أبحاث

مقاربة أخلاقية للعقود المالية – عقد الإذعان أنموذجا

العدد 166-167

مقدمة:

لقد كان للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها العالم في القرنين الماضيين، وما واكبها من تطور في مجال الأنظمة التشريعية والقانونية، أن ظهرت أنماط من المعاملات التعاقدية شذَّت عن المألوف، وأثَّرت في المبادئ العامة كما خطتها مدونة نابليون الصادرة سنة (1804م)؛ حيث أدت هذه التحولات الاقتصادية إلى الحد من الحرية التعاقدية؛ فأصبح مفهوم العقد في تصوره التقليدي عاجزًا عن استيعاب مختلف الأنماط التي أفرزتها هذه التحولات، الأمر الذي أفسح المجال للمشرِّع للتدخل بتوجيه العمليات التعاقدية بسَنِّ قوانين تضبطها أو تُبرِّرها.

لقد أفرز هذا التطور في مجال العلاقات التعاقدية الثنائية والجماعية وضعًا جديدًا، تمثّل في أن تبوَّأ أحدُ أطرافها موقعًا فعليًّا وقانونيًّا قويًّا، ترتَّب عليه انفراد هذا الطرف بتحديد شروط العقد، واستحال النقاش عند إبرامه لدى الآخر، أي إنَّنا إزاء ظهور مركزين قانونيين غير متكافئين؛ مما شكّل أبرز العوامل المساعدة على نشأة نمط جديد من العقود، سُمِّي بعَقْد الإذعان؛ الأمر الذي أدّى إلى تدخل التشريعات القانونية لمواكبة وتنظيم هذه الأنواع من العقود، وحمايتها؛ لما تُشكِّله من أهمية في تطور الاقتصاد، وتبعَ هذه المواكبة القانونية محاولات عدة من فقهاء الشريعة لاستجلاء موقف الفقه الإسلامي من هذا النوع من التصرفات.

إنَّ تناوُل موضوع عقود الإذعان سواء بمقارباته القانونية أم الشرعية الحالية – إنما يقع ضمن الحقل المعرفي السائد والمهيمن، أي إنّ هذه المقاربات تحكمها النظرة القانونية الغربية؛ حيث تحولت هذه النظرة إلى منهجية مشتركة بين كل الجماعات البشرية باختلاف ثقافاتها ومقوماتها الحضارية، أي إنَّنا أمام مسلك منهجي قائم لا يمكن التفكير خارج إطاره؛ مما دفع بالعديد من القانونيين والخبراء الماليين وفقهاء الشريعة إلى إصدار أحكام وفتاوى تتكيف مع هذا التوجه التشريعي القائم بخصوص عقود الإذعان، من خلال تبني لغة المصلحة العامة واستقرار السوق ومعاملاته، وهذا أحد الإشكالات التي قد تعترض هذه المقاربات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر