Uncategorized

التصور الاسلامي للانسان أساس لفلسفة الاسلام التربوية (العدد 12)

مقدمة:

من الحقائق التي عرفها وقال بها كثير من المفكرين المعاصرين أن كل نظرية سياسية أو اقتصادية أو تربوية، بل كل رأي في تنظيم جانب من حياة الإنسان يكمن وراءه تصور معين للإنسان قد يعيه صاحب الرأي أو النظرية فيقول به وقد يفترضه ولا يشعر به.

ولذلك فإن النظر في الإنسان ومحاولة الوصول إلى تصور له يطابق حقيقته ينبغي –من الناحية المنطقية- أن يسبق كل محاولة للنظر في المبادئ الاقتصادية أو النظم السياسية أو المناهج التربوية. لأن معيار هذه المبادئ والنظم والمناهج هو مدى صلاحيتها للإنسان. ولا يمكن أن نعرف مدى صلاحيتها له إلا إذا عرفنا أولاً من هو؟.

إننا إذا لم نتبين هذا الأمر ونكون على وعي به فقد نضع مناهج تعليمية ونعتمد طرقًا تربوية نحسبها إسلامية وما هي بإسلامية؛ لأن الإنسان الذي نفترضه ليس هو الإنسان الذي بين لنا خالقه حقيقته، وقد ننقل عن غيرنا مناهج وطرقًا لا نرى بأسًا في نقلها مع أن النظر إليها من خلال هذا التصور قد يكشف عن خللها وقصورها، ظانين أن كل ما قالوا به فهو غير صالح لنا مع أن وزنه بمعيار التصور الصحيح للإنسان قد يثبت صلاحيته.

هذه بالطبع ليست دعوة إلى إيقاف كل جهد لإصلاح التعليم وتقريبه من هدي الإسلام حتى يتم الاتفاق على هذا الأمر، ولكنها مجرد تذكير بأهمية الموضوع ودعوة للمهتمين بشئون التعليم على أن يولوه عنايتهم ويحاولوا اكتشاف الصلة بينه وبين فروع المسائل التي تشغل بالهم.

ثلاث نظريات في طبيعة الإنسان:

من هو الإنسان؟

أهنالك شيء اسمه الإنسان بهذا الإطلاق الذي لا يؤثر فيه أو يغيره زمان ولا مكان ولا جنس ولا لون ولا لغة ولا بيئة ولا ثقافة؟.

انقسم المجيبون على هذا السؤال إلى ثلاث فرق كبرى:

1-فمنهم من أثار وجود إنسان بهذا الإطلاق ورأى أن الإنسان حين يولد يولد محايدًا كالصفحة البيضاء أو الطينة غير المشكلة، وأن البيئة هي التي تكتب عليه ما تريد وتشكله كيف تريد.

2-ومنهم من قال بلى إن للإنسان حقيقة، وحقيقته: أنه مخلوق شرير يولد الشر معه مفروضًا في طبعه والبيئة هي التي تحاول أن تهذبه.

3-وفريق ثالث وافق الفريق الثاني على أن للإنسان حقيقة ثابتة، ولكنه قال إن حقيقته أنه مخلوق خير يولد حين يولد على الخير، ثم قد يطرأ عليه التغيير بعد ذلك، وقد يستمر خيرًا وينمي الخير الكامن في نفسه.

وبكل نظرية من هذه النظريات قال مفكرون كبار وعلى كل منها قامت مذاهب حياة جذبت إليها عددا هائلا من البشر، وكان لكل منها آثاره البعيدة والخطيرة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والفلسفات التربوية.

فأي نظرة منها هي النظرة الصائبة المطابقة لواقع الإنسان وكيف نعرف ذلك؟

هذا ما سنحاوله في الجزء الأول من هذا البحث وفي الجزء الثاني منه نثبت أن النظرة التي قلنا إنها صائبة هي النظرة الإسلامية وفي الجزء الثالث نحاول بيان شيء من آثار هذه النظرة على فلسفتنا التربوية.

مناقشة هذه النظريات:

يحسن قبل الدخول في مناقشة هذه الإجابات على سؤالنا أن نبين بشيء من التفصيل ما المقصود بالسؤال نفسه؟

من هو الإنسان؟

هذا سؤال عن طبيعة الإنسان عن الخصائص التي تشكل في مجموعها هذا الكائن المتميز الذي نسميه الإنسان.

والسؤال عن طبيعة الإنسان سؤال:

1-عن طبيعته الجسدية: ما هو التركيب الجسدي للإنسان؟ وما هي القوانين التي تحكم هذا التركيب وما الذي يناسب هذا التركيب من أنواع المآكل والمشارب والبيئات والعلاقات؟

2-   وعن طبيعته النفسية: ما هو التركيب النفسي للإنسان وما الذي يناسب هذا التركيب من القيم والأفكار والأحوال.

3-وعن الصلة بين الطبيعتين: والذي يهمنا بشكل أساسي في هذا البحث هو الطبيعة النفسية فهل للإنسان تركيب نفسي معين كما أن له تركيبا جسديا معينا، حيث إن أي خلل فيه يسبب له أمراضًا نفسية، كما أن الخلل في تركيبه الجسدي يؤدي إلى علل جسمانية؟

وإن كان له تركيب فما هو؟

نظرية الحياد:

فالنظرة الحيادية لا تنكر أن للإنسان تركيبا جسديا معينا، وإنما هي خاصة بتركيبه النفسي وهي إما أن تقول:

أولا: أن الإنسان لا تركيب نفسي له حين يولد وإنما البيئة الثقافية والبيئة الحسية هي التي تضع نفسه وتبني من لا شيء شخصيته.

وإذا صحت هذه النظرة فإن مثل الإنسان يكون كمثل الطين الذي يضع منه الأطفال أشكالا مختلفة من الناس والحيوانات والطيور والمنازل.

ولكن إذا لم يكن في طبيعة الطين ما يحدد نوع الأشكال التي تصنع منه كذلك ينبغي أن لا يكون في طبيعة الإنسان ما يحدد الصورة النفسية المناسبة له أي أن طبيعة الإنسان لا تصلح معيارا نقيس به صلاح البيئة أو فسادها وأن هذه البيئة بيئة المناهج التربوية والنظم السياسية والأوضاع الاقتصادية هي التي تضع هذه الطبيعة الإنسانية وتشكلها وهذا يعني أنه بمقياس الطبيعة الإنسانية فإن أي منهج وأي نظام وأي وضع هو مماثل لأي منهج أو نظام أو وضع آخر.

ولكن إذا لم تكن طبيعة الإنسان هي المعيار الذي نقيس به صلاح هذه النظم أو فسادها فبماذا نقيسها؟

لست أعرف أحدا من القائلين بفكرة الحياد هذه يقبل هذه النتيجة التي تستلزمها نظريته فإنك لا تكاد تجد واحدًا منهم إلا وهو ينتقد بعض النظم الاقتصادية أو العلاقات الإنسانية أو النظم السياسية… إلخ. عن أساس أنها تمسخ الإنسان وتشوهه أو أنها لا تناسب طبيعته… إلخ.

فكارل ماركس مثلاً يقول في مكان إنه ليس للإنسان طبيعة ثابتة وما الإنسان إلا مجموعة علاقاته الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية متغيرة، ولكنه في مكان آخر يتهم الرأسمالية بأنها شوهت حقيقة الإنسان وجعلته شبيها بالحيوان. ولعله لم يفطن إلى أن هذا القول الأخير يناقض الأول؛ لأن القول الأول ينكر أن تكون للإنسان طبيعة ثابتة، والقول الثاني يفترض وجود هذه الطبيعة ونعتبرها طبيعة خيرة.

وإما أن تقول:

ثانيًا: أن للإنسان تركيبا نفسيا معينا ولكنه تركيب محايد بالنسبة للخير والشر، وإنه يميل إلى هذا أو ذاك بعد أن يولد إما بإرادته الخاصة أو بسبب عوامل خارجية، ولكن هذا معناه أنه ليس في تركيبه النفسي ما يجعل الخير ملائمًا له أو الشر مناقضا له. وهذا معناه أن ما نسميه خيرا كالصدق والإخلاص والشكر وحب الحقيقة ليس خيرا بالنسبة لنفسه وكذلك ما نسميه شرا ليس كذلك بالنسبة لها. فكيف إذن يقنع نفسه بأن ذاك خير ينبغي أن يفعل وهذا شر ينبغي أن يترك؟ ما هو المعيار؟

إن الحياد بهذا المعنى يجعل النفس الإنسانية كالآلة فالسكين مثلا لا يؤثر فيها فواكه قطعت بها أو أحشاء بريء مزقت بها. إنها معدة لأن تقطع فحسب. وكذلك النفس الإنسانية معدة لأن يفعل بها الخير أو يفعل بها الشر ولا تأثير لأحد الفعلين عليها هي. فهل هذا هو الواقع؟

كلا: فإن نفس الإنسان يشقيها ويعذبها الكذب والنفاق والاستكبار والبخل والهوان ويسعدها الصدق والإخلاص والتواضع والجودة والعزة.

ثم لو كانت نفس الإنسان محايدة لم يكن هنالك معنى لعبارات الأمراض النفسية والصحة النفسية.

نظرية أصالة الشر:

وأما النظرة التي تقول بأصالة الشر في النفس الإنسانية فإن الإشكالات عليها أعظم وانفصالها عنها أعسر إن لم نقل أنه مستحيل.

ما معنى أن نقول أن الإنسان في أصله شرير؟

إما أن نقول إن للنفس الإنسانية تركيبا معينا، وأن الشر هو مادة هذا التركيب ولحمته وسداه.

ولكن يلزم عن هذا أن يرتاح الإنسان نفسيا حين يفعل الشر ويشقى حين يفعل الخير لأن الراحة النفسية إنما هي أن تكون أقوال الإنسان وأفعاله مناسبة لطبيعته.

أو نقول أن معناه أن الإنسان يولد حين يولد والشر لاصق بنفسه لصوق الدرن بجسم الإنسان وأنه إن ترك من غير تهذيب بقي هذا الدرن في نفسه وازداد. ولكن إذا تعهدناه وتعهد نفسه بالتربية والتزكية، انجلى عن نفسه هذا الشر الذي صاحبها منذ ميلادها.

ولكن هذا المعنى يفترض أن الإنسان في أصله خير وأن الشر أمر طارئ عليه ولاصق بنفسه من الخارج، وكل الذي يقوله إن هذا الشر لا يطرأ على النفس بعد الميلاد ولكن قبله وهو قول لا داعي له ولا دليل عليه.

لا داعي له: لأن الفرض الأقرب أن نقول إن الأمر الطارئ يحدث بعد الميلاد، فكما أن العلل الجسمية تحدث في الغالب الأعم بعد خروج الإنسان إلى الحياة. فكذلك العلل النفسية.

ولا دليل عليه: لأنه لو كان الإنسان يولد والشر لاصق به لكانت أيام الصبا من أشقى أيام الإنسان وأتعسها وأكثرها أمراضا نفسية، ولكن الواقع غير ذلك.

والقول بأصالة الشر هو قول المسيحية التي تعتقد أن كل إنسان يولد وارثا لخطيئة آدم.

ولكن هذه العقيدة المسيحية شأن كثير من العقائد المسيحية الأخرى أخذت أشكالا غير دينية وتزينت بزي العلم والأدب والفن، فصارت أكثر خطرا على المسلمين. فأنت تجدها في صورة نظرية فرويد التي ترى أن الجنس هو الدافع الرئيسي لكل أفعال الإنسان بما في ذلك حبه لوالديه وعبادته لربه.

وصورة نظرية ماركس التي ترى أن البحث عن الطعام هو الذي يسير تاريخ الإنسان عن طريق تحسين وسائل الإنتاج وصورة القصص والشعر والفن الذي يجعل الإنسان الشرير هو الإنسان الطبيعي والإنسان الخير إنسان منافق غير ما يبطن أو متكلف يحاول السير ضد تيار طبيعته.

نظرية أصالة الخير:

1- نخلص من كل هذا إلى أن الرأي الصواب هو الرأي الثالث القائل بأن الإنسان ذو فطرة خيرة وأن الشر أمر طارئ عليه ومجاف لفطرته. هذا هو الرأي الموافق للواقع الذي نعرفه، والمؤدي إلى نتائج مقبولة، وهو الأمر الذي يقول به الدين الحق كما سنبين بعد.

أن يولد الإنسان خيرا هو الأمر الذي تقتضيه رحمة الله تعالى وفضله وحكمته. تقتضيه رحمته لأن الرحمن هو الذي يعطي الخير ابتداء كرما منه وفضلا ثم يجازي على الإحسان فبفضل الله ورحمته خلق الإنسان في أحسن تقويم وخلق له كل ما يناسب طبيعته ويفي بحاجاته من أرض وسماء وليل ونهار وأنهار وحيوان ونبات.

إن الذي خلق الجسم الإنساني حين خلقه سويا معتدلا وخلق له كل ما يناسبه من غذاء وكساء وهواء وضياء، لحري بأن يخلق النفس البشرية سوية، ويسهل لها كل ما يناسب استواءها الفطري هذا ويكمله من آيات كونية وحجج عقلية وهداية سماوية.********

وهو الأمر الذي يناسب حكمته لأن الحكيم لا يصنع شيئا لغاية ما ثم يجعل طبعه غير ملائم لتلك الغاية أو غير مهيأ لبلوغها. والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعبده “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فكيف يخلق له نفسا شريرة لا تناسبها العبادة، أو نفسا محايدة بين الخير والشر لا يضيرها أطريق عبادته سلكت، أو سلكت طريق التمرد عليه، كلا. من حكمة الله تعالى في خلقه كله أن يخلقه سويا وأن يهدي كل مخلوق إلى ما قدر له أن يخلقه “الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى”.

الفطرة في القرآن وفي السنة:

في القرآن الكريم وفي السنة النبوية نصوص تدل على هذا المعنى دلالة صريحة وأخرى تدل عليه بطريق اللزوم وفيما يلي نذكر جانبا من النوعين مع تعليقات موجزة:

إن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الناس لعبادته وأرسل لهم رسلا منهم ليبينوا لهم الطريق المستقيم إلى هذه الغاية ولكن هذا الدين الذي جاء به الرسل من عند الله: ليس شيئا غريبا، على الإنسان بل أن أصله مغروس في نفسه.

هذا الأصل هو المشار إليه بالفطرة في قوله تعالى “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها. لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”. (الروم: 30)

فالإنسان حين يسدد وجهه للدين الذي شرعه الله ويستمر عليه كما يأمره ربه تعالى إنما يلزم فطرته السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا اله غيره فالدين الإسلامي هو إذن الدين الطبيعي الذي لا يولد إنسان إلا به ولذلك قال تعالى “لا تبديل لخلق الله” ومعناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك ولا تفاوت بين الناس في ذلك. ولهذا قال ابن عباس وجماعة من السلف (لا تبديل لخلق الله) أي لدين الله.

وهو المشار إليه بالنور في قوله تعالى:

“الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور؛ يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله بكل شيء عليم” (النور: 35).

قال ابن القيم (قال أبي بن كعب: مثل نوره في قلب المسلم. وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به في الناس وأصله في قلوبهم).

وقال: (قلبه مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله ولكن لا مادة له من نفسه فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه وخالطت بشاشته فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة نور على نور، فيكاد ينطق بالحق، وإن لم يسمع فيه أثرا، ثم يسمع الأثر مطابقا لما شهدت به فطرته فيكون نورا على نور).

3- وهو المشار إليه بالتسوية في قوله تعالى “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”. (الشمس 7- 10).

قال ابن كثير في تفسيره “ونفس وما سواها” أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) (الروم: 30).

4- ولعل هذا الأصل هو المصرح به في قوله تعالى:

“ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار” (إبراهيم: 24- 26).

فالكلمة الطيبة كما جاء في تفسير السلف هي كلمة التوحيد فهي كشجرة طيبة أصلها ثابت في قلب المؤمن وأكلها هو الأعمال الصالحة الناتجة عنها الصاعدة على السماء المقبولة عند الله تعالى.

وأما الكلمة الخبيثة المضادة لكلمة التوحيد فلا أصل لها ولا قرار ولا ثمرة زاكية.

5- وهو المشار إليه بالإشهاد في قوله تعالى:

“وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون” (الأعراف: 172 – 174).

قال الحافظ بن كثير في تفسيره: “ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف إن الرأي بهذا المراد قال: “وإذ أخذ أربك من بني آدم” ولم يقل من آدم “من ظهورهم” ولم يقل من ظهره “ذريتهم” أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن. ثم قال “وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى” أي أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا. فدل على أنه على الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ولهذا قال “أن يقولوا” أي لئلا يقولوا يوم القيامة “إنا كنا عن هذا” أي التوحيد “غافلين”.

وفي السنة المطهرة عدة أحاديث فيها مزيد بيان لما قرره القرآن من فطر الإنسان على الخير.

6- ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة –وفي رواية على هذه الملة- فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها جدعاء)؟

ففي هذا الحديث دلالة على أن الفطرة التي يولد عليها الإنسان هي السلامة من الشرور كما أن الحال التي تولد عليها البهيمة هي السلامة من العيوب الجسمانية من قطع أنف أو أذن أو شفة وغيرها فكذلك الحال التي يولد عليها الطفل هي السلامة من العيوب النفسية والاعتقادية من يهودية ونصرانية ومجوسية وكما أن تلك العيوب تطرأ على البهيمة بعد ميلادها فكذلك هذه العيوب تطرأ على الإنسان بعد ميلاده.

والدليل على أن الفطرة المقصودة في هذا الحديث ليست السلامة بمعنى الحياد بل بمعنى وجود الخير في النفس أنه صلى الله عليه وسلم قال فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ولم يقل ويجعلانه مسلما لأن الإسلام هو الأمر الطبيعي وكل هذه العقائد انحرافات عنه وهذا المعنى جاء مصرحا به في الرواية الأخرى للحديث (كل مولود يولد على هذه الملة).

7- ويزيد هذا المعنى تأييدا وقوة ما جاء في صحيح مسلم عن عباس بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم).

8- وكذلك ما جاء في جزء من حديث رواه الإمام أحمد وأخرجه النسائي في سننه عن الأسود من سريع من بني سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا أنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها).

وأما الآيات والأحاديث التي تدل بطريق اللزوم على أن الإنسان مفطور على الخير فأكثر من أن تحصى في بحث كهذا.

إن الكلمات المعبر بها عن الشر تدل كلها تقريبا على أن الشر ليس شيئا أصيلا وإنما هو انحراف عن الخير وتبديل له مع أن الكلمات المعبر بها عن الخير ليس فيها ما يدل على أنه نقيض الشر وإنما في الكثير منها ما يدل على الزيادة والإنماء والمحافظة على خير أصيل.

من ذلك قوله تعالى في الآيات التي ذكرناها سابقا: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”.

فبالإضافة إلى كلمة (سواها) التي تدل دلالة صريحة على أصالة الخير في الإنسان فإن الكلمات “الفجور” و “التقوى” و “التزكية” و “الدس” أيضا تستلزم هذه النتيجة.

فالفجور هو الإفساد والعدول والميل عن الأمر الطبيعي، والتقوى من الوقاية والتزكية تعني النمو كما تعني التنظيف والتنقية، والدس يعني الإخفاء والدفن فالذي يفجر ويفسد، والذي يحمي ويحافظ عليه، والذي يزكو وينمو، والذي يدس فيمنع من النمو، إنما هو الشيء الصالح السوي المستقيم.

وهذا هو الذي تستلزمه كلمات الفساد، والفسق، والكفر، والإلحاد، والزيغ والظلم والضلال وكثير من الكلمات الدالة على الشر. وكثير من كلمات الإيمان، والذكر والشكر واليقين، والطمأنينة والاستقامة وكثير من الكلمات الدالة على الخير.

فالذي يفسد هو الأمر السليم والفسق خروج عن شيء سابق، والكفر تغطية وإخفاء لشيء موجود، والإلحاد والزيغ، انحراف، والظلم وضع الشيء في غير موضعه. والضلال عدم الاهتداء إلى الغاية المرجوة.

والإيمان تصديق بحق يضفي على النفس أمنا، والذكر إنما يكون لأمر كان في الأصل معروفا، والشكر اعتراف بفضل أسدي.

إن في الكلمات الدالة على الخير معاني الثبوت والاستقرار والأصالة والايجابية. وأما الكلمات الدالة على الشر ففيها معاني النفي، والتغيير، والسلبية وما ذلك إلى لأن الخير هو الأساس وأن الشر إنما هو نفي الخير.

هذا الذي يبدو لي على وجه العموم ولست أزعم أنني استقصيت كل الكلمات فوجدتها مندرجة تحت هذا القاعدة.

لقد وجدت في بعض الكلمات الدالة على الخير معنى السلبية ثم تأملتها فإذا هي لا تخرج على القاعدة بل تؤكدها فالإصلاح إنما يكون للشيء الفاسد، والتوبة والأوبة رجوع عن شر، فهل يعني هذا أن الفساد والشر هما الأصل؟ كلا: فالإصلاح إزالة للفساد وعود إلى الأمر الطبيعي والتوبة والأوبة رجوع من طريق الشر إلى الطريق الطبيعي.

إن في القرآن الكريم والسنة المطهرة –إلى جانب تلك الكلمات- ما يدل بطريق اللزوم على أن نفس الإنسان كجسمه حالها الطبيعية أن تكون سليمة معافاة وأن يطرأ عليها مما ينافي تلك الفطرة الأولى هو الأمراض كالأمراض التي تصيب الأبدان. وكما أن الصحة البدنية تكون في المحافظة على الحال الطبيعي وفي وقايته من أسباب الأمراض وفي معالجة البدن حين يصيبه المرض فكذلك صحة القلوب وسلامتها. ومهمة الدين هي المحافظة على هذه السلامة ووقايتها من الأمراض وعلاجها حين تمرض.

حين أراد منكرو الرسالة المحمدية أن يعتذروا عن إنكارهم بأن قلوبهم في أكنة وأنها مغلفة غلافا فطريا يحول دون نفاذ كلامه صلى الله عليه وسلم إليها رد عليهم القرآن: بأن الغلاف ليس سببا في الكفر وإنما هو نتيجة له “وقالوا قلوبنا غلف، بل لعنهم بكفرهم فقليلا ما يؤمنون”. (البقرة: 88).

“وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه”.

“وقولهم قلوبنا غلف، بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا” (النساء: 155).

والقرآن الكريم يسمي الشر مرضا يطرأ على القلوب.

“فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض” (الأحزاب: 32).

“ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض” (الحج: 53).

وبعض هذا المرض مما يمكن علاجه وأحسن علاج له آيات القرآن الكريم وبعضه يستحكم بحيث يمنع وصول هذه الآيات إلى القلب فما يزيده العلاج إلا مرضا.

“وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا”. (الإسراء: 82).

“وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا؟ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون” (التوبة: 125).

والنبي صلى الله عليه وسلم يشبه ما يطرأ على القلوب مما ينافي فطرتها بالصدأ الذي يصيب الحديد، والدرن الذي يعلق بالأبدان، والدنس الذي يلصق ببيض الثياب. كما أن القرآن يسمي الذنوب “ران” يتراكم على القلوب فيحجبها عن رؤية الحقيقة.

الخير الذي فطر عليه الإنسان:

ما هو هذا الخير الذي فطر عليه الإنسان؟

يؤخذ من مجموعة النصوص التي أوردناها سابقا أن جوهر هذا الخير يتمثل في:

1-   السلامة من العيوب (كما تولد البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء).

2-   الاعتراف بعبودية الإنسان لخالق واحد “فطرة الله التي فطر الناس عليه” “كل مولود يولد على هذه الملة”.

ولكن هذا الجوهر ترتبط به أنواع أخرى من الخير الفطري تدل عليها نصوص أخرى دلالة صريحة تارة وضمنية تارة أخرى.

3-أصول القيم الأخلاقية: فالله تعالى فطر الإنسان على أن الشكر خير وهو محمود، الجحود شر مذموم، وكذلك قل في العدل والجور، والأمانة والخيانة والاعتراف بالحق وإنكاره.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن و من السنة). فهذا دليل صريح على أن الناس مفطورون على الأمانة.

ويقول الله تعالى: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟”.

ويقول: “أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون؟”.

فهاتان الآيتان لا تعلمان الإنسان أن جزاء الإنسان ينبغي أن يكون إحسانا، أو أن مصير المحسن ينبغي أن لا يكون كمصير المسيء. وإنما هما تفترضان أن الإنسان يعلم هذا، ولهذا تستنكران عليه أن يحكم بغير هذا الذي يعرفه.

4-ما يسمى بالقوانين العقلية كالعلم بأن الأشياء لا تأتي من العدم وأن الشيء لا يخلق نفسه، وأن الكلام المتناقض باطل.

وفي هذا يقول الله تعالى:

“أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون”.

ويقول “ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا”.

5-القيم الجمالية كحب الجمال والنظافة والنظام.. الخ. إلى جانب هذا الخير المحض الذي فطر الله تعالى عليه الإنسان فإنه منحه القوى وهي في ذاتها خير لكننا يمكننا أن ننحرف بها فنجلعها شرا.

من ذلك:

1-   القدرة على العمل.

2-   القدرة على التفكير.

وإشارة إلى هذين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أصدق الأسماء حارث وهمام) أي أن هذه أسماء تدل دلالة صادقة على حقيقة الإنسان فهو حارث عامل وهو همام مفكر.

3-   القدرة على الاختيار.

“فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.

4-   السعي لحفظ النفس والنوع بالأكل والشرب والسكن واللباس والنكاح.

إذا كان الإنسان مفطورا على الخير فلماذا إذن يفعل الشر؟

هذه إحدى الشبهات بل لعلها أقوى الشبهات التي يشغب بها على القول بأصالة الخير في النفس البشرية وهي شبهة تشد كثيرا من الناس وتدعوهم إلى الأخذ بنظرية الحياد.

ولعل أساس هذه الشبهة هو التصور الخاطئ لمفهوم الفطرة. فعبارة الإنسان مفطور على الخير تعني عند هؤلاء: أنه مطبوع على إرادته وفعله طبعا لا ينفك عنه. ولكن الواقع أنه ينفك عنه وإذن فهو ليس مفطورا عليه، بل إنما يولد محايدا: إن شاء فعل الخير وإن شاء تركه وفعل الشر.

ولكن الفطرة لا تدل على هذا المعنى الذي يجعلها متناقضة مع المشيئة الإنسانية، والذي يسوي بين فعل الخير وحركات النباتات والجمادات التي لا إرادة لها.

فطر الإنسان على الخير معناه كما قلنا سابقا:

(أ) إن الله تعالى صاغ الإنسان وكونه وركبه بحيث لا يصلح له إلا الخير.

(ب) وأنه تعالى تفضل فجعل المعرفة بهذه الحقيقة أمرا مستقرا في نفس الإنسان لا يحتاج لأن يتعلمه من الخارج. وإن كان العلم الخارجي يزيده قوة.

ولكن الله تعالى جعل الإنسان مخلوقا ذا إرادة إن شاء سار في طريق الخير الذي تدل عليه فطرته، وإن شاء تمرد على فطرته كما يتمرد على الدلائل العقلية والآيات الكونية والرسالات السماوية.

إن الله تعالى يتفضل فيعرف الإنسان بالخير ويبينه له ويدعوه إليه دعوة تأتيه من داخل نفسه ومن دلائل عقله ومن الآيات الكونية ومن الرسالات السماوية ولكنه يتركه بعد ذلك حرا إن شاء قبل هذه الدعوة وإن شاء ردها كافرا.

وفي معنى هذا البيان الفطري يقول الله تعالى:

“إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا” (الإنسان: 3).

“ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” (الشمس: 7-10).

فلسفة التربية الإسلامية:

الأهداف: من هذا التصور للإنسان يمكن أن نستخرج أهداف التعليم والقواعد العامة التي تحكم وسائله وأساليبه ومناهجه.

فغاية التربية والتعليم هي تمكين الإنسان من أن يكون إنسانا حقيقيا أو تمكينه من أن يكون عبدا صالحا لأن العبودية هي جوهر الإنسانية، والإنسان كلما ارتقى في سلم العبودية، ارتقى في سلم الإنسانية. ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف أحواله. كما تنبه إلى ذلك كثير من العلماء: من ذلك قوله تعالى بمناسبة الإسراء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”. وقوله تعالى بمناسبة الدعوة “وأنه لما أقام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا”.

فوصف الإنسان بالعبودية هو الوصف الجوهري العام الذي يحتم كل أوصافه. وإذن فكل فهم لصفة من صفات الإنسان أو خاصة من خواصه يجعلها متناقضة لصفة العبودية فهو فهم خاطئ.

وهو الوصف الأساسي وكل الأوصاف الأخرى بالنسبة له ثانوية، ولذلك فينبغي أن لا يقدم واحد منها عليه.

وبهذه المناسبة: أحب أن أشير إلى صفتين تفهمان أحيانا فهما يخرج على هذه القاعدة:

الأولى: وصف الإنسان بأنه مخلوق روحي، استدلالا بقوله تعالى: “ونفخت فيه من روحي” فالوصف صحيح والاستدلال صحيح ولكن فهم الروحية هذه: بأنها عنصر الهي حل في الإنسان: هو الفهم الخاطئ خطأ شنيعا ينافي العبودية والتوحيد ويجعل الإسلام –كما تنبه إلى ذلك بعض العلماء- أسوأ من المسيحية فالمسيحية قصرت الألوهية –بعد الله تعالى- على بشير واحد وهذا الفهم يعممها فيجعل في كل إنسان عنصرا إلهيا. أن قول الله تعالى: (من روحي) لا يعني أن شيئا من ذاته تعالى خرج فحل في الإنسان. فالله تعالى لا يخرج من ذاته شيء وهو أحد ليس كمثله شيء وهو مفارق وعالٍ على كل شيء. إن إضافة الروح إلى الله تعالى ليست إضافة بعضٍ إلى كل كما تقول (يد الله) و (وجه الله) وإنما هي إضافة مملوك إلى مالكه كما تقول أرض الله وسماؤه.

وكما أن الإنسان ليس روحا إلهية بهذا المعنى، فإن المسيح عيسى بن مريم ليس كملة الله بمعنى أنه خلق وصيغ من الكلمة إن الكلمة ليست عنصره، وإنما هي سببه كما أنها سبب كل مخلوق سواه: “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون” (يس: 82).

وكما يقول الإمام أحمد: فإن عيسى ليس هو الـ (كن) ولكن بالـ (كن) كان.

وأما الصفة الأخرى فهي صفة الخلافة استدلالا بقوله تعالى: “إني جاعل في الأرض خليفة” ولا شك أن الإنسان خليفة ولكن من الخطأ أن تقدم صفة الخلافة على صفة العبودية كما يميل إلى ذلك كثير من فضلاء كتابنا المعاصرين.

ومن الخطأ: أن يظن بأن تفسير الخلافة: بأنها خلافة عن الله في تعمير الأرض، هو التفسير الوحيد أو المتفق عليه بين العلماء إذ الواقع أن بعضهم أنكر هذه العبارة، وحجتهم في إنكارها قوية قالوا أن عبارة (خليفة الله) لم ترد في قرآن ولا سنة، بل روى أن أبا بكر أنكر على من وصفه بخليفة الله، وقال أنه خليفة رسول الله وقالوا إن الخليفة في اللغة هو الذي يخلف غيره إذا غاب والله تعالى لا يغيب وقالوا: إنه مما يؤيد هذا أنه جاء في بعض الأدعية النبوية وصف الله تعالى بالخليفة فهو الذي يخلف المسافر في أهله وولده كما يصحبه في سفره.

وعلى كل فإن الأمر لا يكون خطيرا إذا فسرت الخلافة بمعنى الحكم أو بمعنى أن كثيرا من المخلوقات مسخرة للإنسان ولكن بعض الكتاب يغلو في تفسير الخلافة حتى ليكاد يشرك بأن الله تعالى قد تخلى عن تصريف جزء من الكون وترك أمره للإنسان.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر