أبحاث

مستويات الموضوعية العلمية ودلالاتها في إطار نظرية العلم الإسلامية

العدد 67- 68

مقدمة:

كثيرا ما يروج أنصار الفلسفات العلمية لموضوعية العلم ” الصارمة” على انها النموذج الذي يجب القياس عليه والالتزام به إذا ما نزعت العلوم الإنسانية إلى الارتقاء ليصبح لها من النفع في المجال العلمي وخدمة البشرية ما للعلوم الطبيعية من سيادة على ظواهر طبيعية.

 وتلجأ تلك الفلسفات الوضعية إلى ترسيخ هذا التصور ” المثالي” للموضوعية العلمية في عقول الناس حتى تؤكد ميزتها بالاستناد إلى العلم في بناء النسق فكرى متكامل تحسبه معبراً عن مشكلات الواقع الإنساني، باعتباره نتاجاً منطقياَ للمعرفة البشرية. ولهذا نجد أن قضية ” الموضوعية العلمية ” لم تحظ من جانب الباحثين بالاهتمام المناسب لتحليل طبيعتها والوقوف على حقيقة مستوياتها ودلالاتها، ومعرفة مدى قربها من ذاتية الانسان أو بعدها عنها، واعتبرها الكثيرون من قبيل المقولات التي يفرض العلم صحتها دون الحاجة الي البحث فيها لمعرفة صوابها أو خطئها، أو حتى لمعرفة حدود صلاحيتها ومجالات استخدامها ومقامات الحديث عنها.

ومما لا شك فيه ان العلم نفسه ليس في حاجة إلى أن يتولى قضية موضوعيته لإثباتها أو دحضها بالبرهان أو التجريب، فهي ليست من موضوعاته بأي حال من الأحوال ، وحسبه أن يكون هناك تسليم تام بأنها من أهم سماته وخصائصه التي تندرج ضمن موضوعات ” فلسفة العلم” أو ” نظرية العلم” المعنية بدراسة وتحليل كل ما يتعلق بالعلوم الطبيعية من مختلف جوانبها المعرفية والمنهجية والقيمية والأنطولوجية والاجتماعية والتاريخية والتقنية وغيرها.

وطرح القضية في هذا الإطار الكلى الشامل لمفهوم نظرية العلم الطبيعي من شأنه أن يجيز لنا القول بأن النتيجة النهائية التي يتوصل غليها باحث ما لا تكون موضوعية على إطلاقها ، بمعنى أنها لا تكون مستقلة تماما عن أي ذات ، وذلك لأنها لا تعبر تعبيراً جامعاً مانعاً عن الحقيقة الكاملة لواقعة من الواقع . فتاريخ العلم يحدثنا بأن القانون الطبيعي الذى يصف حقيقة علمية ما لم يكن في يوم من الأيام قانونا عاما على إطلاقه ، ولكنه محدود دائما ، في نشأته وتطوره وتطبيقه ، بعوامل المكان والزمان والخبرة الذاتية للإنسان ، من هنا يجيئ اعتقادنا بأن العلاقة بين الموضوع والذات جد وثيقة، وإن تفاوتت مستوياتها وتعددت دلالاتها فصورة العالم الموضوعي كما نعرفه هي من ابتكارات رجال العلم على مر الأجيال ، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل حقيقة كون جميع  العلماء في النهاية بشراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من صفات إنسانية ن ومن العبث نكران ذاتية العلماء وتأثيرها على العلم لغةً وفلسفةً وتقنيةً ، ومن هنا أيضا جاء اعتقادنا  بأهمية وضرورة تناول قضية ” الموضوعية العلمية” من منظور إسلامي ، وإن كان هذا سيثير ثائرة المتعصبين من أصحاب الأيدولوجيات والنزعات المعادية للإسلام او الداعية إلى التغريب (1).

وسوف نعرض في هذه الدراسة بإيجاز لأهمية أن تكون هناك نظرية إسلامية في العلوم والتقنية تضمن للعلوم الطبيعية موضوعيتها، ويتعين على الفهم الصحيح لمكانة العلم في حياه الانسان، ثم نتناول بعد ذلك إشكالية الموضوعية العلمية بالتحليل والمناقشة من خلال امثلة توضيحية تمثل أرقى حالات العلم في مراحل تاريخه القديم والوسيط والحديث والمعاصر.

وأخيراً سنلخص إلى تصور عام لمعيار الحقيقة العلمية المثل ومدى ارتباطها بموضوعية القانون العلمي في التعبير عن سنن الله الكونية.

نظرية العلم الإسلامية

نتوقع بمجرد البدء في الحديث عن نظرية إسلامية في العلم والتقنية أن يقفز المتعصبون من أحاب المذاهب العدائية ومحترفو المناقشات النظرية من أصحاب النزعة اللفظية (2) ليحاصروا كل اجتهادات التنظير الإسلامي بأشواك الثرثرة وصيحات التشكيك، مستخدمين في ذلك كل أساليب التعجيز والاحتواء، وقد يتساءل بعضهم مستنكراً: هل هناك وجود بالفعل لما يسمى بنظرية العلم الإسلامية ؟!. بينا يقول الخبثاء منهم: إذا كانت موضوعية العلم تقتضي بان تكون له نظرية واحدة، وهي موجودة في الكتب لتختاروا منها ما تشاءون، فلماذا تتعبون أنفسكم في البحث عن نظرية خاصة بكم؟ ولما لا تتعظون من تجربة الغرب المريرة التي انتهت به إلى ضرورة تشييد حضارته على أساس الفصل التام بين العلم والدين؟!.(3) ؟ .

ودونما حاجة إلى الاستطراد أو الاسهاب في رد مفصل على هؤلاء وهؤلاء، فإننا نقول لهم إن واقع التاريخ العلمي تؤكد زيف ادعاتهم ذلك لأن أيديولوجياتهم وفلسفاتهم لا تخلو في مفهومها الكلى ن معتقدات يغلب عليها روح التعصب، وتكتنفها نزعة الذاتية والمصالح الخاصة، تعتمد على استبعاد أي إدراك للواقع غير إدراكها الخاص. كما إن الباحث النقد لساحة الفكر العلمي العالمي على سعتها وامتدادها سوف يجد أن الممارسات الفعلية تؤكد في كثير من الأحيان عكس ما يردده هؤلاء المذهبيون من ان العلم لا وطن له ولا جنس ولا عقيدة، بحجة أن الحقائق العلمية الموضوعية عالمية بطبيعتها، ويمكن التوصل إليها في أي زمان ومكان إذا توافرت الظروف والأساليب التي أدت إلى اكتشافها والتحقق من وجودها. ومن ثم فإنهم لا يكنهم ظان يتصورا مثلا وجود فيزياء أمريكية أو رأسمالية وأخرى روسية او شيوعية. ولا يجدون معنى لأن يعتقد في ان هذا القانون العلمي أو ذاك يمكن ان يكون إسلامياً او مسيحياً أو يهودياً أو زنديقياً إلحادياً. ويكفي ذلك دليلاً على بعد البون بين الاقوال المثالية والممارسات الفعلية ما نراه من خلاف وتصارع يصل إلى حد العداء بين مذاهب فلسفية تسلقت على قوانين نيوتن وآراء دارون ونسبية أنبشتين واحتمالية هيزنبرج وغيرها حيث سعى كل مذهب إلى أن يجعل من تصوره العلمي لطبيعة العلاقة بين الذات والموضوع أساساً لإيمان اجتماعي جديد يكون بمثابة دين إنساني يهدى إلى الحقيقة شاملة كاملة.

وكان طبيعياً أن تنعكس هذه التصورات الخاصة على سلوك الافراد والمجتمعات ، بل وتظهر إسقاطاتها الايدلوجية على العلم – نفسه الذى قالوا عنه إنه بلا وطن ولا جنس ولا عقيدة ، وأنه كالماء والهواء ملك لكل الناس – ونجد الأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة ، فعندما نقرأ الكتب العلمية لمؤلفين فرنسين نجدهم يميلون إلى تمجيد علماء فرنسا والاشادة بدورهم على حساب غيرهم من علماء الدول الأخرى ، فيكون الحديث عن دور ” بليز باسكال” في الفيزياء مثلا أكثر منه عن دور ” نيوتن” والثناء علي ” بيفون” و”لامارك” ودورهما في علوم الحياة يحجب دور ” دارون” أو ” هيكل” أو أية شخصية أخرى غير فرنسية. وفى إنجلترا يتحدث الانجليز عن تاريخ العلم بما يجعله يبدو للقارئ في كثير من الأحيان كما لو كان يدين للعلماء الانجليز دون غيرهم. وفى المانيا ظلت ” فيزياء أينيشتين” زمناً طويلاً محل تجاهل من العلماء الألمان يسبب هروبه من النظام الألماني، وأدى هذا التجاهل إلى تقدم الإنجليز والأمريكيين على الالمان في هذا المجال. وفى الاتحاد السوفيتي يدافع الكتاب الاشتراكيون عن العلم الذي يظهر في ظل أيديولوجية اشتراكية، أو على يد عالم له اتجاهات الاشتراكية. وكانت نظرية النسبية لأينشتين تهاجم من قبل الشيوعيين على أنها نظرية ” مثالية”. وفى الصين يصل اصطباغ العلم بالصبغة الأيديولوجية إلى حد أن العقيدة المادية تحكمت في شروط اختيار المشتغلين بالعلم، وفى ظروف عمل العلماء (4).

أما في أمريكا فإنهم يحرصون في كل مناسبة على تأكيد تفوقهم العلمي والتقني (5)، ويمكن أن يصل الاهتمام بكشف علمي إلى أعلى مستويات إذا ما توقع له العلماء أهمية استراتيجية أو اثراً مباشرا على حياه الانسان ومستقبله. مثال ذلك ما حدث في فبراير 1987 عندما اقترح الرئيس الأمريكي رونالد ريجان مرسوماً للمنافسة في مجال تقنية الموصلات الفائقة (6)، وطالب باستثناء المعلومات التي تنتجها معامل الأبحاث الحكومية، ويتوقع أن تضر بالمركز التنافسي الاقتصادي والن القومي لولايات المتحدة الأمريكية، من “قانون حرية المعلومات” Freedam of information act (FOIA).(7)

  وقد ذهب بعض المحللين لطبيعة الحياة المعاصرة إلى القول بأن العلم لم يعد نشاطا منزويا تمارسه فئة قليلة من البشر، بل أصبح صناعة رئيسية ثقيلة، أو قل سلاحاً حضاريا رهيبا، تنفق عليه الدول في سعة، فارضة عليه إيجاد حلول لمشكلاتها في الإنتاج والحرب، وذلك لأن التقدم العلمي والتقني لا يقتصر أثره على ما يحدثه من تغيرات كأسلحة في أنماط الحياة، ولكنه أصبح يحل محل الجيوش في تغيير مراكز القوى الصناعية والسياسية في العالم. فها هو مركز الثقل الصناعي والتجاري ينتقل من المحيط الأطلنطي إلى محيط الهادي في شرق آسيا، بعد أن صارت تجارة أمريكية مع اليابان وكوريا وتايوان وسنغافورة وتايلاند أكبر منها مع أوروبا، ولهذا تسرع الأخيرة بالاتحاد لكي تقوى على البقاء في دائرة المنافسة.

وغذا ما اتصل العلم والتقية بالصناعة والتجارة والسياسة فإنهما لابد متأثرين بالاتجاهات والمصالح القومية لدرجة تجعل من الحرب بين البشر خطرا دائما محلقا فوق الرؤوس بصرف النظر عما يبدو هذه الأيام من تقارب ظاهري بين كتل العالم ومعسكراته ذات الفلسفات والايديولوجيات المختلفة.

من ناحية أخرى، تدلنا نتائج الأبحاث الجارية حاليا في مختلف فروع العلم على أن الوجه المادي للعالم سوف يتغير مع بدايات القرن الحادي والعشرين، وأن المرحلة الجديدة من التفكير العلمي والتقني أصبحت مرتبطة بمفاهيم ذاتية وميتافيزيقية أحيانا مثل الحديث عن الذكاء الاصطناعي والتحكم في أعمار الجسيمات المتحركة عن طريق سرعاتها، وتعدد الأبعاد الخفية لمتصل المكان والزمان، وحقيقة الخلق من العدم، ونظريات أصل الكون وتمدده وغيرها (8). وهذا التوجه الجديد في موضوعات العلم ومناهجه من شأنه أن يطيح بالكثير من النظريات العلمية الشهيرة والأنظمة الفلسفية القائمة عليها، بعد عجزها عن تقديم تفسيرات شافية لمشكلات وقضايا جديدة لم تكن في حسبان منظريها، وأن يمهد الطريق لميلاد نظريات علمية جديدة على أنقاص النظريات والمفاهيم السائدة حاليا، وأن يؤثر تأثيراً كبيراً على وعى الإنسان وتصوره لنفسه وللعالم الذي يعيش فيه.

وهنا نجد مرة أخرى نجد أن العالم والتقنية إذا ما اتصلا بالفلسفة ، ولابد لهما من الاتصال بها، فغنهما بلا شك يكونان غارقين في ذاتية الإنسان إلى أبعد مدى، إما تقديساً وتأليها على نحو ما نرى عند أصحاب النزعة العلمية المتطرفة Scientismوأصحاب النزعة التقنية المتطرفة Technocracy، وإما عداء ومناهضة على نحو ما نجد عند أصحاب الحركات الجديدة التي تدعو إلى ” اللاعلمية” Antiscience   وترفع شعارات العودة إلى الفطرة، وإما بالانغماس بدرجات متفاوتة بين هذين النقيضين (9) ، وفقا لما يؤدى إليه تطور العلوم وتقنياتها من تغير في المفاهيم العلمية بطريقة لا يمكن لأية فلسفية أن تتجاهلها. 

كذلك يتعرض العلم من جانب المؤرخين غير المنصفين لحكام غير موضوعية عندما يتناولون تاريخه بالوصف والتقييم من جوانب متعددة، فيكون سرد الحقائق العلمية محكوما بنظرة انتقالية منظمة لها وفقا لمحور أساسي يضمها ويجذبها إلى مسار له اتجاهه الخاص. ذلك لأن الحقائق العلمية ليست كلها على درجة متكافئة من الأهمية والدلالة عندما يتناولها المؤرخ بالتحليل والتفسير في أي عصر من العصور، وقد أدى هذا بالبعض إلى الإصرار على التأريخ للعلم والتقنية بعصرين فقط هما العصر الإغريقي وعصر النهضة الأوروبية الحديثة، وذلك قبل ان تنتقل البشرية إلى عصر الثورة التقنية المعاصرة، متناسية بذلك دور الحضارات القديمة الرائدة ودور الحضارة الإسلامية الزاهرة.

بل إن الدور الإسلامي قد تعرض أكثر من غيره لمحاولات الطمس والتشويه، وقوبل – ولا يزال يقابل – بالجحود والنكران من جانب المعتصمين والمذهبين. ولا تزال جهود المخلصين وأبحاثهم تكشف عن حالات الغش والقرصنة والادعاء التي حدثت ى حق التراث العلمي الإسلامي بعد أن ضللت بها أجيال كثيرة متعاقبة(10)، وإذا افتقد العلم موضوعية التأريخ له – باعتباره عملية ممتدة خلال الزمان، يتعاقب على أدائها أجيال العلماء من مختلف الأمم – فإنه لا محالة مخفق في مهمته.

وهكذا نجد – إذا ما استطردنا في استعراض مختلف علوم العلم المتعلقة بموضوعيه وغايته وحركته وتطبيقاته – أن أي تصور لنظرية عامة في العلم يجب ألا يغفل ذاتية الانسان الملازمة دائما لتلك العلاقة العضوية بين العلم وفروعه ، على أساس أن التفكير العلمي لم يعد له ذلك المفهوم الضيق القائم على مجموعة من الخصائص تجعله في موقف النقيض تماماً من التفكير الفلسفي والتفكير الديني (11) فكل فصل قاطع للواقع عن طرق معرفته، وللموضوع الملاحظ عن عملية ملاحظته ، وللقانون العلمي عن فلسفته وغايته وحدود صلاحيته ، وللعلم عموماً عن تاريخه وقيمته في حياه الانسان -: هو فصل غير علمي ؛ لأنه غير موضوعي .

وكأن الموضوعية العلمية تقتضي إذاً أن يكون للذات الباحثة مكانها المناسب إلى جوارها في كل بحث أو فكر علمي. ولذا فإن ما تفرزه قرائح المنظرين للعلم لم يبرأ هو الآخر من تأثير النظرة الذاتية، على نحو ما نرى عند بيكون وانبهاره بنتائج المنهج التجريبي، أو عند توماس كون ونموذجه القياسي أو عند كارل يربر ومنطقه في الكشف العلمي (12). فجاءت نظريات هؤلاء وغيرهم (13) مبتسرة ومنقوصة؛ لأنها في حقيقتها تفرض رؤية معينة للأشياء وتحدد للخبرة الإنسانية، وهذا من شأنه أن يشكك في قدرتها على تفسير حركة العلم والمعرفة في كل مرحلة يبلغاها.

وامام هذا الفارق الكبير بين الصورتين المثالية والواقعية للموضوعية العلمية تظهر الحاجة الماسة إلى نظرية جديدة تحفظ للعلوم الطبيعية موضوعتيها، وتقدم نموذجاً أمثل للوفاء بمطالب العلم المتجددة.

وهو ما ننشده وندعو إليه باسم ” نظرية العلم الإسلامية” وفق منهاج إسلامي يضمن مواصلة التقدم العلمى والتقنى ، ويعيد للتفكير العلمى لدى البشر طبيعته الحقة بوصفه بحثاً موضوعيا عن الحقيقة أينا وجدت، يعلو على كل ضروب الهوى والتحيز ، ويزن كل شيء بميزان واحد هو ميزان الإسلام  على أن صياغة مثل هذه النظرية يجب أن تتم في إطار نظرية عامة للإسلام يستعين بها المسلمون على تغيير واقعهم وتطوره بمعايير الإسلام وأدواته في التغيير والتطوير، وينظرون من خلالها النظرة الإسلامية لقضايا الكون والحياة ، ويواجهون بها كل ضروب التحدى الوافد أو الموروث ن وتكون في نفس الوقت بيانا لتعريف غير المسلمين بالإسلام وخصائصه التي تعلق بها البشرية آمالها في الخلاص من حالة القلق الذى تعانى منه حضارتهم المادية التعيسة.

وإذا كانت الصياغة النهائية الكاملة لنظرية إسلامية في العلم والتقنية لم تتوفر بعد، فإن هذا لا يمنع من مناقشة قضايا الفكر العلمي في ضوء ملامحها الرئيسية التي أرشدتنا إليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفى إطار خطوطها البعيدة المنبثقة من تراث الأجداد من علماء الحضارة الإسلامية، وعلى هدى شموعها التي أضاءتها اجتهادات العديد من المفكرين الإسلاميين على مر العصور. لكي يبقى أن خيوطها الرقيقة لا تزال بحاجة إلى نساجين مهرة في كل علم وفن، وألى أن يأذن الله بمجيئهم، يجب علينا أن نهنئ لهم النول الصالح، وأن نعد لهم خيوط الغزل من القطن والصوف والحرير (14).

 مستويات الموضوعية ودلالاتها:

يعرف ” الموضوع ” Object بوجه عام بأنه مادة البحث ومسائله، ويطلق وصف ” موضوعي” Objective   على كل موضوع تتساوى علاقته بجميع المشاهدين برغم اختلاف الزوايا التي يشاهدون منها(15).

ولما كانت العلوم الطبيعية تعنى في الأساس بدراسة الظواهر الجزئية للكون والحياة وفق مناهج علمية مناسبة، بغية الكشف عن القوانين العلمية التي تصف السلوك الفعلي لتلك الظواهر، فإن ” الموضوعية العلمية” Scientific Objectivity تعتبر خاصية أساسية من خصائص المعرفة العلمية، ويقصد بها إمكان استعادة النتائج العلمية والتثبت من صحتها لدى أكثر من باحث إذا أجريت التجارب المؤدية غليها تحت نفس الظروف ووفق نفس المنهج. وعندما ترقى هذه النتائج في سلم الترقي المعرفي إلى مستوى الحقائق العلمية فإنه يمكن إدراكها لدى أكثر من باحث بنفس الطريقة أو بطرق مختلفة. وهذا التصور المثالي للموضوعية العلمية أدى إلى الاعتقاد بضرورة اعتبار الحقائق العلمية مستقلة تماماً عن الذوات الباحثة عنها، وغير خاضعة لميول الباحثين ومصالحهم.

والالتزام بالموضوعية العلمية على هذا النحو يعتبر سمة أساسية أيضا من سمات الباحث العلمي، تتطلب حيدته ونزاهته وصبره ومقدرته على الاستدلالات الصحيحة التي تميز الإدراك الموضوعي لجوانب الظاهرة المعنية ن كما تتطلب أيضاً أن يرى الأشياء على ما هي عليه وأن يكون أميناً ودقيقاً في عرض النتائج التي يحصل عليها، حتى وإن خالفت اعتقادا سابقاً او للمجتمع الذي يعيش فيه، وأن يكون مستعدا لأن يقبل ما دلت عليه المشاهدة وما كان نتيجة للتجربة أو لازما عقليا من لوازمها، دون تدخل بالتعديلات أو الخذف.

وليس هناك من شك في ان هذا التصور المثالي ” للموضوعية العلمية المطلقة” هو ما يجب ان يسعى إلية العلماء ويكون عليه اتجاه بحثهم. لكن الصورة الواقعية للعلم والعلماء شيء آخر، تقترب من المثالية أحيانا وتبتعد عنها أحيانا أخرى. وسوف نحاول توضيح هذه الصورة الواقعية لمستويات الموضوعية العلمية ودلالاتها من خلال بعض الأمثلة التي نراها معبرة عن حالات العلم والتفكير العلمي في مراحل تاريخية مختلفة. 

(أ‌)         عدم موضوعية العلم القديم:

إذا جارينا بعض الباحثين في قولهم بأن نظرية العلم تعود بأصولها غل عصر الإغريق ، فإننا لن نجد صعوبة في تقييم هذا الزعم المبالغ فيه، وذلك بالنظر إلى منهج القدماء ومدى موضوعيته في معالجة قضايا العلم الطبيعي، ولناخذ على سبيل المثال ظاهرة طبيعية واضحة للعيان وهى ظاهرة السقوط الحر للأجسام وتفسيرات الباحثين بشأنها. فقد اعتقد أرسطو سبب سقوط الجسم على الأرض يعود إلى ” الوحشة الطبيعية” الكامنة في الجسم نفسه، تماما مثلما يميل الطفل إلى حصن أمه كلما بعد عنها باعتبارها المكان الطبيعي لإزاحة وحشته ، واتجاه حنينه هو الذى يدفع به إلى مقاومة حالة الوحشة وطردها.

ولعلنا نلاحظ هنا أن أرسطو قد أمعن في ” أنسنه الطبيعة” عندما طبق الأحاسيس الإنسانية على الظواهر الطبيعية، فرأى أن الجسم المادي الصغير يجد مكانه الطبيعي في حضن أمه: كوكب الأرض، أي أن النظرة الأرسطيه تقتضي باعتبار أن الجسم الساقط هو الذي يميل من تلقاء ذاته إلى الحركة نحو الأرض. كذلك اعتقد أرسطو بأنه اكتشف أحد قوانين الطبيعة عندما قال بأن الأجسام الثقيلة تسقط إلى الأرض أسرع من الأجسام الخفيفة، وكان ذلك بناء على منهج فلسفي يخصه ويستند إلى القياس النظري المجرد. ولسنا بحاجة الآن إلى أن نبين كلا من مفهوم ” الوحشة الطبيعية” و” قانون” السقوط الحر اللذين قال بهما أرسطو لا يمثلان حقيقة ما من حقائق الوجود، وكل ما في الأمر أنهما جاءا نتيجة لاستنتاج مضلل من ” موضوعية زائفة” في جوهرها لأنها انخدعت بما يدركه الحس القاصر، واستندت إلى تأملات العقل الخالص، وارتبطت في الاستدلال عليها بمنهج سلبي عقيم.

وكثيرة هي الظواهر الطبيعية التي عالجها علماء الإغريق بمنهجهم الصوري، فتعددت نظرياتهم في الضوء والحركة والمادة والمكان والزمان وغيرها، وكانت هذه النظريات هي أكثر نظريات العلم بعدا عن الموضوعية العلمية، حتى وإن كانت تبدو للباحثين في حينها، وكأنها خاضعة للعالم الخارجي ومستمدة من وقائعه، ولا علاقة لها بأمور ذاتية ويكفى أن نستدل على طبيعة الفرض الفلسفي بموضوعية الزائفة وانعدام جدواه في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ العلم الطبيعي بما جاء على لسان أفلاطون في وصف الكون حيث يقول :” والآن وبعد أن بلغت كل النجوم اللازمة لتكوين الزمن وضعا حركيا مناسباً لها، وبعدما أصبحت أجسامها المكبلة بالسلاسل كائنات حية تعرف مهمتها المرسومة، بدأت تدور ، بعضها في مدارات واسعة والبعض الآخر في مدارات ضيقة، وكانت النجوم ذات المدارات الأضيق تدور بشكل أسرع ، وكانت النجوم ذات المدارات الأوسع أبطأ دورانا(16).

ويغنينا عن الاستطراد في تحليل نظريات قديمة بدأت بعدم القدرة على التمييز بين حركة الطائرة وحركة الكواكب وحركة حجر يسقط أعلى الجبل، لكي نعرف مذاهب أصحابها ونزعاتهم المادية، ما أجمع عليه أصحابها ونزعاتهم المادية، ما أجمع عليه علماء وفلاسفة المسلمين الممثلين لروح الإسلام من أن أفلاطون يعتبر وثنيا كبيراً وأن أرسطو يعتبر فيلسوف الإلحاد الكبير(17). حتى أولئك الذين يحاولون استجداء التحليل العلمي لتاريخ المعرفة بإضفاء أي قدر من الموضوعية على علوم الإغريق فإن ” بول موى” يتولى الرد الحاسم عليهم بقوله” كان اليونانيون لا يكادون يعلمون شيئا عن علم الطبيعة الرياضي ( بمعناه الدقيق) ، هذا إذا استثنينا علم الصوت الرياضي الذى درسه الفيثاغوريون باسم ” علم توافق الأصوات” وكانوا يعتقدون أن عالم ما فوق القمر هو وحده الذى يتمثل فيه النظام والقوانين والحكمة، وأن العالم الأرضي أقرب إلى الفوضى، ومن هنا كان لديهم علم فلك عقلي (أي صوري) ولم يكن لديهم علم طبيعي” (18).

(ب‌)     موضوعية العلم الوسيط:

كان لابد للعلم الطبيعي إذن من منهج جديد يحميه من التجمد عند المرحلة القديمة، ويدفعه قدماً إلى الأمام على أساس الملاحظة والتجربة والاستقراء وفرض الفروض واستنباط النظريات والقوانين العلمية الجديدة. وقد جاء هذا المنهج على أيدى علماء الحضارة الإسلامية الذين قلبوا تصورات القدماء الفلسفية عن الظواهر الطبيعية رأساً على عقب، فلم يقبلوا تماماً البراهين النظرية للآراء التي يمكن اختبار صحتها تجريبياً، وفطنوا إلى أن التفسير العلمي لظواهر الطبيعة يكتسب دقته من مدى تعبيره عن الحقيقة العلمية الكامنة وراء سلوك هذه الظواهر، وإما بوصفها تطابقا للواقع ” الموضوعي” وذلك بإطلاق لفظ الواقع على الأمور التي يمكن التحقق منها على نحو يقره الجميع ، وهنا تصل ” الموضوعية العلمية” لأول مرة في تاريخ العلم على أعلى درجاتها قربا من التصور المثالي ، وإما باعتبارها تطابقا لقضايا ذهنية قد لا يكون لها مسميات واضحة ومحددة في عالم الواقع ، مثل بعض قضايا علم الرياضيات للأشياء كما هي في ذاتها ، إذ من الممكن تشيد نسق كاملا للتفكير الرياضي، وهنا تتلازم الذاتية مع الموضوعية بالقدر الذى تفيد به الوصول إلى الحقيقة العلمية. ومثل هذا المنهج الذي التزمه علماء الحضارة الإسلامية – في كنف الروح الإسلامية الباعثة لكل الطاقات البشرية والملكات المعرفية – يظل دائما قادراً على الإنتاج والعطاء إذا ما أحسن فهمه وتطبيقه (19). فلا عجب إذن من أن يشهد المنصفون من ” المؤرخين الموضوعيين” أن العلم الطبيعي يدين بنشأته وتطوره لهذا المنهاج الإسلامي الرشيد الذي كان على موعد مع بلوغ العقل الإنساني مرحلة الرشد والتفكير العلمي الناضج.

بهذا تكتسب الموضوعية العلمية أيضاً لأول مرة صفة المنهجية بحيث يمكن القول بأنها ” موضوعية منهجية” تعرف جيدا حدود العلاقة بين الذات والموضوع ، وهو ما عبر عنه الحسن بن الهيثم ، أحد مؤسسي المنهج التجريبي في عصر النهضة الإسلامية ، بقوله” إني لم أزل منذ الصبا مروياً في اعتقادات الناس المختلفة وتمسك كل منهم بمعتقده من الرأي فكنت متشككاً في جميعه، مؤقتا بأن الحق واحد ، وأن الاختلاف فيه إنما هو من جهة السلوك إليه ، فلما كملت لإدراك الأمور العقلية انقطعت إلى طلب معدن العلم، ووجهت رغبتي وحرصي إلى إدراك ما به تنكشف تمويهات الظنونة وتنقشع  غيابات المتشكك المفتون، وبعثت عزيمتي إلى تحصيل الرأي المقرب إلى الله… فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية (20).

ولا يفوت ابن هيثم أن يفصح عن معنى ” الشك العلمي” لدى الذات الباحثة في العلم ” بموضوعية منهجية” ، سواء قبل الشروع في إجراء الخطوات التنفيذية للبحث في ظاهرة ما أو بعد الوصول إلى النتيجة النهائية بخصوص نفس الظاهرة، وكأنه بذلك يعبر عن إحدى صور التدخل الذاتي في البحث  الموضوعي بأفضل مما عبر عنه حديثاً فيلسوف العلم كارل بربر في مبدأ التكذيب ومنطق الكشف العلمي(21)  ، يقول ابن هيثم في مقاله ” الشكوك على بطايموس” : ” الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعنى طالبه غير موجود ، ووجود الحق صعب، والطريق إليه وعر، والحقائق منغمسة في الشبهات ، وحسن الظن بالعلماء في طباع جميع الناس فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه ، وجعل غرضه فهم ما ذكروه ، وغاية ما أوردوه ن حصلت الحقائق عنده هي المعاني التي قصدوا لها ، والغايات التي أشاروا إليها ، وما عصم الله العلماء من الزلل، و حمى علمهم من التقصير والخلل، ولو كان ذلك لما اختلف العلماء في شيء من العلوم، ولا تفرقت آراؤهم في شيء من العلوم ، ولا تفرقت آراؤهم في شيء من حقائق الأمور ، والوجود بخلاف ذلك فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين ، المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم، بل طالب الحق هو المتهم لطنه فيهم  فالموقف فيما يفهمه عنهم، المتبع الحجة والبرهان ، ولا قول القائل الذى هو إنسان ، المخصوص في جبلته بضروب الخلل والنقصان، والواجب على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة الحقائق ن أن يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه، ويجيل فكره في متنه وفى جميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم أيضا نفسه عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يسمح فيه ،فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق ، وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشبه” (22).

ويظهر روعة ” الموضوعية المنهجية” لدى ابن الهيثم في أنه يقدم مبدأ الشك في منهج نقدي تجريبي قادر على بلوغ الحقيقة العلمية الجزئية بأكبر قدر ممكن ن اليقين. أما كارل بوبر ، الذى يعرف العبارة العلمية بأنها العبارة التي يمكن إخضاعها باستمرارها لمعيار الدح Falsibia bility crilerior وكان الوضيعون يعرفونها بأنها العبارة التي يمكن التثبت منها بالمشاهدات التجريبية ، فقد اعتبر أن تفسير المشاهدات يقع في النهاية على عاتق المشاهد ويخضع لميوله وثقافته العلمية والنظرية التي كان يجرى تجاربه في ضوئها ن وعلى ذلك فمهما كان عدد المشاهدات ، ومهما كان التزامن بالاستقراء فلن يكفى ذلك لتأييد الفروض العلمية الصحيحة، ولكننا على العكس لو أخضعنا الفروض العلمية لدحض المستمر يزيد احتمالها ومحتواها التجريبي وما تخبرنا به عن العالم فإذا ثبت الفرض أمام الدحض فقد برهن على صحته؛ ومن ثم يمكن قبوله مؤقتا ، لكننا لن نتوقف عن محاولة دحضه ، ولكن بوبر لا يرى في العالم إلا مجموعة من العبارات التي استقر العمل والاعتراف بها، ولا يمكن أن يدعى أنه قد توصل على الحقيقة أو حتى ما يشابهها ، كأن يكون احتمالاً فنحن لا نعلم ،لكننا نخمن فقط (23).

ولم يستطع بوبر أن يجد تبريرا كافياً لنزعته المضادة للذاتية عندما قال بأن المعرفة بالمعنى الموضوعي هي معرفة بدون ذات عارفة، وزاد الأمر تعقيداُ عندما أشار في كتابه” المعرفة الموضوعية” إلى ثلاثة أعوام متميزة: ” الأول هو العالم الفيزيائي أو عالم الحالات العقلية، والعالم الثالث هو عالم تعقل الأفكار بالمعنى الموضوعي، وهو عالم الأشياء الممكنة بالنسبة للفكر”(24).

وقد أظهرت الدراسات التحليلية المقارنة لعلوم التراث الإسلامي مقدرة علماء المسلمين على تحقيق ” الموضوعية العلمية المنهجية” من خلال الجمع بين اللاحظة والتجربة والحدس العقلي في عملية الاستقراء (25) لكن طبيعة العلم في تلك المرحلة في تاريخه كان يغلب عليها الجانب الوصفي أكثر من التعبير الكمي الذى يميز العلم عادة في مرحلة متقدمة من تطوره كما في علوم الفيزياء والكيمياء الحديثة والمعاصرة، وبهذا تركز البحث عند المسلمين على مراقبة الظواهر واستثارتها عن طريق الملاحظة والتجربة لجمع قدر كبير من النتائج يكفى بعد ذلك لطرح فرض تفسيري أو نظرية عامة. أما ط الفرض العلمي” بمعناه الكامل فلم يصل في التراث الإسلامي إلى مرتبة التعميم أو التجريد بصورة كمية في صيغة قانون طبيعي شامل. والقول بعكس ذلك لا يتفق وحقيقة النقد الموضوعي لخصائص المستوى المعرفي للعلوم الطبيعية آنذاك، ويكفى الفكر الإسلامي أنه ألم بأهم مقومات الفرض العلمي متمثلة في إضفاء مقولات العقل على نتائج الملاحظة والتجربة، واستخدام الخيال العلمي في المماثلة بين الظواهر المختلفة والكشف عن لوحدة التي تربط بين واقع متناثر، وابتكار المفاهيم العلمية المطابقة للواقع والخبرة(26).

(جــ) موضوعية العلم الحديث:

عندما انتقلت علوم المسلمين إلى أوروبا ، ومهدت لقيام العلم الحديث على أساس تجريبي ادي، تركت النهضة الأوروبية جانبا الايمان الذى يوجهها نحو الله تعالى، فتخلى العلم عن المعنى والسمو الروحى وأصبح دنيويا فقط بعلاقاته مع الأشياء ، كما اصبح الباحث ينطلق في تفكيره من مبدأ ” الحتمية” الذى يفترض أن صدق أحداث الكون مستقبل عن الزمان والمكان والخبرة الذاتية. ولقد قاد هذا التحول – إلى ما نسميه ” بالموضوعية العلمية الحتمية” أو ” المادية” – نيوتن الذى عرض على الدنيا فكرة تثبت أن الكون مرتبط بقوانين ثابتة ، تتحرك في نطاقها الاجرام السماوية – ثم جاء بعده آخرون فأعطوه هذه الفكرة مجالاً أوسع ، حتى قيل عن كل ما يحدث في الكون من الأرض إلى السماء خاضع لقانون معلوم ، أسموه ” قانون الطبيعة، ولم يبق للعلماء ما يقولون بعد هذا الكشف غير أن الإله كان هو المحرك الأول لهذا الكون، ورب ” والتير” مثلا أن الكون كالساعة يرتب صانعها آلاتها الدقيقة في هيئة خاصة ويحركها ، ثم نقطع صلته بها، ثم جاء ” هيوم” فتخلص حتى بعد هذا الإله بمقولته الغبية : ” لقد رأينا الساعات وهى تصنع في المصانع ، ولكننا لم نر الكون وهو يصنع ، فكيف نسلم بأن له صانعاً؟!” (27).

ونتيجة لهذه الموضوعية الحتمية التي تفصل بين الذات والموضوع فصلا تاماً اعتقد العلماء بأن التغيرات التي تحدث في هذا العالم عند أي لحظة تعتمد فقط على حالة العالم عند تلك اللحظة والحالة تحدد بمواضع وسرعات الاجسام ، فتغيرات المواضع تحددها السرعات وتغيرات السرعات تحددها القوى ، والقوى بدورها محدد بالمواضع ، فإذا أمكن معرفة العالم عند أي لحظة كان من الممكن وفقا لمبدأ الحتمية هذا أن يحسب السلوك والمعدل الذى سوف تتغير به هذه الحالة بأدق التفاصيل ، فإذا عرف هذا أمكن حساب  الحالة في اللحظة  التالية وهكذا بغير حدود أي أن الحالة الحاضرة للعالم – فيما يقول لابلاس – يمكن اعتبارها نتيجة لحالة سابقة وسببا لحالة تالية (28) . وأدى به هذا التصور إلى القول بأن النظام الفلكي لا يحتاج إلى أي أسطورة لاهوتية (29).

ومن وجهة نظرنا نعتقد أن انصار الحتمية المادية  يقعون في تناقض عجيب ومحير حقا … ففي الوقت الذى يؤكدون فيه انه لا وجود إلا للمادة، وينكرون العلة المطلقة في الخلق الأول ، نجدهم يعترفون بعجزهم عن ان تخطط أو تهدف إلى شيء ، ومن ثم فهم لا يجدون سبيلا إلى العثور على حكمة وراء الأشياء الطبيعية ويصف برتراند راسل خلاصة الفكر المادي هذا بقوله : ” الانسان وليد عوامل ليست بذات اهداف ، إن بدايته ونشؤه وامانيه ومخاوفه وحبه وعقائده كلها جاءت نتيجة ترتيب رياضي اتفاقي في نظام الذرة ، والقبر ينهى حيا الانسان ، ولا تستطيع أية قوة إحياءه مرة أخرى. إن الكفاح الإنساني كله سوف يدفن حتا تحت انفاض الكون. ولو لم تكن هذه الأفكار قطعيه فإنها أقرب ما تكن إلى الحقيقة، حتى إن أية فلسفة تحاول إنكارها ستلقى فناءها تلقائيا(30).

ومع اقتراب القرن التاسع عشر من نهايته ظهرت بوادر انهيار الموضوعية الحتمية للعلم، وتأكد هذا الانهيار عندما أتت نظرية أينيشتين لتوضح خطا افتراض حركة الاجسام في خلفية من الزمان والمكان المطلقين، ثم أوضحت نظرية الكم بعد ذلك أن قوانين نيوتن محدودة فقط بعالم المقاييس العادية، وتفشل تماما فيما وراء ذلك من العمليات الذرية ودون الذرية في الفيزياء الحديثة (31). وبهذا نشأ ما يمكن أن نسميه ” بالموضوعية الناعمة” أو ” الاحتيالية” Soft objectivity التي تسمح بتداخل الذات مرة أخرى وتعتر الباحث جزءا أساسيا من عملية البحث العلمي ومشاركا ضروريا في شروط التجربة العلمية. فقد أثبت أينيشتين أن علاقات الزمان والمكان لا يمكن تعريفها إلا بوصفها الموقف الشخصي للمراقب ولظروفه – أما السمات الأخرى لنظرية النسبية النظرية – أما السمات الأخرى لنظرية النسبية الخاصة، كتكافؤ المادة والطاقة، فهي في الواقع نتائج مترتبة على محورية المراقب، وبفضل النسبية الخاصة أصبح المراقب فجأة جزءا أساسيا من عالم الفيزياء. ولم يعد في مقدور الباحث العلمي أن يعتبر نفسه متفرجا حياديا كما في نظام نيوتن(32). وبمجيء ميكانيكا الكم تضاعفت أهمية دور المراقب في النظرية الفيزيائية، فيقول الفيزيائي ماكس بورن: ” لا يمكن وصف أي ظاهرة طبيعية في مجال الذرات إلا بالرجوع إلى المراقب رجوعا لا إلى سرعته فحسب كما في حالة النسبية، بل إلى جميع أنشطته لدى قيامه بالمراقبة وبتركيب الآلات وما إلى ذلك (33) وكان المنهج الفرى الاستنباطي هو أسلوب البحث في هذه المرحلة، يعد تفريغه من محتواه القيمي والروحي.  

(د) موضوعية العلم المعاصر.

إذا كانت نظرية النسبية وميكانيكا الكم قد اعادتا مفهوم ووجود العقل إلى المقدمة، وذلك عن طريق الإطاحة بالمذهب المادي وتأكيد ان الفكر يقوم بدور جوهري في الكون، فغن العلوم الطبيعية منذ اتجاهها نحو الوحدة والتجمع في تكتلات ثنائية وثلاثية مركبة بذات تسمح بالتلاحم مع علوم إنسانية او حتى معيارية إلى جانب علوم تعتمد على الاستقراء والاستنباط، على نحو ما نجد الآن في العلوم المستحدثة والمتولدة في مجالات السير نظيفا والذكاء الاصطناعي والبيئة والهندسة الوراثية وغيرها. وهذا يتطلب الاستعداد الكامل للتعامل مع مستوى جديد للموضوعية العلمية لا يعتد على منهج واحد بعينه، ولكنه يستند إلى مسلمات ثابتة تأخذ بعين اعتبارها عملية التصحيح المستمر لتلك العلاقة المتنامية بين الذات الباحثة وموضوعات البحث المختلفة المنبثقة في جنبات الكون الفسيح. وإذا ما سلمنا بأن النسق الإسلامي بثوابته الايمانية ومتغيراته المعرفية والمنهجية(34) وهو المؤهل للوفاء بمتطلبات اطراد التقدم العلمي والتقني فإن الموضوعية المنهجية بثوبها الإسلامي سوف تصبح مرة أخرى سمة العلم الجديد.

الحقيقة العلمية وموضوعية القانون العلمي:

عادة ما يحدث ان يخلط البعض بين مفاهيم ” الحقيقة” و” الموضوعية” و” القانون” في مجال العلوم الكونية نظراً لتداخل مدلولات هذه المفاهيم من الناحية العلمية إلى الحد الذي يتعذر معه وضع حدود فاصلة بين استخداماتها ويعزى هذا الخلط – في رأينا – بصورة رئيسية إلى غياب القواعد والمعايير التي تحكم مثل هذه المفاهيم. وهي بطبيعة الحال قواعد ومعايير لا يمكن تحديدها بطرق تجريبية، ولكن يمكن توضيحها والتعرف على ملامحها من خلل تحليل لغة القانون العلمي بدءاً من فروضه الأساسية ومقومات صياغته اللفظية وانتهاء بنتائجه العلمية واحتمالات تطبيقاته المستقبلية، فما اشبه القانون العلمي بشجرة ظليلة مثمرة، جذورها تناظر المبادئ والفروض التي قام وتعدى عليها، وجذعها يمثل الخطوات التجريبية والنظرية التي أدت إلى صياغته اللفظية، أما الأغصان والثمار فتناظر نتائجه المستنبطة منه عمليا. ولعل في هذا التشبيه ما يساعدنا على تحديد المعيار الذي نحكم على أساسه بان هذا القانون الطبيعي او ذاك يعبر بالفعل عن حقيقة موضوعية، أو حتى عن جزء او طرف من هذه الحقيقة، فالوحدة العضوية بين أجزاء هذه ” الشجرة”، شجرة القانون العلمي (35)، تقتضي ان تكون مصداقية القانون العلمي نصا وروحاً منسجمة تمام الانسجام مع المبادئ والعمليات التي صيغ على أساسها، ومع النتائج والتطبيقات التي أسفر عنها.

ومن ثم يمكن القول بان المعيار المثل الذى يحملنا على تصديق قانون علمي ما باعتباره معبراً في لفظه ومضمونه عن حقيقة علمية موضوعية بأعلى درجات ممكنة من اليقين هو في رأينا معيار ذو شقين متكاملين : أما الشق الأول فيتعلق بالقدرة على استنباط هذا القانون نفسه منطقيا من مبادئ أساسية واضحة في ذاتها بحيث لا يحتاج إلى برهان ، أو قابلة للتحقيق تجريبيا بطريقة مباشرة ، وأما الشك الثاني فيتعلق بالقدرة على ان نستنبط من هذا القانون نتائج يمكن تحقيقها أيضاً بالطرق التجريبية المباشرة ، ويحدث التكامل بين هذين الشقين لمعيار الحقيقة العلمية الموضوعية عندما نجد أن مبادئ القانون الطبيعي قد وجدت ما يبررها في النهاية من خلال ثمارها ، أي من خلال نتائجها التطبيقية ، وليس لمجرد انها واضحة في ذاتها وغنية عن البرهان.

ويدلنا تاريخ الكشوف العلمية وتطورها على أن تحقق التكامل المطلق من جميع جوانبه بين هذين الشقين لمعيار الحقيقة العلمية الموضوعية يكاد يكون امراً مستحيلاً، إذ كثيراً ما نلاحظ أن معظم المبادئ والفروض التي ينطلق منها العلماء في استنباط القوانين تكون جانحة إلى الخيال ويصعب عل العقل تصورها، كما انها لا تستمد صحتها بالضرورة من صحة النتائج المستنبطة منها على أساس اتفاقها مع الواقع المشاهدة. فالتجربة العلمية لا تثبت فرضاً ولكن تعززه: ورغم هذا قد يكون الفرض الصحيح مختلفاً اختلافاً كلياً، فنحن لا نستطيع ان نجزم بأن فرضاً معيناً هو الفرض الصحيح لأننا لا نستطيع ان نتصور كل الفروض الممكنة.

 والذين يتصورون أنهم يحصلون من العلوم الكونية على حقائق علمية مطلقة الصدق واليقين وانهم يبدأون في التعامل مع شجرة القانون العلمي من منتصفها، ويفكرون فقط في كيفية ظهور الثمار من الجذع دون اعتبار للجذور، إنهم بذلك يقطعون الشجرة من منتصفها، وعلم بأنهم يفصلون عن واقع الأمر بين نوعين رئيسيين من القوانين العلمية والحقائق العلمية المرتبطة بها.

أ‌-           النوع الأول يشملالقوانين المحدودة في تعميماتها بخصائص الظواهر والمواد في صورتيها الحية والجامدة وهي قواني تجريبية تعتمد على الرصد المباشر عن طريق الحواس أو ما يقوم مقامها من أجهزة الرصد والقياس. وتستخدم هذه القوانين لتفسير وقائع ملاحظة تتعلق بتحليل المادة وتركيبها أو بالمتغيرات الحادثة في خواصها بفعل مؤثرات خارجية، على نحو ما نجد في قوانين حركة الأجسام والقوانين المتعلق بالشحنة وفرق الجهد والمقاومة وشدة التيار وغيرها. ومن الطبيعي أن تعبر مثل هذه القوانين عن حقائق علمية محدودة في الزمان والمكان بظروف التجارب السلمية التي أسفرت عنها، وبطبيعة الحال حقائق موضوعية يمكن أن تبلغ اعلى درجة ممكنة من الصدق واليقين في حدود الإمكانات البشرية، مثال ذلك ما توصل إلية العلم التجريبي بشأن تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة، وحدوث ظاهرة البرق نتيجة تفريغ كهربي بن نوعين الشحنة الكهربية المتراكمة في سحابة واحدة أو سحابتين متجاورتين ، وتركيب جزئ الماء (يد أ) من ذرات عنصري الهيدروجين والأكسجين بنسبة 2 :1 ، ونقصان ضغط الهواء الجوي كلما ارتفعنا عن سطح الأرض ، إلى غير ذلك من الحقائق العلمية الموضوعية التي يمكننا التأكد منها تجريبيا إذا وقعت في نطاق إدراكنا الحسي والعقلي ، ونقيس على ذلك احتمال صدقها إذا ما وقعت خارج هذا النطاق، لكن المصداقية النهائية لهذه الحقائق تظل دائماً مرتبطة بمدى التقدم الذى يرزه العلم في تأكيد مصداقية الفروض الأساسية والمبادئ الأولى التي قامت عليها.

ب‌-       النوع الثاني

يشمل القوانين المرتبطة في تعميماتها بما هيأت الظواهر الكونية وطبائع المادة والطاقة في صورتيهما الحية والجامدة. وهي قوانين نظرية تقوم على استخدام النماذج والصور والأمثلة، وتتعلق بكيانات معينه لا يمكن رصدها أو قياسها بوسائل مباشرة، مثل كيانات الذرة والالكترون والمجال الجذبي والمجال الكهرومغناطيسي، وغيرها مما ينتمي إلى عالم ما وراء القياسات العادية. وهذه القوانين تمثل أهمية خاصة في حياه الانسان نظرا لارتباطها بالحقائق الكبرى في العالم الذي يعيش فيه، لكننا من ناحية أخرى، ذات طبيعة احتمالية ترجيحية لا ترقى إلى اليقين المطلق، وغن كان يستنبط منها ما يرقى على مستوى الحقيقة العلمية المؤكدة تجريبياً (أي من النوع الأول).

وتجدر الإشارة على ان الفصل التام بين نوعي القوانين اللذين ذكرتهما غير وارد؛ لأننا كثيرا ما نلجأ إلى التعامل مع الظواهر الطبيعية بقوانين تجريبية من النوع (أ) وقوانين نظرية أكثر عمومية من النوع (ب) في آن واحد. فإذا قلنا مثلا ان درجة حرارة غاز ( وهذه الدرجة يمكن قياسها بجهاز مناسب كالترمومتر) تتناسب مع متوسط الطاقة الحركية لجزئياتها ،فإن هذه القاعدة تربط ما يمكن رصده مباشرة ( أي درجة الحرارة) مع ما لا يمكن رصده في النظرية الجزيئية ، إذ ان الطاقة الحركية للجزيئات عملية مجهرية ( ميكروسكوبية) لا تخضع للملاحظة المباشرة وإذا كانت قوانين نظرية الحركة للغازات المتعلقة بحجم وضغط ودرجة حرارة كمية كبيرة من غاز معين هي قوانين تجريبية (  من النوع أ) تجعل المقادير الخاضعة للقياس المباشر ثابتة في حيز كبير من المكان وخلال فترة طويلة من الزمن، فإن القوانين النظرية ( من النوع ب) لنفس الظاهرة تتعلق بسلوك الجزيئيات المنفردة المنتمية إلى عالم المتناهيات في الصغر ، بحيث لا يمكن للتعميمات في هذه الحالة ان تؤسس على قياسات بسيطة ومباشرة.

وإذا قلنا – كمثال آخر – إن قوانين انعكاس الضوء المرئي وانعطافه يمكن التأكد من صحتها تجريبيا بطر قياس عادية، فإن الحديث عن ذبذبة موجة كهرومغناطيسية لضوء مرئي ينتقل بنا إلى النطاق النظري من ظاهرة الاشعاع لأنه لا وجود لآلة قياس تمكننا من الرصد المباشر لتغير تردد الموجات الكهرومغناطيسية.

في جميع الأحوال لا يميل العلماء انفسهم إلى الاعتقاد بانه توجد اية حقيقة موضوعية نهائية، وهذا لا يعنى بطبيعة الحال أنهم يظنون ان القوانين التي يتوصلون إليها غير صحيحة ، ويقول اينشتين : ” إن نظريات علم الطبيعة هي ابتكارات حرة للعقل البشري وليست ، كما قد يظهر، وحيدة ومحدودة تماماً بالعالم الخارجي، ونحن في محاولتنا فهم الحقيقة نشبة رجلاً يحاول فهم تركيب ساعة مغلقة ، ويرى وجهها وعقاربها المتحركة ويسمع أيضا دقاتها، ولكنه لا يستطيع فتح صندوقها، وغذا كان الرجل عبقريا فإنه قد يستطيع ان يكون صورة ما للتركيب قد يسبب جميع ما يشاهده.، ولكنه لن يكون بحال من الأحوال متأكداً من أن هذا هو التركيب الوحيد الذى يسبب مشاهداته، ويستحيل عليه أيضا ان يقارن الصورة الى كونها لنفسه بالتركيب الحقيقي ، بل انه ليتعذر عليه ان يتخلل إمكان او معنى هذه المقارنة ولكن من المؤكد انه يعتقد أنه كلما زاد من معلوماته أصبحت الصورة التي يكونها عن المواقع بسيطة، وفسرت هذه الصورة عدداً اكبر من مشاهداته ، كما انه قد يعتقد في وجود النهاية المثالية للمعرفة وفى اقتراب العقل البشري منها. وربما أطلق على هذه النهاية المثالية لفظ الحقيقة والموضوعية(36).

ويزخر تاريخ العلوم الكونية وتطورها بالكثير من النظريات والقوانين العلمية التي تؤيد تصورنا الذي طرحناه حول معيار الحقيقة العلمية وصحة دورانها مع موضوع القانون العلمي، ويكفي ان نستدل على ذلك من حلال المثالين الآتيين:

1-       قوانين الحركة والجاذبية:

اعتبر نيوتن أن العالم المادي يتكون من مجموعة من الجسيمات الى توجد ساكنة أو متحركة خلال الفضاء، ونص قانونه الأول على ان كل جسم يبقى على حالته من السكون او الحركة المنتظمة في خط مستقيم ما لم يؤثر عليه ” قوة” خارجية تغير من حالته، وبذلك صارت الحركة الدائمة هي الحالة العادية للجسم المتحرك ما لم يتدخل شيء يغيرها، وفسر ” القوة” في قانونه الثاني على أساس تأثيراتها التي تغير الحركة مقداراً واتجاهاً، ثم أضاف قانونه الثالث عن الفعل ورد الفعل، وصاغ قانون الجاذبية لتفسير حركة الجرام السماوية.

فغذا قلنا ان قوانين نيون للحركة تعبر عن حقائق علمية موضوعية بأعلى درجة ممكنة من الصدق واليقين فغن قولنا يكون صحيحاً لن هذه القوانين عبارة عن معارف علمية اكتسبناها على أساس الاطراد والسببية عن طريق الملاحظة المباشرة والأجسام تتعرض أمام أعيننا للدفع والجذب بتأثير ” القوى” في المكان والزمان، كما أن النتائج المستخلصة من هذه القوانين تعتبر بدورها حقائق علمية طالما كانت هي أيضا قابلة للتحقيق التجريبي أمام أعيننا في الزمان والمكان. لكن الخطأ الذي وقع فيه أنصار الحتمية المادية يكمن في ان نظرتهم القاصرة إلى طبيعة القانون العلمي وحدوده جعلتهم لا يرون من شجرته إلا الجذع والغصون والثمار، فأيقنوا بأن منظومة قوانين نيوتن ونتائجها تمثل كل حقائق العالم الذي تعيشونه في كل زمان ومكان. ولم يلبث مذهبهم المادي أن تعرض لطعنات العلم نفسه الذي تخلى في بعض قوانينه التفسيرية أو الوصفية عن مبدأ السببية والاطراد، سواء فيما يتعلق بالثوابت الفيزيائية الكونية كسرعة الضوء، وثابت بلانك وثابت الجذب العام، او ما يتعلق بالظواهر التلقائية كاضمحلال الذرات المشعة، أو ما يتعلق بالتغيرات التي تحدث داخل الذرات العادية وينتج عنها ظواهر، كالأطياف، تتحدى الدقة المطلوبة لقوانين ميكانيكا نيوتن العامة في الطبيعة.

لم تحدد قوانين نيوتن طبيعة قوة الجاذبية ولا كيفية عملها من خلال القضاء ، وفى خطاب شهير ارسله نيوتن إلى بنتلي Bentlyكتب يقول” لست أصدق أن المادة الخيالية من الحياة او الادراك يمكنها ان تعمل او تؤثر على مادة أخرى بدون وساطة شيء غير مادي وبدون اتصال ثنائي ….ولا ان الجاذبية كامنة في المادة وفطرية وجوهرية بالنسبة لها لدرجة ان جسماً ما يؤثر في جسم آخر على بعد منه، ومن خلال فراغ ، إن هذا بالنسبة لي امر سخيف جدا حتى إني لا أصدق أن إنساناً أوتى ملكة مؤهلة للتفكير في المسائل الفلسفية يمكن ان يقع فيه” (37).

لقد كان نيوتن متشككاً في المبادئ التي وضعها بنفسه أساساً لقانونه ولم ينظر إلى القوانين التي صاغها على انها تمثل الحقيقة النهائية فهو لم يغفل أهمية الجذور في اكتمال الحقيقة المرتبطة بشجرة القانون العلمي وعندما جاء اينشتين أوضح ان الذي يجب اختبار صحته بالتجربة العلمية هو طريقتنا في التفكير. لقد نجحت قوانين نيوتن نجاحاً باهراً في تفسير حركة الكواكب حول الشمس، مع ذلك فقد توجد قوانين أخرى مبنية على فروض مختلفة وتنجح أيضا في تفسير ذلك، وبالفعل قدم أينشتين تصوره للمتصل رباعي الأبعاد الذي كونه اندماج المكان والزمان اندماجاً تاماً يختلف في أي منهما في حالته المنفردة، واتضح انه يهيئ أنسب هيكل يصلح لمناقشة ظاهرة الجاذبية وتفسيرها من منظور جديد تماما، لقد رأى نيوتن ان الكوكب يسلك مساراً مستقيما في فضاء منحن. إنهما ينظران إلى نفس الموضوع بنظريتين مختلفتين!!

لم يعد أينشتين بحاجة إلى استخدام ” القوة” واصطلاحيتها وتأثيرها، فقد جعل محال الجاذبية هو الذي يؤثر على الفضاء وليس من خلاله، وجعلنا مجرد عابرين خلال وجود رباعي الأبعاد بدلاً من أن نكون في وجود ثلاثي الأبعاد يتغير مع الزمن، ولكن، هل الكون رباعي الابعاد حقا؟ … إنها ليست أكثر من صياغة مفيدة لعرض تصور أعم وأشمل عن الحداث الفيزيائية.

2-       ظاهرة الإشعاع

لدينا الآن صورتان متميزتان لطبيعة الإشعاع ، إحداهما تصوره على انه جسيمات، والأخرى على انه موجات، ويفضل اعتبار التصور الجسيمي في حالت سقوط الإشعاع خلال الفراغ، بينما يكو التصور الموجي هو النسب عندما ينتقل الإشعاع خلال الفراغ ونتيجة لهذه الازدواجية في تصور طبيعة الإشعاع ، فإنه يصعب علينا أن نتخيل كيف أن الموجات التي كانت ذات مرة منتشرة طبقا للتصور الموجي قد تجمعت على هيئة جسيمات عند سقوطها على ما لتتفاعل مع جزيئاتها وإليكترونياتها .ولفترة ما كان هناك اعتقاد بان الإشعاع الضوئي يتألف من جزأين: أحدهما موجي والآخر جسيمي ، ثم ظهر بعد ذلك أن الطبيعة المزدوجة للضوء لا توجد في آن واحد ، حيث تظهر خواص الضوء الجسيمية حيث تختفى خواصه الموجبة، والعكس بالعكس ، أي ان هاتين المجموعتين من الخواص لا نشاهدهما أبداً معا ، وعندما نتابع شعاعاً ضوئياً في مساره، فلابد ان نتخيل ان الصورة الموجبة والصورة الجسيمية تتحكمان في الموقف بالتبادل.

ولم يقتصر الأمر على توزيع الحقيقة العلمية لطبيعة الضوء باعتبارها مشاعا بين الصورتين، بل إن الصورة الموجية الأكثر رواجاً قد لاقت قبولاً حسنا بعد ان فسرت الموجات على انها قوى كهرومغناطيسية مهتزة تنتقل خلال ” الأثير” وعند كل لحظة من الزمان يكون هناك في كل نقطة من الاثير قوة كهربية محددة حاول ” ماكسيل ” ان يمثلها على انها “إزاحة” للأثير وقوة مغناطيسية محددة أيضا، وهو ما يشبه البحر العاصف الذي نجد عند كل نقطة من سطحها ارتفاعا معينا فوق مستوى سطحه المتوسط او انخفاضها تحته. ومع التخلي عن المكان المطلق لم عد هذه الآراء مقبولة، لقد أطاحت نظرية النسبية بفكرة ” الأثير” ولم تكتف بتوضيح ان الراصدين المختلفين يسجلون قياسات مختلفة للقوى عند نفس النقطة ونفس اللحظة من الزمان إذا كانوا يتحركون بسرعات مختلفة، بل أوضحت أيضا أنهم كلهم يمكن ان يتساووا في صحة قياساتهم إذا تساوت سرعاتهم، فما نسميه بالقوة الكهربية المغناطيسية ليس حقيقة فيزيائية موضوعية، بل هي تركيبات عقلية لتفسير النظرية الموجبة للإشعاع(38). وتطور الأمر بعد ذلك إلى اعتبار موجات من الاحتمالات في صورة تركيبات عقلية لا تمكننا من رؤية ما سوف يحدث ولمن ما يجوز ان يحدث (39). فهل بعد هذا يمكن ان يقدم العلم لنا حقيقة عن طبيعة الضوء مطلقة الصدق واليقين؟ إن إدخال النماذج والصور قد يفي بأغراضها الولية، ولكن لا تلبث ان تفشل في التنبؤ بظواهر جديدة تنبؤاً دقيقاً.

ومما يزيد من مبررات القول بالظنية الترجيحية في القوانين العلمية الحديثة أن العلم نفسه قد أكد في مبدأ عدم التحديد أن اكتشاف الطبيعة عن طريق التجربة لا يسمح لنا بالدقة المطلقة؛ لأن من المستحيل أن ندرك شيئا عن العالم الخارجي يكون أصغر من الفوتون (40). لأن ما هو إلا مقدار محدود من الطاقة، وليس من حقنا ان نطمع في دقة لا نهائية لأن أفضل الأجهزة التي نمتلكها لن تعطينا سوى صورة تقريبية مشوشة وغير مصقولة، وعبثاً نحاول تجنب هذا التشويه.

ولعل بإمكاننا الآن أن نلخص إلى نتيجة مؤداها ان كل حقيقة يصل إليها العلم الطبيعي هي حقيقة نسبية لا مطلقة، وجزيئية ل كاملة، فالحقائق العلمية – حتى وغن بدت لنا شبة مؤكدة – هي مجرد احتمالات راجحة وليست قطيعة الدلالة ولا مطلقة الصدق واليقين. إن الحقائق القطعية المطلقة في هذا الكون هي سنن الله التي لا يملكها إلا سبحانه بحكم الوهيته المهيمنة على لكون كله، وبحكم علمه المحيط غير المقيد بالزمان والمكان ، وبحكم انه سبحانه هو الاول والآخر والظاهر والباطن ، وهى الصفات اللازمة لعلم الحقيقة القطيعة المطلقة… وهى الحقيقة التي يقص الله منها في كتابه ما يشاء ، ومن ثم لا تحتاج إلى برهان خارج عنها ، أو يطلع عباده على أجزاء منها بقدر ما يناسب مقدرتهم على تسخيرها اللازم لداء امانة الخلافة وإعمار الحياة على الأرض ، وبما يؤكد في إدراك المؤمن حقيقة الالوهية وآيات الله في النفس والآفاق ، فتقر في ضميره الطمأنينة لتلك الحقيقة ، كما تقر في عقله الراحة والقناعة والاستقامة. فالله سبحانه وتعالى يدع للإدراك البشري ان يبحث وأن يعرف منها ما هو مقدر له ان يعرف، لينتفع به في تنمية الحياة وترقيتها(41).

خاتمة:

حاولنا في هذه الدراسة المتواضعة أن نستثير همم المفكرين الإسلاميين للدخول بعمق في ساحة الفكر العلمي وتجميع الجهود لصياغة النظرية الإسلامية في العلم والتقنية لصياغة النظرية الإسلامية في العلم والتقنية باعتبارها من أهم مقومات النهضة الإسلامية. ثم اخترنا جزئية ” الموضوعية العلمية” موضوعاً للمناقشة بهدف إزالة اللبس عما يظنه البعض خطأ ان ما يصل إليه العلم الطبيعي في قوانين فيزيائية يكون معبراً عن السلوك الفعلي للمادة، فهي في حقيقة الأمر قونين لا سيطرة للإنسان عليها لأنها أوامر الله المنظمة لحركة الكون. ولما كانت طبيعة المعرفة العلمية تتطلب إجراء البحث والدراسات المكثفة على أجزاء محدودة جدا من الكون وظواهره، وبمعزل عن بعضها البعض دون إلمام بكافة الجوانب المتصلة بموضوع البحث والمؤثرة عليه، فإن إدراك الحقيقة الكاملة المطلقة، أو إدراك الموضوعية المطلقة، يظل دائما هدفا أسمى يسعى إليه العلماء من خلال عملية تصحيح مستمرة لمسيرة العلم تتم بتكافل جهودهم وتنافسهم في السبق إلى كشوف علمية جديدة. وإلقاء الضوء على حقائق جزئية في الواقع الكوني الثابت.

وهذه الدراسة تفتح الطريق لدراسات مستقبلية حول جزيئات أخرى في إطار إسلامي: مثل ” العلية” و ” المادة” و” الطاقة” و” الزمان” و” المكان” وغيرها، وهى قضايا غير برهانية تعتمد عليها معرفتنا البرهانية والتجريبية عن موضوعات العلم.

الهوامش

     (*) دراسة مقدمة إلى ندوة قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي

     (**) أستاذ الفيزياء بكلية العلوم جامعة القاهرة.

1-       كثيرا ما يبدى دعاة الثقافة الغربية عدم ارتياحهم للربط من جانب الإسلاميين والايمان، زاعمين بأن هذا له أثره السيء على الدين والعلم معاً، بل إنه – بحسب زعمهم – يهدد بالعودة إلى عهود انحطاط الحضارة العربية الإسلامية. وهم يجدون مثلهم الأعلى في حضارة الغرب التي مرت بتجربة رائدة في الفصل بين البحث العلمي والدين. انظر على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه د. عبد العظيم أنيس بعنوان ” هل يمكن أسلمة العلوم، وما كتبه د. فؤاد زكريا بعنوان ” العلمانية ضرورة حضارية” في الكتاب الثامن من سلسلة قضايا فكرية التي تصدرها دار الثقافة الجديدة، القاهرة، أكتوبر 1989م.

2-       النزعة اللفظية Vebalism هي الميل نحو الصيغ والألفاظ دون عناية بالحقيقة والموضوع، وأصحابها هم اللفظيون الذين يسرفون في تغليب اللفظ على حساب المعنى، وكثيرا ما يثيرون قضايا جدلية ويصبون اهتمامهم على الاستدلالات اللفظية (راجع: المعجم الفلسفي، إصدار مجمع اللغة العربية، القاهرة 1403 هــ/ 1983م، ص 200).

3-       راجع د. فؤاد زكريا، التفكير العلمي: ط3، عالم المعرفة، الكويت 1988، ص 323 وما بعدها. انظر أيضا ما كتب عن تفسيرات مادية ومثالية للفيزياء النسبية في كتاب ” فلسفة العلم”، فيليب فرانك، الترجمة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1983 بيروت ص 209 وما بعدها.

4-       حرص رواد الفضاء في رحلة أبوللو عام 1969 على غرس العلم الأمريكي في تربة القمر عندما هبطوا على سطحه لأول مرة.

5-       الموصلات الفائقة مواد لها خاصية انعدام المقاومة الكهربية عند تبريدها إلى ما دون درجة معينه وقد تطوره تقنية هذه المواد خلال السنوات الأخيرة وتنوعت تطبيقاتها بحيث وصل الاهتمام بها استراتيجيا إلى مستوى الحكومات ورؤساء الدول في العالم المتقدم.

6-       راجع ما كتب عن أدوات جاسوسية التقنية العالمية تحت عنوان ” العلم السري” في مجلة العلوم مجلد 6، ع 2، الكويت 1989، ص 34.

7-       د. أحمد فؤاد باشا، ” نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية”، مجلة المسلم المعاصر، ع 54 (1989).

8-       راجع ما كتبناه عن مواقف هذه الاتجاهات والحركات تجاه العلم والتقنية في دراستنا حول ” فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي، دراسة تحليلية مقارنة في المنهج العلمي”، مجلة المسلم المعاصر، عدد 49 (1987)، ودراستنا: ” نسق إسلامي لمناهج البحث العلمي – تحديد الثوابت والمتغيرات”، ضمن أعمال ندوة ط قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي”، قسنطينة، الجزائر 9-12 سبتمبر 1989، انظر ايضاً: وحيد الدين خان، ” واقعنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام”، الترجمة العربية، دار الصحوة، القاهرة 1984.

9-       د. أحمد فؤاد باشا، “التراث العلمي للحضارة الإسلامية”، القاهرة 1984.

10-راجع ما متبناه عن التطور عن التطور التاريخي لمفهوم نظرية العلم وما يعنيه مصطلح ” علم العلوم” Science Kscience في دراستنا ” نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية”، مرجع سابق، ولمعرفة المزيد عن خصائص المعرفة العلمية راجع مؤلفنا: ” فلسفة العلوم بنظرة إسلامية”، القاهرة، 1984، ص 37 وما بعدها.

11-انظر في ذلك ” د. قيس هادى أحمد، ” نظرية العلم عند فرنسيس بيكون”، وزارة الثقافة والإعلام، العراق .1986. روبير بلانشيه، ” نظرية المعرفة العلمية (الأبستمولوجيا)، الترجمة العربية، الكويت 1984. عبد السلام بنعبد العالي وسال يفوت، ” درس الابستمولوجيا”، دار توتقال للنشر، الدار البيضاء 1985، د. صلاح قنصوه، فلسفة العلم، القاهرة 1981.

12-هناك من يحاول جاهداً تأصيل لنظرية العلم بإيجاد أساس لها عند أفلاطون وأرسطو، راجع في ذلك:

–            ياسين خليل، ” منطلق المعرفة العلمية”، منشورات الجامعة الليبية، 1971.

–            د. مصطفى النشار، ” نظرية العلم الأرسطية”، دار المعارف، 1986.

13-انظر على سبيل المثال لا الحصر:

–            عبد الحليم الجندي، ” القرآن والمنهج العلمي المعاصر “، دار المعارف 1984.

–            د. مصطفى حلمي، ” مناهج البحث في العلوم الإسلامية”، مكتبة الزهراء 1984.

–            سيد قطب، ” خصائص التصور الإسلامي ومقوماته” دار الشروق 1985.

–            د. إبراهيم عبد الحميد الصياد، ” المدخل الإسلامي للطب”، مجمع البحوث الإسلامية 1987.

–            عباس العقاد، ط التفكير فريضة إسلامية”، القاهرة (بدون تاريخ).

–            د. يحيى هاشم حسن، ” الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة”، دار المعارف 1984.

–            د. أحمد فؤاد باشا،” فلسفة العلوم بنظرة إسلامية”، القاهرة 1984.

–            د. أحمد عروة، ” العلم والدين، مناهج وقيم”، دار الفكر، دمشق سوريا 1987.

–            ” رسالة ” للإمام الشافعي، سلسلة تقريب التراث، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1988.

14-” المعجم الفلسفي”، إصدار مجمع اللغة العربية القاهرة، 1403هــ/1983م.

15-محمود إبراهيم الصغيري، “مكانة الهمداني في تاريخ تطور مفهوم الانسان لظاهرة الجاذبية”، مجلة الاكليل، العدد الامس، صنعاء 1401هــ/1981م.

16-هناك من يبالغ في القول بأن افلاطون قد أراد أن يحول علم الفلك الرياضي إلى نوع من الميكانيكا السماوية، ونحن نرى في هذه المبالغة إفساداً لمنهج التأريخ العلمي القويم لأن تفسير أفلاطون للمظاه البادية في السماء جاء نتيجة افتراض وجود حركات اعتبرها حقيقية ودائرية مطردة، وذلك انطلاقا من اعتقادهم بأن اعتقادهم بأن الدائرة التي تعبر بحركة مطردة هي الشكل الميكانيكي الوحيد الذي يمكنهم قبوله عقلاً ن فضلا عن اعتقادهم بانها أجمل الأشكال – راجع في ذلك:

–            بول موى، ” المنطق وفلسفة العلوم “، الترجمة العربية، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع 1988.

–             د. أحمد فؤاد باشا،” فلسفة العلوم بنظرة إسلامية”، مرجع سابق.

17-راجع: د. على سامي النشار، ” نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام”، جـ1، ط8، دار المعارف 1981، ص 166.

18-بول بوى، مرجع سابق، ص ص 165-166.

19-د. أحمد فؤاد باشا، ” نسق إسلامي لناهج البحث العلمي، تحديد الثوابت والمتغيرات” مرجع سابق، انظر أيضا دراستنا: ” أبستمولوجيا العلم ومنهجية في التراث الإسلامي” ندوة ” قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي: قسنطينة – الجزائر 1989م.

20-النص منقول عن: عمر فروخ، تاريخ اللوم عند العرب، دار العلم للملايين، بيروت 1970، ص 366.

21-كارل بوبر، ” منطق الكشف العلمي”، الترجمة العربية، دار المعرفة الجديدة، الإسكندرية 1988.

22-” الشكوك على بطليموس “، للحسن بن الهيثم، تحقيق د. عبد الحميد صبره ، ود .  نبيل الشهابي ، تصدير د.ابرهن مدكور ، مركز تحقيق التراث والكتب والوثائق القومية، القاهرة 1971.

23-د. عبد المنعم حنفي: ” الموسوعة الفلسفية”، دار بن زيدون، بدون تاريخ ، ص 113 وما بعدها.

24-كارل بوبر، منطق الكشف العلمي، مرجع سابق، ص 36-37.

25- د. أحمد فؤاد باشا،” فلسفة العلوم بنظرة إسلامية”، مرجع سابق.

26-تناولنا التراث العلمى الاسلامى بالتحليل وضربنا أمثلة توضيحية كثيرة في دراسات آخرى مستقلة نذكر منها ، ” العلوم الفيزيائية في التراث الإسلامي ، دراسة تحليلية في الموضوع والمنهج” ، ندوة ” التراث العلمى العربي في العلوم الأساسية ” طرابلس 17- 20 ديسمبر 1990 . ودراستنا : ” الاتجاه العلمى عند الهمداني ” عند الهمدانى” ، مجلة المسلم المعاصر ، ع 57 (1990) ، وأيضا مؤلفنا ، ” التراث العلمى للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة” ، القاهرة 1984.

27-وحيد الدين خان، الإسلامي يتحدى ، المختار الاسلامى، القاهرة 1977 ، ص35.

28-جيمس جينز ، الفيزياء والفلسفة، الترجمة العربية ، دار المعارف ، 1981 ص 150

29-الإسلام يتحدى ، مرجع سابق، ص 34.

30-الإسلام يتحدى، ص 56 .

31-راجع ما كتبناه عن تقسيم مراحل تاريخ العلم في دراستنا ” أبتتمولوجيا العلم و منهجيته في التراث الاسلامى” ، مرجع سابق .

32-العلم في منظوره الجديد ، الترجمة العربية، عالم المعرفة ، الكويت 1989م.

33-راجع دراستنا : ” نسق إسلامى لمناهج البحث العلمى ، تحديد الثوابت والمتغيرات ” ، مرجع سابق.

34-اقتبسنا هذا التشبيه من شجرة ديكارت الشهيرة التي تصف الوحدة بين العلم و الفلسفة ، فجذورها تناظر الميتافيزيقيا وجذعها يناظر الفيزياء وثمارها تناظر العلم التطبيقي، لكن أركان التشبيه مختلفة في الحالين ، راجع في ذلك : فلسفة العلم ، الصلة بين العلم والفلسفة ، والترجمة العربية ، مرجع سابق ، ص 62 وما بعدها.

35-البرت أينشتين  وليوبولا أنفلد ، “تطور علم الطبيعة” ، الترجمة العربية ، الأنجلو المصرية، القاهرة ص 22-23 ، عن محمد فرحات عمر ، طبيعة القانون العلمي ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة 1386 هـ – 1966 م ، ص 246.

36-جيمس جينز ، “الفيزياء والفلسفة” ، الترجمة العربية ، دار المعارف 1981 ، ص 159 ، 160.

37-جيمس جينز ، المرجع السابق ، ص 184.

38-جيمس جينز ، نفس المرجع ، ص 186.

39-نفس المرجع ، ص 226 .

40-سيد قطب ، “مقومات التصور الإسلامي” ، دار الشروق 1406 هـ – 1986 م ، ص 323.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر