أبحاث

الدين والعلم في فكر زكي نجيب محمود

Religion and Science in Zaki Naguib Mahmud's Thought - العدد 69- 70

مقدمة :

يمثل الدكتور زكي نجيب محمود أهمية خاصة في حياتنا العقلية والفلسفية ، فهو مفكر موسوعي من طراز نادر ، ومثقف كامل إذا جاز لنا هذا التعبير ، اتصل بالثقافة الإنسانية في أعمق مصادرها منذ البواكير الأولي من حياته ، وكان قادراً منذ هذه المرحلة المبكرة علي الفصل بين الموروث والوافد في الشخصية العربية ، بالإضافة إلي إدراك عميق لما أطلق عليه فيما بعد الأصالة والمعاصرة .

ويعد فكر الدكتور زكي مادة خصبة يمكن دراستها من محاور متعددة ، ولعل محور الدين يمثل لنا دراسة ذات جاذبية خاصة لعدة أسباب منها :

  • أن هذا الجانب في فكر الدكتور زكي لم يحظ بالدراسة وإلقاء الضوء عليه ، رغم العديد من الدراسات الجامعية والعامة التي كتبت عنه .
  • أن مفكراً عقلانياً مثل الدكتور زكي نجيب محمود لا بد ان يعطي لفكرة الدين مفاهيم جديرة بالدراسة والتحليل ، وخاصة أن فكره في هذا المجال تميز بالتطور والخضوع لمراحل فكرية متنوعة ومتتابعة .
  • أننا وجدنا في كتابات الدكتور زكي ردودا وحلولا لقضايا ترتبط بالدين والعلم معا ، وحلولا لقضايا دينية نعيشها في حياتنا الحالية ، على الرغم من أن هذه الكتابات قد كتبت منذ سنوات ، مما يدل على أن المفكر الحقيقي هو الذي يستشعر الخطر قبل وقوعه ، وهو الذي يلاحظ المقدمات فيتنيأ بالنتائج التي ستحدث بعد سنوات . وهذا بالفعل ما ظهر في كتاباته ، وخاصة ما تعلق منها بالجانب الديني .
  • أن التبلور الحقيقي لفكرة الدين عنده وإدراجه ضمن مشروعه الحضاري لم يظهر بشكل واضح إلا من خلال كتابته الأخيرة ، مما يؤكد أن عرضنا له هو عرض لأخر مراحله الفكرية ، فلا يخفي على أحد أن عملاقا مفكراً مثل زكي نجيب محمود لم يكن جامدا على فكرة واحدة ، وإنما تطورت أفكاره من خلال حياته ، ومن خلال تطبيقاته المتعددة .

وقد تطور دور الدين ودور الإيمان الديني في فكر د / زكي نجيب محمود عبر مراحل ثلاث يصفها لنا بقوله : ” إنها رحلة حياته عبر الزمان وهي رحلة بدأت بمراهق يؤمن إيمان السذج ، وانتقلت إلي شاب عرف قدر العلم ومنهاجه ، ثم انتهت بشيخ ينعم بشيئ من علم يضيئه إيمان ” (1) .

وهذا فعلا ما نلاحظه من خلال عناوين مؤلفاته ، ومن خلال مراحله الفكرية إذا ما تجاوزنا المرحلة التقليدية في حياته التي أصدر فيها أكثر ترجماته ، أما البداية الحقيقية في فكره ، فهي المرحلة العلمية ، التي ظهر فيها أخذه بالعلم ومنهاجه ، وتمثلت في مؤلفات مثل ” المنطق الوضعي ” و ” خرافة الميتافيزيقا ” و ” نظرية المعرفة ” و ” حياة الفكر في العالم الجديد ” و ” نحو فلسفة علمية ” وغيرها .

أما المرحلة التالية والتي ظهر فيها الوجدان إلي جانب العلم فكانت ابتداء من مجموعة مؤلفات أخري أصدرها مثل ” الشرق الفنان ” و ” تجديد الفكر العربي ” و ” المعقول واللا معقول في تراثنا  الفكري ” .

ثم ظهرت المرحلة الأخيرة والتي اتخذ فيها الجانب الوجداني – والتي يمثل الدين حيزاً كبيراً فيه – مكانة أكبر من ذي قبل ، وهي مرحلة الشيخوخة بالمعني المادي لا العقلي ، وهي المرحلة التي جمعت بين العلم والدين ، وتمثلت في مجموعة مؤلفاته الأخيرة مثل ” أفكار ومواقف ” و ” قيم من التراث ” و ” في تحديث الثقافة العربية ” و ” رؤية إسلامية ” و ” بذور وجذور ” و ” عربي بين ثقافتين ” وكان أخرها كتاب حياته الأخير ” حصاد السنين ” .

وفي هذه المرحلة أخذ الدكتور زكي نجيب يطبق منهجه الذي وضعه في مؤلفات الشباب على موضوع التراث ، فأخذ في تطبيق منهجه العلمي وأدوات التحليل اللغوي في مجالات التراث ، وهنا ظهر الدين بصورة أوضح وبدراسة أكبر عن ذي قبل في مؤلفاته .

  • أن الدكتور زكي قد قدم تعريفا متميزاً للإنسان ، يختلف عن غالبية التعريفات الفلسفية السابقة عليه ، يقوم هذا التعريف على فكرة الدين ، فإذا كان الفلاسفة والمفكرون اختلفوا في تعريف الإنسان ، باختلافهم حول الصفة المميزة له ، سواء كانت هي النطق أو الوجدان أو الإدارة ، فإن د / زكي يري أن ما يصلح أن يكون مميزاً للإنسان حقا فهو إدراك الربوبية في الكون وما وراءه ، ومن هنا كان الإنسان وحده دون سائر مخلوقات الله هو الذي يعبد الله (2) ، ولذا صح أن يقال : إن التدين هو أشد تمييزاً للإنسان من أي جانب أخر (3) .

وهذا التعريف للإنسان يتشابه مع التعريف الذي قدمه من قبل هيجل عندما رأي أن الإنسان وحده هو الذي يمكن أن يكون له دين ، فالتدين عنصر أساسي في تكوينه ، والحس الديني إنما يمكن في أعماق كل قلب بشري ، بل هو يدخل في صميم ماهية الإنسان (4) .

ولأهمية هذه الفكرة أولا في المنظومة الفكرية للدكتور زكي نجيب ، و لأهميتها للإنسان عامة ، كان اختيارنا لهذا المنحي من مناحي تفكير عملاقنا الفكري ، لعرضه ومعرفة أبعاده وعلاقته بأهم دعائم فكره ألا وهو العلم .

أولا : ما الدين ؟ .

يعرف د / زكي الدين بصفة عامة بأنه هو ” الذي يقدم إلينا المبادئ الأساسية التي يسلك على هداها ، والتي من شأنها أن تبلور لنا رؤية خاصة ، وموقفاً معيناً من الكون والحياة بصفة خاصة (5) فكان لكل دين رؤية ، وإذا كانت الأديان متعددة ، فإن الديانات الثلاث السماوية – الإسلام والمسيحية واليهودية – تكون أسرة واحدة أبوها إبراهيم عليه السلام .

ويحاول د / زكي أن يقرب بين الأديان السماوية الثلاثة عن طريق البعد عن التفصيلات الدقيقة التي قد تختلف من دين لأخر ، والتركيز على الأصول الأساسية التي يقوم عليها كل دين منهم ويري أن هذه الأصول تتشابه ، لأن أساسها واحد هو ” انتماؤها جميعا إلي سيدنا إبراهيم – عليه السلام – المؤمن بالله الواحد ، فجاءت الديانات الثلاث مؤمنة بالله الواحد على اختلاف بينها في التعبير (6) وهذه الاختلافات بين الديانات السماوية جاءت من الفروع التي ضخمتها أوهام التعصب .

هذا الإغراق في التفريعات ، وما أدت إليه من تعصب هو الذي أدي أيضاً إلي ظهور اختلافات بين الفرق الإسلامية ، فظهرت فرقة أهل السنة ، وفرقة الشيعة وغيرها ، ثم انقسم المسلمين مرة أخري إلي اتجاهات فقهية عديدة منها : مالك والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل .

ويرجع د / زكي السبب في اختلاف المسلمين إلي طوائف إلي ظروف البيئة والعقلية الإنسانية وليس إلي طبيعة الدين نفسه ، فلو نظرنا إلي خريطة العالم الإسلامي لوجدنا الشيعة مركزة في جانب ، وأهل السنة في جانب أخر ، وفي داخل فرقة أهل السنة نقسها نجد كل مذهب يتركز في قطر بعينه مما يدل على أن هذا الاختلاف يرجع ” لعلوم البيئة المحلية في كل حالة ، مضافاً إليها مؤثرات التاريخ في كل قطر اختلفت ظروفه عن الظروف في سائر الأقطار ” (7) .

فاختلاف البيئة الطبيعية والتاريخية والثقافية بين شعوب الإسلام قد أدي إلي أن صورة الإسلام عند كل شعب كانت مختلفة بعض الشئ الشعب الأخر ، ويضرب د / زكي بذلك مثالا يقارن فيه بين إسلام إيران ، وإسلام مصر ، فثقافة وديانة الشعب الإيراني السابقة اختلفت عن ثقافة وديانة المصريين السابقة ، فدخل الإسلام عليهم ، فأعطي له كل منها مسحة من ثقافته ، فظهر الإسلام شيعياً في إيران ، وسنيا في مصر وليس هذه مصادفات . . بل لابد لمن كانت ديانتهم قبل الإسلام ملتفة بالألغاز والإيحاء والرمز أن يكسوا العقيدة الجديدة بما يشبه هذا الذي ألفوه ، كما كان لابد لمن كانت ديانتهم قبل الإسلام متميزة بالاعتدال وإقامة البنيان على قواعد واضحة أن ينظروا إلي الدين الجديد مثل هذه النظرة (8) .

ومن هنا اختلفت صورة الإسلام باختلاف الشعوب ، وإن كان يجمعها كلها روح واحدة ، فعلي الرغم من هذا التقسيم بين المسلمين ، إلا أنه يجمع بينهم رابطة مشتركة ، هي اختفاظهم جميعاً بأساس روحي واحد مشترك ، هو الذي يكون به المسلم مسلما ، وهو الإيمان بالوحي القرأني والنبوة الخاتمة ، وهذا الأساس يكفل للمسلمين جميعاً وحدة تغرق في ظلها كل الاختلافات .

  • الدين وعلوم الدين :

يفرق د / زكي بين الدين كنصوص وبين المتدين وهو الإنسان المؤمن بهذا الدين وبين العلوم التي تدور حول هذا الدين ، وتقوم عليه فهناك دين أولا ، ثم ياتي التدين ثانيا ، وقد تأتي علوم تدور حول هذا الدين ، فيما بعد ، فالدين محصور في نصوصه المحدودة ، ثم يأتي بعده طرفان ، طرف منها يؤمن بذلك الدين ، وهم من يصفون ( بالتدين ) ، وأما الطرف الثاني فهو ( علم الدين ) أو ( علومه ) التي تقام على تلك النصوص فتستخرج منها المبادئ والأحكام (9) .

ونري حرص د / زكي في التفرقة بين الدين وعلوم الدين ، ليؤكد أن ( الدين ) ثابت واحد لا يتغير ، لأنه نصوص منزلة من السماء ، أي أنها إليهة ، أما ( علوم الدين ) فهي كثيرة متعددة ، وهي رؤي إنسانية لهذا الدين ، وطالما هي علوم إنسانية فهي نسبية متغيرة ليس لها قدسية الدين نفسه ، وبالتالي يحتاج الإنسان دائما أن يطور من هذه العلوم بما يتناسب مع روح العصر الذي يعيشه .

وهو يضع هذا العلم الديني ضمن طائفة العلوم الرياضية ، التي تبني نتائجها على مقدماتها المسلمة وكذلك رجل الدين يبني نتائجه على مقدمات يأخذها من النصوص الدينية ، فهو علم يستخدم المنهج الرياضي ، وذلك لأن الباحث فيه يسير على خطوتين : الأولي في علم الدين هي النص القرأني الكريم ، والخطوة الثانية ، استخراج ما فيه من قوانين ، وعلم الدين لا هو ( الدين ) ولا هو ( التدين ) ، وإنما هو فاعلية عقلية تقام على الدين (10) ومن الممكن أن يوجددين ومتدين يؤمن به ولا يعرف علوم الدين ، ويمكن لهذه العلوم أن تتعدد فيها الرؤي وأن يختلف أصحابها ، وهو فعلا ما نلاحظه في ( علم أصول الدين ) فلكل طائفة فيه رؤيتها الخاصة له .

  • الدين ليس مجرد شعائر :

يشير د / زكي إلي أهمية أن تنظر إلي الدين الإسلامي على أنه ليس عقيدة وشعائر فقط بل هو عقيدة تثير مجموعة من القيم التي تثري حياة الإنسان نحو حياة أفضل في الدنيا والأخرة ، وهذا الربط بين الدين كعقيدة وقيمة ، وهو ما يحاول أن يؤكده بقوله : إن الإسلام مجموعة من القيم التي لا أحسب عاقلا على وجه الأرض يرفض شيئاً منها من حيث هي مثل عليا . وربما وجدت بين من يرفضون ( الإسلام ) كفكرة مجردة من يعيشون تلك المبادئ بالفعل . وتجد بين من يعتنقون هذا الإسلام نفسه كفكرة مجردة من لا يعيشون من قيمه شيئاً (11) .

فالدين ليس مجرد شعائر وعبادات وطقوس ، بل الدين معني وراء كل هذا ، فهو عقيدة نعم ، ولكنه يحمل في داخله قيمة فالإيمان بالله يتضمن إيماناً بمبادئ هي مجموعة القيم أو مجموعة المعايير التي تضبط  سلوكنا نحو أهدافنا (12) .

ولذا يعيب د / زكي كل من يتحول الدين عنده إلي مجرد صور شكلية لمجموعة من الشعائر التي هي أوامر إلهية يقوم بها المؤمن في شكل عبادات ، فليس هذا فقط هو المطلوب في الدين ، ولكن المطلوب من الإنسان فهم معني العبادة وتحويلها من عبادة شكلية إلي قيم عملية . أما هؤلاء الذين يفهمون من الدين أنه مجرد شعائر فإنهم يكونون قد قصروا فكرة العبادة على الأركان الخمسة ، التي هي الشهادة والصوم والصلاة والزكاة والحج ، وإذا اكتفي المسلمون بهذا فقد تحول الدين عندهم إلي حفظ وترتيل وتفسير فقط ، والواجب عليهم أن يتجاوزوا هذا إلي التنفيذ في صميم الميادين التي من أجلها تخلفت الامة الإسلامية ، فإذا قرأنا قوله تعالي في كتابه الكريم { قل سيروا في الأرض } [ سورة النمل : الأية : 69 ] فتكون العبادة الحقيقية لهذه الأية ليس ترتيلها فقط وإنما تطبيق هذه المعاني في دنيا العلم والعمل (13) .

وبهذه الرؤية الحقيقية لمعني الدين ، نعود به إلي الصورة الأولي التي كانت سببا في نهضة القدماء عندما صنعوا الحضارة الإسلامية ، وتكون هذه الصحوة هي إعادة للروح الدينية الصحيحة التي تحول الدين من مجرد كونه طقوساً ألية إلي كونه قيماً تدفع إلي العمل وتغير من السلوك الإنساني نحو الأفضل ، ونعود بالإسلام الصحيح إلي صورته النقية الصافية وكذلك بتحويل العقيدة إلي عمل ، أي تحويل الفكر من مجرد الفكر إلي الإرادة التي تخرج ذلك الفكر إلي مجري السلوك (14) .

ويضرب د / زكي لنا مثلا يبين فيه كيف يتحول الفكر من كونه فكرا فقط إلي كونه فكرة باعثة إلي العمل بمثال لفكرة ” الخوف من الله ” فهذه الفكرة إذا وقفت عند مجرد أنها الفاظ تكررها الألسن فقط ، فلن تؤدي إلي تقدم ، فلو حولناها إلي دستور للعمل ، وأحولناها من مجرد لفظة إلي حالة شعورية ، لهدت صاحبها وأفادته في ميادين نشاطه العقلي والعملي .

وهناك مثال أخر وقيمة أخري نستخرجها من الدين . كقول الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) [ إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ] فلو تحولت هذه الفكرة التي تحفظ من مجرد كونها فكرة نقولها ونحفظها ، إلي عادة سلوكية نمارسها لصنعت الكثير في مجال النهضة والتقدم ، فإحياء روح الدين ، وقيم الأسلاف ضرورة لا غني عنها في ترسيخ الشعور القومي ، وتثبيت الهوية الخاصة بنا ” (15) .

فالمعني الحقيقي للعبادة هي أن تتحول من مجرد شعائر وعبادات موقوته بأوقات معينة ، إلي كونها أنماطا سلوكية ، وقيما أخلاقية تصاحب الإنسان في كل وقت ، فتصير عبادة ملازمة للإنسان في كل لحظات حياته ، وبذلك يحقق الوظيفة التي خلق ليؤديها ، كما جاء في قوله تعالي { وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات أية : 56 ] أما العبادة التي تنحصر في صورة شعائر ترتبط بأوقات محددة ، فليست هي العبادة التامة ، لأن العبادة التامة هي عبادة الإنسان لله في كل وقت ، وهي ذكر الله بدراسة مخلوقاته ، عن طريق معرفتها ، فسبيل معرفة الإنسان لربه . . . . معرفته لمخلوقات ربه (16) .

وتتم معرفة الله عن طريق معرفة الكون بجميع ما فيه وبمختلف علومه الطبيعية وهكذا تتحول معرفة الله من كونها محصورة في الذات الإلهية إلي دعوة جديدة للعلم ، ذلك لأن الوجود الحقيقي لله متحقق في كل شئ وإذا كانت العبادة الحقة تفيد في مجال العلم فهي أيضا تفيد في مجال المجتمع وحياة البشر ، فيتحول الدين من كونه شعائر إلي كونه قيماً يتربي عليها الإنسان ، فالتربية الدينية نظام أخلاقي يرسم للمتدين طرائق السلوك الصحيح الذي يجعل منه إنساناً كما أراد الله جل وعلا للإنسان أن يكون (17) . فلا تستنفذ جهودنا في تعليم النشئ التفصيلات الفقهية مع العبد عن الأهداف الحقيقية ، لأن مثل هذا التعليم سيصيب المسلمين بالضعف ، وفي هذا يقول د / زكي : ” هل يحق لنا . . بعد أن أصبح محور اهتماماتنا الدينية تفصيلات شكلية عجيبة لا تمس روح الدين وجوهره ، ولا تحرك الضمير الديني عند الإنسان من قريب ولا من بعيد ، أقول هل يحق لنا بعد ذلك أن نسأل : ” ماذا أصاب شباب المسلمين ليصبحوا على ما أصبحوا عليه من هزال وضعف وانحراف ” (18) .

ويأخذ د / زكي في تطبيق فكرته هذه على فريضة من فرائض الإسلام وهي فريضة الصلاة ، ويبين كيف تتحول هذه الفريضة الدينية عند القائمين بها من كونها شعيرة دينية إلي كونها قيمة سلوكية تجعل الإنسان بعد إتمامها أقوي ، فإن أليات الصلاة في ذاتها حركات وكلمات لا تؤدي إلي الهدف من أدائها في ذاتها ، وإنما الهدف هو الترفع عن رجس الفحشاء ، والمنكر والبغي ، والذي يؤدي إلي هذا ( فهم ) المصلي لأسرار ما يقوله ويعمله ، فنقول له : إن قولك ( الله أكبر ) بمثابة من فتح باباً ليدخل منه إلي عالم أخر غير العالم الذي يحيط به ، إلي ملاقاة ربه ، فهي نقلة تنقله من عالم الفناء إلي عالم الخلود ، تنقله ليكون أمام إله ( أكبر من كل كبير ، فإذا خرج الإنسان من صلاته ، وهو يشعر أن الله أكبر من أي سلطة أخري ، لم يخرج لينافق سلطانه طلباً لمعونة ، أو رداً لعدوانه ، ولا ينافقه أحد لأنه تعلم من وقوفه في الحضرة الإلهية إن المعين واحد هو الله ، وأن الذي يرد عنه العدوان واحد وهو الله ، وهكذا في بقية الفرائض الأخري ، فيعرف مقيم الصلاة ما صلاته ويعرف صائم رمضان ما صومه وبعدئذ يكاد يستحيل على من يعرف أن يقترب الأثم الذي هو الخطأ لأن من يعرف لا يخطئ (19) .

وبهذا يتحول الإنسان المؤمن إلي عايد في كل لحظة ، لأنه ممارس لقيمة هذه الفرائض في كل وقت ، فلا ترتبط شعائر دينه بوقت ، بل هو قبل الفريضة وبعدها مقيم لعبادته ، أما من يقصر دينه على مجرد أداء فروض وقتية كان ” بمثابة من وضع عقيدته الدينية بين قوسين ، أما فيما قبل القوس الأول ، وبعد القوس الثاني ، فهو مطلق السراح (20) .

فإذا لم تتحول هذه الشعائر الدينية إلي قيم وسلوك ، كان ما يفرق المؤمن من غيره فرقاً بسيطاً ، يقتصر على مجموعة حركات دينية ، أو كلمات جوفاء لا تؤثر في أصحابها ، وإذا لم تتجسد هذه الشعائر سلوكا ومواقفا في حياة الأفراد فقد الدين كل معناه ، إذ هو لم ينعكس في أوضاع الحياة العملية ، ويغير هذا التمثيل الحيوي لعقائدنا يصبح الفرق خافتا باهتا بين أن تكون موحداً ، أو لا تكون ” فالعقائد لم يعتنقها أصحابها في الأصل ليخزنوها تحفاً في صناديق النفائس ، بل اعتنقوا لتكون هى المسارب التي تنكسب في أطرها عمليات الحياة كما هي واقعة (21) ، وهذا الربط بين الدين كعبادة وقيمة ، وهو ما يجعلنا نبحث في علاقة الدين بالأخلاق .

ثانيا : الدين مصدر للأخلاق :

يربط  د / زكي بين الدين والأخلاق ، ويعد الدين مصدرا للقيم الخلقية الثابتة ، فيقول : ” من الوجهة الإنسانية الخلقية ، لا مناص للفرد من الناس إلا أن يجعل لنفسه مبدأ ما ، يكون هو الميزان أو الفيصل الذي يقرر له ماذا يختار في كل مرة تتنازعه فيها رغبات متعارضة ، والأ غلب أن الدين هو مصدر تلك المبادئ التي تفصل بين الحلال والحرام (22) .

وتعد الأخلاق طابعاً مميزاً للثقافة العربية والحضارة الإسلامية لأن مايميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من حضارات أخري سابقة ولاحقة أنها تقوم في أساسها علي قيم خلقية ، وأنها بنيت على ركيزة أساسية هي ” المبادئ التي ينبغي أن تحكم طرق التعامل بين الناس ، وتلك هي مبادئ الأخلاق (23) .

كما تختلف المبادئ الأخلاقية عند المسلمين عنها عند غيرهم من حضارات أو شعوب أخري ، ذلك أن مبادئ الأخلاق عند المسلمين ثابتة ومطلقة ، لأنها مبادئ منزلة من عند الله في صورة الوحي ، فهي ثابته بثباته ، مطلقة لا تختلف باختلاف الزمان ، أو باختلاف المكان والبشر و ” بينما أسس الحياة الحقيقية نراها نحن وكأنها هبطت علينا من السماء فقد يراها سوانا وكأنها نبتت لهم من جوف الأرض ” (24) وعلى هذا تتغير عند الأخرين تبعا لتغير علومهم ، وبحسب تحقيق مصالحهم ، فالأخلاق عندهم حصيلة خبرات بشرية طويلة جعلت لهم وجهة نظر ، تجعل الإنسان جزءا من الطبيعة لا يعلو عليها ، أما مبادئ الأخلاق في تراثنا فهي مبادئ فرضت فرضا على الطبيعة البشرية لتعلو بها وتتسامي ، ومعني ذلك أنه إذا حدث اختلاف بين ما تمليه علينا الغرائز ، وما توجبه المبادئ الخلقية ، لم نتردد في أن نجعل لهذه المبادئ أولية على تلك الغرائز (25) .

هذه النظرية الخلقية هي التي تميز العربي ، وهي من أخص خصائصه ، وهي التي تحدد وجهة نظره وإيمانه في أن الحضارة الصحيحة إنما تدار على محور الأخلاق ، وأن يقوم التعامل بين الإنسان وربه ، وأن الإنسان وغيره على أنماط رسمتها السماء لأهل الأرض وحيا عن طريق أنبيائها ، فالقيم الأخلاقية في غير العروبة قد يجعلونها أدوات لسعادة الإنسان ، أو وسائل لمنفعته ، وأما جوهر العروبة فهو اعتقادها بأن الخالق يشاء فيأمر ، والمخلوق يطيع (26) .

إلا أنه ليست كل ما ندين به الأن من قيم أخلاقية مصدرها هو الدين وحده بل يضاف إليه بعض المبادئ التي جاءت من مصادر أخري مثل العرف والتقاليد ، فالمبادئ الخلقية إذن نوعان : مجموعة نزلت وحيا لا يتم الإيمان بالعقيدة الدينية إلا بالإيمان بها ، ومجموعة أخري نشأت من واقع الحياة الإنسانية ، فيصبح من حق الإنسان أن يغيرها إذا تغيرت صورة حياته العلمية (27) ، وهذه المبادئ المتغيرة هي جزء من تراث الاجداد سواء كانت من التقاليد أسرية أو طبيعية وبيئية .

فمصدر الأخلاق عند المسلم هي دينه وتراثه ، اللذان يحددان له المبادئ الخلقية ومعاييرها التي يلتزم بها ، فإذا بحثنا في جانب الأخلاق – يؤكد د / زكي – أنه يجب ألا نلجأ إلي دراسته في دراسة غريبة قديمة أو معاصرة ، بل نتوجه بدراسته إلي اتجاه يعد هو المنبع الأساسي الذي نستمد منه قيمنا الإنسانية ، فإذا أردنا أن ننشئ للإنسان الحديث شخصية متكاملة ، النبع الأساسي لهذا الإنسان ، هو التراث العربي بما يحمله من قيم (28) .

ثالثاً : الإسلام أخر الديانات لاعتماده

على العقل

يتساءل د . زكي في بداية بحثه لهذه الفكرة عن السبب الذي جعل من الدين الإسلامي أخر الديانات ظهوراً ، هل ذلك لأن حياة الإنسان بعد ظهور الإسلام لن تتعرض لأي أمر مشكل لم يرد له حل في أيات الكتاب الكريم ؟ أم أن حياة الإنسان لن تفرز مشكلات جديدة مع كل يوم جديد ؟ وكانت إجابته أن القرأن قد جاء بحلول لطائفة كبيرة من مسائل الحياة ، إلا أن هذه الحلول لن تكفي الإنسان بأن يركن إلي عقله بعد ذلك كلما جد له في حياته جديد ، ومن هنا كان الإسلام أخر الرسالات (29) .

وقد عرض د / زكي لهذه الفكرة وبحثها في العديد من كتبه مثل ( في تحديث الثقافة العربية ) و ( مجتمع جديد أو الكارثه ) و ( بذور وجذور ) و ( رؤية إسلامية ) وغيرها ‘ ويؤكد فيها كلها على أن الإسلام أخر الديانات لاعتماده على العقل قائلاً : ” أن عقيدة المسلم هي أن الإسلام دين لكل زمان ولكل مكان . . . والأساس الذي يؤيد صدق عقيدة المسلم في دينه هو استناد الإسلام إلي العقل ليكون أداة الإدراك ” (30) .

فالديانات قبل الإسلام تعددت ، لأن كل دين قبل الإسلام . كان يأتي ليحل للإنسان مجموعة المشكلات التي تراكمت في حياته ، وعندما جاء الإسلام ، كان العقل الإنساني قد نضج ، وبذلك قد أحال القرأن الانسان إلي عقله ، لكي يحل جميع ما سوف يلقاه في حياته المستقبلية من مشكلات في ضوء القيم الثابتة المستمدة من الوحي ، فلم يعد هناك احتياج إلي دين أخر ، لأن الخليفة هنا والإمام في حل مشكلات كل إنسان هو عقله ، ولذا عندما يقارن د / زكي بين أهمية وجود إمام يرشد الإنسان لحلول دينه ، وبين وجود عقل يرشد الإنسان لهذه الحلول ، يختار العقل ، لأنه الألصق بالإنسان في كل جزيئات حياته ، وبهذا تصح الحقيقة القائلة بأن الإسلام أخر الديانات ، لأن الإسلام جعل التحكيم للعقل ، ولم يجعله للتقاليد ، إذ لو كانت التقاليد هي مدار الحكم فيما يجوز وما لا يجوز ، لكان الناس بحاجة إلي رسول جديد كلما اقتضت ظروف الحياة الجديدة معايير جديدة ” (31) أما الإسلام فجاء بمعياره الإراكي في كل إنسان ، وهو عقله عندما نضج هذا العقل وتأهل لذلك .

ويشرح د / زكي مفهومه لمعني ” النضج العقلي ” ويري أنه يعني ” القدرة على تمثيل المبادئ التي نزل بها الإسلام ، والتزامه في استدلالاته العقلية بعد ذلك كلما أراد لنفسه هداية في دنيا السلوك ” (32) ، فالمصادر الإسلامية محددة في مصدرين هما : القرأن الكريم والسنة النبوية ، ويأتي العقل ليكمل دور الفهم والتطور وحل المشكلات التي قد تظهر للناس في حياتهم المتغيرة وجزئياتها ، وهذا النضج العقلي له صفات معينه هي :

أ – قدرة الإنسان على إدراك الواقع إدراكاً يمكنه من إقامة أحكامه على أساسه .

ب – القدرة على استخلاص المعاني المجردة من ذلك الواقع الذي عرفناه ، فنستخلص أفكاراً نظرية ، كما يستخلص العلماء وقوانين العلم .

ج – القدرة على تقدير النسب الصحيحة بين الأشياء من حيث كميتها وقيمتها ، بالقياس إلي غيرها .

د – القدرة على تحليل الأفكار ، خصوصا ما هو مؤثر وفعال منها في حياة الإنسان ، تحليلاً لا يراد به فقط أن يكون الإنسان على علم تفصيلي بمعني الفكرة بل يراد بها كذلك ألا نقع في الخطأ الذي يميل بصاحبه إلي الحكم على موقف معين بأحد ضدين متجاهلا درجات الطيف التي تملا بين الضدين (33) وهذا الخطأ هو الذي يؤدي بالإنسان إلي التطرف .

رابعاً : العلاقة بين العقل والدين :

إذا كان د / زكي قد صرح فيما قبل أن المصدرين الأولين للدين الإسلامي هما القرأن والسنة ، وأن العقل المصدر الثالث ، فمتي يستخدم الإنسان هذا المصدر الثالث في مجال الدين ؟ .

يري د / زكي أن الإنسان يستخدم العقل في مجال الدين متي استعصت عليه مشكلة لم يرد فيها حكم القرأن الكريم ، أو في توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام (34) ، ولكن ماذا يحدث إذا تعارض العقل مع النص الديني ؟ .

هنا يأخذ د / زكي بالاتجاه الذي سبق أن نادي به كثيرون في مجال الفكر الإسلامي ، وهي محاولة التوفيق بين العقل والدين ، وهذه المسألة التوفيقية ليست قاصرة في فكر د / زكي على هذا الجانب فقط ، جانب العقل والدين ، بل نجده يطبقها في أكثر من مجال وعلى أكثر من مستوي ، فيوفق بين العقل والوجدان ، والأصالة والمعاصرة ، والموروث والوافد ، والقيم والعلم ، فهذه المسحة التوفيقية هي أبرز ما يتميز به فكره في أخر مراحل تطوره .

وقد أخذ بدعوة التوفيق بين العقل والدين كثيرون ، فمن القدماء كان الغزالي الذي رأي وجوب التوفيق بين العقل والنص ( أو ما يسمي بالنقل ) قائلاً ” إننا إذا وجدنا نصاً من نصوص الشرع لا يتفق معناه الظاهر مع حكم العقل ، علمنا أنه لابد أن يكون لذلك النص معني غير معناه الظاهر ، ووجب علينا أن نحاول تأويله تأويلا يخرج منه المعني المعقول عقلا ، وللغزالي معيار في التأويل وهو ما دل نظر العقل ودليله على بطلان ظاهره ، علمنا أن المراد غير ذلك (34) .

كما يشيد د / زكي بمحاولة ابن رشد أيضاً للتوفيق بين العقل والنص الديني ، ويحاول أن يستفيد من محاولته في تطبيقها على عصر د / زكي كليهما متفق على أن شريعة الإسلام هي بمثابة الأساس في بنيان الفكر العربي ، ثم وفد إلي الفكر من خارج الحدود فكر أخر مؤسس على العقل ( هو فلسفة اليونان في الحالة الأولي ، وهو علوم عصرنا الحاضر في الحالة الثانية ) فإن صح هذا التشابه بين العصريين في البنية مع الاختلاف البعيد في المادة الفكرية المعروضة ، كان لنا في هذه المحاولة ما نهتدي به في حياتنا الثقافية ، فالعناصر الأساسية في كلا الموقفين هي شريعة يتمسك بها الجميع ، ونتاج عقلي وافد

من خارج ، فما هو متفق مع ورد في الشريعة فلا إشكال ، وأما المسكوت عنه في الشريعة فلا إشكال أيضا ، وأما المناقض في ظاهره مع الشريعة فله حل ، فلو كان ابن رشد بيننا يؤدي المهمة نفسها التي أداها في زمانه لحاول أن يدحض منطق الرافضين وأن يبين أن مواضع الاختلاف لا تعدوا أن تكون اختلافا في التسمية مع اتفاق في مضمونه (36) ، أي أنه دين من جهة وعقل من جهة ، وهذا تأكيد للنقطة التي سبق وأن عرضناها وهي أن الإسلام دين العقل .

ويشير د / زكي إلي أن هذه الدعوة قد تبناها أيضاً أحد المفكرين المحدثين ، وهو الإمام محمد عبده الذي رأي أنه إذا تعارض النص مع العقل ، يلجأ إلي التأويل ويجعل للعقل دوراً في تأويل النص ، وكان محمد عبده بهذا الرأي واحداً من أهم رجال الإصلاح الديني ، وبهذا التصور وضع أسس نهضتنا الحديثة ، ذلك أنه وضح العقائد الأساسية في الإسلام توضيحا يبين استنادها إلي العقل ، فجعل الأصل الأول لهذا الدين هو النظر العقلي ، وعنده أن هذا النظر العقلي هو وحده وسيلة الإيمان الصحيح قائلاً ” إن الإسلام يقاضينا إلي العقل ، ومن قاضاك إلي حكم فقد أذعن إلي سلطانه والأصل والأصل الثاني فهو تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ، فإذا تعارض العقل وظاهر الشرع أخذنا بما يدل عليه العقل ، ومحاولين بعد ذلك تأويل ذلك الظاهر تأويلا يعطيه من المعني ما يتفق مع أحكام العقل (36) .

وإذا كان د / زكي يبدي إعجابه بمحاولات السابقين للتوفيق بين الدين والعقل ، إلا أنه يضع لكل منهما مجاله الذي يجب ألا يتجاوزه ، وإن كان يمكن لكل منهما أن يخدم الأخر بالتأكيد على ما يدعو إليه ، دون أن تنقلب موازين القياس في كل منهما ، وهو يلخص رأيه هذا في قوله : ” إننا إذ ندعو مخلصين إلي العقلانية الصارمة في شئون حياتنا ، فلسنا نريد لهذه الدعوة أن تتناقض مع ذلك الجذر الديني العميق في نفوسنا ، لأنه بينما نريد للعقل أن يتولي الشئون العابرة الظاهرة من حياة الإنسان ، تترك للنظرة الدينية الثانية الراسخة في نفوسناتحديد القيم لما يخلد ويدوم ، والخلط بين هذين المجالين هو الذي يؤدي إلي سوء التفاهم (38) فالإنسان مطالب أن يفهم بعقله أمور دينه ، وإن كان يعسر عليه في بعض الأحيان أن يكشف عن كل أسراره ، إلا أن الدين منزل للإنسان العاقل والمكلف به العاقل ، فلابد أن يستفيد بعقله في فهم دينه .

ولأهمية العقل في مجال الدين يبدي د / زكي إعجابه بإحدي الفرق الإسلامية في علوم الدين وهي فرقة المعتزلة ، لأنها فرقة جعلت العقل مقياسا في حكمها على الأمور ، ولذا يري إمكان تمثل منهاجها والاستفادة منهم في حياتنا المعاصرة ، فيقول : ” إن أهم جماعة يمكن لعصرنا أن يرثها في وجهة نظرها – بغض النظر عن الموضوعات – أن يرثها في طريقها ومنهاجها عند النظر في الأمور ، هي جماعة المعتزلة التي جعلت من العقل مبدأها الأساسي كلما أشكل أمر ”  (39) .

إلا أنه لا يطلق لأداة العقل أن تتدخل في كل جزيئات الدين ، محاولة إثباته أو تأويله ، بل يري ضرورة أن يكون للعقل حدود يقف عندها في بعض جزيئات الدين ، فإذا كنا مطالبين بالتعقل في أمور الدين ، إلا أن هناك أموراً يصعب علينا إقحام العقل فيها ، لذا فهو يضيف إلي منهج المعتزلة في ضرورة إستخدام العقل في مجال الدين ، منهجا أخر هو منهج الأشاعرة ” فمن المعتزلة نأخذ طريقتهم العقلية ، ومن الأشاعرة نأخذ الوقوف بالعقل عند أخر حد نستطيع بلوغه (40) .

وينتهي د / ذكي من ذلك إلي اعتبار العقل أحد المصادر الإسلامية إلي جانب القرأن والسنة ، وبالتالي كان من أهمل عقله كأنه أهمل أحد مصادر دينه ، ومن هنا صار العقل ، أي إعمال العقل فريضة إسلامية يدعو إليها الدين ، وهو ما سبق أن قال به العقاد من قبل عندما أعتبر أن إصلاح الفرد يكون باعتبار التفكير فريضة إسلامية ، ومن أجل تحقيق هذا الغرض وضع كتابا يحمل نفس الفكرة عنوانا له قال فيه : إن للقرأن مزية واضحة هي التنويه بالعقل والتعويل عليه في أمر العقيدة وأمر التبعة والتكليف (41) .

ويشرح د / زكي ما المقصود بالعقل الذي أو كل الدين له القدرة على أن يحل للإنسان كل ما يلاقيه في حياته المستقبلية من أمور لم يرد في الشريعة نص بها ، فالعقل المقصود هنا هو العلم ” فكل مشكلة هامة تعترض حياتنا هي بمثابة موضع يختص به علم معين أو مجموعة علوم ، وما دام الأمر في تدبير الحياة قد أحيل في الإسلام إلي عقل الإنسان وعمله ، ففيم تكون الرسالات الدينية بعد ذلك ، أنها رؤية إسلامية تنظر إلي الإسلام من ناحية إقراره لعقل الإنسان ، وأحكام ذلك العقل في استدلالته ، إذا ما التزم فيها منهج العلم ” (42) ومن هنا ننتقل إلي المنطقة التالية التي تتناول فيها علاقة الدين بالفلسفة من جهة والعلم من جهة أخري .

خامساً : علاقة الفلسفة بالدين :

يشير د / زكي إلي كون الفلسفة أقرب إلي طبيعة العلم منها إلي طبيعة الدين ، وهذا طبيعي عنده طالما أنه أعتبر الفلسفة الوحيدة المقبولة عنده هي فلسفة العلم أو الفلسفة التي تخدم مجال العلم .

وهذا التصور لوظيفة الفلسفة هي ما أدت به أن يهاجم أحد ميادين الفلسفة التقليدية وهو ميدان ” الميتافيزيقا ” وخرج البعض ناقما وناقدا له على اعتبار أن الميتافيزيقا قريبة من الدين ، لأنها بحث فيما وراء الطبيعة ، أي بحث في الغيب ، وأن الدين يبحث أيضاً في الغيب ، فقد سبق لارسطو أن رأي أن موضوع الميتافيزيقا هو دراسة العلل أي دراسة الإله عند المتدينين ، فمن هنا كان المتصور عند من نقد د / زكي أنه بإنكاره للميتافيزيقا كأنه أنكر ضرباً من ضروب الدين (43) ، فأخذ د / زكي في توضيح هذه المسألة من خلال نقطتين :

الأولي : أن الفلسفة عنده علم لأنها تحليلات عقلية تنصب على ما تريد أن تعرفه ، ولذلك فهي في ضرورة لغيرها إنما تلاحق العلم في ضرورة تغيره عصرا بعد عصر (44) .

الثانية : أن الدين ليس ميتافيزيقا وقد خلط البعض بعد ظهور كتاب ( خرافة الميتافيزيقا ) بين الفلسفة والدين ، فتصوروا أنه عندما نعتها باسم الخرافة ، فالمقصود منها الدين ، في حين أنهما موضوعان مستقلان تماماً (45) .

فالميتافيزيقا تطلق على أي بحث عقلي يريد به صاحبه أن يتعقب موضوعا ما إلي أن يصل إلي ينابيعه الخافية على العين ، أي أنه يضع لنفسه في بداية طريقه ( مبدأ ) معينا ينطلق منه معتقدا في صواب ذلك المبدأ ، وليس لديه سند يرتكز عليه في ذلك الاعتقاد ، أما العقيدة فأمرها مختلف كل الاختلاف ، لأن صاحب الرسالة يقول للناس : إني أقدم رسالة أوحي بها إلي من عند ربي لأبلغها ، ولا يكون مدار التسليم بالرسالة برهانا عقليا ، بل يكون مدار التسليم هو تصديق صاحب الرسالة فيما يرويه وحيا من ربه ، أي أن مدار التسليم هو الإيمان (46) .

ومن أجل تقرير هذا الاختلاف بين الفلسفة والميتافيزيقا من جهة ، والدين من جهة أخري ، يعقد د / زكي مقارنة بين الفلسفة والدين ليبين أوجه الاختلافات بينهما ، وهو يحصرها في النقاط التالية :

  • أن البناءات الفلسفية القائمة على مبادئ ميتافيزيقية تتعدد بتعدد أصحابها ، أما في حالة الدين فالأمر مختلف ، لأن البناء الديني قائم على وحي منزل ” وليس من حق أحد أخر أن يبني ديناً على شئ أخر من عنده هو ، اللهم إلا إذا كان خارجا على هذا الدين ، فالبناءات الفلسفية تتعدد بتعدد أصحابها ، ويظل البناء الديني واحدا لوحدانية الموحي به ، والموحي إليه .
  • اختلاف المصدر بينهما : فمصدر الدين وحي يوحي إلي نبي أو رسول ، أما الفلسفة فهي قائمة على رؤي يحدس بها إنسان من البشر ، قد تكون صادقة ونافعة ، أو باطلة لا تنفع .

ج- اختلاف التلقي : فالمتلقي لدعوة دينية ما ، إما أن يصدق الدعوة أو لا يصدقها ، فيكون إما مؤمنا بالرسالة ، أو غير مؤمن ، أما في الفلسفة فالقبول أو الرفض أو التعديل مرهون بمراجعة الاستدلالات المنطقية التي ينتقل بها الفبلسوف من جزء إلي جزء أخر ، وهو مرهون كذلك بقدرته على ما يقدم من تفسيرات للكون والكائنات .

د- اختلاف الوظيفة : يقدم الدين للإنسان خطة حياة في هذه الدنيا ، وتمهيداً للحياة الأخرة ، وتلك الخطة إذا ما ارست قواعدها في حياة الناس فهي تصبح ركيزة إيجابية ، بالإضافة إلي المقومات الأخري عند الناس من فنون وعلوم وأداب وأعراف وتقاليد ، أما الفلسفة فهي مختلفة عن ذلك كل الاختلاف ، لأنها تبدأ فعلها بعد أن يكون المجتمع قد أقام مقوماته السابقة ليحيا في إطارها ، فالفلسفة تصب فاعليتها بعد وجود الظاهرة وليست قبلها فكان الفرق بين الإنسان في المجالين أنه بأحدهما يحيا حياة الدين ، وبالأخري يتناول الظاهرة بالدراسة (47) .

سادساً : علاقة العلم بالدين :

إذا كان للدين مكانة هامة في حياة المسلم ، فيجب عليه أن يلتزم بما يدعو إليه الدين ، فالدين يدعو إلي المعرفة والتعليم ، ويدعو بداية إلي أن يكون إيمان الإنسان بربه إيماناً عن طريق المعرفة ، وبالنظر في مخلوقات الكون ، أي أننا بعلمنا للكون يكون علمنا بالله ، وهذا المنهج العقلي لإثبات وجود الله تعالي ، هو منهج دعا إليه القرأن عندما دعانا إلي النظر في الأرض والسموات وملاحظة ظواهر الطبيعة ، وهذا هو البرهان الواضح للتدليل على وجود الله ، لكي يؤمن به البشر جميعاً .

فالعلم جزء من الدين الإسلامي ، ودعوة من الدين نفسه إلي المؤمنين به ، وهذا ما يشير إليه د / زكي بقوله ” فلما جاء الإسلام أخر الديانات التي نزلت على نبي ورسول جعل العلم جزءاً من الدين ، فجزء من دين الإسلام لا يتجزأ أن يكون المؤمن ذا علم بما حوله من ظواهر الكون ، ومثل هذا العلم الذي يستهدف عبادة الله سبحانه وتعالي بمعرفة خلقه معرفة تمكن صاحبها من الإلمام بقدر المستطاع بمعجزات هذا الخلق (48) .

وإذا كانت دعوة الدين هي إلي العلم ، إلا أن لكل منهما مجاله الخاص وأداته الخاصة ، فالدين جزء يدخل ضمن ثقافة أي شعب ، أما العلم فهو عالمي ، لا يرتبط بجنسية معينة ، والدين أداته القلب ، فيدخل ضمن الجانب الوجداني من الإنسان ، وفي هذا يقول د / زكي إن ” سائر المرايا الشقافية من فن وأدب مدارها أخر الأمر هو الجانب الوجداني . . .فإن الجانب الوجداني في حياتنا قد اغناه الدين بما يكفيه ” (49) أما العلم فأداته العقل .

فإذا كنا قد فرقنا بين مجال الدين ومجال العقل ، في بعض جزئياته ، فإن الدين أيضا إذا كان قائما على العلم ، فهو يفترق عنه أيضا في بعض جزئياته ، وإذا أردنا علاقة بينهما كان علينا أن ” نجعل الدين موكولا إلي الإيمان ونجعل العلم موكولا إلي العقل دون أن نحاول امتداد أي الطرفين ليتدخل في شئون الاخر ” (50) إلا أنهما معا يجتمعان في الإنسان الواحد ، فهما جانبان معبران عنه ، لأن الإنسان هو عقل ووجدان ، علم ودين .

وإذا كان بينهما اختلاف ، إلا أنهما معا أعطيا الإنسان سعادته ، لأنهما معا يحققان للإنسان اكتماله ، فالإنسان كائن يعيش على دعامتين : العقل والوجدان ، ولا يستطيع أن يستغني بإحدهما عن الأخر ، إلا أن الناس قد افترقوا بينهما إلي طرفين ، وتطرف كل طرف منهما منحازاً

إلي رأيه ، فأحدهما يقول : إن الدين هو الأساس ، وأن أراء السلف هي الواجب اتباعها وتشبثوا في ذلك بالأصالة والتراث ، أما الطرف الأخر ، فقال : إن العلم هو الأساس ، وإن الحضارة الغربية هي الوجب اتباعها وتشبثوا في ذلك بالمعاصرة .

ويرفض د / زكي تطرف كل اتجاه منهما ، لأنه ليس بالمعاصرة وحدها يعيش الإنسان كما أنه ليس بالدين والسلف وحده يحيا الإنسان ، فوجه نقده إلي كل طائفة منهما مفضلا الصيغة التي تجمع بين الأصالة و المعاصرة ، بين الدين والعلم .

  • الدين وحده لا يكفي :

ينتقد د / زكي الاتجاه الذي يقصر حياة الإنسان وتقدمه على الدين وحده ، ويري أن هذه الدعوة منافية لروح الدين نفسه القائم على العقل ، الداعي إلي العلم ، وقد تبني هذا الرأي جماعة يسميهم بالسلفية ، وليس المقصود بالسلفية هنا مذهبا معيناً فقط ، وإنما هو يطلقها على كل من يعيش في حياته المعاصرة وهو ينظر إلي الوراء ، فيري الحق هو ما قاله الأسلاف في العلم والفكر ” فهم يتحدثون عن ضرورة البقاء مع السلف في حياة واحدة مسقطين من الحساب فعل الزمن ” (51) .

ويصف د / ذكي الإنسان في مثل هذه الدعوة بصورة ( دون كيخوته ) الذي قرأ كتب السلف عن حياة الفرسان وحفظ ما قد قرأ ، ولم يفد منه شيئاً ، ولم يضيف إليه شيئاً ، ثم رسم حياته على نموذجه (52) وكأن هذا الإنسان منفصلا تماما عن حياة عصره ، وإذا كانت حياة عصرنا تشملها روح العلم ، فجاء هولاء السلف كارهين للعلم والحضارة الغربية .

وتتمثل كراهية هؤلاء السلفيين للحضارة والعلم في صيحات تدعو إلي حياة دينية تنفصل عن الواقع في حديثهم عما اسموه ( بالغزو الثقافي ) ، وفي حين أنهم يقولون بالسلفية ويعيشون بالمعاصرة ، ويصف د / زكي هذا النمط من الناس بأنه يعيش حياة مزدوجة فيحيون أمام الناس وكأنهم مدثرون بدثار السلف ، ثم لا يفوتهم في الخفاء أن ينعموا بطيبات العصر وحضارته (53) .

وهؤلاء السلفيون الذين ينكرون الحضارة المعاصرة ، وينكرون علومها معتقدين أنهم بهذا الإنكار يخدمون الدين ، لأننا ” ندين بدين يكرر لنا الحض على قراءة خلق الله ، من زرع وحيوان ونجوم ومطر ونبات . إلي أخر الظواهر الطبيعية التي ساقتها أيات الكتاب الكريم (54) .

ويشير د / زكي إلي خطورة هذه الدعوة على مستقبل الإسلام والأمة العربية لأننا إذا نشرنا ” التشكك في حضارة العلم والصناعة التي هي حضارة هذا العصر ، فكأننا أشعنا دعوة إلي الجمود ، بل دعوة إلي العودة إلي وراء ، حيث لا علوم ولا صناعة ولا أجهزة ولا الات ، فإذا كانت حضارة الغرب قد بدت وسائل بغير أهداف ، فحياتنا هي أهداف بلا وسائل وقد كان الأمل إذا ما قويت أعوادنا علما وصناعة ازددنا اقترابا من حياة القوة عند المسلمين الأوائل ، فتتكامل لنا الحياة كما تكاملت لهم وسيلة وهدفها ” (55) .

فقد استطاع المسلمون الأوائل أن يقيموا الحضارة لأنهم كان لهم بدينهم أهدافاً لم تمنعهم من الاطلاع على مصادر العلم ومعرفتهه وتقاليده ، ثم الإضافة عليه ، فأخذوا العلم عن اليونان والهنود ، وحاولوا أن يقربوا بين العلم والدين ، أو ما عرف عندهم بصيغة التوفيق بين الفلسفة والدين ، وبهذا التوفيق قدموا حضارتهم المزدهرة ، فما تغير الأن إلا الأسماء فقط ، فتغيرت الفلسفة إلي علم ، وتغيرت فلسفة اليونان إلي العلم العربي ، ولكي تقوم للمسلمين حضارة جديدة يجب عليهم أن ينتهجوا نفس الوسائل التي جري عليها المسلمون الأوائل ، يأخذ التقدم العلمي من الأخرين .

  • العلم وحده لا يكفي :

هذا القول لم نسمعه من الدكتور زكي إلا في كتاباته الأخيرة ، أما في كتاباته السابقة التي بدأ بها مرحلته الفكرية منذ الأربعينيات حتي بداية الستينيات ، كان يري أن العلم وحده يكفي ، ومنذ أول الستينيات بدأ يدخل الوجدان ، وظهر في كتابه ( الشرق الفنان ) مساحة للوجدان في بناء الحضارة ، وأخذت مساحة الوجدان الذي يشغل الدين جزءاً كبيراً منه تتسع حتي أصبحت دعامة رئيسية بجانب دعامة العلم الرئيسية في تشكيل الحضارة .

وأخذ إن التغيير يبرز بصورة أكبر في كل مؤلف بعد كتابه ( الشرق الفنان ) حتي إن هذا الملمح قد غير من صورة د / زكي الفكرية عند الكثيرين مما دعا البعض أن يسأله قائلين ” ألا تري أن موقفك قد طرأ عليه في الفترة الأخيرة تغير حاد ، فبعد أن كنت تدعو في إصرار إلي منطق العقل وما يتبعه من حقائق ، ثم ما يترتب على العلم من صناعة ، أخذت تعلي من نبرة القلب ، وما ينبع منه على طريق العقائد والمشاعر ؟ ” (56) .

ويجيب د / زكي عن هذا السؤال معترفاً بهذا التطور قائلاً : ” اعترف هنا بأنني قد سرت الطريق على مرحلتين ، كان لي في المرحلة الأولي تصور معين ادخلت على ذلك التصور تعديلا في المرحلة الثانية ، وليس في هذا التحول ما يعيب أحداً ، إلا من تشبث برأيه حتي ولو ظهر بطلانه ، فأما المرحلة الأولي من حياتي الفكرية ، فكنت فيها لا أجد بديلا لصورة الحضارة الغربية كما هي في عصرنا ، لأنها هي حضارة القوة والعلم والإبداع والمغامرة وتحقيق السيادة على الطبيعة ، لكنني عدت بعد تلك المرحلة الأولي ، فرأيت أنها وإن تكن ضرورية ضرورة الحتم ، إلا أنها ليست وحدها كافية ، إذ لابد أن تضيف إليها كل أمة ما يميزها من سمات ثقافية (57) .

ولا يخفي د / زكي هذا التغير بل يعلنه صراحة ، ويري أنه كان مثله مثل أكثر مثقفي عصره الذين رأوا في الغرب المثال الأعلي للتقدم ، معتقدين أن ” من علامات القوة والصحة أن نضع أنفسنا مع العصر في مركب سيره لأنه عصرنا ، ولكنها كانت علامات ضعف ومرض ومرض أن ننسي أننا إنما كنا ننقل إلي أنفسنا غذاء يزيد من شعورنا بهويتنا الأصلية هو غذاء لابد منه لا نستغني عن شئ منه ، إلا إذا أردنا لأنفسنا انتحارا حضاريا ، ولقد كنت لفترة طويلة واحدا من أولئك الذين ضلوا سبيل الحق في هذا الصدد ، فبالغت كما بالغوا حتي أراد الله لي رؤية أخري (58) ، إذن فالعلم وحده يرفضه د / زكي مبدأ وحيداً زيري أنه لابد من جمع بين العلم والدين .

فلا يصح فيما يري د / زكي أن نكتفي بأحدهما عن الأخر ، فهما معا مكملان أحدهما عن الأخر ، وهما معا صانعي الحضارة المتكاملة فلا تعارض بين الدين والعلم ، ولا يصح أن نكتفي بديننا وإسلامنا عن معرفة علوم الغرب ، ولذا فهو يبين الأكذوبة القائلة بأن ” إسلامنا يكفينا ويغنينا عن الغرب بكل ما فيه ” ويرد عليه بقوله : إن أكذوبة الأكاذيب . . في المرحلة الثقافية التي نعيشها هي ذلك الباطل الذي شاع وذاع حتي ملأ القلوب والاسماع ، بأنه إما الإسلام وإما هذا العصر بعلومه وفنونه (59) .

ولكن كيف تحق هذا الدعوة والأكذوبة ، إذا كان الإسلام لا يدعو إلي التخلف الحضاري ؟ أو يدعو إلي مقاطعة العلوم الطبيعية ؟ بل إن الإسلام نفسه يقيم دعائم الإيمان بالله على معرفة الكون ومن الذي وسوس لنا بأن الحياة الروحية تتحقق بالتلاوة مجردة عن التنفيذ ؟ ” الحياة الروحية في أسمي درجاتها وأكملها هي في تلاوة القرأن الكريم والانطلاق إلي أفاق الدنيا تنفيذا لأوامره (60) ، وهذا ما يؤكد النقطة التي سبق أن عرضنا لها وهي أن الدين ليس مجرد شعائر وعبادات وأقوال بل هو قيم وسلوك وأعمال .

ج- بأيهما نبدأ

الدين والعلم إذن كلاهما دعامتان هامتان للإنسان وللتقدم ، ولكن بأيهما نبدأ ؟ هل نبدأ بالدين ثم نخرج إلي العلم ؟ أو نبدأ بالعلم ثم ننظر في الدين ؟ أو من أيهما يبدأ الإنسان وإلي أيهما ينتهي ؟ أيبدأ من فكرته عن خالقه وخالق الكون معا ؟ بمعني أن يبدأ الإنسان بتوجيه اهتمامه الأول إلي ما ورد في كتابه وعقيدته الدينية ليكون بذلك هو مصدر الضياء الذي على هداه يفهم الكون ويفهم نفسه ؟ أم يأخذ ذلك الكتاب في أول الأمر من ناحية التدين والتعبد مرجئا ناحية المعرفة والفهم حتي يدرس نفسه ، فيدرس الكون معا وعندئذ فقط يكون أقدر ما يكون على معرفة حقيقة خالقه الذي خلقه وخلق الكون جميعاً ؟ (61) .

ويضع د / زكي هذه الأسئلة صيغة أخري فيقول : ” هل يعرف الإنسان ليؤمن أو هو يؤمن ليعرف ؟ ” والناس تفترق في الإجابة عن هذا السؤال إلي اتجاهين :

الأول : يقول لابد أن أعرف ليجئ إيمان على أساس بصير .

والثاني : يقول لابد لي من ايمان أولاً لكي تجئ المعرفة بعد ذلك في حدود الإيمان .

فصاحب وجهة النظر الأولي يقف أمام قوله تعالي : { لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } [ الكهف : أية 109 ] فيقرأ الأية ويحفظها ثم يخرج بما حفظه إلي الكون الفسيح يتأمل ظواهره ، أما الرجل الثاني ، فقد اتيح له أن يدرس دراسة علمية دقيقة لبعض الظواهر ، فيري في كل نقطة من نقاط هذا الكون اللامتناهي كلمة من كلمات ربه تملؤه بالتعظيم والأخلاق ، فكان الثاني عند د / زكي أفضل من الأول ، لأن الرجل الاول خرج إلي الكون وهو يعلم أن الله تعالي خالق قادر عليم ، دون أن يعلم تفصيلة واحدة فوق ذلك ، أما الرجل الثاني بعد ان يزود نفسه بتفصيلات ظاهرة كونية واحدة إذا عاد إلي الاية الكريمة أحس أعماقها (62) .

فإذا كان السائد في حياتنا هو أننا نبدأ بالإيمان ، ونقف عنده ولا نتجاوزه ، فإن الصيغة التي يري د / زكي أنها صيغة صحيحة ، فهي أن نبدأ بالعلم ، ويسميها ” كلمة السر ” وهي ان نعكس الصيغة ، فبعد أن كانت ( إني أؤمن أولاً ثم أفهم ) تصبح ( إني أفهم أولاً ثم أؤمن ) ولو اعتدل لنا الأمر على هذا النحو المستقيم لزالت عن المثقف العربي أزمته ، لأنه كلما أراد أن يفهم الناس فكراً جديداً تقبله الناس بالأذان المصيغة والعقول الواعية والقلوب التي تؤمن بعد ذلك بما تؤمن به عن فهم صحيح (63) .

فهفذا التأجيل ليس نقيا لوجود الدين في حياة الإنسان إلي ما بعد الفهم ، فإن الدين يتعلمه الإنسان منذ الصغر ، وهذا يتم عن طريق أن يتلقي المتدين عقيدته إيماناً منذ طفولته الواعية ، وأن يقيم طرق العبادة ويمارسها ، كل جانب منها في موعده المناسب ، ثم نستخلص له من هذا الدين مقوماته الثقافية (64) .

إلا أن العلاقة بين الدين والعلم واختلاف رؤي المثقفين والعلماء بأيهما نبدأ به ؟ وبأيهما نفسر الأخر ؟ قد أنتج نوعاً جديدا من القضايا التي ساد عصرنا هذا ، ودارت حول بعدي الدين والعلم ، فكان واجبا على د / زكي أن يبحثها ضمن بحثه في العلاقة بين الدين والعلم .

د- قضايا بين العلم والدين :

من القضايا التي نقدها د / زكي في مجاله الفكري ، وارتبطت في أحد أبعادها بالفكر الديني ، القضية التي تدعو إلي ربط العلم بالدين ، بحيث يكون مصدر هذا العلم هو القرأن الكريم ، وانقسمت هذه الدعوة إلي صورتين : الأولي تنادي باستخراج قوانين العلم الطبيعي وحقائقه من القرأن الكريم ، وكانت دعوة هؤلاء جميعا تقول ” إننا نريد علوما إسلامية قوامها مادة إسلامية ، ومنهج البحث فيها هو منهج السلف من المسلمين ” (65) ، وتصدي د / زكي للرد على هؤلاء الزاعمين .

القضية الأولي : نقد أسلمة العلوم

الإنسانية :

ينقد د / زكي دعوة بعض العلماء الذاهبين إلي أسلمة العلوم الإنسانية ، والعلوم الإنسانية التي يقصدوها هي : علم النفس ، علم الاجتماع ، علم الاقتصاد ، وعلم الشريعة ، وبداية يرفض د / زكي هذا التقسيم الذي يضم علوم الشريعة إلي العلوم الإنسانية ، ويري أن هذه الإضافة لا تصح ، وإنما اضافها من أراد أسلمة العلوم الإنسانية لكي يوهم المستمعين بصحة دعوته ، على حين أن علوم الشريعة لا تصح إلا أن تكون إسلامية ، سواء كانت من ناحية الموضوع أو المنهج ، وسواء كان الباحث فيها مسلماً أو غير مسلم ، ولكن الخطورة هنا في إدخال هذا العلم ضمن العلوم الإنسانية لأن هذا يوهم القارئ بمزيد من قوة الدعوة إلي أسلمة العلوم الإنسانية مما قد يصرف العقل العادي عن زاوية صحيحة (66) .

لذا يقصر الدكتور زكي العلوم الإنسانية على علوم ثلاثة هي : علم النفس ، علم الاجتماع ، علم الاقتصاد ، ويلخص فحوي دعواهم بقولهم لماذا نأخذ هذه العلوم الإنسانية التي تدور موضوعاتها حول الإنسان في طرائق حياته من علماء الغرب ، مع أن لنا نحن عن الإنسان وحياته ومبادئه وقيمه ، مصادرنا الدينية والعلمية ، المصادر الدينية هي العقيدة الدينية ، والمصادر العلمية هي الحقائق العلمية التي ورثناها عن اسلافنا ” (67) ، أي أنهم أرادوا بأسلمة العلوم الإنسانية تحقيق هدفين :

أولهما : ألا تكون مراجعنا في البحث العلمي ما كتبه في موضوعات العلوم الإنسانية علماء الغرب ، وأن تكون مراجعنا هي مراجعنا نحن عند أسلافنا ، كالغزالي وابن تيميه وابن القيم وابن حزم وابن خلدون ، وهذا اتجاه خاطئ – فيما يري د / زكي – وينتقده كما سنوضحه فيما بعد .

والثاني : أن تصب أبحاثنا العلمية على واقع حياتنا نحن ، حتي لا تؤخذ علومنا من واقع الحياة عند الأخرين ، ويري د / زكي أن ذلك أمر مفروض مقدما ، وهي مسألة بديهية لا تحتاج إلي أسلمة .

ويرفض د / زكي هذه الدعوة إلي أسلمة العلوم الإنسانية ، ويبدأ بنقد وجود علم نفس إسلامي :

  • يؤكد أولاً أن هذه الدعوي مصادرة على المطلوب ، وفيها خطأ منطقي وتنطوي على تناقص يرفضه العقل ويتنافي مع خصائص الفكرة العلمية ، لأنها تشترط على الباحثين أن يقروا نتيجة معينة قبل أن يسيروا في بحوثهم خطوة خطوة ، وهو أن تأتي نتائج أبحاثهم متفقة مع العقيدة الإسلامية ، في حين أن ” علم النفس كما هو معروف لدراسيه لا يتفق مع إطار الحضارة الإسلامية ، بل قد يتعارض أحيانا مع تعاليم الدين الإسلامي (68) ، وهذا عن السبب الأول .
  • أما السبب الثاني الذي يعتمده د / زكي لرفض هذه الدعوة ، أن فيها ميلا عاطفياً يدفع الإنسان إلي عدم الالتزام بالموضوعية ، وبالتالي لا تخرج لنا نتيجة موضوعية ، وأن مثل هذه الوقفة العاطفية هي نفس الوقفة التي حاربها من قبل نفر عظيم من أئمة المفكرين أسلافنا حين هوجمت ثقافة الغرباء ، فتصدوا للدفاع عنها ، وعن ضرورتها للعقل السليم .
  • أما السبب الثالث ، فهو أن في هذه الدعوة نوعاً من التعصب ، وهذا النوع من التعصب لا يرينا من الموقف إلا ما نتمني أن نراه ، والحق أننا علينا أن نذكر الحقيقة في مجال العلم .
  • أن في هذه الدعوة خطورة في ان يتحول العلماء إلي تلاميذ ، يكرسوا كل مجهودهم لقراءة كتب الأسلاف ، بدلا من الأطلاع على أحدث ما وصل إليه الغرب في مجال هذه العلوم ، على حين أننا نريد علماء باحثين يضيفون إلي العلم جديدا ، ويجدون لمشكلات الحياة حلولا لم يسبق إليها أحد ، فلا تدور أبحاثنا حينئذ حول ما كتبه ابن تيمية أو ابن القيم ، لأن مثل هذه الدرسات لا تقدم جديدا ، بل هي أحد عوامل التخلف العلمي ، لأن التخلف العلمي ليس إلا أن تدور الحركة العلمية حول كتب الاقدمين تقرأ وتشرح وتلخص ، فيصبح من أجاز هذه الأشياء عالما ، ولكنه عالم بما في كتب الأقدمين ، وليس عالما بحقائق الواقع الجديد في ميدان علمه (70) .
  • أن المنهج الواجب استخدامه في العلوم الإنسانية هو المنهج التجريبي الذي يفحص العينات المختارة في حدود الموضوع المطروح ، ثم يحاول حساب النتائج بعملية احصائية رياضية ، وهذا المنهج هو منهج واحد عند الجميع باختلاف عقائد أصحابه الدينية ، وبغض النظر عن المادة التي يبحثها ، فلا يتدخل فيه الإنسان بميوله ، وعقائده (71) .
  • أن طبيعة هذه العلوم متجددة ، لأن مشكلات الحياة الإنسانية تتجدد عصراً بعد عصر ، وبالتالي لا نستطيع أن نقف عند مشكلات المسلم القديم ولا نبحث مشكلات المسلم المعاصر أو الإنسان المعاصر بوجه عام ، لأن كل عالم من علماء الإسلام القدامي ، قد بحث فيما واجهه من مشكلات غير ما يلقاه الباحث العلمي الأن ، فهناك موضوعات أخري قد استحدثت ، فلو تبينت طبيعة العلم على حقيقتها لأصحاب الدعوة إلي ( الأسلمة ) لسلموا هم ، وسلمت معهم علوم الإنسان (72) .
  • أن النتيجة التي نصل إليها في هذه العلوم ، تعد فكرة علمية تجردت عن الميل والهوي ، وكانت موضوعية لأنها وضعت على أيدي المختصين ، ولأنها متصلة بموضوع خارج حدود الذات ، ولأنها عامة ، ومن هنا لا يجوز أن تتجنس بجنسية من كشف عنها ، لأنها قد باتت ملكا للجميع ، كما أنها صيغت صياغة دقيقة تضمن لها أن تفهم ولو عرضت بعد الأف السنين ، وكان لها القدرة على التنبؤ بالحدث قبل وقوعه ، وبالتالي فهي نتيجة علمية لأنها التزمت بالمنهج العلمي بصرف النظر عن مادتها .
  • أما السبب الأخير ، فهو أن العلوم الإسلامية هي علوم ، وليست إسلامية من حيث أن الإسلام دين ، والعلوم الإسلامية ليست إسلاما بل هي علوم ، وهناك فرق بين الحالتين ، فالإسلام دين يقع منا موقع الإيمان ، فليس ثمة مجال للتصويب والتخطي فيه ، وليس ثمة موضع للنقد أو لتعدد الأراء ، فالمسلمون في حدود الصيغ الإيمانية وأمام العقائد الدينية سواء ، أما خارج الإيمان وداخل ميادين العلم ، فلهم أراء متعددة (73) .

وينهي د / زكي هذه القضية مؤكدا على اختلاف العلم عن الدين ، لأن العلم نوع قائم بذاته ، تميز بالعمومية التي لا تفرق بين وطن ووطن ، ولابين دين ودين ، أي أنه يختلف عن الخصوصية التي تعرف بها الثقافة حين يكون لكل شعب ثقافته الخاصة (74) ، وأيضا العلم الذي لابد أن يكون عالميا .

القضية الثانية نقد استخراج الحقائق

العلمية من القرأن

أما الشق الثاني الذي يوجه إليه د / زكي نقده في مجال العلم ، هو الاتجاه القائل بأن في القرأن الكريم من الحقائق العلمية ما يتطابق مع أحدث ما وصلت غليه تلك العلوم الطبيعية من نتائج (75) مثال ذلك : أن يعرض أحد العلماء على الناس حقيقة علمية عن النبات أو الحيوان أو غيرها من خلق الله سبحانه وتعالي ، وبعد أن يبين كم تنطوي تلك الحقيقة العلمية عل مذهلات ، يستدل من ذلك على ما ليس له حق الاستدلالة عنه كأن يستدل بذلك على شئ يتصل بالإيمان الديني ، لأن في ذلك خلط يضر أكثر مما ينفع (76) .

ويبين د / زكي خطورة هذه الدعوة التي تؤدي إلي انحراف خطير عن النظرة العلمية الصحيحة ، وأن هذه الدعوة إذا سمعها الجمهور وطلاب العلم من كبار العلماء المتخصصين كان لها أكبر الأثر في فساد العلم ، وربما أدي إلي انحراف الفكر السليم عن المنهج ويعتمد د / زكي في تفنيد هذه القضية على نقطتين :

الأولي : أن القرأن الكريم إنما هو كتاب نزل ليوضح عقيدة وشريعة ، قد يكون فيه بعض الإشارات إلي حقائق علمية ، إلا أن ورودها لم يكن بقصد أن تكون علمية ، وإنما وردت لتخدم القصد المتفق مع سياق ورودها (77) .

الثانية : أن العلم بحكم طبيعته يصحح نفسه بنفسه والحقائق فيه متغيرة ، فربما وصل العلماء إلي حقيقة ما ، فتظل هذه الحقيقة صحيحة وثابتة حتي يأتي علماء أخرون باكتشاف أكثر اتساعا وشمولا ليغيروا ، أو يضيفوا إلي الحقيقة السابقة ، وهكذا تظل الوقائع تتكشف لنا ، ونظل نلاحقها بتغير القوانين العلمية ، فإذا ارتبط العلم بالعقيدة ، فمن ذا الذي يرضي لعقيدته الدينية أن توضع في هذا المنظور المتغير مع تعاقب العصور (78) ، مبادئ الدين الثابتة عند المؤمنين بذلك الدين ، لأنها في أخر المطاف معايير يقاس بها السلوك ليجزي خيراً بخير ، وشراً بشر ، فلابد للمعيار أن تحتفظ بمعني واحد ، إلا فقد معياريته (79) أما العلم فيتغير دائما طالما هناك اكتشافات جديدة .

فالعلم متغير مع تقدمه في تعاقب العصور ، لأن عصراً لا حقاً يصحح أخطاء العلم في عصر سابق ، وليس ذلك لذبذبة في طبائع الأشياء ، ولكنها قدرة الإنسان المحدودة هي التي تجعله يعلم جانبا من الظاهرة المعينة ويغيب عنه جانب ، فتجئ معرفته العلمية منقوصة يكملها خلفاؤه العلماء (80) .

ولذا يري د / زكي أن هذه الدعوة في استخراج الحقائق العلمية من القرأن الكريم ، الذي هو دين منزل ثابت ستؤدي إلي أحد أمرين : إما أن يثبت العلم الطبيعي وهذا محال ، أو أن يتغير الدين الثابت بتطور العلم وهذا محال أيضاً ، لأن ” الجانب الإيماني نظل قوته حتي لو بطلت الحقيقة العلمية التي تقدم ليكون سندا له ” ، ولذا يجب علينا احترام الحقائق التي لا سبيل إلي نكرانها حتي إذا وجدناها كأنما هي تتعارض مع نصوص العقيدة في ظاهرها ، ووجب النظر في تأويل تلك النصوص تأويلا يقبله العقل ، وتقبله اللغة العربية في الوقت نفسه ، لأننا لو تركنا الفجوة قائمة بين نصوص العقيدة من ناحية ، والحقائق التي تثبتها العلوم من ناحية أخري ، فتحنا بذلك الباب واسعا أمام ذوي النفوس الضعيفة أن يشكوا في نصوص العقيدة ، إذ يتعذر على العقل البشري كما فطره الله سبحانه ، أن يجد حقيقة تثبت بالعلم الأكيد ثم يتنكر لها (81) .

ومن هنا يؤكد د / زكي على استقلال مجال العلم عن مجال الدين ، فهما مستقلان من حيث الموضوع ، ومن حيث المنهج ، وإن كان كلاهما يشتركان في أنهما يفصحان عن الإنسان ، وأن التقاءهما معا في الإنسان الواحد يحقق اكتماله ، ولذا يمكن للدين والعلم أن يجتمعا معا ، لخير الإنسان ، فللمسلم كتابان ، كتاب القرأن الكريم ، وكتاب الكون العظيم ، فمن القرأن يستمد المسلم المبادئ والقواعد التي يقيم حياته السلوكية على أساسها ، ومن الكون يستمد المسلم وغيره قوانين العلم ، وكلا الكتابين مقروء للناس بمقادير ودرجات ، ولكل كتاب عالم مختص به ، ولغة خاصة وقانون ومنهج خاص ، فيجب على العالم في كل مجال أن يقصر بحثه على مجال علمه فلا يتجاوزه فيما لا يفهمه ، ولا يقدر حدوده ، وأن كان يمكن العالم الطبيعة بعد أن ينتهي من معرفة الكون من الإيمان أكثر برب الكون ، فيكون إيمانه حينئذ نورا على نور (82) ، ويكون قد جمع بين العلم والإيمان .

وبهذا التصور يمكن للعلماء – فيما يذهب د / زكي – إقامة علم إسلامي فالمسلمون قد عبدوا الله من ناحية دراستهم لخلق الله ، فالإضافة إلي عبادته سبحانه وتعالي من ناحية الأركان الخمسة (83) ، فالعلم يمكن أن يكون إسلاميا ، عن طريق الوقفة العامة التي يقفها المسلم من الكون ، فيرتب العلوم الجزئية في وحدة تضمها على نحو ما تحقيق للمسلم نوعا من التوحيد بين عناصره الداخلية وبين العلم الجزيئة المتكررة ، ويكون هذا التوحيد بهدفه الحقيقي في خضم الحياة الواقعية .

ويضرب د / زكي مثالا بذلك من أسلافنا القدماء في وقفتهم من العلم ، فلم يكن الدين وسيلتهم للتجمد ، بل كان دافعا لهم في العلم والمعرفة ، ونحن الأن في أمس الحاجة إلي هذه الوقفة الداعية إلي العلم ، عندما كان علماؤنا علماء مسلمين ، وليس علماء ومسلمين فالعلم بجانب الدين ليس شيئاً منفصلا عنه ، وعندئذ كانت العبادة ذات وجهين وجه نحو الأركان الخمسة ، ووجه نحو النظر والتفكر في السموات والأرض وما بينهما على نحو ما أمر القرأن الكريم ، فإذا اتجه المسلمون بإيمان راسخ وعميق نحو دراسة العلوم ، لا من حيث هي مذكرات تحفظ ، بل من حيث هي عبادة لتميزوا في هذا المجال بالقياس إلي علماء الغرب (84) .

فالعلم يستفيد من الدين ، والدين أيضاً يستفيد من العلم ، لأن العلم يزيد المؤمن إيمانا على إيمانه ، وهكذا يزداد الإيمان إيمانية عن طريق العلم ، والعكس صحيح أيضاً ، وهو أن العلم يزداد علمية عن طريق الإيمان الديني ، لأن هذا الإيمان يفيد الإنسان قيما وسلوكا قويما .

ويحدد د/ زكي قيما يستطيع الإنسان العالم أن يستفيدها من الدين ، مثل قيمة أفضلية العلم علي الجهل ، فلا يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون ، فهي قيمة علمية تحفز العالم علة المضي في علمه مهما لقي في سبيله من مشقة ، وقيمة الأمانة في الحق ، فيوجب الدين على الإنسان عامة ، وعلى العالم بوجه خاص أن يكون أمينا على الحق صادقا في إعلانه ، ” فإذا كان من المرجح أن يتصدي لعلمك جاهلون ، فعليك بالصبر ، والصبر في ذاته قيمة أخري من وعاء الدين ” (85) .

ويضيف الدكتور زكي نجيب محمود ، إلي هذه القيم الدينية ، قيما أخري ، يستفيدها العالم من الإسلام ، وهي أن الفكرة الجوهرية في الإسلام ، هي فكرة التوحيد ، يستطيع العالم أن يطبقها على نظرته للعلوم كلها ، وعلى نظرته للإنسان وبهذه العقيدة يتحقق له التوافق ، والإحساس بوحدانية الكون على اختلاف أجزائه ، وبهذه النظرة القائمة على الوحدانية والتوحيد ” تتحقق أسلمة العلوم بمعناها الصحيح ، فليست ( إسلامية ) العلم المعين ، أو العلم المجتمعة ، هي أن يبحث كل علم معين عن مصادره في القرأن الكريم ، أو في الأحاديث النبوية ، بل إن إسلامية العلم هي البحث عما يوحد قوانينه ومبادئه في أصل وحد ، وإذا انكشف لنا موضع التوحد ، أو مواضع التوحد ، التي تندرج بها من الفرد الواحد أولا ، ثم العلم الواحد إلي أن تنتهي إلي توحد مجموعات العلوم في أساس واحد ، جاءت عقيدتنا في التوحيد عميقة وقوية (86) .

وبهذا التصور ، يضع زكي نجيب تصوراً لما تمكن أن نسميه علما إسلامياً ، لأنه علم قد استفاد من الدين الإسلامي قيمه ، فجاء علماً يخدم الإنسان لا يدمره ، علما يمهد للإنسان طرقا جديدة للنظر في الكون والمخلوقات ، ليحقق بهذا دعوة الإسلام إلي التفكير ، والنظر في ملكوت الله تعالي ، وبهذا يستطيع أن يخدم العلم وبهذا يكون العلم إنسانيا وفي نفس الوقت إسلاميا .

سابعاً : الدين والعلم والحضارة التامة

يجمع الدكتور زكي نجيب محمود بين الدين والعلم معا كطرفين متلازمين لصنع الحضارة التامة فإذا استطاع الإنسان العربي المسلم المعاصر أن يجمع بينهما حقق الحضارة الكاملة وصار إنساناً كاملا ، لأنه حقق العلم والدين ، وجمع بين العقل والقلب ، بين المادة والروح بين الدنيا والأخرة .

ويعيب زكي نجيب محمود على كل من حاول أن يقسم الطبيعة البشرية إلي طائفتين : إما رجل علم ، أو رجل دين ، وقد تبني هذا الرأي العديد من القدماء والمحدثين ، يذكر منهما أثنين على سبيل المثال ، أحدهما عربي من القدماء وهو ” أبو العلاء المعري ” ، والأخر غربي من المعاصرين وهو المؤرخ البريطاني ” ارنولد توينبي ” ، حيث ذهبا إلي أن ” الناس رجلان ، إما رجل يحتكم إلي عقله ، أو  أخر يحتكم إلي دينه ” (87) ، وقد سري هذا التقسيم عند أكثر الناس ، على الرغم أن هذا التقسيم – فيما يري الدكتور زكي أنه ” أكذوبة الأكاذيب في هذه المرحلة التي نعيشها ، وأن المسلمين قد انقسموا إما إلي الأخذ بالإسلام وحده فقط ، وإما أخذ هذا العصر بعلومه وفنونه ، مرددين في ذلك أن على المسلم لو أراد إسلاما صحيحا أن يترك العصر بما فيه ، ويرفض الدكتور زكي هذا الزعم مبينا أمرين :

أولهما : أن المسلم الحق يستحيل عليه ألا يصل إلي أخص خصائص هذا العصر عن طريق إسلامه .

والأمر الثاني : أننا لن نجد خاصية واحدة من الخواص التي على دعائمها قام هذا العصر بحضارته الجديدة ، إلا وأننا واجدون كذلك بأنها خاصية حضنا عليها الإسلام (88) .

فالإسلام لا يناهض الحضارة ، بل يدعو إليها ، والعربي القديم قد أقام بإسلامه الصحيح حضارته السابقة ، وبإحيائه لدينه سيقيم حضارته المنشودة ، فلا تعارض بين إسلام وحضارة لأن الإسلام عنده هو ” عقيدة تصلح لكل مكان ، ولكل زمان على أتساع رقعة المكان وامتداد طول الزمان ” (89) ، فبالإسلام أقام العربي حضارته السابقة ، وبالإسلام أيضاً سيقيم حضارته الجديدة ، فلا تعارض بينهما ” ، ولم يقل أحد ، بل ولا يجرؤ أحد على القول بأن المسلم لا يسعه بحكم إسلامه إلا أن تتمخض عن زهرة حضارتة واحدة ” (90) .

فبالإسلام أقمنا حضارتنا السابقة ، وبه أيضاً ستقام كل حضارة جديدة لنا ، ولكن ليس بإسلام أي مسلم ، وإنما بالدعوة الصحيحة للإسلام التي لا تناهض العلم ولا تنكره ، ولا تحارب العقل أو تنفيه ، ولا تسعي إلي الخرافات أو تقر بها .

وبهذا التصور الصحيح ، يستطيع المسلم أن يدخل إلي العصر الحديث ليشارك في علومه ، فلا تعارض بين ثقافته الإسلامية ، وثقافة العصر الحديث ، ” ومن أين يأتي التناقض ، والإسلام أساساً رسالة أخلاق وثقافة الغرب المعاصرة – أساساً – ثقافة عصبها العلوم ، والذي بين الأخلاق والعلوم ، إنما هو أن تضاف تلك إلي هذه ، لا أن يصطرع الطرفان ” (91) .

فالدين – عند الدكتور زكي – يكمل دور العلم في صنع الحضارة ، أما الفصل بينهما فهو اتجاه خاطئ ، ومرد هذا الخطأ يعود إلي عدة   وجوه :

أولها : أن الصواب هو أن هذين الطرفين – مهما كان بينهما من تباين في الجوهر وفي المنهج ، فهما يلتقيان معا في كل فرد من الناس ، فكل إنسان عقل ودين معا ، ثم يجيئ الاختلاف بين الناس في الدرجة وحدها .

الثانية : أنه برغم اعترافنا أن الدين قوامه ( الإيمان ) ، إلا أن ذلك لا ينفي إمكان إقامة البراهين العقلية على صحة العقيدة الدينية من ناحية المنطق .

ثالثا : أن جانب الدين عند الإنسان – عقيدة وشريعة معا – هو دائماً ميدان العمل ، يستخدم الإنسان فيه عقله ليستخرج منه النتائج التي تنظم له حياته . فلو كان العقل والدين عنصرين متنافرين لما أمكن لأحدهما أن يقام على الأخر ، كالذي نراه حين يقام فقه الدين على منطق العقل (92) .

ومن هنا كان الإنسان الحقيقي – عند زكي نجيب محمود – هو الذي يجمع بين الجانبين ، جانب العقل ، وجانب الإيمان ، فليس صحيحا أن الإنسان إما ذو عقل أو ذو دين ، بل الصحيح أن الإنسان الواحد يلتقي فيه الدين والعلم ، فالجانبان معا هما قوام كل إنسان ، والجانبان معا ضروريان لكل إنسان يريد لنفسه حياة تحقق فطرته السليمة فالعلم عقل ، والإيمان عاطفة ، وبالعقل والعاطفة معا يحيا الإنسان السوي السليم (93) فحياة الإنسان بها عدة جوانب ولا يكون الإنسان إنسانا إلا بهما جميعا ، فهو يحيا حياة علمية وهو يحيا حياة خلقية دينية (94) .

وكما أن الاكتفاء بالدين وعلومه وتراث الأجداد وحده لا يكفي ، لأن التقدم أصبح مرتبطا بالعلم والعلم المقصود هو علم بقوانين الطبيعة ، فلم يعد التقدم مرهونا بالعلماء الفقهاء الذين يقصرون العلم على شرح النصوص ، ثم على حواشي تلحق بالشروح ، أو الذين يجعلون الفقه فقها بما هو مسطور في الكتب مهما كانت لهذه الكتب مكانتها ، تلك ثقافة الكلمة ، لكن لا تلك الثقافة ولا ذلك العلم والفقه بمدير عجلات المصانع ولا برافع للطائرة جناحا (95) ، وأيضاً ليس بالعلم وحده ستقدم الحضارة التامة ، لأن العلم بالقديم سينتج حضارة قديمة تحمل القيم وتفقد المعرفة ، تحمل أهدافا وتفقد وسائل ، تحمل روحا وتفقد مادة ، والحضارة هما معا .

ويتسائل الدكتور زكي إذا كان هذا واقع الحضارة التي نسعي إليها ، فلماذا لا يسعي إليها المسلمون ، وماذا في الإسلام يمنع أن يكون المسلمون هم الذين أقاموا حضارة عصرنا هذا بكل مقوماته الأساسية ؟ .

ويجيب على هذا التساؤل ، بأنه ليس في إسلامنا ما يمنعنا ، إذا نحن عشنا به حياة المسلمين الصحيحة ، وهي حياة لا ترفض شيئاً من دعائم الحضارة الراهنة بل هي تضيف كل تلك الدعائم إلي ما عندها موروثا عن السابقين (96) وقد تحققت هذه الحياة الإسلامية الحقة من قبل ، تحققت بأفضل صورها عند المسلمين الأوائل ، فصنعوا حضارتهم الأولي ، ونحن الأن في حاجة إلي ترديد هذه الصيغة مرة أخري ، لصنع حضارة جديدة ، تأخذ من الماضي والحاضر ، تجمع بين التراث والوافد ، ويكون لقاء هذا في كيان الفرد الواحد ، وبالتالي في كيان المجتمع كله ، فالدعوة ” إلي وجوب الدمج العضوي الذي ينبثق من كيان حضاري ثقافي يجمع بين تراثنا – ومداره أخلاقيات الإسلام وروح العصر الحاضر ، ومداره على العلوم وما يترتب عليها من تقنيات . . . مثل هذه الإضافة ، لو استطعناها على الوجه السليم ، جاءت بمثابة إضافة تحدد دورنا الرئيسي في بناء حضارة العصر (97) .

بهذا اللقاء الذي يمكن للمسلم أن يصطنعه بين العلم والدين ، سننجح في إيجاد الحضارة الكاملة التي فشل الغرب نفسه ، وهو صانع العلم الحديث ، في أن يقيم لنفسه مثل هذا اللقاء بين الطرفين ، العلم والإنسان ، فكان له العلم ، ولكنه فقد الإنسان ، فقد أهملت الحضارة الغربية الإنسان ، فهو على الرغم من أنه هناك يساير عصره العلمي في مقتضياته ، لكنه لا يجد الفراغ ليخلو إلي نفسه ويصغي إليها ، كأنما كل فرد هناك هو ” فاوست ” اغراه الشيطان بأن يبيع نفسه من أجل علم يحصله ، أو من أجل مال يكسبه ، ويؤكد الدكتور زكي بأن ليس في رأيه هذا تهوين من شأن العلم والمال والقوة ، بل هو يذكر هذا ليؤكد ” ضرورة أن يضاف إليه شئ أخر وهو القيم . . . التي تجعل من الإنسان إنسانا بالعمق بعد أن جعل منه العلم والمال والقوة إنسانا بالطول والعرض ” (98) .

فإذا أراد مسلم اليوم أن يصنع حضارته الجديدة ، فعليه أن يقدم مزيجا جديدا يجمع بين حضارة الغرب ، وهويته الشخصية ، التي يدخل الدين كأهم سمة فيها ، فيجمع بين علم الغرب ودينه الإسلامي ، والمسلم الأن يواجه حضارتين ، حضارة الغرب ، وركيزتها الأساسية هي علم طبيعي بمعناه الجديد ، وركيزة أساسية هي دين وتاريخ هي دين وتاريخ ، كانت قد قامت عليها حضارته الأولي التي فترت قوتها ، ولكن بقيت ركيزتها وستبقي ، ووسيلتنا إليها هو أن ننقل حضارة القوة المستندة إلي علم ، فنقيمها على أرضنا فوق ركيزتنا نحن ، بما تنطوي عليه من دين وتاريخ (99) ، وتتم هذه المشاركة بينهما بعدة وسائل يجب علينا مراعاتها :

  • أن نحيا حياة اجتماعية من شأنها أن تفرز لنا وجوب البحث العلمي الذي نواجه به تلك المشكلات .
  • أن تنشأ في جوف تلك الحياة العلمية اهتمامات على مستوي أعلي يرتبط بها رجال الاختصاص العلمي بمن يقابلهم في أنحاء العالم المتقدم ، ليكون لنا نصيبنا المعقول في بحث أمهات المسائل العلمية التي تستهدف إلي سد الثغرات الموجودة والمتعلقة بأسئلة كبري لم تجد أجوبتها بعد .
  • أن يكون منا من يبادر الدنيا بلفته علمية جديدة في أي ميدان من ميادين الطبيعة ، أما واقع الأ مرأننا قد ربينا ونشأنا وتعلمنا طريقة تقوم على أن الدين يتنافر مع العلم الطبيعي ونتائجه ، حتي إننا نري دارس العلم يتناول ذلك العلم على حذر وخشية أن يتنافي هذا مع الإيمان الديني ، أو مع أي شعور مما توارثناه عن ماضينا ، أنه قد يتنافي مثلا مع خوارق الأولياء ، أو الاعتقاد في عجز الإنسان وقصوره بالقياس إلي علم الله وقدرته سبحانه وتعالي (100) فما نريده من المسلم ، أن يطبق الدعوة الدينية إلي وجوب المعرفة ، وإلي استخدام العقل ، ليضئ له طريق المعرفة حتي تطير خفافيش الخرافات والأوهام .

ولا يقصر الدكتور زكي دور الدين في بناء الحضارة على إكماله لدور العلم فقط بل يري أن للدين دور أخر في إكماله الفلسفات المعاصره ، وهذه الفلسفات هي ” الوجودية والتحليليه والبرجماتية والمادية الجدلية ” ، وكل فلسفة منهم تخدم الإنسان من جانب ، فأحدهم تقرر بنفسه ما يريده لنفسه ( وجودية ) وأحدهم توضح بنفسه ما يريده لنفسه ( تحليلية ) واحدهم تضع له الأهداف ابتغاء تحقيقها ( برجماتية ) والأخيرة تلمس عوائق السير وتسعي لإزالتها ( مادية جدلية ) فالمحور الأساسي لأهم فلسفات عصرنا تدور حول الإنسان ” والتي تجعل من الإنسان مبدأ وغاية ، وتجعل هذه الحياة الأولي والأخيرة ” (101) .

فمذاهب الفلسفات المعاصرة – كما يراها الدكتور زكي – تهتم بالإنسان في حياته الدنيا ، وكأنه يبدأ هنا ، وينتهي هنا ، ولم يكن منه شئ قبل ظهوره ، ولن تكون منه شئ بعد غيابه ،  ولكن هذه النظرة أصابت الروح الإنسانية بمقتل لأنها حصرت وجود الإنسان بهذه الدنيا ، بما فيها من صرعات ” مما دعا الكثير من رجال الفكر في الغرب ، إلي اتهام الحضارة القائمة – علم وفلسفة – بأنها حضارة عرجاء تسير على رجل واحدة ، وأما الرجل الثانية التي غابت فأصيبت الحضارة لغيابها بالعرج فهي جانب الرادع الخلقي (102) ومصدره الأساسي من الدين .

وهذه النظرة التي تقدمها الفلسفات المعاصرة للإنسان ، يري الدكتور زكي أنها لا تتفق مع رؤية الدين له ، لأن النظرة الإسلامية من شأنها أن تجعل هذه الحياة مرحلة أولي تأتي بعدها مرحلة أخري من الحياة الأبدية ، وفي استطاعة الدين أن يكمل هذه النظرة الفلسفية الناقصة للإنسان ، فتضع للإنسان تصورا لحياته قبل الميلاد ، وتصورا لحياته بعد الموت ، وهما التصوران اللذان لا تقدمها الفلسفات المعاصرة ، حيث ينصب اهتمامها على الإنسان منذ الميلاد وحتي الممات ، أما قبل هذا أو بعد هذا فلا تعيره اهتمامها .

فكان الدين عند الدكتور زكي يضيف أبعادا جديدة للإنسان أكثر بعدا من هذه الفلسفات المعاصرة ، لأنه يبحث قبل وجود الإنسان ، وبعد وجوده ، قبل الحياة وبعدها ، ويعطيه العلة في خلقه ، ويعطيه الجزاء على علمه ، فما يفقده الناس في الغرب هو غياب الهدف الذي يعيشون ويعملون من أجله ، ومن هنا كانت للحياة الدينية قيمة كبري ، لأنها حياة من شأنها أن تقضي على الشعورين معا : الشعور بالقلق والشعور بالاغتراب . . . لأن فلا سؤال بعد هذا لماذا أعمل ؟ بل ولا سؤال بعد هذا لمن أعمل ” (103) .

ويلخص الدكتور زكي أركان الحياة السوية بشرطين هما علم وقيم ، المصدر الرئيسي للمعرفة العلمية هي العلوم الطبيعية ، والمصدر الرئيسي للقيم الموجهة للسلوك هو الدين ، والحياة السوية شرطها أن يتوازن هذان المصدران ، فبالمصدر الأول نعرف حقيقة العالم الواقع ، وبالمصدر الثاني نعرف الحدود الجائزة في التعامل مع ذلك الواقع ، وقد جاءت الحضارة الإسلامية مزيجا كلمة وفعل ” ويبدو واضحا أنه لابد لنا من الجمع بين مبادئ الأخلاق كما وردت في العقيدة الدينية ، وقوانين العلم الحديث بما تتضمنه من منهج جديد وليس هذا الجمع مستحيلا (104) بل هو جمع ينادينا زكي نجيب محمود للأخذ به ، لأنه سيفتح أمامنا أفاقا مغلقة لأنها ثنائية تضع الإنسان على قدمية فوق الأرض ، وترفع رأسه إلي السماء ، أنها تتيح أن يعيش لهما معا ، فعلي الأرض يسعي علما وعملا ، وفي السماء يهتدي بالمثل التي ترسم أمامه أهدافا وغايات ، والعلم والقيم كلاهما – في أوربا وأمريكا – ينبت من الأرض كلاهما ينشد القوة والمنفعة ، وأما الثنائية المقترحة لنا فتجعل العلم نباتا ينبثق من الأرض وظواهرها ، وتجعل القيم غيثا ينزل من السماء ووحيها ، فالثنائية المقترحة تضمن لنا ، أن نجمع بين العلم وكرامة الإنسان ، وهي ثنائية – تكفل لنا أن نضع الإنسان في موضعه الصحيح بالنسبة الصحيحة ، فلا تضخيم له ولا تهوين من شأنه (105) .

ولما كان هذا الجمع بين الدين والعلم ، هو الصيغة الصحيحة ، فيما يري زكي نجيب محمود ، أوجب على كل مسلم أن يأخذ من دينه ما يدفعه إلي الأمام ، إلي التقدم ، يأخذ من الغرب علمهم الطبيعي ويأخذ من دينه الإطار الصحيح الذي يوظف فيه هذا العلم لخدمة البشرية لا تدميرها ، يأخذ من الفلسفات نظرتها المتعددة لكافة جوانب حياة الإنسان في الدنيا ، ويأخذ من الدين ما يكمل هذه النظرة يبحث فيما قبل الميلاد ، وما بعد الحياة ، فيأخذ من الغرب الوسائل ويضع من عنده الروح ، يأخذ من الغرب اهتمامهم بالحياة الدنيا ويضع من عنده اهتمام بالحياة الأخرة ، بهذا يحقق صورة الإنسانية الكاملة وبهذا تتحقق الحضارة التامة .

هذا هو تصور زكي نجيب محمود للتفاعل الذي يمكن أن يقوم بين العلم والدين ، ولا أظن أن هناك عالما على وجه الأرض يستطيع أن يدعي أنه يقدم علما ليس لخدمة الإنسان ، فالإنسان يضع الإنسان كركن أساسي في منظومته ، وبالتالي يضع هذا الحد للعلم فشرطه للعلم لكي يكون صحيحا أن يخدم الإنسان ويجعل حياته أكثر ملائمة عن ذي قبل ، وأيضاً لا أظن أنه يوجد رجل دين يري أن الاهتمام بالعلم والعالم يخالف عقيدته ، لأنها نزلت على إنسان يعيش في هذا العالم الذي يجب أن يعرفه ، ويعرف خالقه عن طريقه .

الهوامش

  1. د / زكي نجيب محمود ، في تحديث الثقافة العربية ، مقالة ” رحلة صيف ” ، ص 25 دار الشروق ، القاهرة ، ط 1 سنة 1407 ، 1987 .
  2. د / زكي نجيب محمود : رؤية إسلامية ، مقالة ” عالم عابد في مركب الفضاء ” ، ص 98 – 99 – دار الشروق ط 1 ، سنة 1407 ، 1987 .
  3. د / زكي نجيب محمود : بذور وجذور ، مقالة ” لقاء في الجسرة ” ، ص 312 ، 313 ، دار الشروق ط 1 سنة 1410 ، 1990 .
  4. انظر هيجل ” موسوعة العلوم الفلسفية ” ص 47 – 48 ، ترجمة د / إمام عبد الفتاح إمام ، دار الثقافة بالقاهرة ط 1 سنة 1985 ، وأيضاً وولترستيس : الزمان والأزل ، مقالة في فلسفة الدين ص 40 ، ترجمة زكريا إبراهيم ، الموسوعة الوطنية للطباعة والنشر ، بيروت 1967 .
  5. د / زكي نجيب محمود : قيم من التراث ، مقالة ” سؤال عن الثقافة وجوابه ” ص 331 ، دار الشروق .
  6. رؤية إسلامية ، مقالة ” اختلافات الرأي والرؤية ” ص 87 .
  7. المرجع السابق نفس المقالة ص 88 .
  8. د / زكي نجيب محمود : قيم من التراث ، مقالة ” ما لهذه الشجرة لا تنمو ” ؟ ! ، ص 189 .
  9. المرجع السابق ، مقالة ” الدين والتدين وعلم الدين ” ، ص 143 .
  10. المرجع السابق نفس المقالة ، ص 151.
  11. د / زكي نجيب محمود : تجديد الفكر العربي ص 68 ، دار الشروق ط 2 سنة 1973 .
  12. د / زكي نجيب محمود : هذا العصر وثقافته ، مقالة ” ليس إيمان الدراويش ” ص 167 ، دار الشروق ط 1 سنة 1404 – 1984 .
  13. رؤية إسلامية ، مقالة ” الأشياء والكلمات ” ص 61 ، 62 .
  14. هذا العصر وثقافته ، مقالة ” طريقنا إلي إحياء الدين ” ص 141 .
  15. رؤية إسلامية ، مقالة ” أهو شرك من نوع جديد ؟ ! ” ص 316 .
  16. المرجع السابق ، مقالة ” أنا المسجد الساجد ” ص 20 .
  17. قيم من التراث ، مقالة ” الشعائر وما وراءها ” ص 111 .
  18. المرجع السابق ، مقالة ” تربية الضمير الديني ” ص 106 .
  19. المرجع السابق ، مقالة ” الشعائر وما وراءها ” ص 114 ، وتتشابه هذه الفكرة التي أخذ بها أستاذنا الدكتور / زكي مع ما سبق أن قاله سقراط في أن من يعرف لا يخطئ فالمعرفة فضيلة والجهل رذيلة.
  20. رؤية إسلامية ، مقالة ” أنا المسجد الساجد ” ص 19 .
  21. هذا العصر وثقافته ، مقالة ” بحثاً عن الإنسان الجديد ” ص 77 .
  22. قيم من التراث ، مقالة ” من وحي الكعبة ” ص 96 .
  23. المرجع السابق ، مقالة ” قيمة من التراث تستحق البقاء ” ص 10 .
  24. المرجع السابق ، نفس المقالة ص 13 .
  25. هذا العصر وثقافته ، مقالة ” قومية ثقافية ” ص 50 .
  26. د / زكي نجيب محمود : هموم المثقفين ، ص 124 ، دار الشروق ، ط ا سنة 1401 – 1981 .
  27. د / زكي نجيب محمود : عربي بين ثقافتين ، مقالة ” أين نضع المبادئ ؟ ” ص 38 ، وأيضاً المقدمة ص 7 ، دار الشروق ط 1 سنة 1401 – 1990 .
  28. د / زكي نجيب محمود : ثقافتنا في مواجهة العصر ، مقالة ” إنسانية العلم ” ص 223 دار الشروق ط 1 سنة 1976 ، أحياناً يضع د / زكي الدين ضمن التراث ، وأحياناً أخري يخرجه من دائرة التراث ، وأحيانا يضعه ضمن الثقافة وأحيانا أخري يخرجه من دائرة الثقافة ويجعله مشكلا لها ، أما الدكتور حسن حنفي ، فيري أن ” الدين جزء من التراث ، وليس التراث جزءا من الدين ” انظر د / حسن حنفي التراث والتجديد ، ص 20 دار التنوير بيروت ط 1 سنة 1981 .
  29. في تحديث الثقافة العربية ، مقالة ” الكتيبة الخرساء ” ص 330 .
  30. رؤية إسلامية ، مقالة { أقرأ باسم ربك . . } ص 36 .
  31. د / زكي نجيب محمود : مجتمع جديد أو الكارثة ، مقالة ” الفردية المسئولة ” ص 25  ، دار الشروق ط 1 سنة 1403 – 1983 ، وهموم المثقفين ، مقالة ” طريق العقل في التراث الإسلامي ” ص 80 ، وأيضاً قصة عقل ص 234 ، دار الشروق ، ط 1 سنة 1403 – 1983 .
  32. بذور وجذور ، مقالة ” عن العقل ونضجه ” ص 403 .
  33. المرجع السابق ، نفس المقالة ص 405 ، 408 .
  34. المرجع السابق نفس المقالة ص 400 .
  35. مجتمع جديد أو الكارثة ، مقالة ” سلطان العقل ” ص 10 ومن زاوية فلسقية ، ص 8 ، دار الشروق ط 3 سنة 1402 – 1982 ورؤية إسلامية ، مقالة ” تقاليد وتقليد ” ص 235 ، 236 وقارن الغزالي : الاقتصاد في الاعتقاد .
  36. قيم من التراث ، مقالة ” ابن رشد في تيار الفكر العربي ” ص 24 ، 43 ، وقارن ابن رشد : فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ص 17 ، ضمن كتاب فلسفة ابن رشد ، نشر دار الأفاق الجديدة بيروت سنة 1987 .
  37. مجتمع جديد أو الكارثة ، مقالة ” سلطان العقل ” ص 9 ، 10 ، ومن زاوية فلسفية ص 8 ، ورؤية إسلامية ، مقالة ” تقاليد وتقليد ” ص 238 ، وقارون محمد عبده رسالة التوحيد ، تحقيق محمود أبو رية 34 ط 5 دار المعارف سنة 1977 .
  38. هذا العصر وثقافته ، مقالة ” طبيعتنا وما ينبع منها ” ص 133 – 134 .
  39. تجديد الفكر العربي ، ص 117 – 118 ، وانظر إلي المعتزلة في هذا البير نصري نادر : فلسفة المعتزلة ج 1 ص 112 ، ونشر الإسكندرية .
  40. تجديد الفكر العربي ، مقالة ” غربة الروح عن أهلها ” ص 136 .
  41. د / زكي نجيب محمود : وجهة نظر ص 22 ، مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1976 ، وأيضاً مكروة بنفس المعني في كتاب : من زاوية فلسفية ، مقالة ” الفكر الفلسفي في مصر المعاصرة ” ص 15 .
  42. رؤية إسلامية ، مقالة { اقرأ باسم ربك . . . } ص 38 .
  43. من هؤلاء الناقدين كان د / محمد البهي مؤلف كتاب ” الفكر الإسلامي الحديث ، وصلته بالاستعمار الغربي ” حيث خصص فصلا لنقد كتاب خرافة الميتافيزيقا ووضع له عنوان ” الدين خرافة ” . وأيضاً انظر د / زكي نجيب محمود : هموم المثقفين ص 116 .
  44. بذور وجذور ، مقالة ” للحرية شيطانها ” ص 262 .
  45. قصة عقل ، فصل ” التجريبية العلمية ” ص 111 ، ومقدمة كتاب موقف من الميتافيزيقا ص د ، دار الشروق ط 2 سنة 1403 – 1983 .
  46. قارن قيم من التراث ، مقالة ” الفلسفة شئ والدين شئ أخر ” ص 117 ، وموقف من الميتافيزيقا ، المقدمة ص . د . و .
  47. قيم من التراث ، مقالة ” الفلسفة شئ والدين شئ أخر ” ص 123 .
  48. عربي بين ثقافتين ، مقالة ” العروبة موقف ” ص 69 .
  49. المرجع السابق ، مقالة ” فكر على فكر ” ص 289 .
  50. تجديد الفكر العربي ، مقالة ” غربة الروح عن أهلها ص 126 .
  51. رؤية إسلامية ، مقالة ” فعل الزمن ” ، ص 181 .
  52. قيم من التراث ، مقالة ” ذلك دور المسلمين ” ص 125 .
  53. رؤية إسلامية ، مقالة ” قناقذ وثعالب ” ص 127 ، ومقالة ” فعل الزمن ” ص 268 ، وأيضاً قيم من التراث ، مقالة ” نعم إسلامنا يكفينا ، ولكن كيف ؟ ” ص 137 .
  54. عربي بين ثقافتين ، مقالة ” صورة مصغرة ” 414 .
  55. قيم من التراث ، مقالة ” ذلك دور المسلمين ” ص 128 ، 129 .
  56. المرجع السابق ، مقالة ” طالب وطالبة ” ص 242 .
  57. المرجع السابق ، مقالة ” اقولها كلمة صدق ” ص 167 .
  58. المرجع السابق ، مقالة ” نعم إسلامنا يكفينا ولكن كيف ؟ ” ص 136 .
  59. المرجع السابق نفس المقالة ، ص 142 .
  60. المرجع السابق نفس المقالة ، ص 142 .
  61. في تحديث الثقافة العربية ، مقالة ” صورة جديدة لأفكار قديمة ” 111 ، 112 ، وأيضا مقالة ” هيكل البناء ” ص 84 .
  62. المرجع السابق مقالة ، ” صورة جديدة لأفكار قديمة ” ص 122 – 123 .
  63. هموم المثقفين مقالة ” ازمة المثقف العربي ” ص 28 .
  64. في تحديث الثقافة العربية ، مقالة ” صورة جديدة لأفكار قديمة ” ص 124 .
  65. المرجع السابق ، مقالة ” لك الله يا علوم الإنسان ” ص 216 .
  66. المرجع السابق نفس المقالة ص 223 .
  67. المرجع السابق ، مقالة ” تلخيص التلخيص ” ص 520 .
  68. هذا العصر وثقافته ، مقالة ” وكذب بطن أخيك ” ص 95 .
  69. المرجع السابق نفس المقالة ص 223 .
  70. في تحديث الثقافة العربية ، مقالة ” لك الله يا علوم الإنسان ” ص 225 .
  71. المرجع السابق ، مقالة ” تلخيص التلخيص ” ص 520 .
  72. المرجع السابق ، مقالة ” لك الله يا علوم الإنسان ” ص 228 .
  73. المرجع السابق ، مقالة ” تلخيص التلخيص ” ص 523 – 524 .
  74. عربي بين ثقافتين ، مقالة ” من مواطن الضعف ” ص 188 .
  75. رؤية إسلامية ، مقالة ” يموت الإنسان ليحيا ” ص 103 .
  76. بذور وجذور ، مقالة ” من ذا يزيح الضباب ” ص 155 .
  77. رؤية إسلامية ، مقالة ” يموت الإنسان ليحيا ” ص 104 .
  78. المرجع السابق نفس المقالة والصفحة .
  79. بذور وجذور ، مقالة ” للحرية شيطانها ” ص 261 .
  80. نفس المرجع والمقال والصحفة .
  81. هذ العصر وثقافته ، مقالة ” وكذب بطن اخيك ” ص 96 .
  82. بذور وجذور ، مقالة ” للحرية شيطانها ” ص 260 .
  83. رؤية إسلامية ، مقالة ” أنا المسجد الساجد ” ص 26 ، 27 .
  84. المرجع السابق نفس المقالة ص 28 .
  85. بذور وجذور ، مقالة ” للحرية شيطانها ” ص 260 ، 261 .
  86. عربي بين ثقافتين ، مقالة ” من إشعاعات التوحيد ” ص 256 .
  87. أفكار ومواقف ، مقالة ” هل هما اثنان ؟ ! ” ص 236 دار الشروق بيروت سنة 1983 ، قيم من التراث ، مقالة ” ذلك دور المسلمين ، ص 132 ، بذور وجذور ، مقالة ” وللحرية شيطانها ” ص 255 ، مجتمع جديد أو الكارثة ، مقالة ” الفردية المسئولة ” ص 26 . ، هذا العصر وثقافته ، مقالة ” مسك الختام ” ص 28 ، وايضا المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري ص 18 ، دار الشروق .
  88. قيم من التراث ، مقالة ” نعم إسلامنا يكفينا ، ولكن كيف ؟ ” ص 137 .
  89. في تحديث الثقافة العربية ، مقالة بعنوان ” وصولا إلي حرية وعدالة ” ص 439 .
  90. قيم من التراث مقالة مقالة ” اقولها كلمة حق ” ص 172 .
  91. عن الحرية أتحدث ، مقالة ” خطاب من مجهول ” ص 230 ، 231 ، دار الشروق سنة 1986 .
  92. أفكار ومواقف ، مقالة ” هل هما اثنان ؟ ! ” ص 237 .
  93. مجتمع جديد أو الكارثة ، مقالة ” الفردية المسئولة ” ص 27 ، وأيضاً ” الشرق الفنان ” ص 13 ، 14 .
  94. قيم من التراث ، مقالة ” مدينة الفكر كثيرة الأبواب ” ص 337 .
  95. تجديد الفكر العربي ، ص 236 .
  96. قيم من التراث ، مقالة ” نعم إسلامنا يكفينا ، ولكن كيف ؟ ” ص 142 .
  97. عن الحرية اتحدث ، مقالة ” خطاب من مجهول ” ص 235 .
  98. تجديد الفكر العربي ص 272 .
  99. عربي بين ثقافتين ، مقالة ” العربي بين حاضره وماضيه ” ص 158 .
  100. المرجع السابق ، نفس المقال ص 163 .
  101. هموم المثقفين ، مقالة ” عصرنا من فلسفته ” ص 53 .
  102. عن الحرية اتحدث ، مقالة ” إنسانية الإنسان ” ص 168 ، 169 .
  103. قيم من التراث ، مقالة ” ذلك دور المسلمين ” ص 131 .
  104. عن الحرية اتحدث ، مقالة ” رهبة المجهول ” ، ص 65 ، 66 .
  105. تجديد الفكر العربي ص 285 .

المراجع

مؤلفات الدكتور زكي نجيب محمود :

  1. أفكار ومواقف ، دار الشروق بيروت سنة 1983 .
  2. المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري ، دار الشروق ، بيروت ( د . ت ) .
  3. بذور وجذور دار الشروق ، ط 1 سنة 1410 ه / 1990 م .
  4. تجديد الفكر العربي ، دار الشروق ، ط 2 سنة 1973 .
  5. ثقافتنا في مواجهة العصر ، دار الشروق ، ط 1 ، سنة 1976 .
  6. رؤية إسلامية ، دار الشروق ، ط1 ، سنة 1407 ه / 1987 م .
  7. عربي بين ثقافتين ، دار الشروق ، ط 1 ، سنة 1401 ه / 1990 م .
  8. عن الحرية اتحدث ، دار الشروق ، بيروت ، سنة 1986 .
  9. في تحديث الثقافة العربية ، دار الشروق ، القاهرة ، ط 1 سنة 1407 ه / 1987 م .
  10. قصة عقل ، دار الشروق ، ط 1 ، سنة 1403 ه / 1983 م .
  11. قيم من التراث ، دار الشروق ، سنة 1984 .
  12. مجتمع جديد أو الكارثة ، دار الشروق ، سنة 1983 .
  13. من زواية فلسفية ، دار الشروق ، ط 3 سنة 1402 ه / 1982 م .
  14. موقف من الميتافيزيقا ، دار الشروق ، ط 2 ، سنة 1983 ، والطبعة الأولي كانت بعنوان ( خرافة الميتافيزيقا ) ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، سنة 1953 .
  15. هذا العصر وثقافته ، دار الشروق ، سنة 1404 ه / 1984 م .
  16. هموم المثقفين ، دار الشروق ، ط 1 ، سنة 1401 ه / 1981 م .
  17. وجهة نظر ، مكتبة الأنجلو المصرية ، سنة 1976 .

مؤلفات لأخرين :

  1. ابن رشد ، فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ضمن كتاب فلسفة ابن رشد ، دار الافاق الجديدة ، بيروت ، سنة 1978 م .
  2. الباقلاني : التمهيد ، تحقيق ريتشارد مكارثي ، بيروت المكتبة الشرقية ، 1957 .
  3. البهي ( د / محمد ) : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ، القاهرة مكتبة وهبة ، 1957 .
  4. العراقي ( د / محمد عاطف ) : مقالة بعنوان عربي بين ثقافتين ، مجلة المنتدي ، الامارات 1991 م .
  5. الغزالي ، الاقتصاد في الاعتقاد ، تحقيق حسين أتاي ، انقرة ، سنة 1962 م .
  6. العقاد – ( عباس محمد ) : التفكير فريضة إسلامية ، دار القلم ، ط 1 ، 1962 .
  7. حنفي ( د / حسن ) : التراث والتجديد ، دار التنوير ، بيروت ، ط 1 ، 1980 .
  8. ستيس ( وولتر ) : الزمان الأزل ، مقالة في فلسفة الدين ، ترجمة د / زكريا إبراهيم ، المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر ، بيروت 1967 .
  9. عبدة ( الشيخ الإمام محمد ) : رسالة التوحيد ، تحقيق محمود أبو راية ، ط 5 دار المعارف 1977 م .
  10. نادر ( البير نصري ) : فلسفة المعتزلة ، ج 1 ، الإسكندرية .
  11. هيجل : موسوعة العلوم الفلسفية ، ترجمة د / إمام عبد الفتاح إمام ، دار الثقافة ، القاهرة ، ط 2 ، 1985 .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر