أبحاث

مجالات تجديد علم أصول الفقه

العدد 118

المقــدمــة :

كثـيراً ما يعـزى عجــز الفقــه الإســلامي عـن إمــداد نــوازل الحيــاة ومســتجـداتهــا بـأحكــامهــا الشــرعيـة المنوطـــة بهــا إلى أســباب وعـوامـل كثــيرة أهمهــا جمــود أصــول الفقـه « باعتبــاره المنهـج المنتج لذلك الفقــه والمطــور له أيضـًا »(2).

وهـذا الحكــم على علــم أصــول الفقــه يســـتفـاد مـن رؤى بعـض المهتمــين والبــاحثين في هـذا المجــال ونســوق على ســبيل التمثــيل قول أحــدهــم واصفًــا بالتجــريـد النظــري الذي لا أثـر لـه في توجيـه الحيــاة العلميــة « علمًـا نظـريًّـا مجـردًا يصلح للتـأمل … »(3), وقـولــه أيضًــا واصفًــا إياه بالعقــم : « … جـاء عقيمًـا منبتًّا عن الواقــع الخصب بالحيــاة, لا يكــاد يؤهـل الَمـاهِرَ فيـه لأن يوبّل فقهًـا أو يمـارس اجتهــادًا, خ،كـذا كـان مصيره في التاريخ … »(4).

وقـول آخــر : « … علم أصـول الفقــه مـن العـلوم الـتي تـدرس ضمــن علـوم الفلسفــة الإســلاميــة, منظمًــا بذلك إلى الفلسفــة التقليــدية وعلم الكلام والتصـوف … »(5).

وكـذلك : « علـم أصــول الفقــه أصبح علمًـا تجـريديَّــا ولذلك غـزتــه المبــاحث الكلاميــة والمنطـق, فـدخــل فيــه المنطق اليـوناني, والمباحث اللغويــة المســرفـة التي لا جـدوى فيهــا ولا طـائل منهـا »(6).

وقـول آخـر :  « علـم أصــول الفقــه بات يــدرس في كثــير من الأقطـار الإســلاميــة كمظــريـات جـامـدة ليـس لهــا أي مدلول واقعي »(7).

في حين, نجــد في الطــرف المقــابل عبـارات الباحثيـن في العصـر الحديث تظـهـر الإعجــاب بهـذا العلم :

فيوصـف على أنـه علم « يظهــر عبقــريــة العقــول المبـدعـــة التي عرفت كيف تصنع المنهج الصحيح لإدراك الغــايـة .. أحكمــوا (الأصوليـون) الخطــة بثبــات وعقـل واع وحــددوا المنهج فـــتركوه ثروة فكـريــة مذهلـة »(8).

وأنــه : يمثـل « … أعظــم ثروة فقهيــة أصـوليــة لا نجـد لهــا مثيلاً في تـاريخ الأمم والشــعوب … نفعهــم هـذا النــوع في الاجتهــاد الأصــولي الفقهـي فقـدمـوا لأنفســهم وللإنســانيـة جميعًـا أرقى النظـم الفقهيـة وأوسعهــا وأدقهــا, بحيث شــهدت لهـا المؤتمــرات القـانونيــة والنـدوات العلميــة … »(9). حتى أنــه لأهميتـه التشــريعية في تفســير النصــوص الشـرعيـة وحتى الوضعيــة, ترجــم إلى اللغـة الإنجليزيــة وهو يـدرس اليــوم في الجـامعـات الغـربيـة كجـامعــة هــارفــارد في أمــريكــا. كمــا ترجمت « الرســالة » للإمــام الشــافعـي إلى اللغـة الإنجليزيـة وهي تعتمــد في التـدريس بهـذه اللغـة في كثــير من البلاد الإسـلاميــة وغير الإســلاميــة أيضــاً.

لا شـك وأن تلك الأحكــام على تواترهـــا تثــير عــدّة تســـاؤلات جـديرة بالبحث والدراســة نجمـل أهمهــا على النحو الآتي :

ـــ مــا هي مصــداقيــة تلك الأحكــام المتباينـة التي وصف بهـا هـذا العلــم ؟

ـــ وإذا ثبتت مصــداقيــة تلك الأحكــام, من حيث أن كلا منهــا يصـدق باعتبــار مت لــه من ظــرف زمــاني تاريخي يختلف فيــه عن الآخــر, ممــا أدى إلى الاختلاف في تلك الأحكــام, فمــا هـي الأسبــاب والعــوامـل التي أدت به إلى العجــز الوظـيفي لحقبـة طويلــة من الزمن ممــا جعـل الفقـه على الحــال التي هو عليهــا من جمـود وقصــور على العطــاء الفقهــي وهو الأمـر الذي يرفضــه مبـدأ صلاحيــة الشــريعـة لكـل زمــان ومكــان, وترده طبيعــة الرســالة السمــاويـة الخـالدة والخـاتمـة.

ـــ إلى أي مـدى تسمــح طبيعـة « أصـول الفقـه » النظـريــة التجـريـديـة والثابتــة بسبب ما تقـوم عليــه من مصــادر الوحـي (القـرآن والسـنة) الثــابتين بالتجـديد فيــه والإبـداع والعطـاء ؟

ـــ وإذا ثبتت مشــروعيــة التجـديد فيه, فمـا هـي مجـالاته ؟

كـانت تلك تســاؤلات تشتمــل على قضـايا تحــاول هـذه الدراســة معـالجتهــا من خلال التعـرض لما يستدعيــه ذلك من بيان لمفهــوم علـم أصــول وتحـديـد طبيعتـه ومدلولاتـه بنـاء على تعـريفــه الاصطلاحــي المتـداول عنـد أهــل التخـصص حتـى يُرفع الإبهــام عن التســاؤل : هل هو علم نظـري تجـريـدي ثــابت فلا يقبل اجتهــادًا ولا تجـديـدًا ؟ أم فيــه مــا هـو كذلــك من المبـاحث, ومـا هو عملـي تطبيقـي وغـير ثــابت من المفــاهيــم فتقبــل الإجتهــاد والتجـديـد ؟ ولقــد بـدأت بهـذا الأمـر في أول مجــال عــام من مجــالات التجـديـد, ومقصـودي بالمجــالات هــى المواضيــع والمبــاحث الـتي يمكن أن يجـد التجـديـد مشــروعيتـه ومجـاله في بحثهـا, سـواء كـانت مواضيع عـامـة لا تختص بمبحث معين أو مســألة معينــة, بل بكـل مبــاحث علم الأصــول لأن التّجـديــد فيهــا يخـدم كل مبـاحثـه أو الغـالب منهـا, وهذه رأيت أن أطلق عليهـا «المجـالات العـامـة للتجـديـد », وفي المقــابل تعـرضت لبحث التجـديـد في بعض المســائل الجـزئيــة المتفرقــة ضمن مجــالات أطلقت عليهــا « المجــالات الجـزئية ».

وقبـل تنــاول(10) تلك المجــالات بالعـرض والتحليــل, يقتضــي ســـياق البحث في مـوضـوع تجـديـد أصـول الفقــه الإِــارة إلى وجــود عـدة اتجـاهــات فكــريـة مختلفـــة(11) يحــاول كـل منهــا إعطــاء رؤيـة أو تصـور نظــري عــام لكيفيــة تجـديـد هـذا العلـم بصـورة تسـهــل من فهمـه واستثمـاره في اجتهـاد الأحكـام, ولعل أظهـرهـا ما تقـدم به كـل من الأسـاتذة الأفاضـل : علي جمعـة محمـد(12) ومحمــد الدســـوقي(13) وعمـران نيــازي(14) وغــيرهــم من ذوي الاهتمــام بقضيــة التجــديـد, إلا أنـه نظـراً لاتجــاه هـذه المحــاولات في عمـومهــا إلى تغليب فكــرة التجـديـد بتصــور عـام ـــ أكثــره افتراضــي ـــ يركّــز عـلى الجــانب الفنـي والتصنيفــي لمبــاحث هـذا العلـم إمـا بصياغــة مباحثــه على شكل نظـريـة تشــريعيــة عـامـة كمـا هـو ظـاهـر عنـد الدكتـور نيــازي, حيث تكـون على شـكل إعــادة صياغـة مباحثــه من حيث ما يقــوم عليــه كـل من الجـانب التنظيري للاجتهــاد (الأصــول النظــريــــة) هـذا من جهــة, وأيضًـا مــا يقــوم عليــه الجـانب التطبيقي مـن أصــول وقـواعـد من جهــة أخـرى, ولربمـا هي رؤية سبق إليهــا العلامــة ابن عاشــور وإن كــان قد تجــاوزهــا إلى التجـديـد في المضــمون لما دعـا إلى نخـل هـذا العلـم, وعمــل بتلك الدعــوة في بعض مبـاحثــه(15), وهـذه الرؤيــة نجـدهــا أكثــر تـأصيلاً ووضـوحًـا وشمـوليـــة وتحققًـا عند الدكتــور جمــال الديـن عطيــة من خلال كتابه « النظــريـة العـامـة للشـريعـة الإســلاميــة » الذي ضمّنــه مبـاحث أصــول الفقــه بمـا فيـه إثراء لســبل التفعيــل لهذا العلــم من حيث الدفع إلى الإعمــال والتطبيق, فلقـد أعـاد صياغـة مباحثـه بتبويب جـديد سهـل المنال, وإضـافــات تنظيريــة تتجـه بــه نحـو الواقع والتطبيق في كـل مجـالاتــه وبكـل وســائله الممكنــة, متجــاوزًا ومذلـلاً بذلك عقبــة « التجـريـد » و « المذهبيـة » و « الاستطـرادات التي لا ينبــني عليهــا عمــل » مـع إبــداء التوجيــه البنـاء لبعض المفـاهيـم الأصـوليــة الاجتهــاديــة المضــامينيــة معتــبرا في ذلك الخصــائص العـامــة للشـريعـة ومقـاصـدهــا العـامـة وقـواعـدهــا من جهــة, وكيفيــة تطبيق الحكــم وتنزيلــه أخـذًا بالاعتبــار ـــ في ذلك ـــ نطــاق محلـــه غي أبعــاد الشــخصية والزمـانيــة والمكــانيــة(16) وغــير هـذا من التفصيل سـيـأتي تنــاولـه من جهــة أخـرى, بالعـرض في مجـال التجـديد الرابع.

وباعتبــار أنّ توجيــه عمليــة التجـديد بشكــل بارز إلى مضمـون مبـاحث العلم وهو الجـانب الأهــم من حيث اعتباره بالأولويــة, فمـا تفيده الصياغـة الفنيـة ترتيبًا وتقســيمًا دون تفعيل مضمـونهــا بإعـادة النظـر والتوجيــه والإثــراء ! وهــي فكــرة رغــم ســدادهــا إذا مـا قورنت بوجهــات نظــر أخـرى تقـوم على ضـرورة إلغــاء كـل هـذه الأصــول باعتبـارهـا كسبية مربوطـة في صلاحيتهــا بالظــروف التاريخيــة الزمـانيـة البيئيــة في تشــكلهـا وظهـورهـا, إلا أن الإنصــاف والمـوضـوعيــة تجاه هـذا العلم التشــريعي المهـم يقتضـي أن يكون البـدء ـــ اعتبارًا لســلم الأولويـات ـــ في التجـديـد بمـا هو أولى مرحليُّـا أي بالمباحث الجـزئيـة وما يتعلق بهـا من مفـاهيـم تحتـاج إلى أن توفـى حقهـا من الخـدمــة العلميــة, وهـذا ما تحـاول هـذه الدراســـة الوقــوف على بيانــه من خلال ما يلي من المجـالات البحثية :

أولاً : مجـالات التجـديـد العـامـة :

المجــــال الأول(17) : مـدلــول علــم « أصــول الفقــه » بيـن الحقيقــة والواقــع وبين التجـريـد والإعمــال :

يبيـن واقـع الدرس العلمــي أن « علم أصـول الفـقة » لا ينفـــك عــادة في تعـريفــه الخــروج عن اثنـين(18) أحــدهمــا يعـرف بالتعــرف اللقبي وهو : « العلــم بالقــواعـد الكليــة والأدلــة الإجماليــة الـتي يتوصــل بهـا إلى اسـتنباط الفقــه », وثانيهمــا يعـرف بالتعـريف المـركب من «أصـول» و«فقــه», والأصــول قـد يكــون منهــا اللغـويـــة التي يســتنبط بهــا المجتهــد الحكــم من نصــوص الأدلـة الإجمـاليــة (القـرآن الكـريم والسنــة المطهـرة), أو قـواعــد شــرعيــة وهـي مـا تعـرف بالقيــاس والإجمــاع والإستحســان والعـرف والمصلحــة وســد الذريعــة والاستصحـاب … ـــ وإن كـانت تسمى أدلــة أيضـاً ـــ أو قـواعــد بيـان مراتـب أدلـة التشــريع, أو قـواعــد بيان مراتب أدلـة التشــريع, أو قواعــد الـترجيح بينهــا, أو قـواعـد بيان مراتب بعض الأدلــة من حيث أقســامهــا وأنواعهــا, أو قـواعــد بمعنـى المبــادئ العـامـة للتشــريع وكلياته مثل رفع المشقـة ورفع الحــرج والتيسير, وغـيرهـا ممـا يدخـل في معنى القـوانين المســتنبطـة من الكتـاب السنـة وتوازن بهـا الأدلـة الجـزئيـة عنـد استنباط الأحكــام الشــرعية منهـا(19), وتضمّن التعـريف «الفقــه» كمــركب مضـاف لـــ : «أصـول» باعتبــار اســتناده إليهــا, ومـا يلاحـظ على التعـريف أنه  حصـر مدلـول علم أصــول الفقــه على العلـمبالأدلة في حين تظهــر حقيقـة مدلولـه كعـلم بشــكل شــامل وتـام ومـانع في تعـاريف أخــرى ـــوإن كـانت أقل تدولاً ـــ مثالهــا تعـريف الإمـام الغـزالي : « فــالعلم بثبوت هـذه الأدلـة … وشــروط صحتهــا أو وجـوه دلالتهـا على الأحكــام هو العلـم الذي يعبـر عنــه بـأصـول الفقـه »(20), وأيضـاً تعـريف الإمــام البيضــاوي « معــرفــة دلائــل الفقــه إجمــالا وكيفيـة الإســتفـادة منهــا وحـال المستفيـد »(21).

فبوضـوح تُظهـر المقـارنـة بين التعـاريف قصـور التعـريفيــن الأول والثـاني, لكـون تعـريف الإمــام الغـزالي يستفـاد منه أن علم أصـول الفقــه يشــتمـل على الأدلــة ومــا يدخـل في معنـاهـا من أصـول وقـواعـد ومـا يتعلق بهـا من مسلمــات ومبـاحث ومسـائل في إثباتهــا, ويضيف إلى ذلك الإمــام البيضــاوي مـا يتعلق بالمجتهــد من شــروط كمبحث آخـر.

ولقــد أدى عــدم التواضــع في ضبط المفهـوم والمدلول إلى سلبيـات جنت على حقيقـة تصـور علـم أصـول الفقـه منهـا :

  1. الخلــط بـين «أصــول الفقــه» كمـدلول خــاص يطلق على القـواعــد والأدلــة في حقيقتهـا وذاتهـا, وبين «أصـول الفقـه» كعلــم يشتمــل بالإضـافــة إلى الأدلـة والقـواعـد مبــاحث ومســائل ومسـلمـات يتوقف عليهــا إثبــات تلك الأدلـــة والقـواعـد ـــ وهو المعنـى الذي يتضمنــه هـذا العلــم ـــ والتي يمكــن تقسيمهــا إلى أربعــة أقســام بحسب الموضـوعــات التي تنـدرج تحتهـا وبحسب ما استقر عليه التدوين لهـذا العلـم(22) في مـراحـل ضعف وجمـود الفقــع أي عصـر التقليـد الفقهي.

القســم الأول : أكثــر ما يتضمنــه من مبــاحث هـي أقـرب إلى المبــادئ والمسلمـات التي تمثل أسسًـا ومـرتكـزات هـذا العـلم ومن أهمهــا : مبحث حـدّ «أصــول الفقــه» أي تعـريفـــه كعلــم, مبحث حـدّ «الدليل», مبـاحث «الحكــم الشــرعي» وأقســامـه, ويُمثــل هـذا القســم حـدود هــذا العلم ومرتكزاتــه وهي في طبيعتهــا نظـريـة, وصفيـة وتجـريديـة لأن وظيفتهــا تعـريفيــة بيــانيــة للأســس والموضـوعـات التي تمثــل بنيــة هـذا العلم, فتكثـر التعــاريف لحـدود العلم ومواضيعــه ومبــاحثــه التي اســتند فيهــا الأصـوليون إلى الاستفـادة من عملي المنطق واللّغة.

القســم الثـاني : يشتمــل على مبـاحث الأدلــة والقـواعــد التي تبـين التعقيد لكيفيـة دلالتهــا على الأحكــام إمــا بطبيعتهــا أو نظــمهـا أو بفحواهــا أو بمفهـومهــا أو باقتضــائهــا وضـرورتهــا أو بمعقولهــا ومعنـاهــا المســتنبط, ورغــم بروز الطــابع النظـري لمبـاحث هـذا القســم, إلا أنــه يشمــل الأصـول أو القـواعـد التي تنـزّل الأحكـام اجتهـاديًّـا على أفعــال المكلفين في الواقـع.

القســم الثالث : ويشتمــل مبــاحث الترجيح بين الأدلة المتعـارضـة وما يتعلق به من قواعــد.

القســم الرابع : يشــتمـل مبــاحث الاجتهــاد ةما يتعلق به من قواعـد وشـروط للاجتهــاد بالإضافــة إلى موضوعي التقليد والاستفتاء.

مــا يتّضح من تلك المبــاحص التي تشـكل في مجمـوعهـا «علــم أصـول الفقـه» أن منهــا ما يمثل مقـدمــات العلم وحـدوده ومرتكـزاتـه (مســـلمـاته) وهي مـا يعـرف بأصـول «وسـائل» العلم أيضًا, ومنهـا ما يمثل : الأدلة والأحكــام وهي تعـرف أيضـاً بأصــول «غـايـات» لهـذا العلـم باعتبــار أنه علــم يستهـدف إثبــات الأدلــة والأصــول الصحيحـة لضمــان سلامــة الاجتهــاد وكلا القســمين يشتمـل على مبــاحث تثبت وتبرهن صحته.

  1. عــدم الضبــط لمعــاني كـل من «الأصــول» و «الدليـل» و «القــاعـدة» في التعـريف من حيث أن المفــاهيـم الثلاثـة يجمعهــا اصطلاحيَّــا لفـظ واحـد وهو «أصـول» رغــم أن الدليــل (وأكــثر مــا يقصــد به القـرآن الكـريـم والسنـة المطهـرة) أعـم مـن الأصـل والقــاعـدة باعتبارهمــا مســتمدين منهمـا, كمــا أنّ الأصل أعـم من القـاعـدة أيضـًا, فـأدى ذلك إلى الخلط في دلالـــة كل منهــا عنج الاســـتعمـال, فالدليل إذا قصـد بـه القـرآن والسنـة يكون قطعيــا وثــابت المصـدريــة, في حيـن إذا قصـد به خلافهمــا من قيــاس أو إجمــاع أو مصلحــة أو عــرف أو استحســان … فالدلالــة تختلف في قوتهــا عن الأولى, كمــا أن عــدم الضبط هـذا جعل البعض يخلط بين مدلولــه الخـاص في أصـول الفقـه ومدلولــه العــام في الدين, ففي الأول تتردد دلالتـه بين الظن والقطع وفي الثـاني تكـون قطعيــة, وهـذا مــا جعـل البعض يتحفـظ ويرفض التجـديـد إذا مــا تعلق بالأصــول لأن أصــول الدين في تصورهـم اجتهـادلً ولا تجـديدًا(23).

فالتجــديـد في مجــال ضبط مدلـول «الأصـول» بالمعنـى الاستعمـالي الخاص وكذا العـام أمـر لابـد منــه فمن شـأنـه أن يمهـد السبيـل في تســديد فهـم هـذا العلم, وبالتـالي في توجيــه وتصـويب مـا لحق بـه من أحكـام الثبات المطلق والقطع اللازم. وإن كـانت هـذه المنـاسبــة تقتضــي الإشــارة إلى محــاولات تعتــبر رائـدة في الموضـوع, منهــا التي أشــار إليهــا الدكتــور حسن الــترابي ـــ وغــيره الكثــير(24) ـــ موضحًــا مدلول «الأصــول» وموفقــاً بين أنواعهــا وهـي : الأصـول التي هي أمهــا معــاني الديـن, قطعيـــات محكمــات لا خلاف عليهــا, وثابتــات خــالدات لا تتقــادم وهـي القرآن والســنة), وفي حـين هنــاك أصــول التفقــه في الدين وهـي تمثل مناهج تنزيله على الواقع, وهي كسب مؤسس على قـواعـد خـالدة ودائر على محـاور ثابتـة ولكـن يدخـله الرأى غير المعصــوم واعتبار الواقع غــير الثــابت فتكــون بذلـك قابلــة للتغــير والتجـديــد ولا قطــع فيهــا(25) وأضـاف : « لـربمــا يجوز أن نسميهــا أصـولاً وضعيــة لأنهــا ممـا تواضـع عليــه النـاس المجتهـدون) مهتديـن بالشــريعـة دون خلط مع مصطلح الوضعيـة الذي يطلق على مـا يقتصـر على البشـر »(26).

وذهب مجتهـداً في وضع أصـول الفقــه وضبطهــا في ثلاثـة أنواع(27) :

الأول : «أصـول البيـان» تتجـلى بهـا الأحكــام تفسـيراً واستنباطـاً.

الثاني : «أصـول التكليف» تنزل بهـا الأحكــام في صـور ملزمـة.

الثـالث : «أصـول ماديـة» تشتمـل على أصـول علـوم اللغــة والنفس والمجتمــع والســلوك.

والنّوع الأخــير من الأصــول هو المجــال المعـوّل عليــه في  عمـليّــة التجــديد ـــ من حيث الإضــافة والاستكمـال امـا لـه من علاقــة مع مبـاحث العلم ـــ نظـراً لارتبـاطـه بالواقـع ومستجـداته, فالكثـير من مفكـري التجـديد والإصـلاح في التّشـريع من حيث تمكنـه من فهـم الواقــع وضبطـه بالاجتهـاد يرون ضــرورة الاستفــادة من علم الأخلاق وعلــم الاجتمــاع وعلم النّفس وغـيرهــا من العلـوم الإنســانيّة لإصلاح هـذا المنهج بتفعيلــه وربطــه بالواقع, ومـا مشـروعي إســلاميّة المعـرفـة والتكــامل بين العلـوم الشــرعية والوضعيــة إلا وســيلة للإسهــام في تحقيق ذلك من حيث إثبـات أهميــة المشــروع ومحـاولـة رسـم منهجـه وسيـأتي التفصيل في هـذا في مجـال خاص.

ليس التجـديـد لمدلــول لفظ «أصل» هو المعـول عليــه في هـذا المجـال, وإنمـا تجـديد فهـم «علم أصــول الفقـه» بثوبـه التاريخـي(28) الـذي لا يـزال يرتـديــه. إنّ المتمعن في أصـول الفقــه من خلال ما استقر عليه من مبــاحث ـــ وخـاصـة التي يتـم تدريسهــا في المقـررات الجـامعيـة ـــ يجـد أن طبيعـة هـذه الأصــول من حيث مســتوى تقـدمهـا وتطـورهـا هـي في مســتوى ابتدائي أي أوّلي, من حيث أنهــا تمثــل بدايــات التـأســيس لهـذا العلم, أي تمثــل صـورة مرحليـة في تـاريخ تطـوره لأن الغرض من المــادة الأصـوليــة ـــ بالاعتبــار الزمــاني المرحـلي ـــ كـان متوجهًـا إلى تـاسيس هـذا العـلم من حيث بيــان حـدوده والتعـرض لمســائل إثباتهـا وهو مسـتوى أولي من تطوره أكثر ما يظهــر في أعمــال أئمــة الإجتهــد ويبــدأ ظمـوره عنـد تلامذتهــم من العلمــاء الأصوليين والذين كــن عملهــم متوجهـًا : « الغــرض فهــم كيف توصـل الفقهـاء إلى الآراء التي قالـوا بهـا وليس بأيـة حـال لغرض استخـدامـه .. »(29), في حين أن المسـتوى الثاني وهو المتعلق بإكمــال هـذا العلــم وتنزيلــه فلم يعـرف حقــه من التطـور بالتّجـديـد لمباحثـه والـتي إن وجــدت فهــي لا تتعــدى(30) الإشــارة أو التذييل في المبحث.

والاهتمــام بهــذا الجـانب الأصـولي التطبيقي كــان ظـاهـراً في بعض مراحـل تطـور التشــريع, ولكـن ظهـوره كـان مستقلاً عن بنيــة علـم الأصـول, حيث ظهــر بمســميات فنيـة مختلفــة لعـل أهمهـا «القـواعـد الفقهيــة» و «مقــاصـد الشــريعة الإســلاميــة», وإن كـان التعـرض لهـذه المســالة يحتـاج إلى بحثً مستقل, لأن بهــا قد يثبت عـدم مصـداقيــة عمــوم دعـوى التجـديد في هـذا العـلم.

المجــال الثاني : الاجتهــاد والتجـديد وجهـان لعملــة واحـدة :

رأيت أن أجعــل الوقوف على بيـان مدلـول «التجـديـد» ـــ كمبحث يتطلب المقــام التعرض لــه ـــ في مجــال مـن مجـالات التجـديـد العـامــة نظـراً لارتباطــه وتلازمــه بمــوضوع الاجتهــاد والـذي يمثل مبحثــاً مهمــاً تســتند إليــه المبـاحث الأخـرى في إثباتهـا, وإن كـان التنظير لــه وتضمينــه علـم أصـول الفقــه عـرف في المـراحل المتأخـرة من تطـور علم الأصـول.

والتجـديـد بالمعنـى الاصطلاحي العـام لا يختلف في مدلولــه عن المعنـى اللغـوي الذي يمكن تلخيصــه من خلال تتبع كتب اللغة في عبـارة قصيرة وهي أنــه « عمليــه تطـرأ حـادثــة على الشــيء والأمـر المجّـدد تضيف له مـا لم يكـن معهـوداً »(31) فيصبح بذلـك جـديـداً, من غــير إلغــاء لــه أو استبـدال(32), والتجـديـد في مشـروعيتــه لـه مـا يؤصـلـه من نصـوص السنــة الصحيحــة, فلقــد روى عن الرســول ـــ صّلى الله عليــه وســلم ـــ أنـه قــال : « إن الله يبعث لهـذه الأمــة على رأس كـل مـائــة سـنـة مـن يجـدد لهــا دينهــا »(33) ولقــد حمل العلمــاء هنــا معنـى التجـديـد محمـل الاجتهــاد أيضـاً, إذ بـدون اجتهــاد لا يقوم تجـديـد, والتجـديـد لا يمكـن أن يفــارق الاجتهــاد إذا مـا حّدد مفهــومــه وصـوره ومجـالاته, وإن كـان الكـلام عن التجـديـد حـادثًــا عن الاجتهــاد بسبب مراحـل تطـور العلــوم المـرتبطــة بـه كالفقــه وأصـولــه ومـا تعلق بهــا من عـوامــل فكـريــة وسيــاســية واجتمــاعيـة. فالاجتهــاد في بداياتــخ لم يكن يسمــى تجـديداً لأنــه كـان في وظيفــته يكشف عـن الأصــول وعن الأحكــام تبعـاً لهـا, وبعــد عمليــة الكشف والاستقـرار لمــا كشف عنــه الاجتهــاد مـن أصــول وقـواعـد ومــا تعلق بهمــا مـن مبـاحث يســمى الاجتهــاد فيهــا ثانيــة تجـديــداً, والاجتهـاد مهمــا اختلفــت صوره إمــا بالاستكمــال أو بالإضـافـــة لمــا لم يكتمــل من مبــاحث وموضــوعـات بسبب غلق باب الاجتهــاد, أو بالتنقيح والتهـذيب والتنقيــة ممـا خلفتـه الدّهــور مـن أدران التعصب والجمـود, أو مما لا يليق به كعلــم يقـوم عليــه استكمــال الشــريعـة في أحكــامهـا ويقـوم عليــه بقـاؤهــا وخلودهــا, فهـو يعمــل من خلال ذلك على إضــافــة جـديد لم يكـن معهـوداً للفقـه على صـورة حكـم شـرعي, أو للأصـول ـــ كمــا ســنرى ـــ على صــورة بيــان معنــى تشــريعي لم يلتفت لــه أو ترجيح أو إعـادة ترتيب أو إضـافـة مســائل لأجــل تفعيلهــا أو حـذف ما لا فـائـدة تشــريعية فيـه, وإلا يصبح الاجتهــاد عبثاً لا فــائـدة منه, وهذا ما اســتنكـره وعـابه المجـددون من المجتهـدين في القـرون المتـأخـرة عصــر التقليـد الفقهي وجمــوده أمثــال الإمــام الشـاطبي رحمـة الله إذ قــال : « كـل مســألة لا ينبني عليهــا فرع فقهــي فهـي عـاريـة »(34).

وتحـديد مشــروعية وشــروط ومجـالات التجـديـد يكـون تبعـاً لمــا قـرره علمــاء الاجتهــاد, فــإنه يتعـدى لإثبــات مشــروعية التجـديـد لاعتبـاره وجهًـا من وجـوهه.

وإذا كـان مجــال الاجتهــاد محـدداً بمـا لم يرد نص فيــه أو في غــير القطعيــات من مســائل الشــرع, فهـذا يحـدد بدوره كمجــال للتجـديد.

وإذا كــان الاجتهــاد في صـورتــه بذل المجتهــد وســعه في النظــر في أدلــة الشـرع واستعمــال أصـوله وقواعـده للكشف عن الحكم(35) فالتجـديـد كذلك.

وإذا كـان الإجمــاع ثابتًــا على مشــروعية الاجتهــاد والتجـديـد تبعـاً لـه, فذلك في الفقــه لا في أصــول الفقــه وهـذا مــا يفيــده شهــادات الكثــير من الباحثين المهتمين بــالموضــوع, فــالدكتور جمــال الدين عطيــة يــورد هــذا فيقــول : هـذا المـوضــوع لا زالت تتنــازعــه اتجـاهـات مختلفــة, ولم ينضــج بعــد حتى يمكن الحديث فيـه(36), رغــم أنــه مطـلوب تبعــاً لطلبــه في الفقــه(37), ويذكــر تجــارب المجتهـدين المعــاصرة في ذلك في قولــه : « … والواقــع أننــا قــد بدأنا منــذ أكثــر مـن عشــرين عـامـاً الكتــابـة في تجـديـد أصــول الفقــه(38) واعــتُرض على البحث بــأن الأصــول ثابتــة لا تتغـير … وقــد يطـول انتظــاره حتـى تتـم بلورتــه ووضـع القـواعـد المتعلقــة بـه وفهمهــا ثـم تطبيقهــا في الفروع … ولعـل مـا يؤكـد هذا أن مشــروعــات الموسـوعة الفقهيــة مثــل موسـوعـة المجلس الأعلى في القــاهـرة مضى عليهــا حوالي أربعـون عـامـاً ولم تكتمــل, وموســوعة الكويت ثلاثون عـامــاً ولم تكتمــل أيضــاً, حيث تّم إنجــاز 197 مــادة مـن أصل 1790, وتم وضع ما أنجــز في 64 مجـلداً لم يطبع منه ســوى 22 مجـلداً, ومن أهــم عراقيـل إكمــال المسيرة الاعتراضــات على مشــروعيـة التجـديـد في أصـول الفقـه بسبب الفهـم الضيق لأصـول الفقـه, فالحق أنــه كمـا جــاز للأولين الاجتهــاد فيه والتجـديد والاختلاف فمــا يمنع ثبوت جــواز ذلك الحق للمتـأخـرين »(39).

ويـذهـب إلى بيــان ذلك الدكتور الشيخ يوسف القرضـاوي أيضـاً بقـوله : « وقـد ثــار نقــاش مهـم منذ ســنين حول أصـول الفقـه هل تقبل الاجتهـاد والتجـديد مثل فروع الفقـه أو أن أصــول الفقـه قطعيــة لا مجــال فيهــا لتجـديـد أو تطـوير أو اجتهــاد »(40) ويجيب مبينــاً مشــروعيتــه ومحـددًا مجـالاتــه : « والحق أن أصـول الفقـه مثـل مزرعـة منهــا مــا هـو قطعـي لا يقبل تجـديـداً ولا تطـويراً مثل مصـدريـة الكتــاب والسنـة وما استنبط منهــا من قـواعـد قطعية محتلفــة مثل التكليف بحيب الوســع, الأمـور بمقـاصـدهــا, لا ضـرر ولا ضرار(41) والاعتبــار بالأمثــال (القيــاس), وبالمصـالح في تنزيلهــا, ومســلمـات هـذا العلم كثبوت التخصـيص والتقييد كقــاعـدة في تنزيل الأحكــام, وثبوت أحكــام شــرعية محـددة أقسـامهــا الأســاسيــة (الخمســة) وأحكــام وضعيــة محـددة في ثلاث, وفي القـواعــد المحـددة لشــروط التكليف … » ويضيف محـدداً مجــال الظن الـذي يقبل الاجتهــاد والتجـديـد « وكـان ذلك سبب اختـلاف الأصـوليين, وهو يمثــل أكثــر مســائل الأصول »(42) ولعـل البــاحث المحقق في كيفيـة تنـزيل المجتهـدين الأصل أو الدليـل أو القــاعـدة وهو مــا يكــون في صــورة «اجتهــاد» ومع احتلاف أنظــار المجتهـدين في ذلك تتبــاين مواقفهـم اتجاه المســائل الأصـوليــة المتعلقـة بذلك الاجتهــاد التنــــزيلي, فــالكل يجمع على ثبوت التخصيص كــأصل قطعـي لكنهـم يختلفون في كيفيــة من حيث ثبــوت المخصصـات وقـوة دلالتهــا. فـأصبح بذلك مبحث التخصص اجتهـاديًّـا يقبل التجـديد من حيث كيفيـة تنزيلــه وهـذا لتجـدد المخصصــات في بعض أنـواعهــا … وكذلك الأمـر بالنســبة للأصــول أو القـواعــد الأخــرى المتعلقــة بتفســير النصوص وتــنزيل الأحكــام عليهــا وكذلك في مسـالك القياس وتحرير مقـاصـد الدين … وذرائع المصــالح والفســاد في المجتمع, وغير ذلك الكثير مـن الأمثلة …

والتحقـيق العلمــي يظهــر أن عقبــات التجـديـد في علـم الأصــول المتعلقــــة بهـذا المجــال تتمثــل في :

  1. عـدم الضبط لمفهــوم «أصـول» بنـاءً على مـا ذكــرناه ســابقـاً, فالأصــول بالمعنى الاســتعمــالي عنــد المجتهـدين إذا أطلقت فهي تشــتمـل على القطعي الذي لا يقبل الاجتهـاد كمــا تشــمل الظني الـذي يقبلــه كضـرورة في تطـور مباحثــه.
  2. طبيعــة التنظـير الأصـولي لمباحث الاجتهــاد ونشــروعيتــه ومجـالاتـه كـان له أثـر كبــير في قصره على الفقــه دون أصــول الفقــه, حتى قـالوا أنّ « المجتهـد فيــه كـل حكــم شــرعي عملــي … ليس فيــه دليل قطعـي»(43), كمــا حصـروا تعـريفــه به أيضــاً لمـا قـالوا أنّ « الاجتهــاد هو بذل الوسع في نيل حكــم شــرعـي عمـلي بطـريق الاستنباط »(44), ويرجـع اقتصــار الاجتهــاد والتجـديـد تبعًـا له على الفقـه دون الأصــول إلى فترة الجمـود والتقليـد لأصـول المذاهب وفـروعهـا التي كــان يمــر بهــا الفقــه الإســلامي آنـذاك والتي غذتهـا الدعـوة إلى غلق بـاب الاجتهـاد والتى مـانت لهــا مبرراتهــا السياسيــة والاجتمـاعيـة التاريخيـة.

وما يتحــدّد بالبيان في هـذا المجـال من التجـديـد أنّ التجـديـد مفهـوم تشــريعـي لـه مـا يؤصّل مشــروعيتــه في علـم أصـول الفقــه, ويجب أن يحظـى بالتنظـير في هـذا العـلم كمبحــث مـن مبــاحث مـوضـوع  «الاجتهــاد» باعتبـاره قرينًــا ملازمـًا له في بعض صــوره, فيثبت بذلك كنــوع من أنـواع الاجتهـاد, وليطلق « الاجتهــاد التجـديــدي » وينظّــر لأصــولــه وشــروط صحـة ثبوتـه ومجـالاته في باب أو مـوضـوع الاجتهـاد, كمــا يدعـو بحث التجـديد في مجــال التنظــير لمــوضـوع «الاجتهـاد» أن تضــاف «الأصــول» إلى محـل الاجتهـاد ــ أي إلى موضـوعــه ـــ في هـذا العلــم بعـد أن كـان محصـوراً في مـوضـوع الحكــم.

المجــال الثــالث : تحـديـد القطـع والظن في علـم أصـول الفقـه ودور عـلم مقـاصد الشــريعـة في ذلـك :

إن إثبــات مشــروعية الاجتهــاد والتجـديد في علــم أصـول الفقــه وتحـديـد شـروطـه ومجـالاتــه من طـرف المجتهـدين من العلمــاء المحققين على المستـوى النظـري ـــ وهـذا حسب ما تّم بيانـه في المجـالين الأول والثـاني ـــ أمـر لا يكفي للمضـيَّ بالتجـديـد عمليًّـا, فتمهيـداً لتطبيقــات التجـديـد فيما يتطلب ذلك, وإزالــةً لعـراقيلـه يجب أن تبـدأ عمليـــة التجـديد بمجــال بحث تُحـدَّدُ فيــه المجــالات القطعيـة من خلال ضبط المفــاهيـم الأصـوليــة القطعيــة التي لا تقبل الاجتهـاد والتجـديـد والـتي قطعيتهــا بــالنص القطعـي الصـريـح مثــل مفهــوم أو أصــل مصــدريـة القـرآن والسنـة وغيرهـا من أمهــا الأصــول التي ثبتت بالإجمــاع مثــل ثبوت أصــل القيــاس أو الإجمــاع نفسـه وكـذلك المفـاهـيم الأصـوليـة والتقعيـديـة اللغـوية الأوليــة والأســاسـة التي يســتنـد إليهــا تفســير النصــوص وغيـرهــا مـن الأصــول الكليــة الثابتــة … فتحــديـد المجـــال القطعـي(45) ـــوهـذا بعـد التواضــع على ضبط «القطع» في مفهـومـه ومـراتبــه والذي يعــرف بدوره اختلافــاً كبيراً بـين العلمــاء ـــ يسهـل من تحـديـد المجــال الظنـي من حيث مــا لا تثبت قطعيته فهـو ظني يقبل الاجتهــاد والتجـديـد وهـذا المجــال هـو الأوســع في أصــول الفقـه بشــهادات المحققـين(46) وبواقــع المــادة الأصـوليــة ذاتهـا والتي لا يخـلو منهـا مبحث إلا وتجـد فيــه تنــوع واختلاف النظــار حــول إثباتـاُ وتفـريعـاً وإعمـالاً, وفي هـذا قــال الدكتــور القــرضــاوي : « وأكثــر مســائل الأصــول كذلك .. وهـذا ما حـدا بالإمــام الشـوكـاني في القـرن 13هـ لأن يؤلف كتـابـه إرشــاد الفحـول لتحقيق الحق من علم الأصــول »(47).

والظن في علــم أصــول الفقــه لــه مــا يبرره مـن أسـباب مختلفــة موضوعيـة علميــة وتاريخيــة متنوعــة, ومن أظهـرهـــا الاختلاف في مســائل الاجتهـاد من حيث تفصـيل البحث فيهــا إثباتًـا أو نفيًـا وهـذا مــا تشـهـدبه عبارة الإمــام الجويني عنـد تبريره دخــول ما هـو ظّني في علم أصـول الفقـه : « .. فــإن قيــل تفصــيل أخبــار الآحــاد والأقيســة لا يلفى إلا في الأصــول وليست قواطع, قلنـا : حظ الأصــولي إبـانـة القاطع في العمـل بهــا, ولكـن لا بـد من ذكـرهــا ليتبيّن المدلول ويرتبط بالدّليل »(48).

وهـذا الخـلاف تبـلـور في تطـوره ضمـن منــاهج متبــاينــة أهمهـا منهــج المتكلمين ومنهج الحنفيـــة وغيرهمــا من المنـاهج الفرعيــة الأخـرى, فكـل منهج منهــا نشــأ مختلفــاً عن غــيره في معـالمـة وكيفيــة تـأسيس وبنــاء وإثبــات القـواعـد والأصــول فيــه, وهـذا الاختلاف في المنــاهج لــه مــا يبرره من أسباب أيضـاً, ولعـلّ أهمهـا : تفـاوت مـدارك المجتهـديـن واختــلاف زمــانهـم ومكــانهــم الـذي تنــدر معــه إمكــانيــة الاجتمــاع والتواضــع على منــاهج مـوحـدة وقـواعـد منضبطــة لتـأسـيس هـذا العلم, هـذا زيــادة على الاختلاف في المبـاحث التي تضمنهــا علم الأصــول في بحثـه وفق تلك المنـاهج(49). كمــا أدّى ما عرفـه تطـور التشــريع ـــ في بعض مراحلـه ـــ من تعصب وجمـود على المنقـول إلى اســتمراريـة تأثير هـذا الّنمــط في نمــو مبــاحث هـذا العلـم, حتـى جـاء عصــر الإمــام الشــاطبي الذي حــاول معالجـة هـذه الإشــكاليــة العلميــة بشكــل واضح وشــامل في علم الأصـول الفقــه وهـذا بالاستنــاد إلى مقـاصـد الشـريعــة الإســلاميــة واســتخلاص القطع من كلياتهـا, مجســداً بذلك عمليًّـا دعـوة الإمــام الجــونـي قبلــه إلى ضـرورة تبيـن قطعيــات الأصـول من ظنياتهـا وهـذا يستـدعي « نخـل الشــريعــة من مطلعهــا إلى مقطعهــا .. واســتبانـة كلياتهــا وجـزئيــاتهـا .. والإحــاطة بطــرف تشــعبهـا .. وترتبهــا ومســاقهــا ومذاقهــا … »(50).

ولقـد حــاول توجيــه كـافـة المبــاحث الأصـوليــة على وفق كليـات مقــاصـد الشــريعـة توجيهــاً يحقق في مراتبهــا من القطع والظن, مبينـاً المســالك الاجتهــادية التي يتبعهــا المجتهــد في تجـديــده النظـر في مبــاحث علم الأصــول ومــبرزاً القـواعـد المقـاصـديــة التي يجب أن يســتند إليهــا في تحقيق ذلك, وقال عنـه الشيخ عبد الله دراز في تحقيقــه لـــه : « إن صــاحب الموافقــات لم يذكـر في كتب الأصـول إلا إشـارة بعـض الأحيــان لينتقـل منهـا إلى تـأصيل قـاعـدة أو تفريـع أصل »(51), ولكن بقــي هـذا الإســهـام رغــم أهميتــه البالغــة في توجيــه الفكــر التشــريعي لقــرون طويـلة خــارج بنيــة علم الأصــول, ومع وجـود محــاولات ـــ في هـذا العصــر ـــ لإدراجــه كمبحث في هـذا العلم إلاّ أنهــا لم تتجـاوزالتعـريف به وبيـان أقســامـه من غير ربطهــا من خلال مـا تقــوم عليــه من مفــاهيـم تشــريعيـة وقـواعـد بمـا يتعلـق بهــا من مفــاهيـم تأصيليــة وتنـزيليــة تطبيقيـة(52) في مبــاحث عـلم الأصــول, باستثنـاء بعض المبـاحث ذات العلاقــة بالمصــالح باعتبـارهــا مضــامين للمقـاصـد الشـرعيـة, وأهمّهــا مبحثـي التّعليل والمصلحــة المرســلة والتي عرفت علاقتهــا بالمقــاصـد ابتـداءًا وقبل ظهـور المقـاصـد كعلــم وبشكــل مستقـل.

المجــال الرابــع : مجــال إعمــال أصــول الفقـه وتآخيــه مع الفقـه ودور النّظـريات الفقهيـة في ذلك :

إنّ «التّــأصيل» في العمــل الفقهــي بشــكل ظـاهـر وواضـح يعتبـر ـــ في عمــومـه ـــ بعــداً غائبًــا في الأعمــال الفقهيـــة المتــأخـرة, فغـالب مـا يظهـر من الفتــاوي عمـومـاً والاجتهــادات في القضـايا المعـاصرة في الغالب يبين الأحكــام عـامـة مجـردة عن بيـان ما تســتند إليــه من أصـول وقـواعـد هـذا العلـم, وإن وجـدت فهـي غالبًــا لا تخـرج عن الإشــارة للقـواعــد الفقهيــة المصلحيــة.

ولعــلّ الرجـــوع إلى صــور الإجتهــاد الفقهــي في التــأصيل لــه عنــد المتقـدميـن الفقهــاء كالإمــام الشــافعي رحمـه الله تعــالى في «الأم»(53) يظهــر هـذا الجـانب بجلاء, حيث يصفـه ويبـين أهميّتــه التّشــريعيّة الأســتاذ عبـد الوهــاب أبو ســليمـان بأبلغ العبــارات في مــا نصّــه : « من الملامح البــارزة والخصــائص الواضـحـة في منهج الإمــام الشــافعي في هـذا الكتــاب (الأم) تآخي الأصـول مع الفقـه, وتوافق التطبيق مع النظـريـة في انســجام وتكـامل, يتجلى هــذا تمـامـاً عنـد ذكــره الأدلــة من الكتــاب والســنة أو تحليلهــا تحليـلاً كـافيـاً, وإعطــاء كــل دليــل حقــه من الفهــم والمعنـى, فيستعين أخـيراً في استنباط الحكــم الشـرعي بالقـواعـد الأصـوليــة ذات العلاقــة, بحيث تتبين أهميــة القـاعـدة الأصــولية في استنباط الحكم فيمــتزج الفقــه بــالأصــول في منهج اجتهــادي واضــح الخطـوات, وبتلـك المعـالــم يتضـح للبـاحث الفقيــه كيفيــة بناء الحكــم على ذلك الأصــل أو القـاعــدة الأصـوليــة وهو منهــج مثــالي, إذ يمنح القـارىء الثقـة في الأحكــام المستنبطـة, كمـا ينمـي لديـه ملكــة الاستنبـاط, حتى يقف بصـورة عمليــة على الطريقـة الـتي سلكهــا الأئمــة المجتهـدون في اســتنبـاط الأحكــام نظـريَّا وتطبيقيُّـا.

ولعــل هــذا الطلاق بين الفقــه وأصـولـه له ما يبرره مـن أسباب أكثــر وضـوحـاً :

  1. منهــج أصـوليي المتكلمــين : الذي لم يهتـم بالتنظـير للأصـول بربطهـا بالفروع فـأحـدث بذلـك سنة سمحت للأصــولي أن يستغنــي في عملــه عن الفقــه فغلب على بحثــه الطـابع النظـري التجـريـدي. رغـم أن إمـامهـم «الشــافعي» كـان في منهجــه مؤاخيـاً بينهمــا في كتـابـه الأم حســبما تم بيانــه ســايقـاً, وإن كــانت مؤلفــات المتـأخرين مـن أصـوليي الحنفيــة لا يخفى تـأثرهـا بمنهج المتكلمـين في الأمـر.
  2. التقليـــد المذهــبي : لا يخــدم فكــرة التــآخي بـين العلمــين لأنّ المعـوّل عليـــه كـان قبــول الحكــم من غــير الحـاجـة إلى الســؤال عن دليله وأصلـه, فزاد هـذا الأمــر من إضعــاف العلاقــة بينهمــا ومن درجــة التبـاعـد بينهمـا.

وإن كـانت الاستقلاليـة بين العـلوم لهـا فوائــدهـا العلميــة فذلك من الناحيــة النّظـريـة أو التنظيريـة للعلوم فقـط, حيث تمكّن من ضبطهــا وإظهـار تمـيزهــا عن غـيرهــا ومن حيث تبسيط فهمهـا, حيث كانت تلك التصنيفـات للعلـوم تمثل آنـذاك عنـوان تقـدم علمي وازدهــار حضــاري وهـذا ما تبينـه مصنفـات تراتيب أو مـراتب للعلـوم لم يفصـل بين الفقـه والأصــول في المرتبة كـابن حـزم (ق : 5هـ) الذي لم يفصل بين العلميـن, بينمــا مصنفـو العلـوم في المـراحـل الأكثــر ركـودًا وجمـودًا قد فصـلوا بينهمـا كــابن خلدون (ق : 10هـ)(54).

ومن فوائـد التآخي بين العلميـن إعمـالاً (لا تنظـيراً) أّنـه يخـدم التجـديـد في مبـاحث أصــول الفقــه بــالإثراء والاســتكمـال والإضـافـة, ويعتبر منهج الحنفيـة في التنظير والتـدويـن لعلـم أصـول الفقــه دلالـــة على أهميــة ذلــك, حيث اســتخرجـوا أصـولهـم بنــاءً على الفــروع أي الأحكــام الفقهيــة باعتبــار الارتبــاط الـذي كــان حـاصلاً بينهمـا, وهـذا المعنـى أكـده العلمــاء من أصـولييي الشيعـة أيضـًا, حيث جعلـوا علـم أصـول الفقـه (علم النظـريـة) يواكب تطـور الفقـه (علـم التطبيق), واعتبر الشيخ محمـد بـاقـر الصـدر في كتـابه «أصــول الفقـه» أن النمـو الفقهـي هـو مـن أسبـاب نمـو وتطـور عـلم أصـول الفقــه, ودعــم رأيــه بدليــل عملي مثّل لــد بالشــيخ الطـوســي في كتـابـه العـدة) واعتــبره نمـوذجًـا عمليــا لمســايرة تطـور الأصــول ومـوازاتــه تطـور الفقـه(55). وســأعرض أمثــلـة على هـذا لاحقــاً في المجـالات الجـزئيـة في تجـديـد هـذا العـلم.

كمــا أنّ ظهــور الاهتمــام بالنّظـريات الفقهيــة(56) في الفكـر التّشــريعي المعـاصـر يمثّل مظهـراً من مظــاهـر التعبــير العلمـي المجســد لأهميّة فكـرة التّـآخي بينهمـا من حيث أنهـا نظـريات تقـوم على الجمع بين الأحكــام الفقهيّة المتنــاثرة في أبـواب الفقـه في مســألة فقهيــة ـــ مـوضـوع فقهـي ـــ ومـا تعلّق بهــا من أصــول وقواعـد ومســائل, فيقوم بذلـك تصـوّر كلّي يربط بـين الفقـه وقـواعــده وأصـولــه حــول المســألة أو المـوضوع, فتتحقق بذلـك أهميّة التكـامل بينهمـا باسـتثمــارهمـا وعطـائهمـا التّشريعي ولو بشــكل جزئي محـدد بإطــار موضــوع النظــريـة, وتقتضـي المنـاسبــة التعـرض إلى إسهــام الدكتـور جمـال الدين عطيـة في هـذا المجـال بكتـابـه السـابق ذكـره « النظـرية العـامـة للشــريعــة الإســلاميـة »(57) من حيث أنـه يمكـن أن يتّخـذ تنظيـراً تأصيليًّـا وتقعيـديًّـا في بنــاء النظــريات الفقهيــة الجـزئيــة مهمـا اختلفت وتنوعت مـواضيـع بحثهـا, فهـو يجمـع ويفعّـل في تنظــيره بـين مبــادىء التشــريع العـامـة ومقــاصـده وبين قـواعـد الاجتهـاد وأصـوله العمليــة بشكــل شـامل وبأســلوب واضح وسهـل المـأخذ يتجـه إلى قصـد الدفـع بهـا إلى الإعمــال والتطبيق.

المجــال الخـامس : التكــامل المعـرفي بين أصـول الفقـه والعـلوم الإنسـانيـة :

نظــراً لتعــامل الاجتهـاد مـع الواقــع في كـان مجـالاتــه الاجتمـاعيــة والسيـاســية والاقتصـاديـة والطبيـة ليـحـدد أحكــام ما يعـرف ذلك الواقـع من مستجـدات, وهـو في ذلك يستنـد في قـواعـده على مـا يتطـلب فهــم «الواقـع» بـوضـوح ودقــة حتـى يثبت تنــزيل الحكــم عليــه على الوجـه الصحيح والسليـم, ونظـراً لتقـدم البحث العلمـي في أدواتـه المنهجيـة في دراســة الواقـع وفهمــه في كـل مجـالاتـــه عرفت تلك الأدوات تميـزهـا وتطـورهـا ضمن مـا يعـرف بالعلـوم الإنســانيـة وعلى رأســهـا العلـوم الاجتمـاعيـة, وهـذا الأمـر دعــا الكثير من المجتهـديـن اليــوم إلى النظــر في كيفيـــة الاســتفادة والاســتعانة بتلك الأدوات وغيـرهــا مما يسـاعـد في إنجـاح الاجتهـاد من حيث المســاعـدة على فهــم مــا يحـدث من مســتجدات وتبيّــن مــا يرتبط بهــا من أســباب وعـوامـل وشــروط ومــا يــترتب عليهــا من نتــائج قـد تكــون في صـورة مصــالح فتجلب أو مفـاســـد فتـدفــع, فالأســـتاذ الدكتــور عبـد الوهــاب أبـو ســليمـان من المعــاصرين يقــول في هـذا الشـأن : « تقـدمـت الدراســات الاجتمــاعيــة في الوقت الحـاضـر تقـدمـاً هـائلاً في أسـاليب الدراســـة كالإحصــاءات والاســتبانات وقـدمــت أنمـاطًــا في التحليــل الكمــي والنوعـي يســـاعد على تفهــم الواقــع وقضـاياه تفهمًـا سليمًـا … وفي ضـوء ذلك تعرف الأسـباب وتقـدم النتــائج والحلول وتبنى الأحكــام … حيث يحصـل للبـاحث الفقيـه تصـور تام وسـليـم عن الواقعـة »(58) فيسهــل عليــه تحـديـد التـأصيل المنـاسب لهـا وبالتـالي تحـديـد الحكــم الخـاص بهــا.

والـدّعـوة إلى وجـوب فهـم الواقـع (محـل الاجتهـاد) قـديمــة إذ نجـد ابن القيــم الجـوزية يقــول مبـديًا خطــورة تجــاهل الأمـر : « ومن أفتـى النـاس بمجــرد المنقــول في الكتب على اختلاف عـرفهــم وعـوائـدهــم وأزمنتهــم وأمكـنتهـم وأحـوالهـم وقـرائـن أحـوالهـم فقـد ضل وأضـل »(59), كمــا نجــد الإمــام القرافي يقــول في الموضـوع : « وكــم يخفـى على الفقيـه والحـاكـم الحـق في المســائل الكثــيرة بسبب الجهــل بالحسـاب ةالطب والهنـدسـة فينبغــي لذوي الهمم العاليــة أن لا يتركــوا الاطــلاع عـلى العلــوم مــا أمكنهـم »(60), وأكــد حاجـة الاجتهــاد إلى غيره من العـلوم الإمـام الشـاطبي في بيـان الاجتهـاد بتحقيق المنــاط أي دراســة الواقعـة أو الفعـل محـل الحكـم حيث يقــول : « الاجتهــاد بتحقيق المناط, المقصــود منه العلم بالمـوضـوع على مـا هـو عليــه, فيفتقر فيــه إلى العلــم بمـا لا يعــرف ذلـك المـوضـوع إلا بــه »(61), وفي شــرح هـذا الكلام قـال محققـه عبد الله دراز مبينــا أن « حـدوث الضـرر ( وهو مختلف الأنـواع بـاختلاف الأشــخاص والأحــوال والأمــاكن والأزمـان ) الموجب للترخص تحقيق مناطـه (دراســة من حيث تقـديره ) يحصــل بالتجـارب في الشــخص نفســه أو في أمثـالــه أو بتقـرير طبيب عـارف »(62).

وأضــاف الإمــام الشــاطبي مؤصـلاً لضـرورة الاستعـانـة بالخبرات المختصـة أي الخبرات العلميــة المختلفــة والتي إن كـانت مطلوبـــة فهــي عــادة ينـدر توفرهــا عنـد المجتهـد الفقيــه, فقــال : « لا بـد أن يكـون المجتهـد عـارفـاً ومجتهـدًا في تلـك الجهـة التي ينظـر فيهــا لينــزل الحكــم الشـرعي على وفق ذلــك المقتضـى … كالصـــانع في معـرفــة عيوب الصنــاعـات, كـالطبيب في العلـم بــالأدوات والحبــوب, وعــرفــاء الأســواق في معــرفــة قيــم الســلع ومداخــل العيــوب فيهــا, والعـادة في صنع القســمة والماســح في تقـدير الأراضـي ونحـوهــا, كـل هـذا ومـا أشبه ممـا يعـرف بـه منـاط الحكــم الشــرعي غير مرتبط إلى العلــم بالعربيــة ولا العــلم بــه بمقــاصـد الشــريعـة وإن كــان اجتمــاع ذلك كمــا لا في المجتهـد والدليل على ذلك ما تقـدم من أنه لو كـان لازمًـا لم يوجــد مجتهــد إلا في النـدرة بل هو محـال عـادة(63) وإن وجـد ذلك فعلى جهـة خـرق العـادة … وأيضــاً إن لـزم في هـذا الاجتهـاد العــلم بمقـاصــد الشــارع ملزم في كـل علم وصنـاعـة ألا تعــرف إلا بعــد المعـرفــة بذاك, وإن فرض لزوم العـلم بهــا العلـم بالمقــاصـد في الاجتهــاد وذلك بــاطل … فقـد حصـلت العلــوم ووجـدت من الجهــال بالشــريعــة والعربيــة ومـن الكفــار المنكـرين للشــريعــة والعلمــاء لم يزالــوا يقلدون في هـذه الأمـور من ليس من الفقهــاء, وإنمــا اعتــبروا أهـل المعـرفـة بمــا قلدوا فيــه خاصـة, وهو التقليـد في تحقيق المنــاط … ولو لزم الشــرطـان في المجتهـد في تحقيق المنــاط لتعطلت أكثـر التكـاليف »(64).

والوقـوف على المبــاحث الأصـوليــة الاجتهــاد وإبراز ما تتطلبـه في تنـزيلهــا من أدوات تجـريبيــة في إثبــات «الحكــم» يتوقف على إثبــات علتــه والتي بدورهــا تتطلب إثبـات تحقق شــروط اعتبارهـا وتحققهـا في الواقـع ـــ أي مجـلّ لحكــم ـــ من حيث إثبــات أنهــا وصف ظــاهـر منضبط ومنـاسب .. وهي شـروط لا تكفي مجـرد الملاحظــة في تحقيقهــا وإثباتهــا في واقع محكــوم بظــروف شــخصية فرديـة واجتمـاعيـة واقتصـاديـة وسيـاسيـة … كثيراً مــا تعـرف التـداخـل والتعقــد فلا بـد من منــاهج علميــة لدراســة العلـة والكشف عمــا يقــوم عليــه إثباتهــا من شــروط وأســباب ومـوانع(65).

والأمـلا كذلك بالنســـبة «للأدلـــة» التي يســـتدل بهــا على ثبــوت الأحكــام, فلا يمكـن الاســتناد إليهــا وتـأصيل الأحكــام على ضـوئهــا إلا باستعمـال منـاهج البحث الاجتمــاعي مسحًــا أو اســتبيانًا أو إحصــاء إذا كــان الفعـل أو محـل الحكــم لــه ارتبــاط بالمجتمـع في واقعـه, أو مقابلة إذا كـان محـل الحكــم شــخصيًّـا, وهـذا لإثبــات أو نفي شــرط «العمــوم» الذي تقـوم عليــه بعض الأدلـــة مثـل « المصلحــة المـرســـلة » و «العـرف» وبعض أوجــه الاستحســان, ولإثبـات شــرط «الاطـراد» الـذي يقـوم عليـــه العــرف, وكـذلـك «الــدوران» و «الظهـور» و «الضبـط» و «المنـاســبة» وغيرهـا ممّـا يقـوم عليــه تحقق العلـة وإثباتهـا في مبحث التعليل في القياس(66), ولبيـان درجــه القطعيـة أو الظنيـة والاحتمــال في حصـول المصـالح والمفـاســد وتحققهمـا لقيـام سـد الذريعـة أو فتحهـا وغيرهـا من الأصـول المصلحيــة التي يقتضـي الاجتهــاد عل ضـوئهــا الاســتناد إلى أدوات البحث الاجتمـاعي في تقرير المصـالح والمفاســد(67). فالمعيـار المـوضوعي(68) لفهـم الواقـع وضبط مناط الحكـم وبيان تأصيـلـه إذا كـان يعبر عنــه عنـد القـدامـى من المجتهـدين باعتبـار « مجــاري العــادات فيمــا ينتج من ربط السبب بالمسبب »(69) فإنه بلغـة العصـر قـد يعـرف أيضًـا «بالعـادة» والـتي يصعب تحكيـم الواقــع على وفقهـا لمجـرد الملاحظــة والتكـرار فقــط لتعقــد الواقــع وصــعوبــة فهمـه, فلا بـد من استخـدام أدوات المنهج التجريـبي المطبق لتفســيره بصـورة علمـيــة دقيقة.

كمــا تظهــر الحـاجــة إلى علــم النفس تقـدير وضبط مـا لــه علاقــة بثبــوت «الأهليــة»(70) للمكلف حتـى يثبت وجـوب التزامــه وامثالــه للأحكــام الشــرعيـة, وهـذا لما تعـرفــه هذه العـلوم من أدوات علميــه تقيس قـدرات الإنســان العقليــة والســلوكية حتى تثبت ســلامـة وكمــال الأهليــة إذا مـا ثبتت شــروطهـا وأسبابهـا من جهـة, وتثبت حصـول الموانع والتـى حـدد أكثـرهــا الفقهــاء بــأمراض تصيب «العقــل» مـن جهــة أخـرى(71). وإلى جـانب هذه العلـوم, يمكـن الاستفـادة من علم (السيمنتـك) ومـا يشتمـل عليه من وســائل تحليــل لمفــاهيـم الألفـاظ في أدلـة التشــريع النصيــة ـــ لغـرض تنـزيلهــا عل الواقــع ـــ من حيث إعــادة النظــر في ضبط درجـة معـانيــا وبالتـالي تجـديـد إعمـالهـا, وهـذا من شــأنه تيســير تحصيل علم الأصــول من جهـة وفتح أبـواب لفهــم أوســع ولتنزيل ســليم للمصـادر النصيـة : القـرآن والسنـة ـــ اللذان يزخـران بمعــان غير متنـاهيـة رغــم محـدوديــة ألفاظهــما ـــ وبين هذه الفـائدة الدكتـور علي جمعـة بقـولــه : « علـم الســـيمانتك … يتيح التوصيف للواقع وإيقــاع الحكــم عليــه بطـريقـة أدق … في هـذا دقــة الحفــاظ على منــاهج السلف … »(72).

إن كـانت فكـرة التكـامل تقــوم على شق آخـر وهـو استفـادة العلـوم الإنســانيـة الغربيــة(73) من بعض مــا يزخـر بــه أصـول الفقــه من مـزايـا قيميّة, والتي لا يســع المقـام للتعـرض لهـا لعـدم مناسبتهـا.

ثانيــا : مجـالات التجـــديد الجـزئيــة ( الإضــافــة والاســتكمـال والتهـذيب لمباحث الأصـول الجزئيـة ) :

بنــاء على مـا تقــدم تنـاولـه في المجـال الثــاني من أن التجـديد قــد يــأخـذ صـورة الإضـافـة والاستكمـال لبعض مباحث الأصـول التي تســتدعي ذلك, رأيت أن أجعـل في هـذا الشق التجـديـدي مجـالاً مستقلاً عن المجـالات السابقـة.

إن الفكــرة الداعيــة إلى استكمــال هـذا العلــم دعــا إليهــا أهـل الخــير وطـول الممـارسـة الاجتهـاديـة في العصـور المتـأخـرة لمــا وصفـوه وصنّفـوه ضمـن العلـوم التي «نضجت» بمعنـى اكتملت ولكنهـا «لم تحـترق» بمعنـى أنهــا لم تبـلغ في نضجهـا النهـايـة(74), ويـأتي هـذا الوصف والدعـوة إلى العـودة إلى الاجتهـاد بعــد الدعـوة إلى غلقــه بمقــولة ما تـرك الأول للآخـر شيئاً, ومــا يزكـي هـذه الـدّعــوة إلى اســـتكمـال قصـور هـذا العلـم الجليـل هو إقـرارهـم أنّــه مـن ســنن العـلوم في التّطـور أن يكـون للمتــأخرين وســائل الإبــداع والتجـديـد أكثـر مما تكـون للمتقـدمين ومن أمثـلـة ذلك قــول أحـدهــم : « كتب المتــأخرين تفـوق علـــى كتــب المتقـدمــين في الضبــط والاختصــار, وجـزالــة الألفــاظ, وجمـع المســائل؛ لأن المتقـدميـن كــان مصـرف أذانهـم إلى اســـتنباط المســائل, وتقـوم الدلائل, فالعـالم المتـأخـر يصـرف ذهنــه إلى تنقيـح مــا قــالوه, وتبيـن مــا أجملـوه, وتقييـد مــا أطلقـوه, وجمـع مـا فرقـوة, واختصــار عبــاراتهـم, وبيـان مــا أســتقر عليـه الأمـر عند اختلافهــم ..(75).

كمــا أن الدراســات التحليليـة الجــادة حـول ظهـور وتطـور أصـول الفقـه بينت أنـه عــرف الّتوقــف والــتّراجـع في تطـوره ظهـوراً وتـدوينـاً في منتصف القرن 7 هـ, لكـن كــان بـالنظــر إلى البعــد المرحـلي التــاريخـي الذي ألفت فيـه مباحثــه, ولم تعــرف منــذ ذلـك الوقت اجتهـادات أو إضـافات مباشـرة لمضـامينه أسسـاً ومبـاحثاً وحتـى التي ظهــرت بقيت مســـتقلة وخـارجـة عن بنيــة العلم(76). ولقــد أدى توقف الاجتهــاد والتجـديـد فيه إلى إسقــاط النظـريات التاريخيــة الغربيـة في تفسيرة والتي تحــاول إلغـاءه بربطهــا صلاحيتــه بالبيئـة الثقافيــة التاريخيّة التى نشــأ فيهـا وتكـاملت فيهــا أبنيتة وصياغاتــه الأخـيرة(77). حيث لم يعـرف ثوبــه التــاريخي المتأثر بمفهــومات المنطق الصــوري التقليــدي وبأشــكـاله ومصطلحــاتـه تغـيراً ولا تحـديثـاً يناسب مقتضيــات تطـور الحيـاة الـي تحتاج إلى تطـور منهج الاجتهـاد لاستيفائهــا فقهـاً مناسباً.

والنظــرة المـوضـوعيــة لأصـول الفقـه المتوارث تقتضـي الوقــوف على طبيعــة المبـاحث الأصـوليــة والتي تظهـر وفق مـا سبق وتّم عرضهــا به «أصـولاً» تنـدرج في قسمين, الأول يشتمل على حـدود العلـم ومقـدمـاته ومبـادئــه النظـريـة الأوليــة ــ كمــا سبق بيانهــا ـــ أكثرهــا بيانيــة وصفيــة للمعـاني الأصــوليــة والقوالب اللفظيــة التي وردت بهــا في النصــوص مـن القــرآن والســنة لغـرض يستـهدف بشكــل واضح الكشـف والبيان والإثبات والتّـأســيس لا التــنزيل ـــ إلا في النــادر ـــ وعليــه غـاب بعـدهــا الوظيفي خـاصــة عنـد أصـوليي المتكلميـن حيث لم يكن ظـاهـراً وهو الوجـه الذي اسـتقـرت عليــه في المقـررات الدراســية وفي الغالب من مســـتويات التعليم المعـاصـر, ولم تعرف تلك المباحث أي نوع من الإضـافات, رغــم أن التنظير لهــا كــان اجتهــاديًّــا لكن لارتباطــه بالنصـوص الثابتـة اســتقراءاً وإثباتـاً وتـأسيسًـا عرف الثبــات مـن جهــة, ولعـدم تطـويره عرف الجمــود من جهــة أخــرى, وهـذا المستوى من التّطـور يصـدق عليه وصف الشيخ الخضـري بك لما قال معللاً ما عليــه علــم الأصـول من حـال : « أوّل مـا يوضــع في أيّ علــم يكــون في الغـالب قـواعــد غير منظمــة ولا مســتوفـاة »(78), وهـو الأمــر الذي يســتدعي تطــوير تلك المبـاحث من حيث إعـادة النظــر في التـأصيل لهـا والتنظير وبـالإضـافـات أو التهـذيبـات أو التبويبـات, وبيـانا لهـذا نعطــي أمثــلـة مع وضــع كل في مجــال مستقل :

المجــال الأول : مبــاحث الحكــم الشــرعي وأركـانه :

إن التعـــارف الـتي ضبطـت بهــا الأحكــام في التنظـير لهــا إثباتًـا وتــأصيلاً وتفريعًــا يجب أن تراجـع ويضــاف إليهــا ما يجعلهــا تعــاريف منســجمـة مع تطـور الفقـه ( وهـي الطـريقـة الـتي بهـا أثبتت والـتي بهــا أصـل الحنفيــة أصـولهـم, وهي المعـول عليهــا كمجــال عــام للتجـديـد وهـذا مـا ســبق التعـرض لــه ومــا هــذا المجــال الجـزئي إلا تطبيقًـا له ), فعلـى مستــوى تعـريف الحكــم أنــه خطــاب الله المتعلق بأفعـال المكلفيـن, نجــد أن الاجتهــاد الفقهـي في تطـوره أنتج نوعـا من الفقــه ـــ الأحكــام ـــ لا علاقـــة بفعــل المكلف ذاتـــه, ومثــال ذلك الأحكــام التي لهــا علاقــة بمــا يســمى « بالشـــخصيـة الاعتبـاريـــة » ومثـالهــا الشـركـات .., هذا من جهـة, ومن جهـة أخـرى, وعلى مسـتوى ضبط تعـاريفهـا اقتصـر الاجتهـاد على التنظـير للأحكــام المنصـوص عليهــا فقـط, وهـذا واضـح من خلال الاقتصــار على «الصيغ» اللّغـويّة التي يوردهــا الأصولييـون للاســتدلال على ثبوت الأحكــام في نصـوص القرآن والسنّـة من حيث نوعهــا أو بيـان أحكـامهــا الخـاصـة أو الاسـتدلال عليهــا, في حين نجـد فراغـاً تنظيريًّـا للأحكــام الشــرعيــة الاجتهــادية غير النصــوص عليهــا والتي لا يمكـن استفـادتهـا من تلك الصــيغ في مبحث « الحكــم الشــرعي », وإن كــان للأحكــام الاجتهــاديـة علاقـة بمبـاحث أخـرى في هـذا العلــم مثــل مبحث الأدلـــة إلا أنّـــه لا يسعف في إظهـارهــا بشكــل مبـاشـر وفي مبحثهــا المنـاسب, فــأرى أن تضـاف بالتنظيـر لهـا في المبحث الرئيسـي للحكــم على أن يســـتفاد من الدّراســـات التي تعلقت ببحث الأحكــام الاجتهـاديّــة وعلى الأخــصّ مـا ارتبط منهــا بالاجتهـاد الفقهي المعـاصـر وكـذلـك الاجتهـاد المقــاصـدي.

كمــا يرجــى التـوســع في بحث «القـرائن» وعلـى الأخص القـرائن الحاليـة, وهـو مـوضـوع لم يعـرف حقــه من العنـايــة العلميــة رغــم أهميتــه في فهــم النص وفي سـلامـة تنـزيل أحكـامـه على المستجـدات.

ومن وجهــه أخــرى, حصــر الأحكــام الوضعيـــة في ثلاثــة هو أيضــاً مرتبـط بالنصــوص فقـط : كالشــروط والمـوانـع والأســـباب, ولم يخــرج عنهــا إلا الشـروط, فـرغـم التوســع فيهــا إلى الشــروط الجعليــة إلا أن الأســباب والمـوانـع رغـم تجـددهـا في واقـع تطـور الحيــاة شــأنهـا شــان الشــروط في ذلـك لم يلتفت إلى تطـويرهـا بالتنظيـر في مبـاحثهـا الأصليـة, وما عـرفت الاهتمــام إلا جـزئًّيــا في مبـاحث التعليل وبمســميـات أخـرى, والأمــر كذلك في حصـر عـوارض الأهليّــة في إحـدى عشــر عـارضًــا رغــم أن حصــرهـا وفق مـا يعـرفـه تطــور الواقــع هو أضعــاف ذلك, والمعـول عليـه في تفعيل وتطـوير مبــاحث الأحكــام الوضعيــة من حيث التّــأصيل لكيفيــة التحقق والإثبات لمـا يتوقف عليــه ثبوتهـا من علامــات شــرعيــة منصـوصــة مثل الشـروط والأسـباب والمـوانـع ومـا يتعلق بالأهليّـة من شــروط وعـوارض لا يمكن الوقـوف على تحـديدهــا في واقـع حيــاة النــاس المعــاصـرة الذي يعــرف التعقيـد لكثــرة الـتزاحــم والتداخـل والتعـارض في غـالب مــا يســتجد كل مجــالاتهـا إلاّ بالاســتعـانة بمــا تعـرفــه العلـوم الإنســانيــة وكذلك العلــوم التجـريبيــة وعلى الأخصّ العلـوم الطبيـة من أدوات منهجيــة واتخـاذهـا كــوســائل لتقــديرهــا وإثباتهــا ومـن ثـمّ يتـم إثبـات ما يترتب عليهــا من أحكــام(79) وإن ســبق التعــرض لهـذا في المجــال الخـامس, فالمقــام يقتضـي إضـافـة ما يثري الأمـر ويزكـي من مصـداقيتـه, فالدكتــور التــرابي حينمــا اقترح إضـافـة ما يثـري الأمـر ويزكـي من مصـداقيتــه, فالدكــتور الـترابي حينمــا اقترح إضـافــة قســم جـديـد من الأصــول أطلق عليــه «الأصــول الوضعّيــة»(80) لعـلّ هـدفــه مـن لـك هـو التنظــير لمـا يمكـن أن يفيـد المجتهـد من الأدوات المعـرفيــة المنهجيــة التي تزخــر بهــا تلك العلــوم, وإدخـالهــا في هـذا العلـم.

المجــال الثــاني : مبـاحث الأدلــة الشــرعيــة :

مــا مـن دليــل إلا ومــازال يعـرف في مســائل الاختلاف وعـدم الضبط إن لم يكن في الحجـية ففي التنظيـر والتنزيـل وهـو شــأن كل الأدلـة غــير القـرآن والسنــة في بعض الأوجـه, ورفــع الخلاف فيهـا يكـون بالإســتناد إلى «التـرجيـح» الـذي عـرف التنظـير والإلحـاق لعلـم الأصـول في المـراحـل الأخــيرة من تطـوره لكّنــه لم يفعّــل ولـم يســتثمـر في خـدمـة قضـايـا مبـاحث الأدلـة, وكثـيرا مـن قضـايـا قـواعـد الاجتهـاد في الأدلـــة الّنصيــة مثل قـواعـد التخصيص والتقييـد والنســخ .. وغيرهـا مّمـا يزال في حـاجـة إلى تنقيــح وضبط, وقضـيــة السنـة التشــريعيــة وغير التشــريعيــة فمـا زالت في حـاجــة إلى درس وتمحيص, وإمكــان انعقـاد الإجمــاع, وحجـيـة اجتهـاد الصحـابـة في أقـوالهــم وأفعــالهـم لا يـزال لم يعـرف حقــه من التهـذيب والتواضـع هـذا فضلاً عن أدلـة النشــريع التبعيـة وعلى الأخص ما يعـرف بالمختلف فيهــا والتي ظهـر تدوينهـا في منــاهج الاجتهــاد في عصــور متــأخـرة عن المباحث الأصـوليـة الأخـرى وهي تمثل المنهــج للجـانب التطبيقي والــتزيلي للشــريعــة فيمـا يتعلق من «الأحكــام» و «المقــاصــد », ولا زالت ورغــم اهتمــام الباحثين المعـاصرين المـتزايـد بدراســتهـا لأهميّتهـا(81) في حـاجــة إلى تهـذيب من حيث التحقيق والضبط وإعـادة النظــر في ترنيبهـا وغــير ذلك من أوجــه الإضـافات, وذلك لما يلي من الاعتبــارات أو القضـايا المتعلقــة بهــا :

ـــ هـل هـي أدلــة أم قـواعـد أم أصـول ومــا حقيقــة علاقتهــا في «الحجّيــة» و «الـتّرتيب» و «الّتضمـن» بالقـرآن والسنــة وببعضهـا البعض, وهذا باعتبــار كل من التنظــير لهــا ( وهـو مـا اقتصــر عليــه في المدونات الأصـوليـة ) وإعمـالهـا في الاجتهـاد التنزيلي ( وهـو الجـانب المهمـل في ترتيبهـا ) ؟

ـــ هـل هي حقًّـا ظنيـة محتلف فيهـا أم هـي قطعيـة إذا مــا أصلنـاهـا مقـاصـديًّـا(82) ؟ باعتبــارهـا تمثـل أكثــر المبــاحث الأصــوليــة التي يجب أن يلتفت إليهــا بــالتهـذيب وإعـادة الصياغــة والتــأصيل, فبهــا يحقق التشـــريع واقعيتــه ومـرونتـــه وبقــاءه وصلاحيتـه للعطـاء لمســتجـدات العصـور, ولغيــر ذلك من مميزاتــه التشــريعيـة السـاميـة ويكفـي شهــادة الدكـتور القـرضــاوي لهــا بقــولـه : « لبفقـه الميســر المعــاصـر ليس لـه أصــول أخــرى يبتكــرهـا غــير الأصـول المعـروفــة التي يســتند إليهــا فقــه ســائر المسلمين, فهـو يستنـد إلى الأدلة الأربعــة المشهـورة والمتفق عليهــا من القـرآن والسنـة والإجمــاع والقيــاس وإلى الأدلــة المختلف فيهــا من الاســتصلاح من الاستحســان والعــرف وشــرع من قبلنــا وغيرهــا من الأدلــة التبعيـة »(83).

ونظـراً لعلاقــة الأدلــة الاجتهـاديــة سـواء المتفق عليهــا أو المختلف فيهــا بـالواقع باعتبارهـا تمثل منهج الاجتهـاد لما يستـجـد ولا نصّ في حكمــه, فلقــد نظـر لهــا في أصـولهـا وقـواعـدهــا وشــروطهـا بمــا يتوافق مع علاقتهــا بالواقـع من حيث فهـم الواقعــة محــل الحكــم, وإن كـان هـذل البحث إظهــار حـاجـة هـذه الأدلــة إلى أدوات منـاهج البحث في العلـوم الإنســانيــة في تفعيلهــا وإعمـالهــا في الإجتهــاد في مســتجدات وقضـايـا الواقـع, فمـن الضـروري أن يعمــل التجـديـد في هـذا المجــال على التنظــر لأهـم هـذه الأدوات وفي مباحثهــا المناســبة (التطبيقيـة) في مـوضـوع الأدلــة, وهـذا بالطبع بعـد إعــادة النظــر والتنظــير لهــا وفق الاعتبــارات والإشــكاليات المشــار إليهـا سابقـاً والتي لازالت تكتنفهـا.

المجــال الثـالث : توحيـد المصطلحــات الأصـوليـة(84) ذات المفـاهيـم الواحـدة :

إن التحقيق العلمــي المقـارن لكثــير من المصطلحــات الأصـوليـة المختلفــة التعـريفـات ونظـراً لظــروف ظهـورهــا في البحث الأصـولي والتي حالت دون تواضـع العلمـاء على مدلولاتهـا, يبّين أن هـذا الأمـر يمثل جانبـاً مهمـاً في تجـديـد مبــاحث الأصـول من حيث الضبط والتهـذيب وبيان مراتب القطــع والظن, ومــا يـدل على ذلك أن الكثــير ممــا عرفــه الاختــلاف قــد بيّن التحقيق العلمــيّ فيه أنـه اختلاف لفظـي أو لغــوي اصطلاحــي لا حقيقــي مــردّه إلى أســباب تتعلق بظــروف وبمنــاهج تدوينـه(85) والتّـي ســـبق وأن أشــرت إليهــا ولعل أظهـرهــا تـأثــيراً في الاختلاف في وضـع المصطلحـات هو تباين الأصـوليين الزمـاني والمكـاني وعـدم إمكـان تحقيق اجتمـاعهـم الـذي قـد يمكـن من تواضعهــم واتفــاقهـم على نفس المصطلحــات ـــ إلا نـادراً ـــ زيــادة على اختلاف قـدراتهــم اللغـويـة واختلافهـم في كيفيــة الإدراك والتّصــور والمعـالجـة وفي كيفيــة الانتقــاء اللفظـي للتعبيـر عن تصــوراتهــم الاجتهـاديـة, وممـا وسّـع من هوّة الخلاف التقليـد للمـذهب والانحصــار والاقتصــاد عـلى مافيــه من معنـى ومبني, مـن أهــم المبـاحث التي يمكـن أن يستـدل بهـا على هـذا :

مبحــث : الأصـول المعنــويــة وعلاقتهــا بكليــات الشــريعـة, وبعض الأدلـة المسمــاة مثل القيـاس الواســع والمصلحــة المرسـلة.

مبحـث : دلالات الألفـاظ بـين الحنفيـة والجمهـور.

مبحــث : التخصيــص وعلاقتـــه بالاستحسـان والرّخض.

مبحـث : العلــة وعلاقـــة مســالكهـا بالأدلـة الاجتهـاديـة التبعيـة.

وغيـرهـا من المـواضــيع التي تحتاج إلى منـاســبة أخــرى لتفصيلهـا, ومن فـوائـد الاهتمـام بالتجـديـد في هـذا الجـانب هو ضبط المفـاهيــم الأصـوليــة بمصطلحـات موحـدة وهـذا حتّى ينضبط هذا العلم في حـدوده ويقل الإختلاف ويسـهل من تحصيلـه خاصّـة من طـرف طلاب العلـم, ويؤكـد الفــائـدة من التواضع الاصطلاحـي الأستاذ علي جمعــة محمـد في قولـه : « .. إذا أطلق هـذا اللفظ (المتواضـع عليــه) عنـدهـم انصـرف ذهنهــم إلى ذلك المعنـى مبــاشـرة فكــان في ذلك توفــير للوقت وللجهـد, وكـان في ذلك تخـاطب ســريع بين أهـل الفن الواحـد … »(86) ولكن الرضــا بفوضــى التــأليف في هـذا العلــم بحكــم الجمــود والتقليــد حـال دون تنقيتـه من هـذا الأمـر, بل لقـد قعّـد العلمــاء لترسيخـه قاعـدة : لا مشــاحة في الاصطلاح, ومن الفـوائـد التّشـريعيــة أيضـاً, ربط ما تطـور من فنون التشــريع خــارج علم الأصــول وسمي بمسميات فنيـة تشعـر بتمـام استقلاليتهـا عن عـلم الأصـول مثل : « فن القـواعـد الفقهيـة » و « فن مقـاصـد الشـريعـة » و « فن التخـريج » وغيرهـا, الأمـر الذي قد يخفف مّمـا يعـرفـه هـذا العلــم من حملات المغـرضــين الذيـن يـريـدون هـدمــه كليـــة بحجــة ترى عـدم صلاحيته كمنهـج للاجتهـاد المعـاصـر(87).

المجــال الرابــع : رصــد البحـوث الجـزئيــة المعــاصـرة وتضمــن إضـافاتهــا العلميّــة بنيــة العلم ودور المؤسـســات العلميــة في ذلـك :

رغــم مــا يعـرفـــه البحث في علــم الأصــول من طـابـع يغلب عليـه البطء إن لم يكـن الرّكــود وهــذا مقــارنــة بـالبحث الفقهـي الـذي يعــرف شــدة اهتمــام الباحثين وكـثـرة التشـجيـع بالإقبــال عليــه تظـراً لما تعـرفـه المسـتجـدات من حاجـة إلى إمـدادهـا بأحكـامهـا الفقهيـة, إلا أن هنــاك اهتمامـا بالبحث في هـذا العـلم ولو بشكــل جـزئي إمــا تهـذيبــاً أو تعـزيـزاً أو إضـافــة لبعض مبـاحثــه, ولا أدلّ على هـذا مــا تصـدره دور النشــر من بحـوث ودراسـات وتحقيقـات في مبـاحث هـذا العلم, وأيضًـا ما يتـم إنجـازه من بحـوث محكمــة ومجـازة من طـرف طلاب الدراســات العليـا والتي تمثلّ ثمــرة لحصيلــة ســنوات من الإجتهــاد بين الباحثيـن ومشــرفيهــم لكـن مع الأسـف, لم تعــرف تلك الاجتهــادات حقّهــا مـن الاعتبــار والمصـدقيـة كخـدمــة لهـذا العلم, وهي مجهـودات جـديرة بالاعتبــار والتقـويـم مـن طـرف هيئــات أو مـراكـز بحـوث معتــبرة(88) تلقى القبـول مـن طـرف أهـل التخصص من العلمــاء, فيتــم إثبــات مصـداقيتهــا العلميــة ومن ثــم اعتمـادهـا وإلحاقهــا ببنيـة هـذا العلـم. ولا شــك أن هنــاك مبــادرات من هـذا القبيل تظهـر في إدراج الإسـهـامات المتميّزة وإضـافاتهـا إلى مقـررات المنــاهج الدراســية فتعـزز في مصــداقيتهـا إن انتشـــرت معـرفتهـا ولقيت القبــول مـن غــير معـارضــة حيث تثبت مصـداقيتهـا بالإجمــاع في أحـد أنـواعــه, فتعــم الفــائـدة من ذلـك كلا مـن العــلم والمتعلــم. كمــا يمكـن أن يســـتفاد من «التقنين» واسـتخدامـه كـوسـيلة مؤسسـاتية يمكنهــا أن تقــوم باســتيعـاب وإدراج هـذه الإضــافـات التجـديـديـة في أصــول الفقـه(89) وألا يقتصــر على تقنــين بعـض أصــول التشــريع ومبـادئــه العـامـه(90) وهـذا بعـد عجــز المشــروع الذي ظهـر مـن طـرف العلمــاء والباححثين القـائمـين على موسـوعـة الـكويت وأيضًـا موســوعـة القـاهـرة وهـذا ما سبقت الإشـارة إليـه, ولكنـه فشـل ولم يعـرف حقّـه في الاكتمـال, وفشلـه لهـا لا يعـني الـتراجـع عن محـاولــة الاســتمـرار في تحقيقـه بشتـى الوســائل الممكنـة.

نتـائج البحث :

خلصـت الدراســة في هـذا البحث إلى بيان ما يلي :

أولاً : التجـديد في علــم أصـول الفقــه أمــر يكتســب أهميتــه ومشــروعيتـه من مشــروعيـة الاجتهـاد, والذي يمثل بدوره مجـالاً مهمًـا من مجـالات التجـديـد في هـذا العـلم, وهـذا يستـدعـي التنظير لمـوضـوع «التجـديـد» كمفهــوم أصـولي تشــريعــي أصيل وتضمينــه هـذا العلم في «بــاب الاجتهــاد» باعتبــار أن التجـديـد يمثل أحـد أنـواعــه ووجهـا من وجـوهـه, إن لم نقل أنهمــا وجهــان لعملــــة واحــدة في علـم الشــريعــة عمـومـا وعلم أصـول الفقـه على وجـه أخص.

ثانيًــا : يعتــبر تحـديـد وضبـط المـدلول الاصطـلاحـى لأصــول الفقــه أهــم مجـالات التجـديـد في هـذا العلـم لما يؤديـه من نتـائج في توجيــه وتصـويب وتجـديـد المفــاهيم والأحكــام التى تطـلق على هـذا العلـم ومـا يتعلق بهـا من قضـايا الاجتهـاد والتجـديـد.

ثالًثــا : الوقـوف على تحـديـد المفــاهيــم الظنيـة والقطعيـة في هـذا العلـم من شـأنه أن يحـدد ويضبط مجـالات التجـديـد فيه.

رابعـاً : التـآخـى بـين الفقـه وأصـولـه مبـدأ أصيـل قــامت عليــه نشــأة هـذا العلـم, ولابـد من اعتبــاره في تجـديـد علم أصـول بنــاء على مقتضيــات التطــورات الفقهيــة وبنــاء على أن المنـاهج قابلـة للتطـور.

خـامسًــا : التكـامل المعـرفي بيـن علــم أصــول الفقــه والعـلوم الإنســانيـة أمـر لابـد من اعتبــاره في تطــويـر مبــاحث الاجتهــاد التنزيلـي من حيث إثرائـه بأدوات منهجيـة تعين على فهـم الواقـع وسلامـة التنـزيل.

ســادسًـــا : إن التجـديـد في أنـواعــه المختلفــة اســتكمالاً وإضـافــة وتهـذيبًـا للمبـاحث الجـزئيـة في هـذا العلــم يأخـذ عـدة صـور من أهمهـا :

  1. اســـتكمـال المبــاحث الحـزئيــة, كمبــاحث الحكـم ومبــاحث الأدلـــة ومباحث الاجتهـاد, والتي لابـد وأن تتجـه إلى الاجتهـاد التنزيلي للأحكـام متجـاوزاً في ذلك الاجتهــاد التـأسيسـى لهـا المحصــور في ظـاهـر النصـوص.
  2. توحـيـد المصطلحــات الأصـوليــة ذات المفــاهيـم الواحـدة من شـأنـه أن يعمــل على تســهيل فهـم هـذا العلــم وتحصيلــه, وأن يضبط الاختلاف ويحـدمنه.
  3. رصـد البحـوث الأصــوليــة المعــاصــرة أمـر لابـد منــه في بعث التجـديـد واستثمـار جهـود البــاحثـين حتى لا تبقي خـارج بنيـة علـم أصــول الفقــه, وهـذا مـا يتوخــى القيــام بــه مـن طــرف المؤسســات الرسميــة التي تجتمــع وتنتـظــم فيهــا الخ،،برات وتثمـر, ولتكـن « المقـررات الدراسيـة » و «التقنين» من وســائل تحقيق ذلك.

ســابعـاً : العمـل على استبقــاء وإظهــار مــا لم يعــد صالحـاً في هـذا العلـم ولا معمـولاً بــه في الاجتهــاد ولا مناســبًـا فيــه كعــلم تشــريعـي جليل يقــوم عليــه اســتمـرار الشــريعـة في عطـائهــا الفقهـي, وممـا كـان دخـولـه في هـذا العلم لعـوامـل ظـرفيــة تاريخيـة تجــاوزهـا العصــر في مقتضـياتــه, وهـذا في علــم متفـرع عمــا يجب أن يكـون عليــه «علـم أصـول الفقـه» وليسمــى «تــاريخ علم أصـول الفقـه».

ثـامنًــا : لا يمكـن تجــاوز الاســتنـاد إلى «علم أصـول الفقــه» في الاجتهـاد, ورميـه بعمـوم العجـز والقصـور, والعـدول عنــه إلى غيـره من البدائـل المطـروحــة, إلاّ إذا نالت مســائله حقهـا من الفهـم الدقيق في كـل مظـانــه ومصــادره الأســاسيـة, ومن طـرف المتخصصين أفـرداً ومـؤسســات, وهـذا حتـى يتحـدد الموقف منــه بمـوضوعيــة وألا يتخـذ انطـلاقًــا ممـا يصـوره ويفــرزه تقليـد المقــررات في المنــاهج الدراســية التي تم وضعهـا ــ في مطـلع القـرن المــاضـي مـن طـرف بعـض علمــاء الأزهـر ــ بطـريقــة انتقائيــة واجتهــاديـة مـن مظــانه الأســاسيــة, ورغــم أنهــا قابلــة لإعــادة النظــر, لكـن التقليـد  المعــاصــر في اتبـاعهــا الذي تعـرفـه في كـل المعـاهــد والجـامعـات يحمــل جـزءاً من مسـؤوليـة مـا يواجهـه هـذا العلــم من أحكــام الجمــود والعجــز, وهـذا حتى تنصفـه أقلام البــاحثـين تنظـيراً واجتهــادات الفقهــاء في مســـتجدات الحيــاة وقضــاياهــا إعمــالاً وتطبيقًــا.

***

الهــوامــش

  1. قســم الفقـه وأصـول الفقه ــ الجـامعـة الإســلاميـة العالميــة ـــ ماليزيـا.
  2. انظـر : الشـاطبي, أبو إسحــاق, الموافقــات في أصــول الشـريعـة, مصـر : المكتبـة التجـاريـة, د.ت, 1/1 ــ 44, مبينـاً الأهميـة الوظيفيـة لعـلم أصـول الفقــه حيث أجملهــا بقــولــه : «هذا العلـم لم يختص بإضافتــه إلى الفقــه إلا لكـونـه مفيــداً لــه ومحققـاً للاجتهـاد فيـه, فـإذا لم يفـد ذلك فليس بأصل لـه».
  3. التـرابي, حسن, قضـايا التجـديـد : نحـو منهج أصـولي, بيـروت : دار الهـادي, 2000م, ص193.
  4. المرجـع السـابق, ص 193.
  5. انظـر : مصطفـى عبـد الرازق. التمهـيد لتــاريخ الفلسفــة الاسـلاميّـة, القـاهـرة : لجنـة التـأليف والترجمــة والنشــر, ط3, 1944م, ص193.
  6. الريسـوني, أحمـد, مجلة قضـايا إسلاميــة معـاصـرة, ع 9 / 10 ـــ 2000 ص 67.
  7. الخـن, مصطفـى سعيـد, أثـر الاختلاف في القـواعــد الأصـوليــة, بيروت مؤسسـة الرســالـة, ط2, 2003م, ص15.
  8. المـرجع الســابق, ص15.
  9. الزرقـا, أحمـد مصطفـى, المـدخـل الفقهـي العام, دمشق : دار الفكـر, ط2, 1986م, ص129. ومحسن عبد الحميـد, تجـديـد الفكــر الإســلامي, فرجينيـا : المعهـد العـالمي للفكــر الإســلامـي, 1996, سلســلة قضـايا الفكـر الإســلامي(10).
  10. وتجـدر الإشــارة إلى أننـي لا أدعـي في هـذه الدراســة التجـديــد نفســه في هـذا العلـم؛ لأن هـذا أمــر يستـدعـي الإحـاطـة التـامـة بهـذا العلـم, فيمــا يقـوم عليــه ويتضمنــه من كبيـر وصــغير وهـذا لا يتيســر إلا بالعمــل الجمــاعي أو الجهــود الفرديـة المـوجهـة والمنظمــة, وإنمــا غـرضـي هو محــاولـة إظهــار المجـالات والمبــاحث التي يجـد التجـديـد فيهــا مشــروعيتــه في هـذا العلـم بحكــم أنهـا لا زالت لم تعـرف حقهــا من الخـدمـة العلميــة بالتحقيق والتهـذيب أو الاكتمــال.
  11. انظــر للتوســع في هــذه الآراء / عطيــة جمــال الديـن, تجـديـد الفكـر الاجتهـادي, مجـلة المسلـم المعـاصـر, س 24 : ع 96, (2000م) ص38.
  12. جمعـة, علـي, قضيـة تجـديـد أصـول الفقـه. القـاهـرة : دار الهجــرة, 1993م, لقـد رأى إلى جـانب إعـادة الترتيب لمباحثه وعمــل فهــارس فنيــة لتيســير التعــامل مع مبـاحثــه, تكثيــف جهــود التحقيق لبســط مفـاهيمـه, فلقــد أكـد على ضـرورة تطـوير المضـمون من حيث إدخـال العلــوم التشــريعيـة الأخـرى, كعلــم المقـاصـد والقـواعـد والفـروق لإثراء جـانب التطبيق, وحـذف الدخــيل منــه كــالكلام والعـربيـة والمنطق … الخ, أو ضعــه في صـورة مقـدمــة أو مـدخـل لهـذا العلــم, كمــا دعـا إلى ضـرورة تطـويـر تصنيف مصــادر الأدلــة وإلى تحـويـل الإجمــاع إلى مؤسســات وإلى اســتفادة علـم الأصــول من العلـوم الاجتمـاعيـة واستفـادة هـذه الأخــيرة من علـم الأصــول, ص25 ـــ 53.
  13. الدسـوقـي, محمـد, نحـو منهج جـديـد لدراســة علــم أصـول الفقـه, مجلـة إســلاميــة المعـرفـة, س1 : ع 3, (1996م) ص 124 ـــ 125.
  14. Nyazee, Imran Ahsan Khan, Islamic Jurisprudence (Islamabad : International Institute of Islamic Thought, 2000. P. 8 – 12.
  15. انظــر : ابـن عـاشــور, مقــاصــد الشــريعــة الإســلاميـة, تحقيق : محمـد الطـاهـر الميســاوي, البصـائر للإنتاج الإعلامي, (1998م) المقـدمـة.
  16. انظــر : عطية. جمــال الديـن, النظـريـة العـامـة للشــريعـة الإســلاميــة, مطبعـة المدينـة, 1988م, وانظـر في هـذا أيضًــا : تجـديـد الفكــر الأصـولي, مـرجع سابق, حيث أكـد اتجـاهـه هذا في إصـلاح الفكــر الأصــولي بالإعتمــاد على أســلوب الاستنبـاط المبـاشـر من النصـوص القـرآنيــة والنبويـة العـامــة التي قررت العـدل والإحســان والرحمـه والـبر والإصــلاح … سعيًـا إلى تكـوين فقـه جـديـد أو نظـريات من أحكــام الفروع تمتـد إلى علـوم الاجتمــاع والاقتصــاد والسياســة وغـير ذلك من الشــؤون, ص38.
  17. وإن كـان الدكتـور جمـال الدين عطيـة قـد أشــار من غير توســع إلي مــوضـوع التجـديـد في ضبط مفهــوم ومـدلول التعـريف الاصطلاحـي الأكثــر تداولاً لهـذا العـلم, انظـر : جمــال الدين عطيـة, الواقع والمثـال في الفكــر الإســلامـي المعـاصـر, سلســلة قضـايا إســلاميــة معـاصـرة, دار الهــادي للطبــاعـة والنشــر, 2001م, ص151 ومــا بعـدهــا, فالمنــاسبـة رأيتهــا تقتضــي التـوســع بالبحث في هـذا المجـال.
  18. انظـر : الأســنوي, نهــايـة السـول في شــرح منهــاج الأصـول, مصــر : الطبعــة السلفيـة, 1343هـ, 1 /
  19. انظــر : القــرضـاوي, يوسف, المســلم المعــاصـر, ع2.
  20. الغـزالي, أبـو حـامـد, المستصفى من علم الأصـول, مصـر : المطبعـة الأميريـة, 1322هـ, 1 /
  21. انظــر السبكــي, تـاج الدين, الإبهــاج في شــرح المنهـاج, تحقيق جمـاعـة من العلمــاء, بيـروت : دار الكتب العلميــة, 1404هـ, ج1 /
  22. انظــر : الشــوكـاني, إرشــاد الفحـول إلى تحقيق الحق من علـم الأصـول, القـاهـرة : دار الفكـر الغـربي, د.ت, ص3, وسـعـد الديـن التفتزاني, شـرح التلويح على شـرح التوضيح, مصـر : دار الكتب العـربيـة الكبـرى, 1327هـ, 1 /
  23. انظــر : جمــال الـدين عطيـة, تجـديـد الفقـه الإســلامي, سلســـلة حـورات القـرن الجـديـد, بيـروت : دار الفكــر المعـاصـر, 2000م, ص1, وانظــر أيضــاً : الخـواص, الشيخ العقــاد : الاجتهــاد والتجـديـد بين تـأكيـد الحقـائق وتفنيـد المـزاعــم. بيــروت : دار الجيـل, 1998م, حيث صـور أن « الأصــول قـواعـد منطقيـة فمهمـا اختلفت المادة المطـروحـة للاسـتباط والتنظير فلن تختلـف القـاعـدة وذلــك مثل منـطق القســمة أو الجمـع أو الطـرح الضـرب في الحســاب … وهـكذا الأصـول والفقـه فهـي منطق مستقـر وقـواعـد شـاملـة فلم يستبن لنـا تأثير الحضــارة والتقنيـة على هـذه القـواعـد », ص 251, كمـا ذهب آخــرون إلى رفض التجـديـد في هـذا العلــم بـدعـوى أن ( الأصــول إذا لم تكـن قطعية ودخلهــا الاجتهـاد كغيـرهـا لم يعـد لنا معيـار نحتكـم إليــه إذا اختلفنـا في الفـروع ) نقلاً عن : القـرضــاوي, يوسف, من هـدي الإســلام, فتــاوى معــاصـرة, المنصــورة : دار الوفــاء, ط2, 1993م ص 143.
  24. انظـر : الزلمـي, مصطفي إبراهيـم, أصــول الفقـه في نسيجــه الجـديد ( العــراق, كـردســتان : أوفســيت هـه ويلر, ط6, 1999م ), ص 1 وما بعـدهــا.
  25. الترابي, حسـن, قضـايا التجـديـد نحـو منهج أصـولي, ص 191 ــ 192.
  26. المـرجـع السـابق, ص 200.
  27. المـرجـع السـابق, ص208.
  28. انظــر للتوســع : مـادة المنهج في علـم أصـول الفقــه, ورقـة في المـوضـوع للبـاحثـة قـدمت في مؤتمـر « الإســلام والمسلمــون في القـرن الحـادي والعشــرين » العالمـي, في أفسطس 2004 ـــ الجامعـة الإســلاميـة العـالميـة بماليزيـا.
  29. انظـر : عطية, جمـال الدين, تجـديـد الفكــر الاجتهــادي, مـرجـع سـابق, ص 33.
  30. انظــر : بحث للباحثــة غــير منشــور بعنـوان « فن القـواعـد الفقهيــة امتـداد لتطــور علم أصـول الفقـه ».
  31. انظــر في هـذا : ابـن فارس, أبــو الحســين أحمـد, معجــم مقــاييس اللغـة, تحقيق عبد الســلام محمـد هــارون, مصــر : مطبعــة البــابي الحلبي, ط6, 1970م, 1 / 409, وابن منظـور, لســان العـرب, مصــر : دار المعــارف, 1974م, 3 / 111, 2 /
  32. كمــا هو بالمفهــوم الغربي فلا يثبت إلا بالإلغـاء والتخلص من القـديـم.
  33. أخــرجــه أبو داود, باب ما يذكــر في قـرن المائة, حديث رقـم : 4291, وأخـرجــه الحـاكــم النيســابوري في المسـتدرك على الصحيحين حديث رقـم : 522.
  34. الشــاطبي, أبو اسحـاق, الموافقــات, تحقيق إبراهيــم رمضــان, بيـروت : دار المعـرفـة, 2001م, 1 /
  35. انظـر : الزركشــي, بـدر الديـن, البحــر المحيط في أصــول الفقـه, تحـرير : عبـد القـادر عبد الله العـاني, الكويت, وزارة الأوقـاف والشؤون الإســلاميــة, 1988م, 1976.
  36. جمـال الدين عطيـة, تجـديـد الفقـه الإســلامي, ص16.
  37. جمـال الدين عطيـة, افتتاحيـة العـدد الأول الافتتاحي لمجلـة المسـلم المعـاصـر, 1974.
  38. جمـال الدين عطيـة, الواقــع والمثـال في الفكـر الإســلامـي المعــاصـر, مرجع سـابق, ص140.
  39. المرجـع الســابق.
  40. انظـر : القـرضــاوي, يوسف, تيسـير الفقـه للمســلم المعـاصـر, بيـروت : مؤسسـة الرسـالة, 2001م, ص 47 وما بعـدهــا.
  41. المـرجع السـابق.
  42. المـرجع السـابق.
  43. الغـزالي, أبو حـامـد, المستصفى من علـم الأصـول 4 /
  44. الزركشــي, بدر الديـن, البحـر المحيـط في أصــول الفقـه, تحقيق : عبــد القـادر عبد الله العــاني, الكـويت : وزراة الأوقــاف والشــؤون الإســلاميــة, 1988م, 6 / 197 ـــ 199.
  45. انظــر للتوســع : صـوالحـي, يونس, إشكــاليـة اليقين في الفكــر الأصــولي, مجلــة التجـديـد, العـدد الخــامس عشــر, 2004 هـ.
  46. انظــر : الإمــام الشــاطبي في موافقــاتـه, المقـدمــة من الجـزء الأول حيث بين أن عملــه في كتــاب الموافقــات يرمـي إلى استخـلاص أصـول قطعيـة باسـتقراء موارد الشـريعـة من شـأن الاعتمــاد عليهــا نقل الاستـدلال الفقهـي من الظن إلى القطع, حيث قـال « إنـي شــرعت في تـأليف هـذه المعــاني عـازمًــا على تأسـيس تـلك المبــاني, فإنهــا المعتبرة عنــد العلمــاء والقـواعــد المبني عليهــا القـدمــاء » ص24, واتظــر أيضًـا : الإمـام ابن عـاشـور في كتـابــه مقــاصـد الشــريعــة الإسـتلاميــة والذي قال : «معظــم أصــول الفقـه مظنـونـة .. », ص 7.
  47. القــرضـاوي, يوسف, تيسير الفقـه للمســلم المعـاصـر, مرجـع سـابق ص 47 ــ 48.
  48. الجوينـي, أبو المعـالي, البرهـان في أصـول الفقـه, تحقيق : عبد العظــيم الديب, القـاهـرة : دار الأنصــار, ط2, 1400هـ, 1 /
  49. انظــر : أبــو ســليمــان, عبـد الوهـاب, الفكــر الأصولي دراســة تحليليـة نقـديـة, جـدة : دار الشـروق, ط2, 1984م, ص 457 ــ 458.
  50. انظــر : الجويني, أبـو المعـالي, غيـاث الأمــم والتيــاث الظلم, تحقـيق : عبـد العظــيم الديب, قطـر : طبع وزارة الشــؤون الدينيـة, 1400هـ, فقـرة : 567.
  51. انظــر : الشـاطبي, الموافقـات, 1 / 10, وإنصـافـاً لإسهـام الإمـام الشـاطبي رحمه الله تعـالى, ولعلـم مقـاصـد الشـريعـة, فهـذا العلـم لا يزال لم يعــرف حقــه من الخـدمــة من حيث إظهــار أهميتـه العلميــة في تحقيق أهـدافـه التشــريعيــة في توجيــه مبـاحث علم أصـول الفقـه على المسـتويين التنظيري والتنزيلي.
  52. ســيأتي في اللاحـق من هـذا البحث تفصيل بعـض مـن أوجــه الربط بينهمــا في بعـض المبـاحث, كمــا تفيـد الكثــير من الدراســات الحديـثة أن أصـول الفقـه يمثل في قـواعـده وأصـولـه وأدلتـه الشق التطبيقي لعلـم مقـاصـد الشــريعــة في كلياتـه وأصـولـه وقـواعـده المصلحيـة والمفـاهيميـة, ولعل أظهـرهـا أصـول أو أدلـة الإجتهـاد فيمـا لا نص فيـه, فلد أثبتت عـدة دراســات علاقتهـا بالمقـاصـد (انظــر : مقـاصـد الشــريعة الإســلاميــة وعلاقتهــا بالأدلة الشـرعيــة للدكتور محمـد سعـد اليوبي (الرياض : دار الهجـرة للنشــر والتوزيع, ط1, 1998م), وكذلك : التـأصيل المقـاصـدي للأدلـة المختلف فيهــا : دراســة لبيان أن الأدلة المختلف فيهـا قـواعـد تطبيقيـة لمقـاصـد الشــريعـة الإســلاميـة, وهـو بحث دكتـوراه لم ينشـر بعـد, وهـو للباحثـة.
  53. أبو سـليمـان, عبــد الوهـاب, منهج البحث في الفقه الإســلامي, خصـائصـه ونقـائصـه, لبنان : دار ابن حـزم, 1996م, ص 40 ـــ 41.
  54. انظــر : النجـار, عمـر عبـد المجيـد, مباحث في منهجية الفكـر الإســلامي, بيـروت : دار الغـرب الإســلامي 1992, ص 57 ومـا بعـدهـا.
  55. انظــر : باقـر الصـدر, محمـد, دروس في علـم أصـول الفقـه, بيـروت : دار الكتــاب اللبنـاني 1980م, المقـدمــة.
  56. يقصـد بالنظــريـة الفقهيّة في البحث الفقهي المعـاصـر ذلك المفهـوم أو التصـور المجـرد والعـام لمجمـوعة مـن القضـايـة المنتظمـة حـول موضـوع معيّن لفــرض حقـوق معيّنــة أي أحكــام معينّـة, انظـر في هـذا : مصطفـى الزرقـا, المدخـل الفقهـي العـام, المـرجع السـابق, 1 / وأنظــر عطيـة, جمـال لدين, التنظير الفقهـي (المدينـة : مطبعـة المدينـة, ط 1, 1987م), ص9.
  57. لقـد قصــد بالنظـريـة العـامـة للشـريعـة «ذلك التصـور العـام الذي يوضح الخطــوط العـريضــة الإســلاميــة كنظــام إسلامــي وحقـوقـي, وهـي بهـذا الاعتبار شـاملـة لأصـول الفقـه إذ تحتل مباحثه ـــ وهي تهتـم أصلاً بقـواعـد اســتنباط الأحكــام من الأدلـة ـــ مكـانهـا ضمن المخطط العـام للنظـريـة والتي لا تنحصـر بمســألة الاستنباط ». انظـر : ص7 من الكتـاب.
  58. ابو سـليمـان, عبد الوهـاب, منهج البحث في الفقـه الإســلامي, المرجع الســابق, ص18.
  59. ابـن القيـم الجـوزيـة, أعلام الموقعين, مصـر : المكتبــة التجــاريـة, 1955م, 89 /
  60. القـرافي, شهـاب الدين, الفروق, مصـر : دار إحيــاء الكتب العربيـة, د.ط, 1346هـ, 4 /
  61. الشـاطبي, الموافقـات, 4 /
  62. نفس المصـدر, 4 /
  63. انظــر : عطيــة جمــال الدين, تجـديـد الفكـر الاجتهـادي, مـرجع سـابق, حيث يوجــه هـذا الإشكــال بفكــرة إعـداد المجتهـد المتخصص «الجـزئي» و«البيني» أي الذي يجمـع أكثــر من تخصص وهـذا في قوله : « أن المجتهــد المطلق لم يعـد موجـوداً, كمــا لم يعـد من المنتظـر وجـوده, وإنمـا الذي يوجـد الآن أو يتصـور وجـوده هو المجتهـد الجزئي أي الذي يتمكـن من استنبـاط الحكـم في المســألة دون غيرهـا أوفي بـاب فقهـي دون غيـره, وهـذا المجتهـد المتخصص لابـد من وجـوده وقيــامــه بمهمتـه, وإعـداده إعـدادًا تخصصيًّـا لا في الجانب الشـرعـي فحسب, وإنمـا في جـانب التخصص الذي يتجـه إليـه, سـواء في الاقتصــاد أو الطب أو الاجتمــاع أو علـم النفس أو غيـر ذلك من المجـالات … » ص43.
  64. الشــاطبي, المـوافقـات, 166 /
  65. انظــر بيـان أصــول منهج البحث الاجتمـاعي : المـدرسي, محمـد تقــي, المنطق الإســلامي, أصـولــه ومناهجــه, لبنان : دار لبيـان, ط2, 1992م, ص469.
  66. انظــر تفصيـل العلاقــة بين المنهـج التجـريبي وأصــول الفقـه وخـاصـة مـا تعلق بقـواعـد التعليــل : النشــار, ســامي, منـاهج البحث عنـد مفكــري الإســلام واكتشــاف المنهج العلمـي عنـد مغكــري الإســلام, القـاهـرة : دار المعــارف, 1966م ص 359 ـــ 364 و انظـر : عطيـة, جمـال الدين, النظـريـة العـامـة للشـريعــة الإســلاميــة, ص22 ـــ 26. وكـذلك جمعـة, علي محمـد, قضية تجـديـد أصـول الفقـه, ص29.
  67. انظـر تفصيـل العـلاقـة بين الحكــم وأثـر الواقــع في ثبوتــه الدكتــور الريسـوني, أحمـد, الاجتهــاد: النّص, الواقع, المصلحة, دمشق : دار الفكــر المعــاصـر, 2000م, ص72.
  68. انظــر : بكــار, عبـد الكـريـم, فصــول في التفكيـر المـوضـوعـي, دمشق : دار القلــم, 1993م, ص63, 105, 140.
  69. الشـاطبي, الموافقـات, 1 /
  70. See : Soualhi, Younes, Legal Capacity (al-Ahliyyah) between Shar’iah and Delelopmental Psychology,a paper presened at the Third International Conference on Humanities, Univers – ity of Cambridge, U.K, August, 2005. Pp,2-5.
  71. انظــر للتـوسـع في بيان أهميـة التكـامـل المعـرفي بين العـلوم الإنســانيـة والعلـوم الشـرعيــة : جمعـة, على محمـد, قضيـة تجـديـد أصـول الفقــه, القــاهـرة, دار الهـدايــة, 1993م, ص31, حيث ضمن كتـابـه محـاضـرة جمـال الدين عطيــة : « إســلاميـة المعـرفـة وعلـم أصـول الفقـه والعلـوم الاجتمـاعية » التي ألقـاهـا في كليـة الشـريعـة, جـامعـة قطـر في : 17 / 11 / 1988م, وهي من منشــورات المعهـد العالمـي للفكـر الإســلامي, وانظـر في ص 40 من نفس المـرجع دعـوة د. طـه جـابر العلـوانـي إلى الاستنـاد إلى أدوات المنهـج التجـريبي التطبيقي في تجـديـد أصـول الفقـه, ومـدكور, عبد الحميـد, أصـول الفقـه والعلــوم الإنســانيـة, ورقـة بحثية وهي من منشــورات المعهـد العـالمي للفكــر الإســلامي.
  72. جمعـة, علي, قضيـة تجـديـد أصـول الفقـه, المـرجع السـابق, ص49.
  73. Mohammad Muslehuddin, Sociology and Islam, Lahor, Islamic Publications Limited, 1977 pp. 75-81, 207-212.
  74. مقـولــة العلامــة الحصكفـي ق 11 هــ نقلاً عن : عبـد الوهــاب أبو ســليمـان, منهـج البحث في الفقـه الإســلامي, المـرجع السـابق, ص77.
  75. ابن عابـدين, محمـد أميـن, رد المختـار على دار المختـار, بيـروت : دار الكتب العلميـة, د, ت, 1 /
  76. مثـل القـواعـد الفقهيــة / مقـاصــد الشـريعــة / القـوانين الفقهيـة / النظـريات الفقهيّة .. الخ.
  77. الـترابي, حســن, قضـايـا التجـديـد نحـو منهـج أصـولي, ص193, ومـدكــور, عبــد الحمـيد, المنهج في علـم أصــول الفقـه الجزائـر, نـدوة قضـايا المنهجيـة, جـامعـة الأميـر عبد القـادر للعلـوم الأسـلاميـة, قسنطينـة, 1989م).
  78. الخضــري, بـك, أصــول الفقـه, بيـروت : دار الفكــر, ط6, 1981م, ص5.
  79. انظــر : قطب, مصطفى سـانـو, في مرتكــزات نجـديـد الفكـر الأصـولي, مجلـة تفكـر, مج : 1, 2, ع : 2, 1, 2000 / 1421هـ, ص 102.
  80. انظــر المجــال الأول في تجـديـد أصـول الفقـه فيمــا سبق عـرضـه من هـذا البحث.
  81. انظــر في تفصيل هـذا : الدريني, فتحـي, المنــاهج الأصــوليــة في الاجتهـاد بالرأي في التشــريع الإســلامي, دمشـق : الشـركـة المتحـدة للتوزيـع, ط2, 1985م, ص65. والاجتهـاد والتجـديـد في الفكــر الإسـلامي المعـاصـر, مقـال منشــور في سلسـلة : الفكــر الإســلامي المعـاصـر, العـدد (2), مـركـز دراسـات العـالم الإســلامي, مالطـا, ط1, 1991م.
  82. بعض البحـوث المعــاصـرة اهتمت بدراســتهـا على ضـوء مقـاصـد الشــريعـة, وأثبتت أنهــا تمثــل في ذاتهــا أصـولاً تقـترب إلى القطـع إن لم تكـن قطعيـة بـالفعـل, وأن الظـن دخلهــا بسبب الاختلاف في إعمالهـا وتطبيقهـا, ومن نمــاذج هـذه الدراســات والتي هي رســائل أكـاديميــة علميــة : اليوبي, أحمـد بن مســعـود, مقــاصـد الشــريعــة الإســلاميــة وعلاقتهــا بالأدلـة الشـرعيــة الريـاض : دار الهجــرة للنشــر, 1889م, وللباحثــة : التــأصيل المقــاصـدي للأدلــة المختلف فيهــا (دراســة لبيان أن الأدلــة المختلف فيهـا قـواعـد تطبيقية لمقـاصـد الشـريعـة الإسـلاميـة) وهي لم تنشـر بعـد.
  83. القـرضــاوي, يوسف, تيســير الفقــه للمســلم المعـاصـر, المـرجع السـابق, ص 47 ــ 48, وانظــر في أهميتهـا كتـابات الدكتـور فتحـي الدريني الأصـوليـة.
  84. انظــر : للباحثــة ورقـة بحثية في مـادة المنهج في أصـول الفقـه, منشــورة ضمن أعمـال المؤتمـر العـالمي عن الإســلام والمسلمـون في القـرن 21, المنعقـد في ـــ تنظيـم كليــة معـارف الوحـي والعـلوم الإنســانيـة بالتعـاون مع معهـد الوحـدة الإســلاميـّــة بالجـامعـة العالميــة الإســلاميـة بماليزيا.
  85. انظــر في بيـان حقيقـة الاختلافـات وأسبابهـا : البيانوني, محمـد أبو الفتح, دراســات في الاختلافـات العلميـة, القـاهـرة : دار الســلام للطباعـة والنشــر, 1998م, ص40 ومـا بعـدهـا. وانظــر أيضًــا : طـويلـة, عبـد الوهــاب عبـد الســلام, أثــر اللغـة في اختلاف المجتهـدين, القـاهـرة : دار السلام للطبـاعـة والنشــر والترجمـة, ط2, 2000م, ص 90 ـــ 91.
  86. انظــر : جكعــة, علي, المصطلــح الأصـولي ومشــكلـة المفـاهيـم, القـاهـرة : المعهـد العـالمـي للفكـر الإســلامي, 1996م, ص29.
  87. انظــر أمثلــة هؤلاء الحداثيين : حنفي, حســن, التراث والتجـديـد, بيـروت : دار التنـوير للطبـاعـة والنّشــر, 1988م, ص250, وشـحـرور, محمـد, نحـو أصــول جـديـدة للفقـه الإســلامي, دمشــق : الأهـل للطبـاعـة والنشـر, 2000م, ص62, وأركـون, محمـد, الفكــر الأصــولي واستحالة التـصـيل, ترجمـة : هـاشـم صـالح, بيـروت : دار الســاقي, 1999م, ص20.
  88. من أليق أن تكـون تحت إشــراف وتوجيــه ســلطـة مؤسـسـاتيـة رسميـة ةهـذا حتـى يتجـاوز الاجتهـاد الصبغــة «الفـرديـة» و«الجـزئية» ويحقق مشــروعيتــه بالإجمــاع والشــورى إذ يصبح مؤسساتيًّا وملزمًـا, انظــر في هـذا : عطيـة, جمـال الدين, تجـديـد الفكــر الاجتهـادي, مـرجع سـابق, ص 34 ــ 35.
  89. وهـذا بعـد نجــاح عمليــة «الإقنـاع» بالتصــور الإســلامي الصحيح للسلطـة التشــريعيـة في توجيــه مهـامهـا والقـائمـين عليهـا, انظـر في هـذا : عطية, جمـال الدين, تجـديـد الفكـر الاجتهـادي, مـرجع سـابق, ص 34 ــ 35 ــ 36.
  90. هنـاك بعــض المحــاولات الفـرديــة في تقنين شــامل لأصــول الفقـه في كـل قـواعـده وأصــولـه, ومن نمـاذجهـا : تقنين أصـول الفقه للدكتـور محمـد زكـي عبد الله, القـاهـرة : مكتبـة دار التراث, 1981م, مع أن صـاحبـه لم يتعـد في طـرحـه مـا أفاده في مقـدمـة الكتـاب من غـرض, وهـو «تيسير الإلمـام بعلـم أصـول الفقـه وليكـون منه مقـدمـات للتقنينـات الإســلاميــة المـرجـوة».
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر