أبحاث

محمد إقبال : حرارة إرادة التغيير بلسان الشعر الأعجمي

العدد 121

محمد إِقبال شخصية محورية في الفكر الإسلامي المعاصر وقد كان لشعره انتشار في أرجاء العالم الإسلامي لما يحمله من نبض صادق، وشعر إقبال الروحي كان أكثر أنتشارا من أفكاره الفلسفية:

المؤثر الكبير في تكوين عقلية محمد إِقبال وتوجيهه هو المثنوي المعنوي بالفارسية وقد كتبه جلال الدين الرومي في ثورة وجدانية ونفسية شديدة ضد الموجة العقلية الإغراقية التي اجتاحت العالم الإسلامي في عصره، وقد انتصر فيه للإيمان والوجدان انتصاراً قوياً وانتصف للقلب والروح والمعاني الروحية من المباحث الكلامية الجافة والقشور الفلسفية التي كانت تشغل أذهان المسلمين والمدارس الدينية والأوساط العلمية في الشرق الإسلامي (1).

عاش إِقبال في شبه القارة الهندية قبل الانقسام وكانت هذه المنطقة متخلفة بالمقارنة مع المستوي الحضاري الذي وصلت إليه المجتمعات الأوروبية ولذلك لم يكن ليشغل المجتمع في عمومه أشكال سيطرة العقل والآلية لأن المجتمعات الإسلامية كلها كانت غارقة في التخلف والانحطاط ولكن محمد إِقبال درس الفكر الغربي، وتعمق فيه وعاش في أكبر عواصم أوروبا، وكان لهذا الاحتكاك ولاريب أثره في البنية الفكرية لمحمد إِقبال ومن خلال طرح أسئلة كثيرة لم تكن لتتبادر إلى عقل المسلم المتخلف الأمي أو نصف الأمي القابع في دهاليز بعيدة عن المجتمعات المتحركة بإيقاع سريع نحو مزيد من التقدم المادي.

كان العالم في عصر إِقبال يواجه التيار العقلي الأوروبي الذي حرف جميع القيم الروحية والخلقية وقد زادت الآلات الميكانيكية هذه الحضارة بعدا عن المعاني الروحية والمبأدئ الخلقية وما بعد الطبيعة فأصبحت حضارة عقلية ميكانيكية، وقد قضى إِقبال فترة من الزمن ينازعه عاملان: عامل العقل وعامل القلب وقام صراع بين عقله المتمرد وعلمه والمتجدد وقلبه الحار الفائض بالإيمان وفي هذا الاضطراب الفكري والاضطراب النفسي ساعده المثنوي مساعدة قوية.

الفلسفات الهندية (الأديان) يغلب عليها الطابع الزهدي والتصوفي فالنزعة المادية مهما اشتطت تجد في ثنايا المجتمع ما يردعها ولكن الآلية الميكانيكية لم تكن قد بلغت زمن إِقبال الحد الذي يثير إشكالية تطرف النزعة الميكانيكية والأصح أن هذه الإشكالية كانت في قلب الفكر الأوروبي الذي توغل فيه محمد إِقبال واستوعبه وعاش ثماره في الواقع الأوروبي.

علاقة محمد إِقبال بالفكر الغربي بدأت عن طريق التعلم وكرجل فكر استوقفه السياسات والفلسفات التعليمية والتربية في العالم الإسلامي وقد لاحظ من خلال استقصاء الواقع فشل المؤسسة التعليمية التقليدية المقلدة للغرب، فشلاً عاماً عن إرساء قواعد مجتمع يحمل الفرد فيه نبل العاطفة وشغلة العقل:

–         رجال المدرسة فاقدو البصر وميَّتو الذوق وشيوخ الزاوية قاصرو الهمة ضعيفو البصر قليلو البضاعة (2).

لقد خرجت من المدرسة والزاوية حزينا لم أجد فيها الحياة ولا الحب ولا الحكمة ولا البصيرة (3).

–         الشباب نزعت منهم المدرسة العاطفة الدينية فأصبحوا في خبر كان، أجهل الناس لنفوسهم وأبعدهم عن شخصياتهم، شغفتهم الحضارة الغربية فيمدون أكفهم إِلي الأجانب ليتصدقوا عليهم بخبز شعير ويبيعون أرواحهم في ذلك، مؤمنون بأنه لاغالب إلا الله، حياتهم جامدة، متوقفة (4).

–         إن ذلك العلم سم ناقع للأفراد الذين ليست لهم غاية إلا حفنتان من شعير(5).

–         إِن المدرسة تحرر العقل بلا شك ولكنها تترك الأفكار بغير نظام وارتباط (6).

–         يتراءى لك أن الشباب المتعلم حي يرزق ولكنه في الحقيقة ميت استعار حياته من الغرب (7).

–         أي فائدة للمجتمع من علم لم يكن تأثيره في المجتمع كتأثير عصا موسى في الحجر والبحر (8).

تحمل أفكار محمد إِقبال تشخيصاً لأزمة التربية والتعليم في المجتمعات الإسلامية حيث الالتزام بالدين يقتضي البحث الدؤوب عن أحسن السبل لتحقيق حسن الاستخلاف.

المسلم قلب نابض بالحب والحياة وعقل مستقيم مثابر ولامكان للعبث ولا للتسول الغذائي والفكري في حياته، وكلمات محمد إِقبال بعيدة عن تلك اللغة الجافة الجامدة التي تحلل الأمور بعيداً عن وهج الروح الحية، وهذا الأسلوب هو الذي ميزه من جهة وجعل شعره بريئا من الالتواءات اللغوية والمحسنات اللفظية بل هو شعر يحمل أفكاراً نهضوية.

تركيز محمد إِقبال على أهمية التربية في بناء نهضة متوازنة متماشية مع رسالة الفرد والمجتمع مبني على ملاحظاته الميدانية وتتبع لآثار السياسات التربية على الأجيال ومستقبلها:

يرى الشاعر الهندي ((أكبر الإله-أبادي)) أن فرعون مصر أخطأ الرمية وجانبه التوفيق في تحقيق فكرة القضاء على بني إسرائيل، فقد التجأ في قتلهم وإبادتهم إلي طرق سافرة ألصقت به العار وأثارت عليه اللعنات، فكان يقتل أبناءهم ويستحيي نسائهم ليأمن من ثورة ببني إسرائيل وغائلهم في المستقبل ولو أنه رزق شيئاً من الابتكار وبعد النظر ودقة التفكير لاكتفى يتأسيس كلية لبني إسرائيل ينشئ الجيل الإسرائيلي الجديد كما شاء ويسبك العقول والطبائع سبكاً جديداً لايدع إمكانياً لنشأة شاب مثقف يشعر الشعور الديني، ويحمل العاطفة الدينية والغيرة القومية ويهتم بشئ آخر غير الوظائف والمناصب. لو أن فرعون وفق لهذا المشروع لتفادي المتاعب وسوء الأحدوثة ووصل إلي غايته بسهولة، واشتهر بين الناس بلقب ((حامي العلم)) و((مربي الجيل)) وناشر الثقافة والتعليم في الشعب (9).

ماكان ينبغي على فرعون أن يفعله لتحقيق مآربه هو ذاته مافعلته انجلترا في مستعمراتها، وفي الهند على سبيل المثال؛ ساعدت على إنشاء جامعة عليكرة لتكوين نخبة تحقق للاستعمار البريطاني ما تعجز عنه الجيوش الجرارة، وحتى لاتبقى الأفكار حبيسة العقول والأوراق، حاول محمد إِقبال اقتراح خطط بديلة لما هو سائد في العالم الإسلامي:

عندما زار محمد إِقبال أفغانستان عام 1933 في وفد ضم أيضاً السيد لاس مسعود والشيخ سليمان الندوي قدم هؤلاء خطة متكاملة لإصلاح التعليم إلي الحكومة الأفغانية التي أخذت بكثير من مبادئها وإرشاداتها (10).

وإذا كان التعليم هو الوسيلة التي تكون بها المجتمعات الأجيال التي ستوجه مصيرها، فإن بناء الذات هو الركيزة لأي مشروع نهضوي والقاعدة الأساسية لذلك البناء في الإسلام هي العلاقة بين الإنسان وربه، من غير واسطة بشرية، والقرآن هو الوسيلة الحية التي تحرك تلك العلاقة سواء نحو النهوض أو نحو الموت.

يقول محمد إِقبال: إنك أيها المسلم لا تزال أسيراً للمتزعمين للدين والمحتكرين للعلم ولا تستمد حياتك من حمكة القرآن رأساً، إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك ومنبع قوتك لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة فتُقرأ عليك سورة يس لتموت بسهولة، فواعجباه قد أصبح الكتاب الذي أنزل ليمنحك الحياة والقوة يتلى الآن لتموت براحة وسهولة (11).

محمد إِقبال يشعر كمسلم أنه لم يخلق عبثاً، وأن ذاته المتواصلة مع خالقها ترفض السقوط في حالة الموت البطئ، وتنشد النهوض بالمجتمع من خلال كل الوسائل المتوافرة لدية:

((لقد أمرتني يارسول الله أن أبلغ إليهم رسالة الحياة والخلود، وأنشدهم بما ينفخ فيهم النشاط والروح، ولكن هؤلاء القساة يقترحون على أن أنوح على الأموات في الشعر وأنظم تاريخ الوفاة فأين هذا مما أمرتني)) (12)؛ فاختيار محمد إِقبال إذن لطريق الحركية الايجابية يبدو غريباً في مجتمع ألف الموت السعيد.

وينبه محمد إِقبال إلي أن الدفاع عن حياة المجتمع الكلمات الجميلة والتعبيرات الخلابة ولكنه يحتاج إلي تفعيل الكلمات حتى وإن كانت قليلة:

إن الفقير المتمرد على المجتمع-يشير إلي نفسه- لايملك إلا كلمتين صغرتين، قد تغلغلتا في أحشائه وملكتا عليه فكره وعقيدته، وهما: ((لا إله إلا الله، محمد رسول الله)) وهناك علماء وفقهاء-الواحد منهم- يملك ثروة ضخمة من كلمات اللغة الحجازية، ولكنه قارون لا ينتفع بكنوزه (13).

يعبر محمد إِقبال بذلك عن أزمة في الفكر الإسلامي والواقع الإسلامي؛ وهي تحول الفكر الإسلامي إلي مجرد تجميع آراء واجتهادات خالية من الحياة، وتحول الواقع الإسلامي إلي مجرد تتابع أيام لا تتحرك خلالها المجتمعات الإسلامية إلا إلي مزيد من الغربة عن أصول دينها.

من المسلمات التي ينطلق منها محمد إِقبال أن حرية الإنسان هي حرية كاملة لأن كرامته أيضاً كاملة:

يذهب إِقبال إلي إعطاء الإنسان حرية شبه مطلقة، ويرى أنه ليس هناك تعارض بين أفعال الله وأفعال الإنسان، بل على العكس من هذا فإن أفعال الإنسان ومبادراته الفردية هي نماذج تؤكد مطلقية الفعل الإلهي ولا تحده؛ حيث إن هذا الفعل للإنسان يؤكد جدارته بثقة الله ومشيئته في الاستخلاف على الأرض؛ لأن الله هو الذي أوجد إرادة القوة في الإنسان، تعمل ضمن حدود إمكاناته البشرية. وهذا الرأي يقرب محمد إِقبالاً من المعتزلة (14)، في هذه القضية بالذات، قضية أفعال العباد أو الحرية الإنسانية.

المشهد الذي يعبر عنه القرآن بوضوح عن محاورة الله عز وجل لموسى، وتزويده مباشرة بما يصنع حرية ومستقبل الإنسان: الوحدانية والعبادة وتذكر الآخرة –هو مشهد مرجعي في فكر محمد إِقبال، وهو نقيض الفكر التصوفي ذي الروح الانهزامي ونقيض أيضاً للفكر الاغترابي الغروري.

قوة الإنسان، الذي لا يرضي بأن يمر بالدنيا مرور الجماد والهوام، تكمن في ذلك الحرص على استثمار كل لحظة من الزمن الدنيوي استثماراً إيجابياً. وكلُّ حيدة عن ذلك تسقط بالإنسان إلي دركة المغضوب عليهم، الذين يحتاجون إلي صواعق مؤلمة للنهوض من غفلتهم:

تعال أُنبئْكَ عن مصير الأمم وعاقبتها، سنان ورماح أولاً ولهو وعناء آخراً، الملوكية تتحول بين يوم وليلة إلي جنون أو مجون، وليس التيمور أو جنكيز إلا آلات جراحية تستعملها في حينها القدرة الإلهية (15).

الإنسان إذن كائن يفكر في مصيره ويوجه حاضره ويستفيد من ماضيه، وفي هذه الثلاثية الزمانية يُطرح سؤال هام ومحوري، يصوغه محمد إِقبال:

ماطبيعة الإنسان الذي يواجهه هذا العالم من جميع النواحي؟

ثم يجيب:

إننا نجده كائناً قلقاُ شغلته مثله العليا إلي حد أنساه كل شئ آخر، قادراً على إنزال الألم بنفسه؛ في سبيل بحثه الدائم عن آفاق جديدة يفصح فيها عن نفسه، وهو على مافيه من نقائص يحمل أمانة عظمي قال عنها القرآن إن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملها (16).

حياة الإنسان إذن محدودة ورسالته ثقيلة، وهذا يُربكه ويجعله قلقاً باحثاً باستمرار عن السبيل الموصل إلي تحقيق ذاته واستثمار كل طاقاته.

الإنسان إذا استهوته القوي التي تحيط به فإنه يقدر على تكييفها وتوجيهها حيث شاء، أما إذا غلبته على أمره فإنه قادر على أن ينشئ في أعماق نفسه عالماً أكبر يجد فيه منابع من السعادة والإلهام لا حد لها، والإنسان في صميمه قوة مبدعة كما جاء في سورة الانشقاق:

الآية 16: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾

17:﴿ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾

18:﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾

19:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ﴾

ذاتية الإنسان هي التي توجهه نحو تسخير الطبيعة والكون كله، وإذا استعصى الأمر على الإنسان تتوفر له تلك الذاتية السند الذي يبعد عنه أشباح الانتحار بجميع صوره، وهذه الذاتية لاتصل إلي هذا المستوي من الصلاية والإشعاع إلابفضل دين عادل (17).

اعترف محمد إِقبال بأهمية التعليم في إنهاض الأمم الغافلة والتخطيط لمستقبلها، وتأكيده على أهمية تربية النفوس وعلى نبذ العبث والكسل، مرتبطان بفكرة مركزية لديه فس تصوره للمجتمع المسلم، وهي فكرة الترفع عن علائق الدنيا والسمو نحو الآفاق العليا التي تجعل علاقة الإنسان بريه كتلك التي ربطت موسى عليه السلام بربه الذي اختاره ليكون أول متواصل مباشر مع الله (أو مخاطب لله عز وجل مباشرة) من البشر: فقد كان موسى عليه السلام وهو بالوادي المقدس في حوار لا يفهم أبعاده من تجذبه الدينا إلي القاع:

يقول الله عز وجل:

﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ﴾ (النساء:164).

ويقول محمد إِقبال:

لقد أخذت من صحبة شيخ الروم – يقصد مولانا جلال الدين – أن كليماً واحداً – يشير إلي سيدنا موسى – هامته على راحته، يغلب ألف حكيم قد أجنوا رؤوسهم للتفكير (18).

جاء في سورة طه:

الآية 11:﴿ فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى

الآية 12:﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

الآية 13:﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى 

الآية 14:﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي

الآية 15:﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى

يقول سيد قطب في هذه الآيات:

إن القلب ليحن وإن الكيان ليرتجف وهو يتصور – مجرد تصور- ذلك المشهد، موسى فريد في تلك الفلاة والليل دامس، وهو ذاهب يلتمس النار التي آنسها من جانب الطور، ثم إذا الوجود كله من حوله يتجاوب بذلك النداء إني أنا ربك … إن تلك الذرة الصغيرة الضعيفة المحدودة تواجه الجلال الذي لا تدركه الأبصار، الجلال الذي تتضاءل في ظله الأرض والسماوات، ويلتقى ذلك النداء العلوي بالكيان البشري فكيف؟ كيف لولا لطف الله؟

إنها لحظة ترتفع فيها البشرية كلها وتكبر ممثلة في موسى – عليه السلام – فيصيب الكيان البشري أن يطبق التلقي أن يكون فيها الاستعداد لمثل هذا الاتصال على نحو من الأنحاء، كيف؟ لاندري كيف (19)؟

قمة الوجود الإنساني تجسد في محاورة موسى لله – عز وجل، وهذا الامتياز خاص بالنبي موسى ولكنه كان يمثل البشرية التي اصطفاها الله – عز وجل، دون سائر الكيانات، وميزها عنها بالعقل، الذي يجب أن يسخر لما يخدم رسالة الإنسان في الكون، لا أن يغرقه في بحوث تجريدية فاقدة للروح والحياة، والفلسفة بطابعها الجدالي لا يمكنها أن تعوض الدين، الذي هو وحده يملك الإجابات على الأسئلة الكبرى للوجود: الفلسفة التي لم تكتب بدم القلب فلسفة التي ميتة أو محتضرة، والحكمة الفلسفية ليست إلا حجاباً للحقيقة، وإنها لا تزيد صاحبها إلا بعدا عن صميم الحياة وإن بحوثها وتدقيقاتها تقضي على روح العمل، إن البشرية تريد أن تعلم كيف تتقن حياتها، وكيف تخلد شخصيتها إن بني آدم يطلبون الثبات ويطلبون دستوراً للحياة ولكن الفلسفة لا تساعدهم في ذلك، إن الدين هو الذي ينظم الحياة (20).

محمد إِقبال يحسب على الفلاسفة وهو هنا يتبرأ من المنحى الفلسفي الترفي أو العبثي الذي يبعد الإنسان عن جادة الصواب وإن كان يحتفظ للفلسفة بدورها الحجاجي الجدلي.

كل الاجتهادات الفكرية في حياة الإنسان لا بد أن تصب فيما يخدم حاضره ومستقبله، فالفلسفة ليست وحدها المطالبة بذلك، بل الإبداع الشعري أيضاً؛ يقول إقبال:

لا خير في نشيد شاعر ولا في صوت مغن إذا لم يفيضا على المجتمع الحياة، الحماس، إن غاية الإحسان في فن من فنون العلم والأدب لوعة الحياة الدائمة، لانهضة للأمم إلا بمعجزة، ولا خبر في أدب ولا شعر إذا تجردا عن تأثير عصا موسى (21).

ليس التعليم وحده هو الذي يربي الأجيال يحضرها للمستقبل، وبالتالي يجب الحرص على سلامته، بل كل الإبداعات التي يصرف فيها الإنسان مواهبه وجهوده ووقته.

الربط بين التخلف والانحطاط والإبداعات يلاحظه محمد إِقبال في الشعر العربي الذي يلح جله على قضايا العبث الأخلاقي والنسيب العاطفي:

الأدب في الشرق الإسلامي أصبح تتحكم فيه المرأة فأصبح لا تتحدث إلا عنها (22).

محمد إِقبال حريص على أن تصب كل الاجتهادات في المجتمع وكل المواهب الايجابية في مجمع واحد هو خدمة المجتمع وفق سياسة واضحة ومنظمة:

يبدأ إِقبال من الفلسفة ليصل إلي السياسية والاجتماع، مما يكسب منهجه صفتين أساسيتين هما الوحدة والقوة؛ الوحدة من حيث انسجام آرائه في المجتمع مع مجمل فلسفه، والقوة من حيث استناد هذه الآراء إلي أصول تدخل في عمق مبادئ القرآن والسنة (23).

يقول إِقبال على لسان الأفغاني:

إن الدين هو أن ينهض الإنسان الحضيض ويعرف قيمة نفسه (24).

الدين إذن هو المحرك الأساسي للذاتية المحركة بدورها للحياة، بمعنى أن كل حركية اجتماعية سليمة تسعى إلى سمو الإنسان وارتفاع قيمته ترتكز لا محالة على دين يوفر لها الإجابات المصيرية عن الأسئلة الملحة.

كما أن محمد إِقبال يربط بين النهضة والاستقلالية الذاتية؛ بحيث تصبح أية دعوة للنهوض مجردة من الفعالية إذا لم ترتبط بقطع كل خيوط التبعية لعدو النهضة ذاتها، ففي رسالة إلى ملك الحجاز عبد العزيز بن سعود، يقول إِقبال:

اضرب خيمتك حيث شئت في الصحراء ولتكن خيمتك قائمة على عمدك وأطنابك، ولا تنس أن استعارة الأطناب من الأجانب حرام (25).

ملاحظة محمد إِقبال على الحركة الوهابية تنبيه إلى أن اختيار نموذج ما للنهوض يجب أن يكون شاملاً لجميع مناحي الحياة، وإلا كان التنافر بين مكونات المشروع عائقاً أمام تحقيق أهدافه، فالوهابيون دافعوا عن نمط عيش السلف الصالح، ولكن دفعاهم هذا يفقد المصداقية عندما يلاحظ أن بعض أسس المشروع ذاتها مرتبطة بمن يحرمون حضارتهم.

تنبيه محمد إِقبال إلى هذا الموقف الغريب في المدرسة السلفية الحديثة مرتبط بتحليلاته عن المدرسة عموماً، فمحمد إِقبال يرى أنها:

أولي نبضات الحياة في الإسلام الحديث، وقد كانت هذه الحركة مصدر الإلهام بصفة مباشرة أو غير مباشرة لمعظم الحركات الكبرى الحديثة بين مسلمي آسيا وإفريفيا كالحركة السنوسية، وحركة الجامعة الإسلامية، والحركة البابية التي ليست سوى صدى فارسي للإصلاح الديني العربي (26).

ومع التحفظ من إدراج البابية في الحركات الإسلامية المتأثرة بالوهابية، فإن الموضوعية اقتضت الاعتراف بقصب السبق للحركة الوهابية في تحريك المياه الراكدة في العالم الإسلامي وتنبية الأمة الغافلة عن رسالتها.

النظرة الموضوعية ذاتها والتي تستهدف استثمار التجارب الواقعية اقتضت الإشارة إلي بعض الأخطاء الكامنة في أسس الحركة، والتي حالت دون تحقيقها للهدف الأكبر، وهو إنهاض الأمة الإسلامية وإدخالها نادي المجتمعات الحية، بل واحتلالها مركز الريادة والقيادة في العالم كما يمليه عليها القرآن .

الذي يلاحظ في الحركة الوهابية هو:

روح التحرر الظاهرة وإن كانت هذه الحركة في ذاتها محافظة أيضاً تتمسك بالقديم على طريقتها الخاصة، فبينما تتمرد على قصر حق الاجتهاد على أصحاب المذاهب، وتصر في قوة على القول بحق الاجتهاد، فإن نظرها إلي الماضي خلا من النقد والتمحيص خلوا تاماً (27).

النهضة لايمكن أن تكون إلا نحو المستقبل ليس بالتبرؤ من الماضي بل باستثماره الإيجابي، الحركة الوهابية خطت الخطوة الأولى نحو نبذ الخمول والغيبوبة الحضارية، لكنها خطوة غير متوازنة حيث تأرحجت نحو الماضي.

التركيز في التفكير على المستقبل لا يعنى – كما كانت توحي به المدرسة الوهابية – نبذ الماضي والتبرؤ منه، كما أن التمسك بالأبعاد الضيقة للعبادات ليس عنوان التقوى. محمد إِقبال ينطلق من هذه الملاحظات ليبين أن الشعائر الدينية تدفع نحو المستقبل؛ لأنها تعطي للإنسان القوة الدافعة الضرورية، فالصلاة عنده هي:

من حيث هي وسيلة للهداية الروحانية فعل حيوي عادي، تكشف به فجأة شخصيتنا التي تشبه جزيرة صغيرة مكانها في الوجود الخضم الأكبر للحياة (28).

هذا الاكتشاف يدفع إلى ضرورة:

أن ينظر إليها على أنها تكلمة ضرورية للنشاط العقلي لمن يتأمل في الطبيعة فملاحظة الطبيعة، ملاحظة علمية تجعلنا على اتصال وثيق بسلوك الحقيقة فتشحذ بذلك إداركنا الباطني لشهود الحقيقة شهوداً أوفى وأعمق، والحق أن كل طلب للمعرفة هو في جوهره من صور الصلاة (29).

بذلك تخرج الصلاة عن مجرد سلوك آني، يحرص على أدائه على أكمل وجه، إلى رحاب الدنيا الواسعة الني تتحول كلها إلى لحظات صلاة يؤديها المسلم بتسخير الكون لرسالة الاستخلاف على جميع مفاصل الحياة.

والصلاة التي هي عماد الدين لا تعطل عقل الإنسان بحصره في عالم روحاني بحت، بل هي بالعكس عامل نهوض عقلي ذاتي وجماعي، فهي تطهر الذات من نوازع الأنانية من جهة وتحيطها بكل دواعي النشاط الايجابي ولبناء من جهة أخرى لذلك فإن أية عملية نهوض حقيقة ترتكز على مثل هذه الخطوة التي تحقق للنفس التوازن الضروري للحركة المنضبطة الهادفة:

الصلاة – سواء في ذلك صلاة الفرد وصلاة الجماعة – هي تعبير عن يستجيب لدعائه، في سكون العالم المخيف. وهي فعل فريد من أفعال الاستكشاف تؤكد به الذات الباحثة وجودها، في نفس اللحظة التي تنكر فيها ذاتها، فتتبين قدر نفسها ومبررات وجودها، بوصفها عاملاً محركاً في حياة الكون وصور العبادة في الإسلام في صدق انطباقها على سيكولوجية المنزع العقلي ترمز إلى إثبات الذات وإنكارها معاً (30).

العلاقة المتميزة بين الإنسان وخالقه لا يمكن التعبير عنها باللغة العادية، ولا يمكن نقل حرارتها إلى الغير. وهذا دليل يؤكد على أن خصوصية العلاقة تنعكس على سلوك الأفراد؛ فلكل فرد درجة تدينه ودرجة حرارة ارتباطه بخالقه، ودرجة إيمانه بأن دوره في هذه الحياة هو تحقيق النهضة والرقي ركيزتي الاستخلاف.

يقول محمد إِقبال:

كون الرياضة الدينية غير قابلة لنقلها إلي الغير ليس ويعني أن ما ينشده المتدين عبث لا عناء فيه بل أن استحالة نقل الرياضة الدينية إلى غير صاحبها يعطينا المفتاح لمعرفة الطبيعة الأصلية للذات (31).

الخلفية التي ينطلق منها محمد إِقبال في تصوره لمشروع لنهضة العالم الإسلامي هي ضرورة تفعيل الذات المسلمة، عن طريق توطيد صلتها بخالقها، ولكن الملاحظ أن التراث الديني في الإسلام يتجه في عمومه بعيدا عن هذه الخلفية مما يفرض على المسلم الناهض مهام عديدة منها:

نبذ الآراء الدينية التي صيغت في مصطلحات أخذت عن فلسفات تكاد تكون ميتة، أصبحت عديمة الجدوى لأولئك الذين لهم أساس من تفكير عقلي مختلف، وعلى هذا فالمهمة الملقاة على عاتق المسلم العصري مهمة ضخمة إذ عليه أن يفكر تفكيرا جديدا في نظام الإسلام كله دون أن يقطع ما بينه الماضي قطعاً تاماً (32).

بين محمد إِقبال أن أولى حركات النهضة في العالم الإسلامي هي الحركة الوهابية، – للأسف – لم تحسن استثمار تفطنها إلى ضرورة التغيير الشامل في العالم الإسلامي، وهو بين أيضاً أن هناك أفراداً وعوا أيضاً ضرورة ذلك التغيير من خلال تفعيل الروح:

–         أول مسلم أحس بإحاح روحٍ جديدة فيه هو شاه ولي الله الدهلوي.

–      وأول مسلم أدارك تمام الإدارك أهمية هذا العبء وفداحته، وكانت له من الخبرة ماجعلت منه همزة وصل بين الماضي والمستقبل، وهو جمال الدين الأفغاني، رغم انه لم يكرس كل نشاطه في تبيان حيوية العقيدة (33).

رصد كل النداءات والمحاولات، التي حملت هم النهوض، مسألةٌ حيوية لاقتراح البدائل، وهذا الرصد ليس تجميعياً ولكنه نقدي بأخذ الإيجابيات فيثمنها ويستثمرها، وينبه للسلبيات لتفاديها، وهذه الخطوة هي الاجتهاد التواصلي الذي هو وحده الكفيل بإرجاع المجتمع الإسلامي إلي سكة الاستقامة.

محمد إِقبال في تتبعه لمسار الفكر الإسلامي حاول البحث عن الغرس الفاسد الذي أثمر المجتمع المسلم وبنفس مبدئه في الإحصاء والنقد له أن:

خلفاء بني أمية وبني العباس رأوا أن مصلحتهم تتحقق بتفويض الاجتهاد إلى أفراد من المجهتدين أكثر مما تتحقق بتشجيع تأليف جماعة دائمة من المجتهدين ربما تصبح صعبة المراس عليهم (34).

الأغراض الاستبدادية جعلت مبدأ الاجتهاد بدلا أن يكون دافعاً لرقي الأفراد والجماعة، أداة طيعة تسيرها الأهواء على الأقل أداة تعمل في الحدود المرسومة لها مسبقاً، حدوداً قد توحي بالاستقلالية الوهمية، محمد إِقبال يقرأ هذه الحالة قراءة استثمارية نقدية ليستنتج أن:

انتقال حق الاجتهاد من أفراد يمثلون المذاهب إلى هيئة تشريعية إسلامية هو الشكل الوحيد الذي يمكن أن يتخذه الإجماع في الأزمنة الحديثة، فإن هذا الانتقال يكفل للمناقشات التشريعية الإفادة من آراء قوم من غير رجال الدين ممن يكون لهم بصر نافذ في شؤون الحياة وبهذه الطريقة وحدها يتسنى لنا أن نبعث القوة والنشاط في نظمنا التشريعية (35).

أولي خطوات النهوض فهم المشاكل الملحة في الواقع والتفكير الشامل في حلها، بل في تفادي الوقوع فيها، ولا يمكن الوصول إلى ذلك في ظل فقه جامد وتفكير اجتراري وإدارة مشلولة.

يقترح محمد إِقبال مشروعاً نهضوياً أساسه تحرر النفس ووفاؤها لفطرتها.

يقول محمد إِقبال: الإنسانية تحتاج اليوم إلى:

–         تأويل الكون روحياً.

–         تحرير روح الفرد.

–         وضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحي (36).

أي أن الاجتهاد المؤدي إلى النهضة يجب أن يكون أوسع من الجزئيات الصغيرة ليشمل الكون والروح والتشريع، ويصطبغ أيضاً بالبعد الروحي الذي يضمن عدم سقوط العقل في الغرور أو الجمود:

محمد إِقبال ليس غريباً عن قواعد الاجتهاد التي وضعتها العقلية الفقهية النظامية فهو يبين أن:

أصل الاجتهاد على ما أعتقد هو قول القرآن في آية مشهورة ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69).

وفي المذاهب المعمول بها يجعل الاجتهاد على ثلاث درجات:

–         حق كامل فيٍ التشريع وهو يكاد يكون مقصوراً على أصحاب المذاهب.

–         حق نسبي فيه ويمارس في حدود مذهب.

–         حق خاص يتعلق بتعيين القاعدة الشرعية التي يصح تطبيقها في حالة خاصة لم يعينها أصحاب المذاهب (37).

هذا التنظيم والترتيب في قضية الاجتهاد توارثته قرونا طويلة، وتوارثت معه ذلك الرعب المرضي الذي يجعل التقرب من باب الاجتهاد مفضيا لضياعٍ الدين ولذلك بقي ذلك الباب موصداً أمور المسلمين جامدة، يتطورها حولها وتبقي في تدهور مستمر؛ ليهرب البعض من الدين الجامد ويجمد المتدينون في فهم خاطئ يكبل الإدارة ويزيد من معيقات النهوض.

يلاحظ إِقبال عن النوع الأول:

لقد سلم أهل السنة بهذا النوع من الاجتهاد من ناحية إمكانيه النظري، ولكنهم أنكروا دائماً تطبيقه العلمي منذ أن وضعت المذاهب، وذلك لأن الاجتهاد الكامل أحبط بشروط يكاد يستحيل توافرها في فرد واحد، ومثل هذا الاجتهاد يبدو شديد الغرابة في نظام يقوم في جوهره على الأسس التي وردت في القرآن، الذي يرى أن الحياة في جوهرها متغيرة (38).

الأسئلة في مرحلة إرهاصات النهضة أهم من الأجوبة الجاهزة، والواقع يبين أن الأجوبة غير صالحة عندما تكون جاهزة غير مرتبطة بإلحاحات الواقع. والسؤال الذي يطرحه محمد إِقبال جوهري ونهضوي، ومحرك للعقول المتراخية: كيف التوافق بين طبيعة الدين الذي يجعل باب الثوابت ضيقاً وباب المتغيرات واسعاً، وبين طبيعة هذه النوعية من القيود التي تحجر على العقول وتجعل اجتهادات بعض البشر المقدس والثابت.

قد يوحي هذا النقلييد برغبة في تحقيق الاستقرار، ولكنه أيضاً يوحي بإلغاء كل الفرص لتفتح قرائح الأفراد وإبداعهم، كما أبداع أولئك الأولون المقدسون:

الجماعة التي يسودها التنظيم المعقد يتلاشي فيها الفرد من الوجود تلاشياً تاماً؛ إذ هو يجني قطاف كل ما حوله من تفكير اجتماعي، ولكنه يفقد روحه هو (39).

محمد إِقبال يرفض صراحة وضمنياً كل القيود الموضوعة، تحت أية مسميات، أمام إرادة الأفراد في حاولاتهم الاجتهادية، لتحقيق أحسن صور الاستخلاف؛ ذلك أنه يراهن دائماً في عملية النهوض على نهضة الذات وتحررها؛ فهو يقرر، في كل مناسبة، أنه مالم ينهض الإنسان إلى العمل، ولم يبعث مافي أعماق كيانه من غنى، وكف عن الشعور بباعث من نفسه إلى حياة أرقى، أصبحت روحه جامدة جمود الحجر (40).

يترجم محمد إِقبال هذه الفكرة شعراً فيقول:

أنت أيها المسلم سر ((كن فيكون))، فانكشف على نفسك قبل أن تنكشف على غيرك، وبُح بسرك لسرك وكن أمين ((الذات)) وترجمان الرب، ما التفرقة البغيضة بين هندي وخراساني وإيراني وأفغاني، فيا ملتزم الساحل واللاجئ إلى الشاطئ أقفز بنفسك في خضم البحر، فلا تحدك حدود ولا تغلك قيود، رفرف بجناحيك ياطائر الحرم قبل أن تحلق في الفضاء، وانفض عنك هذا الغبار.

أسبسر – أيها الجاهل – أغوار ((الذات)) وانزل في الأعماق فإنها سر الحياة وارفع عن نفسك قيد الصباح والمساء وحطم قيود الزمن وكن خالداً سرمداً أبداً (41).

وإذا كان الهدف الأساسي للقرآن حسب إِقبال هو أن يوقظ في نفس الإنسان شعوراً أسمى بما بينه وبين الخالق وبين الكون من علاقات، فإن واقع المسلمين اليوم يبلد الشعور ويلغي العقول ويريك الأرواح، مما جعل البعض يهرب إلى فكر آخر، من بين مقدساته الحرية، ومن بين أعظم إنجازاته نهضة مادية، بنيت على قيم أخلاقية سامية كاحترام العقل والزمن والعمل.

–            أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث هي السرعة الكبيرة التي ينزع بها المسلمون في حياتهم الروحية نحو الغرب، ولا غبار على هذا المنزع؛ فإن الثقافة الأوروبية في جانبها العقلي ليست سوى ازدهار لبعض الجوانب الهامة في ثقافة الإسلام.

القيم الإيجابية والسامية التي كانت وراء ازهار حضارة الغرب قيم لها أصولها في الإسلام، ولكن هناك أيضا جوانب سلبية في ذلك التطور لا تتماشي وقيم الإسلام، والمقارنة بين قيم الإسلام وقيم الغرب تبدو أكثر من ضرورة، لتغلب الثانية ولإغرائها لعقول شباب المسلمين الذين يكادون ينقطعون تماماً عن دين الإسلام المجمد في قيود تخنق إدارة الأفراد.

–            نجد شباب المسلمين في آسيا وفي إفريقيا يتطلون توجيهاً جديداً بعقيدتهم، ولهذا لابد من أن يصاحب يقظة الإسلام تمحيص بروج مستقلة لنتائج الفكر الأوروبي، وكشف عن الدى الذي تستطيع به النتائج التي وصلت إليها أوروبا أن تعيننا في إعادة النظر في التفكير الديني في الإسلام، وفي بنائه من جديد إذا لزم الأمر (42).

–            إعادة النظر في التفكير الديني في الإسلام بمساعدة الفكر الأوروبي يبدو حلا تغريبياً، وإذا كان بعض النقاد يرون فعلاً أن محمد إِقبال كان في بعض موافقه الفكرية تحت أسر الفكر الأوروبي، فإن الموضوعية تقتضي أيضاً التذكير بأن مفكرين كثيرين أيضاً بينوا أنه: لولا صدمة الاستعمار بفكره الكاسح لما تفطن المسلمون إلى الهوة التي تفصلهم عن عالم الأحياء والفاعلين.

إقامة محمد إِقبال في الغرب أفادته في متابعة الانقلاب الذي سقطت فيه بعض العقول؛ جراء غرورها وابتعادها عن نداء الفطرة. وإذا كان إِقبال يقرر قوة العقل الأوروبي فإنه يفعل ذلك للاستفادة من تجربة استثمار العقل، الذي هو القاسم المشترك بين كل البشر، والفرقُ يكمن في كيفية التعامل معه.

وإذا كان إِقبال يبين أيضاً الجوانب السلبية للحضارة الغربية، فإنه يفعل ذلك أيضاً من أجل التتنبيه إلى المصير الذي يتدحرج إليه كل إنسان يقمع في ذاته نداء الروح:

إنها حضارة شابة بحداثة سنها والحيوية الكامنة فيها، ولكنها مُحتَضَرة تعاني سكرات الموت، وإن لم تمت حتف أنفها فستنتجر، وتقتل نفسها بخنجرها، ولا غرابة في ذلك فإن كل وكر يقوم على غصن ضعيف ليس له استقرار، ولا يُستغرب أن يرث تراثها الديني ويدير كنائسها اليهود (43).

الرجل العصري بما له من الفلسفات نقدية وتخصص يجد نفسه في ورطة، فمذهبه الطبيعي جعل له سلطاناً على قوى الطبيعة لم يصل إليه من كان قبله، لكنه أيضاً سلبه إيمانه في مصيره هو، فهو في صراع مرير وصريح مع نفسه، وهو في المجالات الاقتصادية والسياسية في كفاح صريح مع غيره (44).

الموضوعية في تناول الحضارة الغربية اقتضت من محمد إِقبال أن يُكْبِر فيها قيمة التحرر، وحب العمل، واحترام الوقت، واستثمار طاقات العقل، وغيرها من الفضائل، ولكنه ينبه إلى أنها لم تتحصن بدين معصوم يعطيها السلام الداخلي، الذي يمنعها من السقوط في عبادة الأهواء. وهذا التحليل ضروري أن يتمثل أمام العاملين على نهوض الأمة الإسلامية.

يعطي محمد إِقبال مثالاً عن سوء تمثل الحضارة الغربية بما فعله كمال أتاتورك:

إن كمال الذي تغنى بالتجديد في حياة تركيا، ودعا إلى محو كل أثر قديم وتراث قديم، جهل أن الكعبة لا تجدد ولا تعود إلى الحياة والنشاط إذا جلبت لها من أوروبا أصنام جديدة، إن الجديد عنده هو القديم الأوروبي الذي أكل عليه الدهر وشرب (45).

التجديد إذن ليس بنبذ الأصول واستيراد قديم الدول المتقدمة؛ لأنها حريصة على الاستئثار بجديدها، ولكن التجديد هو بتجديد الصلة بالأصول وتفعيلها، ومن ثم التفتح على جديد العالم للحاق بركب الأمم المتقدمة، وليس التعثر فيما تجاوزه الزمن:

إن الأمة المسلمة، منذ عهد سليم الثاني، تحاول الحصول على المعرفة الفنية والمعلومات التقنية، ولكن الجواب الأوروبي كان دائماً الرفض، إلا في بعض أمور هامشية تعود على الغرب ومصالحه بالنفع لا على الآخرين (46).

هناك موقف آخر لمحمد إِقبال من التجربة التركية، فإلى جانب الموقف السالف في إدانة كمال أتاتورك، يلاحظ أن هناك موقفاً آخر تخلل بعض تحليلاته لها:

إذا كانت نهضة الإسلام أمراً واقعاً، وأنا أعتقد أنها أمر واقع، فلابد لنا أن نفعل يوماً مافعله الترك فنعيد النظر في تراثنا العقلي، وإذا لم نستطيع أن نضيف جديداً إلي التفكير الإسلامي العام فقد نوفق عن طريق النقد المحافظ السديد في كبح جماع حركة التحليل من الدين التي تنتشر بسرعة في العالم الإسلامي (47).

المعروف أن العثمانيين لم يؤسسوا لتقاليد فكرية اجتهادية، بل أن تركيزهم على الدفاع عن الحدود شغلهم عن التفكير في غير المسائل الحربية، وكانت هناك محاولات في أواخر الحكم العثماني تحاول استدراك ما فات، لكن العامل الزمني لم يكن لصالح هذا المنحى بالإضافة إلى التشكيك في صدق النوايا.

وعندما قام الأتراك بحركة إزالة رسم الخلافة، وقف بعض المفكرين المسلمين موقف التأمل الموضوعي؛ أي البحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، خصوصاً أن أتاتورك وصحبه لم يتبرؤوا في البداية من الإسلام، بل برروا ما فعلوه بمحاولة حماية شعلة الإسلام.

ولعل فكرة محمد إِقبال الأخيرة كانت قبل اتضاح المنحى الاغترابي لأتاتورك.

ومن التأملات في حركة إزالة الخلافة يقول محمد إِقبال:

هل ينبغي أن تسند الخلافة إلي شخص مفرد؟ أجانب الاجتهاد التركي: إن روح الإسلام تجيز إسناد الخلافة الإمامية إلى جماعة من الناس أو إلى مجلس منتخب، أنا فأعتقد أن الرأي التركي رأي سليم جداً، ونظام الحكم الجمهوري يتفق مع روح الإسلام، وأصبح كذلك ضرورياً، نظراً للقوى الجديدة التي من عقالها في العالم الإسلامي (48).

هدف محمد إِقبال ككل مفكر مسلم هو إرساء قواعد الانطلاقة النهوضية؛ للخروج من مقبرة التاريخ، وكلُّ قاعدة يجب أن تأخذ بعين الاعتبارات مستجدات الأمور ومصالح الناس، بما يتفق مع روح الإسلام، وفي ظل المستجدات والتحديات المعاصرة لا يمكن للخلافة الإسلامية بشكلها العتيق أن تصمد طويلاً.

و محمد إِقبال يؤصل لرأي الكماليين في هذه الفكرة بالتركيز على المتغيرات التي فرضت نفسها على تصور الخلافة؛ لتؤدي دورها في تطور المجتمع وحمايته:

الترك اتبعوا رأي المعتزلة الذين يذهبون إلي أن تنصب الإمام أمر تدعو إليه ضرورة الاجتماع لا غير، ألم يسقط القاضي أبو بكر الباقلاني شرط القرشية في الخلافة نتيجة لحقائق التجارب في الحياة أي لما أدرك قريشا من الاضمحلال السياسي وما نشأ عنه من عجزها عن حكم العالم الإسلامي وأدلي ابن خلدون بما يقارب هذه الحجة مع أنه كان يعتقد في شروط القرشية في الخليفة (49).

هذه هي أهم الأفكار التي تمحورت حول إشكالية النهوض في تراث محمد إِقبال، وهذا التراث باعتباره اجتهاداً بشرياً يحمل السلبيات كما يحمل الإيجابيات، والنقد الموضوعي هو وحده الكفيل بتوفير شروط استثمار الاجتهادات المختلفة، وفي إطار تتبع نقاط ضعف الطرح الإقبالي يمكن إدراج بعض الآراء.

رأي الندوي في إِقبال ينطلق من معرفة قربية بالرجل وبأفكاره وكتاباته؛ يقول:

وقد كانت له في محاضراته التي ألقاها في مدينة مدارس ((تجديد الفكر الديني)) أفكار فلسفية وتفسيرات للعقيدة الإسلامية، لا نوافقه عليها، إنني لم أزل والحق أحق أن يقال في كل دور من أدوار حياتي وثقافتي معتقداً أنه لايزيد عل ان يكون تلميذاً من تلاميذ الثقافة الإسلامية النجباء الأذكياء، ودرسها دراسة مخلصة وكان لايزال في حاجة إلي التعميق والرسوخ فيها، والاستفادة من معاصريه الكبار. وكانت في شخصيته الكبيرة جوانب ضعف لا تتفق مع عظمته العلمية، وعظمة شعره لم يجد وقتاً كافياً وجواً ملائماً لتسديدها (50).

هذا التنبيه من الندوي يؤخذ بجدية لأن الرجلين أبنا بيئة واحدة من جهة، لأن تحليل الندوي لأفكار محمد إِقبال موضوعي باعتبار أنه وأفراداً من عائلته من مترجمي شعره، وأنه أيضاً من العاملين في حقل الفكر الإسلامي، ومن الدعاة الذين حملوا هم النهوض بالأمة الإسلامية، مما يعطي أيضاً لتحليله الكثير من المصداقية.

أما محمد البهي فقد ركز في تحليله لأفكار محمد إِقبال، ولبعض الأحكام التي أصدرها على بعض الحركات، وجعلها نموذجاً للنهضة الإسلامية، مما يربك طرح إِقبال العام حول الواقع الإسلامي وسبل إصلاحه:

الشئ الذي يبدو فيه ضعف إقبال، ثقته ببعض الحركات الإسلامية الحديثة على أنها تمثل التجديد الفكري في الإسلامي، وعلى أنها تمثل الوثبة المطلوب للعالم الإسلامي أن يفتدي بها وربما لم يدرس هو نفسه هذه الحركة من مصادرها، بل أطلع عليها من وصف المستشرقين إياها فصدقهم (51).

ويورد محمد البهي الأمثلة على ما سبق، وهي أمثلة تطرح أسئلة حول الخليفة التي بني عليها أحكامه، أو عدم تحريه بما فيه الكفاية حول مواقف بعض الحركات والأشخاص وهو المترصد الواعي.

الأمثلة على ماسبق:

–            وصف إِقبال الحركة البهائية أو البابية بأنها من الحركات الإسلامية المتأثرة بالحركة الوهابية، ويراها حركة إسلامية وإصلاحاً دينياً، رغم أن البهائية هي مزيج عجيب من الثقافات الدينية والفلسفية (52).

–            يصف حركة التجديد التي قام بها بعض الأتراك المحدثون، وفي مقدمة الدعاة لها الشاعر ضياء كوك آلب، بأنها حركة مثالية في إصلاح الفكر الديني في الإسلام (53). رغم أن هذا الشاعر ماهو إلا ملقد لأوغست كونت الملحد، وتركيا التي يراها الأمة الإسلامية الوحيدة التي نفضت عن نفسها سبات العقائد الجامدة هي التي تبنت الفكر الغربي تقليداً بدون تنقيح (54).

–            حسن ظنه بالمستشرقين يتجلى مثلا في استجابه لما كتبه هورتن Horten  الذي كان يوماً ما أستاذاً للغات السامية في جامعة بون عن الإسلام (55).

وتعريف البابية التي مدحها محمد إِقبال مهم في دعم آراء النقاد:

البابية هي باب البهائية، والباب هو المدخل الذي بفضي إلي البهاء والبهائية، وأما المدخل المباشر للبانية فقد جاء من إحدى طرق غلاة الشيعة في إيران وتدعي الشيخية، ظهرت حوالي منتصف القرن الثامن عشر 1744 الموافق لــ 1157 هـ، ورائدها هو الشيخ أحمد الإحسائي (ت 1827)، أهم أفكاره: إنكار البعث الجسدي، وأن المهدي المنتظر سيوجد بالولادة، وسيظهر بمظهر الله.

على محمد رضا الشيرازي أحد أتباع الطريقية، ثم أعلن نفسه ((الباب)) في العام 1260 هـ / مايو 1844، فآمن أغلب الشيخية بالباب وتسموا بالبابين، وانتشروا في إيران وتركستان، ثم أعلنوا دعوتهم في مكة في موسم الحج 1844 مؤكدين أنه المهدي الذي طال انتظاره منذ أكثر من عشرة قرون. وهم يعتقدون أن روحٍ الله حلت في الباب حلولاً مادياً جسمانياً وأن جميع الأنبياء تجسدوا في شخصه. بعد أنتشار مذهبه وتحالفه مع بعض الولاة وثورة الفقهاء على انحرافاته أعدام رمياً بالرصاص في تبريز عام 1850، ثم قام بالأمر من بعده ميرزا حسين على الملقب بالبهاء الذي أسس البائية وأعلن نسخ الشريعة الإسلامية، وأنه المخلص الموعود الذي بشرت كل الملل (56).

ويرى محمد البهي أيضاً أن محمد إِقبال لم يكن له مشروع متفرد للنهوض؛ وليست فكرته الإصلاحية شيئاً أكثر من محاولة لإعادة بناء الحياة الاجتماعية الإسلامية على مبادئ الإسلام نفسه، ما كان معروفاً منها بالضرورة، وما يصح أن نركز عليه هو الغاية من هذه الفكرة الإصلاحية وهي تلك الديموقراطية الروحية التي تقوم على الاعتداء بذات الفرد وسيطرته على الطبيعة والواقع، وإداركه لحقيقة أصل وجوده وهو الله جل شأنه (57).

ويرى محمد البهي أيضاً أن كتابات محمد إِقبال ليست منسجمة ولا متطابقة كلية مع الطرح الإسلامي الأصيل، وهو يورد أيضاً أمثلة أخرى عن ارتباك الطرح الإقبالي، مما يفقده التماسك الضروري لأي مشروع مرتكز على قاعدة صلبة، ومتضمن لأفكار مترابطة منطلقة من الثوابت، مستهدفة الانطلاق نحو تفعيل هذه الثوابت عبر مجال المتغيرات الواسع.

ولكن إقبالاً لم يكن في ذلك كله إلا مسلماً أولاً، ومفكراً غربياً في الصياغة والمنهج ثانياً (58) كما في محاولته شرح استمرار العالم أو شرح استمرار خلوده وبقائه؛ فإنه يحاول أن يرتفع في هذا الشرح إلى المستوى الديني الذي يصوره الإسلام نفسه ولكن يبعد في تفسير النصوص التي استعان بها عن مدلولاتها المعتادة التي تلائم هذا المستوى (59)، كما يلاحظ على إِقبال أيضاً أنه يقف أحياناً في تفسيره لبعض آيات القرآن عند الحد العامي لمدلول الألفاظ وقد يذهب في تفسير بعض آيات أخرى مذهباً علمياً أو فلسفياً، ويبعد بالمعنى عن مستوى الإنسان المتوسط (60).

أما عبد القادر محمود فيرى أن أهم إسهام لمحمد إِقبال هو تعمقه في الفكر الغربي وكشف تهافِتِه، وبالتالي عجزه عن أن يكون سبباً في نهضة المسلمين، أي أنه أبطل مفعول المشروع التغريبي من أساسه وليس عن طريق العويل السلبي:

إذا كانت مدرسة جمال الدين الأفغاني قد أسهمت في خلق ثورة فكرية تجديدية في التفكير الإسلامي، وحملت لواء الثورة ضد الحركات الاستعمارية في مدرسة إِقبال هي المدرسة الأولي التي حملت لواء التجديدية في الفكر الإسلامي، وبخاصة ضد دعاوي الوضعية والماركسية، وفي معاقلها في الغرب قبل الشرق القريب والبعيد، وباللغة الأوروبية التي كان يكتب بها إِقبال أهم تراثه (61).

ويرى ماجد فخري عكس ماذهب إليه عبد القادر محمود: أن محمد إِقبال كان باحثاً متمرساً في التراث الفلسفي الغربي، مما سهل عليه عملية إثبات أن مايحمله الفكر الغربي من إيجابيات وطروحات حول الكون، متضمنة منذ قرون في النص القرآني:

أهم محاولة، ولعلها المحاولة الوحيدة لتأويل الإسلام تاويلاً فلسفياً معاصراً، هي تلك التي قام بها مفكر هندي وشاعر ذو حس مرهف وعالم واسع الإطلاع على الفلسفة، هو محمد إِقبال، فهو عوضاً أن يستند التاريخ في التعبير عن النظرة الإسلامية إلي الكون تعبيراً عصرياً؛ يعمد إلي الاقتباس من التراث الفلسفي الغربي دون تحفظ، وغرضه لم يكن التدليل على أصالة النظرة الغربية بل كان اتفاقها مع الرؤيا القرآنية للكون (62).

ويري ماجد فخري أيضاً أن هذا الجهد شبيه بما فعله قبل قرون الفيلسوف التائب أبو حامد الغزالي، وما فعله الكندي وابن رشد في محاولتهما التوفيق بين الفكر اليوناني والعقيدة الإسلامية، إذ يقرر أن عمل إِقبال:

يشبه بضخامته التنسيق الذي قام به الغزالي قبل ذلك التاريخ بنحو ألف سنة في كتاب إحياء علوم الدين، أما من حيث الجوهر فهو أشبه بتنسيق الكندي وابن رشد في التوفيق الذي حاولاه بين نظرة اليونان الفلسفية إلى الكون، ونظرة الإسلام الدينية إليه. والفرق الرئيسي بين الفريقين أن المقولات التي استخدمها الكندي وابن رشد كانت مستمدة من أفلاطون وارسطو وأفلوطين، بينما المقولات التي استخدمها إقبال مستمدة من هيغل وهوايتد (63) وبرغسون. ولئن تغير الأساتذة فإن المشكلة في جوهرها مازالت واحدة وهي محاولة سد الثغرة بين الفكر النظري والعقيدة الدينية (64).

لكن هناك تحفظات كثيرة سيقت حول كتاب الإحياء ومحاولات الكندي وابن رشد؛ من أهمها محاولة صاحب الإحياء توجيه المسلم وفق نظرة تتجه الآخرة أكثر من الدينا، ومحاولة الفيلسوفين ليّ أعناق الآيات القرآنية أحياناً لتنسجم مع فكر وثني إغريقي لتكون الحصيلة تلفيقاً فاشلاً لأن ثمرته كانت وبيلة على الفكر الإسلامي بإرباكها لعقيدة المسلمين البسيطة وتعقيدها.

وإذا كان بعض المفكرين والدارسين للفكر الفلسفي الإسلامي صنفوا جهود الفلاسفة المسلمين أنها من قبيل الترف الفكري، فإن محمد إِقبال يبرأ من هذا وهو الذي حمل هم واقع المسلمين، فهو يوضح رسالته في محاضراته الملقاة في مدارس بين 1982-1929.

إيقاظ أبناء دينه في الهند، وإعادة النظر في الإسلام بمفاهيم معاصرة، مستمدة بالدرجة الأولى من حصيلة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (65).

إن محمد إِقبال قد نبه إلي أن هدفه من جهوده التوفيقية هو إيقاظ المسلمين، لكن تنفيذه لهدفه ذلك شابته – فيما يرى فخري – الكثير من السلبيات الحائلة دون تحقيق الهدف:

فكثيراً ما يستشف المرء في عرضه قضايا إسلامية تقليدية مفاهيم هيغلية أو برغسونية بحتة، والعلاقة بين هذه المفاهيم والآيات القرآنية التي يستشهد بها كثيراً ما تجئ واهية، وعلى غرار غيره من المفسرين المجددين للقرآن وخاصة في الهند يمكن خطأ أسلوبه التفسيري في إهماله للقرائن التي أحاطت بالتنزيل القرآني أي أسباب النزول (66).

وإِقبال في قصائده كثيراً ما يعبره عن صراع داخلي ينتابه بين الفكر والروح، وسطوة الأفكار الغربية بما يحيطها من وسائل الإغراء وغياب البديل القوي، هذا الصراع كانت له آثاره على عقل متعب بهموم المسلمين ومتعب باجتهادات مضنية، لم يتبين إِقبال نفسه آثارها الإيجابية، وإن كانت قصائده تعترف بأن ثمرة الفكر الأوروبي المغرور مُرّة ومنافية لصفاء الفطرة بل وللمنطق البسيط.

فالربط بين النظرة الإسلامية أو القرآنية إلى الإنسان والعالم وبين المراحل الحالية من التطور العلمي على غرار ما فعله إقبال خاصة يؤدي إلى خطأ جسيم يقع فيه أصحاب هذا الخطأ:

ماداموا يلحقون حقيقة الإسلام الدينية بطور من أطوار الحقيقة العلمية مازال موضعاً للشك، والعبرة التي يعلمنا إياها تاريخ الاكتشاف العلمي هي أن هذه الأطوار العلمية ذات طبيعة زائلة، سواء اقترنت بأسماء عريقة كأسطو وبطليموس، أو بأسماء رواد محدثين كنيوتن واينشتاين (67).

وما ينبه إليه ماجد فخري وقع فيه اليوم المجتهدين في قضايا الإعجاز العلمي.

أسلوب محمد إِقبال انطبع أيضاً بالملاحظات السابقة التي أوردها ماجد فخري خصوصاً في كتابه الفلسفي ((تجديد الفكر الديني)) الذي كان من المفروض أن – فيما يرى ماجد فخري – يكون متناسقا لأنه يحمل اجتهاداته الأساسية؛ فإن قارئه لا يتمالك الشعور الطاغي بسعة علمه وبرحابة تأملاته الميتافيزيقية الدينية، إلا أن لباقته التعبيرية وبراعته الانتقائية كثيراً ما يزعجان القارئ أيضاً، فهو من ناحية كثيراً ما يتطرق من قضية إلى أخرى وليس بينهما إلا أوهي الصلات، ومن ناحية ثانية غالباً ما يستشهد بآراء بعض عظماء الفلاسفة والعلماء يدعم بها أقواله، ولكنه لا يلبث أن ينقلب عليهم ويبرز ما في أقوالهم من تضارب وضعف وكثيراً ما يبلغ من وفرة استشهاده بالثقات القدماء أو المحدثين المسلمين منهم والغربيين ما يترك القارئ منقطع الأنفاس (68).

ويعطي ماجد فخري مثالاً على ما قاله:

ففي مدى ست صفحات من ص 31 إلى ص 37 – من الكتاب المذكور- مثلاً يورد الأسماء التالية: باركلي وهواتيهد واينشتارين وواصل وزيتون ونيوتن والأشعري وابن حزم وبرغسون وكانتور وأوسبانسكي هذا إذا اقتصرنا على أشهرهم (69).

والقارئ المتأمل ((لتجديد الفكر الديني)) يلاحظ ضخامة الجهود المبذول، وقوة الضغط الذي تتأوه تحته نفس إِقبال، وهو يبحث عن سبيل النهوض بالمسلمين الغارقين في تخلفهم، في عالم تسيطر فيه حضارة بدأت تستنفذ الطاقة الحيوية الإيجابية في أولى نشأتها لتسقط في حمأة الغرور والبهيمية.

وتلك الضخامة وذلك الضغط قد يفسران بعض الزلات الغربية التي وقع فيها محمد إِقبال:

رغم الهفوات لايمكن إنكار ماقام به إِقبال من محاولة فذة عميقة الجذور، لم يبلغ شأوه فيها أي مفكر في القرن العشرين، لإعادة النظر في المشاكل الإسلامية الأساسية في ضوء اعتبارات حديثة، وفي غمرة هذه المحاولة يجنح إلى نسيان مقدماتها، ويلقي غير عامد تبعة تفسير القرآن على عاتق طائفة غربية من الفلاسفة والعلماء من باركلي حتى اينشتاين (70).

والواقع من النقد يجد بعض مبرراته الملحة عندما يقع الكتاب بين أيدي مختصين يدققون في التفاصيل والجزئيات، فقد علمنا بأن محمد البهي مثلاً يري أن: محاولة إِقبال الفكرية هي محاولة للخاصة (71).

وعبد المجيد النجار أيضاً يري أن التيار الذي ينتمي إليه محمد إِقبال يميل إلى النخبوية الضيقة، والانعزالية عن التيار الكبير للوجود الشعبي الإسلامي (72).

ويضع مالك بن نبي محمد إِقبال في البيئة التي نشأ فيها، ليوضح تفاعل العوامل الخارجية مع الاستعداد الداخلي، لإنتاج فكر متميز:

الهندوس يعدون من أشد المتدينين في العالم، حيث يعيشون في جو صوفي ملتهب وإِقبال كان يشهد تقاليدهم ويعيش في جوهم فنضح بذلك ضميره الديني؛ مما أكسب المفكر الشاعر ذاتية غنية، اتصف بها ضمير يتمتع بالعقل وبالعاطفة أي بميزة الفهم وميزة الانفعال، هذا الحوار بين القلب والفكر هو الذي ينقص إنسان مابعد الموحدين (73).

محمد إِقبال إذن نموذج للإنسان الناهض في العالم الإسلامي، والغريب أن مالك بن نبي يحعل محمد إِقبال ابن البيئة الهندوسية وليس البيئة الهندية المسلمة، ويمكن إرجاع سبب ذلك إلي تلك المحاولات التي بذلها بن نبي للتأصيل الديني والفكري للتقارب المصري الهندي، وقد حملت تلك المحاولات أخطاءً فكرية لأن غرضها كان خدمة أهداف سياسية آنية.

ولكن بن نبي تنبه أيضاً إلى الفكرة المحورية في طرح محمد إِقبال وهي أنه:

نبه على أن المطلوب ليس هو العلم بالله ولكنه في أوسع وأدق معانيه ((الاتصال بالله))، ليس المطلوب مفهوماً كلامياً، ولكنه انكشاف للحقيقة الخالدة وبحسب تعبيره هو ((تجلي هذه الذات العلوية)) (74).

هذه فكرة ستحملها كتابات مالك بن نبي وليس غريباً بعد هذا أن يضعه عبد المجيد النجار في نفس التيار الذي يضم محمد إِقبال.

لقد حمل محمد إِقبال حلم الكيان الإسلامي المستقل عن الهند الكبري، وهوه مالم يشاركه فيه بعض المفكرين المسلمين كالندوي مثلاً؛ يقول مالك بن نبي:

أحد منشئي القومية الإسلامية كان آغا خان الذي رأس في عهد الإصلاح (1908-1909) وفداً إلى نائب الملك ليطالب بفضل المجموع الانتخابي المسلم عن الجموع الانتخابية في الهند (75).

ويضيف مالك بن نبي:

إِقبال اقتبس موضوعاً غريباً ولكنه خلع عليه ثوباً دينياً، كان يريد قومية مسلمة، وربما نجد هنا عنده النزعة المسيطرة التي تتجلي في ((الفكر المسلم))؛ فإن المسلم يتخذ من الدين مصدر الحركة لحياته كلها، فهو مفتاح نفسيته والمقياس الذي تقاس به جميع أشكال سلوكه، والذي تقاس به جميع أشكال سلوكه، والذي يفسر أن الأوامر السماوية لها عنده تأثير وسيطرة أكثر من أوامر الحياة العادية (76).

هذا المبرر الديني لحرص إِقبال على نشأة الدولة المسلمة سيكون فرصة للتلاعبات السياسية، يكفي أن أول رئيس لباكستان كان علمانياً، وأن المودودي أحد المدافعيين عن قيام الدولة وعن ضرورة التزامها بمبادئ الإسلام تعرض للتنكيل وللسجن والحكم بالإعدام، كما أن صورة الإسلام المدافع عنه تحول في بعض الأحياء إلى استبداد عنيف أو شكل كاريكاتوري.

مالك بن نبي ينبه أيضاً إلى أن جهود محمد إِقبال – رغم ضخامتها – لم تحرك قاطرة النهوض، ولم تحدث الأثر الذي كان يرجوه صاحبها: عمل إِقبال لم يكن له ايضاً أدنى صدي (77).

ولمحاولة تفسير أعمق لهذه الحالة، حلل مالك بن نبي فكرة ((القومية الإسلامية)) عند محمد إِقبال بربطها بملاحظة هامة استنتجها إِقبال من قراءاته للتاريخ الإسلامي:

إِقبال وجد نفسه أحياناً محيراً تائهاً عندما كان ينتقل من ((تاريخ المسلمين)) ، إلى جوهر ((الفكر الإسلامي))، فقد عبر عن دهشته في رسالة وجهها عام 1927 إلي المستشرق نيكلسون حين قال: إني مقتنع تماماً بأن فتح البلاد لم يكن من البرنامج الأساسي للإسلام، والحق أنني أعتبر من الخسارة الكبرى أن يوقف تقدمُ الإسلام كإيمان فاتح نموَّ ((أجنَّة)) التنظيم الاجتماعي والديموقراطي والاقتصادي التي أجدها متوزعة في صفحات القرآن وفي سنة النبي ﷺ78) ).

لقد تبين من الفصل الأول أن هناك مفكرين معاصرين نبهوا بدروهم إلي أن جانباً من الفتوحات الإسلامية كان لشغل الناس عن التفكير في التنظيمات الداخلية، والدليل على ذلك أن عسكرة الحياة كانت دائماً تخدم مصالح المستبدين، وتؤجل إلى الأبد مسألة التفكير في المؤسسات الشورية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، التي تساعد على تجسيد قيم الإسلام في الحرية واحترام العقل.

مالك بن نبي يقرأ دلالات الفكرة السابقة وأبعادها المنفرعة ليستنتج:

فإِقبال يرى إذن مسافة بين النظرية والتاريخ وبين الفكرة والسلوك، ولكن مما يبعث على الغرابة أنه لم يكن يظن أن هذه المسافة قد تجلت في فكريه الخاصة إذ نراه يَعْبُرُ، عن غير شعور، حدود مفهوم ((الأمة الإسلامية)) إلى مفهوم ((القومية الإسلامية))، تلك الفكرة التي استخدمت كأساس نظري في تأسيس باكستان (79).

فإذا كان محمد إِقبال يرى أن الاتجاه الفتوحاتي في الإسلام كان على حساب الاجتهاد في إرساء قواعد الممارسة السياسية والاجتماعية الصحيحة داخل المجتمع المسلم، فإن مالك بن نبي يري أن هذه الرؤية لا تتماشي مع سعي إِقبال إلى إقامة قومية  إلى إقامة قومية إسلامية، والواقع أن مالك بن نبي يوجه نقده إلى الوجهة التي يريدها هو، وليس التي يريدها إِقبال، فهذا الأخير يري أن إقامة الدولة الإسلامية كفيل بمساعدتهم على القيام بواجباتهم الدينية، لكن هدف مالك بن نبي يتضح في فكرته التالية:

أنا أعتقد أن نهرو كان أقرب إلي ((الفكرة الإسلامية)) حين كتب عام 1942 فيما يتصل بالمسالة القومية في الهند؛ إذ قال: أعتقد أن هذا الشعور كان مصطنعاً وأنه لم تكن له جذور في العقلية المسلمة (80).

كيف بنتصر مالك بن نبي لفكرة نهرو الملحد، الذي يُفهم نفوره من أي إسقاط ديني على نظام الحكم، ويعارض فكرة محمد إِقبال التي – رغم نقائصها- تبقى على الأقل أقرب إلى ضمان حماية حقوق المسلمين في دولة يسيطر عليها الملحدون والهندوس؟

ويقول طارق البشري بعد دراسة تاريخية وتتبع بالمقارنة لملابسات ميلاد وتطور الفكرة القومية في بلاد الشام وشمال إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية والسودان:

ليس من العقل اتخاذ النموذج الشامي كنموذج وحيد للفكرة القومية لأن الاتجاه العربي هناك دعوة وحركة قامت على الانفصال عن الجامعة الإسلامية العثمانية (81).

أما في الهند: فالفكرة القومية قامت بوظيفة انسلاختة، المسئول الأول عن انفصال باكستان عن الهند كان حزباً علمانياً في جوهره وهو حزب الرابطة الإسلامية بزعامة محمد على جناح وقد عرف عن أعضاء هذا الحزب عدم الالتزام بالإسلام شريعة وسلوكاً، وكانوا أعداء شرسين لتطبيق الشريعة الإسلامية بعد إنشاء باكستان.

ويستشهد بكليم صديقي الذي يتحدث عن أعضاء هذا الحزب: بأنهم عرضوا شعب باكستان في 26 سنة من الاستقلال لتفسخ أعظم مما تعرض له خلال 100 سنة من الاحتلال (82).

ولئن كان لهذه الأنظار النقدية ما يسوغها، وأنها لكذلك، فما ينبغي أن تنسينا، وإنها لكذلك، فما ينبغي أن تنسينا صدق النظرة الإقبالية، وما وراءها من عميق الفكر وحرارة التعبير وإدارة التغيير، لواقع المسلمين في العالم.

الهوامش

(*)أستاذة وباحثة في جامعة الجزائر، حاصلة على دكتوراه دولة في علوم الإعلام والاتصال، وحاصلة على دكتوراه دولة في العلوم الإسلامية.

(1)     أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، باتنة، دار الشهاب، 1986، ص15.

(2)     أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص66.

(3)     المرجع نفسه، ص68.

(4)     المرجع نفسه، ص68.

(5)     المرجع نفسه، ص69.

(6)     المرجع نفسه، ص70.

(7)     المرجع نفسه، ص71.

(8)     المرجع نفسه، ص73.

(9)     أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص127.

(10)عطية سلمان بن عودة أبو عاذرة، مشكلتا الوجود والمعرفة في الفكر الإسلامي الحديث عند كل من محمد عبده ومحمد إِقبال، بيروت، دار الحداثة، 1985، ص 49.

(11)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص53.

(12)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص53.

(13)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص212.

(14)عطية سلمان أبو عاذرة، مشكلتا الوجود، ص 308، ص309.

(15)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص248.

(16)سورة الأحزاب الآية72: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾.

(17)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص18.

(18)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص64.

(19)سيد قطب، في ظلال القرآن، ج 4 ،ط 15، القاهرة، دار الشروق، 1983، ص2330.

(20)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص75، ص 76.

(21)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص73.

(22)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص73.

(23)عطية أبو عاذرة، مشكلة الوجود والمعرفة، ص 309.

(24)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص192.

(25)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص211.

(26)محمد إِقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، بيروت، دار آسيا، 1985، ص 175.

(27)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص176.

(28)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص103.

(29)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص106.

(30)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص107.

(31)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص211.

(32)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص111.

(33)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص111.

(34)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص200.

(35)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص201.

(36)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص170.

(37)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص170، ص171.

(38)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص171.

(39)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص174.

(40)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص256.

(41)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص20.

(42)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص14، ص15.

(43)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص15.

(44)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص83، ص84.

(45)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص89.

(46)مقدمة طه جابر العلواني لكتاب منصور مرشو: مقدمات الاستتباع، فرجينيا، م، ع، ف، أ 1996.

(47)محمد إِقبال، تجديد التفكير، ص 176. وهذا قريب مما قاله رشيد رضا في كتابه الخلافة.

(48)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص181.

(49)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص182.

(50)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص23 و ص 24.

(51)محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي، بيروت دار الفكر، 1973.

(52)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص 486.

(53)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص 487.

(54)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص 489.

(55)أبو الحسن الندوي، روائع إِقبال، ص 494.

(56)عبد القادر محمود، الفكر الإسلامي والفلسفات المعارضة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986، من ص 121 إلي ص 124.

(57)محمد البهي، الفكر الإسلامي وصلته، ص 434.

(58)محمد البهي، الفكر الإسلامي وصلته، ص 479.

(59)محمد البهي، الفكر الإسلامي وصلته، ص 482.

(60)محمد البهي، الفكر الإسلامي وصلته، ص 483.

(61)عبد القادر محمود، الفكر الإسلامي والفلسفات، ص 372.

(62)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ترجمة: كمال البازجي، بيروت، الدار المتحدة للنشر، 1974 ص 477.

(63)هوايتد: 1861/1947: رياضي ومنطقي إنجليزي اهتم بفلسفة العلوم، وشارك برتراند رسل في كتابة السفو الهام ((في أصول الرياضيات)).

(64)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 477.

(65)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 478.

(66)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 482.

(67)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 483.

(68)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 482.

(69)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 482.

(70)ماجد فخري، تاريخ الفلسفة، ص 482، ص 483.

(71)محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته، ص 496.

(72)عبد المجيد النجار، مشاريع الاشهاد، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1999، ص 286.

(73)مالك بن نبي، وحهة العالم الإسلامي، ترجمة عبد الصبور شاهين دمشق، دار الفكر، ص 170.

(74)مالك بن نبي، وحهة العالم الإسلامي، ترجمة عبد الصبور شاهين دمشق، دار الفكر، ص 144.

(75)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر، 1981 ص 223.

(76)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر، 1981 ص 223.

(77)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر، 1981 ص 79.

(78)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ص 222 و 223.

(79)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ص 222 و 223.

(80)مالك بن نبي، الفكر الآفرو آسيوية، ص 223.

(81)طارق البشري، بين الإسلام والعروبة، والكويت، دار القلم، 1988.

(82)طارق البشري، بين الإسلام والعروبة، والكويت، دار القلم، 1988.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر