أبحاث

إسلامية الفنون المرئية

العدد 54

يناقش هذا البحث ـــ تمشيا مع أهداف هذه الندوة ـــ وسائل إسلامية الفن والتصميم, وتحديد بعض المشاكل الرئيسية ولو بصورة موجزة, وأوجه قصور الوضع الحالى وبحث ما يحتاج إليه هذا المجال من النشاط الإِنسانى ليستعيد دوره الصحيح ووضعه فى المجتمع, وأخيرا اقتراح عدد من الإِجراءات التى يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك.

( أ ) الوضع الراهن :

إذا نظرنا إلى الفنون التى حولنا ولا سيما تلك التى ينتجها المسلمون ( والتى غالبا ما يصعب تمييزها عن تلك التى لغير المسلمين ) فإنه يتضح أن الوضع الراهن فى هذا الميدان أبعد من أن يكون مرضيا, ولا يكاد أى عمل من أعمال الفنون يعبر عن الإِسلام إلا بطريقة سطحية. وأن جذور الفن الإِسلامى المعاصر ليست فى الفنون الإِسلامية التقليدية وإنما توجد بصورة مؤكدة فى الفنون الغربية. لذا فالقيم التى تروجها تلك الفنون قيم غربية وهى بهذه الصفة كثيراً ما تتناقض مع الإِسلام.

وليس من الصعب الاهتداء إلى السبب الأساسى لهذا, فبعد أن ضعفت قوة البلدان الإِسلامية وحيويتها أصبحت فريسة سهلة للدول الغربية التى مضت فى استعمار أراضيها وثرواتها الطبيعية بالإِضافة إلى ثقافتها وفلسفتها وقيمها كذلك. وكان إنشاء الإِرساليات التبشيرية أحد الوسائل الرئيسية للاستعمار الروحى والفكرى الذى دفع بالإِسلام وتعاليمه إلى الانزواء, وأرغمه على التنازل عن دوره اللائق كالمبدأ الرئيسى والدليل الوافى للجهود الإِنسانية. فحلّت محله المعرفة (( الحديثة )) وكان لها السيادة ..

فكان من نتائج ذلك زرع مجموعة كاملة من القيم الخاطئة والتدنى بالإِسلام, كمعرفة, إلى وضع لا يخرج عن كونه مجرد ميدان للتخصص.

وكما هو الحال فى أى فرع من فروع العلوم أو الاقتصاد أو الأدب فإنه لا ينتظر إلا من هؤلاء المعنيين بصفة خاصة بالدراسات الإِسلامية أن يدرسوا الإِسلام بتعمق, وأنه ينبغى إحالة أى شىء يتجاوز المبادىء والممارسات الإِسلامية إلى مثل هؤلاء الإِخصائيين, وكثيرا ما يكون هؤلاء الإِخصائيون منغلقين فى عالمهم الخفى من الفقه والتفسير الخ .. بينما تعيش الأمة ككل عيشة خالية إلى حد كبير من روح الإِسلام الهادية. وإلى جانب ذلك فإنه من الافتراض بأن المرء يحتاج إلى أن يكون (( متخصصا )) فى هذا المجال من المعرفة, فإن الحق ـــ بل الواجب اللازم ـــ لكل مسلم فى أن يتعلم ويفكر وحده فى دينه انتقل تلقائيا إلى الأخصائيين, وكما يتوقع غير المتخصص فى الاقتصاد أن يرجع إلى متخصص فى المسائل الاقتصادية أصبح غير المتخصص فى المعرفة الإِسلامية الآن يرجع عادة إلى متخصص فى أى مسألة تتعلق بالإِسلام. ولزيادة المشكلة تعقيدا يشعر رجل الشارع المسلم العادى بخوف شديد من أن يقترف أخطاء عن الدين, لأنه يشعر حقا أن الإِسلام شىء (( مختلف )) ليس أقل من كونه كلمة الله سبحانه وتعالى. وللأسف, فإن هذا التبجيل لا يحثه على الدراسة والتفكير ولكن يجعله يخشى التعبير عن أى رأى أو مناقشة معنى أى شىء له علاقة بالإِسلام. والأكثر من ذلك ما هو سائد بين الفنانين الذين يحكم المتخصصون على أنشطتهم بأنها على الأقل طائشة إن لم تكن آثمة. ( إن هذا الحكم ربما يكون مفهوما وذلك على أساس المحصلات الراهنة ).

ولقد أدى الاعتماد المتزايد على العلماء ورجال الدين أيضا إلى التأكيد المفرط على الأحكام الواضحة والناس بدون معرفة ما إذا كان تصرف ما مباحا أم غير مباح, وليست ثمة محاولة أو حتى رغبة فى التفكير فى الأسباب والدوافع, أو مناقشة متضمنات المسألة, أو العمل فى إطار أوسع. وهكذا فإن كل مشكلة صغيرة ينظر إليها فى معزل عن غيرها وغالبا ما تحجب روح الإِسلام كلها. ويؤدى هذا الموقف أيضا إلى السلبية ـــ أى تحاشى الشىء السىء بدلا من البناء على أساس الشىء الحسن, أى الهدم بدلا من البناء. وفى النهاية دعونا فى هذا الجزء من الحديث عن الوضع الراهن, نتعرف على المفاهيم الأساسية المتوارثة من الغرب والتى تتعارض مع الإِسلام :

( أ ) إن الفنون الجميلة فى الواقع منفصلة عن التصميم. وبالرغم من استخدام نفس المفردات من الخطوط والشكل واللون الخ … فالإِثنان لا يشتركان فى نفس الأهداف والعمليات الخلّاقة أو الحالة.

( ب ) الفن من أجل الفن ـــ منفصلا عن دوره الصحيح فى المجتمع. ولقد أصبح مبهما وموجها أكثر إلى القلة الجديدة.

( جـ ) التصميم غالبا ما يكون تجاريا بصفة أساسية ويتضمن حل المشاكل على مستوى عملى محض. ولا يتوقع منه أن يحقق أى حاجة روحية للإِنسان اللهم سوى على مستوى أساسى للغاية. إن القيم الجمالية كثيرا ما تتداخل ولكن يبقى هدفها إعطاء المتعة, ويندر أن تذهب إلى حد التعبير عن أى معنى أسمى.

( د ) الفنان أساسا أنانى, فهو يخلق أعمالا تحقق له ذاته.

( هـ ) الفنان إنسان موقر متفوق على الآخرين. ويسمح له أن يكون أنانيا بل غير اجتماعى البتة فى سلوكه وأفعاله لمجرد أنه فنان.

( و ) ليس هناك مفهوم عن مكونات الفن, فإن الروح التى تأبر الفن والمناهضة له ما زالت تسود بفاعلية حيث لا يوجد على ما يبدو شخص يجرؤ على القول (( هذا ليس فنا )), حتى لو كانت آراء الفنان ضعيفة للغاية أو مشوهة ويصعب فهمها وتحتاج إلى شرح شفهى مطول لا يضاح العمل الفنى المفروض التعبير عنه, فإن عمله هذا يؤخذ مأخذ الجد لدرجة منحه جائزة مالية لتنمية أفكاره. إن الفن الغربى يتلمس سبيله بطريقة عمياء بدون أى اتجاه محدود أو وحدة.

( ز ) إن الفكر والإِلهام الإِنسانى يسموان كأساس لجميع الفنون.

( جـ ) إن الفن الجاد يجب أن ينشد دائما أشكالا جديدة أو مختلفة وبذلك سلاعان ما يصبح فن الأمس قديما وغير مناسب.

( ب ) مزيا إسلامية الفنون المرئية :

من المؤكد أنه ليس من السهل خلق وتنفيذ ميدان إسلامى كامل من الفن والتصميم بطريقة سحرية بين عشية وضحاها. وحتى إذا استطعنا تحديد شكله فى وقت قصير فلن يكون ذلك من الممكن فى مجتمع ليس مجتمعا إسلاميا كاملا. إن محاولة من هذا القبيل, فى الواقع, قد تخلق مشاكل جديدة.

أولا : سيكون هاك افتقار إلى الأشخاص الذين لديهم من الفهم والدراية المدرسين الذين لا يدركون بعد معنى الإِسلامية سوف يلحقون أبلغ الضرر  بالطلبة الذين يقومون بتعليمهم المبادىء الإِسلامية.

ثانياً : أن التغيير المفاجىء والجذرى قد يربك الفنانين والمصممين وقد يخلق مشاكل فيما يتعلق بفرص العمل, وربما يثير كذلك شعورا من القلق والشك فى صفوف الجماهير التى ما يزال جزء كبير منها لا يتعاطف تعاطفا كاملا مع فكرة الإِسلامية ( بسبب الجهل بطبيعته ومضمونه ), وهذه مشكلة حساسة خاصة فى البلدان التى لا يعتنق كل سكانها الدين الإِسلامى.

ونمضى بعد أن وجهنا هذا التحذير فى ذكر بعض المنافع الأكبر والتى يمكن تحقيقها من وراء الإِسلامية فى الفنون المرئية.

وبعكس ما قد يخشاه البعض فإنه لا يمكن تصور أن يحد الإِسلام المعرفة أو النشاط الخلاق, إن العامل الوحيد الذى يمكن أن يحد من هذا النشاط هو معرفة وفهم الإِنسان للإِسلام أو عدم فهمه ومعرفته. إن اتباع المبادىء قد يعنى التخلى عن بعض النهج والأشكال, ولكن هذه التضحية لازمة لتمكين الإِنسان من تحقيق شىء أكثر سموا مما كان يمكن تحقيقه عن طريق هذا النهج أو الاشكال. بمعنى آخر أن المفهوم الإِسلامى, وهو أبعد ما يكون عن تقييد الفنان يسعى جاهدا إلى إزالة القيود.

أما بالنسبة للفنان ـــ المصمم والجمهور الذى يرى أن أعماله رابحة فإن الأمل يكون كبيرا حقا.

أن هدف الفن الإِسلامى هو التعبير عن مفاهيم الإِسلام العالمية وكما يفهمها الفنان. ومن ثم يكون معنى الفن أو التصميم أكثر شمولا وأعم فائدة عن ذلك الذى يحققه الإِلهام الإِنسانى الخالص, كما أن المفاهيم الإِسلامية تخاطب الوعى الإِنسانى الكامل لذلك فتلك المفاهيم تخاطب عقل وقلب الإِنسان من خلال حاسة الإِبصار بينما نجد أن كثير من الأعمال ذات الطابع الغربى تخاطب جزءا واحدا من وعى الإِتسان فقط القلب ( كما فى الفن التعبيرى ) أو فقط العقل ودغدغة الحواس, وفى هذه الحالة لا تكون الرسالة ولا القدرة على فهم المعنى مرضيا حيث لا يتم تحقيق طبيعة الإِنسان كما ينبغى.

والفنان نفسه الذى يكون حقه فى التفكير والإِبداع أبعد ما يكون عن الاغتصاب. حيث أنه سيسخر قواه الفكرية وحساسيته الخاصة لتفسير الحقائق العالمية الخالدة التى حباها الله سبحانه وتعالى للبشرية, فهو سيقدم إلى بنى جنسه ثمار فهمه من خلال مهاراته الفنية الفريدة وقدرته الخلاقة. ولا يعنى ذلك بالتأكيد التقليل من شأن الفرد بل الإِعلاء من شأنه. إن الفنان الإِسلامى الحقيقى يعتقد بحق أن الموهبة الفنية هبة من الله سبحانه وتعالى وشرف وامتياز غير عاديين.

وعندما يتم تحقيق إسلامية ميادين المعرفة الأخرى فإنها جميعا, بما فى ذلك الفن, تكون موجهة نحو المعرفة (( نفس الهدف )) وهو معرفة الله سبحانة وتعالى, وهكذا يكون الإِ ال والتبادل بين فروع المعرفة المختلفة سهلا لأنها جميها ستكون على نفس الموجة الطويلة.

وهكذا فإنه إذا ما تحققت إسلامية ميدان الفن والتصميم فإننا يمكن أن نتوقع أن تؤدى هذه الفنون دورها اللائق وأن يكون لها اتجاه أو قصد موحد. بذلك يكون أكثر إنجازاً للفنان والجمهور الذى يتأثر به على السواء.

ويمكن أخيرا أن يصبح أداة مفيدة جداً لنشر وتعزيز فهم الرجال للمفاهيم الإِسلامية, لمنفعة المسلمين وغير المسلمين على السواء. ( لـــذلك ميزات هائلة كشكل من أشكال العرض أو التعبير الذى يستمع به ويفهمه أى إنسان ).

فأولا : إن المعانى الأساسية للأعمال الفنية المرئية يمكن فهمها فى الحال, فى حين أن الأعمال الموسيقة والكتب أو المحاضرات تحتاج إلى بعض الوقت لعرضها وإيضاح معانيها.

وثانيا : فإن الفن الإِسلامى مثل بعض الفنون الأخرى يقدم المعنى بطريقة ممتعة تجذب حتى أقل الناس ثقافة والأقل تعليما. وبدون تحقيقه يتم من خلال الشعور بالمتعة من جراء الإِعجاب بعمل من أعمال الفن. فإن الحقائق الأبدية الحيوية للبشرية جمعاء توجه إلى قلوبهم وعقولهم بطريقة ماهرة وبارعة.

وأخيرا, ليس هناك فى الفن مشكلة أمية أو اختلاف فى اللغات, فالعمل الفنى يمكن أن ينقل معناه إلى أى شخص فى أى جزء من العالم حيث أن لغته لغة عالمية لا تحتاج إلى تعليم أو تدريب لفهمها.

صحيح أن الفن الإِسلامى التام, كما تقدم, لا يمكن دفعه فجـة إلى مجتمع ليس إسلاميا كاملا بعد, لكن من ناحية أخرى يمكن استخدام الفن الإِسلامى نفسه كعامل مساعد فى تحقيق إسلامية المجتمع بصورة شاملة. ومن خلال التعبير الذكى والممتع للمفاهيم الإِسلامية يمكن للفن الإِسلامى أن يؤثر بالتدريج على المجتمع لكى يرغب فى إنتهاج طريقة إسلامية كاملة من طرائق الحياة.

فلنتصور هذا العالم من صنع الإِنسان فى انسجام مع الطبيعة ( خلق الله ) ومالبياً الاحتياجات الحقيقية المادية والمعنوية للأمة وعاكساً للتعبيرات الجميلة للحقائق الخالده. إنها رؤية جميلة وليس تحقيقها المرجو ضربا من المستحيل.

( جـ ) نحو إسلامية الفنون والتصميم :

ـــ الخطوط العريضة لخطة خمسية :

1 ـــ تحديد الأدوار المناسبة للفن ( السنة الأولى ) :

قبل اتخاذ أى إجراء آخر لابد من مناقسة وتحديد الأدوار المناسبة للفن فى المجتمع طبقا للإِسلام, ليس فقط الأدوار العامة غير المتغيرة التى ربما تكون أسهل فى التحديد. ولكن الأكثر إلحاحا تلك الأدوار الجديدة التى يجب أن يضطلع بها فى عالمنا المعاصر. إن الإِسلام صالح لكل زمان, لذلك تكون إعادة تفسيره وفهمه بطريقة أكثر تطورا مطلبا لجميع مراحل تاريخ الإِنسان. ولكن نتيجة لهذ التغيرات يكون من الصعب تحديد الأخذ بأدوار الفن فى الماضى فى جملتها.

فإذا ما تحددت أدوار الفن ستكون أساسا لجميع التفكير والتخطيط بالنسبة لأشكال الفن المقبولة والمستصوبة وكذلك مناهج التعليم المناسبة لتدريب الفنانين والمصممين. وإذا لم يتم تحديد الأدوار والاتفاق عليها منذ البداية فإن التخطيط اللآحق يفقد الاتجاه الموحد وربما أصبح مشوشا ومثيرا للبلبلة.

يمكن تحديد الدورين الأساسيين للفن كالتالى :

( أ ) عبادة الله سبحانة وتعالى :

حيث أن القرآن الكريم ينص فى السورة 51 (( الذاريات )) الآية (56) : } وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون { ومنه يتضح أن كل نشاط من أنشطة البشر ينبغى أن يوجه إلى هذه الغاية.

( ب ) نفع الأمة : أى الإِسهام فى تحقيق احتياجـاتها الحقيقة المادية والروحية.

بالنسبة للاحتياجات المادية ينبغى أن تستهدف ميادين الهندسة المعمارية والتصميم وتحسين مستوى معيشة الإِنسان وجعل بيئته أكثر راحة وأكثر كفاءة وملاءمة. وينبغى للمصمم أن يعطى اهتماما خاصا إلى الجماعات ذات الاحتياجات الخاصة ـــ كالأطفال والمسنين والمرضى والمعوقين ـــ فإذا تحقق الاهتمام بالاحتياجات المادية للأمة فإنها ستجد الفرصة للعمل على تطوير نفسها روحيا. وإلى جانب ذلك بطريقة تكفل رسم طريقة حياة إسلامية حقيقية.

وفى الوقت الذى تهتم العمارة والتصميم بالاحتياجات المادية بصفة خاصة فإن جميع الفنون المرئية ينبغى أن تستهدف تحقيق احتياجات الإِنسان الروحية.

من بين الاحتياجات الروحية الأساسية للإنسان حاجته للجمال الذى يمكن من وجهة النظر الإِسلامية أن يعادل الكمال أو الحقيقة. ففى حالة الفن فإن الجمال الهادى الذى يرى بحاسة النظر يستخدم كوسيلة للمشاهد أن يدرك بوجدانه الكمال الإِلهى والحقيقة الإِلهية. لذلك, فالفنان لا يجب أن يهدف إلى مجرد الجمال المادى الذى هو من صنع الإِنسان بل يجب أن يكون هدفه التعبير عن الجمال الإِلهى.

وثمة حاجة روحية للإِنسان والتى يمكن للفن أن يساعد فى تحقيقها, وهى الحاجة للفهم والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. لقد أنزال القرآن الكريم إلى البشرية جمعاء كتفسير كامل ومرجع وهادى, وعلى الفنان أن يوظف فنه كوسيلة للتعبير عن الحقائق والمبادىء التى يتضمنها القرآن الكريم, وعليه أن يحاول أن يقدم لبنى جنسه فهما أعمق لها وبهذه الطريقة يساعدهم على حب الله بصورة أكمل. وبالإِضافة إلى ذلك ستكون أعماله دائما تذكرة بقصدة الحقيقى فى هذه الحياة الدنيا.

ويمكن القول هنا أن الفنان ينبغى أن توجه المنافع التى تتيحها أعماله الفنية إلى أكبر عدد من بنى جنسه, فالفن لا ينبغى أن يكون عادة خاصة, فتعبيره لا ينبغى أن يكون من الغموض بحيث لا يقوى على فهمه إلا القلة ـــ إن القرآن الكريم يتميز بقيمه الجمالية العظيمة ولكنه ما زال رسالة واضحة للبشر جميعا.

وعلى المستوى المادى فإن حصيلة التصميمات التى توجه إلى الأقلية الغنية والتى تشجعهم على التباهى بخصوصيتهم ليست إسلامية والأخرى أن يهدف المصمم إلى الارتقاء بهؤلاء الناس ذوى المستوى الإِسلامى فى المساواة.

وهكذا يمكن إيجاز دور الفن بأنه لصالح الأمة ولوجة الله. إن بحث أدوار الفن ربما تتطلب تكملتها بذكر الخصائص المرغوبة فى الفنان وفقا للإِسلام ـــ ما نوع الشخص الذى يمكن أن يخلق أعمالا من شأنها تحقيق هذه الأدوار, وما هى الصفات الشخصية والمعرفة التى يحتاجها ؟

من الواضح أن هذا الفنان يجب أن يتمتع بقدر معقول من المعرفة بالإِسلام, حتى إذا كان عليه أن يعبر عن مفاهيم إسلامية فى أعماله, لابد أن يفهمها هو نغسه أولا, وعليه أن يحاول اتباع طريقة حياة إسلامية كاملة قـدر المستطاع أى أن يكون إنسانا تقيا, فبدون ذلك لن ينعم بالإِدراك الحدس أو البديهى.

وهو كفان سيحتاج أيضا أن يزود نفسه بالمهارات المتصلة بميدان تخصصه. ومن المهم كذلك أن يكون على مستوى عال من المهارة لأنه بدونها لن يستطيع أن يعبر تعبيرا كافيا عن فهنه للمبادىء العالمية.

ويجب على الفنان أيضا أن يكون على اتصال وثيق بالأمة حتى يستطيع أن يفهم احتياجاتها الحقيقية العامة وكذلك الاحتياجات الخاصة بمجتمعه وعصره. وهو لن ينجح كفنان إذا جعل نفسه من طبقة الصفوة أو ما هو أسوأ من ذلك وهو أن يعيش كانطوائى.

وقد يورد المرء ثلاثة مبادىء إسلامية عامة, وهى إن لم تكن مقصورة على الفن, إلا أنها متصلة به, والتى يحتمل أن تكون فى الغالب مفقودة فى الوقت الحاضر :

( أ ) ظان يبذل المرء أقصى ما يمكن من جهد فى المجتمع الأقات حسب مقدرته والفرص المتاحة.

( ب ) أن يكون أمينا ومخلصا فيما يتعلق ببيع أعماله الفنية, علاوة على الإِبداع الفعلى للعمل الفنى ـــ ولماذا ومتى وكيف يبدع الإِنسان ؟

( جـ ) توخى الاعتدال وبالنسبة للفن لا يكون الاعتدال مقصورا على اختيار المواد, ولكن أيضا على الأسلوب الفنى, وطابع الأعمال الفتية التى تنتج.

2 ـــ إعادة تعليم المعلمين ( 5 سنوات ) :

عند اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق إسلامية الفنون فإن مع الواضح أنه يجب مراعاة إعطاء الأولوية للإِعداد اللائق للأشخاص الذين سيضطلعون بمسؤولية مبادىء الفن الإِسلامية, وإرشاد الفنانين والمصممين فى سعيهم لإِيجاد أشكال مناسبة للتعبير عن هذه الأفكار وتلبية احتياجات الإِنسان المعاصر. إن أكثر األأساليب كفاءة ( من حيث إعداد الناس الذين يمكن الوصول إليهم ) وأقلها تكلفة هى عن طريق توزيع المادة المطبوعة وإن كان طبيعيا أن يستخدم أكبر عدد ممكن من الطرق فى جهود مشتركة. وثمة مسائل أخرى تشمل عقد حلقات دراسية, وندوات ومناقشات وإنشاء آلية لتبادل الشرائح والألإفلام بين الأمم والمجتمعات المختلفة, وتنظيم زيارات دراسية, وإقامة اتصالات شخصية فيما بين علماء المسلمين والمهنيين. ويجب تقييم التقدم بصورة دورية حتى يمكن تعديل الخطط كلما اقتضى الأمر ذلك. وهناك حاجة كذلك إلى عقد اتصالات غير رسمية وتبادل الآراء بين مجموعات صغيرة, إلى جانب المشاريع المنظمة رسميا. وينبغى التأكيد على التوسع قدر المستطاع فى الاشتراك فى الأفكار وخاصة بين الفئات المهنية والبلدان المختلفة. ومن الناحية المثالية ينبغى أن يكون هناك قناة رئيسية واحدة للاتصال والنشر لكل بلد أو مجتمع كبير والعمل كمنسق للأنشطة. ومن المفيد تنظيم تفاعل فيما بين الميادين من وقت لآخر ( الفنون المرئية مع الأدب, والموسيقى أو العلوم مثلا ) حتى يتسنى الإِبقاء على الأمور فى منظورها الصحيح وتستمد قوة من خلال الوعى بالأهداف والآراء المشتركة.

وهذه المجهودات يجب أن تكون بصورة منتظمة تبدأ فورا ثم تستمر فى التدفق للمحافظة على قوة الدفع. إن المعلمين المستهدفين هم أنفسهم الذين سيعلمون المهنيين المنتظرين, ولكن المأمول أن يساعد هؤلاء الأشخاص بصفتهم مستشارين لوزارات التربية فى بلادهم ظايضا على إدخال بعض الأفكار ذات الصلة إلى المناهج التعليمية فى المدارس الابتدائية والثانوية. ولعل أول خطوة إيجابية ينبغى القيام بها هى عمل جرد لجميع المؤسسات فى البلدان الإِسلامية التى تقدم دورات لتدريب المهنيين فى ميدان الفنون المرئية وبذل الجهود لجذب اهتمامهم بالعملية الإِسلامية والالتزام بها.

3 ــ مراجعة مناهج الفن والتصميم الحالية :

( المستوى الثالث ) ( مرحلة من سنة إلى سنتين, ومرحلة من سنتين إلى خمس سنوات ).

إت المرحلة الأولى تشير إلى التغيرات التى يمكن إحداثها فورا بدون تدمير أو تهديد سلامة المناهج. فمثلا يمكن نقل التركيز كما يمكن تكييف الدراسات فى تاريخ الفن والتصميم وتقييمها لزيـادة الاهتمام بالفنون الإِسلامية. ويمكن تقديم موضوعات جديدة فى حدود المعقول, كما يمكن تحقيق الكثير بواسطة التعبير الليبرالى بالتعليقات ذات الصلة والملاحظات خلال منهج التدريس الطبيعى.

والمرحلة الثانية تشمل تفكيرا جذريا فى مدى عقلانية المناهج وأهدافها وعندئذ, فإن المناهج نفسها تبنى من جديد على أساس هذا التفكير. إن الأشخاص العاملين فى هذه المرحلة الثانية ينبغى أن يكونوا على وجه الخصوص من الخبراء فى جميع ميادين المعرفة المتصلة بالإِسلام والفن, وأصحاب نظريات ( فى الإِسلام والفن ) ومعلمين, ومهنيين منمرسين الخ .. إلا أنه يجب أيضا أن يكون بينهم شىء مشترك وهو الإِلتزام الكامل ((بالقضية)) الأكبر وهى : العمل على إسلامية الفنون بصورة شاملة.

إن المراحل الإِسلامية لإِعادة التفكير والبناء هى الآتى :

( أ ) تحديد الأهداف المشتركة لمناهج الفنون المرئية الحالية.

( ب ) تحديد احتياجات مهن الفنون المرئية المختلفة كما تمارس الآن, ودورها الحالى فى المجتمع.

( جـ ) إعادة التفكير فى الأهداف المنشودة لتعليم الفنون والتدريب المهنى عليها على أساس المفاهيم الإِسلامية ومواكبة الاحتياجات المعاصرة.

( د ) إعداد مناهج أساسية جديدة لتحقيق هذه الأهداف والاحتياجات والتى يمكن تكييفها لتلائم الاحتياجات الخاصة للفات الفردية.

( هـ ) إصدار الكتب المدرسية اللازمة.

وربما ينبغى التأكيد على أن عبء عملية الإِسلامية وخاصة فيما يتعلق بالبندين 2, 3  يجب أن يتحمله أكبر عدد ممكن ( من الناحية المثالية من جانب جميع المهتمين بتعليم الفن والتصميم ). ولا يمكن افتراض أنه يمكن المطالبة بمحاضرة أو اثنتين لإِتاحة المدخلات الإِسلامية بينما يواصل الآخرون تعليمهم بنفس الأسلوب القديم. إن عملية الإِسلامية يجب أن تكون متكاملة وليست عملية إضافة فوقية ( أو جانبية ). ولهذا السبب فإنه من الضرورى أن يصل انتشار الأفكار والمعرفة الخاصة بالإِسلام والفنون إلى أكبر عدد ممكن من الناس وليس فقط إلى قلة حريصة على حضور الحلقات الدراسية. وإلى جانب تغذية المعلومات يجب علينا تغذية الدافع وبناء الثقة والإِحساس بالمسئولية عند كل محاضر معنى.

4 ـــ جمع آيات القرآن والأحاديث المتصلة اتصالا مباشرا أو غير مباشر بالفن ( ثلاث سنوات ) :

هذه مواد مرجعية ضرورية البناء فن إسلامى وتصميم إسلامى حقيقيين. والمقصود (( بغير المباشر )) أساسا هو المبادىء العريضة الإِسلام ذات الصلة بالنشاط الإِنسانى وبالتالى أيضا بالفن ـــ مثل الحث على الأمانة والاعتدال ومساعدة الغير .. الخ. وهذه هامة كذلك لأن الفن ليس مطلقا أو مختلفا, ولكنه أحد أنشطة الإِنسان الوافرة.

5 ـــ جمع التفسيرات الهامة والتعليقات على آيات القرآن الكريم والأحاديث ذات الصلة : ( أربع سنوات ) :

من المهم معرفة كيف تم تفسير آيات القرآن الكريم والأحاديث ذات الصلة على مدى القرون لكى تناسب احتياجات كل زمن بدون التضحية بالحقائق والمبادىء الأبدية. وكذلك لمعرفة مدى التفسيرات التى تمت حتى الآن.

6ـــ إعادة تقييم (5) والفكر الحديث فى النفسير :

( 5 سنوات ومستمرة فيما بعد ).

حيث أن عصرنا قد واجه تغيرات هائلة فإن هناك حاجة لإِعادة تقييم التفسيرات القائمة والبحث عن تفسيرات جديدة حيثما اقتضى الأمر ذلك وهو أمر ضرورى أيضا حتى يظل الإِسلام قوة حيوية ونشطة فى الفنون كما هو فى الأنشطة الأخرى.

وإلى جانب هذه المهام التى يمكن أن تتم على مستوى أساسى فى إطار زمنى معين, فهناك أنشطة أخرى ينبغى تنفذ على أساس دورى أو مستمر كدعم حيوى للأولى :

1 ـــ يجب بذل جهود ملموسة لبناء وضمان استمرارية الاتصال بين جميع الأطراف المستطيعين, وإذاعة أكبر قد ممكن من الآراء ووجهات النظر المختلفة حتى يمكن للمنظر العام أن يكون مكتملا ومتوازنا قدر المستطاع. وينبغى أن يكون هناك تقييم جديد مستمر للإِنجازات الحديثة والإِسهام فى الآراء الجديدة.

2 ـــ يجب تنوير عامة الناس بحقيقة دور الفن وقيمته فى مجتمع إسلامى حتى لا يدفع به جانبا كشىء غير هام أو مجرد شىء ترفى.

3 ـــ يجب تشجيع إنتاج الأعمال الفنية والتصميمات الجيدة التى تهدف أن تكون إسلامية حقا ومتناسبة مع احتياجات العصر الحديث تشجيعا قويا. وفى النهاية, أن الأعمال الفنية نفسها هى التى ستكون أكثر دعاية فعالة للفن الإِسلامى.

4 ـــ هناك حاجة ملحة للحفاظ على أى حرف تقليدية ذات صلة والتى ما زالت قائمة فى العالم الإِسلامى. غهذه الحرف هى الصلة الحيوية بالماضى, لذلك قإنها تمثل مصدرا رئيسيا للإِلهام للفنانين والمصممين المعاصرين. ويجب أيضا بذل الجهود لتوثيق أساليب التدريب والعمليات الخلاقة المستخدمة فى هذه الحرف.

الخــــــاتمة :

كما يتضح من هذا التقييم الموجز للوضع الراهن والاقتراحات الموجزة كخطة عمل, أن المهمة معقدة ومخيفة نوعا ما. وبالنسبة للقوى البشرية فإننا إذا أخذنا فى الاعتبار قوة الدفع الإِسلامية الشاملة. فنحن نأمل أن يكون هناك عدد كاف من الأشخاص الراغبين فى تكريس وقتهم وعلمهم وقواهم الفكرية وآرائهم وجهودهم لتحقيق هذه الرؤية. وقد يكون الأهم من ذلك هو التنظيم وليس الرقابة. وإنما المبادرة والإِلهام والتنسيق والنشر.

إننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يمدنا بعون من عنده ويساعدنا بجوده كما ساعد البشرية دائما منذ الخليقة.

المراجـــــــــــــــــــــع

(*) بحث مقدم إلى المؤتمر العالمى الثالث عن الفكر الإِسلامى ـــ كوالا لامبور ـــ ماليزيا 1984.

(**) مدرسة الفن والتصميم ـــ معهد مارا للتكنولوجيا ـــ ماليزيا.

الفاروقى, إسماعيل راجى. (( إسلامية المعرفة )) ـــ المعهد العالمى للفكر الإِسلامى, والولايات المتحدة الأمريكية, 1982.

2 ـــ حسين, س. س وأشرف. س.أ. (( أزمة التعليم الإِسلامى )). هودير وستوتن / جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1979.

3 ـــ العطاس, س. ن. (( آمال وأهداف التعليم الإِسلامى )). هودير وستون, جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1979.

4 ـــ عزام س. (( الإِسلام والمجتمع المعاصر )). لونجمان / المجلس الإِسلامى الأوربى. لندن, 1982.

5 ـــ أفزالور رحمان. (( إسلام : أيدولوجية وأسلوب حياة )). بوستاكا ناسيونال لب لمتد. سنغافورة, 1980.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر