قراءات

رفع الملام عن الأئمة الأعلام – الخلاف الرفيع

العدد الافتتاحي

هل من الممكن ضغط عقول الناس – جميع الناس – في عقل إنساني واحد؟

الجواب، بنعم يؤدي إلى تناقض مركب.

فالجواب هنا يزعم الإمكان، بينما الاستحالة قائمة ومؤكدة.

ويوقع الناس في حرج، والحرج مرفوع ديناً.

ويلغي مسؤولية الإنسان ومبدأ التكليف، في حين أن الإسلام يؤكد المسؤولية الذاتية واتكليف العيني بناء على العقل الذاتي، لا على النيابة العقلية ويحاول محو الحكم من وراء تعدد الناس، وتناسلهم، ذلكأن ضغط عقول جميع الناس في عقل واحد، ينبثق من فرضية التكرار، أي أن خلق بلايين الناس من كل الأجيال المتعاقبة ليس له حكمة ولا معنى سوى التكرار المجرد.

وهذه المقولة أو الفرضية تتناقض مع حكمة الله في خلق الأناس الكثيرين أمس واليوم وغداً.

أما الجواب، بالنفي، أن ليس في الإمكان ضغط عقول جميع الناس في عقل إنساني واحد فيؤكد حقيقة علمية راسخة وهي تعدد عقول الناس بحسب تعدد أفرادهم لا يستثنى من ذلك إلا المجانين والذين يتطوعون بالغاء عقولهم أو تعطيلها.

وينبثق عن حقيقة تعدد العقول حقيقة أخرى وهي: تنوع الأفكار والافهام ووجهات النظر، ومن هنا يحدث الاختلاف.

هذا الكلام الذي تقرؤه الآن يمكن أن تختلف معي فيه اختلافاً كلياً أو جزئياً، في التصور أو المنطلق، أو الفهم، أو التقرير.

ولا ينبغي أن تجفل من هذا الاختلاف، ولا ينبغي أن أجزع منه.

وفي تقديري أن الاجتهاد في الإسلام مبني على هذه الحقيقة، حقيقة تعدد العقول، وحقيقة تنوع الأفكار والأفهام بالتالي.

ففي داخل الإطار الواحد، تتنوع الرؤى، وتخاف الأفهام في قضية واساة تحتمل الاجتهاد والنظر، فيلم الناس متفاوت الكم والدليل، وفهم متفاوت في التصور والحكم.

ابن تيمية لا يحتاج إلى تعريف فهو من المكانة والعلم والتثبت بحيث لا يجهله رجل معنى بقضية الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً.

ألف ابن تيمية رسالة موضوعها وعنوانها “رفع الملام عن وكلمتنا هذه خلاصة لقراءة في رسالة الشيخ العظيم.

يبدأ ابن تيمية بتقرير حقيقة أولية وأساسية وهي التزام الصحابة والأئمة بالعمل داخل إطار الإسلام، ثم يوضح أسباب التفاوت العلمي، مشفوعاً بأعذار منطقية.

قال:

“وليعلم أنه لا يوجد أحد من الأئمة – المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً – يعتمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل”، فانهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذمن قوله ويترك إلا رسول الله، ولكن إذا وجد الواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه.

وجميع الأعذار ثلاثة أصناف :

أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

الثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

الثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة :

  • أن لا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه، وإذا لم يكن قد بلغه، وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر، أو بموجب قياس أو موجب استصحاب – فقد يوافق ذلك الحديث تارة ويخالفه أخرى، وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف، مخالفا لبعض الأحاديث.

فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرة ويبلغه أولئك – أو بعضهم لمن يبلغونه فينتهي علم ذلك إلى من شاء الله تعالى من العلماء، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم في مجلس آخر قد يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل شيئا ويشهده بعض من كان غائبا عن ذلك المجلس ويبلغونه لمن أمكنهم فيكون عند هؤلاء من العلم، ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء.

وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم أو جودته.

وأما احاطة واحد بجميع حديث رسول الله ÷، فهذا لا يمكن ادعاؤه.

واعتبر في ذلك بالخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم مري ومعدته وأحواله خصوصا الصديقي – رضي الله عنه الذي لم يكن يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حضرآ ولا سفراً، بل كان يكون مريه في غالب الأوقات حتى أنه يسهر عنده بالليل في أمور المساعين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يقول : ودخلت أنا وأبو بكر وعمر”، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ثم إنه – مع ذلك – لما سئل أبو بكر – رضي الله عنه، عن ميراث البلدة قال : ما لك في كتاب الله من شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شيء، ولكن أسأل الناس فسألهم فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة، رضي الله عنها، شهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السامه من وقد بالغ، أيضاً، هذه السنة عمران بن حصين رضي الله عنه.

وكذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يكن يعلم سنة الاستئذان، حق أخبره بها أبو موسى الأشعري، واستشهاد بالانصار وعمر أعلم ممن حدثه هذه السنة.

ولم يكن عمر يعلم أن المرأة ترث من دية زومرها بل يرى أن الدية للعاقلة، حتى كتب اليه الضحاك بن سفيان الكلابي، وهو أمير الرسول صلى الله عليه وسلم الله صلى الله عليه وسلم على بعض البوادي بياره وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها” فترك رأيه لذلك وقال : “لو لم نسمع بهذا لقضينا بخلافه”.

ولم يكن يعلم حكم المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “سنوا بهم سنة أهل الكتاب”.

وتذكر هو وابن عباس، أمر الذي يشك في صلاته فلم يكن قد بلغته السنة في ذلك حتى قال عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم “إنه يطرح الشك ويبني على ما استيقن”.

فهذه مواضع لم يكن يعلمها عمر رضي الله عنه حتى بلغه إياها من ليس مثله، ومواضع أخر لم يبلغة ما فيها من السنة، فقضى فيها أو أفتي فيها بغير ذلك.

مثل ما قضي في دية الأصابع : أنها مختلفة بحسب منافبها، وقد كان عند أبي موسى وابن عباس – وهما دونه بكثير في العلم – علم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “هذه وهذه – سواء – يعني الإبهام والخنصر”.

فبلغت هذه السنة معاوية في إمارته فقضي بها، ولم يجد المسام ون بدأ من اتباع ذلك.

ولم يكن ذلك الحديث عيبا في حق عمر – رضي الله عنه – حيث لم يبلغه الحديث.

وكذلك كان – رضي الله عنه – بني المحرم من التطيب قبل الاسترام وقبل الإفاضة إلى مكة بعد رمي المقية، هو وابنه عبد الله بن عمر – رضي الله عنها – وغيرهما من أهل الفضل، ولم يبلوم حديث عائشة -رضي الله عنهما – “ليست رسول الله صلى الله عليه وسلم والإحرامه قبل أن يحوم، وسله قبل أن يطوف”.

وعثمان – رضي الله عنه – لم يكن عنده علم بأن المتوفى عنها زوجها تمتد في بيت الموت حتى حدثته الفريعة بنت مالك، أخت أبي سعيد الخدري – رضي الله عنها – بقضيتها لما توفى عنها زوجها وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : “امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، فأخل به عثمان رضي الله عنه.

وعلي رضي الله عنه أفتى هو وابن عباس وغيرهما بأن “المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا تمتد أبعد الأجلين “، ولم تكن قد بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيمه الأساسية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة، حيث أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم “بأن عدتها وضع حملها”.

وهذا باب واسع يبلغ المنقول منه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كثيراً جداً، وأما المنقول عن غيرهم فلا يمكن الإحاطة به فإنه ألوف.

فهؤلاء كانوا أعلم الأمة وأفقهها وأنقاها وأفضلها فيمن بعدهم أنقص، وخفاء بعض السنة عليهم أولى فلا يحتاج ذلك إلى بيان.

  • أن يكون الحديث قد بلغه، لكنه لم يثبت عنده، إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من رسنال الإسناد، مجهول عنده أو متهم سيه الحفظ، وإما لأنه لم يبلغه مستندا بل منقطعا، أو لم يضبط لفظ الحديث، مع أن ذلك الحديث قد رواه الثقات لغيره باسناد متصل، بأن يكون غيره يعلم من المجهول عنده: الثقة أو يكون قد رواه غير أولئك المجروحين عنده أو قد أتصل ومن غير الجبهة الجنة طعمة وقد ضبط الفاظ الحديث بعض المحدثين الحفاظ أو لتلك الرواية من الشواهد والمتابعات ما يبين صحتها”.

وطفق ابن تيمية يحصى من هذه الأسباب في هذا الباب ما شاء له أن يحصي حتى ذكر عشرة أسباب، يطول ذكرها نصاً.

“الأسباب الباقية في ايجاز هي : اعتقاد ضعف الحديث باجهتاد قد خالفه فيه غيره – اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة – أن يكون الحديث قال بانه وثبت عنده ليكنه نسيه – عدم معرفته بدلالة الحديث لفظا أو معني – اعتقاده أن لا دلالة في الحديث – اعتقاده أنداك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليستة مرادة – اعتقاده أن الحديث معارض مما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله إن كان قابلا للتأويل – معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً أو لا يكون في الحقيقة ممارضا راجا كمارضة كثير من الكوفيين الحديث الصحيح بظاهر القرآن واعتقادهم أن ظاهر القرآن من العموم ونحوه مقدم على الحديث”.

حصيلة المطالعة :

هذه النقول اثبتناها قصداً ابتغاء أن يصل الاستشهاد بها درجة الإشباع والارتواء.

وفي السطور التالية نقدم حصيلة مطالعتنا في هذا الكتاب الجيد، المتميز بثراء المعلومات، وسداد النظر.

لئن كان ابن تيمية رفع الملام عن الأئمة الأعلام امجاد الأعذار المقبولة والتفسير الموضوعي لتفاوتهم أو اختلافهم في الدليل فان الثمرة العملية لادراكنا لهذه القرية تتمثل في :

  • أن يرفع الملام عن المختلفين حديثاً – في داخل الإطار – لذات السبب أي بسبب التفاوت في العلم بالدليل.

صحيح أن الأدلة قد حصت تماماً – توثيقاً وتضعيفاً – بعد ظهور المنهج العلمي الصارم في علوم الحديث، بين أن العجز عن الإحاطة التامة بكل شيء لا يزال يصاحب العلماء والباحثين.

  • أن يرفع الملام عن المختلفين حديثاً – داخل الإطار – بسبب اختلاف الفهم في موضوع أو قضية صمت – عالمية – عند الجميع.

كانت القضايا – في العصور الماضية – أقل حجما وأكثر بساطة، أما في عصرنا هذا فهي أضخم حجما وأشد تعقيدة، ومن ثم فان الاختلاف حولها سيتسع بمقدار المقول التي تطرقها وتتناولها بالبحث والنظر والتقرير.

هل هذا تشجيع للإختلاف؟

إن هذا السؤال مطابقى السؤال آخر يقول : هل التسليم بحقيقة تفاوت الناس في قوة الابصار، يشتهم على أن ينظروا أكثر ويروا أبعد؟

إن الاختلاف قائم، ولكن في الامكان محوه أو منعه.

والخلاف ، خلافان.

خلاف عقيم ينقصه العلم والأدب.

وخلاف موضوعي، يعتبر الهروب منه، هروباً من الحقيقة، وتعاملاً مع الأوهام.

إن المطالبة بإلغاء الخلاف عنت يضني الجهد، فحسب والخطة السديدة أن نطالب بما يمكن أن نسميه “الخلاف الرفيع.

اختلفوا، لا ضير لكن ينبغي أن يكون الاختلاف رفيعاً

ولذلك شروط :

  • الالتزام بالموضوعية، أي بالقضية المطروحة للبحث، فان التركيز على الموضوع لا يفسح المجال لسلبيات غير موضوعية.
  • الأسلوب المهذب أو التعبير العف فان العالم لا يخدم بالسباب، وكأي من كاتب أو عالم شوه الحقيقة التي يعرفها بأسلوب يصد، ولا يجذب، وبتعبير لا يوفر الهدوء العلمي، ولا الجو المناسب.

ما معنى إقحام كلمات نابية في خلاف حول قضية الملكية في الإسلام مثلاً؟

  • التجرد، وهذا شرط عظيم من شروط الاختلاف الرفيع فان الذي يفسد الحقائق والقضايا ليس الخلاف العالمي، وانما الهوى.

الهوي، هو الذي يحمل صاحبه على تحويل الخلاف الفكري إلى حرب تجعل الأفكار قنابل، وخطوط الحوار اسلاك شائكة.

مكان ، للرأي الآخر :

كتاب ابن تيمية، يجيد العذر للرأي الآخر، ولا يدينه، بل يرفع عنه اللوم.

وهذا الاتجاه الرشيد يتجاوز التقرير النظري، ليثبت حقيقية عملية واقعية وهي : لا تكاد توجد قضية ما دون أن يوجد الرأي الآخر أو الآراء المتعددة فيها.

الرصد الزمني لبداية شهر رمضان – مثلاً – مسألة تتملتي بعبادة عظيمة هي الركن الرابع من أركان الإسلام.

ومع ذلك تنوعت الآراء حول “يوم الغيم”.

وأما صوم يوم الغيم فللعلماء فيه عدة أقوال، وهي من مذهب أحمد وغيره.

  • أحدها : أن صومه منهي عنه ثم هو هي تحريم أو تنزيه، على قولين، وهذا هو المشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد في احدى الروايات عنه.
  • والقول الثاني : أن صيامه واجب، كاختيار القاضي والحزقي وغيرهما من أصحاب أحمد.

ومن الصحابة من كان يصوم هذا اليوم احتياطاً – لا وجوباً – كعمر وعلى ومعاوية وعائشة وأسماء.

ومنهم من ينهي عن صيامه كعمار بن ياسر وغيره.

  • والقول الثالث : أنه يجوز صومه، ويجوز فطره، وهذا مذهب أبي حنفية وغيره.

* وأصل هذه المسألة أن تميين النية لشهر رمضان هل هو واجب؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد.

  • احدها : أنه لا يجيزه إلا أن ينوي رمضان.
  • والثاني : يجزئه مطلقاً كمذهب أبي حنيفة.
  • والثالث : أنه يجزئه بنية مطلقة لا بنية تقييم غير رمضان، وهذه الرواية الثالثة عن أحمد وهي اختيار الحزقي وأبي البركات([i])“.

فيه قولان!، فيه ثلاثة أقوال، اختار فلان، كذلك، هذه سمة فكرية وعلمية تفسح للرأي الآخر مكانا، يقاس بالأميال لا بالأشبار.

في نقطة واحدة تتعلق بر كن عبادي، تمددت اراء الرجال وتنوعت، فوسها الإسلام، وو سمتها قضايا الحياة، ووسعتها آفاق الرجال وصدورهم.

لم يرى واحد من هؤلاء “الرأي الآخر”، بالكفر أو الانحراف، ولم يلجأ واحد منهم إلى أسلوب الاستخفاف والخط من القيمة والذم والسباب.

اقروا الاختلاف في الرأي كحقيقة واقعة ليس من الممكن تجاوزها أو – كما يقول ابن تيمية في كتابه الذي بين أيدينا : “أن المجتهد مع خطئه له أجر وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له لأن إدراك الصواب في جميع أعيان الأحكام إما متعذر أو متعسر”.

أقروا الاختلاف في الرأي، ليقينهم ووعيهم بأن ليس من حق أحد أن مكر الصواب، ولا هو يستطيع أن يفعل ذلك ولو أراد، ولكنهم في اللحظة ذاتها ترفعوا وسموا، سعة في الأفق، وتهذيبا في الأسلوب.

ولسنا ننكر ما وقع في تاريخنا من خصام حاد في قضايا عالمية وفكرية لا مصر لها، وسار هذا العام في قنوات فقل ماؤها صفاءه وتليس بمعرات وترسبات كثيرة.

بيد أننا الآن بصدد التركيز على الايجابيات، دون السلبيات.

  • الضيق بالرأي الآخر – إذن – إلى جانب أنه وهن نظري هو كذلك عنت عملي يثقل كاهل صاحبه بكرب اليم في غير ما حكمة ولا مصلحة ولا جدوى.

ودوما يرد الموقف الخاطىء، إلى التصور الخاطيء.

  • هناك قضايا يضيق الناس بوجودها وكأنها في ذاتها كارثة ماحقة أو زلزال مدمر، بينما الكارثة طرأت عليها من نافذة التصور الخاطيء، ومن واقع الممارسة الخاطئة.

اختلاف الشهوة والقوميات، هل هو كارثة في ذاته؟

الذين يجتهدون ليدبروا ما ومهه الله يتصورونه كذلك، متخطين باجتهادهم هذا آيات الكتاب المبين “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.

الأزمة جاءت من عدم الاعتراف بهذه الشعوب والقوميات، لا من أساس وجودها! وجاءت من جعل هذه القوميات معيارا أعلى يقاس به التقدم، والتأخر، والرقي والانحطاط.

وانهاء الأزمة أو الحد من شرورها يتمثل في الاعتراف بهذه القوميات – لا في تجاهلها وانكارها – وتجريدها في نفس الوقت من الادعاء بأن تكون هي ذاتها معيارة أعلى التقدم والتأخر، ثم اختيار معيار أعلى يسوي بين القوميات والشعوب ابتداء وحكم النشأة الواحدة، ويفاضل بينها جاهد به قربها من الله بعد بحانه : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

وجود الاختلاف الفكري – وهذا هو المقصود من المثل الأنف – لا يشكل في ذاته أزمة، ولا ينطوي على كارثة تهدد الوجود البشري، والإسلام بالانقراض والزوال.

الأزمة نشأت :

  • من ضآلة الحصيلة العملية.
  • ومن الاسترسال مع الهوى.

وهذان المصدر ان هما علة التخلف باطراد : “إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى”.

وقد يكون هناك علم غزير، بيد أن العلة الثانية تلتوي بصاحبها وتؤزه على الضيق بآراء الآخرين.

  • ومن ادعاء القداسة للرأي، فان افراغ هالات مقدسة على رأي ما ذريعة كبيرة لرفض أي رأي آخر، حفاظا على هيبة القداسة المدعاة!
  • ومن فقدان التنسيق في دائرة العمل، ذلك أنه مهما تعددت الآراء وتنوعت فان هناك تخوماً مشتركة وأصولاً جامعة، يصبح التنوع مع وجودها نعمة، وتهددا للرؤى فيتناول القضية من الزوايا جميعاً.
  • أن الاختلاف الفكري هو سباق أو ينبغي أن يكون سباقاً نحو فهم الإسلام وفهم الحياة.

فلماذا لا نفرح إذا مةتى واحد منا انجاز أعظمها ؟

نحن نفرح حين يتزوج إنسان وحين يجيئه ولد أو يتقلد منصباً ونذهب لن نشه في شرطة دافئة.

لماذا لا نفرح إذا رزق فكرة جديدة ؟

ليتغير الحال، يا رجال!

وأنصاف أستانا مجرارة وود لأنه رأى أبعد مما رأينا.

([i]) فتاوى ابن تيمية ج5 ص98-101.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر