أولاً: موضوع الدراسة:
درست هذه الرسالة إمكانية إرساء معايير لتقييم الترجمة، وذلك بالتطبيق على ترجمتين معروفتين للحديث النبوي الشريف، الأولى: للدكتور عز الدين إبراهيم وجونسون دافيز، وقد نشرت لأول مرة في عام 1976، وعنوانها: الأربعون النووية للإمام النووي: An Nawai’s Forty Hadith. والثانية: لعبد الحميد صديقي، وقد نشرت عام 1977، وعنوانها: صحيح مسلم Sahih Muslim.
والأربعون النووية كتاب من جزء واحد، وقد جمع الإمام يحيى بن شرف الدين النووي (المتوفى عام 776 ه) الأحاديث الموجودة فيه، وهذه المجموعة للأحاديث قد حظت بقبول المسلمين، إذ إنها تشتمل على عدة أحاديث صحيحة، تتناول معلومات دينية مختلفة. وأما الترجمة الثانية: (لعبد الحميد صديقي) فهي عن كتاب صحيح مسلم، الذي جمعه الإمام أبو الحسين مسلم الذي جمعه الإمام أبو الحسين مسلم بن حجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ويحوي هذا الكتاب نخبة كبيرة من الأحاديث الصحيحة، ويقع في أربع أجزاء.
ثانيًا: منهاجية الدراسة:
ولما كانت المقارنة وسيلة ناجحة لتقييم الترجمة فقد اختارت الباحثة خمسة وعشرين حديثًا فقط وردت في الترجمتين؛ لتكون محل البحث، واتبعت منهجًا تطبيقيًا تجريبيًا لتحليل الأحاديث، تميز بجمعه بين الاتجاه البراجماتي والاتجاه الأسلوبي، وقد استمد هذا المنهج التحليلي أسسه من عدة أساليب أو مناهج مختلفة، فالمنهج الأسلوبي مثلاً ممثلاً في كتاب Leech and Short (1981)، ويقوم هذا المنهج على أساس تحليل الأسلوب من الناحية اللغوية من زوايا هامة هي: اللفظ والبنية اللغوية، والمحسنات البديعية، والترابط، والسياق اللغوي، ويتمثل المنهج الثاني في كتاب Ullmann (1964) إذ يحلل الأسلوب على أساس فعاليته «Effectiveness»، وتشمل هذه الفعالية كل النواحي الأسلوبية التي تجعل الأسلوب مؤثرًا في القارئ، وتميز أسلوبًا ما عن آخر، ويشمل ذلك الخيال والمحسنات البديعية، وما إلى ذلك.
والمنهج الثالث هو الذي عرضه Hartmann في كتابه Contrastive Textology 1980، ويدعو هذا المنهج إلى اعتبار العامل البراجماتي عاملاً ضروريًا لصحة الترجمة ونجاحها. ويمثل هذا المنهج أيضًا في كتاب J. House 1977: A Model for Translation Qulity Assessment، وكذلك عن H. G. Widdowson في كتابه (1979) Explorations in Applied Linguistics، ويركز هذا الاتجاه على العناصر التي تؤثر على توصيل الرسالة، مثل: المرسل، والمستقبل، وأبعاد الموقف؛ وحيثياته.
وقد اهتمت الدراسة أيضًا بالوظيفة التي تؤديها كل جملة في النص من الناحية اللغوية والناحية البراجماتية في ضوء الوظائف التي تؤديها الجمل في النص، كما وصفها J. Searle (1976).
وقد اتبعت الباحثة هذا المنهج الشامل للتوصل إلى معايير لتقييم الترجمة بوجه عام وترجمة الحديث بوجه خاص.
واتبعت الباحثة الطريقة التجريبية، وذلك بإعداد استبانات تفصيلية تهدف إلى التقليل من الأحكام الشخصية، وقدمت استبانة لعدد من الناطقين للغة الإنجليزية، وقد هدفت هذه الاستبانة إلى الحكم على مدى وضوح الترجمتين من الناحية اللغوية، وأيضًا من ناحية الخلفية الحضارية للقارئ، ومدى تقبل القارئ الإنجليزي لهاتين الترجمتين. وفي الوقت نفسه قدمت استبانة أخرى للجنة من المترجمين من العربية إلى الإنجليزية كي يكونوا محكمين على دقة الترجمة ونجاحها في نقل المضمون والأسلوب أيضًا إلى الإنجليزية. ثم قامت الباحثة بتحليل الإجابات على كل من هاتين الاستبانتين، مما أوضح نقاط الضعف في الترجمتين، ثم درست نقاط الضعف هذه وذكرت أسبابها، واقترحت بعض التعديلات لتنقيح الترجمتين. وقد توصلت الباحثة إلى بعض المعايير التي يمكن أن ترتكز عليها عملية تقويم الترجمة. وقد عرضت هذه المعايير أيضًا في صورة استبانة أخرى على نفس لجنة التحكيم السابقة لمعرفة رأيهم فيها. وقد حظت جميع المعايير المقترحة بموافقة أعضاء لجنة التحكيم، مما جعلها بعيدة قدر المستطاع عن الأحكام الشخصية، وزاد من قيمتها العلمية.
وقد قسمت المعايير المقترحة لتقييم الترجمة إلى قسمين رئيسيين:
الأول: معايير تتعلق بالمضمون.
والثاني: معايير تتعلق بالشكل.
أما المعايير التي تتعلق بالمضمون؛ فقد اشتملت الجانب البراجماتي والجانب اللفظي والجانب البينوي وأيضًا الترابط الموضوعي للنص، أو كما يطلق عليه د. سعد مصلوح (الحبك).
وقد شملت المعايير التي تتعلق بالشكل جانبين أساسيين هما: الجانب النصي، والجانب الأسلوبي. وقد حوى كل من هذه الجوانب الرئيسية عدة نقاط جزئية يمكن لناقد الترجمة أن يتبعها في عملية تقييم الترجمة، وقد درس كل من هذه المعايير في باب مستقل.
ولابد من لفت النظر إلى أن فصل هذه المعايير إلى معايير خاصة بالمضمون وأخرى بالشكل إنما هو أمر افتراضي يقتضيه البحث، وليس تقسيمًا فعليًا للنص، إذ إنه في حالة النصوص الأدبية والدينية يمتزج الشكل بالمضمون، ويصعب الفصل التام بينهما. وإنما قصد هذا التقسيم إلى إعانة من المترجم أو ناقد الترجمة على أن يجد مرجعًا أو قائمة من الأسس التي يمكن اتباعها اختياريًا، وليس تسلسليًا، طبقًا لنوع النص وطبيعة القارئ والهدف من الترجمة، ويرجى أن يصل المترجم أو الناقد باتباع هذه الأسس إلى أفضل ترجمة ممكنة من حيث الوضوح والتأثير على القارئ للنص المترجم، وأيضًا من حيث تقليل فرصة الخطأ في الترجمة، سواء من الناحية اللغوية أو من نواحٍ أخرى ثقافية قد تؤدي إلى رفض الترجمة من قبل القارئ الأجنبي.
ثالثًا: نتائج الدراسة:
وقد توصلت الباحثة إلى نتائج منها:
1- التزام الدقة في الترجمة، بمعنى محاولة التوصل إلى أقرب ترجمة إلى الأصل في جميع النواحي اللغوية، يجب أن يراعى فيه طبيعة قواعد اللغة التي يترجم إليها، ومدى قبولها للصيغ اللغوية المستخدمة، حتى لا تصبح الترجمة حرفية وقريبة من الأصل، ولكن على حساب طبيعة اللغة الثانية. وهذا يستوجب مؤهلات معينة لابد أن تتوافر لدى المترجم، منها إتقان اللغتين الأولى والثانية، والوعي بالجانب الحضاري للغتين، بل وبما يفضله القارئ الأجنبي من خصائص أسلوبية حتى لا يقع في شرك الملل نتيجة الشعور بالغرابة تجاه ما يقرأ.
2- والجديد الذي أضافته هذه الدراسة هو أن المعايير التي توصلت إليها قد اتسمت بطابع أو اتجاه براجماتي أسلوبي، أي إنها تخضع عملية تقييم الترجمة لاعتبارات برجماتية خاصة بنوع الترجمة وخصائص المجال الذي ينتمي إليه النص، وأيضًا الوظيفة اللغوية والتوصيلية التي تؤديها الجمل في النص وتأثيرها على القارئ. كما وضعت الدراسة في الاعتبار طبيعة القارئ وخلفيته الحضارية من حيث كون ذلك ذا أثر فعال في قبول النص المترجم. وبالإضافة إلى ذلك أولت الدراسة أهمية خاصة للجانب الأسلوبي في الترجمة والخصائص الأسلوبية للنص. وكيفية الحفاظ عليها ونقلها إلى النص المترجم، مع ضرورة تطويعها أحيانًا لذوق القارئ الأجنبي، أو تذييل النص بالتعليقات والتوضيحات الضرورية لشرح الجوانب الأسلوبية الخاصة بالنص حتى لا تضيع قيمتها أو يخطئ في فهمها القارئ الأجنبي، وبذا يخاطر المترجم بتقليل القيمة الأسلوبية للنص الأصلي – ومن الجدير بالذكر أن معظم الدراسات السابقة لم تول هذه النقاط اهتمامًا يذكر.
3- وقد أولت الدراسة عناية خاصة بالشكل العام للنص ولطريقة عرضه بوصف ذلك عاملاً مؤثرًا على قبول القارئ الأجنبي للترجمة. كما أظهرت الدراسة أيضًا بعض الفوارق بين الترجمتين من خلال عملية التقييم على أساس المنهج المبين أعلاه، وبعد إجراء الإحصائيات اللازمة تبين أن ترجمة عز الدين إبراهيم وجونسون دافيز قد حصلت على درجة من القبول لدى القارئ الإنجليزي تبلغ نسبتها 59,11%، وبذا فهي تفوق ترجمة صديقي التي حصلت على نسبة 8,62% فقط. ومثل هذا الفرق الهائل قد ألقى الضوء على نقاط عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ومن هذه النقاط: ضرورة الالتجاء إلى محرر ناطق للغة التي يترجم إليها النص حتى يقوم بالتعديلات اللازمة من ناحية صياغة النص، وأيضًا ضرورة احتواء النص المترجم على مقدمة تفصيلية تشمل الجوانب الهامة التي لابد أن يعيها القارئ للنص المترجم التي قد لا تتضح له بدون معرفة هذه المقدمة كالخلفية الحضارية والبرجماتية للنص.
4- وقد أكدت الباحثة أن الترجمة المثلى هي تلك التي يقوم بها فريق من المترجمين من اللغتين: المترجم منها والمترجم إليها؛ حتى يكمل كل منهما الآخر، كما تؤكد على ضرورة تعيين لجنة للترجمة، وليس فردًا بعينه، خاصة في حالة الترجمات الدينية للكتب المقدسة، وللأحاديث النبوية، إذ إن الجهد الفردي قاصر لا محالة عن أن ينقل كل الجوانب المقصودة في النص الأصلي للغة الثانية.
وأخيرًا اقترحت الباحثة ضرورة الاهتمام بالجانب النظري في تدريس الترجمة بالإضافة إلى الجانب العملي؛ حتى تقوم عملية الترجمة على أساس منهجي، وكي لا تكون عملية اعتباطية يتجرأ عليها كل من شاء أن يترجم، وحتى تنقح الترجمات الموجودة بالأسواق، وأخيرًا حتى لا نقدم للقارئ الأجنبي ترجمات غير دقيقة فنحرمه من القيمة الأصلية للنص، ونبخس النص الأصلي حقه.
وقد حازت هذه الدراسة القيمة والمتميزة مرتبة الشرف الأولى، بعد مناقشة استمرت زهاء خمس ساعات بكلية الآداب جامعة القاهرة – قسم اللغة الإنجليزية..
* * *