أبحاث

الإعجاز القرآني والتقدم العلمي، رؤية معاصرة (2)

العدد 37

(2

9- مع السيوطي في الاتقان:

ويحتوي كتاب الاتقان للسيوطي، على ثمانين نوعاً من علوم القرآن، يتصدرها بيان المصادر الكثيرة التي اعتمد عليها السيوطي، في تصنيف هذا الكتاب، ومنها ما هو خاص بكتب التفسير، والكتب الخاصة برجال الحديث وغيرهم. وجوامع الحديث والمسانيد، وكتب القراءات، وكتب اللغات، وكتب الأحكام، وكتب الإعجاز88.

فأما هذه الأنواع الثمانون، فمنها ما هو خاص بأسباب النزول، وما نزل مفرقا، وما نزل جميعاً، وجمعه وترتيبه، في عدة سور، وآياته وكلماته وحروفه، وقراءات النبي صلى الله عليه وسلم، ورسم المصحف. والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والعام والخاص، وما كان عاماً ثم خصصته السنة، وما كان عامّاً في السنة وخصصه القرآن، ومعرفة تأويله وتفسيره.

  1. أسباب النزول:

وأسباب النزول فيها الكثير من وجوه الإعجاز القرآني، الذي تبينه السنة، ولا مفر في ذلك من اجتماع كل آية مع الحديث النبوي، الذي يبين لنا سبب نزولها بل إننا لو بحثنا في ترتيب أسباب النزول، لوجدنا فيه نوعاً مستعملاً بذاته، من أنواع الإعجاز في الترتيب.

ولا يزال مشتهراً بين الباحثين في الإعجاز، إلى يومنا هذا، أن كل آية بتمامها، هي التي تعين لنا حكمة ورودها في ترتيبها الخاص بأسباب النزول، ثم في ترتيبها كما نتلو القرآن في المصحف.

ولكننا سنرى، أن ترتيب القرآن، يظهر لنا ما ييسره الله من وجوه حكمته، مهما ننظر في كل آية بتمامها، أو ننظر في أجزاء الآيات من حرف أو كلمة أو جملة صغيرة.

واختلاف ترتيب السور عند بعض الصحابة، لا ينبغي أن يصرفنا عن الإعجاز في ترتيب المصحف، الذي اتفق عليه المسلمون منذ عهد عثمان رضي الله عنه، لأن هذا الترتيب هو الذي تم تحقيقه، على ما كان من جمع القرآن على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، بوحي من ربه، وكما عرضه على جبريل مرتين، في آخر شهر رمضان، من حياته صلوات الله وسلامه عليه.

وهكذا نعلم، أن جمع القرآن، وترتيبه داخل في السنة العملية، للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان للتلازم الدائم، بين الوحي القرآني، وبين الوحي المبين له وهو السنة90.

  1. عدد السور والآيات والكلمات والحروف في القرآن كله

أما عدد سور القرآن، وآياته وكلماته وحروفه، فقد كثرت الأحاديث النبوية، التي تبين لنا ترتيب السور، مما يبين الإجماع، على أن عدد السور مائة وأربع عشرة سورة وكذلك الشأن في ترتيب كل آية بكل سورة، فهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قولاً وعملاً، وهو متضمن عدد الآيات والكلمات والحروف، بحكم ثباتها وإمكان عدها، لمن اجتهد في ذلك من العلماء، بكل الأمكنة والأزمنة.

ويقول السيوطي في الاتقان:

أخرج ابن الضريس، بتشديد الضاد وضمها، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جميع آي القرآن ستة آلاف آية، وستمائة آية، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف، وثلاثة وعشرون ألف حرف، وستمائة حرف، وسبعون حرفاً.

وعدّ قوم كلمات القرآن، سبعة وسبعين ألف كلمة، وتسعمائة وأربعاً وثلاثين كلمة. وأورد السيوطي أقوالاً مختلفة، في إجابة من يتساءل عن فائدة هذا العد، هل له من فائدة.

فمما جاء في ذلك، عن بعض العلماء القدامى، أن العد لا فائدة له، لأن القرآن لا يزيد ولا ينقص.

والحقيقة أن عدّ كلمات القرآن، فيه فوائد كثيرة، منها الوقوف على عدد وجوه العلم والإعجاز، التي يتفرد كل حرف أو كلمة أو آية أو سورة في القرآن كله، بوجه معين منها91.

وهذا يجعلنا نذكر قول أبي بكر بن العربي:

ان علوم القرآن خمسون علماً، وأربعمائة وسبعة آلاف علم، وسبعون ألف علم، على عدد كلمات القرآن مضروبة في أربعة حيث قال بعض السلف إن لكل كلمة قرآنية ظاهراً وباطناً وحداً ومطلعاً. وتفسير هذا اجتهاداً والله أعلم. إن الظاهر هو مبني كل كلمة، أما الباطن فهو معناها في ذاتها. والحد هو استقلالها، بمبناها ومعناها، بين ما تتوسطه من الكلام. والمطلع هو ارتباطها واندماجها في سياقها من كل موضع، بحيث ترتبط بمقصد جديد، بكل موضع جديد، مهما تكثر مواضعها.

  1. من أحكام القراءات:

أما القراءات فهي سنّة متبعة، كما أورد السيوطي في الإتقان، ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنّة متّبعة.

ثم يأتي السيوطي، يقول للبيهقي يبين أن اتباع من قبلنا في الحروف، سنّة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغاً في اللغة أو أظهر منا.

وكذلك يأتي السيوطي في هذا السياق بقول آخر، لأحد العلماء القدامى هو الداني حيث يقول:

وأئمة القرآن لا تعمل في شيء من حروف القرآن، على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، وإذا ثبتت الرواية، لم يردها قياس عربية ولا فشو اللغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها92.

ومما يبين الترابط بين القرآن والسنة أن القراءات، كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، تظل مصاحبة لنا مع كل حرف ننطقه، وكلمة نصلها بما قبلها وما بعدها.

ولهذا دليل جليل في السنة الصحيحة. عن سعود بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلاً، فقرأ الرجل ((إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين)) مرسلة فقال ابن مسعود، ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبدالرحمن؟ فقال: أقرأنيها ((إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين)) فمد93

والمد في كلمة الفقراء يسمى المد المتصل، لوجود الهمزة بعد حرف المد في كلمة واحدة

وكل أحكام القراءات، لها ما يمثلها في حقائق الكون، ولذلك تفصيل، لا يفهمه إلا العالمون بهذه الأحكام.

ولكن الذين يستمعون القرآن بالأحكام الصحيحة، التي حفظتها لنا السنة – فإنهم يتصلون بالنبي صلى الله عليه وسلم اتصالاً وثيقاً، حتى كأنهم يعيشون في عصر النبوة، والقرآن ينزل به جبريل عليه السلام.

وعلم القراءات، هو الذي يبين لنا أن القرآن كوني، وأن الكون قرآني، لكثرة ما جعل الله في هذا العلم، من التراكيب الصوتية المتماثلة، مع منهج الله في مزج أسباب الجمال الكوني، بعضها ببعض.

  1. الناسخ والمنسوخ:

الناسخ والمنسوخ، يستخلص منهما معنى حركة الحياة، لأن معناه في اللغة مناسب لقولهم، نسخت الشمس الظل، أي حلت مكانه، فهو إيضاح لتجدد نعم الله، وبيان البداية والنهاية في حياة الإنسان، ودخوله في الأمور المختلفة وخروجه منها.

ولو لم يكن في القرآن عام وخاص، وناسخ ومنسوخ، لما تبين لنا، كيف تتناسب آياته مع كل أحوال النفس الإنسانية.

السنة تبين لنا أنواع النسخ:

لذلك جاء في كتاب الإتقان أن النسخ أنواع:

الأول: نسخ المأمور به قبل امتثاله، كآية النجوى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صّدّقّة)). المجادلة : 12.

وفي هذا بيان أن الله قادر أن يكلفهم مشقة، في تلقيهم للعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ ذلك، قبل العمل به، فقال تعالى في الآية التالية، لهذه الآية السابقة: ((أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات فَإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيموا الصَّلاة)) (إلى آخر الآية) المجادلة : 13.

الثاني: ما نسخ مما كان مشروعاً عند من قبلنا، وتابعناهم عليه، ثم انتقلنا إلى حكم جديد. وذلك مثل تحويل القبلة، من بيت المقدس، إلى الكعبة في البيت الحرام.

الثالث: ما أمر به لسبب، ثم يزول السبب، مثل الأمر بالصبر على الإيذاء في حين الضعف، ثم نسخ ذلك بإيجاب القتال للمشركين عند تمكن المسلمين وإعدادهم لقوتهم.94

وهذا خاص بمن كان حرباً على الإسلام، معتدياً على أمة الإسلام

أما من حيث النسخ في ذاته فقد جاء في الإتقان أنه على ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: ما نسخت تلاوته وحكمه معاً.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل (عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات)95.

فمن حكمة المنسوخ حكماً وتلاوة، التدرج الذي انتهى بالتحريم، كما انتهى إليه الأمر بقوله تعالى: ((وأخواتكم من الرضاعة)) النساء : 23

وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحرم المصة ولا المصتان96 وفي رواية لمالك في الموطأ وإن كان مصة واحدة فهو يحرم97 وفي رواية أخرى كذلك الرضاعة قليلها وكثيرها تحرم98

فهذه المصادر كلها في القرآن والسنة، وليست متعارضة ولكن النسخ بين لنا بالرجوع إلى أزمنتها أن اللاحق هو الناسخ، وأن السابق هو المنسوخ، وعلى ما استقر عليه العمل أيام النبي صلى الله عليه وسلم، يستمر العمل به إلى يوم القيامة.

الوجه الثاني: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته.

ومنه آية الوصية ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُم الْمَوْت إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصيّة لِلْوَالِدَيْن وَالْأَقْربين)) البقرة : 180

فقد نسخ حكم الوصية هنا بآية المواريث، وإن بقيت متلوة في القرآن99 وقيل نسخ آيته حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ألا لا وصية لوارث100

ونقول – معا – ان من الحكمة، في بقاء آية الوصية متلوة في القرآن أن فيها وظيفة عملية.

فقد استخلصت من آية الوصية أحكام أخرى خاصة بالأقربين، وهو ما يعرف بالوصية الواجبة للأحفاد، إذا مات أبوهم، ثم مات جدهم بعد، فوجب أن يوصى لهم بما كان يخص أباهم لو أنه لم يمت قبل الجد.

وقد استفاد الفقهاء المعاصرون – من وجود آية الوصية متلوة في المصحف، وجوب تشريع الوصية الواجبة لهؤلاء السابق ذكرهم، بينما استفادوا من مقدارها بالحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لسعد بن أبي وقاص أوص بالثلث والثلث كثير101

والوجه الثالث: هو ما نسخت تلاوته وبقي حكمه

وواضح أن الذي تنسخ تلاوته من القرآن ويبقى حكمه، فلابد معه من سنة تبين أصول العمل به، ويستقر بها ما فيه من وجوه العلم، بل ان السيوطي قد أكد هذا في سياق آخر فقال:

قال الشافعي: حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها، وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له، ليتبين توافق القرآن والسنة102

وكلام الشافعي – هنا – يتفق مع أنواع كثيرة من النسخ، ولكنه يبين لنا أن – الحكم لابد من أن يكون موجوداً بالقرآن أو السنة أو هما معاً، إذا كان فيه تفصيل، أو اقتران بشىء من التجديد في أصوله وفروعه.

ثم نلحظ أن هذا النوع من أنواع النسخ، يبين لنا حركة الوحي الإلهي، بين القرآن والسنة، وان الله تعالى هو الذي يبين لنا ما هو قرآن وما هو حديث قدسي، وما هو حديث نبوي، ثم جعل مصادر دينه وموارده، في هذا كله.

ومنه ما يتصل بالسنة، من أفعال النبي وتقريراته. ومما يبين ذلك، ما أثبته السيوطي في الإتقان على هذا النحو عن أبي واقد الليثي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أوحى إليه، أتيناه فعلمناه مما أوحى اليه قال فجئت يوماً فقال: إن الله يقول إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم وادياً لأحب أن يكون إليه الثاني، ولو كان له الثاني، لأحب أن يكون إليهما الثالث.

ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب103

فلما كان هذا القدر من الوحي، قد ثبت أنه حديث قدسي، فهذا مما يبين أن هذا الضرب الثالث، وهو الخاص بالذي نسخت تلاوته من القرآن، وبقي حكمه، قد يكون نزل به الوحي ضمن الأحاديث القدسية، أو الأحاديث النبوية ابتداء، أو يكون قد نزل ضمن آيات القرآن، ثم نسخ واستقر حكمه في السنة ضمن نوع من أنواعها.

ومما يؤكد ذلك أن السيوطي، أورد في هذا السياق حديثاً آخر قال:

أخرج الحاكم في المستدرك عن أُبَيْ بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكين)) وكان بها لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه، سأل ثانياً، وإن سأل ثانياً فإعطيه، سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذات الدين عند الله، الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية، ومن يعمل خيراً فلن يكفره104

وهكذا يمكن أن نستنتج أن الله تعالى أوحى إلى عبده ورسوله، محمد صلى الله عليه وسلم، وحيا كثيرا منه ما هو قرآن تعهد الله بجمعه وحفظه، لأنه كلامه، وله أحكام خاصة به وحده، ودرجات من الإعجاز ليست لغيره ثم من هذا الوحي ما هو حديث قدسي أو حديث نبوي. فكان مما هو متعلق بالنسخ، بيان الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم كل نوع من أنواع الوحي

ومما يزيد هذه الحقيقة بياناً وتأكيداً، ان البخاري ومسلماً أوردا بعض الأحاديث النبوية الصحيحة متضمنة بيان نزولها بالوحي، كما كان القرآن ينزل بالوحي، بما له من علامات عرفها الصحابة في النبي صلى الله عليه وسلم، وشاهدوها، وعاينوها.

ومن ذلك حديث لعلي رضي الله عنه قال: لعمر رضي الله عنه، أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه، قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه وجاء رجل فقال يا رسول الله كيف بمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟

فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر رضي الله عنه إلى علي وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب، قد أظل به، فأدخل رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه، وهو يغط ثم سرى عنه فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبه، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك105

فهذا الحديث، يؤكد أن القرآن، قد نزلت نصوصه كلها بالوحي الإلهي، للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم جمع الله القرآن فعرفناه، وجعل للسنة طريقاً آخر فبعضها عمله النبي عملا، وبعضها أقر عليه أصحابه إقراراً وبعضها قاله قولا

ثم جعل الله لتدوين السنة، طريقة الرواية عن النبي بينما جعل القرآن، يحفظ ويدون بإشراف من النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون في ذلك تدريب للأمة على الغيب والشهادة معا، في تلقيهم للعلم وحفظهم له، وعملهم به، وفي هذا يتوفر للمسلمين كل دواعي القوة من التلقي المباشر وغير المباشر، مع أصول الاسناد، وهي شرف خص الله به المسلمين، من بين الناس جميعاً.

وهذا مما يبين لنا أن النسخ بمعناه الذي يشمل الكتابة، أو نقل المكتوب من مكان إلى مكان أو الحركة المتفاعلة بين شيء وغيره، إنما هو بهذه المعاني كلها، يكشف لنا عن سر عظيم، من أسرار الإعجاز في الوحي كله من قرآن وسنة.

وأن العلوم البشرية كلها، لن تتقدم التقدم المتفاعل مع كل منافعهم المتجددة، إلا بالربط الدائم، بين القرآن، والسنن النبوية والسنن الكونية.

  1. المحكم والمتشابه:

والمحكم والمتشابه، جاء عنه في كتاب الإتقان، أن للعلماء فيه ثلاثة أقوال.

القول الأول: أن القرآن كله محكم لقوله تعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه)) هود : 1

القول الثاني: أن القرآن كله متشابه لقوله تعالى: ((كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَاني)) الزمر : 23

القول الثالث: انقسامه إلى محكم ومتشابه لقوله تعالى: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)) آل عمران : 7

وقد رجح السيوطي القول الثالث106

ولكننا نلحظ أن ترجيح القول الثالث، يحمل معه في الحقيقة، وجوب الربط، بين الأقوال الثلاثة، في حقيقة واحدة جامعة.

وجوب النظرة المتكاملة إلى الإحكام والتشابه

وحتى ننظر نظرة متكاملة، إلى ما نظر إليه السيوطي نفسه نظرات متفرقة، فإننا نجد القول الأول، ينبغي أن ننظر إليه ونحن نقرأ هذه الآية بتمامها: ((الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه ثُمَّ فُصِلَّتْ مِنْ لَدُن حَكِيم خَبِير)) هود : 1

ووجود (الر) ضمن هذه الآية وحروفها، يضع معرفتنا الإنسانية في حدودها الحقيقية التي وضعها الله فيها.

وهذه الحدود، يتبين لنا معها، أن الإنسان ينبغي عليه أن يتعلم مما كشف الله له معانيه من وجوه العلم، وأن يؤمن بما غاب عنه علمه من ذلك، ويرده إلى الله تعالى.

ولا شك في أن (الر) تدخل في هذا النوع الأخير، بحكم كونها حروفاً لا نستطيع ربطها بدلالة نستطيع في حدودنا البشرية – أن نعلمها، ولابد لها من دلالة يعلمها الله تعالى، ولو شاء أن يبينها لنا لفعل.

أما باقي الآية، فمعناه محكم، أي مترابط في مشهد واضح الدلالة، وإن كنا لا نستطيع أن نحيط بكل ما فيه من العلم. فإذا نحن نظرنا، إلى كل آية قرآنية نظرة جامعة، تترابط معها معانيها في سياق واحد، فإن هذا الصنيع يجعلنا في تطبيقة عملي لقوله تعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ أيَاتُهْ)).

أما قوله ((ثُمَّ فُصِّلَتْ)) فهو يدلنا على علوم كثيرة، منها تعدد الصلات، بين كل قدر من أجزاء الآيات القرآنية من حرف أو كلمة أو جملة صغيرة وبين مواضع أي قدر من ذلك، يتجدد ارتباطه بها في القرآن، مع ترتيبه فيها ترتيباً معجزاً، ومفسراً لحقائق الوجود كله.

2- وهكذا كنا بحاجة إلى قوله تعالى: ((كُتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِي)) الزمر : 23

ليستوعب وجهاً آخر، من وجوه الحقيقة المتصلة بتدبرنا لآيات القرآن، ونظرنا في التراسل بين أجزائها، لا من حيث النصوص القرآنية في ذاتها فقط، وإنما من حيث ارتباط عقولنا وقلوبنا بكل صلة جديدة بين أي قدر متعدد المواضع من القرآن، وبين كل سياق نجده به.

وهكذا نصل إلى قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)) إلى آخر هذه الآية حيث قوله تعالى: ((وَمَا يَذّكّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَاب)) آل عمران : 7

وهنا نعلم أن كل ما سبق في الترتيب، من آيات القرآن وسوره، فهو محكم أي تكون المعلومات فيه مجملة وكلية، وجامعة لما يأتي مفصلاً فيما يليها، من الآيات والسور.

فالفاتحة – محكمة لجمعها كل أصول العلم في القرآن كله، والقرآن كله تفصيل للفاتحة. وقد نجد آية وقد سبقت بموضع، ثم تفرعت بأجزائها، ارتباطات بمواضع أخرى، من آيات تالية لها في الترتيب. فهكذا يكون السابق ترتيباً، محكماً، أي مجملاً، بالنسبة لفروعه، التي تأتي بعده.

لذلك قال الله تعالى ((مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَات هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب)) أي هن السابقات ترتيباً في سور المصحف. ذلك أن كلمة أن تعني السبق في الترتيب أيضاً107. ولذلك كانت الفاتحة أم الكتاب. أما قوله تعالى: ((وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)) فهو لا يفرق بين آية سابقة، وأخرى لاحقة، وإنما هو ينص على كل حال، من أحوال نظرنا إلى الآيات أو أجزائها، بالنسبة لما سبقها من الآيات.

فهكذا لا يكون هناك أي تناقض، بين قوله تعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ أيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ)) وقوله تعالى: ((مِنْهُ أيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)). فقوله تعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاته)) موافق لقوله تعالى: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَات هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب)) وقوله: ((ثُمَّ فُصِّلَتْ)) موافق لقوله: ((وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)) فالإحكام والتفصيل والتشابه أمور متداخلة في الآيات جميعاً، وكل ما كان سابقاً في ترتيبه بالنسبة لما يأتي بعده، فهو محكم بالنسبة له، ثم يأتي تفصيله فيما يتبعه من الآيات وأجزائها، التي تكون بآيات تالية لها.

ومن الفروق بين التفصيل والتشابه، أن التفصيل يراد به التركيب القرآني، أما التشابه، فهو أمر يكون في عقولنا ونفوسنا ونحن نتدبر آيات القرآن وسوره، آية بعد آية، وسورة بعد سورة. ولهذا قال الله تعالى في نهاية هذه الآية: ((وَمَا يَذّكَّر إِلَّ أُولُوا الْأَلْبَاب)). فالتذكر يكون للسابق واللاحق، من حيث ترتيب الآيات. وهكذا نستطيع تمييز ما هو محكم، بالنسبة لما يأتي بعده في الترتيب، فيتشابه به معه من جهة، ويحتوي على تفصيله من جهة أخرى108.

  1. العموم والخصوص:

والعموم والخصوص، حقيقتان ترتبطان، بالإحكام والتفصيل والتشابه، ولكنهما تزيدان عليهما شيئاً جديداً، هو بيان التفاعل الدائم، بين القرآن والسنة، مع تحديد كيفية العمل بالآيات والأحاديث. لذلك قال السيوطي رحمه الله عن العام. العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. فقوله: من غير حصر، فيه بيان التلقي لحقائق الوحي، بالنسبة لجهودنا البشرية ثم قال عن الخاص: هو الذي تخصص عمومه، آية في موضع قرآني آخر، بالنسبة للآية المراد بها العموم وربما أتى التخصيص في حديث أو إجماع أو قياس.

وفي الحقيقة إن الإجماع أو القياس، إنما يعتمدان أساساً على نصوص من القرآن والسنة، كما يبين هذه الحقيقة، فقيه معاصر هو الاستاذ سالم البهنساوي109

وهكذا نلحظ أن العام يحتوي على الخاص إجمالاً، بينما الخاص وثيق الصلة بالعام على سبيل التفصيل، الذي نحتاج إلى النظر في نصوص كثيرة، حتى نجمع أصوله وفروعه. وهذا سبب آخر لقول السيوطي (من غير حصر) أي علينا أن نظل في حركة دائبة، لربط وجوه العلم بعضها ببعض، وأن نرد العلم بعد بذل غاية الجهد، إلى الله تعالى.

من الآيات المراد بها التعميم، وخصصها آيات في مواضع أخرى، قوله تعالى: ((وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا)) النساء : 20 فإنه قد خص بقوله تعالى: ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه)) البقرة : 229

2- ومن الآيات التي جاء حكمها عاماً لتخصصه السنة، قوله تعالى: ((وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْع)) خص منه البيوع الفاسدة، وهي كثيرة بينتها السنة، ومن ذلك البيع على البيع، حيث نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا يبيع أحدكم على بيع أخيه110 وكذلك: نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً111 وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهر وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة112 وآية تحريم الميتة خص منها الجراد وميتة البحر، وشاء الله أن تبينه السنة. وقوله تعالى: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)) المائدة : 28 خص منه سرق دون ربع دينار وجاء التخصيص في السنة113

3- ومن أمثلة ما خص بالإجماع، آية المواريث، خص منها الرقيق فلا يرث بالإجماع114

4- ومن أمثلة ما خص بالقياس آية الزنا ((فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مائّةَ جَلْدَة)) خص منها العبد بالقياس على الأمة، كما في قوله تعالى: ((فَعَلَيْهنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَات مِنَ الْعَذَاب))115 ثم أورد السيوطي بياناً لأحكام قرآنية خاصة، جاءت مخصصة لعموم السنة وذلك مثل قوله تعالى ((حَتَى يُعْطُوا الْجِزْيَة)) التوبة : 39 فقد خصص عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل حتى يقولوا لا إله إلا الله116

وينتهي كلام السيوطي هنا لنقول – معاً – إنه من الواضح أن الآية استقلت ببيان أحكام أهل الكتاب، بينما الحديث استقل ببيان حكم مشركي مكة، بالنسبة لموقف الإسلام منهم في هذا الشأن. ومع ذلك فإن القرآن والسنة، متفاعلان في هذا الحكم تعميماً وتخصيصاً، لأن قضية الحرب والسلم بين المسلمين وغيرهم، قضية جاءت في القرآن والسنة، بهذا التنسيق المعجز.

رسم المصحف وبعض دلالاته على العموم والخصوص:

بل إن رسم المصحف، وثيق الصلة بحقائق التعميم والتخصيص ذلك أننا نجد هذه الناحية، من نواحي الإعجاز في كلام الله، حاملة معها عوامل متجددة، لبيان وجوه من العلم، تؤكد هذه الحقيقة السابقة.

فالجمع في كلمة (سموات) يتفق مع التعميم.

والإفراد في كلمة السماء، يتفق مع التخصيص.

وننظر فنجد رسم الكلمة – الأولى – موافقاً للتعميم، حيث يقول الله تعالى: ((الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَواتٍ طِبَاقا)) الملك : 3 والموافقة – للتعميم هنا – تظهر في حذف ألف المد، التي نجدها بعد الميم في الرسم العادي.

بينما ننظر في قوله تعالى: ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوج)) البروج : 1

وهنا نجد ألف المد قد جاءت بموضعها العادي، بعد الميم، فذلك من علامات التخصيص، الذي يناسب تفرد السماء الواحدة، واستقلالها بذاتها، من بين (سبع سموات) كما رأينا في سورة الملك. وكذلك الشأن في قوله تعالى: ((وَيُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُؤْتُوا الزَكَوة))117 البينة : 5

فرسم كلمة (الصلوة) وكلمة (الزكوة) يجمع بين بعض حقائق الجمع والإفراد، وإن كان المقصود هو الإفراد، حتى يجتمع التعميم الذي يعني جملة ما يؤديه المصلون والمزكون، مع التخصيص الذي يعني أن لكل منهم صلاته وزكاته، في حدود التكليف الواقع عليه هو ذاته.

بينما لو نظرنا إلى رسم، الذي يوحي بالتخصيص، في كلمة من الكلمات الدالة على الصلاة، فإننا نجد هذا في قوله تعالى: ((الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُون)) الماعون : 5

والتخصيص – هنا – من حيث الرسم، واضح في وجود ألف المد، بعد اللام، وفي حذف الواو، التي دلت على الجمع في كلمة (الصلوة) كما جاءت بسورة البينة. ذلك أن المد، يرمز للفصل، وهو مناسب للتخصيص.

أما التخصيص من الناحية الموضوعية، فقد جاء في الآية الخامسة، من سورة الماعون، متعلقاً بمن يسهون عن صلاتهم. والمعنى العام في الصلاة، هو المحافظة عليها وأداؤها بغير تهاون أو نسيان.

وهكذا نلحظ أن العموم والخصوص، متجدد الدلائل بما يناسب معنى كل كلمة ومبناها ورسمها، وما قدر الله لها من عدد المواضع والارتباطات المتجددة في القرآن. أما السنة فهي مكتوبة بإملائنا البشري. فالإعجاز في رسم كلام الله، وهو القرآن، درجة رفيعة خصه الله بها. والسنة في رسمها بإملائنا العادي، قريبة لمداركنا المحدودة، ولكنها – مع ذلك – ممتنعة بمضامينها ومعانيها وتفاعل مقاصدها، مع مقاصد القرآن، أن يختلط بها ما ليس منها، من سائر أقوالنا البشرية.

مع السيوطي في تناسق الدرر

تضمن كتاب (تناسق الدرر في تناسب السور) للسيوطي – رحمه الله – منهجاً جامعاً، له قواعد ثابتة لبيان إعجاز القرآن، والانتفاع به في تفسير حقائق العلم، وقوانين الوجود تفسيراً لا يترك وجهاً من وجوه الحقيقة إلا تضمنه وعمل بمقتضاه، فإذا الأحكام التي نستخلصها منه، لازمة لمعالجة كل مشكلات الإنسان على اتصال حياته في الدنيا إلى الآخرة118.

فقد بين السيوطي رحمه الله أن ترتيب القرآن في سوره ثم ترتيب السور في المصحف، يقوم على قانون عظيم، أساسه تقديم العام على الخاص، والكلي على الجزئي مصداقاً لقوله تعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ)) هود : 1

وقضية الترتيب، هي صميم معرفة الإنسان ووجوده، وملتقى صلاتنا جميعاً، بكل حقائق العلوم، على تنوع أحوالنا بالنسبة لاكتشافنا إياها أو عجزنا عن الوصول إليها – بالنسبة لتفاعلنا النظري معها أو تطبيقنا لحقائقها، في الواقع العلمي للحياة.

فالعلوم الرياضية جميعا، أساسها الترتيب. ولولا الترتيب ما تيسر لنا بيان الحقائق وتفسيرها، فضلاً عن اتفاقنا على حقائقها الثابتة، وأصولها المتوارثة.

والترتيب يقوم عليه بناء الكون والحياة، وتتصل به معالم الوجود البشري، بين سائر مخلوقات الله تعالى. بل ان الترتيب هو الأساس الذي يكشف لنا كل الحدود الاصلة بين الإعجاز في خلق الله ووحيه، والعجز في صناعات البشر، ومنتجاتهم، وعلومهم، وسائر أنماط بيانهم اللغوي والحسابي.

إن أكبر ما يزهى به البشر في صناعاتهم وفنونهم وسائر أنماط تقدمهم الحضاري، ينقصه الترتيب الصحيح، إذا قسناه بترتيب الله سبحانه وتعالى، للعام والخاص، والكلي والجزئي، في خلقه ووحيه.

وسنرى أن السيوطي – رحمه الله – قد حدثنا عن ترتيب آيات القرآن وسوره، من حيث معانيها ومقاصدها، التي تكون مجردة في ذاكرة الإنسان.

ومع ذلك فإن هناك أصولاً علمية على أكبر قدر من الأهمية، تكمن في الصلة الوثيقة بين عدد المواضع لكل جملة أو كلمة أو حرف، في الآيات والسور وبين ترتيب هذه المفردات في القرآن كله. بل إن هناك أصولاً علمية عظيمة الأهمية، تبين لنا أن للقرآن إعجازاً في ترتيب آياته على مستوى نزولها متفرقة، يتبعه ترتيب معجز، على مستوى جمع آياته في سوره.

ثم إن هناك ترتيباً قرآنياً معجزاً على مستوى الكلمات، التي تجمعها أصول لغوية واحدة، ولكنها متفرقة المواضع في آيات وسور كثيرة، يتبعه ترتيب آخر على مستوى الحروف وعملها في تكوين الكلمات أو الربط بينهم، يتبعها ترتيب ثالث على مستوى الجمل التي تتعدد مواضعها في الآيات الكثيرة، بينما كل جملة منها واحدة، من حيث نصها، كثيرة في صلاتها المتجددة، بمواضعها، وترتيبها المحتوى على حكمة بالغة، وإعجاز لا ريب فيه.

ثم إن هناك إعجازاً، في الترابط بين هذه الطبقات الكثيرة، في الترتيب القرآني، وبين مدلولاتها العلمية – المناسبة لها في واقع الوجود كله119

لم يتكلم السيوطي، عن هذه الحقائق العلمية جميعاً، ولكنه فتح لنا أبوابها، حيث قدم لنا قانونه العلمي، الذي عرضه بقوله إن القاعدة التي استقر عليها القرآن ان كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له، وإطناب لإيجازه.

وقد استقر معي ذلك في غالب سور القرآن طويلها وقصيرها.

وسورة البقرة، قد اشتملت على جميع مجملات الفاتحة فقوله120 ((الْحَمْدُ لِله)) تفصيله جاء في سورة البقرة، من الأمر بالذكر في عذة آيات، ومن الدعاء في قوله: ((أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان)) البقرة : 286 وفي قوله: ((رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)) البقرة : 286 وفي قوله: ((فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُون)) البقرة : 152

أما قوله في سورة الفاتحة: ((رَبِّ الْعَالَمِين)) فقد جاء تفصيل في سورة البقرة بقوله تعالى: ((اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلكم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)) البقرة : 30

ويبين لنا السيوطي وجه المناسبة في ذلك قائلاً لقد افتتح الله سورة البقرة بقصة خلق آدم، الذي هو مبدأ البشر، وهو أشرف الأنواع من العالمين، وفي هذا شرح لإجمال (رب العالمين)) وقوله في الفاتحة ((الرحمن الرحيم)) قد أشار إليه بقوله في سورة البقرة ((فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم)) البقرة : 54

ثم في قصة إبراهيم، لما سأل الرزق للمؤمنين خاصة، إذ قال الله حكاية عن ذلك، ((وارزق أهله من الثمرات من آمن)) وقال الله سبحانه ((ومن كفر فأمتعه قليلا)) البقرة : 126 وذلك لكونه هو الرحمن، ومن ذلك ما وقع في قصة بني إسرائيل ((ثم عفونا عنكم)) البقرة : 52 ومنه قوله تعالى: ((لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)) البقرة : 163 وقوله: ((واعف عنا واغفر لنا وارحمنا)) البقرة : 286 وذلك من شرح قوله في الفاتحة ((الرحمن الرحيم)) الفاتحة : 3 أما قوله في الفاتحة ((مالك يوم الدين)) الفاتحة : 4 فمن تفصيله في البقرة، ما وقع من ذكر يوم القيامة، في عدة مواضع، ومنها قوله ((وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)) البقرة : 284 فالدين في الفاتحة: والحساب (في البقرة)

وقوله في الفاتحة ((إياك نعبد)) مجمل شامل لجميع أنواع الشريعة الفرعية وقد فصلت في البقرة أبلغ التفصيل، فذكر فيها الطهارة، والحيض، والصلاة، والاستقبال، وطهارة المكان، والجماعة وصلاة الخوف، وصلاة الجمع والعيد، والزكاة بأنواعها، كالنبات والمعادن والاعتكاف، والصوم وأنواع الصدقات والبر والحج، والعمرة، والبيع، والإجازة، والميراث، والوصية، والوديعة، والنكاح، والصداق، والطلاق، والخلع، والرجعة، والإيلاء، والعدة، والرضاع، والنفقات، والقصاص، والديات، وقتال البغاة، والردة، والأشربة، والجهاد، والأطعمة، والذبائح، والإيمان، والنذور، والقضاء والشهادات والعتق.

ثم يبين السيوطي، أن هذه أهم أبواب الشريعة كلها، مذكورة في سورة البقرة تفصيلاً لقوله تعالى في سورة الفاتحة ((إياك نعبد)) أما قوله تعالى ((وإياك نستعين)) فهو شامل لعلم الأخلاق، وقد ذكر منها في البقرة الجم الغفير، من التوبة، والصبر، والشكر، والمرض، والتفويض، والذكر، والمراقبة، والخوف، وإلانة القول.

وقوله في الفاتحة: ((اهدنا الصراط المستقيم)) الفاتحة : 6

من تفصيله ما وقع في البقرة، من ذكر طريق الأنبياء، ومن حاد عنهم ولهذا ذكر في الكعبة، أنها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم الله عليهم، وقد حاد عنها المشركون، ولم يثبتوا على دين إبراهيم، وهو الإسلام ولذلك قال في قصتها ((يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) البقرة : 142 ثم قال سبحانه ((ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك)) البقرة : 145

ثم أخيراً يهدي الله الذين آمنوا إلى الصراط المستقيم، حيث قال: ((والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) البقرة : 213 فكانت هاتان الآيتان، تفصيلاً لما أجمل من قوله تعالى: ((اهدنا الصراط المستقيم)) إلى آخر الفاتحة الفاتحة : 6

فهذا ما ظهر لي، والله أعلم بأسرار كتابه وقد واصل السيوطي تأكيد قانونه الذي اكتشفه، في ترتيب القرآن، وهو أن الكلي يسبق الجزئي، والعام يسبق الخاص، حيث استنبط دلائل ذلك، في كل سور القرآن من أول الفاتحة إلى آخر (الناس).

ولعلنا لحظنا من قبل، كيف ربط السيوطي، بين ترتيب القرآن وبين السنة والإجماع، مما يجعل لقانونه في الترتيب، صفة عملية تبين لنا هيمنة الوحي الإلهي من قرآن وسنة، على الوجود البشري، وهو موصول بما وصله الله به، من أسباب المعرفة، وحقائق الوجود.

فأهم ما نفيده من هذا الفتح العلمي الكبير، أن نجعل الوحي الإلهي إماماً لكل أفكارنا، وأقوالنا وأعمالنا، وبذلك نرتب علومنا ترتيباً صحيحاً، فنترك منها ما لا نفع فيه، ونحرص على ما ينفعنا، وينفع الناس كافة.

من الدراسات المعاصرة في حقائق الإعجاز:

كان الدكتور محمد أحمد الغمراوي، ظاهرة رائعة في فهم الإعجاز القرآني، وربطه بمدلولاته العلمية، في خلق الله تعالى121

وقد ناقش كثيراً، من أقوال المفسرين القدامى، ثم بين أنهم تقدموا في فهم حقائق الوحي، بمقدار ما تلقوا من التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الناس مبلغ العلم المتصل بآيات الله الكونية، اتصلت حقائق العلم اليقينية، بدلالاتها السابقة، كما جاء بها القرآن فصدقتها الحقائق العلمية، التي أثبتت وطبقت تطبيقاً عملياً في حياة الناس.

فهو يتحدث عن أدوار النظر العلمي فيقول:

الدور الأول: في النظر العلمي هو دور جمع الحقائق للتجربة والمشاهدة ولابد فيه من الاستيثاق من صحة الوقائع، لأن هذه الوقائع سيبنى عليها العلم بناءه، فلابد من التأكد من متانة الأساس قبل إقامة البناء.

وصحة الوقائع، يستوثق بها عن طريق تكرار المشاهدة، في نفس الظروف. هذا التكرار، إما أن يكون على يد المشاهد الأول، الذي شاهد الواقعة، لأول مرة، يكرر هو التجربة المشاهدة، ليتأكد بنفسه، من صحة الواقعة، قبل أن يذيعها على الناس.

وإما أن يكون التكرار على يد غير المشاهد الأول، من العلماء للتثبت من صحة الواقعة، إذا خامرهم ما يدعوا إلى الشك فيها، أو للبناء عليها، في أبحاثهم، فكل واقعة من الوقائع العلمية، لابد أن تثبت من تجارب متعددة، في ظروف محددة وواضحة.

ثم يبين لنا الدكتور الغمراوي – رحمه الله – أن هذا الدور في جمع حقائق العلم، له ما يشبهه في علوم الدين. وهو يعني بذلك (دور جمع الحديث من طرق متعددة، للاستيثاق من صحتها ولترتيبها في مراتبها، فالمحدث لابد له أن يستوثق من صحة نسبة الحديث، الى الرسول صلوات الله عليه، لأنه سيبني عليها في دينه).

ثم يربط بين القرآن والسنة والعلوم الكونية فيقول:

واتفاق الروح والطريقة، عند علماء الدين الأولين، ثم عند علماء الطبيعة المحدثين، مع اختلاف الزمن واستقلال كل عن كل دليل عملي على أن الطريقة العلمية، هي طريقة قرآنية ينبغي أن يأنس إليها، ويقبل نتائجها رجل الدين، وان الطريقة القرآنية في النظر العلمي، هي الطريقة العلمية، وينبغي أن يأنس إليها ويتقبل نتائجها رجل العلم.

وكلام الدكتور الغمراوي – هنا – عن الطريقة القرآنية مع أنه كان يتكلم عن جمع السنة وجمع أدلة العلم، أساسه أن القرآن نزلت آياته متفرقة، ثم جمعت بعد أن حفظها الصحابة آية آية، فتواتر لديهم العلم، بهذه الآيات، والعمل بها، والتأكد من النتائج العملية لتطبيق القرآن في واقع الحياة، حيث تحولوا به من عدد قليل من الرجال المشردين المطاردين المستضعفين، إلى أعظم قوة وضعت العالم كله، أمام نور القرآن.

فلما كانت السنة، هي الوحي الثاني بعد القرآن، وكان طريقها هو طريق التلقي والحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ربط الغمراوي بينها وبين الوحي القرآني، من خلال نظرته السابقة ثم تحدث عن الدور الثاني من أدوار النظر العملي فقال: الدور الثاني: هو دور المشاهدة، تجمع الوقائع، لكن هذه الوقائع، إن كانت من أسباب واحدة، لابد أن تكون ناشئة عن قانون طبيعي واحد، أو إذا شئت عن سنة من سنن الله واحدة.

والعلم يرمي من وراء مشاهداته، إلى الوصول إلى تلك القوانين، أو هذه السنن، فالوقائع المجموعة وان كانت مهمة في ذاتها، لأنها حقائق جزئية تزداد أهميتها كثيراً، لأنها السلم الذي يوصل إلى القوانين الفطرية، أو الحقائق الكلية التي كان من آثارها تلك الوقائع الفردية، أو إذا شئت، التي من صورها تلك الحقائق الجزئية122

وبعد أن انتهينا من هذا القدر من كلام الغمراوي – رحمه الله – يهمنا أن نربط في هذا السياق، بين حقيقتين أساسيتين:

وقد نزل من القرآن ما يصفها بأنها وحي من الله، كما يقول الله تعالى: ((قل إنما أنذركم بالوحي)). الأنبياء : 45 ويقول الله تعالى: ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى)) النجم : 3

كل ذلك قد دفع الغمراوي – رحمه الله – إلى أن ينتهي إلى المنهج القرآني في إثبات العلم اليقيني بعد أن بدأ كلامه عن طريقة رجال السنة، في تدوينها والاستيثاق من صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد سبقوا رجال العلم المحدثين، في وضع المنهج السديد، للاستيثاق من حقائق الكون والحياة.

فهكذا يكون الدكتور الغمراوي، قد ربط بين أصول اليقين في الإعجاز الإلهي في الخلق، وفي الوحي.

وهكذا يكون قد ربط بين آيات الله القرآنية، باعتبارها هي كلام الله المقروء وبين آيات الله الكونية، باعتبارها كلام الله، الذي تقوم عليه حياتنا العملية، ومصالحنا الدنيوية، وما تنتهي إليه دنيانا من حقائق الآخرة، التي جاء بها القرآن، ثم ربط بين ذلك كله، وبين السنة المطهرة، باعتبارها هي الوحي التالي للقرآن، بهدف البيان القولي له، والتطبيق العملي لحقائقه.

وبذلك نفهم أن الله قد جمع لنا العلم في القرآن، ومجال تطبيقه في الكون، وأسلوب تطبيقه في السنة. ونستنتج من هذا كله حقيقتين:

الحقيقة الأولى:

هي أن السلمين الأوائل، حين تيقنوا من صحة نسبة الحديث النبوي، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سبقوا في وضع المنهج العلمي، الذي انتهى إليه العلماء المتأخرون، في إثبات الحقائق العلمية التي استخلصوها من سنة الله في هذا الكون، كما أبدعه، وخلقنا، وجعلنا نعيش فيه.

الحقيقة الثانية:

هي أن القرآن في تركيبه، يقوم على ثبات نصوصه، من حرف أن كلمة، أو جملة أقل من آية، أو آية بتمامها، فلا تبديل لهذه النصوص.

ثم يقوم مع ذلك على مجالات لحركة كل نوع من هذه النصوص، في مواضعه التي تتجدد في كل موضع منها، صلته بسياقه من القرآن كله.

فالثبات والحركة، في كثير من القرآن أو قليله، أصلان من أصول اليقين العلمي، جاء بهما القرآن في تكوينه، ليكون فيهما تدريب عملي، على استنباط العلوم اليقينية من الكون والحياة، اللذين جعل الله لهما تركيباً قائماً على نفس النظام السابق الذكر، في تركيب القرآن.

ذلك أن الله، جعل كل جزء من أجزاء الكون والحياة، ثابتاً على نوعه، مهما تتكاثر مواضع هذا النوع أو غيره، في مجالات تكاثره ووجوده، بين سائر مخلوقات الله تعالى.

فالثبات والحركة في القرآن، يجعلان تطبيقه في السنة، متفقاً مع حقائق الوجود كله، فلا يتنافر أي قول أو عمل، أو تقرير، للنبي صلى الله عليه وسلم، مع السنن، التي فطر الله عليها خلقه.

يقول الله تعالى: ((وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لّعَلَّكُمْ تُرْحَمُون)). وتتصل الآيات حتى يقول الله تعالى: ((قَدْ خَلَتْ مِنْ فَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين)) ((هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِين)). 132 – 138 آل عمران

ويقول الله تعالى: ((يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَن الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوب عَلَيْكُم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيم)). النساء : 26

فهذه الآيات، تبين لنا أن الله يأمرنا بطاعته وطاعة رسوله، وأن القرآن والسنة فيهما بيان لسنن الكون الذي نعيش فيه، وأن الله قد جمع الناس في كل زمان ومكان، على حقائق واحدة لا اختلاف فيها، وإن تنوعت أوامر الله ونواهيه بما يناسب أحوال الناس، من حيث تقدمهم وتأخرهم، في الوصول إلى حقائق وحي الله وخلقه.

ثم يربط الدكتور الغمراوي رحمه الله، بين حقائق العبادة التي أمرنا الله بها وحقائق العلم، كما أودعه الله في سننه الكونية. ولقد طبق الدكتور الغمراوي، هذه الحقيقة – على الطواف حول الكعبة في الحج، أو في تحية المسجد عند دخول الحرم المكي بصفة خاصة، فربط بين هذه العبادات، وبين نظام المجموعة الشمسية، (فالأقمار تدور فيها أو تطوف حول كواكبها، فالقمر يدور حول الأرض، وأقمار المشتري تدور حول المشتري، والأرض وأخواتها من السيارات التي تدور واقمارها حول الشمس دوراناً متصلاً، يختلف حقاً باختلاف كتلة السيار وبعده من الشمس، ولكن مهما يكن الاختلاف في الكيف والمدار، فالدوران أو الطواف، حول الشمس واقع من كل سيار.

وقد بين علم الفلك الحديث، مبلغ انتشار ظاهرة: الطواف، هذه بين الكواكب فرادى وجماعات وعوالم.

فإذا تركنا العالم الفلكي جانباً، ونزلنا إلى العلم، الذري وجدنا الأمر أعجب وأغرب، أو هكذا يخيل إلى من يستثير الدقيق من تعجبه، أكثر مما يستثير الجليل.

ثم يقول: والعلماء المحدثون يشبهون الذرة بالمجموعة الشمسية، فهي كلها فراغ تتوسطه نقطة مادية، يتمركز فيها ثقل الذرة، ووزنها، تسمى نواة الذرة.

ويدور حولها في ذلك الفراغ العظيم بالنسبة لها، عدد من الكهيربات أخف كثيراً من النواة، كل كهيرب – كما قد يدل عليه اسمه – وحدة من الكهربائية السالبة الخاصة، ولكنها في مجموعها تكافىء بالضبط، ما تحمل النواة من كهربية موجبة، أي أن كل نواة في ذرة عنصر تحمل من شحنات أو وحدات الكهربية الموجبة، قدر عدد الكهربات التي حولها123.

وهكذا يبين لنا الدكتور الغمراوي رحمه الله، أن العبادات التي أمرنا الله بها، لها اتفاق وانسجام تركيبي، مع سنن الكون الذي أحيانا الله في رحابه…

وتنتهي هذه الملحوظات العظيمة الأهمية للدكتور الغمراوي – رحمه الله – لنصل – معاً – إلى أن هناك حقيقة تركيبية في كلمات القرآن، ثم في كلمات السنة، إذ هو متفق مع الطواف بين العبادات إذ يؤكد لنا أن له ظهيرا، في تركيب الوحي من قرآن وسنة124،… ذلك أننا لا ننظر في أي كلمة قرآنية إلا وحولها وسط متجدد، أينما نمضي معها في مواضعها المتعددة، ثم إن كل كلمة في الحديث النبوي، مماثلة لكلمة قرآنية، لها مواضع متجددة في الأحاديث الكثيرة التي نجدها في سياقها، لتضيف إلى معاني القرآن، معاني جديدة دائماً125.

بل اننا لنشهد إذا أمعنا في النظر إلى الوحيين من قرآن وسنة، ان كلمات السنة تطوف حول كلمات القرآن. (فلننظر – مثلاً – إلى كلمة القمر في بعض مواضعه القرآنية، وعددها ستة وعشرون موضعاً:

  • ((فَالِق الْإِصْبَاح وَجَعَلَ الّلَيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانا)) الأنعام : 96.
  • ((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِه)) الأعراف : 54.
  • ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسّ ضيّاء وَالْقَمَرَ نُورا)) يونس : 5.
  • ((وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمَّى)) الرعد : 2.
  • ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَوات وَالْأَرْض وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر)) الحج : 18.

إننا حيث تدبرنا كلمة القمر في مواضعها الخمسة السابقة، فوجدناها متجددة الأوساط دائماً، فإنما نكتشف – معاً – طواف المتعدد من الكلمات حول المفرد منها في القرآن كله. مع طواف كلمات السنة حول كلمات القرآن.

فأينما نظرت في أي كلمة نظرة خاصة بها، فقد انكشف لك تفردها وتجدد حركتها بكل سياق تجدها به، وكأن ما حولها من الكلمات يطوف بها، مهما تنتقل مع الكلمة – التي أنت مرتبط بها، في مواضعها الكثيرة.

فالوحدة جاذبة للكثرة دائماً، في تركيب القرآن العظيم. والقرآن العظيم بجملته وتفصيله، جاذب للسنة، بجملتها وتفصيلها.

  • ولقد مرت بنا كلمة القمر، بأول المواضع الخمسة التي رصدناها بكل موضع منها، وقد كان ذلك بسورة الأنعام فإذا القمر له حساب مع الشمس ((والشمس والقمر حسبانا)) الأنعام : 96.
  • ثم انطلقنا معها إلى موضعها الجديد، بسورة الأعراف، فوجدنا القمر مسخراً مع الشمس والنجوم ((مسخرات بأمره)) الأعراف : 54.
  • ثم انطلقنا إلى موضع ثالث لكلمة القمر فإذا هو نور، بينما الشمس ضياء ((جعل الشمس ضياء والقمر نورا)) يونس : 5.
  • وفي الموضع الرابع وجدنا الشمس في جريانها ((كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّى)) الرعد : 2.
  • وفي الموضع الخامس، وصلنا مع كلمة القمر إلى حقيقة جديدة، هي أن القمر ساجد لله تعالى. ((ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر)).

إن هذا التجدد في الصلة، بين كل كلمة في القرآن، وبين أي سياق تجدها فيه يؤكد لنا أن الكلمة القرآنية، تجذب حولها الكلمات التي تحيط بها، فيما يشبه طواف الكواكب والأقمار حول نجومها126.

ومما يزيد هذه الظاهرة، وضوحاً، وتأكيداً أن أي كلمة في الحديث النبوي مماثلة لكلمة قرآنية، فإنها تجدد لنا في مواضعها من الأحاديث الكثيرة التي نجدها بها، وجوهاً أخرى من الحقائق، غير التي وجدناها متصلة بها في القرآن.

فلنمض مع كلمة القمر كما نجدها بالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي:

  • الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونها.127
  • الشمس والقمر مكوران يوم القيامة.128
  • إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا.129
  • أول من يدخل الجنة مثل القمر ليلة البدر.130
  • نظر الى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، إنه هو الغاسق إذا وقب.131
  • ففي الموضع الأول، يبين لنا النبي أن الشمس والقمر آية واحدة، لأنها تتصل في معرفتنا اتصالاً واحداً.
  • أما في الموضع الثاني، فقد تجددت الحقيقة، مع تجدد الموضع، فعلمنا أن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة، أي يفصلان عن مكانهما في الدنيا.
  • ثم جاء الموضع الثالث عن الخوف.
  • والموضع الرابع عن جمال الذين يدخلون الجنة.
  • والموضع الخامس عن الربط بين القمر وبين تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: ((ومن شر غاسق إذا وقب))… أي شر القمر إذا ذهب نوره، وبذلك نعلم أن الشر في المخلوقات كامن في توقفها عن أداء النعم التي جعلها الله فيها، لأجل معلوم، ثم يأتي أوان الحساب على هذه النعم، فتكون وبالاً على من لم يتق الله فيها.

والقمر هو الغاسق، أي هو المظلم وإذا وقب، أي إذا اختفى نوره، حين ينتهي دوره الذي حدده الله (بقاء الدنيا) فعند ذلك تقيد حرية الإنسان، ويؤخذ بذنوبه.

إن هناك تجدداً في مواضع كلمات الحديث النبوي، يأتي تابعاً للنظام المماثل له في القرآن، ومنسقاً معه، بحيث نجد في كل من هذين الوجهين، شيئاً جديداً أو دائماً، بالنسبة للوحي الآخر، ولكنه مترابط معه، في مدلوله العام، وملازم لها في حقائقه، وتفصيلها.

وهذا كله معادل موضوعي، للطواف، في الكون والحياة، بل هو أصل عملي له، في الوحي بنوعيه. بل إن تركيب الوحي وترتيبه، يحمل معه توثيقاً ذاتيّاً بصحة نصوص الوحي الإلهي، فيشهد بعضها بصدق بعض، ويؤكد بعضها بعضاً.

فلا عجب بعد هذا كله، أن يكون الطواف في العبادة، انسجاماً مع حقائق الوحي وحقائق الخلق.

ورحم الله هذا العالم الجليل الدكتور محمد أحمد الغمراوي، على ما كشف لنا من هذه الحقيقة الرائعة، التي تصل لنا بين أصول الثبات والحركة. بكل ما فيها من الإعجاز الإلهي في الخلق والوحي.

ولقد بين لنا هذا العالم الفذ رحمه الله عظمة السنة، وعظمة علومهما وكيف جعلها الله مصاحبة للقرآن وحتمية الارتباط به، لذلك فقد اختتمت هذه الفصول للدكتور الغمراوي132… بتفسير للآيات الكونية، يجمع بين القرآن والسنة، وحقائق العلم الثابتة التي توافرت أدلة ثبوتها، وتم العمل بها، والانتفاع بنعمة الله فيها بكل مكان وزمان.133

مع السبع المثاني:

كل كلام البشر، ومصطلحات علومهم، عاجزة أن تجد لها تركيباً جامعاً، يتم فيه التحكم في كل أجزائها، بحيث يكون كل جزء منها ثابتاً على مبناه ومعناه، متجدد الحركة، بقدر مواضعه في ثنايا الكلام، ومرتباً أفضل ترتيب، يتحقق معه النفع الدائم والاتساع المستمر، لكل الحاجات المتعلقة به على اتصال الدنيا، وانتهائها إلى الآخرة.

وكل صناعات البشر، عاجزة أن تجد لها بناء مماثلاً لهذه الأوصاف السابقة، حتى لا يضيع الناس جهودهم في المراحل المتباعدة، التي تثبت عليهم العجز ألف مرة، قبل أن يتحقق لهم شىء من القدرة على الوصول إلى بعض ما يطمحون إليه، من التقدم نحو أهدافهم.

وقد يظن أحد أننا نطلب هذه المطالب من الإنسان، مع أنها شيء يفوق إمكاناته، ولا يتفق مع تكوينه، الذي توافقه المعاناة، حتى يشعر بعدها بقيمة النجاح، وثمرة التقدم.

والحقيقة أننا لا نتحدث عن هذه الأمور إلا لنبين، أن الإنسان ليس إلهاً وإنما هو عبدالله، فلا يضره، أن يظهر ضعفه، في جنب قدرة ربه، وقلة علم البشر، بالنسبة لعلم الله، الذي لا بداية له ولا نهاية، والذي لا يخفى عليه صغير لدقته وضآلته، ولا يفوته كبير لسعته وكثرته.

وليس معنى ذلك أن الإنسان لم يصل إلى الكثير مما يسعى إليه، من أنواع التقدم العلمي، والحضاري، والصناعي.

ولكن معناه أن الإنسان، لا يصل إلى تحقيق أحلامه، إلا بعد أن يثبت على نفسه الإخفاق، والتفاوت في مراحل الوصول، بين نكوص إلى الوراء، ومحاولة للنهوض، من كبوة بعد أخرى، ثم يصل بعد هذا كله إلى بعض ما يريد.

أما الإعجاز الإلهي، كما يتجلى في وحي الله وخلقه، فهو نور تام، وبناء ثابت، متكامل في أصالته، متجدد في حركته، وتكاثر عطائه، مع تقدم دائب في أنواع ترتيبه، بحيث يفاجئنا باكتشافاتنا العلمية، بعد أن نكون قد مارسناها، ممارسة عملية دائمة، منذ وجد الإنسان، في هذه الحياة، حتى يهتدي في وقت متأخر جداً، إلى معرفة شىء من أسرار نفسه، وأسرار الكون الذي أحياه الله فيه، وأسرار الوحي الإلهي، الذي يسبقنا دائماً، إلى بيان كل حقيقة، والتحذير من كل وهم… بل لقد جعل الله آياته، رسماً بيانياً، لآياته الكونية. وجعل السنة النبوية، همزة نور، بين الإنسان، وبين آيات الله القرآنية، وآياته الكونية.

يقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبوا لله وّلِلرَّسُول إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون)) الأنفال : 24

وواضح أن هذه الآية في عمومها، تدعونا إلى الاستجابة للوحيين من قرآن وسنة، وتبين أن حياتنا لا تتم إلا بذلك. ولكن قول الله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه)) إنما هو من المجمل الذي تفسره لنا السنة. فهناك قاعدة جميلة، اسأل الله أن يزيد فهم العلماء لها، حتى ينشروها بين الناس، فينفع الله بها من يشاء منهم. تلك القاعدة، هي أنه ما من كلمة قرآنية، إلا وهي ثابتة على نصها، مهما تكثر مواضعها بالقرآن كله، مع تجدد صلاتها بهذه المواضع، وترتيبها المعجز فيها. ثم إذا أنت انطلقت مع الكلمة ذاتها إلى السنة، وصلتك بوجوه من العلم، زائدة على ما في القرآن.

(فانظر في كلمة ((المرء))) في قوله تعالى:

  • ((واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه االيه تحشرون)) الأنفال : 24.
  • ((يوم ينظر المرء ما قدمت يداه)) النبأ : 40.
  • ((يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه)) عبس : 34.

هذه المواضع لكلمة المرء تبين لنا إجمالاً أن الحب الدنيوي، بمعناه المحدود، لا يستطيع أن يثبت أمام أهوال الآخرة، إلا للمتقين الذين سيجعل لهم الرحمن ودّا.

ثم نواصل النظر في بعض المواضع، الخاصة بكلمة المرء، كما جاءت في السنة.

  • ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار.134
  • المرء مع من أحب.135
  • السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره.136

لقد كانت القضية منذ بدايتها القرآنية، هي قضية الحب الإنساني بين الدنيا والآخرة. فها نحن نجد الحديث النبوي، بعد أن نظرنا إليه من زاوية كلمة واحدة، هي نفس الكلمة التي كنا معها في القرآن، يواصل الحركة في ذات الاتجاه القرآني مع التنويع والتجديد. وبهذا المنهج نفسه، بجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن فاتحة الكتاب:

هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت.137

ولولا هذا ما علمنا أن الفاتحة هي المقصودة بقوله تعالى: ((ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم)). الحجر : 87

ولولا هذان معاً – ما فهمنا أن قوله تعالى ((وبنينا فوقكم سبعاً شدادا)).. يحمل معه المنهج في بناء الأكوان، على مقتضى نظم القرآن. ذلك أن ذاكرتنا الإنسانية، متفاوتة في درجات قدرتها على رؤية الأشياء وفهمها، ولكنها لا تستطيع أبداً أن تستوعب شيئاً يخرج عما يشبه الجملة – أو الكلمة، أو الحرف، في النظم القرآني فلنعد إلى التراكيب القرآنية السبعة، لنرى كيف تحمل لنا معها أنواع النظم لمناهج البحث في كل العلوم.

أولاً: الآية القرآنية المتعددة المواضع:

مثل قوله تعالى: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). جاءت بتمامها في واحد وثلاثين موضعاً من سورة الرحمن، فارتبطت بسياقها من كل موضع، بباب جديد، بين أبواب العلم في القرآن كله. يقول الله تعالى: ((والأرض وضعها للأنام* فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام* والحب ذو العصف والريحان))

  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) ((خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار)).
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). ((رب المشرقين ورب المغربين)).
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). ((مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان)).
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). ((يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)).
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)).

فهذه المواضع الخمسة، من مواضع هذه الآية ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) قد تجددت ارتباطاتها فيما بينها، مع ترتيب المعاني المستخلصة من ذلك، على نحو معجز، لا مثيل له في كلام البشر.

  • فقد ارتبطت في أول هذه المواضع، بالتعقيب على ثلاث آيات عن وضع الأرض، وإثمارها، حتى تكون صالحة للحياة.
  • ثم جاءت بعد ذلك تعقيباً على خلق الله تعالى، الجنس البشري.
  • ثم جاءت في موضعها الثالث، للتعقيب على بيان اتجاهات الشروق والغروب.
  • بينما جاءت في موضعها الرابع للتعقيب على كشف الحقيقة العلمية الخاصة بوجود حاجز بين الماء المالح والماء العذب، إذا تلاقت مياه الأنهار ومياه البحار، وجرى كل منهما في مجراه.
  • ثم اختتمت هذه المواضع الخمسة بقوله تعالى: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)).

وقد تضمن هذا الختام، تعقيب هذه الآية، على إخراج اللؤلؤ والمرجان من البحار والأنهار، إذ يكثر وجودها حيث تتلاقى هذه المياه بعضها ببعض.

فهذه المواضع المتعددة للآية السابقة، تحمل معها نظاماً في التركيب القرآني، يقوم على ثلاث قواعد أساسية:

أولاً: إن تثبيت قوله تعالى ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) على نص واحد مهما تكثر مواضعه، جزء لا يتجزأ من منهج تركيبي متكامل، وهذا التثبيت هو أول ما نلحظ من أصول هذا المنهج وتطبيقاته.

ثانياً: يتصل بما سبق، أننا وجدنا قوله تعالى ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) متجدد الارتباط في سياقه من كل موضع، وهذه هي القاعدة التركيبية الثانية، التي نجدها مع كل قدر متعدد المواضع في القرآن كله، سواء كان حرفاً، أو كلمة، أو جملة، وهذه الأنواع الثلاثة تحتوي على كل تراكيب الكلام.

ثالثاً: تتصل بالقاعدتين السابقتين، قاعدة أخيرة، وهي أننا وجدنا هذه الآية المتعددة المواضع، تقدم لنا ترتيباً معجزاً، أساسه الاتفاق الدائم مع ترتيب الخلق في ذاته، وما يتفرع عنه، من اتصال المعرفة الإنسانية، بالأهم قبل المهم، من حقائق الوجود الذي نعيش فيه.

  • وهكذا وجدنا أن الله وضع الأرض بموضعها، بين سائر أجزاء الكون.
  • ثم جاء بعد ذلك خلق الله تعالى للإنسان.
  • ثم تبع هاتين الحقيقتين السابقتين، بيان معرفتنا لشروق الشمس وغروبها، وهذه معلومة أكبر من المعلومتين اللتين جاءتا بعدها، ولهذاسبقتاها ترتيباً.
  • فأما أولى المعلومتين الأخيرتين، فهي الحاجز المانع بين مياه البحار ومياه الأنهار، إذا تجاورتا.
    وهذه أصغر مما سبق، ولهذا جاء ترتيبها بعدها.. ولكنها أكبر مما سيأتي بعدها.
  • أما ثانية هاتين المعلومتين الأخيرتين، فهي خروج اللؤلؤ والمرجان من جوف المياه.

وواضح أن تقارب مياه البحار والأنهار، يشكل حقيقة أكبر من خروج اللؤلؤ من باطنها. وعلى هذا الترتيب المعجز، في المواضع الخمسة لقوله تعالى: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)).

وسنرى أن التثبيت، وتجدد الصلات، والترتيب، تعمل جميعاً، في بيان القرآن المعجز، لكل ما تعددت مواضعه من القرآن.. غير أن كل قدر من القرآن كالآية أو الجملة – التي هي أصغر من آية، يتكون من أجزاء أصغر من كالكلمات والحروف. (فهذه القواعد الثلاث السابقة، ملازمة لكل شىء من ذلك، كلما تعددت مواضعه.

ومع هذا كله، فهناك حقيقة تركيبية أخرى، غير ما تتعدد مواضعه من الآيات وأجزائها. وتلك هي التفرد في الموضع ومن ذلك:

4- الآية القرآنية ذات الموضع الواحد:

وهذا النوع الجديد من التراكيب القرآنية السبعة، التي نحن بصدد بيانها، هو الذي يقوم عليه أكثر آيات القرآن مثل قوله تعالى: ((والأرض وضعها للأنام)) ((فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام)) ((والحب ذو العصف والريحان)) 10 – 11 – 12 : الرحمن

وأمثال هذه الآيات، التي تنفرد كل آية منها بموضعها، في القرآن كله، تربطنا بالمعاني القرآنية، ربطاً منظماً، بحيث نعلم دائماً، أن الله هو الذي ينعم علينا بهذه المعاني، وأنه لا سبيل إلى مثلها إلا منه وحده لا شريك له.

(فوضع الله سابق، لمن أسكنهم الله فيها).

(والفاكهة تسبق النخل، لأنه فرع من فروعها).

(والحب ذو العصف هو الذي يغرس، فيثمر منه الريحان، وهو في أصله اللغوي، كل ما كان أخضر يانعاً من النبات، وان كان الشائع بيننا أنه هو ما كان عطراً منه، ولهذا ركب الله هذه الآية، تركيباً حيوياً، يبين لنا استمرار النمو في الحياة، من الغرس إلى الإثمار، ولو قيل (والريحان والحب ذو العصف) لانعكس الأمر، فانتهت الصورة إلى الجفاف بعد الإثمار حيث الكلام عن بدء خلق الإنسان وعمارته للأرض وليس كذلك المجال هنا.

ثم تأتي السنة فتبين لنا لماذا خص النخل، بالذكر هنا. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شىء نفعك)138 ومهما تكن الآية القرآنية متعددة المواضع، أو ذات موضع واحد، فإن – أجزاءها من جملة – أصغر منها، أو كلمة، أو حرف، تقوم على الثبات من حيث النص، مع التجدد في ارتباطاتها بما نجدها به، من المواضع، ومع الترتيب المعجز.

وهكذا نصل إلى هذا النوع الجديد، من التراكيب القرآنية السبعة.

3- الجملة المتعددة المواضع:

وهي كل جملة تكون أصغر من الآية، ولابد أن تتعدد مواضعها حتى تتميز بذاتها من حيث التركيب: وذلك مثل قوله تعالى: ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)) ابراهيم : 34

وقوله تعالى: ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)) النحل : 18

فهذا القدر الذي تحته خط، قد جاء في الآيتين السابقتين من سورة إبراهيم وبعدها سورة النحل، على أساس ترتيب السور في المصحف.

ونلحظ أن هذه جملة – واحدة، من حيث نصها، وان اتصلت في سياقها من كل موضع، بجديد من أبواب العلم. والترتيب المعجز واضح كذلك، لأن ظلم الإنسان وكفره، يتسع لكل الأحوال المناسبة، لهاتين الحالتين عند البشر، ابتداء من أعظم الظلم والكفر كما هو حال المشركين، وانتهاء بكفر النعم أو بذلها في الظلم، بأي وجه من الوجوه. فإذا وقع الإنسان في ذلك، وهذه هي الحالة الغالبة عليه، ازدادت حاجته إلى رحمة الله ومغفرته.

فلهذا جاء ترتيب هذه الجملة، في مواضعها، مناسباً، لهذه الحقيقة الموضوعية، كما في حياة البشر. وتزيدنا السنة بياناً لهذه الحقيقة، عن ما جاء في الحديث. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليجيء يوم القيامة، بعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة من نعم الله، فتكاد تستنفذ ذلك كله، لولا ما يتفضل الله به من رحمته)139

4- الكلمة القرآنية المتعددة المواضع

  • ((فبأي آلاء ربك تتمارى)) النجم : 55.
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) (سورة الرحمن بمواضعها من الآية 13 إلى الآية 77).
  • ((فبأي حديثٍ بعدَهُ يُؤمِنُون)) المرسلات : 5.

تأمل هذا التوزيع لكلمة (فبأي) تجدها في ارتباط أفقي بآية سورة الرحمن ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) وبالآيتين الأخيرتين من سورة النجم وسورة المرسلات، طالما أنت تتلو هذه الآيات، تلاوة متصلة، بموضعها الخاص بسورة واحدة ولكن حين تنظر لهذه الكلمة بمواضعها الثلاثة، تجدها في ارتباط رأسي بهذه المواضع فهناك (التمارى) وهو الجدل، وقد جاء هذا المعنى بالموضع الأول لهذه الكلمة، لأنه معنى يدل على أن الغالب عليه هو شعور داخلي في نفس الذي يتمارى.

ثم جاء بعده (التكذيب) في الموضع الثاني لهذه الكلمة السابقة، كما هو في آية سورة الرحمن. وأخيراً جاء التعجب ممن لا يؤمن بهذا القرآن، وأجزاؤه كلها مرتبة هذا الترتيب المعجز ومع مواضع الكلمة الثانية من الآية التي نحن بصددها، وهذه الكلمة هي كلمة (آلاء)

  • ((فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)) الأعراف : 69.
  • ((فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)) الأعراف : 74.
  • ((فبأي آلاء ربك تتمارى)) النجم : 55.
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) سورة الرحمن بمواضعها من الآية 13 إلى الآية 77.

وإذا نظرنا نظرة جامعة للمواضع الأربعة لكلمة (آلاء) رأينا القواعد السابقة كلها متحققة في نصها، وحركته المتجددة، وترتيبه المعجز.

فالفلاح، هو المعنى الذي تقدم في الترتيب، لأنه عام يتسع لأهم حاجات الإنسان في حياته وآخرته

  • ثم تبعه معنى جزئي، فيه النهي عن الإفساد في الأرض.
  • ثم تبع ذلك التعجب ممن يتمارى، بعد ما سبق من إجمال حاجات الإنسان في عمومها وخصوصها، واتساع آلاء الله، لكل ذلك.
  • وأخيراً ختم الله هذه المواضع، بالتعجب من التكذيب بآلاء الله، بعد التعجب من التمارى، على نحو ما سبق بيانه.

وهذا كله ترتيب معجز.

أما الكلمة الثالثة من كلمات هذه الآية فهي (ربكما) وهذه مواضعها:

  • ((قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين)) الأعراف : 20.
  • ((قال فمن ربكما يا موسى)) طه : 49.
  • ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) سورة الرحمن بمواضعها من الآية 13 للآية 77.

إن كلمة ربّكُما بالرفع.. ثم كلمة ربِّكما بالجر، قد جاءت، ارتباطاتها بهذه المواضع الثلاثة في تشكيل موافق لبيان نعم الله، في واقعها، وتسلسلها التاريخي، من حيث الإنعام بالجنة، حتى أخرجت حواء آدم منها، بمتابعتها للشيطان، ثم تأتي بعد ذلك قصة موسى لبيان فصل من فصول الهداية الإلهية، ثم تبقى نعمة الله باقية، مع هذا كله على الإنس والجن.141

5- الكلمة القرآنية ذات الموضع الواحد:

وذلك مثل كلمة (تكذبان). وهذه الكلمة جاءت بموضع واحد، هو موضعها في آخر الكلمات المكونة لقوله تعالى: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)). ومع تعدد مواضع هذه الآية بتمامها، إلا أن هذه الكلمة من كلماتها، لا موضع لها في القرآن كله، خارج حدود قوله تعالى: ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) فتعدد المواضع متعلق بهذه الآيات بتمامها، أما النظر في مواضع كلماتها فقد تبين معه أن كلمة (تكذبان) لها موضع واحد، هو موضع ارتباطها بها.

وهذا النوع من الكلمات، ككل ما تنفرد مواضعه من آيات القرآن، وأجزائها يربطنا بالمعاني القرآنية ربطاً أفقياً متواصلاً.

أما الذي تتعدد مواضعه من الآيات وأجزائها، فهو يربطنا بمشاهد أخرى، تبدو رأسية لأنها تصلنا بالأعماق الداخلية للقرآن، والأغوار البعيدة في بحار نوره الإلهي. وهناك كلمات تأتي بموضع واحد، وفي آية غير متعددة المواضع مثل كلمة (الصمد) في قوله تعالى: ((الله الَّصّمَدْ)) فالموضع الواحد، يعلمنا الوصل بين الكلمة وسياقها، والمواضع المتعددة تزيد على ذلك، أنها تعلمنا الفصل وما يرتبط به من امتداد الحركة، وتجدد المشاهد.

6- الحروف القرآنية المتعددة المواضع:

  • إياك نعبد وإياك نستعين
  • غير المغضوب عليهم ولا الضالين

الفاتحة : 5 – 7

إن واو العطف، حرف واحد ثابت على نصه، ثم هو متجدد، في ارتباطه بالآيتين السابقتين، ثم هو مرتب في سياقه بكل من هذين الموضعين. ويتضح لنا هذا كله بالنظر في الترتيب، حيث تقدمت العبادة والاستعانة، وفيهما معاً، كل حقائق الدين من توحيد لله وإخلاص العبادة له وحده، والاستعانة به على كل خير، ودعائه لرفع كل شر.

بينما جاءت البراءة ممن غضب الله عليهم، ومن الضالين، لخروجهم على هذا المنهج السابق فكان لابد من هذا الترتيب. (ومن يواصل النظر في المواضع الخاصة بواو العطف، حتى يصل إلى أوائل سورة ص وسورة القلم) فإنه يتبين له المنهج التركيبي الخاص بالحروف إذا كانت متفردة المواضع.

  1. الحروف القرآنية المتفردة المواضع:

ص  والقرآن ذي الذكر  ص : 1

ق  والقرآن المجيد  ق : 1

ن  والقلم وما يسطرون  القلم : 1

إن نظرة واحدة إلى فواتح السور الثلاثة، كما هي في مواضعها هذه تبين لنا أن كل حرف منها، له موضع واحد بينها جميعاً.

ثم يتبين لنا فوق ذلك، أن لكل حرف منها عملاً جديداً ينفرد به في موضعه. ثم يتبين لنا أخيراً أن هناك زيادة مطردة في عمل هذه الحروف بمواضعها الثلاثة في أوائل (سورة ص ثم سورة ق ثم سورة القلم) ومع النظر في هذه الزيادة يتبين لنا الترتيب المعجز.

فلقد وجدنا واو العطف مجاورة لهذه الحروف الثلاثة وهي ص – ق – ن. (وليس هذا صدفة ولكنه بيان عملي لتفرد كل حرف من هذه الحروف، بموضعه الخاص به). ثم وجدنا الحرف (ص) قد أدى عملاً واحداً هو إظهاره لنصه، وإفصاحه عن ذاته. فهذا الحرف لم يدخل في تركيب أي كلمة، من كلمات الآية التي جاء في أولها.

أما الحرف (ق) فقد أدى عملاً جديداً فوق كونه جاءنا بتصنيفه بين الحروف، هذا العمل هو دخوله بين الحروف المكونة لكلمة (والقرآن). وهذا واضح في قوله تعالى: ((ق والقرآن المجيد)) فهكذا يزداد العمل مع زيادة المواضع لهذا النوع من الحروف.

ثم ننظر في الحرف (ن) فنجده يقدم لنا تصنيفه بين الحروف، مشفوعاً بزيادة في العمل، ولكنها زيادة من نوع آخر. وهذا واضح في قوله تعالى: ((ن والقلم وما يسطرون)) فحرف النون، قد جاء مستقلاً بذاته، في أول هذه الآية ثم جاء باعتباره علامة رفع، في الفعل المضارع (يسطرون). وهذا عمل نحوي، يضاف إلى العمل الصرفي الذي سبق به الحرف ق. وترتيب العمل النحوي، بعد العمل الصرفي، مناسب لحركة التقدم في البناء اللغوي، حيث يتم بناء الكلمات ابتداء، ثم تأتي بعد ذلك الحاجة إلى الإعراب والتقيد بقواعد النحو.

السبع المثاني تحتوي على مناهج البحث في كل العلوم:

إن السبع المثاني كما سبق أن تعرفنا عليها تحمل معها كل مناهج البحث في كل العلوم، مهما تختلف أحوال وصولنا إليها. فلا أحد يستطيع أن يبحث في أي علم من العلوم، على مستوى مكوناته الدقيقة، إلا إذا بحث في الكون والحياة عن الحقائق المتصلة بما يشبه حروف اللغة وأعني بذلك الذرات أو الخلايا أو المكونات الوراثية، ثم إن البحث العلمي، في هذا الإطار لا يخرج عن اتجاهين أساسيين.

أولهما الحرف القرآني ذو الموضع الواحد والبحث العلمي في الذرة أو الخلية إن العلماء يبحثون بأي خلية في ذاتها أو ذرة في ذاتها بحثاً خاصاً بها لا يحتاجون معه إلى مفارقتها عند البحث، وهذا يتفق من حيث منهج البحث، مع تعرفنا على الحرف القرآني، في الموضع الواحد.

وثانيهما: الحرف القرآني في المواضع المتعددة والبحث العلمي في ذرات وخلايا مختلفة وهناك نوع آخر من البحث العلمي في الذرات والخلايا المختلفة من حيث حركة التكاثر واختلاف الأنواع. وهذا يتفق من حيث منهج البحث، مع حالتنا ونحن نتعرف على الحرف القرآني المتعدد المواضع.

فهكذا ينتهي البحث العلمي في المكونات الدقيقة للأشياء وأجزائها المتناهية في الصغر، وتستوعبه أحوال نظرنا في الحروف القرآنية، من حيث تركيبها الذي يجمع بين النظر في مواضع آحاد، أو النظر في مواضع كثيرة.

أما البحث العلمي، في مركبات يحمل كل نوع منها، صفة الفرد في مجتمعه، فله في تراكيب القرآن اتجاهان آخران أولهما الكلمة القرآنية في الموضع الواحد.

والبحث العلمي عن كل فرد في مجتمعه:

وندخل الآن مع ذكر الكلمة القرآنية في الموضع الواحد، إلى مجال آخر من مجالات البحث العلمي هو البحث في الأفراد، التي يرتبط كل فرد منها بمجتمعه. فهناك حالة البحث العلمي، الذي يجعل العلماء يواصلون بحوثهم في فرد بذاته، مثل سمكة معينة، أو شجرة بذاتها، أو إنسان له حالة خاصة، تدعو إلى تركيز البحث، عن حقيقتها المتعلقة بشخصه.

وهذه الحالة من حالات البحث العلمي، تتفق مع حالتنا ونحن ننظر في الكلمات القرآنية التي جعل الله كل كلمة منها، توجد بموضع واحد في القرآن كله.

وثانيها: الكلمة القرآنية في المواضع المتعددة والبحث العلمي عن ظاهرة واحدة بمجتمعات مختلفة

وفي أحوال كثيرة، يرتبط البحث العلمي بظواهر واحدة في نوعها، ولكنها تنتشر في مجتمعات كثيرة، ويعمل في رصدها العلماء المتخصصون في كل العلوم.

فالذين يعملون في العلوم البيولوجية أو الفسيولوجية أو علوم الفلك، وكثير غيرهم قد يجمعهم البحث العلمي، حول ظاهرة واحدة من نوع واحد، ولكن كثرة انتشارها في مجالات كثيرة في الحياة، يجعلهم جميعا، مشتركين في البحوث المتعلقة بها.

وهذا أمر تعلمنا حقائقه، الكلمات القرآنية ذات المواضع المتعددة.

وهكذا تدخل في إطار مواضع الحروف والكلمات القرآنية كل مناهج البحث العلمي على مستوى الأجزاء والمكونات الدقيقة، ثم على مستوى الأفراد، سواء كانت البحوث خاصة أو عامة. كما جاءت في تركيب القرآن، وبذلك نكون قد استفدنا بأربعة أنواع من السبع المثاني، ولا يبقى بعد ذلك إلا مناهج البحث العلمي المتعلقة بالمجتمعات ولها ثلاثة اتجاهات

أولها الجملة القرآنية المتعددة المواضع والبحث العلمي في مجتمعات أصغر مرتبطة بمجتمعات أكبر

لقد رأينا كيف تتعلق الجملة القرآنية، التي هي أصغر من آية كاملة بمواضع متعددة من الآيات. وعلمنا أنه لولا كثرة مواضع هذا النوع من الجمل، ما استطعنا أن نحدد معرفتنا به. ذلك أن الجملة من حيث النوع، تكون مندمجة بالآية التي نجدها بها، لأن الآية جملة أكبر من أجزائها. فلو أننا نظرنا إلى أي جملة في حدود آية واحدة ما استطعنا أن نخصها بمعرفة متميزة بحيث نتعامل معها تعاملاً يتناسب مع كونها تركيباً جديداً بين تراكيب القرآن.

فهذه الحقائق كلها، تصدق على كل البحوث العلمية، التي تدرس أحوال المجتمعات المماثلة لذلك، على مستوى الإنسان، وسائر الأحياء، وكل أنواع الخلق في السماء والأرض والماء والهواء، طالما كان هناك مجتمع أصغر، مرتبط بمجتمع أكبر، وتحتم على الباحثين في الحقائق العلمية، أن يتنقلوا معه في مجالات وجوده الكثيرة.

فقد كان علماء الفلك – مثلاً – يبحثون بمراصد بسيطة ليعلموا أن هناك عدداً من النجوم والكواكب والأقمار غير ما يراه الإنسان بعينه في حدود شمسنا التي تشرق صباحاً وتغرب ليلاً، وأرضنا التي نسير عليها بأقدامنا أو بوسائل مواصلاتنا، وقمرنا الذي نراه بأعيننا المجردة في الليالي المناسبة لظهوره.

ولكن الشمس والأرض والقمر في البناء الكوني، بمثابة جملة متعددة المواضع، في البناء القرآني!!

والدليل على ذلك، أن علماء الفلك حينما تقدمت صناعة المراصد، أصبح بإمكانهم أن يتأكدوا من وجود مجموعات شمسية محتوية على الكثير من المشاهد، التي تجمع بين وجود الكثير من نوع الشمس والأرض والقمر، في مواقع وجودها، وحركتها في الكون وفي حدود ما تستطيع المراصد الحديثة أن ترى.

وقد أدى هذا النوع من البحث العلمي، إلى نتائج علمية كثيرة، كشفت الكثير من أسرار الأرض والسماء. وهذا كله لا يخرج من حدود التركيب الخاص بالجملة القرآنية، ذات المواضع المتعددة، بحقائقها التي سبق بيان شىء منها.

وثانيها: الآية القرآنية ذات الموضع الواحد والبحث العلمي في مجتمعات أكبر محتوية على مجتمعات أصغر:

ولعلنا نتذكر أننا منذ تركنا البحث في الجزئيات ثم في الأفراد، وتعلق ذلك بمواضع الحروف والكلمات القرآنية، دخلنا في البحوث الخاصة بالمجتمعات. فمن أهم ما يلفت النظر في البحوث الخاصة بالمجتمعات، أن التراكيب القرآنية جعلها الله قائمة على استيعاب كل أنواع الصلات، بين ما هو أصغر وما هو أكبر، كما رأينا في الجملة القرآنية المتعددة المواضع.

وقد دخلنا الآن في نوع جديد من البحوث، الخاصة بالمجتمعات، التي تكون أكبر وتحتوي على مجتمعات أصغر. وهذا النوع من البحث العلمي، يحدده لنا التركيب القرآني الخاص بالآية التي نجدها بموضع واحد، وهذه هي أكثر آيات القرآن كما علمنا من قبل.

والذي يهمنا الآن، هو أن النظر بالمراصد إلى قطاعات من النجوم والكواكب والأقمار، وهذا يدخل في البحث عن صلة ما هو أصغر بما هو أكبر، قد حمل معه نوعاً آخر من البحث العلمي، هو البحث عن احتواء مجتمع أكبر لمجتمع أصغر.

ذلك أن علماء الفلك، حين يرون قطاعات ذات أحوال مختلفة من حيث بعدها أو قربها من الأرض، ومن حيث أحجامها، وقد اندمجت فيما هو أكبر منها مثل المجموعة الشمسية مثلاً، فإن هذا نفسه، يبين لهم أن هناك ما يسمى المجموعة الشمسية التي تحتوي على أجزائها.

وهذا هو نفس نظام الآية القرآنية التي نجدها بموضع واحد، مع أن أجزاءها المتعلقة بها موجودة في آيات أخرى، بنسب متفرقة، من حيث عدد المواضع وطول المجالات، التي تتحرك فيها، إلى غير ذلك من الأمور، التي تتصل بهذه الحقيقة، والتي تربط بين التركيب القرآني، والتركيب الكوني، لنعرف وحدة المنهج، الذي يقوم عليه الإعجاز الإلهي في الخلق والوحي.

ثالثها: الآية القرآنية المتعددة المواضع والبحث العلمي عن التكاثر في كل مجتمعات الخلق

ومع ظهور التناسب بين أي مجتمع أكبر، في احتوائه على ما هو أصغر منه، ننتقل الآن إلى تكاثر المجتمعات في الخلق كله.

وهذه الظاهرة بكل أبعادها، وسائر أحوالها، تحتوي عليها وتوجه البحوث العلمية الخاصة بها، كل آية قرآنية متعددة المواضع، فالقرآن حين نتلو آياته لتحصل على معانيها، فنحن في المنهج المعنوي أما حين ننظر في تراكيبه فنحن في المنهج التركيبي، الذي يرسم لنا الخطوط البيانية، لكل أصول البحث العلمي143

والآيات القرآنية المتعددة المواضع، تحتوي على أجزاء كالحروف، وأفراد كالكلمات، ومجتمعات أصغر كالجمل المتعددة المواضع، ثم نرى هذا النوع من الآيات يتحرك بكل محتوياته في مواضعه المتعددة.

ومرة أخرى نتذكر معاً، أن كل آية قرآنية سواء كانت مفردة الموضع، أو كانت متعددة المواضع، فإن أجزائها ومكوناتها تتنوع مواضعها، في آيات أخرى، من حيث الكم والكيف، ونقصد بالكم عدد المواضع، وكميات الحركة فيها.

ونقصد بالكيف، المعاني التي نحصل عليها من النظر، في أنواع الترابط بين هذا كله فهذه الصفات كلها، تحمل معها مناهج البحث في حركة كل المجتمعات، في سائر المخلوقات، مثل حركتها بأجزائها وحركتها في إجمالها.

وإذا كنا قد ضربنا أمثلة كثيرة، من علم الفلك، مع أن الكلام هنا يتسع لكل العلوم، فإنه مما يتفق من ذلك في حالتنا هذه، نظام المجموعات الشمسية، التي تتحرك في عمومها وخصوصها واجمالها وتفصيلها، في مواقع حركتها، التي قدرها الله لكل شىء يدخل في هذا المعنى، وتقوم بحوثه العلمية على مثل هذا المنهج، الذي ترسم لنا أبعاده، الآية القرآنية المتعددة المواضع.

وبذلك يتم الربط بين التراكيب القرآنية السبعة، وبين مناهج البحث في كل العلوم. وواضح أن هذه التراكيب القرآنية السبعة، تحمل معها بالرسم البياني، والتقدير الكمي، ومعاني اللغة، وبيانها، كل أصول البحث العلمي، في العلوم جملة وتفصيلا، بحيث لا نجد أي نوع من الأنواع التي تدخل في هذا المعنى، إلا وهو تابع للنُظم التي يقدمها لنا القرآن، خاضع لها، فالقرآن مع الدلالة الدائمة على الله، مهيمن على كل ما عداه.

إن كل وصل وفصل بين القرآن في قليله وكثيره، يحمل معه الدلالة العملية، والنظم الواقعية، بيننا وبين الكون الذي نعيش فيه، ومبدئه ومصيره، وكيف خلقه الله، ولماذا سخر لنا به كل وجوه النفع في عمومها وخصوصها.

فليس من قبيل الصدفة، أن أخبرنا القرآن، بحقائق تاريخية كثيرة، قبل تحققها في الزمان والمكان. ومن ذلك حقيقة انتصار الروم على الفرس، فقد نزلت سورة الروم وهي تحمل معها هذه الحقيقة، قبل حدوثها ببضع سنين كما يقول الله تعالى: ((غُلِبَتْ الرُّوم فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون فِي بِضْعِ سِنِين)) الروم : 2 – 4

والذي ينظر في مصادر التاريخ، يجد هذه الحقيقة شاهدة بصدق القرآن فيما أخبر به قبل وقوعه بسنوات طويلة. فقد جاء في موجز تاريخ العالم لويلز، أن هزيمة الفرس الكبرى عند نينوي، تمت على يد هرقل، سنة 627 م وقد نزلت سورة الروم قبل ذلك بنحو سبع سنوات، أي حوالي سنة 620 م، والهجرة النبوية كانت سنة 622 م.

وقد كانت وقعة بدر في السنة الثانية للهجرة، أي قريباً جداً من تحقق نبوءة القرآن السابقة، كما أوردتها مصادر السنة. والذي يحقق هذه الواقعة المشهورة في كتب السنة، وفي كتب التاريخ، التي لا تدخل في دائرة التأثير الديني، يجد كل الحقائق الدينية مطابقة تماماً، للحقائق التاريخية144

وليس من قبيل الصدفة، أن كل أنواع التقدم في كشف حقائق العلوم، لم يعرفها الإنسان إلا بعد نزول القرآن. ذلك أن المعرفة البشرية، لا تستطيع أن تصلنا بالحقائق الكونية المركبة إلا في تفاوت واختلاف. فمن أيام الفكر البدائي، بتلذذه بالأوهام، وابتداعه للأساطير145. إلى فترات العصور الحجرية قبل التاريخ الميلادي بعشرة آلاف سنة.

كل هذا وآفة الوصول إلى الحقيقة، هو التفسير بالهوى146. ولقد صورت أساطير الإغريق، قصة صانع كريتي اسمه (وايد لوسي)، حاول أن ينشىء طائرة شراعية، ولكنها سقطت، وهوت إلى البحر.

وقد كان الحديد لا مصدر له في سنة 2500 ق م، إلا النيازك التي تسقط من السماء.. وعندما بدأ مفكر قديم مثل أرسطو يفكر فيما يسمونه القضية الذرية فإن أخطاءه في مثل هذا النوع من التفكير، قد أجمع على ردها رجال التحليل الفلسفي، كما هو مشهور، فضلاً عن انفصال جهود أرسطو في منطقة الصوري، عن جهود رسل في منطقة الرياضي، مع أنهما حقيقتان مترابطان، ولكن الفكر البشري، لا يستطيع أن يتخلى عن جزئيته وتفاوته147

ولم يكن العلم البشري وقت نزول القرآن، يعلم عن الحيوان المنوي شيئاً سوى أنه سائل يمنح الحياة. فماذا صنع بالفكر العلمي كله، أول قدر من الآيات افتتح الله به نزول القرآن.
اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِب خَلَقْ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق العلق : 1 – 2

ولقد مضى وقت طويل جداً، منذ نزول هاتين الآيتين، حتى جاء وقت استعمال المجهر الكهربائي، ووصل العلم البشري إلى سر الحيوان المنوي، الذي يصدق عليه قوله تعالى: ((من علق))148

وقد بدأ استعمال العدسات لرؤية وتركيب الخلق ومكوناته الدقيقة – عام 1675 م والقرآن بدأ نزوله منذ عام 610 للميلاد. والقرآن أخبرنا بمعانيه عن كل مفاتيح العلوم، ومركبات الخلق، في السموات والأرض، والحيوان، قبل اكتشاف العدسات التي أمكن بها رؤية هذه الدقائق الكونية وتراكيبها149

وقد رسم لنا القرآن بنظمه المعجز رسماً بيانياً، لكل تركيب الكون الذي نعيش فيه، قبل ظهور الفكر العلمي عند البشر بألف وخمسمائة وخمسة عشر عاماً150.

إن الحدود الفاصلة، بين أقوال الله وأفعاله، وأقوال البشر وأفعالهم، أن الكون الذي أحياهم الله في جزء صغير من أجزائه، بعد أن خلقهم من ترابه، هذا الكون كله، خلقه الله بكلمة ذات حرفين، من كلماته هي كلمة (كن) كما هي في قوله تعالى: ((إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون* فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون)) يس 82 – 83

فالكون على عظمة حجمه نتيجة لكلمة واحدة، من كلمات الله القرآنية. والكون فيه العناصر الوراثية مستعيرة من القرآن منهج نظمه وترتيب أجزائه. وفيه الكيمياء متشابهة مع العناصر الوراثية، في ثباتها وتجدد ارتباطاتها وتراتيبها

والقرآن بتركيبه وترتيبه، تتجلى فيه هيمنة آيات الله القرآنية، على آياته الكونية. ولقد جعل الله القرآن أوجز من الكون تيسيراً. ومع ذلك فقد جعل الله الكون، مسيّراً بالقرآن تسييرا.

والحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبيك وصفوتك من الخلق أجمعين.

 

الهــوامـــــــش

 

88- انظر كتاب الاتقان للسيوطي تحقيق أبو الفضل إبراهيم جـ 1 ص 18 – 19 – 20 وما بعدها.

89- انظر كتاب الاتقان للسيوطي جـ 1 ص 82 وما بعدها.

90- الاتقان للسيوطي جـ 1 ص 164 وما بعدها.

91- انظر الاتقان للسيوطي جـ 1 ص 184 – 199، وكذلك البرهان للزركشي جـ 1 ص 16 – 17 وقد جاء به أن أبا بكر بن العربي هو محمد بن عبدالله المعافري، المعروف بابن العربي أحد فقهاء اشبيلية توفى سنة 544 هـ.

92- الاتقان للسيوطي جـ 2 ص 211.

93- انظر الاتقان جـ 1 ص 271 وقد عزى السيوطي هذا الحديث الى الطبراني في الكبير وقال رجال اسناده ثقات وهو حديث جليل حجة.

94- المصدر نفسه وما يفهم من النوع الثاني، من أنواع النسخ – اتصال الوحي الإلهي في الإسلام بمصدره الواحد عند كل الأنبياء أما النوع الثالث فما يفهم منه مناسبة دين الله تطوير أحوال الناس.

95- مسلم رضاع 25.

96- انظر مقدمة في تفسير الرسول للقرآن الكريم (تأليف محمد العفيفي) والحديث رواه الجماعة إلا البخاري.

97- الموطأ رضاع 4.

98- الموطأ رضاع 12.

99- الاتقان جـ 3 ص 15.

100- رواه البخاري (6) وصايا أبو داود (6) وصايا 88 بيوع والترمذي 5 وصايا والنسائي وصايا وغيرهم.
وانظر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي جـ 7 ص 687.

101- البخاري جنائز 37 وصايا 2 م وصية 5 أبو داود وصايا 2 والترمذي وصايا 1
وانظر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي جـ 7 ص (188).

102- الاتقان جـ 3 ص 60.

103- المصدر السابق.

104- انظر الاتقان جـ 3 ص 73 – قلت ولهذا الحديث شواهد في الصحيح فانظر صحيح البخاري رقاق 10 وصحيح مسلم زكاة 116 – 119.

105- انظر صحيح البخاري في 25 كتاب الحج وفي 21 باب ما لا يلبس المحرم من الثياب. وانظر صحيح مسلم ج‘ 2 ص 835 وما بعدها أحاديث.

106- انظر الإتقان للسيوطي جـ 3 ص 3، 4، 5.

107- انظر لسان العرب لابن منظور جـ 1 ص 100 وما بعدها.

108- راجع ما سبق من الكلام عن التشابه ونفي التكرار عند الاسكافي والكرماني. وانظر في نهاية هذا الفصل إلى كلام السيوطي عن ترتيب السور والآيات بكتابه تناسق الدرر.

109- انظر الاتقان للسيوطي جـ 3 ص 42 وما بعدها، وانظر كذلك موضوع السنة بين العموم والخصوص، للستاذ سالم البهنساوي بكتابه (السنة المفترى عليها) ص 182 – 212.

110- البخاري بيوع 58 ومسلم نكاح 49.

111- صحيح الجامع الصغير للسيوطي برقم 6808.

112- المصدر السابق برقم 6815.

113- المقصود بالتخصيص هنا نوع من التقييد المطلق وفي التعميم بالقرآن مع التخصيص بالسنة قوة الالزام وتأكيد له.

114- الاتقان جـ 3 ص 48 (والإسلام حرر الرقيق من طباع التواكل والخضوع بأن مكن لهم في المكاتبة وفيها العمل والكفاح من أجل الحرية، حتى لا يكون فيها تفريط بعد ذلك.

115- قلت هذا داخل في ما سبق من تخصيص آية لآية أخرى.

116- الحديث رواه البخاري في الايمان 17 – 18.

117- وانظر الاتقان جـ 4 ص 144 وما بعدها.

118- صدر كتاب تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي ص 4.

119- الترتيب القرآني متجدد الأحوال ولكنه معجز من كل وجه، وهو بعدد حروف القرآن، ثم بعدد كلماته، ثم بعدد كل صلة بين أي قدر منه، وبين أي موضع منه.

120- انظر تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي ص 78.

121- الدكتور محمد أحمد الغمراوي من مواليد يونية 1893 بمدينة زفتى بمحافظة الغربية بمصر.

122- الإسلام في عصر العلم للدكتور محمد أحمد الغمراوي ص 42 – 43.

123- المرجع السابق ص 56 وما بعدها.

124- انظر إلى الوحي المحمدي للسيد رشيد رضا عن كلامه عن الأسلوب المزجي للقرآن ص 143.

125- انظر إعجاز القرآن – مصطفى صادق الرافعي ص 21، 209، 211، 215، 220، 225، 227.

126- انظر النبأ العظيم للشيخ محمد عبدالله دراز ص 23.

127- مسند أحمد جـ 4 ص 13.

128- البخاري: بدء الخلق 4.

129- النسائي: كسوف 16.

130- مسند أحمد جـ 2 ص 247.

131- مسند أحمد جـ 6 ص 206، 215.

132- انظر الصفحات من 108 وما بعدها في المصدر السابق.

133- انظر الصفحات من 245 إلى 260.

134- البخاري إيمان 9، مسلم إيمان 66، مسند أحمد جـ 3 ص 103، 140، 141.

135- البخاري: أدب 96 مسلم بر 65.

136- البخاري: أحكام 4 مسلم امارة 38.

137- الموطأ: جـ 1 ص 83.

138- صحيح الجامع الصغير للسيوطي جـ 5 ص 201 برقم 5724.

139- الترغيب والترهيب للمنذري جـ 4 ص 398 – 399.

140- من معاني تتمارى هنا أن الله سبحانه وتعالى ينفي التماري عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجعل هذا بمثابة التعجب مما يتمارى.. وقيل المقصود به كل من يتمارى من آحاد الناس، والتماري يأتي بمعنى الجدل أو بمعنى الشط. انظر تفسير فتح البيان للعلامة المحقق صديق حسن خان جـ 9 ص 188.

141- لقد انتهينا حتى الآن من بيان التركيب المعجز للكلمات الثلاث الأولى لآية بتمامها – وبقيت كلمة واحدة ذات موضع واحد هي كلمة تكذبان.

142- سننظر في التراكيب القرآنية هنا بأسلوب جديد، عما سبق ذلك أننا سنبدأ من الحروف ثم نصعد إلى الكلمات والجمل الصغيرة، حتى نعلو إلى الآية في الموضع الواحد، والآية في المواضع المتعددة، لأن هذا الأسلوب أنسب لأغلب البحوث العلمية.

143- انظر في الفصل الثاني ما جاء عن الخطابي من أصول المنهج التركيبي والمنهج المعنوي.

144- انظر تفسير ابن كثير ص 423 وأورد عدداً من الأحاديث، تبين كيف راهنت قريش أبا بكر، فلما هاجر النبي إلى المدينة، جاء مصداق النبوءة القرآنية، فانتصر الروم على الفرس وأسلم هنالك ناس كثير.
انظر أبواب التفسير في كتب السنن.

145- انظر الفصل الثامن عشر من كتاب موجز تاريخ العالم لويلز ص 45 وما بعدها.

146- المصدر السابق ص 54 وما بعدها.

147- القضية الذرية يقصد بها تحليل الفكر الى أدق صورة وأثبتها، وأنفعها كما يفعل رجال العلم المادي، في وصولهم إلى أدق أجزاء المادة.
انظر المنطق الوضعي د. زكي نجيب محمود ص 57 وما بعدها.

148- انظر ما كتبه البحاثة المعاصر الدكتور أحمد شوقي إبراهيم، في هذه القضية في كتابه سنريهم آياتنا ص 74 وما بعدها.

149- انظر كتاب الوراثة – تأليف جوديث وأنوال ترجمة د. حسين فهمي فراج ص 25 وما بعدها.

150- فكر في الفرق بين سنة 610 م بدء نزول القرآن، وعند بدء اكتشاف العدسات سنة 1675 م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر