنف ، وعندما تبالغ السلطة في استخدام وسائل القمح فتستثير رد الفعل وفي أمريكا اللاتينية أجل مثال .

هذا واني أصارح المعلق والقراء أن الجماعات الإسلامية نفسها يمكن تصنيفها بسهولة إلي يمين ويسار ، سواء أرغبنا في ذلك أم رغبنا عنه ، ودون اعتساف أو شطط والجماعة الواحدة يمكن تصنيف شخصياتها البارزة أو التجمعات الصغيرة داخلها إلي يمين ويسار وفقاً للميول والمواقف والآراء .

وليس في هذا التصنيف الذي يتابع ما جري عليه الاصطلاح السياسي في هذا العصر مساس مطلقاً بالوصف القرآني الخالد لأمة الإسلام ” وكذلك جعلناكم أمة وسطاً . . . . ” لأن ” الوسط ” المقصود في الآية ليس بطبيعة الحال ( موقعاً هندسياً ) ثابتاً يمثل الوسط أو المنتصف بين أي طرفين ، فأحياناً يكون ” شر الأمور الوسط ” على حد تعبير الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في عنوان مقال له بمجلة ( الثقافة ) إن لم تخي الذاكرة . . . . ذلك إن من المواقف ما هو بطبيعته ثنائي ليس فيه توسط ، مثل الحق والباطل ، والخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، والمعروف والمنكر ، ولا يقف الإسلام في جانب الحق والخير والفضيلة والمعروف .

و” اليسار ” في اصطلاح السياسة المعاصرة تعبير عن اتجاه معين إلي الحلول الجذرية ( الراديكالية ) ، لا يقبل المعالجة السطحية أو الوقتية للمشكلات السياسية والاجتماعية وهو تعبير أفرزه واقع المجتمع السياسي الحديث ، وإنما يستعمل في عصرنا بدلالته الاصطلاحية المحددة المتعارفة ليس غير . . . فلا تعارض بين استعماله في موضعه واستعمال تعبير القرآن ” أمة وسطاً ” في موضعه أو نعي القرآن على ” أصحاب الشمال ” في موضعه ولا مشاحة في الاصطلاح ، وقد يبطل الاصطلاح  في أي وقت شأن أي اصطلاح إذا ما زالت دواعيه . . . وكثيراً ما تجهد ذهنك في النفاذ إلي صميم المعني المقصود من اصطلاح للفلاسفة أو الكلاميين المسلمين ، ثم تحس بعد طول المعاناة أنه قد صار في عصرنا غير ذي موضوع .

والقرآن . . . من ذا الذي يملك عقله ونفسه وحواسه يا أخي من أن تنبهر بالقرآن : معني ، وبياناً ، وموسيقي ، وهو الذي لا تنفذ عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد ؟؟

ولكن القرآن العظيم لا يحجب عنا بحال نعمة ” العقل ” وطاقته المبدعة ، بل انه يزيد جلاء أبصارنا وبصائرنا ، لنسبح الخلاق العظيم بتقدير المنجزات المتلاحقة لهذه النعمة الإلهية في كل ميدان ، وتكشف آيات الله في الأفاق والنفوس على حد سواء ، وتعلن عن نواميسه الكونية والبشرية بكل الوسائل الممكنة للبحث والاستقصاء ، وفي كل مجال متاح للمعرفة .

وكذلك السنة . . . . من ذا الذي لا تستنطقه روائع سيرة رسول الإسلام وهدي سنته ، بصلوات الله وسلامه يلهج بإهدائها إليه في جوار ربه في عليين ؟

ولكن إتباع السنة لا يعني بالطبع التوقف عن تمحيصها رواية ودراية ، سنداً ومتناً ، بكل المعايير المتعارفة عن أعلام المحدثين وبكل ما يمكن أن يجد من معايير مقبولة مفيدة ، والأحاديث ظنية الورود أو ظنية الدلالة لم يقل احد بطرحها جملة ، لكنها أيضاً لا تقبل دون تفهم لكل حديث لفظاً ومعني ، وفي حدود الحديث موضع البحث وفي علاقاته مع غيره من النصوص القرآنية والنبوية ، وعلى أساس من اللغة وفي ضوء ظروف الواقع التاريخي المصاحب لأي حديث والمفسر لكثير من دلالاته ومقاصده . . . . ورحم الله الصحابي المؤمن الورع الذي علم الأمة بتساؤله الحكيم عن عمل من أعمال الرسول ( ص ) : أهو منزل أنزله الله ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ وما أحوجنا لا نكرر على أنفسنا السؤال إذا ثبت الحديث سنداً ورواية . . . ورحم الله الأصوليين الذين أطالوا البحث في الحجية التشريعية لقول الرسول ، وفعله ، وإقراره . . . وفرقوا بين التأسي المندوب والالتزام المفروض بالنسبة لدلالة الفعل . . . . إلي أخر المباحث المعروفة عند الأصوليين . ولكم  قاس الأحناف واستحسنوا ، وفي الوقت نفسه كم احتاطوا في قبول الأحاديث وتشددوا . . . . وقد أخذ مالك بالمصلحة مع ضوابط عامة حاول الأصوليون تقنينها من بعد : وجاء ذلك كله نتاج اجتهاد هؤلاء الأئمة الرواد ، وما يزال الباب مفتوحاً للاجتهاد الجاد الحق ، في الفروع والأصول ، تستثمر فيه الجهود للإضافة والإثراء

وبعد

فرفع شعار ( اليسار الإسلامي ) للحركة الإسلامية المعاصرة . اجتهاد يحتمل الخطأ بطبيعة الحال . .

كما أن الإصرار على أن ( تكامل ) الإسلام ينأي به عن أن يشترك مع غيره حتى في ( الموقف ) العام : اجتهاد يحتمل الصواب بالطبع أيضاً . . . والذي أرجوه أن تنشط الاجتهادات الإيديولوجية والإستراتيجية في الحركة الإسلامية حتى نتنين مواقع أقدامنا في العالم ، بدل أن يستهلكنا الحديث عن ( التميز ) و ( التكامل ) أو نستهلكه . . . . والله المسئول أن ينير أبصارنا وبصائرنا ، وان يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، ويجعلنا آهلا لحمل أمانة دينه والدعوة إليه بالحكمة و الحسني .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر