أبحاث

منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس

العدد 57

الوضع الحالي لعلم النفس في البلاد الإسلامية:

إن علم النفس، وجميع العلوم الإنسانية الأخرى، التي تدرس في جامعات البلاد الإسلامية، هي علوم غربية في فلسفتها ووجهتها، أسس نظرياتها علماء غربيون غير مسلمين على أساس نتائج بحوث ودراسات أجريت في مجتمعات غربية غير مسلمة، لها أساليبها الخاصة في الحياة والتفكير، ولها فلسفتها الخاصة في طبيعة الحياة، وفي طبيعة الإنسان ورسالته في الحياة وغايته منها، ولها معاييرها الخاصة في دور الدين في حياة الإنسان.

ولا شك في أن لهذه العوامل تأثيراً كبيراً في توجيه الدراسات النفسية التي تجرى في هذه المجتمعات، في الأغلب، إلى دراسة موضوعات تتفق مع ما لديها من تصور عن طبيعة الإنسان، ورسالته في الحياة، وغايته منها، وما هو سائد فيها مع ثقافة ومعايير وقيم، ولنذكر بعض الأمثلة القليلة لتوضيح هذه الفكرة1. إن اهتمام سيجمند فرويد، مثلاً، بالغريزة الجنسية في دراسة الأمراض النفسية، إنما يرجع في الأغلب، إلى ثقافة العصر الذي عاش فيه، والتي كانت تنظر إلى الجنس نظرة استفدار، وترى أنه يجدر بالإنسان الفاضل أن يقاوم رغباته الجنسية وأن يكبتها. وكان لذلك أثره في توجيه اهتمام فرويد بالجنس بطريقة مبالغ فيها إلى درجة كبيرة بحيث فسر المرض النفسي على أنه ناشئ عن كبت الدافع الجنسي وقام فرويد بوضع نظرية في الشخصية كان للنمو الجنسي دور أساسي وهام فيها. ومن الملاحظ أيضاً أن تمجيد الثقافة الأمريكية المعاصرة للإنجاز في العمل، وتقويمها العظيم للتنافس والتفوق والنجاح قد أدى إلى ظهور كثير من الدراسات في المجتمع الأمريكي حول الدافع إلى الإنجاز، ومستوى الطموح، والتنافس، ويلاحظ أيضاً أن علماء النفس المحدثين في المجتمعات الغربية، تمشياً مع الاتجاه المادي الذي يغلب على فلسفتهم في الحياة، يهملون أثر الدين والإيمان والنواحي الروحية في الصحة النفسية، ويركزون اهتمامهم في دراسة مؤشرات الصحة النفسية على الكفاءة والفعالية في كثير من أمور الحياة الواقعية اليومية مثل قدرة الفرد على الاستمتاع بعلاقاته الاجتماعية، وقدرته على إشباع حاجاته المادية والدنيوية، ونجاحه في عمله وفي حياته الزوجية وهم يغفلون ما للدين والإيمان بالله تعالى من أهمية في الصحة النفسية للإنسان، وفي التخلص مما يعانيه الإنسان المعاصر في الغرب من ضياع وقلق، مما أدى إلى انتشار الجريمة، والانتحار، وإدمان المخدرات، والإصابة بالأمراض النفسية والعقلية.

إن ثقافة المجتمع وقيمه، وفلسفته في الحياة، وتصوره للإنسان وللكون، ولرسالة الإنسان في الحياة وغايته منها، لا تئثر فقط في توجيه الدراسات النفسية إلى اختيار موضوعات البحث، وإنما تؤثر أيضاً في تفسيره لنتائج هذه الدراسات.

فالنزعة المادية التي تسيطر على الفكر الغربي تظهر بوضوح في تفسير علماء النفس للظواهر السلوكية والنفسية تفسيراً مادياً بحتاً، بل إن كثيراً من علماء النفس الغربيين يجعلون من دراسة سلوك الحيوان مدخلاً لفهم سلوك الإنسان، مغفلين ما يتميز به الإنسان على الحيوان من قوى روحية تؤثر تأثيراً كبيراً على نواح كثيرة من شخصيته وسلوكه، بحيث يصبح من غير المنطقي أن نفسر سلوك الإنسان على أساس نفس المبادئ المادية التي نفسر بها سلوك الحيوان. وقد قام بعض علماء النفس المحدثين في السنوات الأخيرة، من المنتمين إلى مدرسة علم النفس الإنساني، بنقد هذا المنهج التقليدي في علم النفس ونادوا بضرورة دراسة السلوك الإنساني مباشرة دون الحاجة إلى الاستعانة في ذلك بدراسة سلوك الحيوان. وقد نادى بعضهم أيضاً مثل إبراهام ماسلو، بضرورة الاهتمام بالنواحي الروحية في دراسة سلوك الإنسان.

إن علم النفس، والعلوم الإنسانية الأخرى، التي تدرس في جامعات البلاد الإسلامية، لم تخضع للتحليل النقدي لمعرفة مدى اتفاق مفاهيمها ونظرياتها مع المبادئ الإسلامية. فقد نقلت مقررات هذه العلوم من الجامعات الغربية دون أدنى تمحيص أو تحليل لما تضمنه من مسلمات وفروض ومفاهيم وقيم، ودون أدنى تفكير في مدى اتفاقها مع مبادئنا وقيمنا الإسلامية. ويرجع ذلك إلى أن علماءنا الذين تخصصوا في هذه العلوم هم، في الأغلب، علماء درسوا في الجامعات الغربية، وتتلمذوا على علماء غربيين. وهم، في الأغلب أيضاً، يجهلون تراثهم الإسلامي، أو على الأقل، على غير إلمام دقيق به. ولذلك فهم، في غالبيتهم العظمى، عاجزون عن التحليل النقدي لنظريات هذه العلوم، ولما تتضمنه من مسلمات وفروض على أساس مبادئ الإسلام، لمعرفة مدى اتفاقها أو عدم اتفاقها معها، وحتى إذا فطن بعض هؤلاء العلماء، أحياناً، إلى بعض نظريات هذه العلوم التي لا تتفق مع المبادئ الإسلامية، فإنهم يجدون أنفسهم عاجزين عن تقديم نظريات أخرى بديلة تتفق مع المبادئ الإسلامية، أو على الأقل، لا تتعارض معها، وذلك بسبب جهلهم بمبادئ الإسلام، وبالتراث العلمي الإسلامي، من جهة، وبسبب عدم وجود دراسات حديثة مماثلة أجريت في المجتمعات الإسلامية على أساس مسلمات وفروض مستمدة من المبادئ الإسلامية، أو على الأقل لا تتعارض معها، من جهة أخرى

إن هذا الوضع المؤسف لعلم النفس، ولجميع العلوم الإنسانية الأخرى، في جامعاتنا الإسلامية، يرجع إلى عديد من العوامل التاريخية، والسياسية، والاجتماعية. ولعل من أهم هذه العوامل نظام ثنائية التعليم وتشعيبه إلى شعبتين: شعبة علمانية (أو حديثة)، وشعبة إسلامية (أو تقليدية). وقد أدى هذا النظام التعليمي إلى إبعاد كثير من شباب الأمة الإسلامية عن الدراسة الدقيقة للإسلام، والتشبع بروح العقيدة الإسلامية، كما أدى أيضاً إلى إبعاد قطاع آخر كبير من شباب الأمة الإسلامية الذين يتلقون العلم في المعاهد والجامعات الإسلامية عن الدراسة الدقيقة الحديثة.

إن هذا التشعيب الثنائي للتعليم لم يكن معروفاً في البلاد الإسلامية من قبل. ففي عصور ازدهار الثقافة، وتقدم المعارف والعلوم الإسلامية، لم يكن هناك فصل بين الدين والعلم. فقد كان نظام التعليم في البلاد الإسلامية يقضى بالبدء في تعليم الطفل الدين، ثم التدرج معه في تعليم العلوم الأخرى والمهن والحرف والصناعات. ولم يكن هناك فصل بين علوم الدين والعلوم الأخرى. ولذلك، نجد أن العلماء العظام من السلف الصالح كانوا متبحرين في العلوم الدينية بالإضافة إلى العلوم الأخرى كالطب والكيمياء والرياضيات والفلك…..الخ2.

إن تشعيب التعليم إلى شعبة علمانية وشعبة دينية، هو في أساسه نظام غربي، نشأ نتيجة عوامل تاريخية خاصة مرت بالبلاد الأوروبية المسيحية خلال القرون الوسطى، عانت فيها كثيراً من سيطرة نفوذ الكنيسة ومعاداتها للإبداع الفكري والعلمي، واضطهادها للمفكرين والعلماء مما أدى إلى رد فعل مضاد، ظهر بوضوح أثناء عصر النهضة الأوروبية الحديثة، حيث اندفع العلماء إلى التحرر من سلطة الدين الذي تمثله الكنيسة، وإلى الإيمان المطلق بسلطة العقل وحده، وإلى التمسك بحريته المطلقة في التفكير والبحث.

لقد قطع العلماء في البلاد الأوروبية علاقتهم بالدين، وأطلقوا العنان لعقولهم في البحث عن الحقيقة، مؤمنين بأن العقل وحده، عن طريق البحث العلمي المنظم، هو السبيل الوحيد لتحصيل المعرفة، وللوصول إلى الحقيقة. وقد أدى هذا الاتجاه إلى جعل التعليم في المدارس والجامعات علمانياً بحتاً، وإلى انحسار التعليم الديني في بعض المدارس والجامعات الدينية فقط.

ولما قامت الدول الأوروبية بغزو البلاد الإسلامية واستعمارها، في فترة ضعف هذه البلاد وتخلفها، عملت على تفكيك وحدة هذه البلاد للقضاء على ما بقى في هذه البلاد من قوة، فقامت بتقسيمها إلى دويلات، وعملت أيضاً على إضعاف روح الإسلام في هذه البلاد الذي يعتبر المنبع الأساسي الذي يبث فيها القوة والحيوية والعزة، وذلك بإدخال نظام التعليم الثنائي فيها. فقد قامت بتشعيب التعليم فيها إلى تعليم علماني (أو حديث)، وتعليم ديني. وقد انحصر التعليم الديني في المعاهد والجامعات الدينية فقط، أما بقية المدارس والجامعات الأخرى، فقد وضع لها نظام التعليم العلماني المقتبس من الغرب، وقد نجح الاستعمار في ذلك إلى حد كبير. فإن نظام التعليم الحالي في بلادنا أدى إلى إبعاد الغالبية العظمى من شبابنا عن الإسلام، فهم لا يتلقون في المدارس والجامعات إلا النذر اليسير من التعليم الديني الذي لا يعطي للطالب المسلم المعلومات الكافية لكي يكون على معرفة صحيحة بالإسلام.

وفي نفس الوقت يجهل فيه الطالب في مدارسنا مبادئ وقيم الإسلام، ينهال عليه كثير من المبادئ والمفاهيم والقيم الواردة من الغرب، سواء عن طريق المناهج الدراسية، أو وسائل الإعلام المختلفة، أو عن طريق التعرض في حياته اليومية لوسائل التكنولوجيا الغربية المختلفة في جميع مرافق الحياة. وقد أدى ذلك إلى وقوع كثير من شبابنا في حيرة وبلبلة بين ما يتلقاه في البيت والمدرسة من المبادئ والقيم الإسلامية، رغم قلتها، وبين المبادئ والقيم الواردة اليه من الغرب. ولما كان الطالب المسلم العادي لم يتلق من التعليم الديني قدراً كافياً، فهو ليس في وضع يمكنه من مواجهة تيار المبادئ والأفكار والنظريات المغرضة والمنافية لروح الإسلام، مما يوقعه في حيرة وبلبلة، وقد يؤدي به ذلك إلى فقدانه لهويته الإسلامية، فينجرف في تيار تقليد الغرب في عاداتهم وقيمهم3. وقد سبق أن تناول المؤلف في موضع آخر4 في شئ من التفصيل ما يتعرض له الشباب في البلاد العربية من صراع حضاري بسبب ما يجدونه من تعارض بين أساليب الحياة والتفكير والقيم السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية، من جهة، وكثير مما يرد إليهم من الغرب من أساليب الحياة والتفكير والقيم السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية، من جهة، وكثير مما يرد إليهم من الغرب من أساليب الحياة والتفكير والقيم الجديدة التي أفرزتها الحياة الثقافية الحديثة للمجتمعات الصناعية في الغرب من جهة أخرى.

إن الوضع الحالي المؤسف لتدريس علم النفس والعلوم الإنسانية في البلاد الإسلامية قد دفع مجموعة من أساتذة الجامعات والعلماء والمفكرين المسلمين من مختلف البلاد العربية والإسلامية إلى التفكير في إيجاد حل لهذه المشكلة، فقاموا بعقد المؤتمرات والندوات العلمية لبحث هذه المشكلة، بهدف التعرف على أسبابها، واقتراح الحلول لها. أذكر هنا بالتقدير العظيم المجهودات الكبيرة التي يقوم بها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في سبيل الدعوة إلى إسلامية المعرفة، وما يعقده من مؤتمرات وندوات عالمية وما يشرف عليه من بحوث في هذا الصدد. كما أذكر أيضاً بالتقدير العظيم اهتمام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بالتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، فقد دعت إلى عقد ندوة لهذا الغرض في عام 1407 هـ، دعت إليها جميع أساتذة العلوم الاجتماعية العاملين بها لتدارس هذا الموضوع، واقتراح الخطط الكفيلة بتحقيقه. وكونت لجنة دائمة بمركز البحوث بالجامعة يتولى بحث، وتخطيط، وتنفيذ عملية التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية.

ومما يجدر التنويه إليه في هذا الصدد أيضاً المجهودات القيمة التي قامت بها بعض الهيئات العلمية، وبعض الأفراد في التأصيل الإسلامي لعلم النفس. فقد قامت جامعة الرياض (الملك سعود الآن) في عام 1978م بعقد ندوة عن ((الإسلام وعلم النفس)) قدمت فيها بحوث تدور حول العلاقة بين الإسلام وعلم النفس، وإسهام العلماء والمفكرين المسلمين في التطور التاريخي لعلم النفس. واهتمت أيضاً المنظمة العالمية للطب الإسلامي بالكويت بعقد المؤتمرات حول الطب الإسلامي، وكان من بين الموضوعات التي اهتمت بها والتي تناولتها البحوث إسهام الأطباء وعلماء النفس المسلمين بالصحة النفسية والعلاج النفسي.

أما فيما يتعلق بالمجهودات الفردية فقد قام لفيف من المفكرين وأساتذة الجامعات والكتاب بنشر الكتب والمقالات حول المفاهيم النفسية في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وإسهام العلماء والمفكرين المسلمين في تقدم المعرفة العلمية في مجال علم النفس. ولا شك في أن جميع هذه المجهودات سوف تكوّن لنا بالتدريج حصيلة من المعلومات الهامة التي سوف تساعد في المستقبل على تسهيل عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس.

التأصيل الإسلامي لعلم النفس

إن الوضع الحالي المؤسف لتدريس علم النفس في جامعاتنا الإسلامية، وهو ما شرحناه بالتفصيل فيما سبق، يدعونا إلى ضرورة الاهتمام بتأصيله إسلامياً. ونقصد بالتأصيل الإسلامي لعلم النفس، إقامة هذا العلم على أساس التصور الإسلامي للإنسان، وعلى أساس مبادئ الإسلام وحقائق الشريعة الإسلامية، بحيث تصبح موضوعات هذا العلم وما يتضمنه من مفاهيم ونظريات متفقة مع مبادئ الإسلام، أو على الأقل، غير متعارضة معها.

ومن الضروري للقيام بالتأصيل الإسلامي لعلم النفس من إعادة النظر في مقررات علم النفس التي تدرس الآن في جامعاتنا الإسلامية، وإخضاعها للتحليل النقدي الدقيق لمعرفة مدى اتفاق واختلاف موضوعاتها، ومفاهيمها، ونظرياتها مع مبادئ الإسلام. فما كان منها مخالفاً أو معارضاً لمبادئ الإسلام، وجب تعديله وتغييره، أو حذفه. وما كان منها موافقاً لمبادئ الإسلام، أو غير متعارض معها، أبقينا عليه.

ومن الضروري أيضاً أن نوجه البحوث الجديدة في علم النفس التي تجرى في مجتمعاتنا الإسلامية وجهة إسلامية، من حيث اختيار موضوعاتها داخل إطار التصور الإسلامي للإنسان، وداخل إطار التصور الإسلامي للدور الوظيفي للعلم في حياة الفرد والمجتمع. إن وظيفة العلم في وجهة النظر الإسلامية، هي الكشف عن آيات الله تعالى وسسنه في الكون، وفي الإنسان، وفي جميع مخلوقات الله تعالى من أجل معرفة عظمة قدرة الله عز وجل في بديع خلقه، مما يثبت في قلوبنا الإيمان الصادق بألوهيته وربوبيته5، ومن أجل الاستعانة بهذه المعرفة في عمارة الأرض التي استخلفنا الله تعالى فيها، والعمل على الرقي بالإنسان وبالمجتمع الإنساني إلى أعلى مراتب الحضارة الإنسانية، مما يكفل له الحياة الآمنة المطمئنة، وتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.

أهداف علم النفس من وجهة نظر إسلامية:

وبناء على ما تقدم، فإن أهداف علم النفس من وجهة نظر إسلامية هي الكشف عن آيات الله تعالى وسننه في الإنسان، أي الكشف عن المبادئ والقوانين التي تنظم سلوك الإنسان في الحياة وفق مشيئة الله تعالى، ومعرفة المنهج الأمثل لحياته، وفق هذه السنن الإلهية، مما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، ومعرفة أسباب انحراف الإنسان عن الحياة المثلى السوية، مما يسبب له القلق، والشقاء والمرض النفسي. وسوف تجعلنا هذه المعرفة أقدر على فهم الإنسان، وأكثر فعالية في إرشاده، وتوجيهه، وتعديل سلوكه، وتنظيم حياته.

خطوات منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس:

لقد تشعب علم النفس الحديث إلى تخصصات كثيرة، وكثرت البحوث في كل هذه التخصصات إلى درجة هائلة بحيث أصبح من المستحيل على شخص واحد، مهما أوتي من مقدرة علمية، أن يحيط إحاطة كاملة بكل الموضوعات في جميع هذه التخصصات المختلفة، ولذلك، فإنه من الضروري أن يتعاون فريق من علماء النفس من جميع تخصصات علم النفس المختلفة في عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس.

ومن الضروري أيضاً أن يتعاون مع علماء النفس في هذه المهمة فريق من علماء الشريعة وأصول الفقه، لتسهيل عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس، وذلك بإلقاء الضوء على ما يوجد في الأصول الإسلامية من موضوعات تتعلق بالموضوعات التي يبحثها علماء النفس، مما يمكن من المقارنة بين طرق تناول هذه الموضوعات في كل من الأصول الإسلامية وعلم النفس. ومثل هذه المعرفة، لا شك، خطوة هامة ورئيسية في عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس، إذ على ضوئها يمكن تحليل موضوعات علم النفس الحديث لمعرفة مدى اتفاقها مع مبادئ الإسلام، أو ما هو غير متعارض معها، يقبل ويبقى عليه، وما هو متعارض مع مبادئ الإسلام، يعدل أو يرفض.

ومن الضروري أن يعمل فريق علماء النفس، وعلماء الشريعة وأصول الفقه وفق خطة معينة، توضع خطواتها بدقة، بحيث تؤدي في النهاية إلى الغاية المرجوة.

وفيما يلي تصور لخطة التأصيل الإسلامي لعلم النفس.

أولاً: المسلمات:

إن الخطوة الأولى في عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس هي الاتفاق على المسلمات التي تعتبر الأصول التي نهتدي بها في تحليلنا النقدي لموضوعات علم النفس الحديث لمعرفة ما يمكن قبوله منها، وما لا يمكن قبوله، والتي على أساسها أيضاً نقيم بحوثنا الجديدة في علم النفس التي يجب أن يراعى فيها أن تكون متفقة مع مبادئ الإسلام، ومع التصور الإسلامي الصحيح للإنسان. وأهم هذه المسلمات:

1.     الإيمان بالله تعالى:

إن الإيمان بالله تعالى هو الأصل الأول، والقاعدة الأساسية التي يعتمد عليها كل نشاط إنساني، ويصدر عنها كل عمل، ويتجه إليها كل تفكير.

والإيمان باله تعالى أمر فطري في الإنسان، فهو يشعر في أعماق نفسه بدافع يدفعه إلى البحث والتفكير لمعرفة خالقه وخالق الكون، وإلى عبادته والتوسل إليه، والالتجاء إليه، والاستعانة به عندما تحيط به الأخطار. وهو يجد في حمايته ورعايته الأمن والطمأنينة6

وقد أشار القرآن الكريم إلى الأساس النظري للإيمان بالله في قوله تعالى:

((فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون))7.

وتبين هذه الآية الكريمة أن في فطرة الإنسان استعداداً فطرياً لإدراك بديع مخلوقات الله تعالى، والاستدلال منها على وجوده والإيمان به، وتوحيده8.

ويتضح أيضاً وجود أساس فطري في الإنسان لمعرفة الله تعالى، والإيمان به، وتوحيده، وعبادته من قوله تعالى:

((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين9)).

فالاعتراف بربوبية الله تعالى، وتوحيده، وعبادته عقيدة متأصلة في فطرة الإنسان، وموجودة منذ الأزل في أعماق روحه.

وأشار الحديث النبوي أيضاً إلى أن للإيمان بالله تعالى أساساً فطرياً في طبيعة الإنسان. قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

((ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تُحسُّون فيها من جدعاء))10.

وقال عليه اصلاة والسلام أيضاً في حديث آخر:

((كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصرانها))11.

ويدل هذان الحديثان الشريفان على أن في الإنسان استعداداً فطرياً للإيمان بالله تعالى وتوحيده، غير أن هذا الاستعداد الفطري يحتاج إلى ما يظهره وينميه من تعليم وتوجيه وإرشاد من البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد12.

ولقد أرسل الله تعالى رسله وأنبيائه إلى الناس لهدايتهم إلى الإيمان بألوهيته وربوبيته. والمسلم يؤمن بالله تعالى لأنه ((عز وجل)) أخبرنا، في القرآن الكريم المنزل على نبيه خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، بألوهيته وربوبيته. قال الله تعالى في تعظيم ألوهيته وربوبيته، وذكر أسمائه الحسنى، وصفاته العليا:

((هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن العزيز الجبار المتكبر. سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم))13.

وقال الله تعالى أيضاً:

((إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام، ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثا، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين))14.

2.     الإيمان بالملائكة وبكتب الله تعالى ورسله واليوم الآخر:

لقد امرنا الله تعالى بالإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. قال الله تعالى:

((يا أيها الذين آمنوا أمِنوا بالله ورسوله والكتاب الدي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا))15.

وقد وكل الله تعالى الملائكة بوظائف تتعلق بالإنسان. فمنهم من يحفظونه ويدفعون عنه الأذى، وبخاصة أذى الجان والشياطين. قال الله تعالى:

((له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله))16. ومنهم من يراقبونه، ويكتبون أعماله. قال الله تعالى: ((إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))17.

وأخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بذلك أيضاً في قوله:

((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.. الحديث))18.

وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:

((إذا كان يوم الجمعة، كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم، الأول فالأول. فإذا خرج الإمام طووا الصحف، واستمعوا الخطبة.. الحديث))19.

وهم أيضاً رسل الله تعالى إلى الناس يلهمونهم ويوعذون إليهم بفعل الخير قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

((إن للشيطان لمّة بابن آدم، وللملك لمة. فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاذ بالخير وتصديق بالحق… الحديث))20.

ووكل إليهم أيضاً نفخ الروح في الجنين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسَل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد… الحديث))21.

ووكل إليهم أيضاً قبض أرواح الناس. قال تعالى: ((قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم..))22.

وأمرنا الله تعالى أيضاً بالإيمان بكتبه التي أنزلها سبحانه وتعالى إلى الإنسان لتعليمه وهدايته وإرشاده إلى المنهج الأمثل للحياة. والقرآن الكريم هو آخر هذه الكتب، وأعظمها، والمهيمن عليها، والناسخ لجميع شرائعها وأحكامها. وهو الكتاب الشامل للتشريع الرباني الكامل لتنظيم حياة الإنسان بما يكفل له السعادة في الدنيا والآخرة.

وأمرنا الله تعالى أيضاً بالإيمان برسله الذين أرسلهم من فترة إلى أخرى إلى الناس لتبليغ كتبه وأوامره وتعاليمه إليهم، ولتوضيحها لهم، وليكونوا قدوة لهم، ونموذجاً يقتدون به. والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل وخاتم الأنبياء ورسالته هي أكمل الرسالات وأشملها، جاءت للناس كافة، وتضمنت كل ما فيه خير الإنسان وصلاحه في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:

((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبه رضوانه سُبُل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم))23.

((يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين))24.

((فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى))25.

ويؤمن المسلم أيضاً باليوم الآخر، وبالبعث والحساب. فالحياة الدنيا ليست إلا دار اختبار وبلاء، وأن الإنسان سوف يحاسب في الآخرة على أعماله فيها، وسوف يجازى عليها، إما بالنعيم الخالد في الجنة، أو بالعذاب الدائم في جهنم.

3.     وحدة الحقيقة:

هناك طريقان يمكن أن يصل بهما الإنسان إلى معرفة الحقيقة، هما العقل والوحي. أما فيما يتعلق بالعقل الإنساني فإن له وسائل معينة محددة لمعرفة الحقيقة، فهو يستعين بالحواس في الملاحظة والإدراك، ويستعين بالذاكرة لحفظ ما اكتسبه من معلومات، لاستعادتها عندما يشاء، ويستعين بالتخيل في تناول معلوماته الحسية في عمليات التجريد والتعميم، والتأليف والتحليل، التي تتضمنها عمليات التفكير والاستدلال العقلي. وعن طريق عمليات التفكير والاستدلال العقلي يمكن للعقل الإنساني أن يصل إلى معرفة بعض الحقائق حول آيات الله تعالى وسننه الكونية. هذا هو طريق منهج البحث العلمي الذي يتبعه العلماء في بحوثهم العلمية.

غير أن الوسائل التي يستخدمها العقل في معرفة الحقيقة ليست معصومة من الخطأ. فقد يقع الخطأ في مرحلة الملاحظة والإدراك، أو في مرحلة التذكر والتخيل، أو في مرحلة التفكير. وفي دراسات علم النفس امثلة كثيرة تبين حدوث الخطأ في كل خطوة من هذه الخطوات التي تتكون منها عملية اكتساب المعرفة العلمية. ولهذا السبب، فإن العلماء، وإدراكاً منهم لمصادر الخطأ هذه في عملية اكتساب المعرفة العلمية، لا يعتبرون النتائج التي يصلون اليها من بحوثهم العلمية صحيحة بصورة يقينية، بل إنهم يقولون إنه من المحتمل أن تكون صحيحة. وقد اصطلحوا على أن يذكروا مستوى درجة احتمال صحة نتائجهم بذكر مقياس إحصائي معين يعرف بمستوى الدلالة الإحصائية. وكلما كانت درجة احتمال صحة نتائجهم أكبر، كانت درجة قربها من الحقيقة أكبر، ودرجة قبول العلماء لها أعظم، ولكنها على أية حال لا تصل أبداً إلى درجة الصحة اليقينية المطلقة، وبخاصة في مجال العلوم الإنسانية.

إن قدرة العقل الإنساني على تحصيل المعرفة، واكتساب العلم محدودة، فهو، من جهة، لا يستطيع أن يحيط علماً بجميع الحقائق العلمية، ولا أن يصل فيما يعلمه منها إلى اليقين المطلق، كما أنه، من جهة أخرى، لا يستطيع أن يعرف الحقائق الغيبية.

((… وما أوتيتم من العلم إلا قليلا))26.

ولذلك، كان الناس في حاجة إلى أن يبعث الله تعالى إليهم الرسل والأنبياء، من فترة إلى أخرى، لتعليمهم وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة.

((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ..))27.

(((كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ..))28.

إن العلم الذي نصل إليه عن طريق العقل، والعلم الذي نصل إليه عن طريق الوحي، يجب أن يكونا متفقين، وغير متعارضين، لأن الحقيقة واحدة، ولأن مصدر العلم من كل هذين الطريقين واحد، هو الله سبحانه وتعالى. لقد زود الله تعالى الإنسان بأدوات المعرفة من الحواس والعقل لكي نعرف بهما الحقيقة، وأمرنا الله تعالى أن نسعى في الأرض، ونلاحظ ما في الكون من المخلوقات وأن نبحث ونفكر فيما نرى، وفي ذلك تكليف واضح من الله تعالى بالبحث العلمي بعامة، وبالبحث التجريبي بخاصة.

إن الله سبحانه وتعالى هو المحرك والموجه والمنظم لكل شئ في هذا الوجود. والعقل الإنساني جزء من هذا الوجود، فهو يعمل وفق مشيئة الله تعالى وقدرته وتوجيهه. فحينما يفكر الإنسان من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة ما، فإن الله عز وجل قادر، إن شاء الله، أن يوجه تفكيره إلى الوصول إلى معرفة هذه الحقيقة، أو أن يكشف له عنها عن طريق الإلهام. وقد سبق أن تناول المؤلف، في شئ من التفصيل، في موضع آخر، العلم اللدني الذي يحصل عليه الإنسان عن طريق الإلهام والرؤيا.29

إن الحقيقة التي يصل إليها العقل الإنساني في أمر ما يجب أن تكون متفقة مع الحقيقة التي يخبرنا بها الوحي عن هذا الأمر. فإذا لم يتفق العقل مع الوحي، فإن سبب ذلك يرجع إلى أحد أمرين: إما إلى خطأ العقل، وإما إلى خطأ في فهمنا للوحي. وفي هذه الحالة يجب علينا أن نعيد البحث في الموضوع، وأن نقوم بتحسين أسلوبنا في التفكير، وأن نحرص على تجنب الخطأ في ملاحظاتنا واستنتاجاتنا، كما يجب أيضاً أن نحسن فهمنا وتفسيرنا لما جاء به الوحي30.

4.     خلق الله تعالى الإنسان من مادة وروح:

أخبرنا القرآن الكريم إن الله تعالى خلق الإنسان من مادة وروح: ((إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين))31.

فالإنسان، إذن، يجمع في طبيعة تكوينه بين صفات الحيوان وصفات الملائكة، بين الحاجات والدوافع الفطرية الغريزية لحياة بدنه وبقاء نوعه، والتي شارك فيها بقية الحيوان، والحاجات والأشواق الروحية التي تدفعه إلى التقرب إلى الله تعالى بالعبادات والطاعات، وتنزع به إلى السمو النفسي مما يقربه من صفوف الملائكة. وبهذه القبسة من روح الله تعالى في طبيعة تكوين الإنسان، فإنه يتميز عن بقية مخلوقات الله تعالى، وأصبح أهلاً لتحمل الرسالة التي كلفه الله تعالى بها، وهي عبادته وحده، والخلافة في الأرض، والعمل على عمارتها، وتحصيل العلوم والمعارف وتسخيرها في عمارة الأرض، والتمسك بالقيم والمثل العليا، والسعي الدائب نحو السمو النفسي.

ومن الواضح أن التسليم بحقيقة خلق الإنسان من مادة وروح تؤدي بنا إلى رفض المفاهيم والنظريات الموجودة في علم النفس التي تعتمد على نظرية التطور لدارون في صورتها الفجة الشائعة، والتي تذهب إلى أن الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان قد تطورت عبر عصور التاريخ القديمة، عن حيوانات أدنى. فالإنسان الأول آدم عليه السلام، قد خلقه الله تعالى منذ البداية على صورته. ولكن هذا لا يعني أننا ننكر مفهوم التطور كحقيقة علمية، وسنة من سنن الله الكونية التي يجب أن ندرسها في صورتها العلمية الحقيقية. فالإنسان، مثلاً، وكذلك الحيوان، يمر تكوينه وهو جنين في بطن أمه في عدة مراحل من التطور حتى يكتمل تكوينه على الهيئة التي أراده الله تعالى له. ويمر الوليد، بعد الميلاد، بعدة مراحل من أطوار النمو حتى يبلغ كمال نموه ونضجه.

قال الله تعالى: ((وقد خلقكم أطوارا))32.

وقد تناول المؤلف في موضع آخر، في شئ من التفصيل، ما جاء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف عن مراحل نمو الجنين، ومراحل نمو الوليد بعد الولادة))33.

ثم إن الإنسان منذ خلق آدم عليه السلام، قد مر بسلسلة طويلة من مراحل التطور الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والحضاري حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تقدم في مختلف فروع العلوم، والآداب، والفنون، والصناعات، ونظم الحكم.

إن التسليم بحقيقة خلق الإنسان من مادة وروح، كما جاء في القرآن الكريم، وما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، تؤدي بنا أيضاً إلى رفض جميع النظريات التي تفسر سلوك الإنسان على أساس مادي ميكانيكي بحت، والتي تغفل تأثير النواحي الروحية في سلوك الإنسان.

ومن الطبيعي أن ينشأ تعارض بعض مطالب وحاجات العنصرين اللذين يتكون منهما الإنسان، المادة والروح، نوع من الصراع النفسي الذي يعاني منه كثيرون من الناس، ويصبح من الضروري على الإنسان أن يعمل على تحقيق قدر معقول من التناسق والتوازن بينهما، إذ أن على ذلك يتوقف تحقيق الشخصية السوية، والصحة النفسية. وهذه الحقيقة تستلزم منا أيضاً إعادة النظر في مفاهيم علماء النفس المحدثين عن الشخصية السوية، والصحة النفسية، ومؤشرات الصحة النفسية.

وقد قام المؤاف بمناقشة هذا الموضوع في شئ من التفصيل في موضع آخر34.

5. الإنسان خيّر بطبيعته:

إن في الإنسان استعداداً فطرياً لتمييز الخير من الشر، والحلال من الحرام، والحق من الباطل، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة بقوله عليه الصلاة والسلام:

((إن الحلال بيّن، والحرام بيّن… الحديث))35.

ويميل الإنسان فطرياً إلى فعل الخير، ويشعر بالارتياح لفعله، كما يميل فطرياً إلى تجنب الشر، ويشعر بعدم الارتياح وعدم الرضا بفعله. وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة بقوله عليه الصلاة والسلام:

((استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك))36.

وقد ذهب بعض علماء النفس المحدثين مثل سيجمند فرويد S. Freud  و لورنز Lorenzإلى أن في الإنسان غريزة للعدوان، وهو رأي لم يوافقهم عليه بعض علماء النفس الآخرين مثل ماسلو Maslowو فروم Frommالذين ذهبوا إلى أن ذلك يعطي فكرة سلبية ومتشائمة عن طبيعة الإنسان، وقاموا، على العكس، بتأكيد النواحي الخيرة والإيجابية في الطبيعة الإنسانية37.

ومن الواضح أن التصور الإسلامي للإنسان لا يقبل رأي فرويد وغيره من علماء النفس الذين يذهبون إلى أن في الإنسان ميلاً فطرياً إلى العدوان والشر، كما أنه لايقبل رأي بعض علماء الاجتماع وعلماء الجريمة مثل سيزار لومبروزو Lombrosoوغيره الذين يذهبون إلى أن بعض الأفراد يولدون مجرمين بالوراثة38.

ويؤيد التصور الإسلامي للإنسان الرأي الذي يذهب إلى أن الإنسان خير بالفطرة. غير أن الإنسان، ومع ذلك، قد يقع تحت تأثير بعض العوامل التربوية والاجتماعية غير الملائمة مما يطمس فيه استعداده الفطري للخير، ويغرس فيه بذور الشر والعدوان، ويدفعه إلى فعل الشر وارتكاب الجريمة.

فكما أن في الإنسان استعداداً فطرياً للخير، ففيه أيضاً استعداداً لتعلم فعل الشر إذا وجد في ظروف تربوية واجتماعية يتعلم منها الأخلاق الرذيلة، وأفعال الشر والرذيلة.

6. الإنسان حر الاختيار والإرادة:

وكما اختص الله تعالى الإنسان بالعقل الذي يميز به بين الخير والشر، والحق والباطل، والحسن والقبيح، كما ذكرنا من قبل، فقد ميزه أيضاً عن سائ المخلوقات بحرية الاختيار والإرادة.

((وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..))39.

((ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها))40.

لقد ذكرنا من قبل إن الإنسان يميل بالفطرة إلى فعل الخير، وتجنب الشر. ونحن إذا سلمنا بذلك، فإن النتيجة المنطقية التي تتبع ذلك، هي أن الإنسان إذا وضع موضع الاختيار بين الخير والشر، فإنه سوف يختار الخير، ويتجنب الشر، وفقاً لميله الفطري. وعندئذ لا يكون هناك، في الواقع، اختيار أصلاً. غير أن الأمر، في الحقيقة، ليس بهذه الصورة البسيطة. فالإنسان، في الواقع، يحيط به كثير من قوى الشر، وعلى رأسها وأهمها الشيطان الذي لا يترك الإنسان وحده أبداً ليعمل وفق فطرته، وإنما هو دائم التدخل لإغرائه لفعل الشر بكل ما لديه من وسائل الإغراء. قال الله تعالى:

((قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. ولا تجد أكثرهم شاكرين))41.

((… إن الشيطان للإنسان عدو مبين))42.

وفي مثل هذه المواقف التي يزين فيها الشيطان للإنسان طريق الشر، تظهر قدرة الإنسان على الاختيار، بين طريق الخير الذي يميل إليه بفطرته، وبين طريق الشر الذي يغريه به الشيطان ويزينه له. ولعل الصراع النفسي الذي يعانيه الإنسان في مثل هذه المواقف، هو نوع من البلاء الذي يبتلي الله تعالى به المؤمنين لاختبار صدق إيمانهم، وقوة ثباتهم على التقوى. ولعل هذه المعاناة في أمثال هذه المواقف من الاختيار هو جزء من الكَبَد الذي يعانيه الإنسان في حياته الدنيا، والذي يشير إليه الله تعالى في قوله عزّ وجل:

((لقد خلقنا الإنسان في كبد))43.

إن من ينجح في أمثال هذه المواقف من الاختيار، بالتغلب على نوازع الإثم والشر التي يثيرها الشيطان فيه، والانصياع إلى وازع الخير في فطرته، فيتجنب الإثم والشر، ويختار الخير والفضيلة والعفة، وما يأمر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه سيفوز برضا الله تعالى في الدنيا والآخرة.

أما من ينقاد إلى فعل ما يزينه له الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس من الإثم والشر، فإنه يجازى بسخط الله تعالى عليه في الدنيا وبعذابه في الآخرة.

((فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى))44.

وتتبع حرية الاختيار، حرية الإرادة، أي حرية اتخاذ الوسائل الكفيلة بالتنفيذ.

فالاختيار هو مجرد تفضيل أحد الأمرين على الآخر. وقد يظل الاختيار مجرد رأي أو رغبة، دون أن ينتقل إلى دائرة التنفيذ في الواقع. ولذلك كان من الضروري أن يكون الإنسان أيضاً ذا إرادة حرة في تنفيذ الاختيار المفضل.

إن حرية الإنسان في الاختيار والإرادة هما أساس مسؤوليته أمام الله تعالى في الآخرة.

7. القرآن والحديث مصدران أساسيان لمعلوماتنا اليقينية عن الإنسان:

إن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف هما المصدران الأساسيان اللذان نستمد منهما معلوماتنا اليقينية عن الإنسان.. فالله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان، هو أعلم بطبيعته، وأسرار تكوينه، وخفايا نفسه، وحقيقة صفاته وأحواله.

((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير))45.

((ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد))46.

لقد نزل القرآن الكريم لهداية الإنسان، ولتعليمه، وتنظيم حياته. إنه كتاب نزل أساساً للإنسان، ويهدف أساساً لإصلاح الإنسان. ولذلك، فإننا نجد فيه وصفاً لأحوال النفس الإنسانية، ولأسباب انحرافها ومرضها وطرق تربيتها وتهذيبها وعلاجها، وكثيراً من الحقائق عن الإنسان، وحياته النفسية. وقد تناول المؤلف من قبل بيان ما جاء في القرآن الكريم من حقائق عن الإنسان وحياته النفسية في كتابه ((القرآن وعلم النفس))47.

ونجد أيضاً في الحديث النبوي كثيراً من الحقائق عن الإنسان وحياته النفسية. وقد تناول المؤلف من قبل ما جاء في الحديث النبوي من معلومات نفسية في كتابه ((الحديث النبوي وعلم النفس))48.

إن الحقائق التي وردت في كل من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف عن الحياة النفسية للإنسان، هي حقائق يقينية، ويجب اعتبارها مسلمات لبحوثنا في علم النفس.

ثانياً: التمكن من علم النفس الحديث:

إن من يتصدى للتأصيل الإسلامي لعلم النفس يجب أن يكون متمكناً من هذا العلم تمكناً تاماً، وعلى معرفة شاملة ودقيقة بموضوعات هذا العلم، وتطوره التاريخي، ومناهجه في البحث وإسهاماته ونتائجه ونظرياته، والمشكلات التي تجرى حولها البحوث في الوقت الحاضر. ولما كان علم النفس الحديث قد تشعب إلى فروع وتخصصات كثيرة، يصعب على عالم واحد أن يتمكن منها جميعاً تمكناً دقيقاً، فقد أصبح من الضروري أن يشترك في التأصيل الإسلامي لعلم النفس فريق من علماء النفس المتخصصين في مجالات التخصص المختلفة من مختلف الجامعات الإسلامية. وسوف تكون هناك صعوبات إدارية، وتنظيمية تتعلق بتنسيق مجهودات هؤلاء العلماء وتوجيهها في فريق بحث موحد المسار من حيث منهجه وأهدافه.

ويبو أن الحل الأمثل لهذه المشكلة هو أن تقوم هيئة علمية معينة، كإحدى الجامعات، أو أحد مراكز البحوث، بمهمة الإشراف على عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس، وتتولى عملية تنظيم الاتصال بعلماء النفس المهتمين بهذا الموضوع في جامعات البلاد الإسلامية، وتقوم بدعوتهم إلى الاشتراك في هذه المهمة، وتقوم بمكافأتهم على ذلك مكافأة مجزية.

ويمكن أن تتكون لجنة واحدة أو عدة لجان مختلفة من علماء النفس، حسب الإمكانات البشرية والمالية المتاحة، بحيث يكون أعضاء كل لجنة من تخصص واحد معين. ويقوم الأعضاء في كل لجنة بوضع خطة مفصلة للتأصيل الإسلامي في فرع تخصصهم.. وتتلخص هذه الخطة في ترتيب موضوعات العلم في فرع تخصصهم حسب أولويتها في عملية التأصيل. ثم يبدأ الأعضاء بعد ذلك في عملية تأصيل الموضوع الأول في هذه الخطة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى تأصيل الموضوع الثاني، ثم الثالث، وهكذا حتى يتم تأصيل جميع موضوعات العلم في فرع تخصصهم.

وتتكون الخطوة الأولى من عملية تأصيل كل موضوع من هذه الموضوعات من كتابة مقال أو تقرير يشمل الصورة النهائية التي وصل إليها العلم في هذا الموضوع، ويبين تطوره التاريخي، والمناهج التي استخدمت فيه، والنتائج التي توصل إليها، والنظريات التي وضعت فيه، والبحوث التي تجرى فيه في الوقت الحاضر، والمشكلات التي لم تحسم فيه بعد وما زالت في حاجة إلى المزيد من البحث.

إن هذا المقال أو التقرير سوف يمر بعد ذلك بالمراحل التالية في عملية التأصيل الإسلامي التي سنذكرها فيما بعد، وأول هذه المراحل هو تقديمه إلى العلماء المتخصصين في الشريعة الإسلامية وأصول الفقه للبحث في موضوعات تخصصهم عما يقابل ما جاء في هذا التقرير العلمي من موضوعات.

ثالثاً: التمكن من الأصول والمبادئ الإسلامية:

من الضروري، أيضاً، لمن يتصدى للتأصيل الإسلامي لعلم النفس أن يكون على معرفة دقيقة بالأصول والمبادئ الإسلامية، حتى يستطيع أن يبحث عما يوجد في الأصول الإسلامية من موضوعات تتعلق بموضوعات علم النفس، وإجراء المقارنة العلمية الدقيقة بينها.

ولما كان علماء النفس، في الأغلب، غير ملمين إلماماً كافياً بالأصول والمبادئ الإسلامية، فإنه يصبح من الضروري أن يستعينوا بمجموعة من العلماء المتخصصين في الشريعة وأصول الفقه، ليقوموا بمهمة الكشف عما يوجد في الأصول الإسلامية من موضوعات تتصل بموضوعات علم النفس. إن التقارير التي أعدت في الخطوة الأولى سوف تكون مفيدة لعلماء الشريعة وأصول الفقه لإعطائهم فكرة واضحة عن موضوعات علم النفس التي سيقومون بالبحث عما يتصل بها في الأصول الإسلامية.

ثم ترتب هذه الموضوعات التي تجمع من الأصول الإسلامية، وتبوب على نسق تبويب موضوعات علم النفس حتى يسهل على علماء النفس مقارنتها بموضوعات علم النفس، ومعرفة ما يوجد بينها من أوجه الاتفاق والاختلاف.

إن القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف هما الأصلان الإسلاميان الرئيسيان اللذان يجب أن يدرسا دراسة مستفيضة لاستقصاء كل ما جاء فيهما من مفاهيم نفسية، وموضوعات تتعلق بالحياة النفسية للإنسان، وخصائص سلوكه، والعوامل التي تؤثر في شخصيته، وأسباب سعادته وشقائه، وسوائه وانحرافه، وطرق تربيته، وتهذيبه، وتعديل سلوكه. ولا شك في أن دراستنا لما جاء عن هذه الموضوعات في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف سوف يمدنا بفهم صحيح للتصور الإسلامي للإنسان، وهو أمر هام جداً في عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس، إذ أنه يعطينا معياراً رئيسياً يمكن على أساسه مراجعة موضوعات ونظريات علم النفس لمعرفة مدى اتفاقها مع التصور الإسلامي للإنسان.

وقد قام الباحث بهذه الدراسة من قبل، وأصدر عنها كتابيه اللذين سبق أن أشرت إليهما، وهما ((القرآن وعلم النفس)) و((الحديث النبوي وعلم النفس)). وقد تضمن هذان الكتابان ما جاء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف متعلقاً بحاجات الإنسان ودوافعه، وانفعالاته، وإدراكه الحسي والعقلي، والمبادئ التي تنظم عملية تعلمه، وتذكره ونسيانه، وأحلامه، ونموه والعوامل التي تؤثر في شخصيته، وصحته النفسية، وعلاجه النفسي. وقد حاول الباحث، على قدر الإمكان، المقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف متصلاً بهذه الموضوعات، وما يذهب إليه علم النفس.

رابعاً: معرفة الدراسات النفسية للعلماء المسلمين:

قام كثير من المفكرين المسلمين من علماء الكلام، والمتصوفين، والفلاسفة بأبحاث ودراسات عن النفس، وخلفوا لنا مجموعة من الآراء والدراسات الهامة. ومع أن هؤلاء المفكرين قد تأثروا بكثير من ثقافات الأمم السابقة، وبخاصة الفكر اليوناني، إلا أنهم قد أضافوا في دراساتهم النفسية آراءهم الخاصة في بعض الموضوعات، كما حاولوا التوفيق بين الفكر الفلسفي اليوناني، وبين التصور الإسلامي للإنسان. ويهمنا في هذه المرحلة، على وجه خاص، معرفة إسهام المفكرين المسلمين في إثراء الدراسات النفسية، ودورهم في التطور التاريخي لعلم النفس، والمصطلحات والمفاهيم التي استخدموها، وطريقتهم في التوفيق بين موضوعات علم النفس اليوناني ومبادئ الدين الإسلامي، وكيف تناولوا بعض الأفكار اليونانية بطريقة تتفق مع التصور الإسلامي للإنسان. وقد سبق للباحث أن قام بدراسة عن علم النفس عند ابن سينا، بينت إسهامه في التطور التاريخي لعلم النفس49.

خامساً: نقد علم النفس:

بعد إتمام الخطوات السابقة، يصبح الطريق الآن ممهداً لقيام علماء النفس بالتحليل نقدي لموضوعات علم النفس على ضوء مبادئ الإسلام50، وعلى أساس المسلمات التي ذكرناها في الخطوة الأولى، وعلى ضوء التصور الإسلامي للإنسان الذي توصلنا إليه من الخطوة الثالثة. ويهدف هذا التحليل النقدي إلى معرفة مواضع الاتفاق وعدم الاتفاق بين موضوعات علم النفس ومبادئ الإسلام. فأما ما يتفق مع مبادئ الإسلام فنبقي عليه، وأم ما لا يتفق معها فيخضع للدراسة بهدف تعديله أو حذفه.

إننا في حاجة ماسة في هذه المرحلة إلى مراجعة كثير من المفاهيم السائدة في علم النفس، ولنذكر فيما يلي بعض الأمثلة لهذه المفاهيم التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها.

لقد ساد في علم النفس الاتجاه المادي في تفسير الظواهر النفسية وسيطر على كثير من بحوثه الفكر الدارويني الذي يعتبر الإنسانسلالة متطورة عن الحيوان، وأغفل في بحوثه الجانب الروحي من الطبيعة الإنسانية، واستبعد الدين عند دراسة الدافعية لدى الإنسان. إننا لا نجد في كتب المداخل إلى علم النفس ذكراً لدافع التدين كأحد دوافع الإنسان الفطرية.

وحينماع يتعرض بعض علماء النفس الغربيين للدين، فإنهم ينظرون إليه باعتباره دافعاً اجتماعياً مكتسباً، نشأ تحت تأثير بعض الظروف الاجتماعية والنفسية التي مر بها الإنسان عبر عصور تاريخه القديم. وقد سبق للباحث أن بيّن من قبل أثناء الكلام عن مسلمة الإيمان بالله تعالى الأساس الفطري لدافع التدين.

وتمشياً مع الاتجاه المادي الذي يغلب على دراسات علم النفس الحديث أيضاً، فإن علماء النفس الغربيين، حينما يتكلمون عن مؤشرات الصحة النفسية فإنهم يذكرون كثيراً من العوامل التي تتعلق بقدرة الفرد وفاعليته في القيام بشؤون حياته الواقعية، والشخصية، والاجتماعية، وإشباع حاجاته المادية الدنيوية ولكنهم لا يوجهون أي اهتمام إلى تأثير النواحي الروحية في سلوك الإنسان وصحته النفسية، ويغفلون تأثير الإيمان بالله تعالى في التخلص من القلق، وفي بث الشعور بالأمن والطمأنينة في النفس. ولذلك، فنحن في حاجة إلى إعادة النظر في مفهوم ((الشخصية السوية)) و((الصحة النفسية))، وإعادة تعريفها تعريفاً إجرائياً يتفق مع تصورنا الإسلامي للإنسان. وقد سبق للباحث أن ناقش موضوع الصحة النفسية ومؤشراتها من وجهة نظر إسلامية في مواضع أخرى51.

ومن المفاهيم النفسية التي تحتاج أيضاً إلى إعادة النظر فيها مفهوم ((الأحلام)) فعلماء النفس الغربيون ينظرون إلى الأحلام على اعتبار أنها نشاط ذهني يحدث أثناء النوم نتيجة لتأثير كثير من العوامل. فقد تحدث الأحلام نتيجة إحساسات يحس بها النائم تحت تأثير مؤثرات حسية صادرة من البيئة الخارجية أو من داخل جسمه نفسه. وقد تحدث الأحلام نتيجة استمرار التفكير في المشكلات التي كانت تشغل بال الإنسان أثناء اليقظة. وقد تكون عبارة عن استرجاع بعض الذكريات من أحداث حياته في الماضي. وقد تكون عبارة عن إشباع بعض رغباته ودوافعه اللا شعورية، وهو الرأي الذي ذهب إليه فرويد، وهو الرأي الأكثر شيوعاً الآن بين علماء النفس والمحللين النفسيين في تفسير الأحلام. ولا يقول علماء النفس الغربيون المحدثون بالأحلام التنبؤية، أو الرؤى التي تبشربخير مقبل، أو تنذر بشر سيقع في المستقبل، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. لقد ذكر القرآن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه والمؤمنين يدخلون مكة محلقين رؤوسهم ومقصرين52، ورؤيا الفتيين اللذين كانا مع يوسف عليه السلام في السجن53، ورؤيا ملك مصر عن البقرات السبع السمان التي يأكلهن سبع بقرات عجاف، والسنابل السبع الخضر والسنابل السبع اليابسات54. وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا التي تبشر بخير سيقع في المستقبل. فعن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

((إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي)) قال فشق ذلك على الناس، فقال: ((لكن المبشّرات)) قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: ((رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة))55.

وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((لم يبق من النبوة إلا المبشرات)) قالوا: وما المبشرات قال: ((الرؤيا الصالحة))56.

يتضح مما تقدم أنه من الضروري إعادة النظر في مفهوم الأحلام، بحيث يضاف إليه المعنى الخاص بالرؤيا أو بالحلم المتنبى. فالحلم لا ينشأ فقط، كما يقول علماء النفس المحدثون، نتيجة للمؤثرات الحسية الخارجية أو الداخلية والأسباب الأخرى التي ذكرناها سابقاً، وإنما ينشأ كذلك نتيجة لإيحاءات أو إلهامات إلهية تحمل للإنسان نوعاً من البشرى بأحداث سعيدة ستحدث له، أو الإنذار بشر سيقع له. وقد سبق أن تناول الباحث في مواضع أخرى موضوع الأحلام والرؤى من وجهة نظر إسلامية في شئ من التفصيل57.

سادساً: إجراء البحوث في علم النفس من وجهة نظر إسلامية:

لا تقتصر عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس على نقد موضوعاته ومفاهيمه بل يجب كذلك إثراء معرفتنا العلمية. بإجراء بحوث جديدة في كثير من المجتمعات الإسلامية من وجهة نظر إسلامية، تهدف إلى حل مشكلات الناس الهامة من أجل تحقيق حياة أفضل لهم. ومن الضروري أن يحدث نوع من التنسيق بين الباحثين في الجامعات الإسلامية المختلفة لتبادل المعلومات، ولتفادي التكرار، وللتعاون معاً في إجراء بحوث مشتركة.

ويمكن أن تجرى هذه البحوث في مسارين: أحدهما نظري، يتجه إلى القيام بنوعين من الدراسات النظرية. النوع الأول هو عبارة عن دراسات تعنى بتوضيح وجهة نظر الإسلام في بعض الموضوعات والمفاهيم النفسية. والنوع الثاني من الدراسات النظرية يعنى ببحث الدراسات النفسية عند العلماء المسلمين السابقين لمعرفة آرائهم وإسهاماتهم في كثير من موضوعات علم النفس، والمفاهيم التي استخدموها، ومحاولاتهم المختلفة للتوفيق بين آراء الفلاسفة اليونانيين في بعض موضوعات علم النفس ومبادئ الإسلام.

أما المسار الثاني فهو ميداني وتجريبي، يعنى بإجراء بحوث ميدانية وتجريبية تهدف إلى إيجاد حلول للمشكلات التي يعاني منها المسلمون في الوقت الحاضر. ويمكن أن نذكر هنا بعض الأمثلة كنماذج لهذه البحوث في كل من هذين المسارين.

أولاً الدراسات النظرية:

أ‌.        الدراسات النظرية لبعض المفاهيم والموضوعات من وجهة نظر إسلامية:

ويمكن أن نذكر بعض الأمثلة لهذه الدراسة فيما يلي:

1)    التعرف الإجرائي لبعض المفاهيم النفسية من وجهة نظر إسلامية، مثل: الشخصية السوية، والصحة النفسية، والأحلام. ويجب أن نستعين في ذلك بما جاء في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف متعلقاً بهذه المفاهيم. وهناك عدد من الدراسات التي تناولت المفاهيم النفسية في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والتي ستكون مفيدة لنا في هذا الصدد، أذكر منها الكتب التالية: ((القرآن وعلم النفس)) للباحث، و((الحديث النبوي وعلم النفس)) للباحث، وقد سبق الإشارة إليهما، و((نحو علم نفسي إسلامي)) ((لحسن محمد الشرقاوي))58، و((علم النفس القرآني)) لعدنان الشريف59، و((النفس الإنسانية في القرآن الكريم)) لإبراهيم محمد سرسيق60.

2)    وضع نموذج إسلامي للإرشاد النفسي والعلاج النفسي، يستعين بالتوجيه الديني إلى جانب الأساليب التقليدية التي يتبعها المعالجون النفسيون. ومن الممكن أن يخضع هذا النموذج الإسلامي فيما بعد للدراسة التجريبية للتحقق من أفضليته على النموذج التقليدي للعلاج النفسي.

3)    القيم الإنسانية الإسلامية.

4)    دراسة الشخصية من وجهة نظر إسلامية، ومراحل نموها، والعوامل المختلفة التي تؤثر فيها، وأسباب انحرافها ومرضها.

5)    تربية الأولاد في الإسلام.

ب‌.    الدراسات النفسية للعلماء المسلمين السابقين:

بذلت عدة محاولات من قبل لدراسة ما خلفه العلماء المسلمون السابقون من دراسات نفسية، أذكر منها، على سبيل المثال، الكتب التالية: ((الإدراء الحسي عند ابن سينا)): بحث في علم النفس عند العرب للباحث61، الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص ((لعبدالكريم العثمان62))، التعلم عند برهان الإسلام الزرنوخي ((لسيد أحمد عثمان))63، النفس البشرية عند ابن سينا، ((لألبير نصري نادر)) ابن سينا ومذهبه في النفس، دراسة في القصيدة العينية ((لفتح الله خليف))65، ابن سينا والنفس الإنسانية ((لمحمد خيري حسن عرقسوس وحسين ملا عثمان))66، ونحن لا زلنا في حاجة إلى مزيد من البحث في هذا المجال لمعرفة الدراسات النفسية لكثير من المفكرين المسلمين السابقين مثل الكندي، والفارابي، وابن رشد، والغزالي، والرازي، وغيرهم.

ثانياً: الدراسات الميدانية والتجريبية:

من الضروري أن يعنى علماء النفس في البلاد الإسلامية بإجراء البحوث الميدانية والتجريبية في المجتمعات الإسلامية لحل مشكلات الإنسان المسلم المعاصر من وجهة نظر إسلامية. وفيما يلي اقتراحات لبعض الموضوعات التي يمكن دراستها دراسة ميدانية وتجريبية من وجهة نظر إسلامية.

1)    العلاقة بين التدين والصحة النفسية.

2)    العلاقة بين التدين والجريمة.

3)    العلاقة بين التربية الدينية للأبناء في الأسرة المسلمة، وسمات شخصية الأبناء.

4)    العلاقة بين التربية الدينية للأبناء في الأسرة المسلمة، وصحة الأبنا النفسية.

5)    العلاقة بين مستوى التدين والمشكلات النفسية لدى الشباب المسلم.

6)    العلاقة بين مستوى التدين والكفاءة المهنية لدى الشباب المسلم.

7)    العلاقة بين مستوى التدين ومستوى التوافق في الحياة الزوجية في الأسرة المسلمة.

8)    الفرق في التحسين الذي يحدث بين طريقتين في العلاج النفسي، إحداهما تستخدم أسلوباً تقليدياً في العلاج النفسي، والأخرى تستخدم نموذجاً إسلامياً في العلاج النفسي.

سابعاً: عقد الندوات والمؤتمرات العلمية:

من الضروري أيضاً الاهتمام بعقد الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية التي يدعى إليها علماء النفس، وعلماء الشريعة وأصول الفقه، من الجامعات الإسلامية المختلفة لمناقشة نتائج البحوث التي تمت في مجال التأصيل الإسلامي لعلم النفس، ولتبادل الآراء حول المنهج العام المتبع في عملية التأصيل الإسلامي، وما يعترض هذا العمل من صعوبات ومشكلات، والوسائل الممكنة للتغلب عليها. إن هذه الخطوة هامة جداً لتحقيق التنسيق بين الباحثين في البيئات العلمية المختلفة، ولتحقيق قدر ضروري من المعرفة المشتركة التي ينطلق منها البحث العلمي المستقبلي في هذا المجال.

ثامناً: إعادة كتابة علم النفس في إطار إسلامي:

بتقدم البحوث في علم النفس من وجهة نظر إسلامية، وبتراكم المعلومات الجديدة في هذا المجال، سوف يصبح من الممكن لعلماء النفس بالتدرج إعادة كتابة كثير من موضوعات علم النفس في إطار إسلامي. وسوف يتمكنون في النهاية من تأليف كتب دراسية جديدة في علم النفس تتفق مع المبادئ الإسلامية، وهو الهدف الذي نرجو أن نصل إليه بمواصلة الجهد في عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس.

الهـوامـــــــش

1)    محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، بيروت: دار الشروق، 1989، ص 7،8.

2)    محمد عثمان نجاتي: أسلمة العلوم الاجتماعية. بحث مقدم إلى ((ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية))، التي عقدت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي بالرياض في المدة من 5 إلى 6/6/14074هـ ، ص 7، أنظر ايضاً: إسماعيل الفاروقي: أسلمة المعرفة. ترجمة عبدالوارث سعيد. الكويت: دار البحوث العلمية، 1984، ص 29-35، المعهد العالمي للفكر الإسلامي: إسلامية المعرفة: تامبادئ العامة، خطة العمل، الإنجازات. القاهرة: وكالة الأهرام للتوزيع، 1986، ص 32-34.

3)    محمد عثمان نجاتي: أسلمة العلوم الاجتماعية، مرجع سابق، ص 3.

4)    محمد عثمان نجاتي: المدنية الحديثة وتسامح الوالدين، بحث حضاري مقارن لشباب مصر ولبنان والعراق وسوريا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية ط2. القاهرة: دار النهضة العربية، 1974، ص 10-15.

5)    انظر دور العلم في تثبيت الإيمان بالله تعالى في:

ا.كرس موريون، العلم يدعو للإيمان، ط5 ترجمة محمود صالح الفلكي القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1965.

جون كلوفرمونسما وآخرون: الله يتجلى في عصر العلم، ط3. ترجمة الدمرداش عبدالمجيد سرحان. القاهرة: مؤسسة الحلبي وشركاه، 1986.

6)    محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، ط3. بيروت: دار الشروق، 1987، ص 47، 48، محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 32.

7)    الروم: 30.

8)    تفسير القرطبي، جـ 4، ص 29، تفسير الجلالين، ص 340.

9)    الأعراف: 172.

10)     رواه الشيخان وابو داود والترمذي عن ابي هريرة، جمعاء: كاملة الخلقة، وجدعاء: ناقصة .

11)     رواه أحمد بن حنبل عن الأسود بن سريع.

12)    محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 33-34.

13)    الحشر: 22-24.

14)    الأعراف: 54.

15)      النساء: 136.

16)       الرعد: 11.

17)        ق: 17،18.

18)      رواه الشيخان عن أبي هريرة.

19)     رواه ابن ماجة عن أبي هريرة.

20)     رواه الترمذي عن عبدالله بن مسعود.

21)       رواه الشيخان عن عبدالله بن مسعود.

22)      السجدة: 11.

23)        المائدة: 16.

24)      يونس: 574.

25)      طه: 123،124.

26)      الإسراء: 85.

27)        الحديد: 25.

28)       البقرة: 213.

29)       محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، مرجع سابق، ص 181،192 محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 102-223.

30)   إسلامية المعرفة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص 92. إسماعيل الفاروقي، أسلمة المعرفة، مرجع سابق، ص 72،73. أنظر أيضاً في مناقشة هذا الموضوع:

ابن رشد: فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ط2. تحقيق ا.ن ناذر. بيروت: دار الشروق، 1968.

ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، سلسلة تقريب التراث. إعداد ودراسة محمد السيد الجليند، القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1988.

31)      ص 71،72.

32)      نوح: 14.

33)     محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، مرجع سابق، ص 236-241، محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 224-242.

34)     محمد عثمان نجاتي: مفهوم الصحة النفسية في القرآن الكريم والحديث الشريف. الكويت: نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث: الأبحاث وأعمال المؤتمر الدولي الثالث عن الطب الإسلامي: مجلد رقم 5، 1984، محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 271-304.

35)      رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن بشير.

36)         رواه أحمد والدارني عن رابطة بن معبد.

37)        محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، مرجع سابق، ص 45.

38)       سعد جلال: أسس علم النفس الجنائي. الاسكندرية: دار المطبوعات الجديدة، 1984، ص 207-209.

39)    الكهف: 29.

40)     الشمس: 7-10.

41)     الأعراف: 16،17.

42)      يوسف: 5.

43)       البلد: 4.

44)     النازعات: 37-41.

45)      الملك: 14.

46)     ق: 16.

47)     محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، ط3، مرجع سابق.

48)       محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق.

49)       محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي عند ابن سينا: بحث في علم النفس عند العرب، ط3. بيروت: دار الشروق، 1980.

50)        إسماعيل الفاروقي: أسلمة المعرفة، مرجع سابق، ص 98،99.

51)        محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 227، 278 ،302-304.

محمد عثمان نجاتي: مفهوم الصحة النفسية في القرآن الكريم والحديث الشريف. الكويت: نشرة الطب الإسلامي، مرجع سابق.

52)      الفتح: 27.

53)        يوسف: 35-41.

54)         يوسف: 43-49.

55)        رواه البخاري والترمذي.

56)        رواه البخاري.

57)       محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، ط3. مرجع سابق، ص 88-192، محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، مرجع سابق، ص 211-223.

58)         حسن محمد الشرقاوي: نحو علم نفس إسلامي. الإسكندرية: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1976.

59)        عدنان الشريف: من علم النفس القرآني. بيروت: دار العلم للملايين، 1987.

60)         إبراهيم محمد سرسيق: النفس الإنسانية في القرآن الكريم. جدة: تهامة، 1981.

61)       محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي عند ابن سينا – بحث في تاريخ علم النفس عند العرب، ط3، مرجع سابق.

62)        عبدالكريم العثمان: الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص – القاهرة وهبة، 1963.

63)        سيد أحمد عثمان: التعلم عند برهان الإسلام الزرنوخي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1987.

64)          البير نصري نادر: النفس البشرية عند ابن سينا – بيروت: دار المشرق، 1986.

65)         فتح الله خليف: ابن سينا ومذهبه في النفس – دراسة في القصيدة العينية: بيروت: جامعة بيروت العربية، 1974.

محمد خير حسن عرقسوس وحسن ملا عثمان: ابن سيناء والنفس الإنسانية. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1982.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر