المؤتمرات

ندوة الفاتيكان حول حقوق الإنسان الثقافية

العدد 1/2

لمإذا لم توقع المملكة العربية السعودية وثيقة إعلان حقوق الإنسان الدولية؟

صدر هذا التساؤل من عدة جهات أوربية، ردت عليها وزارة الخارجية السعودية بمذكرة أوضحت ثلاث تحفظات لها على وثيقة حقوق الإنسان وان الشريعة الإسلامية باعتبارها دستور البلاد تصون هذه الحقوق نظرياً وعملياً بما يتجاوز ما في المواثيق الدولية.

وكان بدء الحوار حول هذا الموضوع أثناء زيارة قام بها إلى الرياض وفد أوربي يضم فريق جمعية الصداقة السعودية الفرنسية وفريقا من المتخصصين الأوربيين في حقوق الإنسان، كان من بينهم رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس الأوربي وسكرتير اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان والمستشرق المعروف هنري لاوست وكان يرأس الوفد مستشار البابا لشئون حقوق الإنسان.

وعلى أثر هذه الندوة وما تلاها من زيارات واتصالات وجهت دعوة إلى علماء المملكة العربية السعودية من أربع جهات أوربية : دعوة من باريس من جمعية الصداقة السعودية الفرنسية وبعض القانونيين، ودعوة من الفاتيكان، ومن جنيف دعوة من مجلس الكنائس العالي، ومن استراسبورج دعوة من المجلس الأوربي.

وتلبية لهذه الدعوات قام وفد من علماء المملكة برئاسة وزير العدل بهذه الزيارات حيث عقدت ندوات بحثت فيها بعض الموضوعات وفي مقدمتها موضوع حقوق الإنسان في الإسلام.

وفيما يلي نص البحث الذي قدمه الوفد السعودي إلى ندوة الفاتيكان :

  • اننا ليسعدنا أن نستجيب إلى دعوة الفاتيكان الكريمة لإقامة هذه الندوة العلمية في رحاب عاصمتها حول حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام وفي الكاثوليكية، وذلك بناء على مساعي جمعية الصداقة الفرنسية – السعودية في باريس، والتي نسجل لها سابق رغبتها في عقد أول ندوة عن حقوق الإنسان في الإسلام، مع فريق من كبار رجال الفكر والقانون الذين حضروا لهذا الغرض إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في ۲۲ (إذار) مارس سنة ۱۹۷۲، ثم أكدوا في نهاية تلك الندوة على مطالبتنا بقبول الدعوة لمتابعة أمثال تلك الندوة في عدد من البلدان الأوروبية التي لا تزال تجهل ما قد لمسه ذلك الفريق الكريم من حقائق عن الإسلام وعن مزاياه في حقوق الإنسان مما يستوجب اطلاع العالم عليه، تمهيدا لتعارف الشعوب فيما بينها، ولتعاون الأيدي البناءة، ولتلاقي الأفكار التيرة على النهوض بالإنسان، وعلى الدفاع عن كرامته، وعن حقوق الإنسانية.
  • هذا وأنه ليسرنا أن تكون أولى هذه الندوات فيما يتعلق بحقوق الإنسان بالنسبة لأوروبا في مدينة الفاتيكان ذاتها، وبناء على رغبة كبار المسؤولين فيها، وأن نرى منهم اليوم هذا الترحيب الكبير بوفد علماء المملكة العربية السعودية، وأن نرد على ترحيبهم بالمثل وبالشكر، آملين أن تكون هذه الندوة حدثا تاريخيا في عالمنا الحديث، الغارق في أوحال المادية، والذي أصبح في حاجة ماسة إلى من يسمعه صوت السماء، وينقذه من الضياع، ويشق له الطريق إلى السلام الآمن من غير خوف، ضمن أسرة إنسانية واحدة، جعلهم الله سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل لتعارفوا، وليتعاونوا على البر والتقوى لا على الاثم والعدوان، كما دعا اليه صريح القرآن حين نادي بالبشر قائلا : ” يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وقال ” وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، لأن التعاون على الاثم والعدوان يمحو كل كرامة الإنسان.
  • موقفان تاريخيان :
  • وقبل أن ندخل في صلب موضوعنا عن ” مكان حقوق الإنسان في الإسلام “نرى لزاما علينا – ونحن في ندوة تضم كبار قادة المسيحية الكاثوليكية في مدينة الفاتيكان – أن نستعرض بكلمات قليلة موقفين تاريخيين من مواقف بر القرآن وبر الإسلام من نفس العالم المسيحي في ظل الروم، على الرغم من الخلاف الأساسي في أصول العقيدة فيما بين الإسلام والنصرانية.
  • أما الموقف الأول، فذلك منذ ظهور الإسلام في مطلع القرن السابع : يوم كانت بيزانس الكاثوليكية في أوج معركتها مع الفرس المجوس، وكان الإسلام في أوج معركته مع العرب الوثنيين ففي تلك الفترة انتصر المجوس على الكاثوليكية في سورية ففرح الوثنيون العرب تعبيرا عن شعورهم المادي للإسلام الذي كان يشيد بذكر السيد المسيح وأمه الطاهرة العذراء بكل اجلال واحترام، ولقد أحزنت أفراح الوثنيين العرب قلوب المسلمين، ولذلك جاءت آيات القرآن لتخفف من أحزانهم وتبشرهم جزما بقرب عودة المعركة، ولتؤكد لهم أن الدولة الرومية الكاثوليكية سوف تنتصر قريبا على الدولة المجوسية، وان المسلمين سوف يفرحون حينذاك وقد شجع هذا التأكيد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على تحدي الوثنيين العرب وعلى اعلان ثقتهم وايمانهم بما بشر به القرآن، ولم تمر بضع سنين حتى نشبت الحركة من جديد وإذن الله في آن واحد بانتصار الروم الكاثوليك على المجوس، وبانتصار المسلمين العرب أيضاً على الوثنيين في معركة بدر، وقامت الأفراح لدى المسلمين كما وعدهم القرآن الكريم ونزلت الأحزان مضاعفة على الوثنيين.
  • بل ان الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك : فأمر بالبر بسائر الناس مهما اختلف المسلمون معهم في الدين والعرق والأوطان كما نص على ذلك القرآن، ما لم يقاتلونا في الدين أو يخرجونا من ديارنا، وقد قال القرآن في ذلك “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا اليهم، أن الله يحب المقسطين”.

وبذلك وضع القرآن أعظم قواعد التعاون الإنساني، مقرونا بعرض البر من جانب واحد هو الإسلام، منطلقا في ذلك من حرية العقيدة وعدم جواز الأكراه فيها، ومنفتحا بموجب عقيدة الإسلام على كل إنسان، وبخاصة المسيحيين على اختلاف مذاهبهم، حيث جهز القرآن بقوله : ” ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون”.

ولكن هذا النص القرآني في التنويه بمودة النصارى للمسلمين لم يرق لأعداء المسيحية والإسلام الذين أثارهم دفاع القرآن المجيد عن السيد المسيح وعن أمه مريم الطاهرة العذراء، ولم تحجزهم الوسيلة للاسهام بصورة فعالة لدفع قادة بيزنس إلى الحرب مع الإسلام منذ عهد النبي.

  • وأما الموقف الثاني التاريخي من مواقف بر الإسلام بالعالم المسيحي فهو الذي يعود على كنيستهم الأم في القدس حين انتصار الإسلام واندحار بيزانس.

وذلك أن الحرب التي شنها البيز انطيون على المسلمين، وما انتهت اليه من نصر للمسلمين، لم ينقص شيئا من بر الإسلام والمسلمين بالكاثوليك خاضة وبالمسيحيين عامة، وقد ظهرت هذه الحقيقة كأروع ما تكون بالعهد الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب بعد دخوله القدس بناء على طلب بطرك الكنيسة الكاثوليكية في القدس صفرونيوس حيث : ” أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وأن لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيزها، وأن لا يسكن معهم أحد من اليهود “، وذلك في ميثاق تاريخي مكتوب وموقع منه إلى بطرك الكنيسة صفرونيوس، وقضى بذلك على كل ما يمكن أن يكون من مخاوف ادي المسيحيين من الفاتحين المسلمين، وظل المسلمون على الوفاء بهذا العهد، حتى يومنا هذا، مما قد انفرد به الإسلام على الدوام في تاريخ حروب الأديان المنتصرة.

  • وبالاختصار هذان موقفان تاريخيان عظيمان من مواقف الإسلام وسبقه في البر للعام المسيحي بصورة عامة، وللكنيسة الكاثوليكية بصورة خاصة، بل شاهدان على ما يتمتع به الإسلام من حسن رعاية وحماية اغيره من الأديان، وذلك عملا بالنصوص القرآنية في حرمة حقوق الإنسان، وخاصة في حرية الدين والايمان، رأينا أن نشير اليهما في هذا الاجتماع التاريخي في مدينة الفاتيكان، لأنهما حدثان تاريخيان يفسران من هذه الناحية أعظم حقوق الإنسان وتطبيقاتها في الإسلام.
  • حقوق الإنسان :
  • وبعد هذه المقدمات التي لابد منها حول تاريخ فكرة الندوات عن حقوق الإنسان في الإسلام، التي بدأت في الرياض منذ سنتين لتتابع اليوم حلقاتها بدعوة من الفاتيكان ثم في غيرها من البلدان.

وبعد ما أشرنا اليه من مواقف إسلامية كريمة تاريخية تجاه العالم المسيحي الكاثوليكي في ظل بيز انس، ثم تجاه الكنيسة الكاثوليكية بالذات في ظل الإسلام، مما يتصل أيضاً بحقوق الإنسان في الإسلام وننتقل الآن إلى كلمة موجزة عن مجمل حقوق الإنسان، لنركز بصورة خاصة هنا في مدينة الفاتيكان على حقوق الإنسان الثقافية في شريعة القرآن.

  • ومن المعلوم أيها السادة أن حقوق الإنسان اليوم في عرف المواثيق الدولية العالمية الخاصة بحقوق الإنسان قد قسمت إلى ثلاثة أقسام هي على الترتيب التالي : الحقوق الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية، والحقوق الثقافية، وانه من العسير علينا أن نتناول جميع هذه الحقوق في ندوتنا اليوم في الفاتيكان مع ضيق الوقت المخصص لها، ولما كانت هناك ندوات أخرى سوف تتبعها في الأيام القادمة، في كل من جنيف وباريس وستراسبورغ، فقد رأينا أن نبدا في هذه الندوة في مدينة الفاتيكان بالحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام كأساس مقدم في رأينا على غيره من بقية حقوق الإنسان، آملين أن نجعل من مجموعة الندوات الأخرى ندوات متممة في فروع أخرى من حقوق الإنسان في الإسلام، بالإضافة إلى ما تجدونه موزعا بين أيديكم عن ندوة الرياض في عام ۱۹۷۲ مع فريق من كبار رجال القانون والفكر في أوروبا، وما قد ألحق بها من مذكرة حكومة المملكة العربية السعودية حول شريعة حقوق الإنسان في الإسلام، وتطبيقاتها في المملكة، الموجهة في حينها للهيئات الدولية حينذاك والتي اتخذت أساسا للبحث في ندوة الرياض عام ۱۹۷۲م.
  • نظرة الإسلام :
  • ولا بد لنا إذا أردنا فهم أبعاد الحقوق الثقافية الإنسان في الإسلام من أن نلفت النظر إلى أن نظرة الإسلام إلى ” الحقوق الثقافية الإنسان وانما هي ” نظرة جزئية ” من أصل ” نظرة كلية ” هي نظرة الإسلام إلى “الله، والكون، والإنسان”.

ونحن لسنا في مقام شرح “النظرة الكلية” الإسلام، ولكن ارتباط والنظرة الجزئية في الإسلام بتلك ” النظرة الكلية حول الله، والكون، والإنسان ” يوجب علينا الإشارة اليها بالقدر الذي لا بد منه، وذلك من أجل تحديد “بخصائص” الحقوق الثقافية في الإسلام، والكشف عن أبعادها في حياة الإنسان، ونقطة الانطلاق منها إلى الثقافة والعرفان.

  • حول الله والكون والإنسان :
  • فالإنسان بموجب ” النظرة الكلية ” للإسلام حول ” الله والإنسان ” مفروض عليه باسم الدين ” النظر فيما في السموات والأرض وفي نفسه ” وذلك لمقاصد عليا مطلوبة منه طلبة حتمية، ويمكن أن نجمل هذه المقاصد فيما يلي:

أولاً : الايمان العلمي “بحقيقة الوجود الأولي” التي لابد منها لخلق الكون والإنسان.

ثانياً : المعرفة العلمية أيضاً “بعظمة” خلق هذا الكون، وبمنتهي الاتقان في صنعه وفي صنع هذا الإنسان، والوصول إلى الإقرار بعظمة الابداع فيهما، وبأن كل شيء في هذا الكون يسير بحسبان وميزان ونظام مما يدل دلالة جازمة على وجود خالق لهذا الكون، قادر، عالم، حكيم، مستحق للعبادة وحده.

ثالثاً : المعرفة العلمية أيضاً بأن الإنسان انما يشغل ” جزءا صغيرا ” من هذا الكون العظيم في أبعاده والعجيب في نظامه، ولكن الله ” كرم الإنسان ” وسخر له جميع ما في السموات والأرض رغم عظمتها، ولم يسخره لها، وأمره بالإصلاح في هذه الأرض وعدم الافساد فيها.

رابعاً : وأخيراً، وتبعا لذلك الايمان بالله، وهاتين المعرفتين بعظمة الوجود ” وبكرامة الإنسان على الله الذي سخر له جميع ما في السموات والأرض، أنه مطلوب من الإنسان طلبا جازماً بأن يعمر هذه الأرض بجهده، وأن يتمتع بطيباتها، ولكن بموجب نظام يحفظ الايمان بالله، ويضمن الكرامة والعدل والمساواة والحرية والسلام للإنسان من غير تمييز بين إنسان وإنسان، ويكون بكل ذلك عندئذ عاملا بشريعة الله، وعابدا لله حتى في لذائذه الفم ومطالب الحنين، وما دام كل ذلك لا عدوان فيه على شريعة الله، ولهذا أنزل كتبه وبعث رسله.

  • وهكذا فان ” النظرة الكلية ” للإسلام حول ” الله والكون والإنسان ” تفرض ” العلم) على الإنسان بكل ما يحيط به ويحياته، بدءا من الله، وأخيرآ في واجباته في هذه الأيام، لا فرق بين واجباته نحو الله وبين واجباته نحو الإنسان، وبين واجباته في العمل المختوم عليه لعمارة هذه الأرض والإصلاح فيها وعدم الافساد لها، وكل ذلك يدخل في مفهوم العلم والدين ” الذي يطلق عليه كلمة ” الفقه)، أي الحلم بما للإنسان وما عليه، ولذلك قال رسول الإسلام : ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
  • العلم والايمان :
  • وانما كان على الإنسان في الإسلام أن يبدأ في العلم بما يوصله إلى الإيمان بالله، لأن الإسلام يرى من الواجب البدائي على الإنسان، المفطور على روح الاجتماع، أن يحاول في محاولة علمية وثيقة بحياته الاجتماعية على هذه الأرض أن يكشف أولا صلته بهذا الكون، وصلته بميدع هذا الكون، ذلك الذي فطر هذا الكون وسخره لمصلحة الإنسانية كلها أو لأفراد منها.

ولذلك يجب على الإنسان أن يعلم أن قيامه على أرض هذا الكون : مثله مثل قيام أي فرد من الإنسان الحديث على أرض دولة من الدول الحضارية الحديثة من حيث أن الواجب الأول على الإنسان الحضاري في تلك الدولة هو أن يعرف أولا معرفة واجبة صلته بهذه الدولة التي يعيش في حمايتها، وأن يعرف صلته المدنية بأصحاب السلطة فيها، وبأنه فرد من رعاياها، وعليه نحو أصحاب السلطة فيها واجبات الاقرار بوجودها، والاطاعة لأوامرها والكف عن نواهيها ما دام قائما على أرضها، والا فيكون إنسانا خارجا على الدولة، ومعطلا لأنظمتها الإنسانية الاجتماعية، ومسؤولا مسؤولية جزائية فيها.

  • العلم الشامل في الإسلام أساس لكرامة الإنسان:
  • وهكذا فان هذا المفهوم “لفريضة العلم” في الإسلام قد اعتبر “العلم” في أوسع آفاقه الروحية والمادية أساساً لكرامة الإنسان، ولذلك، رفع القرآن من شأن العلم فقال : ” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” وقال أيضاً “انما يخشى الله من عباده العلماء”.

وقد أوجب هذا العلم على كل إنسان أن ينظر في عجائب خلق السموات والأرض وخلق الإنسان واتقان الصنع في كل شيء، وبذلك فتح أمامه آفاق العلم وميادينه من غير حل، وألزمه بالأخذ بجميع وسائل التكنولوجيا من غير خوف، واعتبر هذا العلم انه الطريق إلى معرفة الله وعبادته وعمارة هذه الأرض بسلام، ولذلك أطلق الإسلام على مجمل دعوته القائمة على هذا الأساس أنها “دعوة إلى الحياة ” وآخي في كل ذلك ما بين الدين والعلم، وما بين الدين والعقل، وما بين الدين والفكر وبالجملة فقد آخي ” ما بين الدين والحياة ” كما أكدت ذلك آيات عديدة في القرآن، وخاصة ما جاء في القرآن الكريم في استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.

  • وعلى ضوء ما شرحناه أعلاه من هذا الارتباط بين الحقوق والثقافية ” في الإسلام وبين نظرة الإسلام إلى بر الله، والكون، والإنسان”.

وكذلك على ضوء ما شرحناه أيضاً من آفاق واسعة “لمفهوم العلم” في الإسلام وشموله للايمان بالله عن طريق جميع علوم الحياة وتكنولوجياتها اللازمة للنظر في خليقة الكون والإنسان، ثم لشموله “معرفة الإنسان لواجباته” نحو الله ونحو الإنسان على أساس “الكرامة للجميع” أمام الله، من غير تمييز ما بين إنسان وإنسان إلا بالتقوى، كما جهرت به أحكام شريعة الإسلام.

فعلى ضوء كل ذلك نجد أن الإسلام يؤكد على أن ” العلم هو أساس لكرامة الإنسان، وأن العالم والمتعلم شريكان في الخير وأنه لا خير في سائر الناس، أي لا خير في من عداهما كما سوف ننقله بالنص عن رسول الإسلام.

  • معالجة مشكلة الأمية :
  • ولذلك، ولما كان العرب في كثرتهم لدي ظهور الإسلام أميين لا يقرأون ولا يكتبون، بدأ الإسلام أولاً بمعالجة الأمية بشكل سريع وناجع قبل معالجة أية مشكلة أخرى من مشكلات الحياة، وفرض العلم على كل مسلم ومسلمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام ” طلب العلم فريضة على كل مسلم “أي على كل من أسلم ويشمل الذكور والاناث ثم فتح لهم” آفاق ” السموات والأرض للنظر فيها وقال لهم : ” انظروا مإذا في السموات والأرض”، معتبرة ان هذه النظرة إلى مفهوم ” العلم الشاملي ” في الإسلام هو الأساس الذي لا بد منه ” للتفتح الكامل لشخصية الإنسان ” على حقائق وجود الكون الدالة على خالق الكون.
  • وهكذا لما وقع في أيدي المسلمين بعض الأسرى من رجال قريش الوثنيين في أول حرب للإسلام معهم في معركة ” بدر ” جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فدية الكثيرين منهم تعليم الأميين من المسلمين، وفرض على بعض الأسرى من الوثنيين المتعلمين تعليم عشرة من المسلمين جزاء فكاكه من الأسر معتبرة أن القراءة والكتابة هي مفتاح العلم وأول مبادىء التكنولوجية، وبذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام مثلا لم يسبقه إليه أحلى من العالمين، ولم يحدثنا بمثل ذلك بعده أحد من المؤرخين، وخاصة إذا علمنا حاجة المسلمين الشديدة حينذاك إلى المال قبل حاجتهم إلى العلم.
  • وانطلاقاً من قاعدة فريضة العلم على كل مسلم في الإسلام، مضى الرسول صلى الله عليه وسلم في تعاليمه هذه يتوعد تارة، ويعد تارة أخرى ويقول : ” العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس ” بل ويقول مفضلا الزيادة في العلم على الزيادة في العبادة ويجهر أخيرا بقوله ” ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردي، وما أستقام دينه حتى يستقيم عمله، وفي رواية أخرى “حتى يستقيم عقله”

أثر العلم في نفوس المسلمين كفريضة إسلامية :

  • ولقد كان لهذه الدعوة الإسلامية إلى العلم، وإعلان النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام أن طلب العلم فريضة على كل مسلم أثر في نفوس المسلمين عجيب اذ أن ذلك كون فيهم غرأمة بالتعليم، وبعث فيهم باسم الدين نشاطا أطلب العلم أصبح مثلا وحيدة في التاريخ، ولذلك أعجب كوستاف لوبون في كتابه “حضارة العرب” أعظم الإعجاب من شغف العرب بالعلم ولقاء كان اعجابه أعظم آن رأى هذا الشغف منبعثة منهم عن الدين نفسه، وقال في ذلك : ” أن العلم الذي قد استخفت به أديان أخرى قد رفع المسلمون من شأنه عاليا واليهم ترجع في الحقيقة هذه الملاحظة الصائبة القائلة باسم الدين : إنما الناس هم الذين يتعلمون والذين يعلمون، وأما من هداهم فمضر، أو لا خير فيه” مشيراً بذلك إلى ما سبق نقله عن رسول الإسلام “المادة ۱۸”.
  • ولذلك ذهب غوستاف لوبون في مكان اخر من كتابه فقال : “أن النشاط الذي أبداه العرب في الدراسة كان مذهبة مدهشة جداً، ولئن ساواهم في ذلك كثير من الشعوب، فلم يكن منهم فيما اظن من سبقهم، وكانوا إذا ما استولوا على مدينة وجهوا عنايتهم في الدرجة الأول إلى تأسيس جامع وإقامة مدرسة.

وقال أيضاً “وعدا مدارس التعليم البسيطة، فان المدن الكبرى مثل بغداد، والقاهرة، وطليطلة، وقرطبة، الخ، كان فيها جامعات علمية مجهزة بالمخابرة والمراصد، والمكتبات الفنية، وبكلمة واحدة كانت هذه الجامعات مجهزة بكل المواد الضرورية للبحوث العلمية، وكان في اسبانيا وحدها سبعون مكتبة عامة، وكانت مكتبة الخليفة الحكم الثاني في قرطبة تحتوي كما ذكره المؤلفون العرب على ستمائة ألف مجلد، كان منها أربعة وأربعون مجلد للفهرس فقط، وقد لوحظ بحق أن شارل الحكيم لم يستطع بعد أربعمائة سنة من هذا التاريخ ان يجمع في مكتبة فرنسا الملكية أكثر من تسعمائة مجلد، وكاد أن يكون ثلثها فقط خارجة عن علم الكهنوت.

  • وقال لوبون أيضاً في مكان آخر من كتابه : ” لقد بلغ شغف العرب بالتعليم مبلغا عظيمة جدا، حتى أن خلفاء بغداد كانوا يستعملون كل الوسائل لجذب العلماء وأشهر الفنيين في العالم إلى قصورهم، وان احد هؤلاء الخلفاء بلغ الأمر منه حد اعلان الحرب على قيصر القسطنطينية، وذلك ليجبره على السماح لأحد الرياضيين المشهورين بالمجيء إلى بغداد والتعليم فيها”.

 

  • استعراض ومقارنة :
  • وعلى ضوء ما سبق من نصوص الإسلام وتطبيقاته حول الحقوق الثقافية في الإسلام، بقي علينا الان إتماما للبحث استعراض خصائص هذه الحقوق في الإسلام، ومقارنتها مع نصوص المواثيق الدولية الصادرة الحماية حقوق الإنسان، وخاصة منها :

أ- الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة في ۰ ۱ ديسمبر ۱۹4۸.

ب– الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة أيضاً عن الهيئة العامة للامم المتحدة في 16 ديسمبر ۱۹66م.

ج- اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الاساسية الصادرة عن حكومات المجلس الأوروبي بروما بتاريخ 4 نوفمبر ۱۹5۰م، ثم البروتوكول رقم (1) المضاف إلى هذه الاتفاقية والموقع في باريس بتاريخ ۲ إذار ۱۹5۳م.

د- تصريح عن حقوق الطفل الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة في ۲۰ نوفمبر ۱۹5۹م.

  • في المواثيق الدولية :
  • وها نحن ننقل اليكم نصوص هذه الاتفاقيات الدولية الخاصة والحقوق الثقافية للإنسان وهي كما يلي :

أولاً : ما جاء في الفقرة الأول من المادة – ۲۹ – فن الميثاق الدولي لحقوق الإنسان ونصها :

“كل شخص له حق في التربية”.

ثانياً : ما جاء في الفقرة الثالثة من هذه المادة ونصهار : أن الآباء لهم الحق في المقام الأول باختيار نوع التربية لأولادهم.

ثالثاً : ما جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة أيضاً ونصها : أن التربية يجب ان تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان، وإلى دعم الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

رابعاً : ما جاء في الفقرة الأول من المادة ۱۳ من الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونصها، أن الدول المشحركة في هذه الاتفاقية تعترف بحق كل إنسان بالتربية، وتتفق على أن التربية يجب أن تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان والشعور بكرامته، وإلى دعم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما تتفق أيضاً على أن التربية يجب ان تجعل كل إنسان أهلا للقيام بدور نافع في مجتمع حر.

خامساً : ما جاء في الفقرة ۳ من المادة السابقة، ونصها إن الحكومات المشحركة في هذه الاتفاقية تتعهد بأن تحترم حرية الآباء والأوصياء الشرعين في الاختيار لأولادهم مدارس من غير المدارس الحكومية، وفي ضمان التربية الدينية والأدبية لأولادهم وفقا لعقائدهم الخاصة.

سادساً : ما جاء في المادة ۲ من البروتوكول رقم 1 المضاف إلى اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الصادرة عن حكومات المجلس الأوروبي، ونصها :

لا يجوز أن يرفض حق أحد في التعليم، وان الدولة ستحترم في ميدان التربية والتعليم حق الآباء في ضمان التربية والتعليم وفقا لعقائدهم الدينية والفلسفية.

سابعاً : وأخيرآ ما جاء في الفقرة الثانية من المبدأ السابع من تصريح حقوق الطفل، ونصها : أن المصلحة العليا للطفل هي المرشد لأولئك الذين يحملون مسؤولية تربيته وتوجيهه وان هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأول على أهله.

  • ويمكن تلخيص هذه النصوص جميعا في الكلمات أو الخصائص التالية :

أ- أن لكل إنسان الحق في التعليم ولا يجوز أن يرفض له هذا الحق.

ب – أن للآباء في المقام الأول الحق في اختيار التربية الدينية لأولادهم حسب عقائدهم.

ج – ان التربية تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان وللشعور بكرامته، وإلى دعم الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

د- إن المصلحة العليا للطفل هي وحدها التي ترشد أولئك المسؤولين عن تربية الطفل وتوجيهه.

  • ملاحظـات :
  • ونلاحظ على هذه الخصائص للحقوق الثقافية الدولية :
  • انها حق خاص، وليست فريضة عامة.
  • كما نلاحظ على هذا الحق الخاص التعبير عنه في البروتوكول الأول لاتفاقية المجلس الأوروبي بصيغة سلبية لا بصيغة إيجابية حيث قال ولا يجوز أن يرفض حق أحد في التعليم.
  • وتبعاً لذلك نلاحظ أيضاً أنه من المتفق عليه في مبادئ الحقوق العالمية أن لكل إنسان ذي حق أن يتنازل عن حقه الخاص، ونتيجة لذلك فإن تنازله عن حقه الخاص لا يشكل جرماً، لأنه لا يمس غير شخصه.

وفي ذلك كله أضعاف لهذا الحق في التعليم الذي هو ضرورة أساسية لحياة الإنسان، وهبوط به إلى مستوى الوصايا من غير أي ضامن يضمن التنفيذ لهذه الوصايا، وخاصة إذا لاحظنا الهدف لهذا الحق الثقافي كما نصت عليه المواثيق الدولية، فهو يهدف تبعاً لهذا الحق الخاص إلى أنه تفتح شخصي لشخص الإنسان ولكرامته، من دون أية إشارة إلى أنواع علوم الحياة وشمولها، وضرورتها لحياة الفرد ومجتمعه، وخاصة الإيمان بالحقيقة العلمية الأولى مصدر هذا الوجود، وخالق السموات والأرض ومبدع الإنسان، مع وجوب الخضوع إلى تعاليم الله المتعلقة بالإنسان والحياة، ونحن نجزم بأن فقدان هذا الإيمان بالله كهدف أساسي من أهداف الحقوق الثقافية الدولية لدى الأمم المؤمنة بالله، هو مصدر المخاوف من تقدم وتطور التكنولوجيا الذي أشار إليه تصريح طهران في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في 21 أبريل حتى 13 مايو 68م، والذي جا في فقرته 18 قوله : وغذا كانت الاكتشافات العلمية، وتطورات التكنولوجيا قد فتحت لنا حديثاً الآمال الواسعة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، غير أن هذا التقدم يمكن مع ذلك أن يضع حقوق الفرد وحرياته في خطر.

  • خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام :
  • ولكننا إذا لخصنا النصوص الإسلامية في الحقوق الثقافية نجدها تتميز بالخصائص التالية :

أولاً : أن هذه الحقوق الثقافية في الإسلام قد ورد التعبير عنها بأنها فريضة اجبارية، وبالنتيجة لا يجوز التنازل عنها، وبناء على ذلك فهي ليست مجرد حقوق الإنسان كما أعلنته مواثيق حقوق الإنسان في المنظمات الدولية.

ثانياً : أن هذه الفريضة تقع في آن واحد على عاتق الفرد والجماعة وكلاهما مسؤول عن تنفيذ هذه الفريضة، وهي فريضة حيوية عامة وليست حقوقة خاصية.

ثالثاً : ان هذه الفريضة تتمتع في الإسلام بضمانات جزائية وليست مجرد توصيات أو احكام ادبية لا ضامن لها كما هو الأمر في مواثيق المنظمات الدولية، وبالنتيجة فان للسلطة العامة في الإسلام حق الاجبار على تنفيذ هذه الفريضة، وذلك خلافا لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية التي تعتبرها حقا شخصية لا يمكن الاجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه، ولكن الواجب يلزمنا التنويه في هذا المقام بالتقدم الذي حققته اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الصادرة عن المجلس الأوروبي بروما بتاريخ 4 نوفمبر 1950م، وذلك بأحداث محكمة الحماية حقوق الإنسان لم تنص عليها المواثيق الدولية الأخرى وان كانت احكامها ظلت احكامة أدبية لا تتمتع بوسائل الأرغام على التنفيذ.

رابعاً : ان هذه الحقوق الثقافية في الإسلام تعطى لأولياء الطلاب كامل حريتهم في اختيار نوع الثقافة والتربية التي يختارونها لأولادهم حسب عقائدهم، بل تفرض ذلك على المسلمين، وذلك خلافا للانظمة غير الديمقراطية التي تفرض دوعا خاصة من التربية ضد ارادة الآباء، وكذلك خلافا للانظمة الديمقراطية العلمانية التي تفرض العلمانية وحدها في الثقافة والتربية وفي كلا النظامين مصادرة العقول الأطفال والشباب، واخضاعهم في العقائد إلى فلسفة النظم الحكومية وحدها، وابعادهم عن التوجيه الشرعي المعترف به بالدرجة الأول الآباء والأولياء في مواثيق حقوق الإنسان الدولية، ونرى من الواجب في هذا المقام ان ننوه أيضاً بتقرير لجنة الخبراء الأوروبية التي وضعت النص النهائي الاتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وقد لفت هذا التقرير في ۱۳ مارس ۱۹5۰م، نظر اللجنة الوزارية الأوروبية إلى النظم غير الديمقراطية التي تعمل على اخضاع الأطفال إلى دعايتها العقائدية، وذلك باقصائهم عن التأثير المشروع الابائهم كما نرى أن ننوه بمثل ذلك فيما يتعلق بالعلمانية كما اشارت اليه مجلة حقوق الإنسان الأوروبية، المجلد السادس الصفحة 479 الحاشية 25.

خامساً : ان هذه الفرائض الإسلامية في الحقوق الثقافية تطبق في المملكة العربية السعودية بصورة مجانية للجميع، وفي جميع مراحل التعليم الأولي والثانوي والعالي، ومن غير تمييز ما بين إنسان وإنسان، وقد سبقت المملكة في ذلك معظم دول العالم المتقدم في حضارته اليوم، وذلك لاعتبار الثقافة العامة واجبة دينية عامة.

سادساً : ان المملكة العربية السعودية، عملا بالواجب الديني في نشر العلم، فهي لا تجعله مجانية فقط، بل تكافيء عليه بمنح شهرية مغرية، وخاصة في مراحله العالية، والمهنية، وذلك تشجيعا للدراسات العليا في مختلف العلوم والاختصاصات.

سابعاً : وأخيراً فهنالك الميزة الأساسية لهذه الفريضة الثقافية في الإسلام وهي انها تفتح امام الإنسان جميع آفاق السماء والأرض للبحث والعلم بمختلف علوم الحياة وأنواع التكنولوجيا من غير تحديد ولا خوف من أخطار تقدمها كما تخوفت منها الأمم المتحدة في تصريح طهران، وذلك من اجل الاعتراف والاقرار علمية بخالق الكون ومبدع الإنسان، وهذا ما يجنب علوم التكنولوجيا في تقدمها من أن تكون مادية نفعية فقط، لتكون أداة حقيقية في تغذية الروح إلى جانب مصالح الجسد، وذلك بتقريب الإنسان من خالقه وبدعوته للعمل بوصاياه واحكامه كي يجمع الإنسان ما بين مقاصد العلم الروحية العليا، إلى جانب حظوظه الجسدية في الدنيا، وينقذ بذلك نفسه من الضياع ومن اوحال الحيوانية والمادة.

  • خلاصة وختام :
  • وفي ختام هذا البحث عن الحقوق الثقافية في الإسلام، ومقارنة خصائصها بخصائص الحقوق الثقافية في المواثيق الدولية اراني مضطرة إلى لفت نظر اعضاء الندوة المحترمين إلى أن ما اوضحته حول الحقوق الثقافية في الإسلام وخصائصها القائمة على الالزام بفريضة العلم وعلى شمول هذا الحلم الجميع علوم الحياة وتكنولوجياتها لم يكن الغرض منه أن نجعل هذه الندوة ميدان مفاضلة ما بين الإسلام وغير الإسلام، ولكن الغرض هو أن نعمل جميعا على رفع مستوى موضوع هذه الندوة في الحقوق الثقافية، وان يضع كل منا ما عنده من تعاليم في ذلك، وان نبحث الموضوع متجر دين إلا من الهدف الذي نسعى اليه، وهو كرامة الإنسان وواجباته العلمية في تعاليمنا الالهية، خاصة وقد قامت هذه الندوة في عاصمة الفاتيكان وبدعوة منها، وضمت مسؤولين من العلماء في الدينين فيها، ومن أولى من رجال الأديان السماوية في هذه الأيام باسماع العالم صوت السماء، وبالتعاون مع الأسرة جميعها لحماية كرامة الإنسان والحماية حقه في العيش بأمن وسلام، وحقه في العدل والمساواة من غير تمييز ما بين إنسان وإنسان، لا في الأعراق ولا في الأديان.
  • وإذا كنا شرحنا خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام بهدف تفتيح شخصية الإنسان والشعور بكرامته على أساس من العدل والمساواة في حق الحياة، وانها تبدأ بالايمان بالله وبالاخذ بتعاليمه كأساس للحياة الكريمة، وانها تشمل العلم بمختلف أنواع علوم الحياة وتكنولوجياتها اللازمة لحياة الإنسان ولعمارة الأرض، وان خاصتها الأول في الإسلام انها فريضة عامة تجعل السلطة الحاكمة حق الاجبار عليها وليست حقا شخصياً لا مجال للاجبار عليه إذا تركه صاحبه، وان الثقافة في المملكة العربية السعودية مجانية في مختلف درجاتها : الابتدائية والثانوية والعالية، بل هي مكافأ عليها غالبا وخاصة في جميع اقسامها العالية.

نقول اننا إذا شرحنا خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام، وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية كما قد رأيتموها الان، فذلك لنعلم مقدار حظ حقوق الإنسان الثقافية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية العاملة في ذلك بشريحة القرآن، ثم مقدار خسارة الإنسان فيها لو وقفت المملكة في الحقوق الثقافية عند حدود المواثيق الدولية التي ترد تلك الحقوق إلى وصايا لا ضامن لها في حقوق الإنسان.

  • وأخيرآ نعلن بأننا بشرحنا لخصائص الحقوق الثقافية في الإسلام لا فريد اضعاف المواثيق الدولية في حقوق الإنسان وانما نأمل أن نعمل جميعنا على تدارك ما فيها من ضعف، مع تقديرنا للروح التي قامت عليها هذه المواثيق، وتقديرنا للرجال والحكومات التي ساهمت فيها، وخاصة حكومات المجلس الأوروبي في تدارك بعض النقائص الاساسية في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، وذلك حين اقدمت هذه الحكومات في اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية على أحداث محكمة دولية لحماية هذه الحقوق لم يشر اليها الميثاق الدولي لحقوق الإنسان.

واننا لنرجو بعد ذلك من قادة الفكر في هذه الحقوق، أن يقدروا على ضوء ما شرحناه عنها في الإسلام، ما قد قامت عليه الحقوق الثقافية فيه من ابعاد روحية ومادية طبقا لشريعة القرآن، وحماية لحقوق الإنسان ولكرامته في مختلف الأوطان والأعراق والأديان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر