ملفات

مائة عام على رحيل الأستاذ الإمام

119 -120

مقدمة :

لفترة ليست بالقصيرة مثل محمد عبده بؤرة اهتمام المثقفين والدوائر الأكاديمية والعلمية، والحق أن هذا الاهتمام بالرجل لم يخف في يوم من الأيام.

فقد جاء الاهتمام بمرور مائة عام على وفاته والاحتفاء به وإعادة الاهتمام بأفكاره وإنتاجه الفكري وكتاباته، وقد بدأ الاهتمام الكثيف مبكراً منذ ما يقرب العشرة أعوام عندما أصدر المجلس الأعلى للثقافة كتابه التذكاري وجاء في مقدمته بأنه “احتفالاً بمرور تسعين عاماً على وفاة الإمام محمد عبده” (عاطف العراقي).

وقد جاء عام 2005 ليمثل ذروة هذا الاهتمام إذ لم يقتصر على الدوائر الأكاديمية أو المؤسسات الرسمية وإنما تعداها ليكون موضوعاً لاهتمام معظم الهيئات والدوائر التي اهتمت في منتجاتها الفكرية بإبراز هذا الاهتمام بتخصيص “محور خاص” أو ملف لبعض المجلات أو عقد “ندوة” أو “مؤتمر”، ومن هذه المؤسسات مؤسسة الفكر العربي في مجلتها “حوار العرب” وكذلك مجلة “وجهات نظر” وأيضاً مجلة “العربي الكويتية” بالإضافة للأزهر الذي عقد ندوته وتم نشرها في مجلته “الأزهر” في عددين متتالين.

وهناك العديد والعديد من الذين احتفلوا بمرور مائة عام على الأستاذ الإمام هذا العام (ت 1905- 2005) وقد جاء مؤتمر مكتبة الإسكندرية على قمة هذه المنتديات الفكرية فقد ضم مجموعة من المفكرين والمثقفين والأكاديميين المهتمين بسيرة ومسيرة وسيرورة فكر الأستاذ الإمام.

ونحاول في هذه الصفحات القليلة التالية التعرف على الخريطة الفكرية لهذا الاحتفاء، وباستطاعتنا القول – من خلال هذه الاحتفالات – إن الأستاذ الإمام يعتبر ظاهرة فكرية تعلن الكثير من التوجهات والاتجاهات – والتي ربما تكون متناقضة – انتماؤها إليه، بالإضافة للاختلاف حول إنتاج الأستاذ وتقييمه، ويعتبر “العرض” الذي نقدمه تحلية هذه الفكرة، وسوف نعتمد على أسلوب العرض المجمع الأربعة احتفالات ما بين كتاب تذكاري وندوة ومحور أو مؤتمر ([i]). حيث جاء احتفاء المجلس الأعلى للثقافة وكتابه التذكاري ليمثل في ذاته هذه الأبعاد الفكرية، فهناك من اعتبره محددا وليس فيلسوفا (عاطف العراقي)، وآخرون ذهبوا إلى أنه صاحب مشروع فكري ومذهب تنويري فلسفي (زينب محمود الخضيري و..)، كما ركز العديد من الأبحاث على منهجه ونزعته العقلية والنقدية.

كما جاء محور مجلة “وجهات نظر” ليعبر عن الرؤية الحضارية للأستاذ الإمام، وتعبر الأبحاث الثلاثة بها عن مدى عالمية الإمام وموقفه الفكري بين المفكرين في تاريخ الفكر (بشير نافع)، كما عبرت أيضا عن عالمية أفكاره ورؤيته الحضارية وحله العديد من الإشكاليات، أبرزها العلاقة بين الدين والدولة عندما أشار إلى “دولة علمانية المؤسسات إسلامية المرجعية ” (عمارة)، وكذا الاهتمام بالفتوى وبروزها كفاعل دولي وإن لم تأخذ هذا المفهوم في حينه رغم أن  الأستاذ الإمام جعلها عالية المعني، فقد استقبل أسئلة من الهند وأرسل إجابته

كما أفتى لغير المسلمين (مصطفي لبيب).

وجاء محور “حوار العرب” ليعبر عن جل الاختلاف حول أفكار الإمام وكيفية فهمها، وهنا يبرز الأستاذ الإمام وبالنصوص” الذي يتحدث عن الدولة المدنية ويفصلها عن الإسلام (الدين) (عماد أبو غازي)، إذ يتناول الباحث أن يفرض مجموعة من الاستنتاجات والتصميمات قد لا تستند إلى حجة عميقة أو دليل مناسب

(علي زيعور..)، ويجيء احتفال الأزهر ليعبر عن محاولة تسكين فكر الأستاذ الإمام في مسار الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر ودوره في الحياة الفكرية الإسلامية، وتأتي عناوين الأبحاث المقدمة لتعبر عن هذه الرؤية مثال (الإمام. مفسرا، الإمام. مجددا، مصليا.. مفتيا..)، وتتحدث عن المجالات التي شغلها الإمام، وما الجديد الذي أحدثه فيها وأسهم فيه بالتغيير والإصلاح.

ومن ثم نستطيع القول قبل أن نطالع العرض: إن “الإمام اشتغل بالتجديد الديني والإصلاح الاجتماعي وتحرير الفكر من أغلال الجمود والتعصب، وكان زعيما في دنيا الأدب ورائداً في الفكر ومجددا في الدين ومصلحاً في شؤون الدنيا ومعلما يبحث عن الطاقات الكامنة. وهو يعد رائد حركة التنوير والملهم لمعظم مدارسها، والباعث ا لحركات الإصلاح” (أحمد تمام / الإسكندرية).

بمناسبة مرور تسعين تماما على وفاة الأستاذ الإمام أصدرت لجنة الفلسفة والاجتماع بالمجلس الأعلى للثقافة كتاب تذكاري” ضم مجموعة من الكتابات عن الأستاذ الإمام بأقلام العديد من الباحثين المهتمين به بالإضافة لمجموعة من النصوص للأستاذ الإمام، وقد جاء بحث د. إبراهيم مدكور كمقدمة للكتاب تسير فيها الباحث عن رؤيته للأستاذ الإمام وقد اعتبره قدوة في السلوك والبحث وفي رؤيته الإصلاحية.

وقد جاء إسهام د. عاطف العراقي (المشرف على الكتاب) بعرض نقدي الكتاب الأستاذ الإمام “الإسلام دين العلم والمدنية”، وقد أكد الباحث أن الكتاب يعبر عن سعة اطلاع الإمام وعمق ثقافته الدينية والإسلامية، كما تضمن الكتاب البحث في العديد من الموضوعات الحيوية وأثار العديد من الأفكار، وقد أخذ عليه بعض النقاط السلبية مثل انتقاله المضطرب بين الموضوعات بالإضافة لانسياقه وراء اللغة الخطابية الإنشائية، كما أغفل العديد من الأسباب الهامة لتأخر العالم الإسلامي، كما ذكر العراقي أن “البضاعة الفكرية في بعض ميادينها ومجالاتها تعد ضحلة عند محمد عبده كما أخذ عليه لجوءه  للتعميمات والمبالغة.

وعن إسهام الإمام في كتابه “رسالة التوحيد” جاء بحث د. نازلي إسماعيل عن “حكمة التنوير في رسالة التوحيد”، وقد أكدت من البداية على تعريف الأستاذ الإمام للتوحيد بأنه الاعتقاد بأن الله واحد لا شريك له وأن تعلم التوحيد هو العلم الذي يبحت بالأدلة العقلية في العقائد الإيمانية.

وذكرت الباحثة أن علم التوحيد عند الإمام تأسس على حكمة التنوير، وذكرت أن الغاية من علم التوحيد في القيام بغرض مجمع عليه وهو معرفة الله  تعالى لصفاته وتنزيهه والتصديق برسله، كما اعتبرت الباحثة أن الجدال العنيف الذي دار حول حرية الإرادة والجبر والاختيار قد تبدد في رسالة التوحيد بحكمة التنوير التي جعلت الإنسان مسؤولا عن أفعاله، وذهب الشيخ إلى أن المدنية الغربية وجد بها من الطوائف ما يتفق والعقيدة الإسلامية لأن ذلك قائم على الفطرة.

وعن مكانة العقل عند الأستاذ الإمام جاء العديد من الإسهامات منها إسهام د. حمدي زقزوق ود. عبد الفتاح أحمد فؤاد ود. جمال المرزوقي، وقد ركزت هذه الأبحاث على مكانة العمل عند الأستاذ الإمام، وقد ربطت بين قضية إصلاح الفكر الديني وقضية إصلاح الفكر بصفة عامة، وإصلاح الفكر يعني العودة إلى مقررات العقل السليم، وقد ذكرت الأبحاث أن الأستاذ الإمام يؤكد على أهمية العقل وجعل منه مرتكزاً لدعوته الإصلاحية التجديدية، وكان الأستاذ الإمام يرى أن جوهر الشخصية الإنسانية يتمثل في العقل، كما أن الأستاذ الإمام رفض التقليد وأعطى العقل مكانة وأهمية كبرى بوصفه طريقا إلى معرفة الوجود، وقد شغلت مشكلة المصالحة بين الإسلام ومتطلبات العصر ذهن الإمام فقد دعا للانفتاح على علوم العرب مع عدم الانبهار، كما ركز على الإرادة الإنسانية، وقد دعا لثقافة دينية تحترم العقل، أما التركيز على منهج الإمام في تناوله للقضايا المختلفة وإسهاماته المتعددة فقد حظي بحل اهتمام الباحثين، وجاءت مظاهر ذلك عند د. زينب الخضيري، ود. سعيد زايد، ود. منى أبو زيد، ود. نبيلة زكي، ود. زينب عفيفي شاكر، وقد مثلت كل هذه الإسهامات التركيز على كيفية تعامل الإمام مع القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي في عمارة والتي لا تزال في حاجة إليها، ومن هنا يأتي أهمية إعادة إحياء أفكار الأستاذ الإمام بهذه الكيفية، وقد ركزت هذه الأبحاث على العديد من الأفكار منها تمتع الإمام بحس نقدي، فقد أدرك الإمام أن صلاح أمته لن يكون إلا من خلال كشف عيوبها وقد آمن بالنقد كوسيلة للإصلاح، وكان الأستاذ الإمام يعتبر أن الإسلام أرسى قواعد النظر العقلي والاستدلالي، وظهر ذلك الأسلوب في كثير من القضايا التي تناولا الإمام مثل تعدد الزوجات والطلاق.. الخ من القضايا، وقد كانت من مقومات النزعة النقدية عنده تحرير الفكر من التقليد والدعوة إلى الاجتهاد، وأيضا النهي عن الجدل المؤدي إلى الفرقة.

وقد اعتبر مفهوم التطور هو المفهوم المفتاحي لمشروع محمد عبده الإصلاحي، ومن خلال هذا المفهوم يمكن الحديث أيضا عن مذهب فلسفي تنويري إصلاحي وباستخدامه يمكن تفسير المواقف الفكرية التي اتخذها الإمام.

وقد نجح الإمام في تبين عامل التطور التحكم في الإنسانية فقد شيني بالتاريخ واعتبر أن أعظم وسيلة للتطور والإسراع في التربية والتعليم.

كما جاءت بعض الأفكار عن منهج الإمام في الإصلاح والتجديد وما قام به من إصلاح في المؤسسات التي تعمل بها، كما تناولت العديد من أفكاره الإصلاحية في العقيدة سواء تعريفه فما أو نقده للمنهج القديم لعلم العقيدة، وقد قدم أسا المنهج جديد لهذا العلم.

أما عن الجانب الاجتماعي في أفكار الأستاذ الإمام فقد جاء العديد من الإسهامات مثل الفكر الاجتماعي عند الإمام ونظرته للإصلاح الاجتماعي، وأيضا الحديث عن الإنسان والمجتمع في فكر الإمام.

فقد احتل الفكر الاجتماعي مكانا بارزاً في فكر الإمام وقد حاول معالجة ذلك الجانب الاجتماعي من مجتمعه وما به من عادات وتقاليد، وركز على الجانب التطبيقي أكثر من الجانب النظري، وكان يرى أن الإنسان بطبعه اجتماعي، وقد وضع مجموعة من الأسس التي يجب الالتزام بها مثل المحبة والتعاون والعمل المشترك والوحدة والاتفاق.

كما التزم الأستاذ الإمام في ثورته الإصلاحية بروح الإسلام التي تجعل من النقد أحد المحاور الرئيسية في معالجة قضايا المجتمع بهدف وضع القواعد التي ينبني عليها النظام الاجتماعي العام كما ارتكزت دعوة محمد عبده الإصلاحية على الدين القائم على مواجهة الجمود والتحجر وقد قدم خطة للإصلاح هدفها تأكيد الصلة الحميمة بين الفكر والوضع الاجتماعي.

كان الإمام يرى : أن هناك نظريتين يجب الاعتناء بهما، الأولى : متعلقة بالإنسان الفرد، والثانية : متعلقة بالمجتمع، وقد نظر للإنسان الفرد على أنه وحدة متكاملة، ويمكن من خلال التعليم إنتاج إنسان متعلم يفيد نفسه وأمته.

كما احتلت فكرة الدين والأخلاق والألوهية جانبا من اهتمام الكتاب التذكاري وجاء العديد من الأفكار التي تكرس هذا البعد، فالدين الصحيح عند الأستاذ الإمام هو المنزل من قبل الله، فالدين يمثل ركيزة هامة للإنسان في سعيه نحو السعادة، والعقل لا يمكنه الاستغناء عما يقدمه الدين، فالدين من أقوى العوامل التي تؤثر في أخلاق العامة والخاصة، وقد اهتم الأستاذ الإمام بالإصلاح الخلقي بوصفه دعامة تقوم عليها باقي الإصلاحات، بالإضافة لذلك فقد اهتم بالفضائل؛ لأنها الهدف من الأفعال الإنسانية، والفضيلة ترجع إلى الاعتدال في السير الإنساني وهي مركزة في الطبيعة الإنسانية، كما يرى الإمام أن تعديل السلوك هو من الأمور الممكنة وينطلق في هذا من تصوره للإنسان فكل سلوكياته ترتد إلى البيئة؛ لذلك فطن إلى أهمية التربية.

كما كان للتصوف دوره وأثره على شخصية الإمام منذ صغره، ويمكن القول أن الأستاذ الإمام طوال حياته استطاع الموازنة بين أهل السنة والمتصوفة فقد ظل صوفي الأخلاق وإن رفض بعض مظاهر التصوف.

كما كانت فكرة الألوهية واضحة عند الأستاذ الإمام، فتصوره لوجود الله قد تأثر فيه بالفلسفة المشائية الإسلامية خاصة فلسفة ابن سينا، ودليل الشيخ الإمام قائم على التفرقة بين الواجب والممكن وهو قد ربط بين الواجب والممكن برباط العلة والمعلول.

أما عن الأفكار المستقبلية في إنتاج الأستاذ الفكري فعبر عنه بحت الدكتور حامد طاهر.

وبين الركائز التي اعتمد عليها محمد عبده والتي تمثل استمرارية المشروع الإصلاحي كما أنها صالحة لحل العديد من مشكلاتنا المعاصرة فهي العلم والتعليم والتربية.

يرى الإمام ضرورة الدعوة إلى العلم واستخدام العقل ونبذ التقليد. فهما أساسا إصلاح.

كما أن التعليم هو الطريق الطبيعي لتحصيل العلم وهو أصول ومناهج، وتعد محاولة الإمام في بيان ذلك محاولة رائدة فهو لم يستورد منهجاً ليطبقه بل قام باستقراء دقيق للمادة التعليمية المنتشرة في المجتمع المصري وطرق تدريسها وقد اهتم بجميع جوانب البيئة الاجتماعية التي تتم فيها العملية التعليمية.

أما عن التربية فقد اهتم بإعداد مشروع تربوي شامل قام فيه بتحليل طبيعة الشعب المصري، وقد رأى أن الفرصة في مصر سانحة لمن يريد تنفيذ برنامج جيد للإصلاح التربوي.

في إطار مرور مائة عام على وفاة الإمام محمد عبده قامت مؤسسة الفكر العربي في بحلتها الشهرية “حوار العرب” بطرح تساؤل رئيسي : ماذا تبقى من الأفكار الإصلاحية الإسلامية بعد مرور مائة عام على وفاة الإمام؟

وقد حاول جمع من المثقفين الإجابة على هذا التساؤل المحوري، وقد تعددت الرؤى وإن كانت هناك مجموعة من السمات التي يمكن أن تمثل خيطاً ناظماً لمحور المجلة، وبصفة عامة يعد أبرز سمات هذا الخيط التأكيد على علمانية الإمام محمد عبده، وقد ظهر ذلك من توضيح موقفه من السلطة الدينية والدولة المدنية (عماد أبو غازي)، والتأكيد على إعلاء الإمام للعقل (غريغوار مرشو) في مواجهة النقل حتى إنه قال: “لقد أجمعوا على أن الدين إن جاء بشيء قد يعلو على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل على العقل”.

وهكذا نستعرض ما موضوعات هذا المحور، والتي تدور في فلك التأكيد على فلسفية وعلمانية الأستاذ الإمام.

وقد جاء موضوع د. رفعت السعيد بعنوان “محمد عبده والأزهر” وقد ركز فيه على أن لمحمد عبده موقفا تنويريا تقدما في مجال الدين وإعمال العقل في صراعه ضد شيوخ الأزهر، وأن هذا الموقف جاء مبكراً، وليس مرتبطا بإقامته في أوروبا حيث إن بداية معركة التنوير التي خاضها قديمة تسبق اشتغاله بالسياسة، كما أوضح موقفه من الثورة العرابية وإن كان ضدها رغم أنها كانت ثورة شعبية.

وقد خاض محمد عبده معركته التنويرية بصورة مزدوجة، الأولى ضد الهجوم الغربي والذي كان يعتبر أن الإسلام إن لم يكن ميتا فهو في طور الاحتضار، وكانت الأخرى ضد شيوخ الأزهر الرجعيين الذين اعتمدوا على النقل رافضين إعمال العقل.

ورغم التراث العظيم الذي تركه الإمام فقد غني عناية خاصة بأمرين أولهما: هو تحرير الفكر من قيود التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف.

ثانيهما: إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير، بالإضافة لتقديم طرح حول السلطة في حياة المواطن، فقد أكد على خطورة ترك السلطة في يد الحكام دون اهتمام من قبل المواطن، كما أكد على خطورة السلطة الدينية وأن الإسلام لم يعرف هذه السلطة ولا توجد فيه، كما رفض اقتران الحكم بالسلطة الدينية، وقد قاده هذا الأمر إلى التأكيد على مدنية المؤسسات في المجتمع وإعطائها الطابع القومي المدني الذي لا يفرق بين المواطنين.

وقد اعتبر أيضا أن العقل هو أهم مرتكزاته وربط العقل بالعلم وقال: “هو قرين العلم نقيض النقل”، وقد انعكس ذلك على رؤيته الفكرية والمهنية عند توليه منصب الإفتاء في الفتاوى العديدة التي أصدرها وبعضها خاص برؤية خاصة للمرأة، واعتبر أن الأسرة لبنة في بناء المجتمع والأمة.

في حين أكد د. خالد زيادة في بحثه محمد عبده رائد الحركة الإصلاحية الدينية” على الدور الذي لعبه الأفغاني في الحياة الإسلامية بوجه عام وعلاقته وتأثيره في محمد عبده بوجه خاص وتأثيرهما معا على الحياة الإسلامية في عصرهما والعصور التالية لهما.

وأوضح الباحث كيف كان محمد عبده ورؤاه الإصلاحية حينما كانت علاقته متصلة بالأفغاني، ثم أوضح اختلاف هذه الرؤية عند عودته لمصر – بعد النفي – فقد عاد مهادنا للإنجليز ولم تعد السياسة هاجسه الأول، فقد أصبح الإصلاح التربوي يحل محلها، وقد عبر عن أفكاره في كتاباته أكثر منها في الواقع، وقد شملت كتاباته أفكاره عن الإسلام وأصوله وتقديمه للعقل والبعد عن التكفير، بالإضافة لعرضه ما كان المسلمين من فضل في العلوم الحديثة، وكيف أن الإسلام لم يقف حجر عثرة في سبيل المدنية فهو ينقيها ويهذبها، وأن المدنية هي من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفها أهله.

بالإضافة لتأكيده على العديد من الأفكار مثل طرحه لتأخر المسلمين وأفكار لحظة الصدام الأولى للإسلام مع أوروبا، كما تطرق لمسألة الخلاقة ويقول فيها: “. أن ليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم”.

ومن ثم فهو يقرر أن ليس للخليفة والقاضي والمفتي وشيخ الإسلام سلطة على العقائد وتقرير الأحكام ويؤكد على أن الأمة ليس لهما عليهم إلا الدعوة إلى الخير وتكون بالتذكير والإنذار والتحذير.

في حين جاء بنت عمر كوش في صيغة “ماذا تبقى من الإصلاحية الإسلامية؟”، وذكر الباحث كيف حاول الإمام محمد عبده الإجابة عن سؤال جوهري يبحث عن سبب التأخر الذي أصاب المسلم والمجتمعات الإسلامية كلها، وقد وجد الإجابة في تحرير الجمهور من العقائد الفاسدة التي حرفت الدين وزوجها المشايخ التقليديون بدافع مصلحتهم ومصالح الحكام المستبدين.

وقد ذكر الباحث كيف واجه محمد عبده جملة من الفقهاء المتخشبين والمدافعين عن التقليد وكيف سعي للدفاع عن ضرورة التجديد ورفض التقليد، وطالب بواجب الاجتهاد والتواصل مع الآخرين في العالم المعيش.

ومجمل أعمال الإمام تقدم جملة من التصورات والأفكار الهادفة لإعادة النظر في العقائد الفاسدة ويريد من خلالها اندماج المسلم في الأزمنة الحديثة، وقد حاول المواءمة بين المبادئ الكبرى للعقيدة الإسلامية والمبادئ الكبرى الناظمة لمكاسب الحضارة المعاصرة.

وقد ذكر الباحث أنه على المستوى النظري كان هناك عدم اتساق في الدعوة الإصلاحية لمحمد عبده حيث لجأ إلى التركيب ما بين معطيات متصلة بمجالات من الفكر الإسلامي الوسيط ومعطيات تتصل بمجال معرفي مخالف.

أما بحث د. غريغوار مرشو فقد جاء بعنوان “استنساخ فكر محمد عبده” وقد أكد الباحث على أن الفرضية التي انطلق منها الإمام تقول: “لكي يكون الإصلاح جديرا بالحداثة لابد من البحث في القرآن والحديث كونهما يوفران مقدمات مفهومية جاهزة تسمح بالمصالحة مع العقل والعلم.

وقد ركز الإمام على أن الإسلام في عصره الذهبي شجع على العلم وأضفى على العقل الإشارات نفسها وأيضا الرموز والمعاني والمظاهر التي يتمتع بها في الوقت الراهن على عكس من مصيره المضطهد في كنف المسيحية الغربية.

كما يركز على العقل ويعتبره الإمام أساس شرعية الإسلام وتماسكه وقد جعل “عبده” من العقل عقيدة، ويقول: “لقد أجمعوا على أن الدين إن جاء بشيء قد يعلو على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل على العقل”.

كما أكد على أن الإسلام صديق للعلوم وأفضل محرض على توسيع المعارف، كما يؤكد الإمام على فضل الإسلام في نقل المعرفة في كل الاختصاصات إلى الأوروبيين.

ثم يقدم رؤيته للخليفة ويرى أن الخليفة عن المسلمين ليس بالمعصوم ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب، ويعتبر الخليفة وسائر طلاب العلم سواء، والتفاضل يكون بصفاء العقل وكثرة الإصابة في الحكم، كما أنه مطاع ما دام على الحجة ونهج الكتاب والسنة والمسلمون له بالمرصاد.

ويقدم على زيعور تحليله النفسي للاستاذ الإمام، ويعتمد على أداة علم البطولة والخلاص، ويعتمد على السيرة الذاتية للإمام في تحليله، وفي إطار هذا التحليل النفسي يعتبره الباحث أنه – أي محمد عبده – في عمره الأول كان يهرب ويختفي وينكر ويخفي الحقيقة عن أبيه.

كما أنه يتميز بالتغطي وعدم مجابهة القهر والقمع، وإن كان يصل إلى هدفه بوسائل غير دقيقة بالمخاتلة والمخادعة وكان يتميز بازدواجية الخطاب وفصل القول عن العمل، وفي كل مرة تعترضه السلطة الأبوية كان يزدوج ويقوم بالالتفاف كي يحقق مراميه

وقد ربط الباحث الكثير من مواقف الإمام وفسرها بهذه الطريقة، فقد كان يريد للإمام أن يقول ما يريده هو ([ii]). في العديد من القضايا مثل طريقة الأستاذ الإمام التربوية والإصلاحية، وأيضا حديثه عن المرأة فقد عزاه الباحث إلى أن محمد عبده نشأ في أسرة بها ثلاث بنات فسأثر ذلك على رؤيته للمرأة وعلى طريقة اهتمامه بنفسه وزينته.

وقد جاء تحت د. جميل قاسم بعنوان “روحية الإصلاح الفكري في العصر الحديث”، وقد أكد الباحث من البداية على أن العلاقة بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في مشابهة لعلاقة أفلاطون وأرسطو، كما اعتبر أن محمد عبده هو “الإكويني” في الحضارة العربية؛ ومن ثم فقد مثل محمد عبده روحية الإصلاح الفكري في العصر الحديث، وقد أكد على رؤية محمد عبده في تمييزه بين ما هو جوهري وما هو غير جوهري في الإسلام – كما قال ابن تيمية من قبل – بالتمييز بين العبادات والمعاملات مؤكداً أن المعاملات لم يحدد لها في القرآن والحديث سوى مبادئ عامة. واستخدام مفهوم المصلحة كقاعدة لاستنباط شرائح خاصة من المبادئ العامة، وقد ذكر الباحث أن أطروحة محمد عبده هذه قد مهدت للفصل الواقعي للسلطة المدنية عن السلطة الدينية، وقد ذكر أن الإمام محمد عبده كان يردد عبارة للإمام ابن القيم: “إن أمارات العدل إذا ظهرت بأي طريق كان، فذاك شرع الله ودينه”.

وقد ركز محمد عبده على تبني الفكرة التطورية والدعوة إلى إسلام تطوري متوافق مع قانون التطور ومتطلبات الحياة الفكرية والمادية الحديثة. وقد انعكست طريقة محمد عبده وأفكاره على جيل من المفكرين وأدت إلى بروز اتجاهين رئيسيين: الأول عقلي سلفي تمثل ممارسة سلفية جديدة تخلط بين أنصبة الفكر دون الاحتفاء بأي نصاب معرفي – أنطولوجي فيه، واتجاه عقلاني حديث تمثل بأطروحات أحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق.

وقد جاء بحث د. قصي الحسين بعنوان “تسديد دنيا الأمة بتجديد دينها” ويؤكد من البداية على رفض الإمام للتقليد الأعمى من كل الوجوه سواء المحافظ أو التغريبي، وقد بشر بموقف ثالث يدعو لتجديد دنيا الأمة عن طريق تحديد دينها؛ وذلك بتنقية أصوله وجوهره من غبار عصور الانحطاط عن طريق تحرير العقل الإسلامي وبعثه من جموده وانحطاطه.

وقد برز موقف الإمام “الثالث” برفضه دعوتي الجمود والتغريب ماء فكان ينتقد مناهج الأزهر الشريف، وعلق الآمال في الإصلاحين التربوي والاجتماعي على تحديد المؤسسات الدينية الكبرى: الأزهر، القضاء، الأوقاف.

وقد اعتبر العقل هو جوهر إنسانية الإنسان، ولا يرى خلافا بين الدين والعلم؛ لأن قوانين الكون موضوع البحث العلمي في سنن الله في الأمم والأكوان، وهي تجري مع طبيعة الدين ولا تنفر عنه، واعتبر الإمام أن الحرية السياسية هي اللبنة الأساسية في بنيان الإصلاح السياسي والديني والتربوي والاجتماعي والأسرى وصولا إلى تحرير المرأة.

وقد جاء البحث الخاتمة لعماد أبوغازي بعنوان “محمد عبده والدولة المدنية”، وجاء فيه أنه في الوقت الذي كانت جهود النهضة والتحديث تسير على قدم وساق كان من الطبيعي أن يكون الدين عموما والدين الإسلامي خصوصا موضوعا مشتركا لرواد التحديث في بلادنا بمختلف اتجاهاتهم السياسية ومشاركتهم الفكرية، منهم من يحمل الدين مسؤولية التخلف وآخرون يتخذون الدين الإسلام” أساسا لقيام النهضة ولا بديل عنه.

وقد طرح الإمام رؤيته من خلال كتاباته وأكد على أن الإسلام كدين وعقيدة يحض على التفكير والبحث وعلى السعي لتحصيل العلم، وأن ما أصاب المسلمين من تخلف إنما مرجعه سلوكهم لا عقيدتهم، ويتبنى الإمام بصراحة وبلا أدني مواربة فكرة الدولة المدنية ويرفض وبلا تردد الدولة الدينية، ويؤسس هذا الرفض كما يراه هو ويفهمه بحيث يؤكد على مفهوم الدولة كما يتبناه الإسلام هو مفهوم الدولة المدنية.

كما نفى الإمام أن يكون للجامعة الإسلامية دلالة تعني التوحيد السياسي للمسلمين في إطار دولة دينية تكتمل فيها  السلطتان الزمنية والروحية في سلطة واحدة وإنما يراها مجرد رابطة روحية لا أكثر.

وقد جاء احتفال جلسة وجهات نظر ([iii]). بتخصيصها ملفاً يتحدث عن الرؤية الحضارية عند الأستاذ الإمام، وقد عبرت عن هذه الرؤية الموضوعات الثلاثة المكونة للمحور، وقد بدأها موضوع د. محمد عمارة بعنوان “محمد عبده : مشروع حضاري للإصلاح بالإسلام”، وقد ركز عمارة على بحث عنصرين رئيسيين لهذه الرؤية الحضارية، الأول: عن وسطية الإسلام، والثاني: عن علاقة الدين بالدولة عند الأستاذ الإمام.

فقد جاءت دعوة الأستاذ الإمام في ظل واقع حضاري تميز بسيادة الجمود والتقليد في دوائر العليم الديني، وهو غلو يحجب الدين والإصلاح الإسلامي عن الواقع والحياة، كما تميز هذا الواقع الحضاري بزحف النموذج الغربي – في التقدم والتحديث – على الشرق الإسلامي، وما يتميز به هذا النموذج من غلو لانحيازه إلى عالم الشهادة رافضا عالم الغيب، وإلى الدنيا في مواجهة الدين، وإلى الفردية في مقابلة الجماعية… إلخ.

ولمجافاة كلا الموقفين – الغلو عند طلاب العلم الديني والغلو في النموذج الغربي – حرص الأستاذ الإمام على تمييز منها بسه في الإصلاح بسمة الوسطية الإسلامية الجامعة.

وقد تحدث الإمام عن الوسطية بقوله : “ظهر الإسلام لا روحياً مجرداً ولا جسدياً جامداً بل إنساناً وسطاً بين ذلك آخذاً من كلتا القبيلتين بنصيب فتوافر له من ملاءمة الفطرة البشرية ما لم يتوافر لغيره؛ ولذلك سمي بلين الفطرة.

والوسط هو العدل والخيار وذلك لأن الزيادة عن المطلوب في الأمر إفراط والنقص عنه تفريط وتقصير، وكل من الإفراط والتفريط ميل عن الجادة القويمة”.

والوسطية هي منهاج الإسلام في صياغة الإنسان المسلم، وهي سبيل إسلامية الإصلاح في المجتمعات، وفي الطور المتقدم الذي انتقلت الإنسانية إليه بشريعة الإسلام وهي شرط خيرية الأمة الإسلامية. كما أن هذه الوسطية الإسلامية الجامعية في نظرية المعرفة قد جمعت وزاملت وكاملت بين العلم والدين، وقد انتهى الإمام إلى أن هذه الوسطية في نظرية المعرفة هي التي تعصم العقل المسلم من هذه الثنائية المتناقضة التي سقطت فيها الحضارة الغربية (العلم – الدين).

وقد مثل العقل عند الأستاذ الإمام أهمية بالغة، وقد خاض الأستاذ الإمام معركة العقلانية الإسلامية من منطلق الوسطية الإسلامية الجامعة ضد طرفي الغلو في التعامل مع العقل، ولقد جرت محاولة من العلمانيين لعلمنة فكر الأستاذ الإمام في علاقة الدين بالدولة، ولقد خلط أصحاب هذه المحاولة بين رفض الإمام للسلطة الدينية الكهنوتية كما عرفتها الكنيسة الأوربية في عصورها الوسطى وبين موقفه من علاقة الدين الإسلامي بالدولة وكون دولة الإسلام دولة مدنية وإسلامية في ذات الوقت، مدنية تصنع الأمة نظمها ومؤسساتها وهي مصدر السلطات فيها، وإسلامية الأن الإسلام وشريعته وفقهه ومعاملاته هو المرجعية الحاكمة لسلطات الأمة والدولة في هذا النسق الفكري والسياسي المتميز فهي دولة مدنية قامت وتقوم لتنفيذ الشريعة وإقامة الحدود. وقد ذكر الإمام أن العلوم المعرفية ومخترعات الحضارة والصناعات التي تتطلبها دنيا الناس إنما هي دينية وتكاليف شرعية.

ويقول أيضاً : “إن الإسلام دين وشرع وضع حدوداً ورسم حقوقا ودولته في الملتزمة بالمرجعية الإسلامية”. فهو يقول بالتميز بين الدين والدولة دونما فصل أو اتحاد.

وقد جاء الموضوع الثاني عن الإحياء الإسلامي تاريخ وميراث، فتحدث بشير موسي نافع عن تجربة الإصلاح في التاريخ الإسلامي بدا من (ابن تيمية) ومرورا بالعديد من المصلحين وصولا إلى محمد عبده ومعاصريه، وقد اعتبر الكاتب محمد عبده هو داعية المشروع الإصلاحي الأكثر تأثيرا في مصر ومحيطها العربي والإسلامي، وقد عرض لتطور تجربة الإصلاح مع التركيز على عرض الظروف والملابسات المحيطة بواقع المسلمين وتجربتهم الإصلاحية.

وقد ربط الكاتب بين الاختراق الغربي والجهود الإصلاحية في العالم الإسلامي، وقد ذكر الكاتب أن الوعي بالاختراق الغربي لم يكن واضحا من البداية خصوصا في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ولكن ما إن مرت عقود قليلة حتى تحول التفوق الغربي لمصدر اهتمام وقلق كبير لمصلحي نهايات القرن التاسع عشر.

هذه الاستجابة الإسلامية المتأخرة للتحديات عكست حقيقة أن التماس الإسلامي الأول مع القوة الأوربية الصاعدة انعكس على القوة العسكرية حتى استطاع رجال الدولة إعادة بناء القوة العسكرية بسورة حديثة وقريبة من الأوضاع الأوربية، ولكن هذا التغير لم يستطيع استيعاب كل مظاهر التأثير الأوربي على العالم الإسلامي فقد كان عميقا وشاملاً.

وقد ساهم التعقيد والاضطراب الذي ميز حقبة التحديث مساهمة رئيسية في تشكيل الفكر الإسلامي الإصلاحي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فقد دعت أصوات إسلامية إلى اعتناق شامل وسريع للأفكار وأنماط المؤسسات الغربية، ودعا فريق آخر إلى التملك بالماضي رافضين أي مستوى من مستويات التغيير، وبين هذين المعسكرين جاء فريق ثالث سعي التوفيق بين الأوضاع ومن أبرز دعاة هذا الفريق الإمام محمد عبده.

وقد كان محمد عبده بالطبع أكثر من أي من مناصريه نجاحا في تقديم رؤية متماسكة نسبيا لأهم قضايا النظام الفكري الإصلاحي والمركب الإسلامي الحداثي، فقد رأى عبده في التوحيد تحريرا من اللاعقلانية والأساطير ومصدرا التأهيل الإنسان بقوة حرية الإرادة واستغلال العقل.

ومن ثم نستطيع القول إن الفكر الإصلاحي هو من حيث نشأته نتاج موقف متأزم، فتاج أزمة حولها الإحساس التفاقم بالاختلاط وعدم القدرة على رد الغزو الغربي أكثر وطأة.

لقد أخطأت الأجيال الأولى من الإصلاحيين عندما تجاهلت حركة الأساطيل والجيوش الغربية المستمرة وظنت أن قوة الغرب الحديث هي شيلة مباشرة وبسيطة للإصلاح بأنه برد غلاء لتسويغ الإعتناق غير المشروط للحداثة الغربية والخضوع ليا وذلك لأن الإصلاحيين حاولوا دائما التمييز بين القيم الإنسانية ومؤسسات الصالح العام في التقرب الحديثة والمشروع الاستعماري من جهة أخرى، كما أن الإسلام بشكل الإطار المرجعي للمدرسة الإصلاحية بالإضافة للمعارضة الإسلامية للاختراق التي كانت معارضة أصيلة.

ونظراً للأهمية التي أصبحت تحوزها الفتوى في الوقت الراهن ([iv]). فقد جاء الموضوع الثالث والأخير في هذا المحور عن فتاوى الإمام وأهميتها وقد كتبه مصطفى عبد الغني فوضح كيف أن الفتوى مثلت جزءا هاما من تاريخ الأستاذ الإمام الفكري وتراثه العلمي والإصلاحي، فقد أعطى للفتوى أبعاداً حضارية لم تكن لها، فهي لم تعد قاصرة على إجابات بعض القوم من المسلمين بل تخطتها إلى غير المسلمين، والأبعد أنها تخطتها إلى خارج البلاد مثل الفتاوى التي وردت إليه من الهند وغيرها من البلاد، ومن ثم فقد كانت الفتوى فاعلاً دولياً عند الأستاذ الإمام من قبل أحداث 11/9/2001.

والفتوى ليست مجرد إجابات على أسئلة يسيرة أربكت بعض العوام في وقتها، لكنها تمثل بالفعل اقتحاما جسوراً لأخطر وأهم قضايا العصر الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية كما أنها تنطوي على برنامج عملي مستنير للنهضة والانطلاق من قيود التملك.

وهي إن لم يكن لها قوة الإلزام التي يتسم بها القانون فقد تصبح مكوناً  أساسياً من مكونات الرأي العام والذي وهو عند الإمام محمد عبده مصدره وأساسه على نحو ما عبر عن ذلك، فقد كتب يقول في جريدة الوقائع المصرية: “إن القانون الصادر من الرأي العام هو الحقيق باسم القانون” وكان الأستاذ الإمام يعتبر الاجتهاد هو أساس الإفتاء.

كما كان يرى أن الإفتاء سلطة مدنية لا سلطة دينية؛ وذلك لأن الإمام لم يجعل للخليفة أو للقاضي أو للمفتي أو لشيخ الإسلام أدني سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية قررها الشرع الإسلامي ولا يسوغ لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته.

وهكذا كان الإمام يدرك دوره وما هي حدود وظيفته، لذلك لم تكن الفتوى عنده محدودة بحدود الإسلام، أو بحدود الدولة وإنما كانت شاملة دينا ومدنياً.

نحن اليوم لا نزال أحوج ما نكون إلى استيعاب الدروس القيمة من تراث الإمام محمد عبده فكلماته لاتزال تعبر عن أوضاعنا وكأنه – رغم مرور قرن من الزمان على رحيله – لا يزال يعيش بيننا يشخص أدواءنا الفكرية ويصف لها العلاج([v]).

جاء بنت الإمام الأكبر شيخ الأزهر في بداية الاحتفال الذي أقامه الأزهر بمرور مائة عام على وفاة الإمام محمد عبده بعنوان “الإمام محمد عبده مفسرا”، وقد ذكر مجموعة من السمات التي تصف منهج الإمام محمد عبده في التفسير، وقد ذكر تميز الإمام بتحليل العميق لمعاني الألفاظ من حيث دلالتها اللغوية وكذا اهتمامه ببيان الآثار الطليبة التي تترتب على التمسك بالفضائل، وتأكيده على أن الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار.

كما اهتم الإمام في تفسيره بربط النتائج بالأسباب، واهتمامه بنشر العلم وأنه أفضل وسيلة للنهوض والرقي للأفراد والجماعات والأمم. وجاء بحث د. حمدي زقزوق بعنوان “الإمام شما عباده” مصلحا، وتحدث عن اهتمام محمد عبده بإصلاح الفكر الديني بصفة خاصة وربطه بإصلاح الفكر بصفة عامة واعتباره أن الإصلاح حلقات متشابكة ومن ثم فقد تعددت أوجه الإصلاح عنده، فهناك الإصلاح الديني والذي ركز فيه على إصلاح التعليم الديني والذي يمتد ليشمل إصلاح العقيدة وإصلاح المؤسسات الإسلامية وأن هذا الإصلاح يمثل إصلاحا للأمة، كذلك إصلاح الفكر وكان يعني بساء العودة المقررات العقل السليم وتأكيده على أهمية العقل وأهمية دوره في إحداث التغيير المطلوب، والإصلاح المنشود، كما ركز على الإصلاح السياسي وأكد على ضرورة التمييز بين ما للحكومة من اتق اللاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة، وكان يميل للإصلاح المتدرج، وكان يربط بين النضح السياسي والتعليم والتربية ونستطيع أن نقول إن جوهر دولته الإصلاحية تقوم على أساس من العقل وتكفيه في كافة المجالات وتمكينه من أداء دوره كاملا في هذه الحياة بالتعاون التام مع صحيح الدين متى يمكن للأمة أن تنهض من كبوتها وتزيل عن كاهلها أثقال التخلف والجهل.

وجاء بحث د. على جمعة بعنوان “الإمام محمد عبده مفتياً” استعرض فيه نشأة الأستاذ الإمام العلمية والفكرية مع الحديث عن أهم السمات التي تميز إنتاجه الإفتائي، فقد ذكر تميز الإمام ببعد نظره واعتباره للمآلات والعواقب، وكذلك إحاطته بالقوانين والنظم في بلده وبلاد العالم، بالإضافة لانخراطه في مجتمعه ومحاولته التأثير فيه وإصلاحه له، وقد أورد العديد من الفتاوى المعبرة عن هذه السمات.

كما ركز على ضرورة وحدة المجتمع وعدم انفصال المسلم عن مجتمعه، وقد تعددت الفتاوى التي تدل على هذا التوجه، ومنها الفتاوى التي أرسلها إليه مجموعة من المسلمين من الهند، وقد استكتب في الإجابة أئمة المذاهب الأربعة في عصره.

وجاء بحث د. أحمد الطيب بعنوان الإمام محمد عبده متكلما”، وقد حاول الباحث الاهتمام بجانب علم الكلام أو الجانب العقلي في تراث الإمام ومحاوراته. وقد عرض البحث جانبا من إسهام محمد عبده في محالين، الأول: علم الكلام في رس الة التوحيد، والثاني: المناظرات في رده على خصوم الإسلام، ورسالة التوحيد تمثل فلسفة الإمام الكلامية، ويعتبرها الباحث أنها النص الكلامي الوحيد في تراث الشيخ، وقد تحدث فيها عن تعريفه لعلم التوحيد، وتناول مجموعة من القضايا فرق من خلالها بين منهج القرآن الكريم ومنهج الأديان السابقة، وتحدث عن مكانة العقل وعن المنطق العقلي وتحدث عن التوجهات التجديدية في فلسفة الإمام واعتبر أن من مظاهر التجديد التحرر من التمذهب بمذهب كلامي معين، وأن الإمام استطاع أن ينظر للمذاهب الكلامية نظرة نقدية، كما أكد على اعتداده بالمرجعية العقلية، وعلى التجديد في التحليل والبرهنة على ما يراه صوابا وبما يلامس فلسفات عصره ومعارفها.

وفي مجال المناظرات ركز البحث على ردود الإمام على هانوتو الذي هاجم الإسلام وطالب بالفصل بين الدين والدولة، وقد انطلق في موقفه هذا المواجهة المقاومة الضعيفة التي يلاقيها في الجزائر، وقد رد الإمام وبين مدى ضحالة معلومات هانوتو في علوم التاريخ والفلسفة والأديان، وقد فند الدلائل التي ساقها هانوتو ورد عليها بطريقة علمية واضحة منطقية، وقد وضح لنا استخدام الإمام للمعارضة التي لا تتوقف على الدليل بل على التي تتجاوز الدليل لتقدم في تمام الدعوى.

وجاء بحت د. أحمد عمر هاشم بعنوان “الإمام محمد عبده مجدداً”.

وقد ذكر الباحث أن الإمام محمد عبده وبشهادة معاصريه يعد هو مجدد عصره ولم يكن التجديد الذي نادى به هدماً  للماضي ولا قضاء على التراث بل كان ما بين الأصالة والمعاصرة وكان تو خليفا للتراث في خدمة العصر وإخضاع ظواهر العصر الحديثة لأحكام الشريعة الغراء.

وقد اهتم بإصلاح الأزهر الشريف والعناية بالتعليم الديني لأنه أساس بناء الأمة وفي ضوء التوجيهات الدينية يمكن صياغة شخصية الأمة، وقد دعا بصورة واضحة وصريحة إلى الانفتاح على الثقافات والمعارف والعلوم الأخرى، فالحضارة كل لا يتجزأ، والمعرفة بالأمور الدينية والشرعية تستوجب المعرفة بسائر العلوم.

وكان يرى أن الإسلام يدعو إلى التجديد وقد تحدث عن مجالات التجديد الديني منها والتعليمي بالإضافة لحديثه عن أسس التجديد والتي رأى من بينها : التخلي عن رذائل الجهل والتقليد والخرافات والتحلي بالعلم واحترام العقل والتفكير والجمع بين الأصالة والمعاصرة وأن لا خصومة بين الدين والعلم.

وقد أخذ الباحث على الإمام ثقته المطلقة في العقل وبين أن لابد من ضوابط حتى لا يحدث شطط في التفكير وضرب مثلا بتضعيف الإمام حديث صحيح لأنه اعتمد على العقل فقط.

وجاء بحث د. طه أبو كريشة بعنوان “الإمام محمد عبده أديباً”، وقد تحدث الباحث عن العديد من الظروف التي حكمت الأدب وبعض العوامل التي ساعدت على نهضة الأدب، كما تحدث عن دور الإمام محمد عبده والذي تعددت إسهاماته، فقد لعب، الإمام دوراً مهماً مشاركاً للآخرين في إثراء ونهضة الأدب العربي سواء من ناحية اللغة والأسلوب أو الموضوعات والأفكار.

وقد أورد الباحث العديد مسن الاقتباسات التي تؤكد على دور الإمام في إحياء الأدب ونهضته، وقد عبر عن ذلك في رسالة التوحيد وتخلصه من الزخم الذي كان سائدا في استخدام المحسنات البديعية والإبقاء على الجمال الصوتي البعيد تحسن الصخب، بالإضافة لإثارته للعديد من الموضوعات بطريقة واضحة ومناسبة للمتلقي.

ومن ثم نستطيع أن نقول إن محمد عبده قد شارك في تحرير الكتابة النثرية مما كان سائدا من قبل، فقد حررها في الأسلوب وفي الأفكار.

وقد قال عنه شوقي ضيف: “وعلى نحو ما كان مصلحاً في الدين كان مصلحاً في الأدب واللغة، فهو الذي أخرج كتاباتنا الصحفية من الدائرة البالية العتيقة، دائرة السجع وما يرتبط به من أنواع البديع، إلى دائرة الأسلوب الحر السليم..”.

وكتب د. محمد إبراهيم الفيومي بحثا بعنوان “محمد عبده والسياسة”، وقد دار البحث عن اضطلاع الإمام بدور إصلاحي في تاريخ الأمة، وقد حدد عدة أسس لرؤيته الإصلاحية مثل تحرير المفاهيم الثقافية والفكرية من التقليد والجمود، تحديده مفهوم المواطن وعلاقته بالوطن، إصلاح التعليم الأزهري وغير الأزهري ومنشآته التعليمية.

وقد سلك محمد عبده في سبيل الإصلاح المنهج المتدرج الذي يأخذ في اعتباره تربية المواطن وتحريره من الجمود الذي يعوق العقل.

وقد تناول الباحث لظروف العصر قبل محمد عبده والمعاصرة له وكيفية تأثيرها سياسيا على رؤيته الإصلاحية، كما بين الباحث المصادر الفكرية لرؤية محمد عبده الإصلاحية.

كما عرض للمفاهيم التي يستخدمها الإمام مثل مفهوم التحرير، وحرية الفكر، وتحرير الوطن والمواطن، فقد اعتبر أن الوطن جامعة وطنية، وهو الوحدة التي تجتمع كلمة الأمة عليها.

كما رأى الإمام ضرورة الاهتمام بالتربية والاهتمام بمناهج الأدب السياسي، وركز على ضرورة ربط الحرية بعدم الضرر بالمفهوم.

كما رأى أن القانون هو الناموس الحق الذي ترجع إليه الأمة في معاملاتها العمومية وأحوالها الخصوصية وهيئاتها الداخلية، كالإدارة المدنية والتدابير المنزلية، أو باحثا عن الأخلاق الفاضلة وما ينبغي أن يتحلى به الإنسان منها، وما يجب أن يبتعد عنه من أضدادها سواء كان في أمة واحدة أو أمم متعددة.

وعن ملامح التجديد في فتاوى الإمام محمد عبده كتب د. عبد الله مبروك النجار بأن الأستاذ الإمام كان من رواد التجديد الفقهي بل والفكري والتربوي، وقد تحدث الباحث عن مواطن التجديد في فتاوى الإمام بعد أن حدد معنى التجديد لديه فكتب يقول: إن فتاوى الإمام اشتملت على كافة أبواب الشريعة، وإن كانت فتاواه الواردة ضمن أبواب الفقه الإسلامي المختلفة قد عالجت مسائل مستحدثة ووقائع مستجدة لم تتح لأحد من الفقهاء قبله، وقد أورد العديد من الأمثلة أبرزها في حق النحت والتصوير.

كما تشمل تحديد العبادات، وبين البدع فيما سئل عنه من عد ماه، بالإضافة لتجديده في بال شئون الأسرة مثل تعدد الزوجات والطلاق..

ويمكن استخلاص مظاهر بتحديد الإمام، ومن أبرزها :

  • أن الوقائع التي كانت محلاً لفتواه كانت جديدة الحدوث ومعاصرة له.
  • أن بعض الوقائع التي أفتى فيها وإن لم تكن جديدة الحصول وطارئة الحدوث إلا أن التعامل معها من قبل العوام قد غلبت عليه الأعراف الفاسدة والعادات الباطلة.

ويمكن الحديث عن مجموعة من الضوابط أبرزها الاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه والابتداء بقواعد الفقه العامة ومبادئه الكلية والاهتداء بما كتبه الأئمة السابقون والعلماء المجتهدون في المسألة، والنظر إلى المستجدات نظراً صحيحاً وقراءتها قراءة صائبة، واحترام الإبداع البشري طالما أنه لا يشغل عن طاعة ولا يؤدي إلى معصية.

ومن مقاصد التجديد في فتاوي الإمام :

  • إبراز ما اتسمت به شريعة الله من يسر وخلود وقدرة على حكم مسته سادات الحياة دون الاستعانة بتشريح سوأها أو اللجوء إلى غيرها.
  • إبراز ما في الشريعة الإسلامية من تسامح وقدرة على التواصل والتعاون مع الآخرين.
  • احترام آدمية المرأة وحقوقها وعقلها وقدرتها على العملاء في الحياة الخاصة والعامة.
  • محب الوطن والنظر إليه على أنه من لوازم الأحكام الشرعية والوعاء الحافظ لعزة الدين وكرامة الإسلام والمسلمين.

وكتب الأستاذ رجائي عطية عن عبقرية الإصلاح في رحاب القضاء للأستاذ الإمام، وتحدث عن تولي الأستاذ الإمام مناصب القضاء منذ عام 1888م بعد عودته من المنفي، وقد أحدث تأثيرا لاقى إعجاب الجميع بكفاءته ونزاهته ودقة عبارته حتى أصبح صاحب مدرسة جديدة في القضاء، وقد أعاد للغة العربية في المحررات القضائية مكانتها وأعاد إحيائها بعد الضعف الذي كان قد أصابها نظرا لعمل غير أصحاب البلاد الأصليين بها.

وقد شغل الأستاذ الإمام عادة مناصب قبل أن يتم تكليفه بإعداد تقرير لإصلاح ال القضاء الشرعي في مصر بالإضافة لمعرفته الواسعة الضافية العلوم الدين والشريعة الإسلامية فامتزجت لديه منظومة متكاملة تتيح له أن ينظر لأحوال القضاء بعين عالم الدين والعالم والفقيه والقاضي، وقد ركز على إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي.

هكذا عبر الكاتب عن شذرات من إبداع الإمام في مجال مسن الحالات العيادة التي أسهم فيها.

خاتمة : الأستاذ الإمام مصلحاً :

بعد استعراضنا لندوات ومحاور وملفات الاهتمام بالأستاذ الإمام يبادر بنا الوقوف عند دور الإمام وإسهامه فيما يحيط بنا من ملمات وعوارض ودعوات إصلاح داخلية وخارجية، وحري بنا أن نستا سعي فكر الأستاذ الإمام ليسهم معنا في الوقوف على حالنا ومحاولة منه في تقديم إسهام للمرور من هذا النفق المظلم نحو الإصلاح والنهوض.

قدم الإمام ما يمكن اعتباره أجندة إصلاحية قائمة على الإصلاح الفكري والإصلاح الديني والإصلاح المؤسسي، وفي هذه الحالات المتعددة جاءت إسهامات الإمام الناجعة والفعالة والباقية حتى الآن، ففي حال إصلاح المؤسسات منتدى الأستاذ الإمام ينادي بإصلاح المؤسسات (الأزهر، القضاء…)؛ ما يستدعي إعادة النظر، فهذه الدعوة – إصلاح المؤسسات – باقية حتى الآن، بل أصبحت أصيلة في المجتمع بعد انتشار الشخصنة وانهيار المؤسسات بمغادرة الشخص (موتا المعاش /.. إلخ) المنصب والذي تعني انهيارا للمؤسسة مما يستدعي إصلاح هذه المؤسسات وإبقاءها في الإطار المنوط بها.

كما أن القضاء قد أخذ من الأستاذ الإمام اهتماما في أواخر حياته؛ حيث عمل في هذا المجال فكتب تقريرا عن إصلاحه وأوصي بمدرسة للقضاء، وقد أظهرت ذلك ندوة الأزهر التي ركزت على الأدوار الإصلاحية للأستاذ الإمام سواء في الأزهر أو في القضاء أو الإصلاح بشكل عام أو الإفتاء… إلى آخر المجالات التي شغل الإمام مناصب بها أو أدلى برؤيته الإصلاحية فيها.

كما تناولت بعض الكتابات رؤيته الحضارية كما في ملف وجهات نظر ” والذي طرح رؤية نجد أنها ملائمة وعصرية خصوصا في العلاقة بين الدين والدولة، وتساهم في حل إشكالية الفكر العربي المعاصر الذي يتسم بالدائرية وعدم الجسم، فهذه الرؤية التي قام منها الإمام تسهم في تلى إشكالية العلاقة بين الدولة والدين.

أيضاً هناك العديد من إسهامات الإمام التي ما تزال باقية ومناسبة أبرزها دوره الإفتائي سواء في الفتاوى أو في اعتباره الفتوى لا حدود لها مثل الحال في ملف وجهات نظر وكسنا ندوة الأزهر.

فقد كان الإمام رائداً فذاً من رواد الإصلاح والتنوير، وعلماً من أعلام الدعوة إلى التجديد على أكثر من صعيد، ليس في مصر وحدها وإنما في العالمين العربي والإسلامي، وبعد مرور قرن كامل من الزمان على وفاته ماتزال معظم أفكاره واجتهاداته في الإصلاح والتجديد تنبض بالحياة، وما تزال النخب الفكرية والثقافية والسياسية مشغولة بالقضايا ذاتها التي انشغل بها الإمام، وماتزال بعض آرائه واجتهاداته محتفظة بصلاحيتها للتطبيق في الوقت الراهن، ويبقى الأثر الأكبر أممية هو مادي قدرتنا على الاستفادة من هذه الأفكار، ورغم ذلك فإن الأستاذ الإمام شأنه شأن أي مصالح يتفق معه ويختلف عليه، ويعد الأستاذ الإمام من أبرز الأمثلة والشواهد في هذا الإطار، وقد ترك الأستاذ الإمام مدرسة رحيبة الجنبات ضمت كثيراً من التلاميذ من ذوي الاتجاهات المختلفة والتيارات المتباينة، كل منها وجد فيها ما بشده ويسير على نهجه، وقد صارت أفكاره تمثل تيارا معتمدا ومازال مستمرا، ويستطيع كل تيار أن يدعي أن أصوله ترجع للأستاذ الإمام، ورغم ذلك فقد ساهمت هذه الاحتفالات والاهتمامات بتحلية موقف الإمام وبيان دوره وهدفه الذي سعى إليه ومن أجله، إنه الإصلاح.

 

([i])  كتاب تذكاري : الشيخ محمد عبده (۱۸4۹ – ۱۹۰5) : بحوث ودراسات عن حياته وأفكاره، إشراف وتصدير : د. عاطف العراقي، المجلس الأعلى للثقافة، طبعة ثانية، ۱۹۹۷م.

محور : مجلة حوار العرب، السنة الأولى – العدد 6 – مايو (أيار) ۲۰۰5.

ملف : مجلة “وجهات نظر”، السنة السابعة – يوليو ۲۰۰5.

ندوة : احتفالية الأزهر بمرور مائة عام على رحيل الإمام محمد عبده، مجلة الأزهر، وقد نشرت الندوة في عددين، شعبان 1436ه – سبتمبر ۲۰۰5م – الجزء الثامن، السنة (۷۸)، رمضان 14۲۹هـ – أكتوبر ۲۰۰5م، الجزء (9) السنة 78).

([ii]) لمزيد من التفاصيل أنظر د. علي زيعور

([iii]) مجلة وجهات نظر العدد الثامن والسبعون، السنة السابعة، يوليو 2005 ص7-21.

([iv]) واعتبار أن الفتوى أصبحت فاعلاً دولياً، انظر د. سيف الدين عبدالفتاح.

([v]) د. حمدي زقزوق، مجلة الأزهر، سبتمبر  2005 ص 1345.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر