عرض ونقد كتب

نحو منهج لتنظيم المصطلح الشرعى مدخل معرفى ومعلوماتى؛ للدكتور هانئ محيي الدين عطية (عرض وقراءة)

العدد 157-158

(1) بين يدى هذه القراءة:

لقد استقر منذ فترة النظر إلى المراجعات العلمية بحسبانها بحوثا علمية كاملة، وهو الأمر الذى دفع إلى الاهتمام بها فى الأوساط العلمية على حد تعبير واحد من أشهر من عنوا بالتعريف بقيمتها فى الأوساط العلمية من مقاله: (المراجعات العلمية ودورها فى قول المعلومات إلى معرفة) بجزأيها المنشورين فى مجلة: دراسات عربية فى المكتبات وعلم المعلومات (الحلقة الأولى فرع2 مج 3 مايو سنة 1988م والحلقة الثانية ع1 مج4 يناير 1999م).

ولعل الدافع وراء هذه المراجعة العلمية أو العرض ينبع ابتداء من تقدير قيمة صاحب الكتاب محل القراءة والعرض، وهو المرحوم الأستاذ الدكتور/ هانئ محيي الدين عطية (1961-2012م)، وهو واحد من أشهر من اهتموا فى منجزهم العلمى بقضية تنظيم المصطلح الشرعى، ولارتباط الظرف كذلك بمعنى إنسانى راق يحتاج إليه المجتمع العلمى؛ ذلك أن تأبين أمثال هذا العالم النبيل بهذه الطريقة الإيجابية النافعة أبقى أثرا، وأمسّ رحما بطبيعة الفكرة الإسلامية التى حمل همها الراحل الكريم على امتداد حياته العلمية.

فضلا عن الصلة الوثيقة بينى وبين موضوع الكتاب محل المراجعة؛ ذلك أننى افتتحت حياتى العلمية بعد الجامعية بأطروحتى للدكتوراه عن: “تراث المعاجم الفقهية فى العربية فى ضوء أصول صناعة المعجم الحديث”.

والقضية التى يثيرها كتاب د. هانئ خطيرة من وجوه متعددة، بعضها راجع إلى طبيعة المجال العلمى الذى يعالجه، وهو البحث فى آليات تنظيم المصطلح الشرعى بحسبانه مجالا حديثا فى الأوساط العلمية العربية، وبعضها راجع إلى اتساع النطاق الذى يغطيه مفهوم المصطلح الشرعى الذى يستوعب مساحة كبرى من جغرافية العلوم فى التصنيف الشائع فى أدبيات تصنيف العلوم فى الحضارة الإسلامية والعربية، فضلا عن الوزن النسبي للعلوم الشرعية مقارنة بالعلوم العربية والعلوم الحكمية (أو اليونانية)، مع تقدير اشتباكها معهما ولا سيما فيما استعارته، وطورته من مادة ألفاظهما معا.

(2) الكتاب: مادته وأهميته وانتماؤه المعرفى:

وقد جاء كتاب الدكتور/هانئ محيي الدين عطية: (نحو منهج لتنظيم المصطلح الشرعى: مدخل معرفى معلوماتى) فى ستة أبواب كما يلى:

الباب الأول:المصطلح والمكنـز، وضم:

1- الاصطلاح والمصطلح.

2- المصطلح الشرعى.

3- تعريف المكنـز ونشأته.

4- المكنـز فى مجال استرجاع المعلومات.

5- دور المكنـز فى تنظيم المصطلح الشرعى.

الباب الثانى:ضبط وتقنين المصطلحات فى المكنـز، وفيه:

1- المصطلح البسيط/ والمصطلح المركب.

2- وضوح المعنى: (المشترك/ والمثلثات/ والأضداد).

الباب الثالث:العلاقات بين المصطلحات فى المكنـز، وفيه:

1-      المفاهيم: (علاقة التكافؤ/ وعلامة التخصيص /وعلاقة الترابط).

2-      الإحالات: (إحالات علاقة التكافؤ/ وإحالات علاقة التخصيص/ وإحالات علاقة الترابط).

الباب الرابع:تنظيم وعرض المصطلحات فى المكنـز، وفيه:

1-      القسم الرئيسى: (ترتيب الحروف المشكلة/ وترتيب حرف بحرف وكلمة بكلمة).

2-      الأقسام المكملة والإضافية: (التصنيف الوجهى/ والإدراجات الهرمية/ والمجموعات المصنفة/ والأشكال البيانية).

3-      الكشافات التبادلية.

الباب الخامس:بناء وتطوير المكنـز، وفيه:

1-       بناء المكنـز: (دراسة المشروع / والإشعار بالنية/ وتحديد الأطر الرئيسية/ والتعرف على الأدوات والمصادر/ وتسجيل المصطلحات).

2-       تطوير المكنـز؛ (مراجعة المكنـز / وطباعته/ واختباره وتقويمه/ وتحديثه).

الباب السادس:الجهود المعاصرة فى إعداد المكانـز الإسلامية، وفيه:

1- الدليل التصنيفى.

2- الفيصل.

3- المكنـز الإسلامى.

4- الجداول الجامعة فى العلوم النافعة.

إن النظرة السريعة لبناء الكتاب تقود إلى أنه على امتداد ما يقرب من (260) صفحة عالج المؤلف موضوعه بما يكشف عن السمات التالية:

أولا-استيفاء القول فى المتوقع من الكتاب، جمعا بين النظرى والعملى، والتاريخى والواقعى، والتأصيلى والتقييمى، والقائم والمستقبلى.

ثانيا-البناء المنطقى والمتماسك للعمل بما يكشف عن منهجية واضحة فى خلفية خدمة الموضوع محل الدراسة.

ثالثا-التكامل المعرفى، بما يكشف عن إحاطة بمادة الموضوع الذى هو المصطلح الشرعى، وتجلياته التصنيفية فى التراث اللغوى العربى.

رابعا-الوضوح والبيان وإرادة تحقيق التفهيم للقارئ و المتعامل مع الكتاب بما يجعله قابلا للتحصيل، وقابلا للتنـزيل والتفعيل فى صورة برامج تشغيل تنفيذية.

خامسا-الانطلاق من إرادة وتحيز ذكى فى خدمة الحضارة الإسلامية.

وتأمل الكتاب وفحصه كاشفان عما يمثله من أهمية ظاهرة فى مجاله، ولهذه الأهمية علامات متنوعة يمكن رصدها فيما يلى:

أولا-حداثة الموضوع مشغلة الكتاب؛ ذلك أنه جديد تماما فى مجاله فى العالم العربى من أكثر من زاوية نظر، فهو جديد فى توجهه نحو دراسة منهجيات الهوية للمجتمعات العربية بسبب مما يمثله الإسلام على طريقة تكوين الهوية وبنائها فى قائمة محددات بنائها فى الشخصية العربية المعاصرة.

فضلا عن أن الرؤية التى ينطلق منها فى المعالجة تؤمن بتكامل العلوم، والتخصصات؛ فقد اشتبك الكتاب مع علوم المعلومات واللسانيات والمعجمية والحاسب والمناهج والاجتماع والحضارة وغيرها.

ثانيا-الجمع بين التنظير والتطبيق، ذلك أن الخمسة أبواب الأولى من الكتاب قامت بتأصيل مفاهيم العمل فى المكانـز وتنظيمها وبنائها وتطويرها، ثم جاء الباب السادس ليقف أمام عدد من المكانـز المنجزة فحصا ونقدا وتقويما، وهو ما يعنى أن القدرة النظرية لهذا النوع من البحوث لا تتحرك فى أجواء مثالية، وإنما تتحرك منضبطة بنماذج منجزة، ورصيد من الخبرات المتراكمة، تسمح فى المستقبل بتطوير عمليات تنظيم المصطلحات فى المكانـز المختلفة المتوقع ظهورها.

ثالثا-الدلالة على وعى جيل كامل من العلماء بطبيعة ما تحتاجه الأمة من دراسات ترتبط ارتباطا مباشرا وعميقا بقضية الهوية فى اتصالها المباشر بالعلوم الشرعية الإسلامية.

رابعا-الكشف عما أسهم به علماء هذه الحضارة من منجزات تصنيف يعد رائعا ورائدا بحسبان المرحلة الزمنية التى أنتجته، وهو ما يفتح الباب مجددا أمام إعادة فحص التأثير الجبار للإسلام في البنية العلمية للمجتمعات الإسلامية فى تاريخ هذه الحضارة.

خامسا-الموقع العلمى لمؤلف الكتاب الدكتور هانئ محيي الدين عطية، ولاسيما إذا حللنا تكوينه العلمى والأخلاقى الذى جمع فيه عناصر علمية تقنية بحكم تخصصه الأصيل فى الفيزياء والعلوم ثم فى المعلومات، ثم التقنية الحاسوبية، مختلطة هذهالعناصر بتكوين أدبى يشهد عليه منجزه فى هذا المجال وقد جاء كل ذلك محاطا بتكوين أخلاقى ذاتى وإيجابى معا يشهد عليه شهادات من عرفه وخالطه، ويشهد عليه خدمته لمشروعات المؤسسات الإعلامية فكريا وعلميا.

والكتاب يفتح الباب بحكم ما نلمسه فيه من اشتباك بعدد من العلوم أمام تعيين انتمائه المعرفى، وهو الطرح الذى يقود إلى تأمل أوجه النفع والإفادة منه، سعيا نحو تحديد آفاق استثماره. وفيما يلى محاولة أولية للكشف عن أوجه الانتماء المعرفى للكتاب، جذبا لطوائف متنوعة ممن يمكنهم الإفادة منه:

أولا-الكتاب أصيل فى علم المعلومات بحكم غايته المعلنة فى عنوانه الفرعى، بحسبانه مدخلا معلوماتيا، وبحكم ما يسعى إليه من وضع منهجية لتنظيم المصطلح الشرعى، وتنظيم المصطلحات أمر يقع فى الصميم من دراسات علم المعلومات، وتقنياتها، وهو الانتماء الذى يظهره المؤلف من بداية كتابه، إذ يقول (ص2): “ويقينا من الكاتب… فهو يضع بهذا الكتاب لبنة صغيرة فى بناء كبير يقدمها فى إطار معرفى معلوماتى، وهو أمر واضح فى ظل كل الاعتراف بأن المكنـز أداة استرجاع للمعلومات.

ثانيا-الكتاب أصل فى علم المصادر، بما يناقشه ويقف أمامه من مادة تراثية ومعاصرة موزعة على مدونات لغوية، ومعجمات متنوعة، ثم مكانـز معاصرة، والكتاب حريص على بيان منهجية الإفادة من هذه المصادر،وكيفية التعامل معها وبيان الفروق التى تميز قطاعا منها عن قطاع آخر.

ثالثا-الكتاب وثيق الصلة بعلم المعجمية ولاسيما فى المباحث التى أخلصها للمعجمات العربية، وأنواعها ومدارسها التصنيفية، فهو بهذا الاعتبار يمكن أن يندرج فى قوائم مراجع المعجم العربى.

رابعا-الكتاب وثيق الصلة بعلم المصطلح، بما يعالجه من قضايا المصطلحية وطرق تنظيم المصطلحات، وترتيبها، وتخزينها، واستدعائها وفارق ما بين البسيط والمركب، ومصادرها.

خامسا-الكتاب يعالج عددا من مسائل اللسانيات، ولاسيما ما يتعلق منها بعلم الدلالة؛ ذلك أنه توقف طويلا أمام ما يسمى باسم العلاقات الدلالية، وهو الفرع الذى يدرس العلاقة بين طرفى العلاقة اللغوية، أو الكلمة؛ ذلك أن كل علامة لغوية هى جماع طرفين يتلازمان هما: الدال (الطرف المادى مكتوبا أو ملفوظا) والمدلول (الطرف المعنوى أو المفهومى).

والأصل فى هذه العلاقة بين هذين الطرفين أن يرد الأمر على الصورة الطبيعية بحيث يكون لكل دال مدلول واحد، لكن طبيعة اللغة العربية وغيرها من اللغات الطبيعية لا تقف عند هذا الحد، ولكنها تتعداه إلى أشكال مختلفة متنوعة، قد تتعدد الدوال مع اتفاق المدلول فتنشأ ظاهرة الترادف، أو تتعدد المدلولات مع ثبات الدال فتنشأ ظاهرة المشترك، أو يظهر مدلولان متعاكسان لدال واحد فتنشأ ظاهرة الأضداد، إلى غير ذلك من العلاقات الدلالية التى تظهر لأسباب مختلفة لغوية وبلاغية واجتماعية وعرفية ونفسية وبيئية، وهو ما كان محل فحص فى بعض أبواب هذا الكتاب بالإضافة إلى بعض الفصول التى تندرج ضمن بحوث علم اللغة التطبيقى.

سادسا-الكتاب – بسبب من غايته الكبرى – ينتمى إلى ما يعرف باسم الفكر الإسلامى، وهو الأمر المعلن من بداية الكتاب – حيث يقول (ص1): “يمر العالم الإسلامى اليوم بصحوة فكرية شعر أبناؤها بضرورة التصدى للغزو التغريبـى الذى سيطر… واليوم نحن أمام عدد من المؤسسات الفكرية الجادة التى أخذت على عاتقها التصدى للتخلف الفكرى والغزو الثقافى الغربى لأبناء الأمة”.

سابعا-الكتاب يمكن أن ينتمى لعلم المناهج، بسبب من دعوته إلى انتهاج أدوات بحث منهجية منضبطة ومعاصرة معا، يقول (ص1) بعد بيان ما يتعرض له العالم الإسلامى من موجات تغريبية: “وقد استتبع ذلك وجوب تحديد مفاهيم الاستدلال العقلى من مصادر التشريع لمواكبة تطوير هذه المناهج” وهو الأمر الذى دعا إلى الحاجة الماسة: “إلى أدوات بحث منهجية تساعدهم فى عملية التنظير يمثل حاجتهم إلى أفراد أكفاء ملتزمين”.

وهو كتاب ينتمى لعلم المناهج كذلك من زاوية أخرى تحرص على ما يسمى بأخلاقيات البحث العلمى، أمانة والتزاما.

من مجموع كل ما مر فى هذه الفقرة يتضح لنا مدى ما يمثله هذا الكتاب من أهمية، ويكشف عن القيمة التى يحوزها فى النظر العلمى، بسبب من تعدد هذه المجالات العلمية التى يخدمها، ويتعاطى مع مسائلها.

(3) تحرير المفاهيم والطريق الممهدة للوعى والمنهجية:

يفتتح الراحل الدكتور /هانئ محى الدين عطية كتابه بباب كاشف عن إرادة تفهيم القارئ، وهو بعض تأثير لعلم الأصول فى تكوينه، ذلك أن الأصوليين يقررون أن الشريعة مبنية على التفهيم، فضلا عن أنه كاشف عن انضباط منهجى يعى أهمية تحرير المصطلحات، بما يمثله هذا التحرير من مبدأ منهجى لازم.

هذا الباب المبدوء به يخلصه لتحرير المفاهيم الأساسية الحاكمة لقضية الكتاب؛ فيقف أمام ما يلى:

أولا- تعريف الاصطلاح والمصطلح

ويصل من وراء فحصه للمعجمية العربية العامة والمختصة إلى أن المصطلح هو (ص17): “لفظ مخصوص لمفهوم معين ينصرف إليه الذهن تبعا لمعناه المتعارف عليه فى مجاله” و”أما الاصطلاح فهو: إطلاق لفظ مخصوص على مفهوم معين فيكون التعارف عليه بين فئة المستخدمين له؛ لينصرف إليه الذهن تبعا للمعنى الموضوع له فى مجاله”.

ويلحظ القارئ أن المؤلِف اعتمد عددا كبيرا ومهما من المعجمات العامة والمختصة، وهى:

أ- الصحاح للجوهرى/ والمقاييس لابن فارس/ والتهذيب للأزهرى/ والأساس للزمخشرى / والقاموس للفيروزآبادى/ واللسان لابن منظور.

ب- التعريفات للجرجانى/ وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى/ ودستور العلماء للأحمد نكرى/ ومفاتيح العلوم للخوارزمى/ والكليات للكفوى.

والملاحظ على هذه القائمة التى اعتمدها أنها تظهر حرصه على الاستيعاب، والإحاطة، والأمانة، ذلك أن هذه القائمة بتنوعها الزمنى، والمنهجى والتصنيفى، والعلمى كاشفة عن الوعى والأمانة معا.

ثانيا- المصطلح الشرعى:

يصل المؤلف إلى تحديد مفهوم المصطلح الشرعى بتعين مصدر وضعه، عندما يقرر أن المصطلح الشرعى جاء به الإسلام، بما يعنى كذلك عدم اشتراط وجود علاقة بين المدلول اللغوى و المعنى الاصطلاحى الشرعى.

ويصل إلى تعيين مفهوم بإخراج ما لم يثبت بالشرع، كالوضوء والصلاة، وما لم يكن موضوعا اسمه له بالشرع، كالجرح، والإسناد، وهو ما يعنى أن مصطلحات العلوم التى ظهرت بسبب من الثورة العلمية التى أحدثها الإسلام لا تدخل فى المصطلح الشرعى، بما يعنى أننا أمام خصوص وعموم، فالمصطلح الإسلامى يضم المصطلح الشرعى وغيره.

ومن ثم فإن تعين علوم الشريعة، فقها وأصولا، وحديثا، وتفسيرا، وتوحيدا، وعقيدة، وتصوفا، وكلاما، هى مقصودة بمصطلحية الشريعة.

وفى هذا السياق يقف أمام المصادر التالية:

أ- الزينة فى الكلمات العربية الإسلامية، للرازى.

ب- الإيضاح لقوانين الاصطلاح فى الجدل الأصولى الفقهى،لابن الجوزى.

ج- أنيس الفقهاء فى تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، للنونوى.

د- شرح الألفاظ التى اصطلح عليها الصوفية، لابن عربى.

وأظن ظنا أن المؤلف -رحمه الله- لم يرد بهذه الأربعة إلا التمثيل؛ ذلك أن التراث العربى الإسلامى عرف قوائم مطولة لكتب المصطلحات الشرعية، فقد أفرد الدكتور خالد فهمى لمعجمات المصطلح الفقهى رسالته للدكتوراه ثم أفرد كتابًا له آخر لمعجمات المصطلح الأصولى، وأفرد الدكتور/ مصطفى إبراهيم كتابا لمعجمات المصطلحات الصوفية.

وقد تابع الدكتور خالد فهمى فى سلسلة متتابعة من المقالات التعريف بمعجمات عدد كبير من العلوم الشرعية؛ من مثل: الاقتصاد الإسلامى، والعقيدة والحديث النبوى، وعلم الجرح والتعديل، والتجويد والقراءات وغيرها، نشرها فى مجلتى الوعى الإسلامى الكويتية، ومجلة الأزهر الشريف.

وهو ما يعنى أن المادة الصلبة للكنـز الخاص بمصطلحية العلوم الشرعية ثرية جدا وواسعة جدا.

ثالثا- المكنـز

فى الطريق إلى الكشف عن مفهوم المكنـز يلجأ الكاتب -رحمه الله- إلى منهجية تاريخية تستهدف التأصيل لهذا المصطلح، والتأصيل لمنهجية لسانية تضرب بعمق فى عمل صناعة المعجم بشكل أساسى وتكشف معالجة الرجل عن الحقائق التالية:

أ- مصطلح المكنـز مصطلح معلوماتى.

ب- المصطلح مشتق من الكنـز، وهى فى الإنجليزية، Thesaurus.

ج- يعود أقدم استعمال لها وفق ما أورده معجم أكسفورد إلى سنة 1736م؛ ليدل على خزانة المعرفة، يعرفه وبستر فى معجمه أنه “كتاب يحتوى على كلمات أو معلومات فى مجال معين أو مجموعة مفاهيم”.

د- عرفت العربية فى تاريخها الطويل معاجم انتهجت منهجيات لتنظيم الألفاظ يمكن تلخيصها فى اتجاهين هما:

1- معاجم ألفاظ اللغة العامة مصنفة بحسب معانيها.

2- معاجم المعانى (رسائل لغوية صغيرة/ موضوعات مصنفة).

وهو ما يعنى على حد تعبير المؤلف (ص40): “أن العرب قد بدءوا التفكير فى هذا النوع من المصنفات فى وقت مبكر لا يتجاوز القرن الثالث الهجرى (والصواب أنه الثانى الهجرى)؛ أى قبل تفكير الأوربيين فيه بعدة قرون”.

هـ- يعود استعمال مصطلح المكنـز فى مجال استرجاع المعلومات إلى سنة 1957م، وينسب إلى بيترلوون الذى اقترح إنشاء قاموس بالأفكار تجمع فيه الكلمات ذات المعنى المشابه، وقد استقر النظر إلى المكنـز ليكون: “المكنـز من حيث الوظيفة هو أداة لضبط المصطلحات يستخدم للترجمة من اللغة الطبيعية للوثائق، أو من لغة المكشفين المستفيدين إلى لغة مقيدة؛ لغة النظام (لغة التوثيق؛ لغة المعلومات) أما من حيث بناؤه فهو مفردات مقيدة وديناميكية لمصطلحات متصلة مع بعضها… دلاليا تغطى أحد حقول المعرفة”.

ويقرر المؤلف -رحمه الله- أن المكنـز بما هو أداة استرجاع للمعلومات لا يختلف عن الكتب الجماعة للمصطلحات من الناحية الوظيفية “وإن اختلف وتميز بنائيا ليكون أداة لتجميع المصطلحات منضبطة بنائيا ومرتبة منهجيا بنظام متعارف عليه بين فئة المستخدمين ومتصلة دلاليا ببعضها… عن طريق شبكة من الإحالات تظهر فيها علاقات الترادف والتخصيص والترابط؛ بما يكفل مغالبة المعنى والمضمون”.

ويلح الراحل الكريم على أهمية المكنـز فى تنظيم المصطلح الشرعى، داعيا إلى ضرورة التنبيه إلى أن خطة مواجهة العالم الإسلامى فكريا تستهدف إسقاط المفاهيم الإسلامية وإحلال أخرى نصرانية مكانها، غلبت فيها الروح الغربية “ومن هنا تبرز أهمية تطوير مكنـز للعلوم الشرعية يضم كافة المصطلحات الشرعية فى شتى مجالات هذه العلوم؛ كأصول الدين وعلوم القرآن وعلوم الحديث والفقه والسيرة والدعوة وغيرها، من خلال حصر مصطلحات هذه العلوم مع إقامة شبكة من الإحالات توضح العلاقات فيما بينها، يمكن للباحث أن يستفيد منها بشكل أفضل سواء أكان ذلك فى العلوم الحديثة أم فى العلوم الشرعية ذاتها”.

(4) منهجية ضبط المصطلحات فى المكنـز وتقنينها:

يقوم تصميم المكانـز على توافر قواعد معينة تحكم صياغة المصطلحات، وقد اتفق على أمرين ظاهرين هما:

أ‌-        اعتبار الاسم أساسا فى الترتيب، وليس الفعل.

ب- وضوح المعنى للمستعملين للمكنـز.

ويراعى فى التصنيف فارق ما بين المصطلح البسيط (أى من كلمة واحدة) مع تجنب المثنى أو الجمع إلا لضرورة معرفية، وبين المصطلح المركب (أى المكون من أكثر من كلمة)، ويحصرها فى أربع صور هى:

1-      صفة + موصوف

2-      مضاف + مضاف إليه

3-      معطوف + معطوف عليه

4-      شبه الجملة

ومن جهة أخرى فإن وضوح المعنى فى المجالات العلمية مسألة أساسية، وهو ما يلزم معه ضرورة التنبه لأهمية الرسم والشكل الهجائى، والتنبه للمشترك (لفظ ثابت ومعان مختلفة)، ويقترح المؤلف للتغلب على مشكلات المشترك فى المكانـز ما يلى:

1-      الاستبدال، أى استعمال مصطلح مرادف

2-      التحديد النحوى، أى إضافة محدد لغوى معين على الضبط لتحديد الناسخ والمنسوخ بإضافة “الحديث” تمييزا له عن غيره.

3-   التبصرة التوضيحية، أى استعمال عبارة شارحة تحت المصطلح، مثل: اللغات فى القرآن؛ ما ورد من لغات العرب ولهجاتها فى ألفاظ القرآن.

4-      التمييز؛ أى وضع لفظ شارح بين قوسين، يعرف فى علم المعجم باسم تعيين مستوى الاستعمال.

ومثل ذلك التنبيه يلزم عند التعامل مع المثلث اللغوى المختلف المعنى، والأضداد.

ومما يلزم رعايته فى المكانـز التنبه للعلاقات الدلالية، ولأهمية ذلك فى الأبنية المفهومية، وأهم ما يتوقف أمامه المؤلف -رحمه الله- العلاقات التالية:

1- علاقة التكافؤ (ترادف/ وتوارد).

2- علاقة التخصيص، وتتخذ أشكالا من مثل:

أ- العلاقة بين الجزء والكل.

ب- العلاقة بين النوع والجنس.

ج- العلاقة بين النوع والشيء.

3- علاقة الترابط.

وهى العلاقة التى تعتمد الصلات بين المفاهيم وبعيدا عن الترادف والتخصيص، وهذه العلاقة لها نماذج كثيرة فى المكانـز من مثل:

أ- المفاهيم المترابطة على قاعدة التضاد.

ب- المفاهيم المترابطة على قاعدة الفعل وأثره.

ج- المفاهيم المترابطة على قاعدة المادة الخام ومنتجاتها.

د- المفاهيم المترابطة على قاعدة المعنى والأداء.

هـ- المفاهيم المترابطة على قاعدة المهنة ومن يمارسها.

و- المفاهيم المترابطة على قاعدة الشيء ومصدره.

ز- المفاهيم المترابطة على قاعدة التصاحب بين الشئ وطبيعته.

ح- المفاهيم المترابطة على قاعدة علاقة النسب.

ومن جانب مهم آخر تمثل الإحالات تقنية رائعة لتحقيق التماسك، ومطاردة التشتت الذى يمكن أن تسببه بعض العلاقات الدلالية.

وكل هذه المنهجيات تسهم بدورها فى تنظيم المصطلحات وعرضها فى المكانـز لتأخذ مسارات ثلاثة ظاهرة هى:

1-   القسم الرئيسى ويعد النظام الألفبائى أساسا تقليديا فى هذا المقام مع مراعاة الحروف المشكلة (بترتيب السكون ثم الفتح ثم الكسر ثم الضم).

2-   الأقسام المكملة والإضافية، وبها يعالج ما يمكن أن يكون من قصور فى التصنيف، وتسهم قواعد من مثل: التصنيف الوجهى والإدراجات الهرمية، والأشكال البيانية والمجموعات المصنفة فى حل علاج القصور.

3-   الكشافات التبادلية، وهى قوائم تسرد المصطلحات ألفبائيا بشكل يسمح للباحث بتعرفها من خلال مداخل مستقلة بغض النظر عن أفضلية المصطلح من عدمه فى أصل المكنـز.

(5) بناء المكنـز وتطويره:

من المهم جدا بروز آلية واضحة الاستراتيجيات لتطوير المكنـز بعد التفكير فى بنائه الذى يقوم على الدراسة والإعلام باعتزام تحقيقه وتحديد الأطر الأساسية ورصد المصادر من الأدوات وحصر المصطلحات وتسجيلها، ومع ذلك كله ينبغى أن يكون واضحا خطوات التطوير التى يلزمها العمليات الأساسية التالية:

أ‌-        المراجعة الشاملة.

ب- الاختبار والتقويم وهاتان العمليتان تسمحان عند تنفيذهما بإتاحة الفرصة لتحديث المكنـز، وهو التحديث الذى يمكن أن يتخذ الأشكال التالية:

1- إضافة مصطلحات جديدة بناء على مستجدات فى عملية إضافة المصادر.

2- الاستبدال بين المصطلحات.

3- الاستبعاد لمصطلحات مهجورة الاستعمال (وإن كنت لا أفضل ذلك لاعتبارات تتعلق بتاريخ المصطلح الشرعى، وأبعاده الاجتماعية واللغوية).

4- التوضيح و البيان.

5- تحسين شبكة الإحالات.

وقد كان للبعد التطبيقى الذى وقف فيه الباحث أمام أربعة مكانـز أثره فى بيان الانسجام المعرفى والعقلى بين التنظير والتطبيق سعيا نحو ضبط منهجية تنظيم المصطلح الشرعى ربما هو اقتراح.

ملاحظات:

إن فحص هذا الكتاب توقفنا على حقيقة مفادها أن (ص213) “عملية بناء مكنـز لمصطلحات العلوم الشرعية تعد عملية معقدة ولكنها أساسية، فهى تتطلب علما بالعلوم الشرعية ودراية بأصول اللغة الاصطلاحية، ومعرفة بمفهوم وقواعد بناء المكانـز” وهذا الإقرار يصب فى تقدير قيمة هذا العمل الرائد، وإن كان ثمة ملاحظة لنا على هذا العمل الرائد فهى تأتى من باب التقدير وإرادة التجويد والإضافة.

وسأقف أمام ملحظ أساسى يمثل حجر الزاوية فى إنجاز مكانـز مفيدة وهو ما يتعلق بقضية المصادر والأدوات، ذلك أن التوسع فيها، والإحاطة بها من شأنه أن بستوفى جمع المصطلحات، وألا يسقط منها شيء مما يقلل من كلفة المراجعة والتقديم والتطوير فيما بعد.

ومراجعة ملاحق هذا الكتاب فيما يتعلق بالنماذج المقدمة للمصادر تكشف عن أمور لا نقرها منها:

أولا-الاضطراب فى التصنيف المعرفى للقوائم، بمعنى أن الملحق (5-1) لنماذج مقدمة لمعاجم مصطلحات علوم الدين، فقد أورد فى (علوم الدين/ عام) التعريفات/ ومفاتيح العلوم/ والكليات/ ودستور العلماء/ وكشاف اصطلاحات، وهى معاجم مصطلحات عامة.

ثانيا-النقص والقصور فى القوائم، وهو ملاحظ مثلا فى قائمة الفقه ومعاجم الأصول، ومعاجم التصوف.

ثالثا-الخلط بإيراد معاجم فى غير قوائمها المنضبطة.

إن هذا العمل العلمى دليل ظاهر على مجموعة من الخصائص والسمات النفسية والعقلية للراحل الكريم، تجعل منه عالما منتميا إلى أمته بامتياز، حريصا على هويتها، ساعيا نحو تحديث معرفتها، وهى جميعا كافية فى تقدير سمته الجليلة فى مجال تخصصه العلمى.

* * *

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر