أبحاث

تدريس علم الاقتصاد في البلدان الإسلامية على المستوى الجامعي

العدد 18

تحدي الأفكار الأجنبية وتكوين الأفكار الإسلامية

إن انتقاد الوضع الراهن الخاص بأسلوب تدريس علم الاقتصاد في البلدان المسلمة على المستوى الجامعي يجب أن يتركز بصفة رئيسية على نقطتين، هما: إلى أي مدى يتلاءم ذلك الأسلوب مع العمل الفعلي لاقتصادياتنا، وإلى أي مدى ينسجم مع آمالنا
لتحويلها إلى اقتصاديات إسلامية. وإن مثل ذلك الانتقاد سوف يكون بمثابة نقطة البداية في اقتراح التغيرات التي تؤدي إلى تسخير علم الاقتصاد لتحقيق الإدارة السليمة لتلك النظم الاقتصادية، والتعجيل بتطورها وفقاً للخطوط الإسلامية. ولكنه قد يثار القول بأن علم الاقتصاد يعد صفة رئيسية بمثابة فهم لكيفية سير عمل النظام الاقتصادي. أما فيما يتعلق بتغيير ذلك النظام وتطويره، فمن الممكن النظر إليه بعين الاعتبار فقط في مرحلة لاحقة ولا يجب الخلط بينه وبين أسلوب سير العمل. ولقد أثيرت نقطتان لمواجهة هذا الاعتراض. أولاً، إن الشيء الذي يجب أن نكرس جهودنا لفهمه وشرحه يجب أن يتمثل في نظمنا الاقتصادية ذاتها وليس في نظم اقتصادية أخرى أو حتى نظم اقتصادية افتراضية. ثانياً، إن ما نحاول أن نفهمه ونحلله يتسم بقابلية كامنة للتغير، ونظراً لأن للمسلمين تفضيلات واضحة بالنسبة لوجهة التغيير المرغوب فيها فإنه يجب أيضاً استكشاف تلك القابلية الكامنة للتغيير إلى جانب استكشاف التغييرات المرغوب إحداثها في الآراء، ولذلك، فإنه يجب إعادة النظر في تدريس علم الاقتصاد في البلدان المسلمة، وتغيير متضمنته وأسلوبه حتى يستطيع أن يخدم غاية التحول إلى الوجهة الإسلامية والتطور الاقتصادي في تلك البلدان.

إن علم الاقتصاد الحديث الذي نقوم بتدريسه في الوقت الحالي يتمثل في الحقيقة على الاقتصاد الرأسمالي الذي يقوم بصفة كبيرة على أساس التجربة البريطانية، ومنذ وقت قريب على أساس التجربة الأمريكية. وكما قال ج. ر. هيكسي عند تسلمه لجائزة نوبل عن علم الاقتصاد في نوفمبر عام 1972 “إن علم الاقتصاد يعد إلى حد كبير للغاية بمثابة علم بريطاني” وقد أثيرت تلك النقطة أيضاً من قبل بواسطة جوان روبسنون حينما قالت بمناسبة تقديمها لمؤلفها “تدريبات في التحليل الاقتصادي” “إن علماء الاقتصاد الإنجليز، منذ ريكاردو حتى كينز، قد اعتادوا على بناء افتراضاتهم على أساس المؤسسات البريطانية والمشاكل الخاصة ببريطانيا طبقاً لما كانت عليه في عهد كل منهم، واتخذوها كخلفية ضمنية لأبحاثهم. وعندما تتم دراسة أعمالهم في بيئات أخرى وعصور أخرى بواسطة قراء يتفهمونها بطريقة مختلفة، فسوف يترتب على ذلك كثير من الفوضى والمعاني المتعارضة”.

إن علم الاقتصاد العام من المفترض أنه يقو بشرح طريقة عمل الاقتصاد الرأسمالي المثالي، وتشتق جميع أفكاره عن الإنسان، والملكية، والحرية، والمنافسة، والدور الذي يتصوره للدولة من روح الشعب والبيئة الثقافية المعينة التي كانت سائدة في إنجلترا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ونظراً لأن تلك الأفكار تعد بعيدة تماماً عن أن تتسم بالصفة العالمية فإن بعضها يكون غير ملائم على الاطلاق بالنسبة للمجتمعات المسلمة الحالية، وبالنظر إلى مبدئها الأساسي القائل بأن أتباع كل فرد لمصلحته الذاتية يؤدي إلى تحقيق الفائدة للمجموع ككل، فإنها تركز انتباهها على الناحية المادية الفنية التي تتمثل في تحقيق الحد الأعلى من الإنتاج وتتجاهل الناحية الإنسانية والأخلاقية الخاصة بتحقيق التوزيع العادل. وهكذا، فإن النظم الاقتصادية الرأسمالية الحديثة تدين بثلاث أخطاء رئيسية أنها تعامل بعض الاتجاهات والمؤسسات المعينة وكأنها عالمية، في حين أنها ليست كذلك في الحقيقة، وإنها تطمس الناحية الأخلاقية وتمجد الناحية الفنية، وأخيراً، إنها تتجاهل السلطة القوية للدولة ودورها الإيجابي في الإدارة والتنمية الاقتصادية.

ومما يعد بمثابة حقيقة إن علم الاقتصاد قد نشأ في عهد من عهود الاستعمار والإمبريالية، وإذا كانت اقتصاديات المجتمع المغلق تعاني من الخطأ الذي يتمثل في تمجيدها لظهور طبقة التجار والصناعيين البريطانيين وفي كبحها لمشكلة التوزيع وشلها لحركة الدولة، فإن تطبيق النظرية الاقتصادية بالنسبة للتجارة الدولية يتسم بمحاباة الاستعماريين، وأصحاب المصارف، والممولين والقوى الإمبريالية. إن تلك الاقتصاديات ليست فقط غير ملائمة لمعالجة مشاكل الدول النامية في العالم الثالث، بل إن قيمها تعد سلبية إلى حد كبير بالنسبة لتلك المشاكل. وبالرغم من ادعاءات تلك الاقتصاديات بالصفة العالمية في تطبيقها، فإنه يوجد عدد من العلماء الاقتصاديين البارزين المعنيين بمشاكل التنمية، مثل لويس، وشولتز، وكوزنتس، وجالبريث وميردال الذين أكدوا عدم ملائمتها من وجهة نظر العالم الثالث.

وليس ثمة حاجة لأن نركز بشكل مطول على عدم ملائمة الاقتصاد الحديث بصفة عامة. فلننتقل الآن لبعض أفكاره الرئيسية ونرى كيف أنها تزخر بالقيم التي تركز على الفردية، والرأسمالية المستغلة، والإمبريالية، وتتحامل بشدة ضد النظرة إلى الشئون الاقتصادية من خلال وجهة اجتماعية أخلاقية. وسوف نختار بعض تلك الأفكار، وهي: العلاقة الاقتصادية، ورأس المال، والقروض والتنمية.

وقبل أن نعاين تلك الأفكار، فإنه سوف يكون من المفيد أن نستعرض الفكرة الخاطئة القائلة بأننا إذا أخذنا جرعة ملائمة من الاقتصاد الاشتراكي فإن ذلك يؤدي إلى إصلاح الخطأ المتسبب نتيجة للاعتماد التام على علم الاقتصاد الحديث. إن ماركس لم يصور الإنسان بصورة تختلف عما صوره بها أسلافه. إن الاقتصاد الاشتراكي يتميز بأنه يرفع الدولة إلى مركز يجعلها بمثابة القوة الاقتصادية الرئيسية التي تمتلك جميع الموارد، وتقوم بتوزيعها وتسيطر على الإنتاج والتوزيع بأسلوب منظم، وطبقاً لذلك، فإنه يستعاض عن السوق بالدولة باعتبارها بمثابة الإدارة التي تقوم بالاختيار ولو جزئياً، ويصبح الفرد بمثابة عامل سلبي لا يمتلك الحرية. ولكن ذلك التحول من تطرف إلى آخر لا يعتبر واقعياً أو ملائماً لنزعة الشعوب الإسلامية. وإن ذلك الاتجاه لا يعد وثيق الصلة بالنظم الاقتصادية الحالية السائدة في البلدان المسلمة والتي تعد بعيدة تماماً عن كونها اشتراكية. وإنه أيضاً لا ينسجم مع الاتجاه الإسلامي المرغوب فيه للتغيير.

وقد يثار الجدل بأن النظم الاقتصادية الاشتراكية تعطي الأولوية إلى التوزيع وليس الإنتاج. وليست هذه أولوية أخلاقية تأتي جذورها من الاتجاهات الإنسانية. ولكنها تعد بمثابة أولوية آلية تقوم على أساس من القسر.

إن الأفكار الاقتصادية الخاصة بماركس تعد بمثابة علم للاقتصاد فكل من العمل، وفائض القيمة والطبقات أفكار تعمل على هدم النظام الرأسمالي، ولكننا إذا أردنا تطبيقها لإقامة برنامج عمل بناء سوف يتضح لنا أنها ليست بأكثر من أدوات هزيلة عاجزة عن البناء. وإذا قمنا بتطبيق دراسة انتقادية في هذا الصدد، فسوف يظهر لنا التحيز الأيديولوجي لتلك الأفكار، وسوف يتضح لنا أيضاً أنها لا تنسجم في اطار المفاهيم الاقتصادية الإسلامية، فهي لا تساعدنا كثيراً في فهم مشاكلنا الاقتصادية الخاصة بنا. ولن تتعمق في التفاصيل بالنسبة لنقد الأفكار الاشتراكية بغرض الاختصار لذلك سوف ننتقل الآن لفحص الأفكار الرأسمالية التي ذكرناها فيما سبق.

بعض الأفكار الأجنبية:

إن التصرفات المتقلبة التي يعوزها الإنسان المنطقي تكون غير قابلة للتحليل العلمي الذي يؤدي إلى وضع التعميمات التي قد تتسم ببعض القيم التنبؤية بالنسبة للجماعات، ولكنه قد يختلف الأمر بالنسبة للأفراد. ويعد تطبيق التحليل العلمي ممكناً فقط بالنسبة للتصرفات التي تتسم بالإنسان المنطقي والتي تكون ناجمة عن اختيار متعمد يسترشد بمعايير معينة. وجميع الأشخاص الأذكياء يحاولون أن يتبعوا المنطق في تصرفاتهم، ويتوقف نجاحهم على توفر المعلومات الملائمة لديهم. ولذلك، فإنه من المعقول افتراض أن التصرف المنطقي يعد بمثابة أساس لتطبيق التحليل الاقتصادي بالنسبة للأسر والشركات. ولكن العقلانية الاقتصادية التي يفترضها علم الاقتصاد الحديث تذهب إلى درجة أبعد من ذلك. إذ تعتبر زيادة الكسب الشخصي إلى الحد الأقصى الصفة الرئيسية لجميع الوكلاء الاقتصاديين. ويتمثل ذلك في أن المستهلك يعمل على زيادة المنفعة أو درجة الإشباع إلى الحد الأقصى، وتعمل الشركات على زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى، وتعتبر تلك الفكرة فردية ونفعية للغاية، فهي تستبعد حب الغير أو مراعاة الشخص لصالح الآخرين عند قيامه بالاختيار، وتختصر الأفق الزمني إلى المستقبل القريب، إن لم يكن الحاضر، ومن ثم تعتبر الاهتمام بالآخرة بمثابة شيء مستبعد، ملما كانت قوة إيمان الشخص. إن تلك الفكرة تميل  إلى اعتبار الغايات الغير اقتصادية غير وثيقة الصلة عند إقامة الاختيار عندما يأتي الأمر إلى ترجمة أشياء مثل المنفعة، والاشباع، والأرباح في اطار اقتصادي بحت. ونظراً لأن زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى تتضمن الخفض من التكلفة، فإنه يتم التركيز على التكاليف الفردية المباشرة وتجاهل التكاليف الاجتماعية- الثقافية.

ومن ثم، فإن فكرة العقلانية الاقتصادية تؤكد الناحية المادية الفردية، أي تلك النظرة الدنيوية للحياة التي كانت سائدة عندما كانت الرأسمالية في أوجها وتلك كانت فترة تأصل فيها المقت الشديد للأديان والفضيلة وقامت فيها الثورة على الكنيسة، وكانت فكرة داروين عن البقاء للأصلح لتمنح الصفة الشرعية لاستغلال القوي للضعيف تحت اسم العقلانية الاقتصادية، وقدمت فكرة سمو الجنس الأبيض تبريراً للاستعمار.

إن فكرة العقلانية الاقتصادية لا تتلائم مع تحليل التصرف في البلدان المسلمة ويرجع ذلك بصفة رئيسية إلى سببين. أولاً، أنها غير واقعية. فإن الناس يعنون بصالح الآخرين إلى جانب الاهتمام بمصالحهم. ويتأثر اختيارهم بتقييمهم للنتائج المختلفة المحتمل نجومها عن ذلك التصرف بالنسبة للمجتمع، أو بالنسبة لجيرانهم، الخ وهم يهتمون أيضاً بالآخرة. ويتأثر اختيارهم بصفتهم مستهلكين وقرارهم بصفتهم منتجين، وأصحاب عمل وتجار، الخ. بقيمته أو عدم قيمته بالنسبة للآخرة. بل أنه من الممكن أيضاً أن يتأثروا بدوافع اجتماعية، وثقافية وسياسية. وقد تكون تلك النزعات قوية أو ضعيفة، وذلك يتوقف على مدى المعلومات المتوفرة لديهم وقوة التزامهم بتلك المعلومات. وبالرغم من ذلك، فإن تلك النزعات موجودة وإن الفكرة التي تتجاهل تلك النزعات لن تفي بالحقيقة. وحالما تحصل فكرة العقلانية الاقتصادية على مركز يجعلها بمثابة افتراض أساسي فإنها تحوز على الميل لأن تصبح بمثابة معيار، ويميل الناس إلى اعتبارها الطريقة الصحيحة للتصرف. وهذا هو الفارق بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، فإن موضع الدراسة في الأخيرة يظل كما هو بدون التأثر بأي افتراض يقوم به العالم فيما يتعلق بعملها. ولذلك فإنه لا يدهشنا أن أشياء مثل حب الغير، وغير ذلك من الاعتبارات الدنيوية والدوافع الغير اقتصادية تعتبر بمثابة أنماط من السلوك لا تتسم بالاتساق المنطقي طبقاً لهؤلاء الذين يدينون بنظرة جدية إلى الإقتصاد، وعندما يتم تطبيق النظرية الاقتصادية على المشاكل العملية والسياسية ووضع قواعدها فإن ذلك الانحياز المتضمن بها سوف يترتب عليه إهمال المصلحة الحيوية للمجتمع وأفراده. وإن ذلك هو السبب الثاني لأنه لا يمكن السماح للعقلانية الاقتصادية بأن تتدخل في اطار المفاهيم الاقتصادية الإسلامية لأنها سوف تعوق عملية التحول الإسلامي بمقتضى دورها المعياري. ولقد اقترح علماء الاقتصاد المسلمون الاستعاضة عنها بفكرة العقلانية الإسلامية التي تتضمن توجيه العمل بأسلوب يؤدي إلى أقصى التطابق مع المعايير الإسلامية. وتلك الفكرة أيضاً تعد معيارية في طبيعتها، ولكنها سوف تكون أداة أفضل للتحليل لو أننا سلمنا بحقيقة ضعف الولاء الإسلامي في المجتمعات المسلمة في الوقت الحالي. وتلك الفكرة تتسم بشمول أكثر من فكرة العقلانية الاقتصادية وتتسم بأنها أقرب إلى الحقيقة الواقعة. وسوف يؤدي دورها المعياري إلى تعزيز غاية التحول الإسلامي لمجتمعاتنا.

رأس المال:

إن إحدى الأفكار الحاسمة الخاصة بعلم الاقتصاد الحديث والتي لا تنسجم الأفكار الحاسمة بمفاهيم الاقتصاد الإسلامي هي فكرة رأس المال باعتباره عاملاً منفرداً من عوامل الإنتاج ومنفصلاً عن المؤسسات التجارية. إن الإسلام لا يعترف بادعاء رأس المال في حق الحصول على عائد إيجابي مضمون يتمثل في شكل نسبة من الفائدة، ولكنه يعترف بنصيبه من أرباح المشروع الذي تم استثماره فيه بشرط أن يكون قد تعرض لمخاطر المشروع ويتحمل الخسارة إذا كانت هناك أي منها. وإن رأس المال الذي يتم اقتراضه بضمان السداد بصرف النظر عن نتائج المشروع، لا يكون له الحق في نصيب من الأرباح. ولو أنه تم تعريف عوامل الإنتاج في إطار مطالبتها بنصيب من صافي الإنتاج، فإن رأس المال الذي يتعرض للمخاطر سوف يعتبر واحداً من عوامل الإنتاج، أما رأس المال المقترض فلا.

إن ذلك بالطبع هو الوضع الخاص برأس المال النقدي، ومعلوم أن رأس المال النقدي يمكننا من السيطرة على السلع الرأسمالية مثل الآلات، والأدوات والمباني، الخ. وطبقاً لعلم الاقتصاد الحديث تعتبر السلع الرأسمالية أشياء إنتاجية، وتضفي عليها الصفة الإنتاجية أيضاً نظراً لأن رأس المال النقدي لديه المقدرة على السيطرة على تلك السلع. وبمقتضى ذلك، فإن علم الاقتصاد الحديث يتغاضى عن الفارق بين رأس المال الذي يواجه المخاطر ورأس المال المقترض. وذلك لا يعد شرعياً لأن كلاً من الإثنين يدخل في عملية الإنتاج بأسلوب مختلف تماماً.

وبالنسبة لما إذا كان استخدام السلع الرأسمالية في الإنتاج سوف ينتج قيمة أكبر من قيمتها الذاتية فإن ذلك يتوقف على نجاح أو فشل المشروع في عالم يتسم بتقلب القيم في السوق.

ومثل ذلك العالم المتقلب الذي يتعاون فيه كل من رأس المال والمؤسسة التجارية في عملية الإنتاج لا يضمن تحقيق قيمة إنتاجية إيجابية لأي منهما. والممارسة الخاصة بمعاملة الفائدة باعتبارها أحد بنود التكلفة وانتسابها إلى إنتاجية رأس المال تقوم على أساس نظام المؤسسات الخاص بالمجتمعات الرأسمالية. ولقد كانت جميع المحاولات الهادفة لإثبات القيمة الإنتاجية للسلع الرأسمالية تواجه بالتعثر لأن رأس المال ليس من الممكن قياسه إلا في إطار القيمة وذلك أمر يتطلب معرفة سابقة بسعر الفائدة الذي كون من المفترض أن القيمة الإنتاجية الحدية تقوم بتقريره. وفي الحقيقة، فإن نظام الفائدة هو الذي يمكن العلماء الاقتصاديين الرأسماليين من أن ينسبوا عائداً إيجابياً لرأس المال، أي مكنهم من أن ينسبوا قيمة إنتاجية له، وليس العكس بالعكس. إن فكرة اعتبار رأس المال بمثابة  واحد من عوامل الإنتاج بصرف النظر عن المشروع يجعل ذلك الخطأ مقبولاً ظاهرياً، ولكنه يجب أن نقوم باستعراض ذلك الخطأ، فإن تلك الفكرة تعد بمثابة، أداة للاستغلال وليست بمثابة أداة للتحليل العلمي، وإذا اعتبرناها بمثابة أداة للتحليل، فإن دورها يتمثل في إضفاء الشرعية على نظام الفائدة وهي تشوش فهمنا للعملية الاقتصادية التي تكون فيها القيمة الإنتاجية للسلع الرأسمالية غير مؤكدة، وذلك بأن تنسب قيمة إنتاجية إيجابية لها.

وبالرغم من أننا ننبذ تلك الفكرة فنحن لا نقترح أن تغلق أعيننا عن الحقيقة الواضحة بأن رأس المال المادي يدخل في عملية الإنتاج بطريقة تختلف عن دخول العمل أو المؤسسة التجارية، فإن لديه شكلاً مميزاً ودوراً مميزاً، ولكن تلك تعد حقائق فنية. فرأس المال المادي يعد عاملاً مميزاً ودوراً مميزاً، ولكن تلك تعد حقائق فنية. فرأس المال المادي يعد عاملاً مميزاً من عوامل الإنتاج من الناحية الفنية، وظاهرة الإنتاجية الحدية المتناقضة للسلع الرأسمالية تعد أيضاً بمثابة حقيقة فنية، وإن الانحناء الأسفل لمنحنى الطلب بالنسبة لسلعة رأسمالية معينة مثل الآلات يعكس لنا تلك الحقيقة. ويعكس منحنى الطلب الذي يميل إلى أعلى التكاليف المرتفعة على المدى القصير، ويتم تقرير سعر السوق بالنسبة للآلات مثلاً بواسطة العرض والطلب، ويعد سعر السوق بمثابة بند من بنود التكلفة بالنسبة للمؤسسات التجارية التي تستخدم تلك الآلات، وحقيقة أنها تظل تعمل على مدى فترة من الزمان تعد حقيقة اقتصادية وثيقة الصلة برأس المال النقدي المتضمن في جلبها، وتعد وثيقة الصلة أيضاً بالآلة ذاتها.

وعندما نتحدث عن رأس المال النقدي المرتبط بعملية الإنتاج فليس من الضروري أن نحدد ما هو الجزء من رأس المال الذي يستخدم لجلب العمال والمقومات الأخرى، لأن الشيء الحاسم بالنسبة لرأس المال النقدي المستثمر في المشروع هو ما إذا كان معرضاً للمخاطر أم لا، ويتطلب التحليل العلمي أن نأخذ ذلك في اعتبارنا عند إقامتنا التمييز بين رأس المال الذي يتعرض للمخاطر ورأس المال المقترض.

القروض:

لقد مر مفهوم القروض بتغييرات جوهرية في إطار الرأسمالية، فلقد كانت القروض في عهد ما قبل الرأسمالية تعد بمثابة مدخرات حقيقية. والسيطرة على النتاج الاجتماعي التي يتم تحقيقها عن طريق بعض الإسهام به كانت تحول إلى المقترض بصفة مؤقتة، ونظراً لأن نسبة ما ينفقه المقترض على السلع والخدمات تعد أكثر ارتفاعاً منها بالنسبة للمقترض فإن عملية الاقتراض كانت تحوز على تأثير مضاد للتضخم يساهم في الحفاظ على سير عمل النظام الاقتصادي.

ومع ظهور نظام الأعمال المصرفية أصبح القرض معتبراً كقوة شرائية يتم تكوينها ونقلها إلى المقترض، وأصبح بمثابة حق للمطالبة الإضافية في البضائع والخدمات المتوفرة لدى المجتمع، ولم تتم مضاهاته بأي نوع آخر من الإسهام في النتاج الاجتماعي سواء فيما سبق أو في وقت متزامن معه، ومن ثم فإنه أصبح يتسم بأثر تضخمي. أما بالنسبة للقروض المصرفية التي توجه للاستهلاك فإنها لا تؤدي إلى تحقيق أي إضافة للنتاج الجماعي ولو في المستقبل، أما في حالة القروض الإنتاجية، فإنه قد تكون هناك زيادة في الإنتاج بعد فترة من التخلف الزمني بشرط أن تكون ثمة موارد معطلة في النظام الاقتصادي، وسوف يكون التدفق المستمر للقروض المصرفية ذا أثر تضخمي نظراً إلى ذلك التخلف الزمني، والمجتمع الذي يفتقر إلى الموارد المعطلة أو يواجه اختناقات خطيرة بالنسبة لعرض السلع الرأسمالية سوف تواجه فيه المهارات أو المواد الخام المطلوبة بأقصى المعاناة في هذا الصدد.

وإذا كان المقترض سوف يدفع مبلغاً مالياً إضافياً مثل (الفائدة) إلى جانب سداده للمبلغ الأصلي فإن ذلك كان في عهد ما قبل الرأسمالية يتضمن مجرد تحويل السلطة على الموارد الحقيقية من طبقة من الأشخاص إلى طبقة أخرى، ويؤدي دفع الفائدة على الأموال المكونة بصفة خاصة بغرض الإقراض إلى تعظيم ذلك الأثر إلى حد كبير للغاية حتى أن طبيعته ذاتها تمر بتغير.

وإذا كانت نسبة الاحتياطي توازي 10 في المائة حتى أن الودائع الادخارية التي تساوي 100 تمكن البنك من تقديم 1000 كقرض وإذا كان سعر الفائدة السنوي يوازي أيضاً 10 في المائة فإن الكمية المحولة سوف تكون 100 في السنة، ولكن إقراض المائة المدخرة بدون توسط البنوك وتكوينها للنقود سوف يتضمن تحويل 10 سنوياً فقط. وفي حين أن سداد قرض البنك سوف يبطل عمل النقود التي كونها البنك فإن الفائدة المدفوعة للبنك سوف تبقى لديه، ولذلك فإن الدور الخاص بإعادة التوزيع الذي يقوم به نظام الفائدة عن القرض قد أصبح شيئاً حاسماً إثر ظهور الأعمال المصرفية.

وعلى الرغم من عدم صحة التبريرات المختلفة المقدمة بالنسبة لادعاء المدخر في حق الحصول على فائدة فإن الوضع الجديد يستدعي إيجاد تبرير جديد لإدعاء المقترض في حق الحصول على الفائدة عندما يكون المال المقترض قد تم تكوينه بمقتضى عملية الإقراض ويكون مستمراً في التكون طالما وجد القرض ويبطل ذلك حالما يتم سداد القرض.

إن ذلك الشيء الجدير بالملاحظة والذي يعد بمثابة تقليد اجتماعي يتمثل في تعود الناس على إيداع أموالهم  في البنوك والتعامل بالشيكات، وفي ثقتهم في نظام الأعمال المصرفية، تلك الثقة التي تتأصل جذورها بصفة نهائية في الحماية المقدمة بواسطة البنك المركزي. والمجتمع هو الذي يسمح بتكوين قوة شرائية جديدة غير مصاحبة بزيادة إضافية في النتاج الاجتماعي، ويتحمل الضغط التضخمي المتضمن على أمل أنه سيؤدي إلى ازدياد النتاج الاجتماعي عن طريق استغلال الموارد المعطلة.

لماذا تفشل اقتصاديات الرأسمالية في تأكيد الاختلاف الواضح بين القروض التي تعد بمثابة مدخرات حقيقية والقروض التي ليست كذلك؟ ولماذا تعامل تكوين المطالبات الإضافية للحصول على نصيب من النتاج الاجتماعي وكأنها تتساوى مع مجرد حدوث تغيير في المطالبات السائدة؟ لماذا نفترض تضمن شيئين مختلفين في نفس المفهوم؟ إن السبب يكمن في اضفاء الشرعية على الفائدة عن القروض المصرفية التي نشأت في إطار المفهوم القديم. وحالما يتم الاعتراف بذلك التقليد الاجتماعي الذي سيسمح بمد ذلك الامتياز إلى المقترض فإن المجتمع يكون لديه الحق في المطالبة بالفوائد الناتجة أياً كانت. وليس من الممكن تخويل البنك الحق الذي يتجاوز تحصيلها لمصاريف الخدمات مع تحصيل كمية إضافية لمواجهة المخاطرة المتمثلة في عدم السداد لو لم تتم مواجهتها بطريقة أخرى. ولكن البنوك في الوقت الحاضر تحصل ما يفوق ذلك في الحقيقة.

ومما لا يتلاءم مع إطار مفاهيم الاقتصاد الإسلامي أن تتم معاملة نوعي القروض بطريقة متماثلة. إن الاقتراض بمعناه الحقيقي يجب أن يتم تمييزه عن الإذن الاجتماعي بممارسة قوة شرائية إضافية لمواجهة الإنتاج الإضافي. ومن الوجهة الإسلامية فإن عملية الإقراض تعد عملاً خيرياً، وفعلاً حميداً وهي ليست بمثابة عمل تجاري تتمثل دوافعه في تحقيق الفوائد، فإن المقترض لا يلزم بدفع أي شيء سوى المبلغ الأصلي الذي اقترضه. وأن الإقراض يعتبر شيئاً ينتمي إلى مجال التعاون المتسم بحب الغير، وذلك يعد هام للنشاط الإقتصادي في الإسلام. إن ذلك الإذن الإجتماعي بممارسة سيطرة إضافية على الموارد لمواجهة الإنتاج الإضافي تعد بمثابة ظاهرة جديدة، جديدة، ولكنه ليس لدينا تعريف لحقوق وواجبات الأطراف المعنية من خلال نص القانون الإسلامي، ويجب أن نقوم بذلك الآن طبقاً لروح ذلك القانون، ومما يبدو واضحاً أمامنا أن تلك الحقوق والواجبات سوف تكون مختلفة عن تلك التي تم وضعها فيما سبق بالنسبة (للقروض) طبقاً لمفاهيم أخرى.

التنمية:

لسنا بحاجة لأن نركز طويلاً على ضيق أفق المفهوم الرأسمالي للتنمية لأنه قد تم بالفعل كتابة الكثير عن ذلك الموضوع حديثاً، لقد تم تصوير التنمية في إطار تحقيق إنتاج أكبر وتم إهمال التوزيع. ويجب أن نتساءل ما هو نوع التنمية التي كانت موضع الحديث؟ هل كان يعني بها نوع من التطور للإنسان أم للمادة؟ وكيف يمكننا تصور تطور المجتمع الإنساني في إطار زيادة الثروة فقط، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الثروة متوفرة لمعظم الأعضاء أم لا. إذ من الممكن أن يسير الفقر المتزايد جنباً إلى جنب مع ارتفاع إجمالي الإنتاج القومي.

والمفهوم الرأسمالي للتنمية لا يتجاهل العدالة التوزيعية فحسب بل أنه أيضاً يتجاهل تكاليفها الاجتماعية وتكاليفها الخاصة بعلاقة الإنسان بالبيئة التي تتمثل في التلوث، واستنزاف الموارد الغير قابلة للتجديد، والضغوط والتوتر بالنسبة للفرد والعائلة. وهو قد فشل أيضاً في أن يأخذ في اعتباره علاقة الإنسان مع الطبيعة ونوع حياته الثقافية. ولقد ساد ذلك المفهوم الضيق للتنمية على مدى أكثر من قرن، ولم توجه النظرة الجدية إلى الأبعاد الأخرى التي لا يمكن فصلها عن التنمية إلا الآن فقط بواسطة بعض العلماء الاقتصاديين ويرجع السبب في ذلك الفشل إلى مذهب الفردية الذي كان يشكل أساس التفكير الاقتصادي. والمفهوم الشامل للتنمية يتطلب إطاراً أوسع نرجع إليه يكون مشتملاً على جميع  أعضاء المجتمع، والأجيال المقبلة، والكائنات الحية الأخرى والاهتمامات البشرية الغير اقتصادية. وإن مثل ذلك المفهوم الواسع فقط هو الذي يلائم علم الاقتصاد الإسلامي.

وإذا كان من الواجب أن نضع مفاهيم مثل رأس المال والتنمية موضع الشك فماذا عن النقود، والدخل، والعمالة، والأعمال المصرفية، والتأمين وعديد من الأفكار الأخرى المرتبطة بذلك عن قرب وسبق لنا عرضها، والتي تعد نتاجاً لنفس ذلك الاتجاه المادي الفردي؟ لقد تم الإقرار بوجود الحاجة إلى تطبيق مراجعة تتسم بنظرة نقدية لجميع تلك الأفكار، ويجب أن تحوز تلك المهمة على الأولوية لدى علماء الاقتصاد الإسلاميين.

تنظيم المقرر التعليمي: بعض المبادئ المرشدة:

هل يجب علينا بمقتضى ذلك أن نلغي تدريس النظريات الاقتصادية وتطبيقها في تلك المجالات الهامة مثل التخطيط الخاص بالتنمية، والمالية العامة، والرقابة، والسياسة النقدية، والتجارة الدولية، الخ؟ إن ذلك بالطبع ليس شيئاً ممكناً أو مرغوباً فيه. ولكن ما نحن في حاجة إليه هو الاختيار الحكيم للعناصر التي تتسم بثبات أكثر في مجال علم الاقتصاد الحديث ومعاملتها بأسلوب انتقادي، وإلى جانب تلك العناصر يجب إدخال غايات وأولويات السياسة الإسلامية إلى المجالات التطبيقية مع مراجعة الأحوال الاقتصادية الواقعة وثيقة الصلة الخاصة بنظمنا الاقتصادية. وكما رأينا، سوف ينشأ لدينا أفكاراً جديدة وسوف يتم تعديل الأفكار القديمة. حتى تتلاءم مع حاجاتنا وآمالنا. ولكن التجسيد الناجح لتلك العملية يتطلب صبراً ومثابرة، إلى جانب الالتزام بمثلنا العليا وتقاليدنا. إن الجماعات الأيديولوجية تميل إلى اهمال الناحية الفنية من الموضوع، ولكنه يجب أن يكون لدينا ما يكفي من الإدراك حتى لا نرتكب فيما بعد تحمينا من ذلك الاحتمال في حين أنها توجه العناية الملائمة إلى حاجتنا للإصلاح والإبداع. وتدريس علم الاقتصاد في جامعات البلدان المسلمة في الوقت الحالي يتركز معظمه على المستوى الجامعي فيما دون الدراسات العليا، والكثير من تلك الجامعات تخطط للبدء في وضع مقرر تعليمي لتدريس علم الاقتصاد على مستوى الدراسات العليا في المستقبل القريب، ولذلك، فإن هذا هو الوقت المناسب لأن نركز اهتمامنا على بنيان المقرر التعليمي على مستوى الدراسات العليا. ومن الممكن أن تقوم كل من جامعة القاهرة وغيرها من الجامعات في البلدان المسلمة التي لديها خبرة طويلة في مجال الدراسات العليا والبحوث في علم الاقتصاد بمراجعة مناهجها الدراسية ووضع مقرراتها التعليمية في ضوء النتائج المترتبة على ذلك.

إن العديد من الجامعات في البلدان المسلمة لديه مقرر خاص بالاقتصاد الإسلامي يتم تدريسه فيها. ولكن المنهج الدراسي الخاص بهذا المقرر يتطلب إعادة نظر شاملة في ضوء التطورات الحديثة في هذا الموضوع. ولكن ما يتسم بأهمية أكثر هو الحاجة لإدماج تدريس علم الاقتصاد الإسلامي مع تدريس علم الاقتصاد بصفة عامة. وأي نظام يفتقر إلى إدماج العناصر الإسلامية مع العناصر الشرعية الثابتة الخاصة بعلم الاقتصاد الحديث لن يستطيع أن يفي بحاجتنا. وذلك هو ما تم اقتراحه في الخطة التي قمنا بتلخيصها.

إن نظرية الأسعار قد كانت دائماً هي محور المنهج الدراسي في الاقتصاد التحليلي ويجب أن تستمر في كونها كذلك، ويجب أن يتم تدريس قوانين العرض والطلب بأسلوب نزاع للانتقاد تجاه الشروح المختلفة المقدمة حتى يتم وضع أساس سيكولوجي لها، ويجب معالجة دالة كل من الإنتاج والتكلفة والدخل، والمرونة، وسعر التوازن، والاحتكار البسيط والاحتكار المميز، واتجاهات الأسعار في الأسواق الغير كاملة، الخ بأسلوب يأخذ في اعتباره الافتراضات البديلة فيما يتعلق بغايات الأسر والشركات، مع توجيه اهتمام خاص إلى أنماط السلوك الأخلاقي، ويجب تدريس فكرة الطلب المشتق، ولكنه يجب أن يتم تعديل أسلوب تطبيق نظام الأسعار على أنواع الدخل المتمثلة في المرتبات، والإيجار، والفائدة والأرباح وتوجيه الاهتمام اللازم للعوامل الأخلاقية والاجتماعية والتقليدية المتضمنة في التوزيع. ولقد أكدنا فيما سبق على الحاجة إلى إعادة النظر بالنسبة لرأس المال باعتباره عاملاً منفرداً من عوامل الإنتاج، ومما له بعض الأهمية العملية الكيفية التي تتم فإنه بمقتضاها، هو وغيره من عوامل الإنتاج في إطار الاقتصاد الرأسمالي. أما بالنسبة للكيفية التي تتم بها مكافئة تلك الأشياء في اقتصادياتنا، فذلك موضوع مختلف، ولكن الشيء الذي يعد أكثر أهمية هو البحث في كيفية مكافئتها في إطار الوضع والنظام المعدل الخاص بالاقتصاد الإسلامي.

إن التحليل الكلي للاقتصاد الذي يحتوي على نظريات النقود، والدخل، والعمالة يعد موضوعاً رئيسياً في علم الاقتصاد الحديث، ويجب معالجة أدوات التحليل الرئيسية الخاصة بكينز بأسلوب يتسم بالفهم الواضح لنوع النظام الاقتصادي الذك يتم تطبيق تلك الأدوات بالنسبة له. إن العمالة، والدخل، والطلب الإيجابي، ودالة الاستهلاك، والمضاعف، وعلاقة الإدخار بالاستثمار، والمضاعف، وطبيعة التقلبات الاقتصادية. الخ. أفكار يتأثر تفسيرها ووثاقة صلتها لو أنه تم في إطار يختلف عن ذلك الذي نشأت فيه. وبتحليل إجمالي الطلب وإجمالي العرض باعتبارهما مقررين للعمالة والدخل، فإنه يجب إفساح المجال للقوى الاجتماعية مثل الإرادة الشعبية، والمبادرة والقيادة الدولية لأن تأخذ مكانها، ويجب أيضاً إظهار دور النقود والمصارف في النظام الاقتصادي القائم على أساس الزكاة عند إقامتنا لتحليل اقتصادي كلي. وإن هذا يعد مثلاً لإدماج العناصر الإسلامية مع  التحليل الاقتصادي الأساسي المطلوب.

إن التحليل الكلي الخاص بكينز، مثله مثل جميع النظريات الأخرى الخاصة بالنظام الرأسمالي، يتجه إلى الإنتاج ويهمل التوزيع ومن النادر أن تؤدي نظريات التوزيع الخاصة بالتحليل الكلي للاقتصاد إلى تصحيح ذلك الاختلال في التوازن لأنها تقوم بالعمل داخل نفس ذلك الإطار الأساسي. وعناصر علم الاقتصاد الخاص بالمؤسسات يمكن تقديمها في هذا التحليل بشكل مفيد. أما بالنسبة لأثر التغييرات التي تحدث وفقاً لمعايير السلوك الإسلامية، فإن ذلك يجب أن يكون مجالاً آخر للبحث في هذا الصدد.

إن التحليل الجزئي والتحليل الكلي للاقتصاد يمكن تطبيقها في عدد من المجالات مثل اقتصاديات الرفاهية، والتقدم، والتنمية والتخطيط، والمالية، والتجارة والعلاقات الاقتصادية الدولية.

ويوجد عنصر كبير من النسبية في تلك الشعب التي سوف يتم استبدال محتوياتها بصفة تدريجية بما هو أكثر ملاءمة بالنسبة للدول النامية عامة والدول المسلمة بصفة خاصة. ويجب أن ننظر إلى المبادئ التي لدينا باعتبارها مبادئ خاصة بالرأسمالية، وأن نعمل على استكشاف المبادئ البديلة لها بهدف تسهيل الاختيار لما يمكن أن يفي بحاجة نظمنا الاقتصادية ذاتها، كما يجب أن نقوم باختيار أدوات التحليل وأساليب الإدارة الاقتصادية بمقياس وثاقة صلتها بالنسبة للنظم الاقتصادية الخاصة بالدول النامية وانسجامها مع الأهداف الإسلامية.

ونحن في أشد الحاجة إلى وضع مقرر تعليمي شامل في علم الاقتصاد العام، ليحل محل المقرر التعليمي التقليدي. في المالية العامة، ويتناول السياسة النقدية، وتدبر الديون، والرقابة المالية، وغير ذلك من أدوات السياسة التي تستطيع الدولة من خلالها أن تسيطر على النظام الاقتصادي بهدف تأمين الغايات الاجتماعية. يجب أيضاً ظهور علم النظام الاقتصادي الخاص بالمشروعات العامة في ذلك المقرر، ويجب توجيه اهتمام خاص إلى العبر التي نستطيع أن نتعلمها من التجربة الشيوعية من أجل تنظيم الإنتاج، والاستهلاك والمقايضة. وعلم الاقتصاد العام موضوع تناوله بعض المفكرين الإسلاميين مثل ابن تيمية (1262- 1328 ميلادية) ويجب علينا توجيه الاهتمام الملائم إلى آراء هؤلاء المفكرين. والقطاع العام الذي يتسم بالتوسع السريع في البلدان المسلمة يزيد من تأكيد حاجتنا لمثل ذلك المقرر.

إن المقرر التعليمي الذي يتناول التطور والتخطيط الخاص بالتنمية يعد أيضاً ضرورياً. ويجب أن يتم تعريف أساليب التطور المختلفة والاستراتيجيات الممكنة للتنمية، وشرح متضمناتها الاجتماعية والثقافية والتقليدية. وفيما يتعلق بأساليب التخطيط، يجب أن يتم وضع التأكيد على تلك التي تتلاءم مع النظام الاقتصادي في بلداننا، مع إدراك الأساليب البديلة التي يتم تطبيقها في أماكن أخرى، ويجب توضيح الصفات الرئيسية الخاصة بالاستراتيجية الإسلامية للتنمية الاقتصادية، مع تطبيق مراجعة نزاعة للانتقاد بالنسبة للأساليب التي تم اقتراحها حتى الآن.

والمقرر التعليمي بالنسبة لمقارنة النظم الاقتصادية سوف يؤدي إلى تعريف الطلبة بوجود أساليب بديلة للإدارة الاقتصادية، وأن النماذج التي لدينا في الوقت الحالي لا تصور لنا جميع النماذج القابلة للتطبيق بأية حال. ويجب أن نقوم بإلقاء الضوء على عدد من الاتجاهات في النظم الرأسمالية، والاشتراكية والنظم الاقتصادية المختلطة، ويجب أن نقوم بعرض الصفات البارزة للنظام الاقتصادي الإسلامي بأسلوب يجعل الطالب لا يغفل إمكانية وجود تفسيرات مختلفة.

ودراسة التاريخ الاقتصادي يجب أن تركز على التجربة الإنسانية الماضية في الأقاليم المختلفة مع توجيه اهتمام خاص إلى التاريخ البريطاني، والأمريكي، والروسي، والياباني. إن تطبيق الاتجاه التحليلي بالنسبة للتاريخ الاقتصادي للشعوب المختلفة في العصور المختلفة يوسع الرؤية ويعد المناخ لإيجاد تركيب وتجربة جديدة بدلاً من الشعور بأنه يجب أن نلتزم بنموذج معين وكأن ذلك أمر محتم لا مفر منه. وإن التاريخ الاقتصادي للشعوب الإسلامية وخاصة في غرب آسيا وشرقي أفريقيا يستحق اهتماماً خاصاً من جامعاتنا، إلى جانب التاريخ الاقتصادي الخاص ببلداننا. ومن الممكن الإيفاء بذلك الموضوع في سلسلة من المقررات التعليمية التي يستطيع كل طالب أن ينتقي بعضاً منها.

ولقد تم استبعاد تاريخ الفكر الاقتصادي من المقررات التعليمية الأساسية في معظم الجامعات، ويتم تدريسه الآن باعتباره موضوعاً اختيارياً. ونستطيع أن نعتنق نفس الممارسة. فيجب دراسة الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، والحدية، والكلاسيكية المحدثة، والاقتصاد الكينزي، والماركسية المحدثة وأيضاً بعض مدارس الفكر الابتداعية في سلسلة من المقررات الاختيارية. وتلك المجموعة من المقررات يجب أن تتضمن مقرراً عن تطورات الفكر الاقتصادي الإسلامي، مع التأكيد الخاص على أفكار أبي يوسف، وابن تيمية، وابن خلدون وشاه ولي الله، ويجب أن يركز مثل ذلك المقرر على التفاعل بين الوصايا الإسلامية والأحوال الاقتصادية المتغيرة على مدار العصور. وقد عانى ذلك الموضوع من الاهمال من مؤرخي الفكر الاقتصادي مما يحتم تشجيع البحث والدراسة في الجامعات الإسلامية.

والموضوع الهام الذي يجب تقديمه على المستوى فيما دون الدراسات العليا ثم يتبع بتفاصيل أكثر على مستوى الدراسات العليا هو بنيان النظام الاقتصادي في بلداننا، وتطوره ومشاكله الحالية، وذلك في الحقيقة أمر يجب أن يكون المحور الذي تدور حوله جميع المقررات الأخرى ويجب أن يكون أحد المقررات الإجبارية.

والدراسات الخاصة بالمناطق وخاصة تلك التي تعني بدول شمال أفريقيا وجنوب آسيا تعد ضرورية بمقتضى الحاجة إلى ازدياد التخطيط الإقليمي والتنسيق بين النظم الاقتصادية في تلك المنطقة، ويجب أن تكون هناك سلسلة من المقررات الإختيارية التي تشمل الدول المجاورة والنظم الاقتصادية الأخرى في المنطقة.

والمقرر التعليمي الشامل عن الاقتصاديات الدولية، الذي يتضمن التجارة الدولية، وتعدد القوميات، ونظام النقد العالمي، والمؤسسات المالية والاقتصاديات الخاصة بالمعونة والاستثمارات الإضافية يعتبر ذا أهمية حيوية بالنسبة للبلدان المسلمة، ويجب معالجة ذلك الموضوع من وجهة نظر العالم الثالث وتوجيه الاهتمام الملائم إلى متضمنات النظام الاقتصادي الجديد الذي يدافع عنه، ويجب أن يكون ذلك أيضاً موضوعاً إجبارياً.

وليس ثمة جدل بالنسبة لتطبيق الأساليب الكمية في علم الاقتصاد والتي يتم تدريسها في الاقتصاد المحاسبي، وعلم الإحصاء والاقتصاد الرياضي، ولكن تلك المقررات يجب إعدادها بهدف الإيفاء بمتطلبات التحليل والإدارة في اقتصادياتنا وليس بهدف التفوق الشكلي. ويجب أن تكون بمثابة عون لتكوين الأفكار بصورة أوضح وتحقيق فهم أفضل بالنسبة لمثل تلك العلاقات المتداخلة التي تعد قابلة للقياس، مع إدراك أن تلك الشبكة من المقررات قد تغفل بعض الأشياء التي تعتبر ذات أهمية كبيرة. وبالنظر إلى الاستخدام المتزايد للأساليب الكمية في علم الاقتصاد فإنه يجب أيضاً وضع مقرر ابتدائي حول الأساليب الإحصائية، ويجب أيضاً تضمن الأساليب الكمية في المقرر الأساسي، مع تقديم سلسلة من المقررات العالية التي تفي بباقي الموضوعات لتكون بمثابة مقررات اختيارية. والشرط الأساسي لدراسة المقرر الإجباري على مستوى الدراسات العليا يتمثل في الدراسة السابقة لمقرر في الرياضيات على مستوى ما دون  الدراسات العليا يشمل حساب التفاضل إلى جانب الجبر البسيط والهندسة التحليلية.

وقائمة المقررات الاختيارية يجب أيضاً أن تتضمن مقررات عديدة في علم الاقتصاد التطبيقي، وعلم الاقتصاد الخاص بصناعات معينة، وعلم الاقتصاد الخاص بالتكنولوجيا والابداع، والتنظيم المالي للمجتمع، ومقارنة النظم المصرفية، والاقتصاد العمالي، والدراسات السكانية، والاقتصاد الزراعي، والاقتصاد الخاص بوسائل النقل الخ…. الخ. ومن الممكن أن يتم توسيع أو اختصار تلك القائمة طبقاً للاحتياج الفعلي لكل دولة.

وكما تم التأكيد من قبل، فإن هناك مبدأين يجب أن يسترشد بهما إعداد وتدريس المقررات السابق ذكرها…أولاً، يجب الاحتفاظ بالأفكار والأدوات التي تتسم بثبات نسبي ومعالجتها بأسلوب نزاع للنقد. ثانياً، يجب السماح بتطبيق الوصايا الإسلامية وثيقة الصلة بالنسبة للأحوال الواقعية في بلداننا. وبهذا الأسلوب فقط تتم ملائمة المقررات الحالية تدريجياً مع حاجاتنا وآمالنا، وقد يتطور البعض منها حتى يظهر في شكل جديد تماماً.

ويجب التعجيل بتلك العملية عن طريق تقديم مقررين آخرين بصفتهما مواضيع رئيسية، أحدهما خاص بالميثودولوجيا والآخر الخاص بالاقتصاد الإسلامي.

أما المقرر الخاص بالميثودولوجيا فيجب أن يستعرض ميثودولوجية الاقتصاد الكلاسيكي المحدث –والاقتصاد الكينزي الحديث، إلى جانب ميثودولوجية الاقتصاد الماركسي والماركسي الحديث، ويجب أن يتبع ذلك باستعراض بعض المحاولات الهامة الهادفة لإقرار ميثودولوجيا جديدة وأخيراً يجب مناقشة إمكانية تقديم ميثودولوجيا إسلامية في ضوء التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن بواسطة علماء الاقتصاد المسلمين.

ونحن في حاجة إلى مقرر للاقتصاد الإسلامي المعاصر حتى يكون الطالب عالماً تماماً بالفكر الإسلامي في جميع المجالات التي تشملها المقررات السابق ذكرها. وبعض تلك المساهمات سوف تجد لها مكاناً في تلك المقررات. وإذا قمنا بتطبيق نظرة شاملة فسوف نتمكن من التعرف على المبادئ الموحدة والإطار الرئيسي الخاص بمفاهيم الاقتصاد الإسلامي.

ومثل ذلك المقرر على مستوى الدراسات العليا يتطلب إعطاء الطالب مقرراً في مصادر الإرشاد الإسلامي على المستوى الجامعي فيما دون الدراسات العليا، ويجب أن يتضمن المبادئ الخاصة بالفقه الإسلامي وأساليب الفهم وتفسير القرآن والسنة، ويجب أن تكون النصوص الاقتصادية والأحداث السابقة المتعلقة بالشئون الاقتصادية بمثابة الموارد الأولية المستخدمة على قدر الإمكان.

إن ذلك يستكمل معانينا الأولية للمقررات التي نحتاج لوضعها على مستوى الدراسات العليا في أقسام الاقتصاد بالجامعات في البلدان المسلمة، ولقد أشرنا إلى المقررات على مستوى ما دون الدراسات العليا بصفة خاصة حينما كانت تبدو كشرط ضروري لدراسة المقررات الأخرى المقترحة على مستوى الدراسات العليا، ومن الممكن بسهولة أن نستكمل قائمة المقررات على مستوى ما دون الدراسات العليا إذا وضعنا أمام رؤيتنا الدور الذي تقوم به تلك المقررات بالنسبة للدراسات العليا، فهي يجب أن تزودنا بالأسس لتناول ذلك الموضوع بطريقة أكثر تقدماً. وتوجد بعض المقررات الأخرى التي نحن في حاجة إليها لتعريف الطالب على أفكار، وأساليب، وحقائق العلوم الأخرى، وخاصة في العلوم الاجتماعية، المتطلبة للتخصص في الاقتصاد، والتدريب المتوازن في مجالات التاريخ، والعلوم السياسية وعلم الاجتماع، إلى جانب المعرفة الأساسية للجغرافيا والعالم المادي التي تقدم على مستوى ما دون الدراسة العليا سوف تعد الطالب لإدراك أكثر بالنسبة لطبيعة الحقائق الاقتصادية وأسلوب معالجتها.

وليس من الممكن محاولة أو حتى فهم مهمة التحول الإسلامي والتنمية المتوازنة؟ لاقتصادياتنا –التي يجب أن تكون بمثابة الإطار لتدريس الاقتصاد على المستوى الجامعي- بمجرد التركيز على العوامل الاقتصادية بمفردها، وحتى بالنسبة للمشاكل الاقتصادية التي نواجهها مثل الفقر، وعدم المساواة، والتضخم، والتبذير،… فليس من الممكن تحليلها أو إيجاد حل لها بدون الرجوع إلى العوامل الاجتماعية والسياسية والقانونية. وذلك يستدعي وجود اتجاه يقضي بالتنسيق بين تلك العوامل. وإن المقررات التي اقترضناها فيما سبق باعتبارها جزءاً من التدريب على المستوى فيما دون الدراسات العليا سوف تكون مفيدة في هذا الاتجاه. وليس من الممكن الإيفاء بتلك الحاجة بمجرد تدريس تلك المواضيع بأسلوب غير متسق، فإنها يجب أن تركز ضوءها على المشاكل الواقعية التي يلمسها الطالب. وإن المعلم فقط هو الذي يستطيع أن يفعل ذلك، بمعاونة النصوص المقروءة التي تعد نتاجاً لنفس الاتجاه.

وإن ذلك يستدعي تطوير البحث. وتستطيع الندوات المنظمة أيضاً أن تعمل على تكوين المناخ الملائم، ولكن مثل تلك المواضيع تتجاوز مجال هذه المقالة. ويكفينا أن نلاحظ أن التغييرات في المناهج التعليمية تحتم تقديم مواد جديدة للقراءة، وأن التغييرات الجذرية التي افترضناها فيما سبق قد تحتم أيضاً إيجاد معلمين جدد. ولكن ذلك ليس من الممكن إحداثه قبل أن يتم إحراز تقدم كاف على مستوى البحث.

لقد حان الوقت لأن نختم تلك المقالة ونقدم ملخصاً بقائمة المقررات الخاصة بالدراسات العليا التي ذكرناها فيما سبق:

المقررات الأساسية (الإجبارية):

1-   ميثودولوجيا الاقتصاد.

2-   التحليل الجزئي للاقتصاد.

3-   التحليل الكلي للاقتصاد.

4-   الأساليب الإحصائية والأساليب الكمية الابتدائية.

(المتطلب الأساسي: مقرر في الرياضيات على مستوى ما دون الدراسات العليا).

5-   الاقتصاد العام.

6-   اقتصاديات التطور والتخطيط الخاص بالتنمية.

7-   مقارنة النظم الاقتصادية.

8-   الاقتصاد العالمي.

9-   بنيان الاقتصاديات (في الوطن).

10-       الاقتصاد الإسلامي المعاصر.

(المتطلب الأساسي: مقرر في مصادر الإرشاد الإسلامي على مستوى ما دون الدراسات العليا)

وتلك جميعها تعد مقررات تحتاج لفصل دراسي كامل. وبافتراض وجود فصلين دراسيين في العالم، وأربعة مقررات في كل فصل دراسي، فإن ذلك يترك المجال لستة مقررات اختيارية. ومن الممكن أيضاً أن يكون من المرغوب فيه امتداد المقرر في التحليل الكلي للاقتصاد على مدى فصلين دراسيين لأنه يتضمن النقود والسياسة المالية أيضاً. وذلك سوف يترك المجال لدراسة خمسة مقررات وتلك قد يكون من المرغوب اختيارها بين المقررات التالية:

1-   الاقتصاد الكمي.

2-   التاريخ الاقتصادي.

3-   الدراسات الخاصة بالمناطق.

4-   تاريخ الفكر الاقتصادي.

5-   اقتصاديات بعض الصناعات المعينة.

6-   الاقتصاد الزراعي.

7-   اقتصاد الرفاهية.

8-   مقارنة النظم المصرفية.

9-   التنظيمات المالية.

10- الاقتصاد العمالي.

11- دراسات السكان.

12- اقتصاديات التكنولوجيا والإبداع،…الخ،…الخ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر